الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ وَهُمُ الْيَهُودُ: مَا وَلَاّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَمَا صَلَّى، فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ. فَتَحَرَّفَ الْقَوْمُ حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الْكَعْبَةِ.
قوله: وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة، جاء بيان ذلك فيما أخرجه الطَّبريّ عن ابن عباس قال: لما هاجر النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واليهود أكثر أهلها يستقبلون بيت المقدس، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها سبعة عشر شهرًا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم، فكان يدعو وينظر السماء، فنزلت. وقوله في الحديث "أمره الله" يرد على من قال إنه صلى إلى بيت المقدس باجتهاد. وأخرجه الطبريّ عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف، وعن أبي العالية "أنه صلى الله عليه وسلم صلّى إلى بيت المقدس يتألَّفُ اليهود" وهذا لا ينافي أن يكون بتوقيف، ومن طريق مجاهد عنه قال: إنما كان يحب أن يتحول إلى الكعبة، لأن اليهود قالوا يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا؟ فنزلت.
وظاهر حديث ابن عباس هذا أن استقبال بيت المقدس إنما وقع بعد
الهجرة إلى المدينة، لكن أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة نحو بيت المقدس، والكعبة بين يديه" والجمع بينهما ممكن بأن يكون أمر عليه الصلاة والسلام لما هاجر أن يستمر على الصلاة إلى بيت المقدس. وأخرج الطبرانيّ عن ابن جريج قال: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة، ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة، فصلى ثلاث حجج، ثم هاجر فصلى إليه بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرًا، ثم وجهه الله تعالى إلى الكعبة".
وقوله {تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] أي تردد وجهك في جهة السماء تطلعًا للوحي، وكان عليه الصلاة والسلام يقع في رَوْعه، ويتوقع من ربه أن يحوله إلى الكعبة؛ لأنها قبلة أبيه إبراهيم، وذلك يدل على كمال أدبه حيث انتظر ولم يسأل. قاله البيضاويّ. قلت: سؤال الله تعالى ليس فيه نقصان أدب، بل فيه كمال الأدب لأمر الله به ومحبته له. وفي حديث ابن عباس السابق أنه كان يدعو وينظر السماء. فنظر السماء غير مناف للدعاء.
والقبلة في الأصل الحال التي عليها الإنسان، ثم صارت عُرفًا للمكان المتوجه إليه في الصلاة وقوله {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} أي لا يختص مكان دون مكان بخاصة ذاتية تمنع إقامة غيره مقامه، وإنما العبرة بارتسام أمره لا بخصوص المكان. وقوله {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وهو ما ترضاه الحكمة، وتقتضيه المصلحة من التوجه إلى بيت المقدس تارة، وإلى الكعبة أخرى. وقوله: فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجل، للمستملي والحموي "رجال" وهذه تحتاج إلى تقدير محذوف في قوله "ثم خرج" أي بعض أولئك الرجال، والرجل قيل إنه عبّاد بن بشر، وقيل عباد بن نَهيك، ويأتي تعريفهما قريبًا.
وقوله: ثم خرج بعدما صلى، أي بعد صلاته، أو بعد الذي صَلّى. وقوله: في صلاة العصر نحو بيت المقدس، وللكشميهنيّ "في صلاة العصر يصلون نحو بيت المقدس" وفيها إفصاح بالمراد. وقوله: فقال هو يشهد، عني بذلك نفسه على طريق التجريد، بأن جرد من نفسه شخصًا، أو على طريق الالتفات،