الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النص المحقق
(1 / أ) بسم الله الرحمن الرحيم، رب يسر
ما يقول سيدي الشيخ- جمع الله له خير الدنيا والآخرة- في (1) قول النبي صلى الله عليه وسلم:
«أنزل القرآن على سبعة أحرف
(2)».
- ما المراد بهذه السبعة؟
- وهل هذه القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم وغيرهما هي الأحرف السبعة أو واحد منها؟
- وما السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف؟
- وهل تجوز القراءة برواية الأعمش وابن محيصن وغيرهما من القراءات الشاذة أو لا.
- وإذا جازت القراءة بها، فهل تجوز الصلاة بها أو لا؟
أفتونا مأجورين.
(1) من هنا يبدأ النص في (الفتاوى 13/ 389) (بقوله. "وسئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم .. "
(2)
رواه البخاري في صحيحه 6/ 100 في باب خاص به، وكذا في 6/ 111 مقرونا بخبره.
أجاب (الشيخ تقي الدين بن تيمية): (1).
الحمد لله رب العالمين. هذه مسألة كبيرة، فقد تكلم فيها أصناف العلماء من الفقهاء والقراء وأهل الحديث والتفسير والكلام وشرح الغريب وغيرهم حتى صنف فيها التصنيف المفرد، ومن آخر ما أفرد في ذلك ما صنفه الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي المعروف بأبي شامة صاحب شرح الشاطبية.
فأما ذكر أقاويل الناس وأدلتهم وتقرير الحق فيها مبسوطا؛ فيحتاج من ذكر الأحاديث الواردة في ذلك وذكر ألفاظها وسائر الأدلة، إلى ما لا يتسع له هذا المكان. . ولا يليق بمثل هذا الجواب، ولكن نذكر النكت الجامعة التي تنبه على المقصود بالجواب، فنقول: لا نزاع بين العلماء المعتبرين بأن الأحرف السبعة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن أنزل عليها ليست هي قراءات القراء السبعة المشهورة، بل أول من جمع قراءات
(1) ما بين القوسين ليس في الفتاوى.
هؤلاء هو الإمام أبو بكر بن مجاهد، وكان على رأس المائة الثالثة ببغداد، فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات: الحرمين والعراقين والشام، إذ هذه الأمصار الخمسة [هي] (1) التي خرج منها علم النبوة: من القرآن وتفسيره، والحديث، (2) والفقه في (3) الأعمال الباطنة والظاهرة، وسائر العلوم الدينية.
فلما أراد ذلك، جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار، ليكون ذلك موافقا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن، لا لاعتقاده أو اعتماد غيره من العلماء أن القراءات السبع (4) هي الحروف السبعة، أو أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم.
ولهذا قال من قال من أئمة القراء: لولا أن ابن مجاهد سبقني إلى حمزة لجعلت مكانه يعقوب الحضرمي إمام جامع البصرة، وإمام قراء البصرة في زمانه في رأس المئتين (5).
(1) إضافة من (ف) ليست في الأصل.
(2)
في الأصل (من الحديث)، وبالواو عبارة (ف).
(3)
في (ف)"من الأعمال " ورجحت عبارة الأصل.
(4)
في الأصل و (ف)"السبعة" سهو من الناسخ.
(5)
احتج ابن الجزري بهذا النص لابن تيمية في النشر 1/ 39.
[و] لا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده، بل قد يكون معناهما متفقا أو متقاربا. كما قال عبد الله بن مسعود:"إنما هو كقول أحدكم: أقبل وهلم وتعال "(1).
وقد يكون معنى أحدهما ليس هو معنى الآخر، لكن كلا المعنيين حق، وهذا اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض. وهذا كما جاء في الحديث المرفوع عن النبي صلى (1 / ب) الله عليه وسلم في هذا، حديث:«أنزل القرآن على سبعة أحرف (2)» : إن قلت: غفورا رحيما، أو قلت: عزيزا حكيما؛ فالله كذلك، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة"، وهذا كما في القراءات المشهورة:.
(1) أورده أبو شامة في المرشد الوجيز ص 89
(2)
صحيح البخاري فضائل القرآن (4992)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (818)، سنن الترمذي القراءات (2943)، سنن النسائي الافتتاح (938)، سنن أبو داود الصلاة (1475)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 43)، موطأ مالك النداء للصلاة (472).
{إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا} (1) و {إلا أن يخافا ألا يقيما} .
و {وإن كان مكرهم لتزول - ولتزول - من الجبال} .
و {بل عجبت} و {بَلْ عَجِبْتَ} (2). ونحو ذلك.
ومن القراءات ما يكون المعنى فيها: متفقا من وجه، متباينا من وجه، كقوله:
{يخدعون} و {يخادعون} .
و {يكذبون} و {يكذبون} .
و {لمستم} و {لامستم} .
{حَتَّى يَطْهُرْنَ} (3) و {يطهرن} .
ونحو ذلك.
(1) سورة البقرة الآية 229
(2)
سورة الصافات الآية 12
(3)
سورة البقرة الآية 222
فهذه (1) القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلها حق، وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، يجب الإيمان بها كلها، واتباع ما تضمنه من المعنى علما وعملا، لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ظنا أن ذلك تعارض، بل كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:" من كفر بحرف منه فقد كفر به كله "(2).
وأما ما اتحد لفظه ومعناه، وإنما يتنوع صفة النطق به، كالهمزات والمدات والإمالات ونقل الحركات والإظهار والإدغام والاختلاس وترقيق اللامات والراءات أو تغليظها، ونحو ذلك مما تسمى القرأة عامته الأصول، فهذا أظهر وأبين في أنه ليس فيه تناقض ولا تضاد مما تنوع فيه اللفظ أو المعنى.
إذ هذه الصفات المتنوعة في أداء اللفظ لا تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا ولا يعد ذلك فيما اختلف لفظه واتحد معناه، أو اختلف معناه من المترادف ونحوه، ولهذا كان دخول هذا في حرف واحد من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها؛ مما يتنوع فيه (3) اللفظ أو المعنى وإن وافق رسم المصحف وهو ما يختلف فيه النقط (4) أو الشكل.
ولذلك لم يتنازع علماء الإسلام المتبوعون من السلف والأئمة في أنه لا يتعين أن يقرأ بهذه القراءات المعينة في جميع أمصار المسلمين، بل من ثبت عنده قراءة الأعمش شيخ حمزة، أو قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي ونحوهما، كما ثبت عنده قراءة حمزة والكسائي - فله أن يقرأ بها بلا نزاع بين العلماء المعتبرين المعدودين من أهل الإجماع والخلاف.
(1) في الأصل (وهذه) والتعديل من (ف).
(2)
ورد النص في المرشد الوجيز ص86 وفيه (جحد) بدل (كفر).
(3)
العبارة في (ف) 13/ 392 " من أولى ما يتنوع فيه ".
(4)
في الأصل (اللفظ) والتصويب من (ف).
بل أكثر العلماء الأئمة - الذين أدركوا قراءة [حمزة](1) كسفيان بن عيينة وأحمد بن حنبل وبشر بن الحارث وغيرهم- يختارون قراءة أبي جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح المدنيين، وقراءة البصريين كشيوخ يعقوب بن إسحاق وغيرهم - على قراءة حمزة والكسائي. وللعلماء [الأئمة](2) في ذلك من الكلام ما هو معروف عند العلماء.
ولهذا كان أئمة أهل العراق الذين ثبتت عندهم قراءات العشرة أو الأحد عشر كثبوت هذه السبعة- يجمعون ذلك في الكتب، ويقرأونه في الصلاة وخارج الصلاة، وذلك متفق عليه بين العلماء لم ينكره أحد منهم.
(1) إضافة من (ف) سقطت في الأصل ووردت كذلك فيما نقله ابن الجزري من هذا النص في النشر 1/ 39.
(2)
إضافة من (ف) سقطت في الأصل.
وأما الذي ذكره القاضي عياض ومن نقل (2 / أ) من كلامه من الإنكار على ابن شنبوذ الذي كان يقرأ بالشواذ في الصلاة في أثناء المائة الرابعة، وجرت له قضية (1) مشهورة، فإنما كان ذلك في القراءات الشاذة الخارجة عن المصحف كما سنبينه.
ولم ينكر أحد من العلماء قراءة العشرة، ولكن من لم يكن (2) عالما بها، أو لم تثبت عنده - كمن يكون في بلد من بلاد الإسلام بالمغرب أو غيره، ولم يتصل به بعض هذه القراءات- فليس له أن يقرأ بما لا يعلمه منها، [فإن] (3) القراءة - كما قال زيد بن ثابت: سنة يأخذها الآخر عن الأول.
كما أن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنواع الاستفتاحات في الصلاة، ومن أنواع صفة الأذان والإقامة وصفة صلاة الخوف وغير ذلك، كله حسن، يشرع العمل به لمن علمه.
وأما من علم نوعا ولم يعلم غيره فليس له أن يعدل عما علمه إلى ما لم يعلم، وليس له أن ينكر على من علم ما لم يعلمه من ذلك، ولا أن يخالفه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا (4)» .
(1) في (ف)" قصة " وهي مرجوحة لما في الأصل.
(2)
العبارة في (ف) 13/ 393 "ولكن من يكن عالما بها" وهو سهو بدليل إبقاء الفعل مجزوما.
(3)
مطموس في الأصل أضيف من (ف) وهو كذلك في النشر 1/ 40.
(4)
رواه البخاري في صحيحه 6/ 116 باختلاف لفظي طفيف. وورد كذلك في المرشد الوجيز ص 87 مقرونا بخبره.
وأما القراءة الشاذة الخارجة عن رسم المصحف العثماني، مثل قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء رضي الله عنهما:(والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، والذكر والأنثى) كما قد ثبت ذلك في الصحيحين.
ومثل قراءة عبد الله: (1)(فصيام ثلاثة أيام متتابعات). وكقراءته: (إن كانت إلا زقية واحدة)(2) ونحو ذلك، فهذه إذا ثبتت عن بعض الصحابة فهل يجوز أن يقرأ بها في الصلاة؟ [ذلك] (3) على قولين للعلماء - هما روايتان مشهورتان عن الإمام أحمد - وروايتان عن مالك::
- إحداهما يجوز ذلك، لأن الصحابة والتابعين كانوا يقرأون بهذه الحروف في الصلاة.
- والثانية: لا يجوز ذلك، وهو قول أكثر العلماء؛ لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن ثبتت فإنها منسوخة بالعرضة الآخرة، فإنه قد ثبت في الصحاح عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم، «أن جبريل عليه السلام كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في كل عام مرة، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين (4)» .
والعرضة الآخرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره، وهي التي أمر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها في المصاحف، وكتبها أبو بكر وعمر في خلافة أبي بكر في صحف أمر زيد بن ثابت بكتابتها.
(1) هو ابن مسعود نفسه.
(2)
بدل قوله تعالى: {صيحة واحدة} في سورة يس 36/ 29 والزقية بمعنى الصيحة.
(3)
زيادة لربط العبارة ليست في الأصول.
(4)
انظر صحيح البخاري 6/ 101
ثم أمر عثمان في خلافته بكتابتها في المصاحف وإرسالها إلى الأمصار، وجمع الناس عليها باتفاق من الصحابة علي وغيره.
وهذا النزاع لا بد أن يبنى على الأصل الذي سأل عنه السائل، وهو أن القراءات السبع:(1) هل هي حرف من الحروف السبعة أو، لا؟. فالذي عليه جمهور العلماء من السلف والأئمة أنها حرف من الحروف السبعة، بل يقولون: إن مصحف عثمان هو أحد الحروف السبعة، وهو متضمن للعرضة الآخرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل، والأحاديث (2 / ب) والآثار المشهورة المستفيضة تدل على هذا القول.
وذهب طوائف من الفقهاء والقراء وأهل الكلام إلى أن هذا المصحف مشتمل على الأحرف السبعة، وقرر ذلك طوائف من أهل الكلام كالقاضي أبي بكر بن الباقلاني وغيره، بناء على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبعة، وقد اتفقوا على نقل هذا المصحف الإمام العثماني وترك ما سواه، حيث أمر عثمان بنقل القرآن من الصحف التي كان أبو بكر وعمر كتبا القرآن فيها. ثم أرسل عثمان - بمشاورة الصحابة - إلى كل مصر من أمصار المسلمين بمصحف، وأمر بترك ما سوى ذلك. قال هؤلاء: ولا يجوز أن ينهى عن القراءة ببعض الأحرف السبعة.
ومن نصر قول الأولين يجيب تارة بما ذكره محمد بن جرير وغيره من أن القراءة على الأحرف السبعة لم تكن واجبا على الأمة، إنما كان جائزا لهم
(1) في الأصول (السبعة) بفعل النساخ.
مرخصا لهم فيه، وقد جعل إليهم الاختيار في أي حرف اختاروه، كما أن ترتيب السور لم يكن واجبا عليهم منصوصا، بل مفوضا إلى اجتهادهم، ولهذا كان ترتيب مصحف عبد الله على غير ترتيب مصحف زيد، وكذلك مصحف غيره، وأما ترتيب آي السور فهو منزل منصوص عليه، فلم يكن لهم أن يقدموا آية على آية في الرسم كما قدموا سورة على سورة، لأن ترتيب الآيات مأمور به نصا، وأما ترتيب السور فمفوض إلى اجتهادهم، قالوا: فكذلك الأحرف السبعة. فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف وتتقاتل إذا لم يجتمعوا على حرف واحد، اجتمعوا على ذلك اجتماعا سائغا- وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة- ولم يكن في ذلك ترك لواجب ولا فعل لمحظور.
ومن هؤلاء من يقول: إن الترخيص في الأحرف السبعة كان في أول الإسلام، لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم أولا، فلما تذللت ألسنتهم بالقراءة، وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيرا عليهم وهو أرفق بهم- أجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الآخرة، ويقولون: إنه نسخ ما سوى ذلك، وهؤلاء يوافق قولهم قول من يقول: إن حروف أبي بن كعب وابن مسعود وغيرهما - مما يخالف رسم هذا المصحف- منسوخة.
وأما من قال عن ابن مسعود: إنه يجوز القراءة بالمعنى؛ فقد كذب عليه. وإنما قال: "قد نظرت إلى القرأة فرأيت قراءتهم متقاربة، وإنما هو كقول أحدكم: أقبل وهلم وتعال. فاقرءوا كما علمتم " أو كما قال.
فمن (1) جوز القراءة بما يخرج عن المصحف مما ثبت عن الصحابة قال: يجوز ذلك لأنه من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها.
ومن لم يجوزه فله أربعة (2) مآخذ:
- تارة يقول: ليس هو من الحروف السبعة.
- وتارة يقول: هو من الحروف المنسوخة.
- وتارة يقول: هو مما انعقد إجماع الصحابة على الإعراض عنه.
- وتارة يقول: لم ينقل إلينا نقلا يثبت بمثله القرآن.
وهذا هو الفرق بين المتقدمين والمتأخرين (3 / أ).
ولهذا كان في المسألة قول ثالث وهو اختيار جدي أبي البركات أنه: إن قرأ بهذه القراءات في القراءة الواجبة - وهي الفاتحة عند القدرة عليها - لم تصح صلاته، لأنه لم يتيقن أنه أدى الواجب من القراءة، لعدم ثبوت القرآن بذلك. وإن قرأ بها فيما لا يجب لم تبطل صلاته، لأنه لم يتيقن أنه أتى في الصلاة بمبطل، لجواز أن يكون ذلك من الحروف السبعة التي أنزل عليها.
وهذا القول ينبني على أصل، وهو أن ما لم يثبت كونه من الحروف السبعة فهل يجب القطع بكونه ليس منها؟
فالذي عليه جمهور العلماء أنه لا يجب القطع بذلك، إذ ليس ذلك مما أوجب علينا أن يكون العلم به في النفي والإثبات قطعيا.
(1) في (ف) ثم من.
(2)
في الأصول (الثلاثة) خلاف ما أورد.