الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فما مبلغ عناية القرآن الكريم بهما؟ وكيف تناولهما؟ وكيف كشف عن أهميتهما؟ وما البواعث التي استخدمها في التذكير لتحمل النفوس على التذكر؟
هذه الأمور سنوضحها في هذه المرحلة من البحث.
التذكير منهج لرسالات السماء:
والتذكير هو المنهج الذي يقوم عليه دين الله، ومن أجله كانت وتعددت رسالات السماء في شتى مراحل التاريخ، وتحمل الرسل عبء هذا المنهج، ليذكروا البشر بأبعاد الهداية، ويدلوهم على مواطن الخير في وحي الله ودين السماء؛ ليستطيع الإنسان تحقيق الرسالة التي أرادها الله له في هذا الوجود.
وتدرك هذه الأهمية البالغة للتذكير عندما تقلب صفحات الكتاب العزيز، إذ تستوقفك في مجال الدعوة إلى التذكير أمور ذات بال.
(1)
يدعو رب العالمين نبيه ومصطفاه محمدا عليه الصلاة والسلام إلى أن يذكر ويتذكر، أما التذكير فهو جوهر مهمته ومناط رسالته، ولذا وجهه الله تعالى إليه في مواطن كثيرة، وأرشده إلى وسائل شتى يستعين بها في تذكيره سنتناولها فيما بعد.
يقول الله تعالى: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} (1)، {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (2)، {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ} (3){فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} (4)، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} (5){وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} (6)، وفي الآية الأخيرة دعوة إلى التذكير بالقرآن مخافة أن ينتهي أمر القوم إلى الهلاك، بما أسلفوه من بغي وانحراف.
(1) سورة ق الآية 45
(2)
سورة الذاريات الآية 55
(3)
سورة الطور الآية 29
(4)
سورة الأعلى الآية 9
(5)
سورة الغاشية الآية 21
(6)
سورة الأنعام الآية 70
وأما التذكر فقد دعا الله نبيه إليه لأنه سيكون جنة له تحميه من نوازع البشرية، وتضع نصب عينيه مثلا أعلى من حياة من سبقوه في طريق الدعوة، فيهون أمامه البلاء، ويخف عليه وقع المحن، ويتحمل مئونة الصبر، ومن هنا كان الأمر بالتذكر يدور كله في مجال القصص القرآني.
وقد جاء الأمر في سورة مريم وحدها خمس مرات، يقول تعالى:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} (1){وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ} (2){وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى} (3){وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ} (4){وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ} (5) الآيات.
كما جاء هذا الأمر في أربعة مواضع من سورة ص، تحث النبي عليه الصلاة والسلام على تذكر أنبياء آخرين سبقوا في الدعوة إلى الله، فيقول:{اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ} (6){وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ} (7){وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} (8){وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ} (9)، وفي الأمر بالصبر قبل الذكر في الموضع الأول إشارة إلى أن مغزى التذكر أن يصل به النهي إلى قضية الصبر التي بها تنجح الدعوات.
وفي سورة الأحقاف يقول تعالى: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} (10)، وأخو عاد كناية عن نبي الله هود عليه السلام، والأحقاف موضع معروف، في الجهة الجنوبية الشرقية من شبه الجزيرة العربية، كما يقول تعالى في صدر الحديث عن موسى عليه السلام:{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (11).
(1) سورة مريم الآية 16
(2)
سورة مريم الآية 41
(3)
سورة مريم الآية 51
(4)
سورة مريم الآية 54
(5)
سورة مريم الآية 56
(6)
سورة ص الآية 17
(7)
سورة ص الآية 41
(8)
سورة ص الآية 45
(9)
سورة ص الآية 48
(10)
سورة الأحقاف الآية 21
(11)
سورة القصص الآية 46
وفي غير مجال القصص القرآني نجد توجيها للنبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى استلهام الذكرى من حادث عبد الله بن أم مكتوم الذي عبس في وجهه، فقال الله لرسوله بعد عتاب غير يسير:{كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} (1){فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} (2).
فالتذكر الذي يحمي البشرية من الهوى وينأى بها عن الزلل، والتذكير الذي هو مهمة ورسالة لم يكونا مقصورين على خاتم الأنبياء وحده، فهذا أمر الله لنبيه عيسى عليه السلام بالتذكر، إذ يقول له:{اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} (3)، وهذا أمر آخر لنبيه موسى بالتذكير:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} (4)، ويحدثنا القرآن عن عتاب نوح عليه السلام لقومه الذين ساءتهم الدعوة إلى الله والتذكير بآياته:{يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ} (5).
ويصف الله تعالى أنبياءه إبراهيم وإسحاق ويعقوب بصفة اختصهم بها، وهي تذكرهم لدار الجزاء {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} (6).
فرسل الله جميعا ذكروا فتذكروا، وقاموا بواجب التذكير كما أمرهم الله، وإن لم تنسب إليهم الألفاظ صراحة بهذه الكثرة كخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
(2)
الدعوة إلى التذكر في القرآن ملحة تهز عقول البشر هزا عنيفا، وتزيح أستار الغفلة التي تلقيها عليها بين الحين والحين نوازع النفوس ومغريات الحياة، وذلك ليعود للعقل البشري صفاؤه، فيستجيب لدعوة الله، ويذعن لرسالة الحق، تبدو قوة هذه الدعوة إلى التذكر في الأسلوب التي عرضت به الآيات الداعية إليه، إذ في ستة مواطن من القرآن الكريم وردت الدعوة بهذه الصورة: أفلا تذكرون؟ التي تتضمن
(1) سورة عبس الآية 11
(2)
سورة عبس الآية 12
(3)
سورة المائدة الآية 110
(4)
سورة إبراهيم الآية 5
(5)
سورة يونس الآية 71
(6)
سورة ص الآية 46
استنكار الغفلة الصارفة عن استحضار العبرة عندما تمر آية، أو يلم حدث، أو يطوف بالحياة أمر ذو شأن، والذي يلفت النظر، ويشد الانتباه أن هذه المواطن الستة تدور كلها حول التوحيد وتوطيد العقيدة الصحيحة للإسلام في نفوس البشر، ففي محاجة إبراهيم لقومه يؤكد لهم أنه لا يخشى إلا الله، ثم يقول:{وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} (1){وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ} (2).
ويضرب القرآن الكريم مثل الفريقين: الفريق الذي عقل الحق وعرف العقيدة الصحيحة، والفريق الذي غفل فضل، واتبع هواه، فالأول مثله مثل البصير والسميع، والثاني مثله: مثل الأعمى والأصم، وتنتهي الآية بهذا التساؤل {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (3).
ويرد هود عليه السلام شهوة جامحة لقومه طلبوها في غفلة من العقل والبصيرة، إذ رغبوا إليه أن يطرد المستضعفين من مجلسه، ليخلو لهم وحدهم ما يريدون من شهوة الانفرادية:{وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} (4){وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (5).
وفي موازنة رائعة مقنعة تأخذ بتلابيب النفوس الضالة التي غشيتها سحابة الشرك يقول رب العالمين: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (6).
(1) سورة الأنعام الآية 80
(2)
سورة الأنعام الآية 81
(3)
سورة هود الآية 24
(4)
سورة هود الآية 29
(5)
سورة هود الآية 30
(6)
سورة النحل الآية 17
وفي مساءلة هادية راشدة بين الداعي وقومه، جاءت الدعوة السادسة إلى التذكر، يقول تعالى:{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (1){سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (2).
(1) سورة المؤمنون الآية 84
(2)
سورة المؤمنون الآية 85
وفي غير هذه المواطن دعوات كثيرة للتذكر، مقرونة بوسيلة أو الباعث عليها، وقد قدمت للبشرية في ظروف مختلفة حتى تستمر على طريق الحق مسيرتها، يقول تعالى في تأنيب الغافلين الضالين غداة الحسرة عندما تتبين الحقائق وينكشف عن العين الغطاء:{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} (1).
وهذه دعوة للمسلمين بعد النصر العظيم في بدر لأن يتذكروا ماضيهم الذي عاشوه مستضعفين، مبغيا عليهم، إذ أن هذه الذكرى تحفزهم على الشكر الذي يزيد النعم ويوثق العلاقة بخالقهم العظيم:{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (2).
وعلى لسان شعيب عليه السلام جاء النصح لقومه بأن يتذكروا: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (3).
وعلى لسان هود وصالح عليهما السلام جاء نفس النصح لقوميهما عاد وثمود، يقول تعالى:{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً} (4)، {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ} (5).
وفي شأن بني إسرائيل يقول تعالى: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (6).
(3)
وبقدر ما كانت الدعوة إلى التذكر تحمل هذا القدر الكبير من التقدير والاهتمام؛ لما في التذكر من صحوة العقيدة، ويقظة الضمير، بقدر هذا كان التنديد عنيفا
(1) سورة فاطر الآية 37
(2)
سورة الأنفال الآية 26
(3)
سورة الأعراف الآية 86
(4)
سورة الأعراف الآية 69
(5)
سورة الأعراف الآية 74
(6)
سورة الأعراف الآية 171
وقاسيا بمن غفلوا ولم يعقلوا، وسمحوا لغشاوة النسيان أن تحجب البصيرة، وتتركهم في متاهات الضلال، يتجلى عنف هذا التهديد من حديث القرآن عن المعرضين عن الذكر، ووصفه لهم، وتقويمه لعقيدتهم، وكشفه عن مصائرهم {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} (1) وفي آية أخرى:{ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} (2).
وفي وصف المنافقين يقول تعالى: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} (3).
وأهل الكتاب خانتهم ذاكرة المؤمن، فنسي اليهود حظا مما ذكروا به، فحرفوا الكلم عن مواضعه، ولا تزال خياناتهم مستمرة، وأما النصارى {فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (4).
ونسي كثير من بني إسرائيل واجب النصيحة، فحلت بهم العقوبة، ولم يفلت منها إلا من نهوا عن السوء {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (5).
ويصور القرآن الكريم حقيقة هؤلاء المعرضين عن الذكر أسلوبا ونتيجة، فيقول تعالى:{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (6){فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} (7){كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} (8) فرسم القرآن الكريم صورة منفرة لإعراضهم، كما أشار إلى موقفهم يوم القيامة عندما يواجهون العذاب بلا شفيع ولا نصير.
(1) سورة الكهف الآية 57
(2)
سورة السجدة الآية 22
(3)
سورة التوبة الآية 126
(4)
سورة المائدة الآية 14
(5)
سورة الأعراف الآية 165
(6)
سورة المدثر الآية 48
(7)
سورة المدثر الآية 49
(8)
سورة المدثر الآية 50
والوصف بعدم التذكر نراه سجية لكل منحرف عن دين الله، يقول تعالى:{وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ} (1)، ولا عجب فهو أساس الداء والباعث الأقوى على الانحراف، فالذي لا يتذكر تختلط أمام بصيرته القيم، يقول تعالى:{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ} (2).
والذي لا يتذكر يتورط في أرجاس الشرك: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (3).
ووصف الكفار بقلة التذكر المعني به العدم ورد أيضا في مواضع أخرى.
والذي لا يتذكر تختفي أمام عينيه الحقائق الساطعة {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} (4){أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} (5){ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} (6).
(4)
يؤكد القرآن الكريم أن التذكر أو الانتفاع بالذكرى والاستفادة من التذكير لون من السلوك الأقوم لا يتيسر إلا لأنماط معينة من البشر:
(أ) من هم على درجة من العقل الراشد واللب النابه والبصيرة النافذة، وقد ورد في السور والآيات الآتية ما يفيد أن التذكر مقصور على أولي الألباب وذوي البصيرة والعقول مثل: وما يذكر إلا أولوا الألباب ومثل لقوم يعقلون ومثل {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (7)
(1) سورة الصافات الآية 13
(2)
سورة غافر الآية 58
(3)
سورة الأعراف الآية 3
(4)
سورة الفرقان الآية 50
(5)
سورة الدخان الآية 13
(6)
سورة الدخان الآية 14
(7)
سورة ق الآية 37
(ب) من هم على صفة الإيمان أو التقوى أو العبادة أو الإنابة، وهذه الصفات هي من أرفع المستويات التي يصل إليها المسلمون بإسلامهم، وهذه الصفات ليست متباينة، وإنما هي مترابطة متآخية، ولا تتحقق- بصدق- إحداها إلا إذا تحققت أخواتها، فلا إيمان بدون تقوى، والعبادة جوهرهما، والإنابة تضفي عليهما حيوية العقيدة، وعمق تأثيرها.
وأكثر هذه الصفات ارتباطا بالذكر والتذكر صفة التقوى؛ لأنها تقوم على مراقبة الله وخشيته، ومن هنا كان المتقون أكثر الناس ذكرا لله وتذكرا لآياته.
ففي ارتباط الذكر بالتقوى وردت ثماني آيات تؤكد أن التذكر صفة لازمة للتقوى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا} (1)، {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} (2)
وجاءت ثلاث آيات تؤكد ارتباط التذكر بعقيدة الإيمان وهي [12 / هود، 51 / العنكبوت، 15 / السجدة].
وفي علاقة الإنابة بالذكر، يقول تعالى:{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} (3)، {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} (4).
وفي ارتباط العبادة بالذكر يقول تعالى: {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} (5).
والذاكر هو الذي يتذكر، وهذا الارتباط لغوي وقرآني أيضا، إذ يقول تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (6).
(1) سورة الأعراف الآية 201
(2)
سورة طه الآية 3
(3)
سورة غافر الآية 13
(4)
سورة ق الآية 8
(5)
سورة الأنبياء الآية 84
(6)
سورة هود الآية 114