الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مدلس أصلًا، ولو صرح بالسماع والعمل على خلافه. ورواية معاذ لا دليل فيها على أن حُميدًا لم يسمع من أنس؛ لأنه لا مانع أن يسمعه من أنس ثم يستثبت فيه من ميمون، لعلمه بأنه كان السائل عن ذلك، فكان حقيقًا بضبطه، فكان حميد تارة يحدث به عن أنس لأجل العلو، وتارة عن ميمون لكونه ثبته فيه. وقد جرت عادة حميد بهذا، يقول: حدثني أنس وثبتني فيه ثابت، ووقع هذا لغير حميد.
رجاله أربعة:
الأول: سعيد بن أبي مريم، وقد مرّ في الرابع والأربعين من كتاب العلم.
والثاني: يحيى بن أيوب المقابريّ أبو زكرياء البغداديّ العابد. قال أحمد: رجل صالح يعرف به، صاحب سكوت ودعة. وقال علي بن المدينيّ وأبو حاتم: صدوق. وقال أبو شعيب الحرانيّ: يحيى بن أيوب كان من خيار عباد الله تعالى. وذكره ابن حِبّان في الثقات. وقال الحسن بن فهم ينزل عسكر المهديّ: وكان ثقة ورعًا مسلمًا يقول بالسنة ويعيب على من يقول بقول جَهْم. وقال ابن قانع: ثقة مأمون، روى عن إسماعيل بن جعفر وعبد الله بن المبارك وهُشيم وإسماعيل بن علية، وابن وهب ووكيع وغيرهم. وروى عنه مسلم وأبو داود. وروى البخاريّ في خلق أفعال العباد عن محمد بن عبد العزيز بن المبارك المخرميّ، وروى عنه أبو زرعة وأبو حاتم وأبو يعلى وآخرون. مات في شهر ربيع الأول سنة أربع وثلاثين ومئتين. وفي الستة يحيى بن أيوب سواه ثلاثة: الغافقي والبجليّ والخولاني. ثم قال المصنف:
باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق
أي وأهل المغرب والمشرق، بالجر عطفًا على المجرور قبله. المراد بالمشرق مشرق الأرض كلها: المدينة والشام وغيرهما، ولم يذكر المؤلف المغرب اكتفاء بذكر المشرق إذ العلة مشتركة، كما في {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} [النحل: 81] أي والبرد، ولأن المشرق أكثر الأرض المعمورة، ولأن بلاد
الإِسلام في جهة مغرب الشمس قليلة، ونقل عياض أن رواية أكثر ضم القاف في المشرق، وعليه يكون معطوفًا على باب، أي: وباب حكم المشرق، ثم حذف من الثاني "باب وحكم" وأقيم المشرق مقام الأول، ووجه السهيلي رواية الضم بأن الحامل ذلك كون المشرق فيه القبلة، مخالفًا لحكم المدينة، بخلاف الشام، فإنه موافق، وصوّبها الزركشيّ قال: لما في الكسر من إشكال، وهو إثبات قبلة لأهل المشرق، وأجاب ابن رشيد بأن المراد بيان حكم القبلة هو توافقت البلاد أو اختلفت.
وقال الدمامينيّ: إثبات قبلة لأهل المشرق في الجملة لا إشكال فيه؛ لأنهم لابد لهم من أن يصلوا إلى الكعبة، فلهم قبلة يستقبلونها قطعًا، إنما الإشكال لو جعل المشرق نفسه قبلة مع استدبار الكعبة، وليس في جر المشرق ما يقتضي أن يكون المشرق نفسه قبلة، وكيف يتوهم هذا والمؤلف قد ألصق بهذا الكلام قوله: ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة؟
ثم قال: ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تستقبلوا القبلة بغائط أو بول، ولكن شرقوا أو غربوا". هذه جملة مُسْتَأْنَفَة من ثقة المصنف، ومراده بذلك لأهل الشام والمدينة، فالخطاب في قوله: شرقوا أو غربوا مخصوص بالمخاطبين، وهم أهل المدينة، ويلحق بهم من كان على مثل سَمْتِهم مَن إذا استقبل المشرق أو المغرب لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها. أما من كان في المشرق فقبلته في جهة المغرب، وكذلك عكسه. وفي رواية الأربعة إسقاط "قبلة" وعليه يكون "باب" التنوين أي هذا باب، وقبلة أهل المدينة مبتدأ خبره ليس في المشرق ولا في المغرب، ولكن على هذا لابد من تأويل قِبلة بمستقبل، ليطابق المبتدأ الخبر في التذكير، لوجوب التطابق بينهما في التذكير والتأنيث. ويؤول المشرق بالتشريق والمغرب بالتغريب، أي مستقبل أهل المدينة ليس في التشريق ولا في التغريب.
قلت: ركن يرد على هذه الرواية، وما أولت به أن المشرق المذكور في الترجمة قبلته في التغريب كما مرّ قريبًا. وقوله: لقول النبي صلى الله عليه وسلم
…
إلخ، وهذا
وصله النَّسائيّ، ووصله المؤلف في الباب بتغيير يسير، وظاهره التسوية بين الصّحاري والأبنية، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية عنه. وقال مالك والشافعيّ: يحرم في الصحراء لا في البنيان، إلى آخر ما مرّ تحريره مستوفى عند ذكر حديث أبي أيوب في أوائل كتاب الوضوء.