الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس والستون
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ. فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
قوله: بعث خيلًا قبل نجد، أي فرسانًا، والأصل أنهم كانوا رجالًا على خيل، والسرية التي أخذت ثمامة كان أميرها محمد بن مسلمة، أرسله النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في ثلاثين راكبًا إلى القُرطاء، بضم القاف وفتح الرَاء والطاء، من بني أبي بكر بن كلاب، لعشر ليال خلون من المحرم سنة ست. وكانت غيبته بها تسع عشرة ليلة، وقدم لليلة بقيت من المحرم. وقوله: قبلَ نجد، بكسر القاف وفتح الموحدة، أي جهة، ونجد، بفتح النون وسكون الجيم، في جزيرة العرب. قال المدائني: جزيرة العرب خمسة أقسام تهامة والحجاز ونجد وعَرُوض واليمن. أما تهامة، فهي الناحية الجنوبية من الحجاز، وأما نجد فهي الناحية التي بين الحجاز والعراق، وأما الحجاز فهو جبل يُقبل من اليمن حتى يتصل بالشام، وفيه المدينة وعَمّان، وأما العَروض فهي اليمامة إلى البحرين. وقال الواقديّ. الحجاز من المدينة إلى تبوك، ومن المدينة إلى طريق الكوفة، وما وراء ذلك إلى أن يشارف أرض البصرة فهو نجد، وما بين العراق وبين وَجْرة وعَمرة الطائفِ نجدٌ، وما كان وراء وَجرة إلى البحر فهو تهامة، وما كان بين تهامة ونجد فهو حِجاز، سميَ حجازًا لأنه يحجز بينهما.
وقوله: فانطلق إلى نخل، أي بالخاء المعجمة، وكذا في رواية مسلم، ويؤيد ذلك ما رواه ابن خزيمة في صحيحه عن أبي هريرة في هذا الحديث "فانطلق إلى حائط أبي طلحة فاغتسل" الخ، وفي النسخة المقروءة على أبي الوقت "إلى نجل" بفتح النون وسكون الجيم بعده لام، وهو الماء القليل النابع من الأرض، وقيل الجاري.
في الحديث جواز دخول الكافر المسجد، وقال مجاهد وابن محيريز وأبو حنيفة: يجوز دخول الكتابيّ له دون غيره، واحتجوا بما أخرجه أحمد عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: "لا يدخل مسجدنا هذا، بعد عامنا هذا، مشركٌ إلا أهل العهد وخدمهم". وقال عمر بن عبد العزيز، وقتادة ومالك: لا يجوز دخول الكافر فيه، واحتجوا بقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} وبقوله تعالى: {أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} ودخول الكافر فيها منافٍ لرفعها، وبقوله عليه الصلاة والسلام "إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من البَول والقَذر" والكافر لا يخلو من ذلك، وبقوله عليه الصلاة والسلام "لا أحل المسجد لحائض ولا لجُنُب" أخرجه أبو داود، والكافر جنب.
وقال الشافعيّ: يجوز دخوله فيه بإذن مسلم، ولا يجوز بغيره، كان الكافر كتابيا أو غيره، واستثنى من ذلك مسجد مكة وحرمه، واحتج بحديث ثُمامة هذا، وبأنّ ذات الكافر ليست بنجسة. وفيه اغتسال الكافر إذا أسلم، ومشهور مذهب مالك أنه يجب عليه الغُسل إذا كان قد حصل منه في الكفر ما يوجب الغُسل، سواء اغتسل منه قبل ذلك أم لا، إلا أن يكون اغتسل بعد أن صمم على الإِسلام، وإلاّ يحصل منه استحب له الغُسل. وعند الشافعية كذلك، لا يجب عليه إلا إذا حصل منه سببه، ولم يغتسل في حال الكفر، وفيه وجهان إن اغتسل أصحهما إعادته، وإن لم يحصل منه سبب استُحب له الغسل. وقال أحمد بوجوبه إذا أسلم مطلقًا، سواء من كفرٍ أصليّ أو رِدّة، وسواء حصل منه سبب أم لا.
ومذهب أبي حنيفة لا يلزمه الغسل، واحتج بقوله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} وبحديث عمرو بن العاص، أخرجه مسلم، "الإِسلام يهدم ما قبله" ولأنه أسلم خلق كثير لهم الزوجات والأولاد، ولم يأمرهم عليه الصلاة والسلام بالغُسل وجوبًا، ولو وجب لأمرهم به، واعترض ما احتجوا به، وفيه أسر الكافر، وجواز إطلاق، وللإمام في حق الأسير العاقل القتلُ أو الاسترقاق أو الإطلاق مَنًّا عليه أو الفِداء.
وقال الكرمانيّ: يحتمل أنه عليه الصلاة والسلام أطلق ثُمامة لمَّا علم أنه آمن بقلبه، وسيظهر بكلمة الشهادة. وفيه الملاطفة بمن يرجى إسلامه من الأُسارى، إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام، ولاسيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من قومه. وفيه جواز ربط الأسير في المسجد. قال القرطبيّ: يمكن أن يقال إن ربطه في المسجد لينظر حسن صلاة المسلمين واجتماعهم عليها، فيأنس ذلك، ويؤيد هذا ما رواه ابن خزيمة في صحيحه عن عثمان بن أبي العاص "أن وقد ثقيف أما قدموا أنزلهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم المسجدَ، ليكون أرق لقلوبهم".
وقال جبير بن مطعم، فيما أخرجه أحمد:"دخلت المسجد والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم يصلي المغربَ، فقرأ بِوَالطور، فكأنما صدع قلبي حين سمعتُ القرآن، وقيل: يمكن أن يكون رَبَطهَ بالمسجد لأنه لم يكن له موضع يربط فيه إلا المسجد. وقال ابن الجوزيّ: لم يسلم تحت الأسر لعزة نفسه، وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أحس بذلك منه، فقال: أطلقوه، فلما أطلق أسلم، واعترضه العيني فقال: يرد هذا حديثُ أبي هريرة عند ابن خزيمة وابن حبّان، ففيه "مرَّ صلى الله تعالى عليه وسلم يومًا فأسلم، فحله" فهذا صريح أن إسلامه كان قبل إطلاقه، ويعذر الكرمانيّ في هذا؛ لأنه قال بالاحتمال، ولم يقف على حديث أبي هريرة.
وأما ابن الجوزيّ فكيف غفل عن ذلك مع كثرة اطلاعه في الحديث؟ قلت: اعتمد الكرمانيّ وابن الجوزيّ ما هو أصح من حديث ابن خزيمة، وهو