الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثمانون
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: صَلَاةُ الْجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأَتَى الْمَسْجِدَ، لَا يُرِيدُ إِلَاّ الصَّلَاةَ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلَاّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي يَعْنِي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِى يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ.
قوله: صلاة الجميع، أي الجماعة، وتكلف من قال التقدير في الجميع، وفي الرواية الآتية في الجماعة التصريحُ بذلك. ففيها صلاة الرجل في الجماعة. وفي رواية الحمويّ والكشميهنيّ "في جماعة" بالتنكير. وقوله: تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمساً وعشرين درجة، في رواية أبواب الجماعة "تفضل" بدل "تزيد"، وعشرين ضعفًا بدل "درجة"، ومقتضى الحديث أن الصلاة في المسجد جماعة تزيد على الصلاة في البيت وفي السوق جماعة وفرادى، والذي يظهر أن المراد بمقابل الجماعة في المسجد الصلاة في غيره منفردًا، لكنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردًا، وبهذا يرتفع الإشكال عن من استشكل تسوية الصلاة في البيت والسوق، ولا يلزم من حمل الحديث على ظاهره التسوية المذكورة، إذ لا يلزم من استوائهما في الفضولية عن المسجد أن لا يكون أحدهما أفضل من الآخر، وكذا لا يلزم منه أن كون الصلاة جماعة في البيت أو السوق لا فضل فيها على
الصلاة منفردًا، بل الظاهر أن التضعيف المذكور مختص بالجماعة في المسجد، والصلاة في البيت مطلقًا أولى منها في السوق، أما ورد من كون الأسواق موضع الشياطين، والصلاة جماعة في البيت وفي السوق أولى من الانفراد.
قال التِّرمذيّ: عامة من رواه قالوا خمساً وعشرين إلا ابن عمر، فإنه قال سبعًا وعشرين، ولم يختلف عليه في ذلك، إلا في رواية ضعيفة عند عبد الرزاق، واتفق الجميع على خمس وعشرين سوى رواية أُبي عند ابن ماجه والحاكم، فقال: أربع أو خمس على الشك، وسوى رواية لأبي هريرة عند أحمد قال فيها: سبع وعشرون، وفي إسنادها شريك القاضي، وفي حفظه ضعف، وفي رواية لأبي عَوانة "بضعًا وعشرين" وليست مغايرة لصدق البضع على الخمس، فرجعت الروايات كلها إلى الخمس والسبع، إذ لا أثر للشك، واختلف في أيهما أرجح، فقيل: رواية الخمس لكثرة رواتها، وقيل: رواية السبع لأن فيها زيادة من عَدْل حافظ.
ووقع الاختلاف في موضع آخر من الحديث، وهو مميَّز العدد المذكور، ففي الروايات كلها التعبير بقوله "درجة" أو حذف المميز، إلا طرق في حديث أبي هريرة، ففي بعضها "ضِعفًا". وفي بعضها "جزأ" وفي بعضها "درجة" وفي بعضها "صلاة". ووقع هذا الأخير في بعض طرق حديث أنس، والظاهر أن ذلك من تصرف الرواة، ويحتمل أن يكون ذلك من باب التفنن في العبارة. وأما قول ابن الأثير: إنما قال درجة، ولم يقل جزءاً ولا نصيبًا ولا حظاً ولا نحو ذلك، لأنه أراد الثواب من جهة العلو والارتفاع، فإن تلك فوق هذه بكذا وكذا درجة، لأن الدرجات إلى جهة فوق، فكأنه بناه على أن الأصل لفظ "درجة" وما عدا ذلك من تصرف الرواة، لكن نفيه ورود الجزء مردود، فإنه ثابت، وكذلك الضعيف، كما مر.
ومعنى الدرجة أو الجزء حصول مقدار صلاة المنفرد بالعدد المذكور للجمع، وقد ورد هذا مبينًا في بعض الروايات، فعند مسلم في بعض طرقه بلفظ
"صلاة الجماعة تعدل خمسًا وعشرين من صلاة الفَذّ" وفي أخرى "صلاةٌ مع الإِمام أفضل، عن خمس وعشرين صلاة يصليها وحده" ولأحمد عن ابن مسعود بإسناد رجاله ثقات نحوه. وقال آخره: كلها مثل صلاته، وهو مقتضى لفظ رواية أبي هريرة الماضية "تضعف" لأن الضعف، كما قال الأزهريّ، المِثْل إلى ما زاد، وليس بمقصور على المثلين. تقول: هذا ضعف الشيء أي: مثله أو مثلاه فصاعداً، لكن لا يزاد على العشرة. وظاهر قوله تضعيف، وكذا قوله في روايتي ابن عمر وأبي سعيد "تفضل" أي تزيد، وقوله: في رواية أبي هريرة المذكورة في الباب هنا "تزيد" يريد أن صلاة الجماعة تساوي صلاة المنفرد، وتزيد عليها العدد المذكور، فيكون لمصلي الجماعة ثواب ست أو ثمان وعشرين من صلاة المنفرد.
وقد جمع بين روايتي الخمس والسبع بوجوه:
منها أن ذكر القليل لا ينفي الكثير، وهذا عند من لا يعتبر مفهوم العدد، لكن قد قال به جماعة من أصحاب الشافعي، وحكى عن نصه.
الوجه الثاني لعله صلى الله تعالى عليه وسلم أخبر بالخمس ثم أعلمه الله تعالى بزيادة الفضل فأخبر بالسبع، وتعقب بأنه يحتاج إلى التاريخ، وبأن دخول النسخ في الفضائل مختلف فيه، لكنْ إنْ فرعنا على المنع تعينَ تقدم الخمس على السبع من جهة أن الفضل من الله يقبل الزيادة لا النقص، قلت: هذا ليس من النسخ وإنما هو زيادة من الله تعالى على ما أعطى أولًا، تفضلًا منه.
ثالثها أن اختلاف العددين باختلاف مميزهما، وعلى هذا فقيل: الدرجة أصغر من الجزء وتعقب بأن الذي روي عنه الجزء روى عنه الدرجة، وقال بعضهم الجزء في الدنيا والدرجة في الآخرة، وهو مبني على التغاير.
رابعها الفرق بقرب المسجد وبعده.
خامسها الفرق بحال المصلي كانْ يكون أعلم أو أخشع.
سادسها الفرق بإيقاعها في المسجد أو غيره، وقد جاء عن بعض الصحابة قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع في المسجد العام مع تقرير الفضل في غيره. فروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أوس المغافريّ أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص. أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في بيته؟ قال: حسن جميل. قال: فإن صلى في مسجد عشيرته، قال: خمس عشرة صلاة، قال: فإن مشى إلى المسجد جماعة فصلى فيه؟ قال: خمس وعشرون. وأخرج حميد بن زنجويه في كتاب الترغيب نحوه من حديث واثلة، وخص الخمس والعشرين بمسجد القبائل، وصلاته في المسجد الذي يجمّع فيه، أي الجمعة بخمس مئة وسنده ضعيف.
سابعها الفرق بالمنتظر للصلاة وغيره.
ثامنها الفرق بإدراك كلها أو بعضها.
تاسعها الفرق بكثرة الجماعة وقلتهم.
عاشرها السبع مختصة بالفجر والعشاء، وقيل بالفجر والعصر، والخمس بما عدا ذلك.
حادي عشر السبع مختصة بالجهرية والخمس بالسرية، ويترجح هذا بما يأتي في آخر الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة من اختصاص الجهرية بالإنصات عند قراءة الإِمام، والاستماع له، والتأمين عند تأمينه ليوافق تأمين الملائكة، ثم إن الحكمة في هذا العدد الخاص غير محققة المعنى. ونقل الطيبىّ عن التوربشتيّ أن ذلك لا يدرك بالرأي، بل مرجعه إلى علم النبوءة التي قصرت علوم الألبّاء عن إدراك حقيقتها كلها. قال الكرماني يحتمل أن يكون أصله كون المكتوبات خمسًا، فأريد المبالغة في تكثيرها فضربت في مثلها فصارت خمساً وعشرين، ثم ذكر للسبع مناسبة أيضًا من جهة عدد ركعات الفرائض وروايتها. وقال غيره: الحسنة بعشر للمصلي منفردًا، فإذا انضم إليه آخر بلغت عشرين، ثم زيد بقدر الصلوات الخمس، أو يزاد عدد أيام الأسبوع.
وقيل: الأعداد عشرات ومئون وألوف، وخير الأمور الوسط، فاعتبرت المئة والعدد المذكور ربعها، وهذا فاسد جدًا.
وقال البلقيني: ظهر لي في العددين أن لفظ ابن عمر "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ" ومعناه الصلاة في الجماعة كما في حديث أبي هريرة "صلاة الرجل في الجماعة" وعلى هذا فكل واحد من المحكوم له بذلك صلى في جماعة، وأدنى الأعداد التي يتحقق فيها ذلك ثلاثة حتى يكون كل واحد صلى في جماعة، وكل واحد منهم أن بحسنة، وهي بعشرة فيحصل من مجموعه ثلاثون، فاقتصر في الحديث على الفضل الزائد، وهو سبعة وعشرون دون الثلاثة التي هي أصل ذلك.
قلت: هذا التوجيه لا يصح على ما هو الحق من كون الاثنين فما فوقهما جماعة. وقيل في الجمع بين العددين: إن أقل الجماعة إمام ومأموم، فلولا الإِمام ما سمى المأموم مأموما، وكذا عكسه، فإذا تفضل الله على من صلى جماعة بزيادة خمس وعشرين درجة، حمل الخبر الوارد بلفظها على الفضل الزائد والخبر الوارد بلفظ سبع وعشرين على الأصل والفضل.
وقد خاض قوم في تعيين الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة. قال ابن الجوزيّ: وما جاءوا بطائل. وقال المحبّ الطبريّ: ذكر بعضهم أن في حديث أبي هريرة المذكور في هذا الباب إشارة إلى بعض ذلك، ويضاف إليه أمور أخرى وردت في ذلك، وبيان ذلك هو أن الحديث المذكور "فإن أحدكم إذا توضأ
…
" الخ وهذا ظاهر في أن المذكورة علة للتضعيف المذكور، إذ التقدير: وذلك لأنه، فكأنه يقول: التضعيف المذكور سببه كيت وكيت، وإذا كان كذلك فما رتب على موضوعات متعددة ولا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل الدليل على إلغاء ما ليس معتبرًا، أو ليس مقصودًا لذاته، وهذه الزيادة التي في حديث أبي هريرة معقولة المعنى، والأخذ بها متوجه، والروايات المطلقة لا تنافيها، بل يحمل مطلقها على هذه المقيدة، والذين قالوا بوجوب الجماعة على الكفاية، ذهب كثيرٌ منهم إلى أن الحرج لا يسقط بإقامة الجماعة في البيوت، وكذا روي
عن أحمد في فرض العين، ووجهوه بان أصل المشروعية إنما كان في جماعة المساجد، وهو معتبر لا ينبغي إلغاؤه، فيختص به المسجد، ويلحق به ما في معناه مما يحصل به بإظهار الشعار، وتنقيح ما ورد من الأسباب المقتضية لذلك هو ما ذكرناه.
أولها إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة، والتبكير إليها في أول الوقت، والمشي إلى المسجد بالسكينة، ودخول المسجد داعيًا، وصلاة التحية عند دخوله كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة. سادسها انتظار الجماعة، سابعها صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له، ثامنها شهادتهم له، تاسعها اجابة الإقامة، عاشرها السلامة من الشيطان حين يفر عند الإقامة، حادي عشرها الوقوف منتظرًا إحرام الإِمام أو الدخول معه في أي هيئة وجده عليها، ثاني عشرها إدراك تكبيرة الإحرام كذلك ثالث عشرها تسوية الصفوف وسد فرجها. رابع عشرها جواب الإِمام عند قوله سمع الله لمن حمده، خامس عشرها الأمن من السهو غالبًا، وتنبيه الإِمام إذا سها بالتسبيح أو الفتح عليه. سادس عشرها حصول الخشوع والسلامة عما يلهي غالبا، سابع عشرها تحسين الهيئة غالبًا، ثامن عشرها احتفاف الملائكة، تاسع عشرها التدرب على تجويد القرآن وتعلم الأركان والأبعاض. العشرون إظهار أشعار الإِسلام، الحادي والعشرون إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل، الثاني والعشرون السلامة من صفة النفاق ومن إساءة غيره الظن به بأنه تارك للصلاة رأسًا، الثالث والعشرون رد السلام على الإِمام، الرابع والعشرون الانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر وعود بركة الكامل على الناقص، الخامس والعشرون قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات.
فهذه خمس وعشرون خصلة ورد في كل منها أمر أو ترغيب يخصه، وبقي منها أمران يختصان بالجهرية، وهما الإنصاف عند قراءة الإِمام والاستماع والتأمين عند تأمينه ليوافق تأمين الملائكة، ومقتضى الخصال المذكورة اختصاص التضعيف بالتجمع في المسجد، وهو الراجح، وعلى تقدير أن لا
يختص بالمسجد فإنما يسقط مما ذكر ثلاثة أشياء، وهي المشي والدخول والتحية، فيمكن أن تعوض من بعض ما ذكر مما يشتمل على خصلتين متقاربتين أقيمتا مقام خصلة واحدة، كالأخيرتين؛ لأن منفعة الاجتماع على الدعاء والذكر غير منفعة عود بركة الكامل على الناقص، وكذا فائدة قيام نظام الألفة غير فائدة حصول التعاهد، وكذا فائدة أمن المأمومين من السهو غالبًا غير تنبيه الإِمام إذا سها، فهذه ثلاثة يمكن أن يعوض بها الثلاثة المذكورة فيحصل المطلوب، قاله في الفتح.
قلت: ما ذكر من التعويض غير مستقيم؛ لأن الأمور المذكورة موجودة في المسجد، فلا يمكن التعويض بها لغيره، ولا يرد على الخصال التي ذكرت كون بعضها يختص ببعض من صلى جماعة دون بعض، كالتبكير في أول الوقت وانتظار الجماعة وانتظار إحرام الإِمام ونحو ذلك؛ لأن أجر ذلك يحصل لقاصده بمجرد النية، ولو لم يقع. ومما ورد من الزيادة على العدد المذكور ما أخرجه ابن أبي شَيبة عن ابن عباس موقوفًا عليه قال: فضل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد خمس وعشرون درجة، قال: فإن كانوا أكثر من ذلك فعلى عدد من في المسجد، فقال رجل: وإن كانوا عشرة آلاف؟ قال: نعم. وهذا له حكم الرفع، لأنه لا يقال بالرأي، لكنه غير ثابت. وما أخرجه ابن حبان وأبو داود زيادة في حديث أبي سعيد الذي أخرجه البخاري قال:"فإن صلاّها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة" وكأن السر في ذلك أن الجماعة لا تتأكد في حق المسافر لوجود المشقة، بل حكى النوويّ أنه لا يجري فيه الخلاف في وجوبها، لكن فيه نظر، فإنه خلاف نص الشافعيّ، وحكى أبو داود عن عبد الواحد قال في هذا الحديث: إن صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة، وكأنه أخذه من إطلاق قوله "فإن صلاها" لتناوله الجماعة والانفراد، ولكن حمله على الجماعة أولى، وهو الذي يظهر من السياق.
ويلزم على ما قال النوويّ أن ثواب المندوب يزيد على ثواب الواجب عند من يقول بوجوب الجماعة، وقد استشكله القَرافيّ على أصل الحديث بناء على
القول بأنها سنة، ثم أورد عليه أن الثواب المذكور مرتب على صلاة الفرض وصنفه من صلاة الجماعة، فلا يلزم منه زيادة المندوب على الواجب، وأجاب بأنه تفرض المسألة فيمن صلى وحده ثم أعاد في جماعة، فإن ثواب الفرض يحصل له بصلاته وحده، والتضعيف يحصل بصلاته في الجماعة، فبقي الإشكال على حاله، وفيه نظر؛ لأن التضعيف لم يحصل بسبب الإعادة، وإنما حصل بسبب الجماعة، إذ لو أعاد منفردًا لم تحصل له إلا صلاة واحدة، فلا يلزم منه زيادة ثواب المندوب على الواجب.
واستدل بالحديث على أن الجماعة ليست شرطًا لصحة الصلاة، لأن قوله "على صلاته وحده" يقتضي صحة صلائه منفردًا، لاقتضاء صيغة أفعل الاشتراك في أصل التفاضل، فإن ذلك يقتضي وجود فضيلة في صلاة المنفرد وما لا يصح لا فضيلة فيه. قال القرطبي وغيره: لا يقال إن لفظة أفعل قد ترد لإثبات صفة الفضل في إحدى الجهتين، كقوله تعالى:{وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} لأنا نقول: إنما يقع ذلك على قلة، حيث ترد صيغة أفعل مطلقة غير مقيدة بعدد معين، فإذا قلنا هذا العدد أزيد من هذا بكذا، فلابد من وجود أصل العدد، ولا يقال يحمل المنفرد علي، المعذور؛ لأن قوله "صلاة الفذ" صيغة عموم، فيشمل من صلى منفردًا بعذر ويغير عذر، فتحمله على المعذور يحتاج إلى دليل، وأيضًا ففضل الجماعة حاصل للمعذور لما سيأتي من هذا الكتاب عن أبي موسى مرفوعًا "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا".
وأشار ابن عبد البر إلى أن بعضهم حمله على صلاة النافلة، ثم رده بحديث "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" واستدل بهذا على استواء الجماعات في الفضل سواء كثرت الجماعة أو قلت؛ لأن الحديث دل على فضيلة الجماعة على المنفرد بغير واسطة، فيدخل فيه كل جماعة. وبما روي عن ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، عن إبراهيم النخعيّ قال: إذا صلى الرجل مع الرجل فهما جماعة لهم التضعيف خمسًا وعشرين. وهو مسلم في أصل الحصول، لكنه لا ينفي مزيد الفضل لما كان أكثر، لاسيما مع وجود النص المصرح به، وهو ما
رواه أحمد وأصحاب السنن، وصححه ابن خزيمة وغيره عن أُبي بن كعب مرفوعًا "صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى" وله شاهد قوي في الطبراني عن قَبَاث، بفتح القاف، بن أَشْيم، بوزن أحمر، ويترتب على الخلاف المذكور أن من قال التفاوت استحب اعادة الجماعة مطلقًا، لتحصيل الأكثرية، ولم يستحب ذلك الآخرون، ومنهم من فصل فقال: تعاد مع الأعلم أو الأورع أو في البقعة الفاضلة. ووافق مالك على الأخير، لكن قصره على المساجد الثلاثة.
وحاصل مذهبه في الإعادة في المساجد الثلاثة هو ما نظمه بعضهم بقوله:
امنع إعادة من صلى فريضته
…
بمسجد المصطفى والقدسِ والحرمِ
ومن يصل بغيرٍ مفردًا يُعِدَنْ
…
بها ولو مفردًا فاحفظه واغتنم
ومن يصل بها فردًا يعيد بها
…
جمعًا، وقيل وفردًا، فزت بالنعم
والتفاضل المنفي عند مالك بين الجماعات المرادُ به التفاضل الذي تعاد الصلاة لأجله، وأما نفس الفضل فتحاصل، إذ لا نزاع أن الصلاة مع الصلحاء والعلماء والكثير من أهل الخير أفضل من غيرهم لشمول الدعاء وسرعة الإجابة وكثرة الرحمة، وقبول الشفاعة، وكما أن الجماعة تتفاوت في الفضل بالقلة والكثرة، وغير ذلك مما ذكر، كذلك يفوق بعضها بعضًا من جهة الأوقات، كالجماعة في صلاة الفجر، كما يأتي للمصنف في أبواب الجماعة الإشارةُ إليه. وقد استوفينا الكلام على هذا الجزء من الحديث استيفاء لا يحتاج إلى زيادة بعد هذا، عند ذكره في أبواب الجماعة.
وقوله: فإنّ أحدكم، كذا للأكثر بالفاء، وللكشميهنيّ بالموحدة، وهي نسبية أو للمصاحبة. وقوله: فأحسن، أي أسبغ الوضوء. وقوله: ما لم يؤذ يحدث، كذا للأكثر بالفعل المجزوم على البدلية، ويجوز الرفع على الاستئناف، وللكشميهنيّ "ما لم يؤذ يحدث فيه" بلفظ الجار والمجرور متعلقًا