الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْعَيْزَارِ أَخْبَرَنِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ، وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا". قَالَ ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ". قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي.
قوله: "أخبرني"، هو على التقديم والتأخير. قوله:"صاحب هذه الدار"، كذا رواه شعبة مبهمًا، وعند المصنف عن مالك بن مِغْوَل في الجهاد، وعن أبي إسحاق في التوحيد التصريح باسم عبد الله بن مسعود. قلت: بعد التصريح بصاحب الدار، والإشارة إلى دار عبد الله بن مسعود، لم يبق إبهام في الاسم. وقوله:"وأشار بيده "، فيه الاكتفاء بالإشارة المفهمة عن التصريح. وقوله:"أيُّ العمل أحبُّ إلى الله تعالى"، في رواية مالك بن مِغْوَل:"أي العمل أفضل"، وكذا لأكثر الرواة، فإن كان هذا اللفظ هو المسؤول به، فلفظ حديث الباب ملزوم عنه.
ومحصل ما أجاب به العلماء عن هذا الحديث وغيره، مما اختلفت فيه الأجوبة، أنه من أفضل الأعمال، أن الجواب اختلف لاختلاف أحوال السائلين، بأنْ أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه، أو بما لهم فيه رغبة، أو بما هو لائق بهم، أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات، بأن يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في غيره، فقد كان الجهاد في ابتداء الإِسلام أفضل الأعمال، لأنه الوسيلة إلى القيام بها، والتمكن من أدائها، وقد
تضافرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة، ومع ذلك، ففي وقت مواساة المضطر تكون الصدقة أفضل، أو أن "أفضل" ليست على بابها، بل المراد بها الفضل المطلق، أو المراد "من أفضل" فحذفت "من" وهي مرادةٌ.
وقال ابن دقيق العيد: الأعمال في هذا الحديث محمولة على البدنية، وأراد بذلك الاحتراز عن الإيمان؛ لأنه من أعمال القلوب، فلا تعارض حينئذ بينه وبين حديث أبي هريرة: "أفضل الأعمال إيمان بالله
…
الحديث". وقد مرَّ هذا الكلام في باب "إطعام الطعام"، وباب "من قال إن الإيمان هو العمل". وقوله: "الصلاة على وقتها"، قد اتفق أصحاب شعبة على هذه اللفظة، وخالفهم علي بن حفص، فقال: "في أول وقتها". أخرجه الحاكم والدارقطنيّ والبيهقي. وقال النوويّ في "شرح المهذَّب" إن رواية: "في أول وقتها" ضعيفة، وكأنَّ من رواها كذلك ظن أن المعنى واحد، ويمكن أن يكون أخذه من لفظة: "على" لأنها تقتضي الاستعلاء على جميع الوقت، فيتعين أوله.
قال القرطبيّ وغيره: قوله: "لوقتها" اللام للاستقبال، مثل قوله تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، أي: مستقبلات عدتهن عند من عد العدة بالحيض، أو هي لام التأنيث والتأريخ، كقوله تعالى:{لِعِدَّتِهِنَّ} ، أي: وقتها، وهو الطهر، فإن اللام في الأزمان وما أشبهها للتأقيت. وقيل: للابتداء، نحو:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ، وقيل: بمعنى: "في"، أي: في وقتها، لأن الوقت ظرف لها، قال تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} ، أي: فيه. وقيل: اللام بمعنى: "على" كقوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} ، أي: على الأذقان، {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} ، أي: عليه. وقيل: "على" بمعنى اللام، ففيه ما مرَّ، وقيل: لإرادة الاستعلاء على الوقت. وفائدته تحقق دخول الوقت ليتسع الأداء فيه.
قال ابن بطال: فيه أن البِدار إلى الصلاة في أول وقتها أفضل من التراخي فيها؛ لأنه إنما شرط فيها أن تكون أحب الأعمال إذا أقيمت لوقتها المستحب. قال ابن دقيق العيد: ليس في هذا الحديث ما يقتضي أولًا ولا آخرًا، وكأن المقصود به الاحتراز عما إذا وقعت قضاء. وتعقب بأن إخراجها عن وقتها محرم، ولفظ:"أحب" يقتضي المشاركة في الاستحباب، فيكون المراد الاحتراز عن إيقاعها آخر الوقت. وأجيب بأن المشاركة، إنما هي بالنسبة إلى الصلاة وغيرها من الأعمال، فإن وقعت الصلاة في وقتها كانت أحب إلى الله تعالى من غيرها من الأعمال، فوقع الاحتراز عما إذا وقعت خارج وقتها من معذور، كالنائم والناسي، فإنّ إخراجهما لها عن وقتها لا يوصف بالتحريم، ولا بكونه أفضل الأعمال، مع كونه محبوبًا، لكن إيقاعها في الوقت أحب.
وقوله: "ثم أي"، قيل: الصواب أنه غير منوَّن؛ لأنه غير موقوف عليه في الكلام، والسائل ينتظر الجواب، والتنوين لا يوقف عليه، فتنوينه ووصله بما بعده خطأ، فيوقف عليه وقفة لطيفة، ثم يؤتى بما بعده. قاله الفاكهاني، وحكى ابن الجوزيّ عن ابن الخشاب الجزم بتنوينه، لأنه معرب غير مضاف، وتعقب بأنه مضاف تقديرًا، والمضاف إليه محذوف لفظًا، والتقدير: أي العمل أحب، فيوقف عليه بلا تنوين. وقد نص سيبويه على أنها تعرب وتبنى إذا أضيفت.
وقوله: "قال: بر الوالدين"، كذا للأكثر، وللمستملي قال:"ثم برّ الوالدين" بزيادة "ثم". قال بعضهم: هذا الحديث موافق لقوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} وكأنه أخذه من تفسير ابن عُيينة، حيث قال: من صلى الصلوات الخمس فقد شكر لله، ومن دعا لوالديه عقبها فقد شكر لهما. وقوله:"قال: الجهاد في سبيل الله"، قيل: المراد بالجهاد هنا ما ليس بفرض عين، لأنه يتوقف على إذن الوالدين، فيكون برهما مقدّمًا عليه.
وقوله: "حدثني بهن"، هو مقول عبد الله بن مسعود، وفيه تقرير وتأكيد لما تقدم من أنه باشر السؤال وسمع الجواب.
وقوله: "ولو استزدته لزادني"، يحتمل أن يريد من هذا النوع، وهو المراتب