الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحكيم، وكان التحكيم عقب انتهاء الفتال بصفين، وكان قتل عمار قبل ذلك قطعًا بصفين، فكيف يبعثه إليهم على بعد موته، والذين بعث إليهم عليٌّ عمارًا، إنما هم أهل الكوفة، بعثه يستنفرهم على قتال عائشة ومن معها قبل وقعة الجمل.
وقوله: يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن، فيه دليل على استحباب الاستعاذة من الفتن، ولو علم المرء أنه متمسك فيها بالحق، لأنها قد تفضي إلى وقوع ما لا يرى وقوعه. قال ابن بطال: وفيه رد لنحديث الشائع "لا تستعيذوا بالله من الفتن، فإن فيها حصاد المنافقين". وقد سئل عنه ابن وهب قديمًا فقال: إنه باطل. وفي الحديث عَلَم من أعلام النبوءة، وفضيلة ظاهرة لعليّ وعمار، ورد على النواصب الزاعمين أن عليًا لم يكن مصيبًا في حروبه.
رجاله ستة:
وفيه ذكر ابن عباس، وابنه علي وعمار.
الأول: مسدد، وقد مرَّ في السادس من كتاب الإيمان، ومرَّ أبو سعيد الخُدريّ في الثاني عشر منه، ومرَّ عمار بن ياسر في العشرين منه، ومرَّ عبد الله بن عباس في الخامس من بدء الوحي، ومرَّ خالد بن مِهران وعكرمة مولى ابن عباس في السابع عشر من كتاب العلم.
السادس من السند: عبد العزيز بن المختار الأنصاريّ، أبو إسحاق. ويقال أبو إسماعيل الدباغ البصريّ مولى حفصة بنت سيرين. قال ابن مُعين: ثقة، وروى عنه ابن أبي خَيثمة ليس بشيء. وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال أبو حاتم: صالح الحديث مستوي الحديث. وقال النَّسائيّ: ليس به بأس، وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال: كان يخطىء، ووثقه العجلي وابن البرقيّ والدارقطنيّ. قال ابن حجر في مقدمته: احتج به الجماعة، وذكر ابن القطّان الفاسيّ أن مراد ابن مَعين بقوله في بعض الروايات: ليس بشيء، يعني أن أحاديثه قليلة جدًا، روى عن ثابت البُنانيّ وعاصم الأحول وأيوب وخالد الحذّاء
وهشام بن عروة وغيرهم. وروى عنه أحمد بن إِسحاق الحضرميّ ومسدد ومعلي بن أسد ويحيى بن حماد الشيبانيّ وغيرهم. وليس في الستة عبد العزيز بن المختار سواه.
وأما علي فهو علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، أبو محمد، ويقال أبو عبد الله، ويقال أبو الفضل المدنيّ، أمه زرعة بنت مشرح بن معدي كَرِب الكِنْديّ، قال ابن سعد: في الطبقة الثالثة من أهل المدينة، ولد ليلة قتل عليّ في شهر رمضان سنة أربعين، فسمي باسمه، وكني بكنيته، وكان ثقة قليل الحديث. وقيل: ولد في حياة عليّ، فقد روى أن عليًا افتقد عبد الله بن عباس، رضي الله تعالى عنهم، وقتَ صلاة الظهر، فقال لأصحابه: ما بال ابن عباس لم يحضر الظهر؟ فقالوا: ولد له مولود، فلما صلى عليّ، رضي الله تعالى عنه، قال: امضوا بنا إِليه، فأتاه فقال: شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب، ما سميته؟ فقال: أو يجوز لي أن أسميه حتى تسميه أنت؟ فأمر به، فأُخرج إِليه، فأخذه فحنّكه، ودعا له، ثم رده إليه وقال: خذ إليك أبا الأملاك، قد سميته عليًا، وكنيته أبا الحسن. فلما قام معاوية خليفة قال لابن عباس: ليس لكم اسمه وكنيته، وقد كنيته أبا محمد، فجرت عليه هكذا.
وقيل: إنه لما قدم على عبد الملك بن مروان قال له: غيّر اسمك وكنيتك، فلا صبر لي على اسمك وكنيتك. قال: أما الاسم فلا، وأما الكنية فأكنني بأبي محمد، فغير كنيته. وإنما قال له ذلك لبغضه لعليّ، فكره أن يسمع اسمه وكنيته، أعوذ بالله من ذلك. وذكر الطبريّ أنه دخل على عبد الملك فأكرمه وأجلسه على سريره، وسأله عن كنيته، فأخبره فقال: يجتمع في عسكري هذا الاسم وهذه الكنية لأحد؟ وسأله: هل لك من ولد؟ وكان قد ولد له يومئذ محمد بن علي، فأخبره بذلك، فكناه أبا محمد. كان سيدًا شريفًا بليغًا، وهو أصغر أولاد أبيه، وكان أجمل قرشي على وجه الأرض، وأوسعهم وأكثرهم صلاة. وكان يدعى علي السجاد لذلك، وكان له خمس مئة أصل زيتون، يصلي في كل يوم إلى أصل ركعتين، وكان يدعى ذا الثفنات. قيل له ذلك لأنه
كان يصلي في كل يوم ألف ركعة، فصار في ركبتيه مثل ثفن البعير. وقيل: ذو الثفنات علي زين العابدين.
وقال مصعب الزبيريّ: إنما كان سبب عبادته أنه رأى عبد الرحمن بن أبان بن عثمان وعبادته فقال: لأنا أَوْلى بهذا منه، وأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمًا، فتجرد للعبادة. قال العجليّ وأبو زرعة: ثقة، وقال عمرو بن علي: كان من خيار الناس، وذكره ابن حبّان في الثقات، وكان علي المذكور عظيم المحل عند أهل الحجاز، حتى قيل إنه كان إذا قدم مكة حاجًا أو معتمرًا عطلت قريش مجالسها في المسجد الحرام، وهجرت مواضع حلقها، ولزمت مجلسه إعظامًا له، واجلالًا وتبجيلًا، فإن قعد قعدوا، وإن قام قاموا، وإن مشى مشوا جميعًا حوله، ولا يزالون كذلك حتى يخرج من الحرم، وكان آدمَ جسيمًا، له لحية طويلة، وكان عظيم القدم جدًا، لا يوجد له نعل ولا خف حتى يستعمله.
وكان علي المذكور مفرطًا في الطول، إذا طاف كأنما حوله مشاة وهو راكب من طوله، وكان مع هذا الطول يكون إلى منكب أبيه عبد الله، وعبد الله إلى منكب أبيه العباس، وهو إلى منكب أبيه عبد المطلب. ونظرت عجوز إلى عليّ وهو يطوف، وقد فرع الناس طولًا، أي علا عليهم، فقالت: من هذا الذي فرع الناس؟ قالوا: علي بن عبد الله. قالت: لا إله إلا الله، إن الناس ليرذلون، عهدي بالعباس يطوف بهذا البيت كأنه قرطاس أبيض. وكان العباس عظيم الصوت، وجاءتهم مرة غارةٌ وقعت وقت الصبح، فصاح بأعلى صوته، واصباحاه، فلم تسمعه حامل إلاّ وضعت، وذكر أبو بكر الحازمي أن العباس كان يقف على سَلْعٍ، فينادي غلمانه وهم بالغابة، فيُسْمِعهم. وذلك من آخر الليل، وبين الغابة وسلع ثمانية أميال.
وروي أن علي بن عبد الله دخل على هشام بن عبد الملك، وكان معه ابنا ابنه، الخليفتان السفاح والمنصور، ابنا محمد بن علي المذكور، فأوسع له على سريره وبره، وسأله عن حاجته، فقال: ثلاثون ألف درهم عليّ دينٌ فأمر بقضائها، ثم قال له: وتستوصي بابنيّ هذين خيرًا، ففعل، فشكره وقال:
وصلتك رحم، فلما ولى قال هشام لأصحابه: هذا الشيخ قد اختل وأسن وخلط، فصار يقول: إن هذا الأمر سينتقل إلى ولده، فسمعه عليّ فقال: والله ليكونن ذلك، وَلَيمْلِكَنَّ هذان.
وقال المبرد: ضُرب عليٌّ بالسياط مرتين ظلمًا، ضربه الوليد بن عبد الملك إحداهما في تزوجه لُبابة بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وكانت عند عبد الملك، فعض تفاحة ثم رمى بها إليها، وكان أبخر، فدعت بسكين فقال لها: ما تصنعين بها؟ فقالت: أميط عنها الأذى، فطلقها، فتزوجها عليّ المذكور، فضربه الوليد، وقال: إنما تتزوج بأمهات الخلفاء لتضع منهم، لأن مروان بن الحكم تزوج بأم خالد بن يزيد بن معاوية، ليضع منه، فقال عليّ: إنما أرادت الخروج من هذا البلد، وأنا ابن عمها، فتزوجتها لأكون لها محرمًا، وقد قيل إن عبد الملك كان تزوج لُبابة بنت جعفر، فقالت له يومًا، وكان أبخر: لو استكت فاستاك، وطلقها، ثم تزوجها علي بن عبد الله، وكان أقرع لا تفارقه قَلَنْسُوته، فبعث عبد الملك جارية وهو جالس معها، فكشفت رأسه على غفلة، فقالت لُبابة للجارية: هاشميٌّ أقرع أحبُّ إليّ من أمويّ أبخر.
وأما ضربه إياه في المرة الثانية، فقد قال محمد بن شجاع: رأيت عليًا يومًا مضروبًا بالسوط، يُدار به على بعير، ووجهه مما يلي ذنب البعير، وصائح يصيح عليه يقول: هذا عليّ بن عبد الله الكذّاب، فأتيته وقلت: ما هذا الذي نسبوك به إلى الكذب؟ قال: بلغهم عني أني أقول إن هذا الأمر سيكون في ولدي، ووالله ليكوننَّ فيهم حتى يملكهم عبيدهم، الصغار العيون، العراض الوجوه، الذين كأنّ وجوههم المِجَانّ المُطْرقة، والذي تولى ضربه كلثومُ بن عِياض، كان والي الشرطة للوليد.
وذكر الطبريّ أن الوليد بن عبد الملك أخرج عليًا من دمشق، وأنزله الحميمة، ولم يزل ولده بها إلى أن زالت دولة بني أمية، وولد له بها نيف وعشرون ولدًا ذكرًا، كان رضي الله عنه يخضب بالسواد، وكان ابنه محمد والد السفاح والمنصور، يخضب بالحُمرة، فيظن من لا يعرفهما أن محمدًا عليٌّ وأن