المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشيخ كان أسوة: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ النهي عن قراءة الجنب والحائض القرآن

- ‌ تعليم الكافر القرآن:

- ‌الفتاوى

- ‌ مات المسلم ولم يقض فريضة الحج وهو مستكمل لشروط وجوبها

- ‌ اضطره عمله أن يغادر منى بعد الوقوف بعرفة ورمي الجمرة بعد فجر يوم النحر

- ‌ هل أحج عن والدي اللذين ماتا ولم يؤديا فريضة الحج لفقرهما

- ‌ حج من قبل وأنزل بعد التحلل الأول

- ‌ أخر رمي الجمار في اليوم الحادي عشر حتى أدركه الليل

- ‌ المسلمة التي حاضت في أيام حجها

- ‌ رمى الجمار في الليلة الثانية من ليالي التشريق

- ‌ ترك المبيت بمزدلفة

- ‌ صلى صلاتي المغرب والعشاء قصرا وجمع تأخير قبل دخول مزدلفة

- ‌ رمي جمرة العقبة ليلا

- ‌ ترك المبيت بمنى أيام التشريق

- ‌ ترك المبيت بمنى ليلة واحدة لعذر المرض

- ‌ رمي جمار أيام التشريق كلها في يوم واحد

- ‌ المراد باليومين اللذين أباح الله جل وعلا للمتعجل الانصراف من منى بعد انقضائهما

- ‌ وقت رمي الجمار جمار أيام التشريق الثلاثة

- ‌ هل يجب الهدي على أهل مكة لمن أحرم منهم بالحج فقط

- ‌ فاته الركوع الثاني في صلاة الكسوف

- ‌ فضل هذه الكلمة:

- ‌ إعرابها وأركانها وشروطها:

- ‌ معنى هذه الكلمة ومقتضاها:

- ‌ متى ينفع الإنسان قول لا إله إلا الله

- ‌النسيان في القرآن

- ‌النسيان ظاهرة بشرية:

- ‌تناول القرآن لهذه الظاهرة الإنسانية:

- ‌النوع الأول: النسيان الحقيقي

- ‌ في صورة النفي:

- ‌ في صورة الدعاء أو الالتماس:

- ‌ أخبار قرآنية تتصل بالنسيان:

- ‌النوع الثاني: النسيان المقصود:

- ‌بواعث النسيان:

- ‌عقوبة النسيان

- ‌الذكر في القرآن

- ‌ صلة حديث الذكر بحديث النسيان

- ‌ألفاظ الذكر في القرآن وأوضاعها اللغوية والنحوية:

- ‌الذكر بمعنى الحديث:

- ‌الذكر بمعنى الشأن والشرف:

- ‌الذكر بمعنى الكتاب المنزل أو النبي المرسل:

- ‌ذكر الله

- ‌الذكر عبادة والعبادة ذكر:

- ‌ذكر اسم الله:

- ‌واذكر ربك:

- ‌الإعراض عن الذكر. . وآثاره وبواعثه

- ‌مصير الغافلين:

- ‌ منزلة الذاكرين:

- ‌التذكر والتذكير في القرآن

- ‌التذكير منهج لرسالات السماء:

- ‌ التذكر منطلق المسئولية:

- ‌بواعث التذكر

- ‌مصادر البحث:

- ‌«أنزل القرآن على سبعة أحرف

- ‌ السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف

- ‌مصادر البحث والتحقيق

- ‌ رواية أنس رضي الله

- ‌الإسناد وأهميته في نقد الحديث النبوي

- ‌ المحاولة للقضاء على الفتنة:

- ‌ أهمية الإسناد:

- ‌ الإسناد ركن من ركني الحديث:

- ‌ دور الرحلة في خدمة الإسناد:

- ‌ أثر الإسناد في نقد الحديث:

- ‌ استعمال الإسناد لرواية الكتب:

- ‌ الإسناد من اختصاص المسلمين:

- ‌ محمد بن عبد الوهابعبقري العصر وأستاذ الجيل

- ‌تمهيد:

- ‌عودة الجاهلية الأولى:

- ‌الجاهلية تعم المسلمين:

- ‌حياة الشيخ:

- ‌وفاة الشيخ:

- ‌آثار الشيخ العلمية:

- ‌الشيخ كان أسوة:

- ‌محمد بن مسلمة الأوسي الأنصاري

- ‌نسبه وأيامه الأولى:

- ‌قائد السرايا:

- ‌ سريته إلى كعب بن الأشرف

- ‌ سريته إلى القرطاء:

- ‌ سريته إلى ذي القصة:

- ‌مع الخلفاء الراشدين

- ‌ مع عثمان:

- ‌ اعتزال الفتنة الكبرى:

- ‌الإنسان:

- ‌القائد:

- ‌محمد بن مسلمة في التاريخ

- ‌لقاء مع الداعية البريطانيالمسلميوسف إسلام

- ‌متى ثبتت رؤية الهلالثبوتا شرعياوجب العمل بها ولم يجزأن تعارض بكسوف ولا غيره

- ‌حكم الحيوان المذبوح بالصعق الكهربائي

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌الشيخ كان أسوة:

وله أيضا في تفسير القرآن الكريم باع طويل فقد كان غاية في الدقة والإحكام.

يأتي على كل آية وقصة بعدة مسائل، حتى أتى في قصة موسى والخضر في سورة الكهف بقريب من مائة مسألة.

ص: 247

‌الشيخ كان أسوة:

وقد نهل من منهل الشيخ وشرب من مشربه تلاميذه وأنصاره ومريدوه فحملوا عنه العقيدة الصحيحة والتضحية والجهاد في سبيل الدعوة، كما أخذوا عنه العزم وقوة الإرادة والمثابرة في سبيل نشر الدعوة الإسلامية بالتأليف والكتابة والخطابة ونشر الرسائل، حتى قامت دعائم التوحيد عالية خفاقة على ربوع الأرض، ونسأل الله أن يوفق المسلمين في كل مكان لفهم حقيقة التوحيد والسير في سبيل الله على هدى من الله وبصيرة من علم، حسب ما رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين لأصحابه.

ص: 247

صفحة فارغة

ص: 248

فترة مشرقة للجهاد الإسلامي في الحبشة

من خلال كتاب " تحفة الزمان أو فتوح الحبشة "

لعرب فقيه الجيزاني

للأستاذ: فهيم محمد شلتوت

لقد عاشت أمتنا الإسلامية ردحا من الزمن يعلو صوتها على كل الأصوات، تأمر فتطاع، تسعى الأمم لنيل رضاها واجتلاب ودها، ترهب هيبتها كل أرض لا تدور في فلكها، وكل أمة لا تدين بالولاء لها. وانطلق دعاتها وأجنادها يفتحون الأقاليم ويخضعون أهل الأرضين، فلم يقف أمامهم عباب زاخر ولا صحراء شاسعة ولا جبال شاهقة، فحيثما مددت البصر ترى راية الإسلام خفاقة وحيثما أصغيت السمع سمعت تكبير المكبرين وتوحيد الموحدين، فسبحان الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير.

ولما انفتحت لنا الدنيا على أرجائها، ويسرت للمسلم ترفها ورخاءها، وزينت له لهوها وزيفها ضعف أمامها، وأقبل عليها، وفتن بها، ورقت علاقته بتعاليم دينه.

وفي فترات ضعف المسلم هذه هاجمته جحافل الصليبيين، واستغلت شقاق المسلم مع أخيه المسلم، فانفردت بطرف فمزقته، ثم انثنت على الطرف الآخر

ص: 249

فبددته. وكانت القاضية على دولة إسلامية استقرت في أوروبا أكثر من خمسة قرون.

وامتدت جحافل الصليبيين في غارات محمومة إلى المشرق الإسلامي على صورة غزوات متتابعة تحاول القضاء على الدولة الإسلامية في الشام وفلسطين ومصر، ولولا أن قيض الله للدولة الإسلامية قادة لا يخشون في الله لومة لائم يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ويعملون على عزة الإسلام والمسلمين لأصيب المشرق العربي بما أصيبت به الأندلس الإسلامية.

وإذا كانت الحروب الصليبية قد شغلت المشرق العربي ومصر بعد كائنة الأندلس فإن المتتبع لموجات الغارات الصليبية يهوله ذلك التخطيط والتوافق الذي يسود تلك الموجات، ويذكر بالخير أن الدولة الأيوبية في الوطن العربي قد تحملت عبء رد الصليبيين عن سواحل الدولة الإسلامية وثغورها، وأن الدولة المملوكية أيضا كانت لها بطولات في محاربة الصليبيين، واستطاعت أن تجليهم عن مواطن احتفظوا بها إبان الدولة الأيوبية.

بل إن ملوكهم في أخريات دولتهم فرضوا سلطانهم على جزر البحر الأبيض التي كانت تمثل قواعد لانطلاق أساطيلهم الحربية إلى السواحل الإسلامية، ونعلم أن السلطان الأشرف برسباي قد استولى على جزيرة قبرص وأسر ملكها جنيوس، وفرض الجزية على ملك رودس، ولم يقبل شفاعة سلاطين تركيا فيه، وامتدت هيبته إلى السواحل الأوروبية.

لقد اتجه التخطيط الصليبي إلى مهاجمة الدولة الإسلامية من البحر المتوسط، ومن جنوب شرقي مصر برا من الحبشة، ومثلت الحبشة دورا متلاحقا في ذلك، وخاصة بعد أن تهاوت الغزوات الصليبية القوية في حوض البحر الأبيض المتوسط، فراحت الحبشة كلما استبدت بها النزعة الصليبية تعتدي على جيرانها المسلمين، تقتل الرجال وتسبي النساء والذراري، وتفعل من الفعائل ما لا يتصوره عقل.

ولولا أن من دونوا التاريخ الأفريقي أعمتهم العصبية فلم يعرضوا الحوادث عرضا محايدا؛ لأنهم لم يخرجوا عن كونهم دعاة مسيحية في أي صورة من صورها، هذا

ص: 250

في الوقت الذي شغل فيه المؤرخ العربي بمشرقه ودولته، وقل أن يتابع الأحداث في أفريقيا لبعده عنها وقلة المصادر التي تمده بالمعلومات عنها، لولا هذا لسودت فظائع الحبشة ووقائعهم بالمسلمين آلاف الصفحات من التاريخ.

ويخيل لي أن الحملات الصليبية في حوض البحر المتوسط قد أرهقت المؤرخين متابعة وإثباتا، فلم تعد لديهم طاقة يصرفونها إلى متابعة صليبية الحبشة وإثباتها، ومن هنا فقد اعتبر الباحثون أن المصادر التي عنيت بالتاريخ لدول شرق أفريقيا الممتدة إلى حوض النيل حتى النوبة ودنقلة ووسط السودان تعد قليلة إذا استثنينا ما كتبه الرحالة والمستكشفون.

وفي تراثنا العربي نشعر بقلة المصادر إذا قارناها بمصادر التاريخ للمشرف العربي أو شمال أفريقية، فحوادث المشرق الأفريقي تأتي متفرقة على مسافات بعيدة من المراجع المطولة، وما أفرد عنها إنما هو كتيبات أو رسائل صغيرة، يعني معهد الدراسات الأفريقية بإحصائها والاستفادة منها بعد تحليلها في ضوء المقاييس العلمية السليمة، ولعلنا بعد وصول وسائلنا إلى إحصاء تراثنا المخطوط والتعرف عليه في مواطنه في شرق أفريقية أو ما يلي ساحل البحر الأحمر من بلاد اليمن نعثر على مخطوطات تثري معارفنا عن هذه المنطقة.

وفي حديثي هذا عن صليبية الحبشة لن أعود إلى الوراء كثيرا، وإلا لاحتجت إلى أحاديث وأحاديث، ولكني سأقدم صورة لبعض ما جرى في القرنين التاسع والعاشر من الهجرة.

ص: 251

تحدث المقريزي المتوفى سنة 844 هـ في كتابه " الإلمام بمن في الحبشة من ملوك الإسلام " عن الدويلات الإسلامية التي كانت تجاور الحبشة والتي أطلق عليها في تلك الأزمان الدول أو السلطنات الحبشية المسلمة، فأرخ لقيام دولة سعد الدين في هرر وتحرشات الحبشة بها، والحروب التي وقعت بينهما، ولكن كما قلت والكتاب رغم أنه يكاد يكون المصدر المفرد الوحيد إلا أنه أيضا يعد صغيرا لا يروي ظمأ الباحث عن علاقة المسلمين بالصليبية المتتابعة في الحبشة.

ص: 251

وفي التمهيد لموضوعنا أسوق بعض ما ذكره المقريزي وابن تغري بردي في السلوك وفي النجوم الزاهرة، يقول ابن تغري بردي: في سابع جمادى الأولى من سنة 822 هـ: استدعى السلطان بطرك النصارى. وقد اجتمع القضاة ومشايخ العلم عند السلطان، فأوقف البطرك على قدميه ووبخ وقرع، وأنكر عليه السلطان ما بالمسلمين من الذل في بلاد الحبشة تحت حكم الحطى متملكهم، وهدد بالقتل، فانتدب له الشيخ صدر الدين أحمد بن العجمي محتسب القاهرة، وأسمعه المكروه من أجل تهاون النصارى فيما أمروا به في ملبسهم وهيئاتهم، وطال كلام العلماء مع السلطان في ذلك إلى أن استقر الحال ألا يباشر أحد منهم في ديوان السلطان ولا عند أحد من الأمراء، ولا يخرج أحد منهم عما ألزموا به من الصغار (1).

ويقول في أخبار سنة 827 هـ: ورد على السلطان أن متملك الحبشة وهو أبرم، ويقال إسحاق بن داود بن سيف أرعد - قد غضب بسبب غلق كنيسة القيامة بالقدس، وقتل عامة من كان في بلاده من رجال المسلمين واسترق نساءهم وأولادهم وعذبهم عذابا شديدا، وهدم ما في مملكته من المساجد، وركب إلى بلاد جبرت فقاتلهم حتى هزمهم، وقتل عامة من كان بها وسبى نساءهم، وهدم مساجدهم، فكانت في المسلمين ملحمة عظيمة في هذه السنة لا يحصى فيها من قتل من المسلمين، فاشتاط السلطان غضبا وأراد قتل بطرك النصارى وجميع من في مملكته من النصارى، ورجع عن ذلك (2).

ويقول المقريزي في أخبار سنة 832 هـ: وفر الأمير بزلار مباشر ولاية قوص من بلاد الصعيد إلى بلاد الحبشة، واتصل بملكها أبرم - إسحاق بن داود بن سيف أرعد - وعلم أتباعه الفروسية، وأغرى بعض المماليك الجراكسة ففروا إليه ولحقوا به، وأعدوا له دار سلاح، كما لحق بهم رجل من كتاب مصر الأقباط يقال له فخر الدين، فرتب له مملكته ونظم له جباية الأموال ودواوين الجند ورواتبهم -

(1) النجوم [14/ 81].

(2)

النجوم [14/ 260].

ص: 252

وبالجملة كان لهؤلاء فضل تنظيم الدولة ورفع شأن ملكها، مما جعله يتطلع إلى الاستيلاء على ممالك الإسلام، بسبب ما وصفه هؤلاء من محاسنها، فبدأ بقتل المسلمين في مملكته وسبى نساءهم وذراريهم، بما في ذلك أولاد بعض ملوك الحبشة المسلمين، ثم كاتب ملوك الفرنجة يستعديهم على المسلمين في مصر على أن يهاجمها برا من الجنوب ويهاجمونها بحرا (1).

وبقية الحديث في هذا الموضوع يتابعه ابن تغري بردي بتفصيل، فيقول في قصة فتح قبرص وهزيمة الجيوش المسيحية وأسر الملك جنيوس ملك قبرص وتأديب القراصنة الفرنج، ثم ما أعقب ذلك من قيام الحطي ملك الحبشة بمكاتبة ملوك الفرنجة ليقوموا معه بمهاجمة مصر والاستيلاء عليها، ويروي قصة العميل الجاسوس الخواجة نور الدين التبريزي العجمي، يقول ابن تغري بردي: وكان خبره أنه كان أولا من جملة تجار الأعاجم بمصر وغيرها، وكان يجول في البلاد بسبب المتجر على عادة التجار، فاتفق أنه توجه إلى بلاد الحبشة فحصل له بها الربح الهائل المتضاعف، وكان - في نفسه - قليل الدين مع جهل وإسراف، فطلب الزيادة في المال فلم يرم بوصله مراده، إلا أن يتقرب إلى الحطي ملك الحبشة بالتحف، فصار يأتيه بأشياء نادرة لطيفة، من ذلك أنه صار يصنع له الصلبان من الذهب المرصع بالفصوص الثمينة ويحملها إليه في غاية الاحترام والتعظيم كما هي عادة النصارى في تعظيمهم للصليب، وأشياء من هذه المقولة، ثم ما كفاه ذلك حتى أنه صار يبتاع السلاح المثمن من الخوذ والسيوف الهائلة والزرديات والبكاتر بأغلى الأثمان، ويتوجه بها إلى بلاد الحبشة، وصار يهون عليهم أمر المسلمين، ويعرفهم ما المسلمون فيه بكل ما تصل القدرة إليه، فتقرب بذلك من الحطي حتى صار عنده بمنزلة عظيمة. فعند ذلك ندبه الحطي بكتابه إلى ملوك الفرنج عندما بلغه أخذ قبرص وأسر ملكها جنيوس - يحثهم فيه على القيام معه لإزالة دين الإسلام وغزو المسلمين وإقامة الملة العيسوية ونصرتها، وأنه يسير في بلاد الحبشة في البر بعساكره، وأن الفرنج تسير في البحر بعساكرها في وقت معين إلى سواحل

(1) السلوك [4/ 2: 838 هـ].

ص: 253

الشام. وحمله مع ذلك مشافهات، فخرج التبريزي هذا من بلاد الحطي بكتابه وبما حمله من المشافهات لملوك الفرنج بعزم واجتهاد، وسلك في مسيره من بلاد الحبشة البرية حتى صار من وراء الواحات إلى بلاد المغرب وركب منها البحر إلى بلاد الفرنج، وأوصل إليهم كتاب الحطي وما معه من المشافهات، ودعاهم للقيام مع الحطي في إزالة الإسلام وأهله واستحثهم في ذلك. فأجابه غالبهم وأنعموا عليه بأشياء كثيرة فاستعمل بتلك البلاد عدة ثياب مخملة مذهبة باسم الحطي، ورقمها بالصلبان - فإنه شعارهم.

ويعلق ابن تغري بردي على ذلك فيقول: لولا أنه داخلهم في كفرهم وشاركهم في مأكلهم ومشربهم ما طابت نفوسهم لإظهار أسرارهم عليه، وكانوا يقولون هذا رجل مسلم يمكن أن يتجسس أخبارنا وينقلها للمسلمين ليكونوا منا على حذر، وربما أمسكوه وقتلوه بالكلية.

ثم يعود إلى مواصلة الحديث فيقول: ثم خرج من بلاد الفرنج وسار في البحر حتى وصل إلى الإسكندرية ومعه الثياب المذكورة ورهبان من رهبان الحبشة، وكان له عدة عبيد وفيهم رجل دين، فنم عليه بما فعله ودلهم على ما معه من القماش وغيره، فأحيط بمركبه وبجميع ما فيها فوجدوا بها ما قاله العبد المذكور فحمل هو والرهبان وجميع ما معه إلى القاهرة، فسعى بمال كبير في إبقاء مهجته، وساعده في ذلك من يتهم في دينه، فلم يقبل السلطان ذلك وأمر به فحبس ثم قتل - عليه من الله ما يستحقه.

وبرغم ما كان لملوك الحبشة من قوة وسلطان يضمن لهم النصر دائما على جيرانهم المسلمين؛ إلا أن بعض سلاطين المسلمين المتاخمين للحبشة لم يقفوا سلبيين أمام غارات الأحباش، فتحرك بعضهم للثأر، ويقول المقريزي في أخبار سنة 838 هـ: فأرسل ملك المسلمين شهاب الدين أحمد بدلاي بن سعد الدين أخاه خير الدين لقتال أمحرة الكفرة، ففتح عدة بلاد من بلاد الحطي ملك الحبشة، وقتل أميرين من أمرائه وحرق البلاد، وغنم مالا عظيما وأكثر من القتل في أمحرة النصارى، وخرب لهم ست كنائس، ثم أنزل الله بالحبشة الوباء العظيم فمات فيه عدد لا

ص: 254

يحصى من النصارى ومن المسلمين، بحيث قال المبالغ بأنه لم يبق ببلاد الحبشة أحد، وهلك في هذا الوباء ملك الحبشة نفسه (1).

ويقف المقريزي عند هذه السنة. ويواصل ابن تغري بردي حتى سنة 872 هـ فيذكر بعض الأخبار على مسافات متباعدة، ثم يأتي بعده ابن إياس في " بدائع الزهور " فيورد بعض الأحداث أيضا وعلى مسافات متباعدة، حتى يصلنا بموضوعنا الذي هو مدار هذا الحديث.

(1) السلوك [4/ 2 / 940].

ص: 255

أشرت إلى قلة المصادر التي تمدنا بالمعلومات عن صليبية الحبشة، وأضيف هنا سببا آخر لقلة هذه المصادر بل لندرتها، ذلك هو أن قبضة الصليبية كانت قوية، وسلطانها كان غالبا على من جاورها من المسلمين، ولذلك فلم يجرؤ مؤلف أن يكتب مؤرخا لأحداث الحبشة من وجهة نظر محايدة، وإذا كتب فإنه لا يجرؤ أن يظهر ما كتبه وإلا لأصبح مصيره القتل، لكن شاءت إرادة الله أن يبقى كتاب أرخ لفترة مشرقة في تاريخ الجهاد الإسلامي ضد صليبية الحبشة، ذلك الكتاب هو " تحفة الزمان " أو " فتوح الحبشة " تأليف: شهاب الدين أحمد بن عبد القادر بن سالم بن عثمان الجيزاني الشهير بعرب فقيه. والذي أرخ فيه لفتوحات الإمام أحمد بن إبراهيم الشهير بأحمد جران " أي الأعسر " أحد القادة الأبطال الذين انطلقوا من مدينة هرر في حملات متتالية غزوا فيها الحبشة، وكانت متوجة بالانتصارات الساحقة، وذلك في الفترة من سنة 934 هـ حتى سنة 948 هـ.

ومؤلف هذا الكتاب كان في صحبة هذا الإمام في بعض المعارك ووصفها عن مشاهدة، ولكننا إذا بحثنا عنه في المراجع التي عنيت بالترجمة لرجال القرن العاشر الهجري فإننا لا نجد له ذكرا على الإطلاق، بل إن شيوخه الذين ذكرهم لم نجد عنهم أيضا أية معلومات، اللهم إلا الشيخ شمس الدين علي بن عمر الشاذلي اليمني الذي رجح أنه كان حيا في أوائل القرن العاشر (قرابة سنة 1430م).

ص: 255

ويخيل إلي أن مؤلف الكتاب لم يشأ أن يعلن عن اسمه الحقيقي، واختار الاسم المذكور، ذلك لأنه كتبه بعد أن انتهت تلك الفترة المشرقة من التاريخ باغتيال الإمام أحمد جران على يد البرتغاليين الذين استقدمهم ملوك الحبشة للوقوف في وجه انتصارات ذلك الإمام، ثم ما أعقب ذلك من عود الأمور إلى ما كانت عليه وبسط سلطان الصليبية الحبشية على البلاد، وما صاحب ذلك من إعمال السيف في كل من يتحدث عن تلك الفترة.

يقول سعادة السفير الصومالي الأستاذ عبد الله آدم: لم يمنع اختفاء هذا الكتاب من التداول - وهو اختفاء مثير للتساؤل - أن تظل محتوياته مسطورة في وجدان الشعب الصومالي وشعوب المنطقة كلها، وعندما اطلعت عليه شعرت بالهوة الواسعة بين ما نقل إلينا رواية عن الآباء، وبينما هو مسجل على صفحاته، وأن واقع الأحداث في هذه المنطقة في ذلك الوقت يختلف تماما عما يصوره المؤرخون غير المحايدين وبخاصة ما كتبه المستشرقون. فالحقائق التاريخية أن موجات الجهاد المتصلة لسلاطين المسلمين في هذه المنطقة إنما كانت بقصد الدفاع عن أرضهم وقيمهم الإسلامية وعقيدتهم التي كان يغار عليها في الفينة بعد الفينة، ولم يكن هناك مفر من مواصلة الجهاد. . وما جاء في هذا الكتاب يدحض كل زيف حاول بعض المستشرقين أن يجعل منه حقيقة، ولم يكن مؤرخو العرب منتبهين لها حتى يهبوا لدحضها وبيان زيفها، ومن هنا كان هذا الكتاب بمثابة وثيقة نادرة تهم التاريخ كعلم والمؤرخين كعلماء والتراث العربي الإسلامي كذخيرة ينعطف إليها المسلم كلما أراد أن يتصل بأمجاده.

ويقول المستشرق رينيه باسيه: إن فتوحات أحمد جران تعتبر آخر الفتوحات الإسلامية لبلاد الحبشة، وهي من أشهر أحداث الحبشة التاريخية التي وعتها ذاكرة الغرب فقد كادت هذه الفتوحات أن تسحق المسيحية وتودي ببلاد الأحباش إلى مثل ما كانت عليه البلاد النوبية في ذلك الوقت، وكان لتدخل البرتغاليين الأثر البالغ في لفت الأنظار إلى هذه الفتوحات - وإذا كانت هناك مصادر غربية وشرقية تؤرخ لهذه الفترة فإن كتاب عرب فقيه الجيزاني يأتي في المقام الأول ليس لكون مؤلفه

ص: 256

كان أكثر حيادا من سائر المؤلفين، وإنما لأنه صاحب قائد تلك المعارك وشاهد أكثرها، وبذلك جاء كتابه فريدا في بابه ودقيقا في سرد الحوادث.

والكتاب يعرفنا بالإمام أحمد وأنه كان أحد فرسان الجراد أبون بن آدش ملك البلاد، وأنه كان ذا عقل ورأي وشور، وكان الجراد أبون يحبه حبا شديدا، فلما قتل الجراد أبون وتولى البلاد السلطان أبو بكر بن محمد من بيت سعد الدين، واجتمع عليه المفسدون وقطاع الطريق وظهرت الخمور وانتشر المنكر، أنكر عليه الأشراف والعلماء ذلك، ونفر منه الصالحون من رجال الدولة، فخرج الفارس أحمد جران ومعه بعض الموالين له من أجناد الجراد أبون بن آدش وتجمعوا في هويت، وأمروا عليهم الجراد عمر دين - وبدأوا في مبادلة بطارقة الحبشة غارة بغارة، وانتصروا في مواقع كثيرة، ولكن ذلك لم يرق للسلطان أبي بكر سلطان هرر، لخوفه من استفحال أمر هذا الفارس وجماعته فيناصبه العداء، ويلتقي الفريقان وينتصر الفارس ثم يعقد الصلح بينهما، ولا يكون من السلطان وفاء بالعهد فيلتقيان مرة أخرى وينتصر الفارس ويعقد الصلح على أن تكون البلاد بينهم بالسوية السلطان لأبي بكر والإمارة للفارس أحمد على أن يتولى شئون الغزو والجهاد، ولكن السلطان يعود للغدر فيقتله الفارس ويولي أخاه الجراد عمر دين مكانه في السلطنة، ثم يقوم الفارس بتصفية الخلافات بين القبائل المسلمة وبخاصة الصومالية لكي يتفرغ لمهام الجهاد، ورد غارات الأحباش التي تكررت.

ولما بدا له أن الجنود الإسلامية قادرة على تأديب صليبية الحبشة أخذ يعد الخطط لغزو الأقاليم الحبشية، فراسل القبائل وجمع الجموع وبدأ بإرسال السرايا بقيادة أمرائه إلى الأقاليم الحبشية، فكانت تغير وتعود بالغنائم والأسلاب بعد أن تنتصر في لقاءاتها مع بطارقة الحبشة، ويتحدث الكتاب عن حملات خمس:

ص: 257

أما الأولى: فكانت إلى بلاد أفات انتصر فيها الإمام أحمد - وذلك لقبه الذي اختاره أتباعه - في موقعة " كحل بري " من أرض دواروا وحرقوا كنيسة زهرق، وهي كنيسة أثرية كانت للملوك المتقدمين، ثم قسم جيشه إلى ثلاث فرق تسير كل فرقة في جانب من أفات، وانتصرت الجيوش الإسلامية وقتلت صاحب أفات البطريق

ص: 257

وناج جان - ومعناه أسد الملك جان - وحرقوا أنطوكية، وعسكروا في المدينة وانتشرت جنود الإسلام تغير وتنتصر وتغنم، ثم عادوا إلى هور.

ص: 258

والحملة الثانية: أعد لها الإمام إعدادا واسعا. فراسل القبائل ووزع عليها الغنائم مع أمرائه ورسله، وبدأت القبائل تفد عليه تباعا ما عدا قبيلة مريحان، فقد ترددت فسار إليها الإمام فانضمت إليه، وأنفق الإمام على الجيوش حتى باع حلي نسائه وأثاث بيته في شراء آلات الحرب، ثم سار إلى بلاد الحبشة قاصدا مقر الملك، ولما علم الملك بمقصد الإمام غادر " بادقي " إلى بيت أمحره - وهو أصل مملكته ومملكة آبائه وأجداده - وخلف في بادقي البطريق أورعى عثمان - وكان هذا البطريق مسلما من أسرة مسلمة أسره الملك ونصره وبطرقه، وبعد ذلك عاد إلى الإسلام وجاهد في صفوف المسلمين واستشهد فيما بعد.

أما الملك فقد جمع معظم أجناد الحبشة في بيت أمحره، وكذلك جمع البطريق أورعى عثمان جموعا غيره من الكفرة من أهل دواروا، وبالي، وجدب، وعنبا، والماية، وأرعن، والجنز، وقطجار، والداموت، وقدم سبعة من البطارقة كلهم يدعون إلى صد الإمام ومنعه من حرق كنيسة بادقي - وكان في نية الإمام حرقها، وأما الإمام فإنه نظم جيوشه وعقد لكل أمير راية، ورسم له خطه الذي يسير عليه على أن يجتمعوا في " أماجه " وحدث اختلاف بين أمراء وجنود الإمام، بعضهم يدعون إلى العودة إلى بلاد الإسلام وبعضهم يحبذ مواصلة الجهاد، وأخيرا تغلب الرأي الثاني وانطلقت الجيوش الإسلامية إلى بادقي - وفي الطريق هزموا مقدمة الأحباش عند جبل كسم من أرض جان زلق، وفي بادقي كانت الكرة على جيوش المسلمين فاضطروا إلى العودة نحو بلادهم واختلف بطارقة الحبشة هل يقتفون أثر جيش الإمام أم لا، وتخوفوا أن تكون الهزيمة خديعة فانثنوا عن متابعة المسلمين.

وفي عود جيش الإمام يلتقي مع كمائن للأحباش فيهزمها، كما يهزم جيشا كان في طريقه مددا لملك الحبشة - يقول المؤلف كان عدد رجاله ثلاثة آلاف من أهل الماية معهم القسي والنشاشيب المسممة إذا رموا بها أحدا تطاير شعر رأسه من حرارة السم، فلما التقوا بالمسلمين فروا إلى جهة ملكهم وتبعهم المسلمون يقتلون

ص: 258

ويأسرون، وكان من خذلان الله لهم أن الواحد من المسلمين كان يأسر عشرين أو عشرة، ويوقفهم بين يدي الإمام فيأمر بقتلهم حتى امتلأت الأرض من القتلى، وسار الإمام بجيوشه إلى صمبر كوري، وباتوا بها ليلة الأربعاء مستهل رجب سنة 935 هـ، وأما ملك الحبشة فإنه قدم إلى بادقي وعلم بكسرة المسلمين فيها فانطلق بجيوشه وراءهم حتى التقى مع الإمام في موقعة صمبر كوري، وكانت أكبر موقعة بين طرفين غير متكافئين عدة وعددا، وقد ذكر البطريق أزماج حيبي - بعد إسلامه - أن عدد خيل ملك الحبشة الذين شهدوا الموقعة كان ستة عشر ألف فارس كلها ملبسة من خيول الريف العربية، وأما الخيول الحبشية فلا تعد ولا تحصى، وعدد الرجالة رماة القسي المسمومة وأصحاب الحراب فكان أكثر من مائتي ألف، وثبت المسلمون أمام جحافل الحبشة وصدقوا ما عاهدوا الله عليه فكان النصر إلى جانبهم، وقتل عدد كبير من الأحباش لا يعلم عدده إلا الله، كان فيهم كبار بطارقة الحبشة، كذلك قتل عدد كبير من المسلمين فيه بعض القادة، وقد وصف المؤلف هذه الوقعة وصفا تفصيليا لأنه حضرها، وقال: لما انهزمت الكفرة وأعطى الله النصر للمسلمين قال الإمام أحمد يومئذ لأصحابه: الآن قد نصرنا الله عليهم وأذلهم، والآن نسير إلى بادقي في موضع مساكن الملك وبيوته ونخربها، ونجلس في الحبشة ونفتح البلاد، فقالوا: يا إمام المسلمين قد ترى الآن ما نزل بنا، وقد قتل كثير من عسكرنا، والجروح فاشية فينا، وقل زادنا، والآن تنزل بنا إلى بلادنا تترتب ونرتب عسكرنا وتغزو مرة أخرى، فحينئذ نزل بهم إلى بلادهم وأقام شعبان ورمضان ونصف شوال.

ص: 259

والحملة الثالثة: كانت إلى إقليم دواروا، سار إليها الإمام من طريق نهر الوبى المشهور بتماسيحه وحيواناته، والذي يفصل بين دواروا وبالي، ويصب في البحر المالح من ناحية مقديشو، وانتصر في موقعة " أدل مبرق " وسبى البطريق أبيل صاحبها، وصالحه كبير البطارقة رأس بنيات على أن تعفى أرضه وكنائسه من التخريب والحريق وأن يدفع الجزية، ثم انطلق الإمام بجيوشه إلى " مصحيب " من أرض ورقال، فنهبوها وسبوا أهلها وخربوها - وانتصر الإمام في طلائع فرسانه على جيوش الحبشة في موقعة " الرعين " كما انتصرت الجيوش الإسلامية في موقعة " بور "

ص: 259

وهو نهر كبير جار، وأسر كثيرا من البطارقة، وانتصر الإمام في ثلاثين من فرسانه على جيش للحبشة مؤلف من ستمائة فارس بقيادة البطريق الأكبر رأس بنيات في موقعة "بوسي " وهو نهر من تحت " أواولده " يقول المؤلف: إن الأحباش حاصروا الإمام ولزموا عليه الجبل ورموا المسلمين بالحجارة وهم يستترون منها بالشجر، وأيقن الإمام أحمد وأصحابه أن قيامتهم ومحشرهم في ذلك المكان.

والكفرة يقولون للإمام: أما يكفيك ما أكلت وما فعلت؟! واليوم قد وقعت بيننا ولا يكون لك مخرج، والمسلمون قد سلموا أمرهم إلى الله، والإمام ساكت لا يرد عليهم جوابا، فاشتور المسلمون فيما بينهم وقالوا للإمام: كيف نفعل الآن؟ فقال لهم: تسلمون أمركم إلى الله، ونستعين بالله عليهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم قال لهم: أنا وأنتم في هذا الأمر سواء فاستعينوا بالله على أعداء الله وقاتلوا عن دينكم وشرعكم، فمن قتل منا صار إلى الجنة ومن عاش عاش سعيدا، وقال أحد جنود الإمام: هؤلاء الكفرة قربوا إلينا، ما تقول؟ نقاتلهم قبل أن يقتلونا؟ وكان مع المسلمين بندقية واحدة وضاربها رجل يسمى عثمان، قال: فحررها وضربها على مقدم الرجالة فقتله، وحينئذ كبر المسلمون تكبيرة واحدة، فأجابهم الشجر والحجر، والجبل والمدر وحملوا حملة رجل واحد واقتتلوا قتالا شديدا فانهزم البطريق رأس بنيات، وانهزم أصحابه وصدقهم المسلمون بالضرب والطعن وقتل من الكفرة ناس كثير، ولم يقتل من المسلمين أحد، وقال رأس بنيات لأصحابه: إلى أين تفرون وماذا يكون عذرنا عند الملك إذا قال: عشرون فارسا من المسلمين يهزمونكم وأنتم ستمائة فارس ورجالتكم لا تحسب، وعاد إلى جيش الإمام ولكن ألقى الله الرعب في قلوب الكفرة فولوا الأدبار عند اللقاء، وقتل منهم ناس كثير أيضا، وفرح المسلمون بالنصر والظفر وغنموا غنائم كثيرة من الخيل والبغال والدروع والخيام وآلات الحرب، وحط الإمام في بلد يسمى " غفة أوا ولده " وهي قرية البطريق " بلوا " فدخل المسلمون بيته وأذنوا فيه وصلوا، وبقي الإمام في بيت بلوا ستة أيام وتفرقوا في البلاد المجاورة يغيرون فيقتلون ويأسرون ويغنمون.

وعزم الإمام على أن يقيم في أرض الحبشة ويواصل فتحها، ولكن العسكر وبعض القادة حسنوا للإمام العودة إلى بلاد المسلمين فوافقهم، فعادوا وقد غنموا

ص: 260

غنائم كثيرة ما غنموها قبل ذلك، ودخل من الكفرة ناس كثيرون في دين الله، ونزلوا مع الإمام إلى بلاد المسلمين وسرح الجيوش بعد أن قسم الغنائم، وأمر الجنود أن يعدوا خيولهم وآلات الحرب حتى يدعوهم إلى الجهاد.

ص: 261

والحملة الرابعة: فكانت إلى أرض بالي، وانتصرت فيها جيوش المسلمين في موقعة قاقمة، وأسروا البطريق تخلى أمنوت، وكان فارسا شجاعا، أسره الأمير أبو بكر قطين، كما انتصرت جيوش المسلمين في موضع يسمى " زله " في طريق " أدل جلات " وفي هذه الموقعة يروي المؤلف قصة طريفة عن البطريق " وناج جان " وكان مسلما أسره الملك ونصره كرها وبطرقه وولاه أرض بالي، فقوي شأنه وكثر خيله وأطاعه العسكر، وفي يوم من الأيام جمع البطارقة - وكانوا ستين بطريقا - كل بطريق له جيش من فرسان ورجاله، وأجلسهم في بيته وأتاهم بشراب عتيق من الخمور المسكرة فشربوا فلما سكروا استشار وناج جان هذا صاحبا له اسمه دل بيسوس، وكان نصرانيا لكنه أسلم بعد، قال له جان: الآن ماذا نفعل بهم، الحمد لله قد وقعوا في أيدينا، فقال دل بيسوس: نشدهم كتافا ونذبحهم جميعا ذبح الغنم، فأمر صبيانه فدخلوا عليهم وذبحوهم جميعا وأخذوا خيولهم، وأرسل يبشر السلطان محمد في بر سعد الدين ويقول له: أنا عبدك فعلت بالكفرة وغدرت بهم وأخذت الثأر منهم فأدركني، وقال وناج جان لأهل بالي: أسلموا وإلا فعلت بكم ما فعلت بمقادمتكم البطارقة، فأسلموا جميعا، ولكن بطانة السلطان هبطت عزمه على نجدة وناج جان فتراخى زمنا، فأرسل إليه ولده سيموا يستعجله فبكى السلطان وسار من يومه إلى بالي ولكن جيوش الحبشة كانت قد هاجمت وناج جان واضطرته إلى الفرار بحريمه نحو بلاد المسلمين، فلما وصل نهر ألوس أدركه الموت، وقبره معروف مشهور.

ووصل السلطان وعلم بموته فبكى ومهد البلاد ثم عاد إلى بلده ومعه سيمول وحريم وناج جان - وفي حرب تالية بين السلطان محمد والحبشة أسرت الحبشة سيموا بن وناج ونصروه وبطرقوه موضع أبيه وها هو يقود جيوش الحبشة في وجه الإمام أحمد وجيوشه في طريق " دل باد " وبكيدة، ولكن السلطان ينتصر أخيرا ويعود إلى هرر بغنائم كثيرة ففرقها على أصحابه ومصارف الفيء، وبقي في هرر نحو شهرين.

ص: 261

أما الحملة الخامسة: فهي تلك التي خرج فيها الإمام أحمد بجيوشه إلى الحبشة عازما ألا يعود إلى إقليم هرر إلا بعد أن يتم فتح الحبشة كلها، ولذلك فإنه وضع خطته على أن يقصد الملك وناج سجد حيث كان وكتب إليه يقول: وأنت لا تحسبنا مثل الأول نغزو ونرجع وأما الآن فما نحن راجعون حتى يفتح الله لنا البلاد - إن شاء الله تعالى - أو نموت، وحتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.

وقد لازمه التوفيق والنصر في الوقائع التي تقابل فيها جيش المسلمين مع جيش الأحباش، والمتتبع لهذه الوقائع يحصي قرابة المائة وقعة لم ينهزم فيها جيش المسلمين، وإن كانت بعض فرقه قد تقهقرت ثم عادت لتنتصر بعد سماعهم لتحريض الوعاظ بأنهم يقاتلون في سبيل الله، وأن من قتل مات شهيدا ودخل الجنة مع النبيين والصديقين.

ويقدم لنا الكتاب صورة رائعة لمطاردة الإمام وجيش المسلمين لملك الحبشة الذي لم يقر له قرار في أي من أقاليم الحبشة والذي لم يذق طعم الأمن لما يزيد عن خمس عشرة سنة.

ويذكر أن جيوش الإسلام لم تدخل إقليما إلا ودخل أهله في دين الله أفواجا، حتى البطارقة فقد عمهم الرعب منهم من أسلم ومنهم من صالح على الجزية، وبعد موقعة " زري " وانتصار جيش المسلمين انتصارا ساحقا وقتل كثير من البطارقة حاول أحدهم أن يعقد صلحا بين الإمام وبين البطارقة، فوافق الإمام من حيث المبدأ فذهب إلى البطارقة وهم مجتمعون في أرض " جان زجره " وقال لبطريقهم الأكبر جرجيس: أنا جئتك بالنصيحة من عند المسلمين لأنهم كانوا في الأول يغزون بلادنا ويرجعون إلى بلادهم، وهذا الإمام غزا إلى بلدنا وأخربها وقتل رجالها ولم يرجع ونوى الجلوس في بلادنا، وقد رأيتم الذي فعله بكم في الحرب، فقد هزم الملك في وقعة " صمبر كوري " وهزم جيوش " أنطوكية " وجيش الملك في " زري " وقتل بطارقتهم عامتهم، والآن نحن ما معنا قوة نقاتلهم بها، وإذا جلس في بلادنا أخربها وأضعفها، والقائد الأكبر وسن سجد في أرض الداموت بعيدا عنا، فقال له: فمن لنا بمن يصلح بيننا حتى يرتفع عنا؟ قال: أنا أكلم الإمام بالصلح بيننا وبينه ونعطي الجزية ووافق البطارقة وقالوا السمع والطاعة، وأرسلوا للإمام بأن يجتاز

ص: 262

نهر عواش ويسير إلى الملك ويقاتله في جبرجي، فإذا ظفر به وفتح البلاد فنحن نسلم له جميع خيولنا وسلاحنا، ومن أراد منا الإسلام يسلم، ومن أراد أن يكون مع النصارى فيخلى على دينه ويدفع الجزية، ونشترط له إن أراد منا ملك الحبشة معونة على الإمام لا نعينه ولا نصل إليه، وإذا ارتفع الإمام من بلدنا لا نغزو إلى بلد المسلمين ولا نضر أحدا بل نجلس في بيوتنا، وتم الصلح على ذلك.

وانطلق المسلمون إلى جبرجي، ففزع الملك وترك جبرجي وذهب إلى " ورب " فأحرق المسلمون بيته، فقال له بطارقته: هؤلاء هم المسلمون قد تجاوزا نهر عواش وأحرقوا بيتك الذي في " جبرجي " فخاف وجزع وسار من أرض " ورب " إلى أرض " الداموت " وقال باكيا على " ورب " هذه بلدة مليحة إنها بلاد البر والشعير والعنب والفواكه - ولم يكن في الحبشة مثلها، ولا تحمل الملك وجيوشه إلا هي، وحزن بطريقه الأكبر وسن سجد على أرض ورب وكتب إلى الإمام يتوعده يقول: أما بعد أنتم المسلمون ونحن النصارى، وقد كنا نسير إلى بلادكم نخربها ونحرقها والآن فقد أدالكم الله علينا، والنصر لا يدوم كل يوم، والآن يكفيك ما فعلت وارجع إلى بلادك، وأنت تقول في نفسك وتحدثها أنك هزمت الملك في " صمبر كوري " وتقول فعلت في (أنطوكية) وفعلت في (زري)، وقتلت جيوش الملك والآن لا تغتر بنفسك، وجيوش الملك عادها حالها، ومعه الآن جيوش كثيرة ما قد رأيتها من قبل وما سمعت بها، والآن ارجع إلى بلدك مع غنيمتك وذهبك، فإن أبيت ذلك فالميعاد بيننا وبينك يوم السبت، فأنا أول قتلت أخاك الجراد أيون بن الجراد إبراهيم، وهو أكبر منك سنا، وهزمت جيشه، وفعلت مرارا، ولا تظن أني مثل من لقيت قبل ذلك من البطارقة أنا وسن سجد.

فرد عليه الإمام قائلا: لا تخوفنا بعبيد الملك فنحن نعرفهم، فإن كنت أنت كما تزعم وترى أننا في بلادنا وفي أرضك فقاتل عن بلادك وأرضك، أما ما ذكرت أنك تقاتلنا يوم السبت فقد أعلمنا مشايخنا أن قتلك يوم السبت، ولا شك في ذلك إن شاء الله، ونحن تابعوك أينما كنت ونتبع سيدك الملك أينما كان، وأما ما ذكرت أنك تأمرنا بالرجوع فذلك شيء لا نراه، وأما القتال فهو بغيتنا ومرادنا ولا لقينا من يحاربنا،

ص: 263

فإن كنت رجلا فقاتلنا عن نعمة الملك، وأما هذه البلاد التي ملكناها فلا نتركها بل نملك الحبشة بأسرها إن شاء الله تعالى.

فلما وصل الكتاب إلى وسن سجد جزع وداخله الخوف وأرسل كتابا آخر للإمام يقول فيه: ما تكلمت بكلامي أول إلا خيفة من الملك والبطارقة، والآن أنا ضعيف عن قتالك، ولكن الملك والبطارقة يقولون لي قاتل المسلمين، لأجل ذلك تكلمت، وقد أعلمني الرهبان أني داخل تحت يدك فإذا دخلت ارحمني.

ولا يطول الحال بوسن سجد حتى يقصده جيش الإمام، وفي موقعة شديدة المراس قرب جبل بوسات تنتصر جيوش الإسلام بعد أن ضويقت وتقهقرت مرات على يد وسن سجد وجيشه، ويحمل الجراد عابد بن راجح عليه، وكذلك يحمل وسن سجد على عابد، ويشتمه بالشتائم المقذعة ولكن الجراد عابد يعاجله بضربات من سيفه فيسقطه عن فرسه وهو يقول: لا تقتلني أنا وسن سجد، ونادى عابد بأعلى صوته لقد سقط وسن سجد رئيس الكفرة؛ فضج المسلمون بالصياح والتكبير فلما سمع المشركون أن رئيسهم قد قتل انهزموا شر هزيمة وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون.

وحينما سمع الملك بمقتل وسن سجد حزن حزنا شديدا وانهار تماما، وصار لا يدري أين يذهب أو يستقر فكل مكان ينزل به لا يفتأ حتى يعلم بقصد الإمام إليه فيغادره إلى مكان آخر، وأخيرا قرر أن يعود إلى بيت أمحره، يقول المؤلف: وأما ملك الحبشة فإنه كان في أرض وج، ونوى المقام بها حتى ينتهي زمن المطر، فلما وصله خبر قتل وسن سجد وهزيمة جيشه حزن حزنا شديدا، وجمع بطارقته وحجابه وخواصه وقال لهم: الآن ماذا نفعل؟ وما تشيرون به علي؟ وأي أرض تسعنا؟ ثم تشاوروا فقال لهم: إني أريد أن نسير إلى بيت آبائنا وأجدادنا وأصل مملكتنا ونجلس هناك، ونمسك الأبواب ونقاتل المسلمين، ونخلي لهم هذه البلاد التي فتحوها، ونموت في بيت أمحره، وسار من أرض وج تحت المطر الشديد مدة شهر حتى وصل إلى بيت أمحره.

ويصف المؤلف بيت أمحره فيقول: هي أرض واسعة كبيرة الأرزاق والجبال محيطة بها، وهي بين الجبال ولها طرق وأبواب في الجبال، وكل طريق عليه أبواب

ص: 264

وحراس من أرض أباوين إلى أرض عنقوت وإلى بحر حيق والجبال تدور عليها مسيرة عشرين يوما، ولها خمسة أبواب، باب من طريق ولقى، وباب من طريق أخي فج، وباب من طريق منز، وباب من طريق ميات من أرض جدم، وباب من بلد واصل يحرسه بجيشه.

ويقصده الإمام أحمد بجيوشه بعد أن يمهد كثيرا من البلاد في طريقه ويستولي على المدد المرسل لجيوش الملك، ويقرر الإمام صعود جبل واصل من المنطقة التي يتولى حراستها الملك وجيشه، وينتصر الإمام في وقعة باب واصل، وكان ذلك في يوم الجمعة 16 من ربيع الأول سنة 938 هـ ويقول المؤلف: لما انهزم المشركون من باب واصل قصدوا إلى خيمة الملك والتجئوا عندها وبعضهم هربوا على وجوههم، وخرج الملك من خيمته وركب فرسه مع حجابه وكانوا نحو أربعمائة فارس يحفون به، وحمل عليهم المسلمون حملة رجل واحد وتقاتلوا حتى ألقى الله الرعب في قلب جيوش الكفرة فولوا الأدبار، وتبعهم المسلمون يقتلون وحمل الإمام والسيف في يده اليسرى فنظر إليه ملك الحبشة وعرفه بعلامة في فرسه وبسيفه في يده اليسرى وقال لأصحابه: جاءكم الشيطان بنفسه، فصاح عسكر الحبشة على الإمام يقولون: سحرتنا سحرتنا، ودخل الإمام وسطهم وفوق جمعهم وصدقهم بالضرب فانهزموا إلى الجبل فلم يجدوا طريقا، فصاح عليهم الإمام: اتركوا خيولكم وانجوا بأنفسكم فقد أدركناكم، ففزعوا وداخلهم الخوف وتركوا خيولهم وطلعوا الجبل، ومن رعبهم كانوا يسقطون من الجبل فيقتلهم المسلمون، وغنم أصحاب الإمام خيولهم بلباسها من الجوخ القرمزي.

وأما ملك الحبشة فإنه سار على وجهه ومعه خمس جنائب تقاد بين يديه وقصد إلى طريق العنبا، أما أصحاب الإمام فقد غنموا من الذهب والفضة والخيول والبغال والحرير، ومن ثياب الملك ومن فرش الديباج وأسروا الفائقات من النساء، من نساء البطارقة وأولادهم وغيرهم ما يعد بالألوف واستولوا على قبة الملك وفيها سرير الملك وسلاحه، وأمر الإمام أصحابه فمزقوا الخيمة إربا إربا.

وسار الإمام من باب واصل إلى بيت أمحره مسكن أهل الكتاب والقسس والرهبان، ودار الملك التي ينصب فيها الملوك وقصد إلى الكنائس وأسند خرابها إلى

ص: 265

بعض قواده إلا كنيسة مكان الثلاثي أي الثلاث آلهة بلغتهم، فإنه قصدها بنفسه ودخلها ومعه خواصه، فلما رآها كادت تخطف الأبصار، فهي مزينة بصفائح الذهب والفضة وفيها فصوص من اللؤلؤ والمرجان وكان عرضها مائة ذراع، وطولها كذلك، وارتفاعها مائة وخمسين ذراعا، ولها مصراع من خشب، طوله عشرة أذرع وعرضه أربعة أذرع، وقد فرشوا فوقه صفائح الذهب والفضة، ومن فوق الذهب جعلوا فصوصا من كل لون وأسقفها وأصحانها ملبسة بصفائح الذهب وتصاوير من الذهب، فتعجبوا من شغلها، وصاح المسلمون الذين لم يدخلوا يقولون للإمام: افتح الباب حتى ندخلها ونتفرج عليها، ففتح لهم وأدخلهم وازدحم المسلمون، وقال لهم الإمام كل من أخذ شيئا فهو له إلا الصحاف، فاشتغلوا فيها بألف قدوم وهم يخلعون الذهب والفصوص التي في الكنيسة من العصر إلى وقت العشاء، وكل قد أخذ حاجته من الذهب واستغنوا غنى لا فقر معه، واحترق في الكنيسة أكثر من ثلثها من الذهب، وبات الإمام بجنب الكنيسة وطلب من كان معه من العرب فقال لهم: هل يكون في الروم أو في الهند أو في غيره مثل هذا البيت وتصاويره؟!.

وجلس الإمام وأصحابه في بيوت الملك ببيت أمحره، وانطلقت جيوش المسلمين تفتح وتغنم، ولم يصادفهم بأس إلا في موقعة العنبا التي يتربى فيها أولاد الملوك، فقد هزم جيش الجراد أحموشه وأسر وقتل أورعى عثمان وغيره من القادة، وكانت هذه الهزيمة يوم الأربعاء 14 من ربيع الآخر سنة 938 هـ ولم تفت في عضد المسلمين بل ظلوا ينتصرون بعدها في أرض العنقوت، وجزيرة بحر حيق، وجيته، وعندورة، وأرم، ودير برهان، وكساية، وأرض الماية، والجنز، والجافات، وزميت.

ويحدثنا المؤلف عن أرض هدية التي دخلها السلطان ويقول: صاحبها رجل مسلم وكان يعطي الجزية للملك، ويعطي له في كل سنة بنتا من بنات المسلمين ينصرها، ويحكم عليهم منذ آبائهم الأقدمين ألا يلبس أحدهم عدة الحرب ولا يمسك سيفا ولا يركب فرسا بسرج ولكن على متن ظهره، ويخرب مساجد المسلمين ويرسلون له الفتاة على سرير بعد أن يغسلوها ويكفنوها بثوب أبيض ويصلون عليها صلاة الجنازة ويعتبرونها في عداد الأموات، فلامهم السلطان وقال لهم: لا خوف عليهم بعد الآن وانضموا إلى صفوفه.

ص: 266

ويقول المؤلف: إن جيوش المسلمين اجتمعت في دير برهان، وقال لهم الإمام: الحمد لله فقد فتح علينا الحبشة كلها ولم يبق إلا التجري، وبقي مدر، والقوجام، أي ما بقي إلا هذه البلاد، فإما أن نسير إليها أو نجلس هنا، ما تشيرون بارك الله فيكم؟.

فاتفق الرأي على أن يطاردوا الملك حيثما كان، وفتح الإمام أرض التجري، ثم سار إلى بقي مدر في رمضان سنة 941 هـ وهزم في طريقه جيوش الحبشة وقتل البطارقة، ثم دخل بلاد سمنين وكانت للفلاشا يهود الحبشة، فخلصهم من ظلم البطارقة وفرض عليهم الجزية، وفتح بقي مدر، ونزل ببلاد الدنبية وسار إلى بلاد النوبة وأرض القجام.

وختم المؤلف هذا القدر من الكتاب بفتح الإمام لجزيرة قليلة المجاورة لأرض النوبة ومطاردة النصارى بها واستقباله لبعض الأشراف المسلمين من بلاد الدنبية وإصلاحه بينهم وإقطاعهم أرضا إلى أطراف النوبة، ويحمد الله على دين الإسلام الذي أظهره على الدين كله.

وبهذا يتم الجزء الأول من هذا الكتاب، أما الجزء الثاني فلا نعرف عنه شيئا ولكن يغلب على الظن أنه تناول فيه بقية أخبار الإمام أحمد بن إبراهيم إلى أن استعان الأحباش بالبرتغاليين للوقوف في وجه تلك الفتوح واغتيالهم للإمام أحمد، يقول صاحب الجواهر الحسان الشيخ أحمد الحنفي القنائي الأزهري: في سنة 948 من الهجرة تقريبا: دخل جيش برتغالي إلى هذه البلاد بدعوى المحافظة على موازنتها ومنع مسلمي قبائل الجالا من مضايقة ملكها (ص 17) ولكنه لم يحدثنا بمثل حديث عرب فقيه، بل ولا حدثنا، أي مؤلف بمثل حديثه.

إن كل مسلم عربي أو غير عربي يشعر بأن صليبية الحبشة عادت سيرتها الأولى، ومن المحزن أننا نسمع عن تلك الغارات التي تضن بالطائرات على إخواننا المسلمين، ونسمع عن معاونة الدول الشيوعية لسفاحي الحبشة بالسلاح والعتاد بل وبالرجال، وإذا صدق ما يقال من أن بعض الدول الإسلامية تعين السفاحين بصورة ما من المعونات فتلك لعمري مصيبة المصائب وعار الدهر وخزي الأبد.

ص: 267

متى أن إخواننا المسلمين في إريتريا وأوجادين يلقون منا العون والمساعدة، ولنعلنها صريحة أننا إلى جانب إخواننا في الصومال وإرتيريا وأنه لن يثنينا عن معاونتهم أي حائل مهما عظم، حتى نعز الإسلام وأهله في تلك البلاد وحتى لا نقول كما قال رينيه باسيه: إن فتوحات أحمد جران كانت آخر الفتوحات الإسلامية لأقاليم الحبشة التي وعتها عقول الغرب والشرق.

ص: 268