الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع والمئة
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَهْوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا.
قوله عن أبي قتادة، في رواية عبد الرزاق عن مالك "سمعت أبا قتادة" وفي رواية أحمد عن عمرو بن سُليم "أنه سمع أبا قتادة" وقوله: وهو حامل أُمَامَةَ، المشهور في أدروايات بالتنوين، ونصب أمامة، وروي بالإضافة كما قرىء في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} بالوجهين، وتخصيص العمل في الترجمة بكونه على العنق مع أن السباق يشمل ما هو أعم من ذلك، مأخوذ من طريقة أخرى مصرحة بذلك، وهي لمسلم عن عمرو بن سليم، ورواه عبد الرزاق عن مالك بإسناد حديث الباب، وزاد فيه "على عاتقه"، وكذا لمسلم وغيره من طرق أخرى، ولأحمد عن ابن جريج "على رقبته".
وقوله: بنت زينب، يجوز فيه الفتح والكسر. بالاعتبارين، وقوله: بنت رسول الله، وفي رواية "ابنة" بالجر خاصة، لأنها صفة لزينب المجرورة. وقوله: ولأبي العاص، أي وهي، أي أمامة ابنةٌ لأبي العاص. قال الكرمانيّ: الإضافة في قوله بنت زينب، بمعنى اللام، فأظهر في المعطوف، وهو قوله "ولأبي العاص" ما هو مقدر في المعطوف عليه. وقال ابن العطّار: إن الحكمة في ذلك، أي نسبتها إلى أُمها، كون والدها إذ ذاك كان مشركًا، فنسبت إلى أمها تنبيها على أن الولد ينسب إلى أشرف أبويه دينًا ونسبًا، ثم بيّن أنها من أبي
العاص، تبيينًا لحقيقة نسبها، وهذا السياق لمالك وحده، وعند مسلم وغيره، عن عامر بن عبد الله وغيره، نسبوها إلى أبيها، ثم بينوا أنها بنت زينب، ولأحمد عن عمرو بن سليم "يحمل أمامة بنت العاص، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، على عاتقه".
وقوله: ابن ربيعة بن عبد شمس، كذا رواه الجمهور عن مالك، ورواه يحيى بن بكير ومعن بن عيسى وأبو صعب عن مالك "فقالوا ابن الربيع" وهو الصواب، وادّعى الأصيلي أنه ابن الربيع بن ربيعة، فنسبه مالك مرة إلى جده، وهذا مردود بإطباق النسابين على خلافه، على أنه ابن الربيع بن عبد العُزّى بن عبد شمس، ولكن مالكًا نسبه إلى جده في قوله "ابن عبد شمس".
وقوله: فإذا سجد وضعها، كذا لمالك، ولمسلم والنّسائيّ وأحمد وابن حبّان عن عامر بن عبد الله شيخ مالك: إذا ركع وضعها، وقد اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث. والذي أحوجهم إلى ذلك، هو أنه عمل كثير، فحمل الخطابيّ ذلك منه عليه الصلاة والسلام على عدم التعمد منه، لأنه عمل كثير في الصلاة، فقال: كانت أمامة أَلِفَته وأنسَت بقربه، فتعلقت به في الصلاة، ولم يدفعها عن نفسه، فإذا أراد أن يسجد وضعها على عاتقه حتى يكمل سجوده، فتعود إلى حالتها الأولى، فلا يدفعها، فإذا قام بقيت بعد محمولة، وَرُدَّ هذا بما رواه أبو داود عن عمرو بن سليم "حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد، حتى إذا فرغ من سجوده وقام، أخذها فردها في مكانها" فهذا صريح في أن فعل الحمل والوضع كان منه لا منها، بخلاف ما أوّله به الخطابيّ.
ولأحمد عن ابن جريج "وإذا قام حملها فوضعها على رقبته" وروى ابن القاسم عن مالك أنه كان في النافلة، وهو تأويل بعيدٌ كما قال القرطبيّ، واستبعده المازريّ وعياض؛ لأن ظاهر الأحاديث أنه كان في الفريضة، فقد ثبت في مسلم "رأيت النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم يؤم الناس، وأُمامة على عاتقه".
قال المازريّ: إمامته بالناس في النافلة ليست بمعهودة "ولأبي داود" بينما
نحن ننتظر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في الظهر أو العصر، وقد دعاه بلال إلى الصلاة، إذ خرج علينا، وأمامة على عاتقه، فقام في مُصَلاّه، فقمنا خلفه فكبر وهي في مكانها" وعند الزبير بن بكار وتبعه السهيليّ "الصبح" ووهم من عزاه للصحيحين. وقال القرطبي: روى أشهب وعبد الله بن نافع أن ذلك للضرورة، حيث لم يجد من يكفيه أمرها. وقال بعض أصحابه: لأنه لو تركها لبكت، وشغلت سره في صلاته، أكثر من شغله بحملها. وفرق بعض أصحابه بين الفريضة والنافلة.
وقال الباجي: إن وجد من يكفيه أمرها جاز في النافلة دون الفريضة، وإن لم يجد جاز فيهما. قال القرطبيّ: روى عبد الله بن يوسف التَّنيسيّ عن مالك أن الحديث منسوخ، وروى ذلك الإسماعيلي، عن التنيسى، لكنه غير صريح، ولفظه: قال التنيسيّ: قال مالك: من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ناسخ ومنسوخ، وليس العمل على هذا، وقال ابن عبد البر: لعله نسخ بتحريم العمل في الصلاة، وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وبأنّ هذه القصة كانت بعد قوله عليه الصلاة والسلام "إنّ في الصلاة لشغلًا"، لأن ذلك كان قبل الهجرة، وهذه القصة كانت بعد الهجرة بمدة مديدة، وذكر عياض عن بعضهم أن ذلك كان من خصائصه صلى الله تعالى عليه وسلم، لكونه معصومًا أن تبول وهو حاملها، ورد بأن الأصل عدم الاختصاص، وبأنه لا يلزم من ثبوت الاختصاص في أمر ثبوته في غيره بغير دليل، ولا مدخل للقياس في مثل ذلك، وحمل أكثر أهل العلم هذا الحديث على أنه عمل غير متوال، لوجود الطمأنينة في أركان صلاته.
وقال النوويّ: ادْعى بعض المالكية أن هذا الحديث منسوخ، وبعضهم أنه من الخصائص، وبعضهم أنه كان لضرورة، وكل ذلك دعاوى مردودة لا دليل عليها، وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع، لأن الآدمي طاهر، وما في جوفه معفو عنه، وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة، حتى تتبين النجاسة. والأعماق في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت، ودلائل الشرع
متظاهرة على ذلك، وإنما فعل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك لبيان الجواز.
وقال الفاكهانيّ: وكان السر في حمله أمامة في الصلاة دفعًا لما كانت العرب تألفه من كراهة البنات وحملهنّ، فخالفهم في ذلك حتى في الصلاة، للمبالغة في ردعهم، والبيان بالفعل قد يكون أقوى من القول. قلت: ظاهر ما مرَّ من النقول يدل على أن العمل الكثير المفسد للصلاة أقل عند المالكية من غيرهم من أهل المذاهب، والذي تدل عليه نصوص المالكية وغيرهم من أهل المذاهب أن العمل في الصلاة يغتفر منه عند المالكية ما لا يغتفر عند غيرهم، أو مساوون لهم وها أنا أذكر لك نصوص المذاهب كلها.
فالعمل الكثير عند المالكية موكول إلى العُرف، والصحيح في تحديده عندهم هو ما يتخيل للناظر إعراضه عن الصلاة، والعمل الكثير المفسد للصلاة عند أبي حنيفة هو ما قاله صاحب "البدائع"، فإنه قال: الكثير الذي يفسد الصلاة هو ما يحتاج فيه إلى استعمال اليدين، والقليل ما لا يحتاج فيه إلى ذلك، فإذا أخذ قوسًا ورمى به فسدت صلاته، وكذا لو حملت امرأة صبيًا فأرضعته، لوجود العمل الكثير. وأما حمل الصبيّ بدون الإرضاع فلا يفسدها. قاله العيني. وعند الشافعية، قال النووي في "شرح المهذب": اختلفوا في ضبط القليل والكثير على أربعة أوجه:
أحدها: القليل ما لا يسع زمانه فعل ركعة، والكثير ما يسعها. حكاه الرافعي، وهو ضعيف أو غلط.
الثاني: ما مرَّ عن الحنفية.
والثالث: ما مرَّ عن المالكية، وضعفوه بأن من رآه يحمل صبيًا أو يقتل حية أو عقربًا أو نحو ذلك يظن أنه ليس في صلاة، وهذا القدر لا يبطلها بلا خلاف، قلت: هذا الذي قالوا إنه لا يبطلها هو كذلك عند المالكية لا يبطلها، فيرد على ما جعلوه ضابطًا للكثرة.
الرابع: وهو المشهور، الرجوع فيه للعادة، فلا يضر ما يعده الناس قليلًا كالإشارة برد السلام، وخلع النعل، ورفع العمامة، ولبس ثوب خفيف وأشباه ذلك، وما عده الناس كثيرًا لخطواتٍ كثيرة متوالية، وفعلات متتابعة، فتبطل الصلاة، والفعلة الواحدة كالخطوة والضربة قليل بلا خلاف، ما لم تتفاحش، كالوثبة الفاحشة، فتبطل بلا خلاف، والثلاث كثير بلا خلاف، لكن إنما يبطل الكثير إذا توالى، فإنْ تفرق بأن خطا خطوة أو ضرب ضربة وسكت زمنًا، ثُم عاد ولو إلى مئة لم يضر بلا خلاف.
وحد التفريق أن يكون الثاني منقطعًا عن الأول. وقيل: بأن يكون بينهما ركعة، وهذا ضعيف، والثلاثة المتوالية التي تبطل إنما هي الخطوات والضربات ونحوها، فأما الحركات الخفيفة، كتحريك الأصابع في سبْحة أو حَكة أو حَل أو عَقد، ففيها وجهان؛ والمشهور لا تبطل وإن كثرت متوالية، لكن تكره، وفي الخطوتين والضربتين وجهان، أصحهما قليل لا تبطل. وعند الحنابلة قال في "دليل الطالب" ممزوجًا بشرحه "نيل المآرب": ويبطلها العمل المتوالي الكثير، لا القليل في العادة، من غير جنسها، كفتح باب ومشي ولف عمامة وكتابة وخياطة لغير ضرورة، فإن كان لضرورة كخوف وهرب من عدو لم تبطل.
فبنقل كلام المذاهب يظهر لك أن ضابط الفعل الكثير المبطل للصلاة متساو عندهم، أو قريب من التساوي، واستدل بالحديث على ترجيح العمل بالأصل على الغالب، كما أشار إليه الشافعيّ، ولابن دقيق العيد هنا بحث من جهة أن حكايات الأحوال لا عموم لها، واستدل به على جواز إدخال الصبيان في المساجد، وعلى أن لمس الصبيان الصغار غير مؤثر في الطهارة ويشمل أن يفرق بين ذوات المحارم وغيرهن وعلى صحة صلاة مَنْ حمل آدميًا، وكذا مَنْ حمل حيوانًا طاهرًا. وللشافعية تفصيل بين المستجمر وغيره.
وقد يجاب عن هذه القصة بأنها واقعةُ حالٍ، فيحتمل أن تكون أُمامة حينئذ قد غسلت، كما ثبت من أن بناتِ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كُن ينظفن صبيانهنّ للدخول عليه صلى الله تعالى عليه وسلم، كما يحتمل أنه صلى الله