المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ النهي عن قراءة الجنب والحائض القرآن - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ النهي عن قراءة الجنب والحائض القرآن

- ‌ تعليم الكافر القرآن:

- ‌الفتاوى

- ‌ مات المسلم ولم يقض فريضة الحج وهو مستكمل لشروط وجوبها

- ‌ اضطره عمله أن يغادر منى بعد الوقوف بعرفة ورمي الجمرة بعد فجر يوم النحر

- ‌ هل أحج عن والدي اللذين ماتا ولم يؤديا فريضة الحج لفقرهما

- ‌ حج من قبل وأنزل بعد التحلل الأول

- ‌ أخر رمي الجمار في اليوم الحادي عشر حتى أدركه الليل

- ‌ المسلمة التي حاضت في أيام حجها

- ‌ رمى الجمار في الليلة الثانية من ليالي التشريق

- ‌ ترك المبيت بمزدلفة

- ‌ صلى صلاتي المغرب والعشاء قصرا وجمع تأخير قبل دخول مزدلفة

- ‌ رمي جمرة العقبة ليلا

- ‌ ترك المبيت بمنى أيام التشريق

- ‌ ترك المبيت بمنى ليلة واحدة لعذر المرض

- ‌ رمي جمار أيام التشريق كلها في يوم واحد

- ‌ المراد باليومين اللذين أباح الله جل وعلا للمتعجل الانصراف من منى بعد انقضائهما

- ‌ وقت رمي الجمار جمار أيام التشريق الثلاثة

- ‌ هل يجب الهدي على أهل مكة لمن أحرم منهم بالحج فقط

- ‌ فاته الركوع الثاني في صلاة الكسوف

- ‌ فضل هذه الكلمة:

- ‌ إعرابها وأركانها وشروطها:

- ‌ معنى هذه الكلمة ومقتضاها:

- ‌ متى ينفع الإنسان قول لا إله إلا الله

- ‌النسيان في القرآن

- ‌النسيان ظاهرة بشرية:

- ‌تناول القرآن لهذه الظاهرة الإنسانية:

- ‌النوع الأول: النسيان الحقيقي

- ‌ في صورة النفي:

- ‌ في صورة الدعاء أو الالتماس:

- ‌ أخبار قرآنية تتصل بالنسيان:

- ‌النوع الثاني: النسيان المقصود:

- ‌بواعث النسيان:

- ‌عقوبة النسيان

- ‌الذكر في القرآن

- ‌ صلة حديث الذكر بحديث النسيان

- ‌ألفاظ الذكر في القرآن وأوضاعها اللغوية والنحوية:

- ‌الذكر بمعنى الحديث:

- ‌الذكر بمعنى الشأن والشرف:

- ‌الذكر بمعنى الكتاب المنزل أو النبي المرسل:

- ‌ذكر الله

- ‌الذكر عبادة والعبادة ذكر:

- ‌ذكر اسم الله:

- ‌واذكر ربك:

- ‌الإعراض عن الذكر. . وآثاره وبواعثه

- ‌مصير الغافلين:

- ‌ منزلة الذاكرين:

- ‌التذكر والتذكير في القرآن

- ‌التذكير منهج لرسالات السماء:

- ‌ التذكر منطلق المسئولية:

- ‌بواعث التذكر

- ‌مصادر البحث:

- ‌«أنزل القرآن على سبعة أحرف

- ‌ السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف

- ‌مصادر البحث والتحقيق

- ‌ رواية أنس رضي الله

- ‌الإسناد وأهميته في نقد الحديث النبوي

- ‌ المحاولة للقضاء على الفتنة:

- ‌ أهمية الإسناد:

- ‌ الإسناد ركن من ركني الحديث:

- ‌ دور الرحلة في خدمة الإسناد:

- ‌ أثر الإسناد في نقد الحديث:

- ‌ استعمال الإسناد لرواية الكتب:

- ‌ الإسناد من اختصاص المسلمين:

- ‌ محمد بن عبد الوهابعبقري العصر وأستاذ الجيل

- ‌تمهيد:

- ‌عودة الجاهلية الأولى:

- ‌الجاهلية تعم المسلمين:

- ‌حياة الشيخ:

- ‌وفاة الشيخ:

- ‌آثار الشيخ العلمية:

- ‌الشيخ كان أسوة:

- ‌محمد بن مسلمة الأوسي الأنصاري

- ‌نسبه وأيامه الأولى:

- ‌قائد السرايا:

- ‌ سريته إلى كعب بن الأشرف

- ‌ سريته إلى القرطاء:

- ‌ سريته إلى ذي القصة:

- ‌مع الخلفاء الراشدين

- ‌ مع عثمان:

- ‌ اعتزال الفتنة الكبرى:

- ‌الإنسان:

- ‌القائد:

- ‌محمد بن مسلمة في التاريخ

- ‌لقاء مع الداعية البريطانيالمسلميوسف إسلام

- ‌متى ثبتت رؤية الهلالثبوتا شرعياوجب العمل بها ولم يجزأن تعارض بكسوف ولا غيره

- ‌حكم الحيوان المذبوح بالصعق الكهربائي

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ النهي عن قراءة الجنب والحائض القرآن

هـ- وقال أيضا:

" وأما مس المصحف: فالصحيح أنه يجب له الوضوء، كقول الجمهور، وهذا هو المعروف عن الصحابة: سعد، وسلمان، وابن عمر. وفي كتاب عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يمس القرآن إلا طاهر (1)» . وذلك «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر القرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم (2)» ، وقد أقر المشركين على السجود لله، ولم ينكره عليهم، فإن السجود لله خضوع:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} (3).

وأما كلامه فله حرمة عظيمة، ولهذا ينهى أن يقرأ القرآن في حالة الركوع والسجود، فإذا نهى أن يقرأ في السجود لم يجز أن يجعل المصحف مثل السجود، وحرمة المصحف أعظم من حرمة المسجد، والمسجد يجوز أن يدخله المحدث، ويدخله الكافر للحاجة، وقد كان الكفار يدخلونه، واختلف في نسخ ذلك، بخلاف المصحف فلا يلزم إذا جاز الطواف مع الحدث أن يجوز للمحدث مس المصحف؛ لأن حرمة المصحف أعظم، وعلى هذا فما روي عن عثمان وسعيد من أن الحائض تومئ بالسجود هو لأن حدث الحائض أغلظ، والركوع هو سجود خفيف. كما قال تعالى:{ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} (4) قالوا: ركعا: فرخص لها في دون كمال السجود " (5).

(1) موطأ مالك النداء للصلاة (468).

(2)

صحيح البخاري الجهاد والسير (2990)، صحيح مسلم الإمارة (1869)، سنن أبو داود الجهاد (2610)، سنن ابن ماجه الجهاد (2880)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 7)، موطأ مالك الجهاد (979).

(3)

سورة الرعد الآية 15

(4)

سورة النساء الآية 154

(5)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 288.

ص: 45

ثالثا: ما جاء في‌

‌ النهي عن قراءة الجنب والحائض القرآن

اختلف أهل العلم في ذلك، وفيما يلي نقول توضح أقوالهم وأدلتهم ومناقشتها.

1 -

النقول عن المحدثين:

أ- قال البخاري:

"باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت. وقال إبراهيم: لا بأس أن تقرأ الآية، ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأسا، «وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل

ص: 45

أحيانه (1)». وقالت أم عطية: «كنا نؤمر أن يخرج الحيض فيكبرن وبتكبيرهم ويدعون (2)» . . وقال ابن عباس: أخبرني أبو سفيان أن هرقل دعا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} (3) الآية. وقال عطاء عن جابر: حاضت عائشة فنسكت المناسك غير الطواف بالبيت ولا تصلي. وقال الحكم: إني لأذبح وأنا جنب، وقال الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (4).

حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت:«خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج، فلما جئنا سرف طمثت فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ قلت: لوددت والله أني لم أحج العام. قال: لعلك نفست؟ قلت: نعم. قال: فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم، فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري (5)» .

ب- وقال ابن حجر:

"قوله: (باب تقضي الحائض) أي تؤدي (المناسك كلها إلا الطواف بالبيت)، قيل: مقصود البخاري بما ذكر في هذا الباب من الأحاديث والآثار أن الحيض وما في معناه من الجنابة لا ينافي جميع العبادات، بل صحت معه عبادات بدنية من أذكار وغيرها، فمناسك الحج من جملة ما لا ينافيها، إلا الطواف فقط. وفي كون هذا مراده نظر؛ لأن كون مناسك الحج كذلك حاصل بالنص فلا يحتاج إلى الاستدلال عليه، والأحسن ما قاله ابن رشيد تبعا لابن بطال وغيره أن مراده الاستدلال على جواز قراءة الحائض والجنب بحديث عائشة رضي الله عنها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستثن من جميع مناسك الحج إلا الطواف، وإنما استثناه لكونه صلاة مخصوصة، وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء، ولم تمنع الحائض من شيء من ذلك، فكذلك الجنب؛ لأن حدثها أغلظ من حدثه، ومنع القراءة إن كان لكونه ذكر الله فلا فرق بينه وبين ما ذكر، وإن كان تعبدا فيحتاج إلى دليل خاص، ولم يصح عند المصنف شيء من الأحاديث الواردة في ذلك، وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند غيره، لكن أكثرها قابل للتأويل كما سنشير إليه، ولهذا تمسك البخاري ومن قال بالجواز

(1) صحيح مسلم الحيض (373)، سنن الترمذي الدعوات (3384)، سنن أبو داود الطهارة (18)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (302)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 278).

(2)

صحيح البخاري الحج (1652)، صحيح مسلم صلاة العيدين (890)، سنن الترمذي الجمعة (539)، سنن النسائي صلاة العيدين (1558)، سنن أبو داود الصلاة (1139)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1308)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 84)، سنن الدارمي الصلاة (1609).

(3)

سورة آل عمران الآية 64

(4)

سورة الأنعام الآية 121

(5)

صحيح البخاري الحيض (305)، صحيح مسلم الحج (1211)، سنن النسائي مناسك الحج (2763)، سنن أبو داود المناسك (1782)، سنن ابن ماجه المناسك (2963)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 273).

ص: 46

غيره كالطبري وابن المنذر وداود بعموم حديث: «كان يذكر الله على كل أحيانه (1)» ؛ لأن الذكر أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره، وإنما فرق بين الذكر والتلاوة بالعرف.

والحديث المذكور وصله مسلم من حديث عائشة، وأورد المصنف أثر إبراهيم وهو النخعي إشعارا بأن منع الحائض من القراءة ليس مجمعا عليه، وقد وصله الدارمي وغيره بلفظ:«أربعة لا يقرءون القرآن: الجنب والحائض وعند الخلاء وفي الحمام إلا الآية ونحوها للجنب والحائض (2)» ، وروي عن مالك نحو قول إبراهيم، وروي عنه الجواز مطلقا، وروي عنه الجواز للحائض دون الجنب، وقد قيل: إنه قول الشافعي في القديم، ثم أورد أثر ابن عباس وقد وصله ابن المنذر بلفظ: أن ابن عباس كان يقرأ ورده وهو جنب.

وأما حديث أم عطية فوصله المؤلف في العيدين، وقوله فيه:(ويدعون) كذا لأكثر الرواة، وللكشميهني: يدعين، بياء تحتانية بدل الواو، ووجه الدلالة منه ما تقدم من أنه لا فرق بين التلاوة وغيرها، ثم أورد المصنف طرفا من حديث أبي سفيان في قصة هرقل، وهو موصول عنده في بدء الوحي وغيره، ووجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الروم وهم كفار، والكافر جنب، كأنه يقول: إذا جاز مس الكتاب للجنب مع كونه مشتملا على آيتين، فكذلك يجوز له قراءته، كذا قاله ابن رشيد، وتوجيه الدلالة منه إنما هي من حيث إنه إنما كتب إليهم ليقرءوه، فاستلزم جواز القراءة بالنص لا بالاستنباط.

وقد أجيب عمن منع ذلك وهم الجمهور بأن الكتاب اشتمل على أشياء غير الآيتين، فأشبه ما لو ذكر بعض القرآن في كتاب في الفقه أو في التفسير فإنه لا يمنع قراءته ولا مسه عند الجمهور؛ لأنه لا يقصد منه التلاوة، ونص أحمد أنه يجوز مثل ذلك في المكاتبة لمصلحة التبليغ، وقال به كثير من الشافعية، ومنهم من خص الجواز بالقليل كالآية والآيتين.

قال الثوري: لا بأس أن يعلم الرجل النصراني الحرف من القرآن عسى الله أن يهديه، وأكره أن يعلمه الآية هو كالجنب، وعن أحمد أكره أن يضع القرآن في غير موضعه، وعنه إن رجا منه الهداية جاز وإلا فلا، وقال بعض من منع: لا دلالة في القصة على جواز تلاوة الجنب القرآن؛ لأن الجنب إنما منع التلاوة إذا قصدها وعرف أن الذي يقرأه قرآن، أما لو قرأ في ورقة ما لا يعلم أنه من القرآن فإنه لا يمنع، وكذلك الكافر، وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى.

تنبيه: ذكر صاحب المشارق أنه وقع في رواية القابسي والنسفي وعبدوس هنا: ويا أهل الكتاب بزيادة واو، قال: وسقطت لأبي ذر والأصيلي وهو الصواب. (قلت): فأفهم

(1) صحيح مسلم الحيض (373)، سنن الترمذي الدعوات (3384)، سنن أبو داود الطهارة (18)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (302)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 278).

(2)

سنن الدارمي الطهارة (993).

ص: 47

أن الأولى خطأ؛ لكونها مخالفة للتلاوة وليست خطأ، وقد تقدم توجيه إثبات الواو في بدء الوحي.

قوله: (وقال عطاء عن جابر) هو طرف من حديث موصول عند المصنف في كتاب الأحكام، وفي آخره:«غير أنها لا تطوف بالبيت ولا تصلي (1)» ، وأما أثر الحكم وهو الفقيه الكوفي فوصله البغوي في الجعديات من روايته عن علي بن الجعد عن شعبة عنه، ووجه الدلالة منه أن الذبح مستلزم لذكر الله بحكم الآية التي ساقها، وفي جميع ما استدل به نزاع يطول ذكره ولكن الظاهر من تصرفه ما ذكرناه، واستدل الجمهور على المنع بحديث علي «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة (2)» ، رواه أصحاب السنن، وصححه الترمذي وابن حبان، وضعف بعضهم بعض رواته، والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة، لكن قيل: في الاستدلال به نظر؛ لأنه فعل مجرد، فلا يدل على تحريم ما عداه، وأجاب الطبري عنه بأنه محمول على الأكمل جمعا بين الأدلة، وأما حديث ابن عمر مرفوعا:«لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن (3)» فضعيف من جميع طرقه " (4).

(1) صحيح البخاري التمني (7230).

(2)

سنن الترمذي الطهارة (146)، سنن النسائي الطهارة (265)، سنن أبو داود الطهارة (229)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (594)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 107).

(3)

سنن الترمذي الطهارة (131)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (596).

(4)

فتح الباري 1/ 323 - 324.

ص: 48

ج- قال الزيلعي:

"الحديث الرابع: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقرأ الحائض والجنب شيئا من القرآن (1)» ، قلت: روي من حديث ابن عمر ومن حديث جابر، أما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي وابن ماجه عن إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن (2)» انتهى. قال الترمذي: لا نعلمه يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه. انتهى، ورواه البيهقي في سننه (3) وقال: قال البخاري فيما بلغني عنه: إنما روى هذا إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، ولا أعرفه من حديث غيره، وإسماعيل منكر الحديث عن أهل الحجاز وأهل العراق، ثم قال: وقد روى عن غيره: عن موسى بن عقبة، وليس بصحيح، انتهى. وقال في المعرفة: هذا

(1) سنن الترمذي الطهارة (131)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (596).

(2)

سنن الترمذي الطهارة (131)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (596).

(3)

ص 89.

ص: 48

حديث ينفرد به إسماعيل بن عياش، وروايته عن أهل الحجاز ضعيفة لا يحتج بها، قاله أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما من الحفاظ. وقد روى هذا من غيره، وهو ضعيف، انتهى.

وقال ابن أبي حاتم في علله (1): سمعت أبي وذكر حديث إسماعيل بن عياش هذا فقال: خطأ، إنما هو قول ابن عمر، انتهى. وقال ابن عدي في الكامل: هذا الحديث بهذا السند لا يرويه غير إسماعيل بن عياش، وضعفه أحمد والبخاري وغيرهما، وصوب أبو حاتم وقفه على ابن عمر. انتهى. وله طريقان آخران عند الدارقطني (2)، أحدهما: عن المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة به. والثاني: عن محمد بن إسماعيل الحساني عن رجل عن أبي معشر عن موسى بن عقبة به. وهذا مع أن فيه رجلا مجهولا، وأبو معشر رجل مستضعف إلا أنه يتابع عليه.

وأما حديث جابر فرواه الدارقطني في سننه في آخر الصلاة، من حديث محمد بن الفضل، عن أبيه، عن طاوس، عن جابر مرفوعا نحوه. ورواه ابن عدي في الكامل وأعله بمحمد بن الفضل، وأغلظ في تضعيفه عن البخاري والنسائي وأحمد وابن معين، ووافقهم حديث يمكن أن يستدل به الطحاوي في إباحة ما دون الآية للجنب، ورواه أحمد في مسنده (3): حدثنا عائذ بن حبيب، حدثني عامر بن السبط، عن أبي العزيف الهمداني قال:«أتي علي بوضوء فمضمض واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، وغسل يديه. ثلاثا، وذارعيه ثلاثا، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه، ثم قال: "هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ثم قرأ شيئا من القرآن، ثم قال: هذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا، ولا آية (5)» . انتهى.

ولكن الدارقطني رواه في سننه (6) موقوفا بغير هذا اللفظ، فأخرجه عن عامر بن السبط ثنا: أبو العريف الهمداني، قال: كنا مع علي رضي الله عنه في الرحبة، فخرج إلى أقصى الرحبة، فوالله ما أدري أبولا أحدث أم غائطا؟ ثم جاء فدعا بكوز من ماء

(1) ص 49.

(2)

ص 43.

(3)

ص 110

(4)

مسند أحمد بن حنبل (1/ 110)، سنن الدارمي الطهارة (701).

(5)

في المسند، غسل يديه وذراعيه ثلاثا ثلاثا. (4)

(6)

ص 44 والبيهقي ص 89، 90.

ص: 49

فغسل كفيه، ثم قبضهما إليه، ثم قرأ صدرا من القرآن، ثم قال: اقرءوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة، فإن أصابه فلا، ولا حرفا واحدا. انتهى.

قال الدارقطني: هو صحيح عن علي انتهى.

حديث آخر في منع القراءة للجنب، رواه أصحاب السنن الأربعة. من حديث عمر بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه -أو لا يحجزه- عن القرآن شيء ليس الجنابة (1)» ، انتهى. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وصححه، قال: ولم يحتجا بعبد الله بن سلمة ومدار الحديث عليه، انتهى.

قال النووي في الخلاصة: قال الشافعي: أهل الحديث لا يثبتونه، قال البيهقي: لأن مداره على عبد الله بن سلمة -بكسر اللام- وكان قد كبر، وأنكر حديثه وعقله، وإنما روى- هذا بعد كبره قاله شعبة. انتهى كلامه " (2).

د- وقال ابن حجر:

"حديث روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن (3)» الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر، وفي إسناده إسماعيل بن عياش، وروايته عن الحجازيين ضعيفة، وهذا منها، وذكر البزار أنه تفرد به عن موسى بن عقبة، وسبقه إلى نحو ذلك البخاري، وتبعهما البيهقي، لكن رواه الدارقطني من حديث المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى، ومن وجه آخر فيه مبهم عن أبي معشر، وهو ضعيف عن موسى، وصحح ابن سيد الناس طريق المغيرة وأخطأ في ذلك، فإن فيها عبد الملك بن مسلمة وهو ضعيف، فلو سلم منه لصح إسناده، وإن كان ابن الجوزي ضعفه بمغيرة بن عبد الرحمن فلم يصب في ذلك،

(1) سنن الترمذي الطهارة (146)، سنن النسائي الطهارة (265)، سنن أبو داود الطهارة (229)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (594)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 107).

(2)

نصب الراية.

(3)

سنن الدارمي الطهارة (998).

ص: 50

فإن مغيرة ثقة، وأن سيد الناس تبع ابن عساكر في قوله في الأطراف: أن عبد الملك بن مسلمة هذا هو القعنبي، وليس كذلك، بل هو آخر. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: حديث إسماعيل بن عياش هذا خطأ، وإنما هو ابن عمر. قوله: عبد الله بن أحمد عن أبيه: هذا باطل، أنكر على إسماعيل، وله شاهد من جابر رواه الدارقطني مرفوعا، وفيه محمد بن الفضل وهو متروك وموقوفا، وفيه يحيى بن أبي أنيسة، وهو كذاب، وقال البيهقي: هذا الأثر ليس بالقوي، وصح عن عمر أنه كان يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب، وساقه عنه في الخلافيات: بإسناد صحيح" (1).

هـ -وقال أيضا:

"حديث علي بن أبي طالب: «لم يكن يحجب النبي صلى الله عليه وسلم عن القرآن شيء سوى الجنابة (2)» وفي رواية: "يحجزه" أحمد وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبزار والدارقطني والبيهقي، من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي، وفي رواية للنسائي: عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، وألفاظهم مختلفة، وصححه الترمذي وابن السكن وعبد الحق والبغوي في السنة، وروى ابن خزيمة بإسناده عن شعبة قال: هذا الحديث ثلث رأس مالي. وقال الدارقطني: قال شعبة: ما أحدث بحديث أحسن منه. وقال البزار: لا يروي من حديث علي إلا عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عنه. وحكى الدارقطني في العلل أن بعضهم رواه عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي، وخطأ هذه الرواية، وقال الشافعي في سنن حرملة: إن كان هذا الحديث ففيه دلالة على تحريم القرآن على الجنب، وقال في جماع كتاب الطهور: أهل الحديث لا يثبتونه. قال البيهقي: إنما قال ذلك لأن عبد الله بن سلمة راويه كان قد تغير، وإنما روى هذا الحديث بعدما كبر، قاله شعبة، وقال الخطابي: كان أحمد يوهن هذا الحديث، وقال النووي في الخلاصة: خالف الترمذي الأكثرون، فضعفوا هذا الحديث. وتخصيصه الترمذي بذلك دليل على أنه لم ير تصحيحه

(1) التلخيص الحبير 1/ 138.

(2)

سنن الترمذي الطهارة (146)، سنن النسائي الطهارة (265)، سنن أبو داود الطهارة (229)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (594)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 107).

ص: 51

لغيره، وقد قدمنا ذكر من صححه غير الترمذي، وروى الدارقطني عن علي موقوفا «اقرءوا القرآن ما لم تصب أحدكم جنابة، فإن أصابته فلا ولا حرفا (1)» ، وهذا يعضد حديث عبد الله بن سلمة، لكن قال ابن خزيمة: لا حجة في هذا الحديث لمن منع الجنب من القراءة؛ لأنه ليس فيه نهي، وإنما هي حكاية فعل، ولا يبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما امتنع من ذلك لأجل الجنابة، وذكر البخاري عن ابن عباس، أنه لم ير بالقرآن للجنب بأسا، وذكر في الترجمة قالت عائشة:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه (2)» .

(1) لقد ورد النهي عن قراءة الجنب للقرآن في حديث مرفوع أخرجه أبو يعلى من حديث علي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن، ثم قال: هكذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا ولا آية. قال الهيثمي: رجاله موثوقون.

(2)

التلخيص الحبير 1/ 139.

ص: 52

2 -

النقول عن الفقهاء:

1 -

قال النووي:

"فرع في مذاهب العلماء في قراءة الجنب والحائض، مذهبنا أنه يحرم على الجنب والحائض قراءة القرآن قليلها وكثيرها حتى بعض آية، وبهذا قال أكثر العلماء، هكذا حكاه الخطابي وغيره عن الأكثرين، وحكاه عن عمر بن الخطاب وعلي وجابر رضي الله عنهم والحسن والزهري والنخعي وقتادة وأحمد وإسحاق.

وقال داود: يجوز للجنب والحائض قراءة كل القرآن، وروى هذا عن ابن عباس وابن المسيب، قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما واختاره ابن المنذر، وقال مالك: يقرأ الجنب الآيات اليسيرة للتعوذ، وفي الحائض روايتان عنه أحدهما: تقرأه، والثاني: لا تقرأ، وقال أبو حنيفة: يقرأ الجنب بعض آية ولا يقرأ آية، وله رواية كمذهبنا.

واحتج من جوزه مطلقا بحديث عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله تعالى على كل أحيانه (1)» ، رواه مسلم، قالوا: والقرآن ذكر، ولأن الأصل عدم التحريم.

(1) صحيح مسلم الحيض (373)، سنن الترمذي الدعوات (3384)، سنن أبو داود الطهارة (18)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (302)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 70).

ص: 52

واحتج أصحابنا بحديث ابن عمر المذكور في الكتاب لكنه ضعيف كما سبق، وعن عبد الله بن سلمة - بكسر اللام - عن علي رضي الله عنه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فيقرأ القرآن ولم يكن يحجبه - وربما قال: يحجزه - عن القرآن شيء ليس الجنابة (1)» رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال غيره من الحفاظ المحققين: هو حديث ضعيف. ورواه الشافعي في سنن حرملة ثم قال: إن كان ثابتا ففيه دلالة على تحريم القراءة على الجنب.

قال البيهقي: ورواه الشافعي في كتاب جماع الطهور وقال: وإن لم يكن أهل الحديث يثبتونه. قال البيهقي: وإنما توقف الشافعي في ثبوته؛ لأن مداره على عبد الله بن سلمة وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة، وإنما روى هذا الحديث بعدما كبر قاله شعبة. ثم روى البيهقي عن الأئمة تحقيق ما قال، ثم قال البيهقي: وصح عن عمر رضي الله عنه أنه كره القراءة للجنب. ثم رواه بإسناده عنه.

وروي عن علي: لا يقرأ الجنب القرآن ولا حرفا واحدا. وروى البيهقي عن عبد الله بن مالك الغافقي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا توضأت وأنا جنب أكلت وشربت ولا أصلي ولا أقرأ حتى أغتسل» ، وإسناده أيضا ضعيف.

واحتج أصحابنا أيضا بقصة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه المشهورة أن امرأته رأته يواقع جارية له، فذهبت فأخذت سكينا وجاءت تريد قتله، فأنكر أنه واقع الجارية وقال: أليس قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنب أن يقرأ القرآن؟ قالت: بلى. فأنشدها الأبيات المشهورة فتوهمتها قرآنا فكفت عنه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فضحك ولم ينكر عليه، والدلالة فيه من وجهين:

أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه قوله: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن.

والثاني: أن هذا كان مشهورا عندهم يعرفه رجالهم ونساؤهم، ولكن إسناد هذه القصة ضعيف ومنقطع. وأجاب أصحابنا عن احتجاج داود بحديث عائشة بأن المراد بالذكر غير القرآن؛ فإنه المفهوم عند الإطلاق، وأما المذاهب الباقية فقد سلموا تحريم القراءة في الجملة، ثم ادعوا تخصيصا لا مستند له.

(1) سنن الترمذي الطهارة (146)، سنن النسائي الطهارة (265)، سنن أبو داود الطهارة (229)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (594)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 107).

ص: 53

فإن قالوا: جوزنا للحائض خوف النسيان، قلنا يحصل المقصود بتفكرها بقلبها" (1).

ب- وقال الشيرازي:

"ويحرم قراءة القرآن لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن (2)» .

جـ- وقال النووي:

"فرع: هذا الحديث رواه الترمذي والبيهقي من رواية ابن عمر رضي الله عنهما، وضعفه الترمذي والبيهقي، وروى: "لا يقرأ" بكسر الهمزة على النهي وبضمها على الخبر الذي يراد به النهي، وقد سبق بيانه في آخر باب ما يوجب الغسل، وهذا الذي ذكره من تحريم قراءة القرآن على الحائض هو الصحيح المشهور، وبه قطع العراقيون وجماعة من الخراسانيين، وحكى الخراسانيون قولا قديما للشافعي: أنه يجوز لها قراءة القرآن، وأصل هذا القول أن أبا ثور رحمه الله قال: قال أبو عبد الله: يجوز للحائض قراءة القرآن. فاختلفوا في أبي عبد الله، فقال بعض الأصحاب: أراد به مالكا وليس للشافعي قول بالجواز، واختاره إمام الحرمين والغزالي في البسط، وقال جمهور الخراسانيين: أراد به الشافعي وجعلوه قولا قديما.

قال الشيخ أبو محمد: وجدت أبا ثور جمعهما في موضع فقال: قال أبو عبد الله ومالك، واحتج من أثبت قولا بالجواز اختلفوا في علته على وجهين، أحدهما: أنها تخاف النسيان لطول الزمان بخلاف الجنب. والثاني: أنها قد تكون معلمة فيؤدي إلى انقطاع حرفتها، فإن قلنا بالأول جاز لها قراءة ما شاءت؛ إذ ليس لما يخاف نسيانه ضابط، فعلى هذا هي كالطاهر في القراءة، وإن قلنا بالثاني لم يحل إلا ما يتعلق بحاجة التعليم في زمان الحيض، هكذا ذكر الوجهين وتفريعهما إمام الحرمين وآخرون.

هذا حكم قراءتها باللسان، فأما إجراء القراءة على القلب من غير تحريك اللسان والنظر في المصحف وإمرار ما فيه في القلب فجائز بلا خلاف، وأجمع العلماء على جواز التسبيح والتهليل وسائر الأذكار غير القرآن للحائض والنفساء، وقد

(1) المجموع 2/ 171 - 173.

(2)

سنن الدارمي الطهارة (998).

ص: 54

تقدم إيضاح هذا مع جمل من الفروع المتعلقة به في باب ما يوجب الغسل والله أعلم.

فرع: في مذهب العلماء في قراءة الحائض القرآن. قد ذكرنا أن مذهبنا المشهور تحريمها، وهو مروي عن عمرو وعلي وجابر رضي الله عنهم، وبه قال الحسن البصري وقتادة وعطاء وأبو العالية والنخعي وسعيد بن جبير والزهري وإسحاق وأبو ثور، وعن مالك وأبي حنيفة وأحمد روايتان إحداهما التحريم، والثانية: الجواز، وبه قال داود.

واحتج لمن جوز بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقرأ القرآن وهي حائض؛ ولأن زمنه يطول فيخاف نسيانها، واحتج أصحابنا والجمهور بحديث ابن عمر المذكور لكنه ضعيف، وبالقياس على الجنب، فإن من خالف فيها وافق على الجنب إلا داود، والمختار عند الأصوليين أن داود لا يعتد به في الإجماع والخلاف. وفعل عائشة رضي الله عنها لا حجة فيه على تقدير صحته؛ لأن غيرها من الصحابة خالفها، وإذا اختلفت الصحابة رضي الله عنهم رجعنا إلى القياس، وأما خوف النسيان فنادر، فإن مدة الحيض غالبا ستة أيام أو سبعة، ولا ينسى غالبا في هذا القدر، ولأن خوف النسيان ينتفي بإمرار القرآن على القلب والله أعلم" (1).

د- وقال الخرقي: "ولا يقرأ القرآن جنب ولا حائض ولا نفساء".

هـ- وقال ابن قدامة:

رويت الكراهة لذلك عن عمر وعلي والحسن والنخعي والزهري وقتادة والشافعي وأصحاب الرأي، وقال الأوزاعي: لا يقرأ إلا آية الركوب والنزول {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} (2). {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا} (3) وقال ابن عباس: يقرأ ورده، وقال سعيد بن المسيب: يقرأ القرآن، أليس هو في جوفه؟ وحكى عن مالك للحائض القراءة دون الجنب؛ لأن أيامها تطول، فإن منعناها من القراءة نسيت.

(1) المجموع شرح المهذب 2/ 371.

(2)

سورة الزخرف الآية 13

(3)

سورة المؤمنون الآية 29

ص: 55

ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحجبه - أو قال: يحجزه - عن قراءة القرآن شيء ليس الجنابة (1)» رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن (2)» رواه أبو داود والترمذي وقال: يرويه إسماعيل بن عياش عن نافع، وقد ضعف البخاري روايته عن أهل الحجاز وقال: إنما روايته عن أهل الشام، وإذا ثبت هذا في الجنب ففي الحائض أولى؛ لأن حدثها آكد؛ ولذلك حرم الوطء ومنع الصيام وأسقط الصلاة وساواها في سائر أحكامها.

(فصل) ويحرم عليهم قراءة آية، فأما إن كان بعض آية فإن كان مما لا يتميز به القرآن عن غيره كالتسمية والحمد لله وسائر الذكر فإن لم يقصد به القرآن فلا بأس به، فإنه لا خلاف في أن لهم ذكر الله تعالى، ويحتاجون إلى التسمية عند اغتسالهم، ولا يمكنهم التحرز من هذا. وإن قصدوا به القراءة أو كان ما قرءوه شيئا يتميز به القرآن عن غيره من الكلام ففيه روايتان، إحداهما: لا يجوز، وروي عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن الجنب يقرأ القرآن، فقال: لا، ولا حرفا، وهذا مذهب الشافعي؛ لعموم الخبر في النهي ولأنه قرآن، فمنع من قراءته كالآية. والثانية: لا يمنع منه، وهو قول أبي حنيفة؛ لأنه لا يحصل به الإعجاز ولا يجزئ في الخطبة، ويجوز إذا لم يقصد به القرآن وكذلك إذا قصد (3).

و"وأما قراءة الجنب والحائض للقرآن فللعلماء فيه ثلاثة أقوال:

قيل: يجوز لهذا ولهذا، وهو مذهب أبي حنيفة والمشهور من مذهب الشافعي وأحمد.

وقيل: لا يجوز للجنب، ويجوز للحائض. إما مطلقا، أو إذا خافت النسيان. وهو مذهب مالك وقول في مذهب أحمد وغيره؛ فإن قراءة الحائض القرآن لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء غير الحديث المروي عن إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر «لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئا (4)» رواه أبو داود وغيره، وهو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث.

(1) سنن الترمذي الطهارة (146)، سنن النسائي الطهارة (265)، سنن أبو داود الطهارة (229)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (594)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 84).

(2)

سنن الترمذي الطهارة (131)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (596).

(3)

مختصر الخرقي ومعه المغني 1/ 135 - 136.

(4)

سنن الترمذي الطهارة (131)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (596).

ص: 56

وإسماعيل بن عياش ما يرويه عن الحجازيين أحاديث ضعيفة، بخلاف روايته عن الشاميين، ولم يرو هذا عن نافع أحد من الثقات، ومعلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن ينههن عن قراءة القرآن. كما لم يكن ينههن عن الذكر والدعاء، بل أمر الحيض أن يخرجن يوم العيد، فيكبرن بتكبير المسلمين، وأمر الحائض أن تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت: تلبي وهي حائض، وكذلك بمزدلفة ومنى، وغير ذلك من المشاعر.

وأما الجنب فلم يأمره أن يشهد العيد، ولا يصلي، ولا أن يقضي شيئا من المناسك؛ لأن الجنب يمكنه أن يتطهر فلا عذر له في ترك الطهارة، بخلاف الحائض فإن حدثها قائم لا يمكنها مع ذلك التطهر. ولهذا ذكر العلماء: ليس للجنب أن يقف بعرفة ومزدلفة ومنى حتى يطهر، وإن كانت الطهارة ليست شرطا في ذلك. ولكن المقصود أن الشارع أمر الحائض أمر إيجاب أو استحباب بذكر الله ودعائه مع كراهة ذلك للجنب.

فعلم أن الحائض يرخص لها فيما لا يرخص للجنب فيه، لأجل العذر وإن كانت عدتها أغلظ، فكذلك قراءة القرآن ولم ينهها الشارع عن ذلك.

وإن قيل: إنه نهى الجنب؛ لأن الجنب يمكنه أن يتطهر ويقرأ بخلاف الحائض تبقى حائضا أياما فيفوتها قراءة القرآن، تفويت عبادة تحتاج إليها مع عجزها عن الطهارة، وليست القراءة كالصلاة، فإن الصلاة يشترط لها الطهارة مع الحدث الأكبر والأصغر، والقراءة تجوز مع الحدث الأصغر بالنص واتفاق الأئمة.

والصلاة يجب فيها استقبال القبلة واللباس واجتناب النجاسة، والقراءة لا يجب فيها شيء من ذلك، بل «كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر عائشة رضي الله عنها وهي حائض (1)» ، وهو حديث صحيح، وفي صحيح مسلم أيضا:«يقول الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إني منزل عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرأه نائما ويقظانا (2)» فتجوز القراءة قائما وقاعدا وماشيا ومضطجعا وراكبا " (3).

(1) صحيح البخاري الاعتكاف (2046)، سنن النسائي الحيض والاستحاضة (386).

(2)

صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2865)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 162).

(3)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام 21/ 459 - 462.

ص: 57