الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نخر في أيامه، ثم كان عثمان والمال في زمانه كثر، فحسنه بما لا يقتضي الزخرفة، ومع ذلك فقد أنكر بعض الصحابة عليه، وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك بن مروان، وذلك في أواخر عصر الصحابة، وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفًا من الفتنة. وقد مرَّ قريبًا ما في زخرفته، ومرت كيفية بناء المسجد النبويّ عند ذكر حديث أنس في باب "هل تنبش قبور مشركي الجاهلية". وفي حديث أنس هذا علم من أعلام النبوءة لإخباره صلى الله عليه وسلم بما سيقع فوقع.
رجاله ستة:
الأول: عليّ بن المدينيّ، وقد مرَّ في الرابع عشر من كتاب العلم، ومرَّ يعقوب بن إبراهيم في السادس عشر منه، ومرَّ إبراهيم بن سعد في السادس عشر من الإيمان، ومرَّ صالح بن كيسان آخر كتاب بدء الوحي، ومرَّ نافع في الثالث والسبعين من كتاب العلم، ومرَّ عبد الله بن عمر في أول كتاب الإيمان قبل ذكر حديث منه.
لطائف إسناده:
فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع، والعنعنة في موضع واحد، والإخبار بصيغة الإفراد، ورواته ما بين بصريّ ومدنيّ. وفيه رواية الأقران. ورواية تابعيّ عن تابعيّ، وهما نافع وصالح. ثم قال المصنف:
باب التعاون في بناء المساجد، بالجمع وفي رواية بالإفراد
وفي رواية أبي ذرٍّ: ما كان، وللكشميهنيّ: وقول الله عز وجل {مَا كَانَ}
ولابن عساكر: قوله تعالى {ما كان} قوله: ما كان للمشركين، أي: ما صح لهم، وقوله: أن يعمروا مساجد الله، أي شيئًا من المساجد، فضلًا عن المسجد الحرام، وهو المراد. وإنما جمع لأنه قبلة المساجد وأمها وإمامها، فعامره كعامر الجميع، ويدل عليه قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالتوحيد، قال في الفتح: ذكر البخاريّ لهذه الآية مصير منه إلى ترجيح أحد الاحتمالين فيها، وذلك أن قوله تعالى {مساجد الله} يحتمل أن يراد بها مواضع السجود، ويحتمل أن يراد بها الأماكن المتخذة لإقامة الصلاة، وعلى الثاني يحتمل أن يراد بعمارتها بنيانها، ويحتمل أن يراد بها الإقامة لذكر الله فيها، واعتراض العينيّ عليه يعلم سقوطه بالوقوف عليه.
وقوله: شاهدين على أنفسهم، أي بإظهار الشرك وتكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام، أي ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين: عمارة بيت الله تعالى، وعبادة غيره. رُوي أن سبب نزول هذه الآية هو أنه لما أُسر العباس يوم بدر، عيّره المسلمون بالشرك وقطيعة الرحم، وأغلظ له عليّ، رضي الله تعالى عنه، في القول فقال: تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا، إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العاني. فنزلت.
وقوله: فحبطت أعمالهم، أي التي يفتخرون بها، لأن الكفر يذهب ثوابها. وقوله {إنما يعمر مساجد الله} .. إلخ. أي إنما تستقيم عمارتها لهؤلاء الجامعين للكمالات العلمية والعملية، ومن عمارتها تزيينها بالفرش، وتنويرها بالسرج، وإدامة العبادة والذكر، ودروس العلم فيها، وصيانتها مما لم تبن له، كحديث الدنيا. وفي مسند عبد بن حميد عن أنس مرفوعًا "أن عُمّار المسجد أهل الله" وروي أن الله تعالى يقول "إن بيوتي في أرضي المساجد، وإن زُوّاري فيها عُمّارها، فطوبى لعبد تطهير في بيته ثم زارني في بيتي، فحق على المزور أن يكرم زائره".
وقوله: فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين، قيل: الآيتان بلفظ "عسى" إشارة إلى ردع الكفار، وتوبيخهم بالقطع في زعمهم إنهم مهتدون، فإن هؤلاء
مع هذه الكمالات اهتداؤهم دائرٌ بين "عسى ولعل" فما ظنك بمن هو أضل من البهائم؟ وإشارة أيضًا إلى منع المؤمنين من الاغترار والاتكال على الأعمال، وقد ذكر المصنف هاتين الآيتين هنا. ورواية أبي ذَرٍّ {إنما يعمر مساجد الله}
…
الآية، ولفظ الأصيلي {مساجد الله} إلى قوله {من المهتدين} والمطابقة بين هذه الآية، التي هي من جملة الترجمة، وحديث الباب، هو أن يقال إنه أشار بها إلى أن التعاون في بناء المسجد المعتبر الذي فيه الأجر، إنما هو ما كان من المؤمنين، ولم يكن ذلك للكافرين، وإن كانوا بنوا مساجد ليتعبدوا فيها بعبادتهم الباطلة، فالمعنى إنما العمارة المعتمد بها عمارة من آمن بالله، فجعل عمارة غيرهم مثل لا عمارة، حيث ذكرها بكلمة الحصر.