الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان قبل ذكر حديث منه. ثم قال المصنف:
باب القسمة وتعليق القنو في المسجد
وقال أبو عبد الله: القِنو العِذْق، والاثنان قِنوان، والجماعة أيضًا قِنوان مثل صِنو وصِنوان. قوله: العِذق بكسر العين المهملة وسكون المعجمة وهو العرجون بما فيه من بُسر وغيره، وأما بفتح العين المهملة فالنخلة. وقوله: والاثنان قنوانِ، بكسر القاف والنون، وقوله والجماعة أيضًا قنوان، أي بالرفع والتنوين، وبه يتميز عن المثنى كثبوت نونه عند إضافته، بخلاف المثنى، فتحذف. وقوله: مثل صنو وصنوان في الحركات والسكنات والجمع والتثنية، والصاد فيهما مكسورة، وهو أن تبرز نخلتان أو ثلاثة أو أزيد من أصل واحد، فكل واحدة منهن صنو واحد، والاثنان صِنوانِ بكسر النون، والجمع صِنوان بإعرابها، ولم يذكر المؤلف جمعه لظهوره من الأول. وهذا التفسير من قوله: قال إلى آخره ثابت عند أبويْ ذَرٍّ والوقت وابن عساكر ساقط لغيرهم.
ثم قال: وقال إبراهيم، يعني ابن طَهْمان عن عبد بن صُهيب عن أنس رضي الله تعالى عنه، قال أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين، فقال: انثروه في المسجد، وكان أكثر مال أُتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحدًا إلا أعطاه، إذ جاء العباس رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله: أعطني فإني فاديت نفسي وفاديت عقيلًا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ، فحثى في ثوبه ثم ذهب يُقِلُّه فلم يستطع، فقال: يا رسول الله، مُرْ بعضهم يرفعه إليَّ. قال: لا، قال: فارفعه أنت عليّ. قال: لا، فنثر منه ثم ذهب يُقِلّه. فقال: يا رسول الله، اؤمر بعضهم يرفعه. قال: لا، قال: فارفعه أنت عليّ. قال: لا، فنثر منه، ثم احتمله فألقاه على كاهله، ثم انطلق فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يُتبعه بصره حتى خفي علينا، عَجبًا من حرصه. فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وَثَمَّ منها درهم.
قوله: ابن طهمان، هو الصواب. وقوله: عن عبد العزيز بن صُهيب، هو
الصواب أيضًا ومنْ قال إنه عبد العزيز بن رفيع فقد غلط. وقوله: أُتي رسول الله، أي بالبناء للمفعول. وقوله: بمال من البحرين، بلدة بين البصرة وعُمان. روى ابن أبي شيبة عن حُميد بن هلال مرسلًا "أنه كان مئة ألف، وأنه أرسل به العلاء بن الحضرميّ من خراج البحرين" قال: وهو أول خراج حُمِل إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وعند المصنف في المغازي عن عمرو بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين، وأمّر عليهم العلاء بن الحضريّ، وبعث أبا عبيدة بن الجراح إليهم، فقدم أبو عبيدة بمال، فسمعتْ الأنصار بقدومه
…
الحديث. فيستفاد منه تعيين الآتي بالمال. لكن في الردة للواقديّ أن رسول العلاء بن الحضرميّ بالمال هو العلاء بن حارثة الثقفيّ. فلعله كان رفيق أبي عبيدة، وأما حديث جابر الآتي عند المصنف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "لو قد جاء مال البحرين أعطيتك" وفيه "فلم يقدم مال البحرين حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم، فليس معارضًا لما تقدم، بل المراد أنه لم يقدم في السنة التي مات فيها النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه كان مال خراج أو جِزية، فكان يقدم من سنة إلى سنة.
وقوله: فقال انثروه، بالمثلثة، أي صبوه. وقوله: إذ جاءه العباس، قيل المعنى: فبينما هو على ذلك إذ جاءه العباس. وقوله: وفاديت عقيلًا أي ابن أبي طالب، وكان أُسر مع عمه العباس في غزوة بدر، ويقال أُسر معهما أيضًا الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وأن العباس افتداه أيضًا. وقوله: فحثا في ثوبه، أي بمهملة ثم مثلثة مفتوحة، والضمير في ثوبه يعود على العباس، أي حثا العباس في ثوب نفسه. وقوله: يُقِلّه، بضم أوله من الإقلال، وهو الرفع والحمل. وقوله: مُرْ بعضهم يرفعه إليّ، أي بضم الميم وسكون الراء على وزن "عُلْ"، فحذف منه فاء الفعل لاجتماع المثلين في أول كلمة. وهو مؤدٍ إلى الاستثقال، فصار "آمر" فاستغنى عن همزة الوصل لتحرك ما بعدها، فحذفت. وفي رواية "اؤمر" بهمزة مضمومة فأخرى ساكنة، وتحذف الأولى عند الوصل وتصير الثانية ساكنة، وهذا هو البخاري على الأصل، ويرفعه بالجزم، لأنه جواب الأمر، ويجوز الرفع على الاستئناف، أي فهو يرفعه، والضمير المستتر فيه يرجع إلى البعض، والبارز إلى المال الذي حثاه في ثوبه، وفي
نسخة لأبي ذَرٍّ برفعه بالموحدة الجارة وسكون الفاء.
وقوله: فارفعه أنت عليّ .. لا، أي لا أرفعه عليك، وإنما فعل عليه الصلاة والسلام ذلك معه تنبيهًا له على الاقتصاد، وترك الاستكثار من المال. وقوله على كاهله، أي بين كتفيه. وقوله: يُتبعه، بضم أوله من الاتباع. وقوله: عجبًا من حرصه، أي بفتح العين والجيم وبالنصب، مفعولًا مطلقًا. وقوله: وثَمَّ منها دِرهم، أي بفتح المثلثة، أي هناك، وهي جملة حالية من مبتدأ مؤخر، وهو درهم، والخبر منها، ومراده نفي أن يكون هناك درهم، فالحال قيد للمنفي لا للنفي، فالمجموع منتف بانتفاء القيد لانتفاء المقيد.
وفي الحديث بيان كرمه صلى الله عليه وسلم، وعدم التفاته إلى المال قَلَّ أو كثر، وأن الإِمام ينبغي أن يفرق مال المصالح في مستحقيها، ولا يؤخره. وموضع الحاجة منه هنا، جواز وضع ما يشترك المسلمون فيه من صدقة ونحوها في المسجد، ومحله ما إذا لم يمنع مما وضع له المسجد من الصلاة وغيرها، مما بني المسجد لأجله، ونحو وضع هذا المال وضع زكاة الفطر فيه، ويستفاد منه جواز ما يعم نفعه في المسجد كالماء لشرب من يعطش، ويحتمل التفرقة بين ما يوضع للتفرقة وبين ما يوضع للخزن، فيمنع الثاني دون الأول.
واستدل به ابن بطال على جواز إعطاء بعض الأصناف من الزكاة، ولا دلالة فيه؛ لأن المال لم يكن من الزكاة، وعلى تقدير كونه منها فالعباس ليس منها، وقيل إنما أعطاه من سهم الغارمين، والحق أن المال المذكور كان من الخراج أو الجزية، وهما من مال المصالح، ولم يذكر البخاري في الباب حديث القِنو، فقال ابن بطال: أغفله، وقال ابن التين: أُنسيه، وليس كما قالا، بل أخذه من جواز وضع المال في المسجد، بجامع أن كلاًّ منهما وضع لأخذ المحتاجين منه، وأشار بذلك إلى ما رواه النَّسائي عن عوف بن مالك الأشجعي قال "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده عصا، وقد علق رجل قِنوَ حَشَف، فجعل يطعن في ذلك القنو ويقول: لو شاء رب هذه الصدقة تصدق باطيب من هذا" وليس على شرطه، وإن كان إسناده قويًا.