الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التسعون
حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: كَانَ جِدَارُ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مَا كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوزُهَا.
قوله: كان جدار المسجد، كذا في رواية مكيّ، ورواه الإسماعيليّ عن أبي عاصم عن يزيد بلفظ "كان المنبر على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ليس بينه وبين حائط القبلة إلا قدر ما تمر العنز" فتبين بهذا السياق أن الحديث مرفوع. وقوله: ما كادت الشاة تجوزها، وفي رواية "أن تجوزها" أي المسافة، وهي ما بين المنبر والجدار، واقتران خبر كاد بأن قليل، كحذفها من خبر عسى، فحصل التعارض بينهما، ثم إن القاعدة أن حرف النفي إذا دخل على كاد يكون للنفي، لكنه لإثبات جواز الشاة.
ومطابقة الحديث للترجمة، قيل: من جهة أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقوم بجنب المنبر، ولم يكن لمسجده محراب، فتكون مسافة ما بينه وبين الجدار نظير ما بين المنبر والجدار، فكأنّه قال: والذي ينبغي أن يكون بين المصلّي وسترته، قدرُ ما كان بين منبره عليه الصلاة والسلام وجدار القبلة. وقيل: إنّ البخاري أشار بالترجمة إلى حديث سهل بن سعد المتقدم في بأس الصلاة على المنبر والخشب، فإن فيه أنه عليه الصلاة والسلام قام على المنبر حين عُمِل، فصلى عليه، فاقتضى ذلك أن ذكر المنبر يؤخذ منه موضع قيام المصلّي، ولا يعكر على هذا أن في ذلك الحديث أنه لم يسجد على المنبر، وإنما نزل فسجد في أصله، ويين أصل المنبر والجدار أكثر من ممر الشاة، لأنه يجاب عنه بأن أكثر أجزاء الصلاة قد حصل في أعلى المنبر، وإنما نزل عنه، لأن الدرجة لم تتسع لقدر سجوده، فحصل المقصود به. وأيضًا فإنه لمّا سجد
في أصل المنبر، صارت الدرجة التي فوقه سترة له، وهو قدر ما تقدم.
قال ابن بطّال: أقل ما يكون بين المصلّي وسترته قدر ممر الشاة. وقيل: أقل ذلك ثلاثة أذرع، وبه قال الشافعيّ وأحمد، لحديث بلال "أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم صلّى في الكعبة وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع" يأتي الحديث بعد خمسة أبواب. وجمع الداوديّ بأن أقله ممر الشاة، وأكثره ثلاثة أذرع. وجمع بعضهم بأن الأول في حال القيام والقعود، والثاني في حال الركوع والسجود. وقال ابن الصلاح: قدروا ممر الشاة بثلاثة أذرع، ولا يخفى ما فيه. وقال البغويّ: استحب أهل العلم الدنوّ من السترة، بحيث يكون بينه وبينها قدر إمكان السجود، وكذلك بين الصفوف. وقد ورد الأمر بالدنو منها.
وفيه بيان الحكمة في ذلك ما رواه أبو داود وغيره عن سهل بن أبي حَثْمَة مرفوعًا "إذا صلّى أحدكم إلى سترة فليدنُ منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته" واختلف في قدر الدنو منها عند المالكية، قيل شبر، وقيل ذِراع، وقيل ممر الشاة، وقيل ثلاثة أذرع، وقيل ما يسع ركوعه وسجوده، وهو المشهور عندهم، وكذلك هو المشهور عند الحنفية، واختلف في حريمه عندهم إذا صلّى بغير سترة، فقيل: قدر رمية حَجَر أو سهم أو رمح، أو قدر مضاربة السيف، أو قدر ركوعه وسجوده، وهو المشهور الأوفق بيسر الدين. وإنما تطلب في المشهور عند المالكية عند خشية المرور، وأما عند عدم الخشية فلا تطلب، لحديث ابن عباس المتقدم، وعند الشافعيّ تطلب مطلقًا، لعموم الأحاديث، ولأنها تصون البصر. وروى هذا عن مالك في العتبة، وبه قال ابن حبيب وابن الماجشُون ومطرف، واختاره اللخمي.
والمجزىء منها قدر ذراع فصاعد، لما رواه مسلم عن طلحة بن عُبيد الله
قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم "إذا جعلت بين يديك مثل مؤخرة الرَّحل فلا يضرك من يمر بين يديك" وعند المالكية أقل غلظها غلظ رمح، وعند الحنفية يكفي غلظ الأصبع، وتجوز السترة بالحيوان المأكول اللحم الثابت، لا بالخيل والبغال والحمير عند المالكية. وتجوز عندهم بظهر الرجل الراضي،