الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني والمئة
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَحَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَدَوِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ يُصَلِّي إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِى مُعَيْطٍ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ، فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إِلَاّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعَادَ لِيَجْتَازَ فَدَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ أَشَدَّ مِنَ الأُولَى، فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِيَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ خَلْفَهُ عَلَى مَرْوَانَ فَقَالَ مَا لَكَ وَلاِبْنِ أَخِيكَ يَا أَبَا سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ.
قولهْ حدثنا يونس، هو ابن عبيد، وقد قرن البخاريّ روايته برواية سليمان بن المغيرة، وساق هنا لفظ سليمان لا لفظ يونس؛ لأنه ساق لفظ يونس في بَدء الخلق. وفيه مغايرة اللفظ المسوق هنا، وليس فيه تقييد الدفع بما إذا كان المصلي يصلي إلى سترة. قال في الفتح: والمطلق في هذا محمول على المقيد، لأن الذي يصلي إلى غير سترة مقصر بتركها، ولاسيما إن صلّى في مشارع المشاة. وقد روى عبد الرزاق التفرقة بين من يصلي إلى سترة وإلى غير سترة. وفي الروضة تبعًا لأصلها، ولو صلى إلى غير سترة أو كانت وتباعد منها، فالأصح أنه ليس له الدفع، لتقصيره، ولا يحرم المرور حينئذ بين يديه، ولكن
الأَولى تركه. قلت: تقصيره بعدم السترة لا يلزم منه جواز المرور بين يديه؛ لأن المار قد تكون له مندوحة عن المرور، فيحرم عليه المرورحينئذ. ويأتي استيفاء الكلام عليه في الباب الآتي بعد هذا الحديث.
وقوله: شاب من بني أُبي مُعيط، في كتاب الصلاة لأبي نعيم وقوع القصة لأبي سعيد مع الوليد بن عقبة، وفي تفسير المبهم في المتن به نظر؛ لأن فيه أنه دخل على مروان، وزاد الإسماعيليّ "ومروان يومئذ على المدينة" وإنما كان مروان أميرًا على المدينة في خلافة معاوية، ولم يكن الوليد حينئذ بالمدينة، لأنه لما قتل عثمان تحول إلى الجزيرة، فسكنها حتى مات في خلافة معاوية، ولم يحضر شيئًا من الحروب التي بين علي ومن خالفه، وأيضًا فلم يكن الوليد يومئذ شابًا، بل كان في عمر الخمسين. وأيضًا في الحديث "ولابن أخيك" والوليد أبوه عقبة، قتل كافرًا، فلم يكن ابن أخ لأبي سعيد، فلعل ما في أبي نعيم، فأقبل ابن للوليد بن عقبة فيتجه، وللنَّسائيّ "فمر ابن لمروان" وسماه عبد الرزاق "داود".
وجزمَ ابن الجوزيّ بتفسير المبهم في المتن به، وفيه نظر، لأن في المتن أنه من بني أبي مُعيط، وليس مروان من بنيه، بل أبو مُعيط ابن عم والدمروان، وليست أم داود ولا أم مروان ولا أم الحكم من ولد أبي معيط، لكن يحتمل أن يكون داود نسب إلى أبي مُعيط من جهة الرضاعة، أو لكون جده لأمه عثمان بن عفان كان أخا الوليد بن عقبة بن أبي مُعيط لأمه، فنسب داود إليه مجازًا، وفيه يُعد، والأقرب أن تكون الواقعة تعددت لأبي سعيد مع غير واحد، ففي مصنف ابن أبي شيبة عن أبي سعيد في هذه القصة، فأراد عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن يمر بين يديه
…
الحديث، وعبد الرحمن مخزوميّ ما له من أبي معيط نسبة.
وقوله: فلم يجد مساغًا، بالغين المعجمة، أي ممرًا. وقوله: فنال من أبي سعيد، أي الشاب أصاب من عرضه بالشتم. وقوله: ولابن أخيك أطلق الأُخُوة باعتبار الإِيمان، واستدل الرافعيّ بهذه القصة على مشروعية الدفع، ولو لم يكن هناك مسلك غيره، بل يقف حتى يفرغ المصلي من صلاته، وخالف إمام
الحرمين فقال: إن الدفع لا يشرع للمصلي في هذه الصورة، وتبعه الغزالي، وتعقب ابن الرفعة على الرافعي بما حاصله أن الشاب إنما استوجب من أبي سعيد الدفع، لكونه قصر في التأخر عن الحضور إلى الصلاة حتى وقع الزحام. وما قاله محتمل. لكن لا يدفع الاستدلال، لأن أبا سعيد لم يعتذر بذلك، ولأنه متوقف على أن ذلك وقع قبل صلاة الجمعة أو فيها، مع احتمال أن يكون ذلك وقع بعدها، فلا يتجه ما قاله من التقصير بعدم التبكير، بل كثرة الزحام حينئذ أوجه.
وقوله: فليدفعه، ولمسلم "فليدفع في نحوه" قال القرطبيّ أي بالإِشارة ولطيف المنع. وقوله: فليقاتله، أي يزيد في دفعه الثاني أشد من الأول. قال: وأجمعوا على أنه لا يقاتل بالسلاح، لمخالفة ذلك لقاعدة الإِقبال على الصلاة، والاشتغال بها والخشوع فيها. وأطلق جماعة من الشافعية أنَّ له أنْ يقاتله حقيقة، واستبعد ابن العربى ذلك في القبس وقال: المراد بالمقاتلة المدافعة، وأغرب الباجيّ فقال: يحتمل أن يكون المراد بالمقاتلة اللَّعْن والتعنيف، وتعقب بأنه يستلزم التكلم في الصلاة، وهو بخلاف الفعل اليسير، ويمكن أن يكون أراد أنه يلعنه داعيًا لا مخاطبًا، لكن فعل الصحابي يخالفه، وهو أعلم بالمراد.
وقد رواه الإسماعيلى بلفظ "فإنْ أبى فليجعل يده في صدره ويدفعه" وهو صريح في الدفع باليد. ونقل البيهقيّ عن الشافعيّ أن المراد بالمقاتلة دفع أشد من الدفع الأول، وما مرَّ عن ابن عمر يقتضي أن المقاتلة إنما تشرع إذا تعينت في دفعه. قال في الفتح: وبنحوه صرح أصحابنا فقالوا: يرده بأسهل الوجوه، فإن أبى شد، ولو أدّى إلى قتله، ولو قتله فلا شيء عليه؛ لأن الشارع أباح له مقاتلته، والمقاتلة المباحة لا ضمان فيها. ونقل عياض وغيره أن عندهم خلافًا في وجوب الدية في هذه الحالة، قلت: مشهور مذهب المالكية هو أن المصلي يدفع المار دفعًا خفيفًا لا يشغله، فإن كثر أبطل، ولو دفعه فسقط منه دينار أو انخرق ثوبه ضمن، ولو دفعًا مأذونًا فيه.
قال ابن عرفة ولو مات كانت ديته على العاقلة عند أهل المذهب، وذلك
لأنه لما كان مأذوناً فيه في الجملة، كان كالخطأ، فلذلك لم يقتل به، وكانت الدية على العاقلة، والدفع عندهم مندوب لا غير. وقال النوويّ: لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع، بل صرح أصحابنا بأنه مندوب. قال في الفتح: قد صرح بوجوبه أهل الظاهر، فكأنّ الشيخ لم يراجع كلامهم. فيه، أو لم يعتد بخلافهم.
ونقل ابن بطال وغيره الاتفاق على أنه لا يجوز له المشي من مكان ليدفعه، ولا العمل الكثير في مدافعته، لأن ذلك أشد في الصلاة من المرور، وذهب الجمهور إلى أنه إذا مرّ ولم يدفعه، فإنه لا ينبغي له أن يرده، لأن فيه إعادة للمرور. وروى ابن شَيبة عن ابن مسعود وغيره أن له ذلك، ويمكن حمله على ما إذا رده فامتنع وتمادى. لا حيث يقصر المصلي في الرد. وقوله: فإنما هو شيطان، أي: فعله فعل الشيطان؛ لأنه أبى إلا التشويش على المصلّي، وإطلاق لفظ الشيطان على المار من الإنس سائغ شائع، وقد جاء في القرآن قوله تعالى:{شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} .
وقال ابن بطال: في هذا الحديث جواز إطلاق لفظ الشيطان على من يفتن في الدين، وأن الحكم للمعاني دون الأسماء، لاستحالة أن يصير المار شيطانًا بمجرد مروره، وهو مبني على أن لفظ الشيطان يطلق حقيقة على الجِنّي، ومجاز على الإنسي. قال في الفتح: وفيه بحث، قلت: لا وجه للبحث فيه مع نص الآية المتقدمة، ويحتمل أن يكون المعنى: وإنما الحاصل له على ذلك الشيطان، وفي رواية للإسماعيليّ "فإن معه الشيطان" ونحوه لمسلم من حديث ابن عمر، بلفظ "فإنّ معه القَرين" واستنبط ابن أبي جَمرة من قوله "فإنما هو شيطان" أن المراد بقوله "فليقاتله" المدافعة اللطيفة لا حقيقة القتال؛ لأن مقاتلة الشيطان إنما هي بالاستعاذة، والتستر عنه بالتسمية ونحوها. وإنما جاز الفعل اليسير في الصلاة للضرورة، فلو قاتله حقيقة المقاتلة لكان أشد على صلاته من المار.
قال: وهل المقاتلة لخلل يقع في صلاة المصلّي من المرور، أو لدفع الإثم