الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوها، فحذر عليه الصلاة والسلام عن مثل ذلك، سدًا للذريعة المؤدية إلى ذلك.
وقال البيضاويّ: لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأتبياء تعظيمًا لشأنهم، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانًا، لعنهم، ومنع المسلمين عن مثل ذلك. فأما من اتخذ مسجدًا بجوار صالح، وقصد التبرك بالقرب منه، لا التعظيم له ولا التوجه نحوه، فلا يدخل في ذلك الوعيد. وفي الحديث دليل على تحريم التصوير، وحمل بعضهم الوعيد على من كان في ذلك الزمان، لقرب العهد بعبادة الأوثان. وأما الآن فلا، وقد أطنب ابن دقيق العيد في رد ذلك، وقد مرَّ الكلام على التصاوير مستوفى باب "إن صلى في ثوب مصلب" إلخ.
وفيه جواز حكاية ما يشاهده المؤمن من العجائب، ووجوب بيان حكم ذلك على العالم به، وذم فاعل المحرمات، وأنّ الاعتبار في الأحكام بالشرع لا بالعقل، وفيه كراهية الصلاة في المقابر، وقد مرَّ قريبًا، قبل هذا الحديث، بيان ما قيل في ذلك من مذاهب العلماء. وفيه منع بناء المساجد على القبور، ومقتضاه التحريم، كيف وقد ثبت اللعن عليه؟ وصرح الشافعيّ وأصحابه بالكراهة، وقد مرَّ تصير البيضاويّ للمراد بالنهي عن بنائها. وقال البندبيجيُّ: المراد أن يسوّى القبر مسجدًا فيصلى فوقه. وقال: إنه يكره أن يبنى عنده مسجد، فيصلى فيه إلى القبر. وأما المقبرة الدائرة، إذا بُني مسجدٌ ليصلى فيه، فلا بأس فيه، لأن المقابر وَقْف، وكذا المساجد فمعناهما واحد.
رجاله خمسة:
وفيه ذكر أم سلمة وأم حبيبة. الأول محمد بن المثنى، وقد مرَّ في التاسع من كتاب الإيمان، ومرَّ يحيى القطان في السادس منه، ومرَّ هشام بن عروة وأبوه عُروة وعائشة في الثاني من بدء الوحي. ومرت أم سلمة في السادس والخمسين من كتاب العلم.
وأما أم حبيبة فهي رملة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس، الأموية، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، تكنى أم حبيبة، وهي بها أشهر من اسمها، وقيل اسمها هند، والأول أصح، أمها صفية بنت أبي العاص بن أمية، عمة عثمان، وُلدت قبل الهجرة بسبعة عشر عامًا، تزوجها حليفهم عُبيد الله، بالتصغير، ابن جحش بن رباب بن يعمر الأسديّ، من بني أسد بن خُزيمة، فأسلما ثم هاجرا إلى الحبشة، فولدت له حبيبة، فيها كانت تكنى. وقيل: إنما ولدتها بمكة، وهاجرت وهي حامل بها إلى الحبشة.
وتزوج حبيبة داود بن عُروة بن مسعود، ولما تنصر زوَّجها عُبيدَ الله، وارتد فارقها، فأخرج ابن سعد أنها قالت: رأيت في المنام كأنَّ زوجي عبيد الله بن جحش بأسوأ صورة، ففزعت، فأصبحت فإذا به قد تنصر، فأخبرته بالمنام فلم يحفل به، وأكبَّ على الخمر حتى مات. فأتاني آتٍ في نومي فقال: يا أم المؤمنين، ففزعت، فما هو إلا أن انقضت عدتي، فما شعرت إلا برسول النجاشي يستأذن، فإذا هي جارية له يقال لها أبرهة، فقالت: إن الملك يقول لك وكلي من يزوجك، فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص بن أمية فوكلته، وأعطيت أبرهة سِوارين من فضة، فلما كان العشيّ أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب فحمد الله تعالى وأثنى عليه، وتشهد ثم قال: أما بعد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليَّ أن أزوجه أم حبيبة، فأجبت. وقد أصدقتها عنه أربع مئة دينار، ثم سكب الدنانير، فخطب خالد فقال: قد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجته أم حبيبة، وقبض الدنانير. وعمل لهم النجاشيّ طعامًا. قالت أم حبيبة: فلما وصل المال أعطيت أبرهة منه خمسين دينارًا قالت: فردتها عليّ وقالت: إنّ الملك قد عزم عليّ بذلك، وردت علي ما كنت أعطيتها أولًا، ثم جاءتني من الغد بعُود وَوَرْسٍ وعنبر وزَبَاد كثيرٍ، فقدمت به معي على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن سعد أن ذلك كان سنة سبع، وقيل سنة ست، والأول أشهر، ومن طريق الزهريّ أن الرسول إلى النجاشيّ شُرحبيلُ بن حَسَنة، وبعث بها معه وجاء بها. ومن طريق أخرى أن الرسول إلى النجاشيّ بذلك، كان عمرو بن أمية
الضمريّ، ومن طريق عبد الواحد بن أبي عَون قال: لما بلغ أبا سفيان أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نكح ابنته، قال: هو الفحل لا يقاع أنفه. وقيل: نزلت في ذلك {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} [الممتحنة: 7] وقال ابن عبد البر: إن الذي عقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم عثمانُ بن عفان. قال ابن حَجَر: وهذا بعيد، فإن ثبت فيكون العقد عليها كان قبل الهجرة إلى المدينة، أو يكون عثمان جدَّده بعد أن قدمت المدينة، وعلى هذا يحمل قول من قال: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما تزوجها بعد أن قدمت المدينة، رُوي ذلك عن قتادة قال: وعمل لهم عثمان وَليمةً لحمًا وثريدًا.
وفي ما ذُكر عن قتادة، ردٌّ على دعوى ابن حزم الإجماعَ على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تزوج أم حبيبة وهي بأرض الحبشة، وتبعه على ذلك جماعة فقالوا: لا اختلاف بين أهل السير في ذلك، إلا ما وقع عند مسلم، أنّ أبا سفيان لما أسلم، طلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه إياها، فأجابه إلى ذلك، وهو وهم من بعض الرواة. وفي الجزم بكونه وهمًا نظرٌ، فقد أجاب بعض الأئمة باحتمال أن يكون أبو سفيان أراد تجديد العقد، نعم، لا اختلاف أنه صلى الله عليه وسلم دخل على أم حبيبة قبل إسلام أبي سفيان، وقيل: عقد عليها له النجاشيّ، وأمهرها أربعة آلاف درهم، وبعث بها إليه وجهزها من عنده، وما بعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم بشيء، وكان مهور سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أربع مئة درهم.
وروى ابن سعد قال: قدم أبو سفيان المدينة، فأراد أن يزيد في الهدنة، فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، طوته دونه، فقال: يا بنية، أرغبتِ بهذا الفراش عني أم بي عنه؟ فقالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت امرؤ نجس مشرك. فقال: لقد أصابك بعدي شَر.
وأخرج ابن سعد عن عائشة قالت: دعتني أم حبيبة عند موتها، فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فتحللينني من ذلك، فحللتها واستغفرت لها، فقالت لي: سَرَرْتني سرك الله. وأرسلت إلى أم سلمة بمثل ذلك، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وعن زينب بنت جحش أم المؤمنين، وروت عنها بنتها