الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القائد:
كان محمد بن مسلمة من شجعان الصحابة كما ذكرنا، حتى لقب بفارس نبي الله، فسخر كل شجاعته في إعلاء كلمة الله مجاهدا تحت لواء الرسول القائد عليه الصلاة والسلام جنديا وقائدا مرءوسا على الفرسان تارة وعلى حرس النبي صلى الله عليه وسلم ومعسكر المسلمين تارة أخرى، وقائدا لسرايا النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى على أعدى أعداء المسلمين أفرادا وجماعات، وأثر في أعداء الإسلام ماديا ومعنويا.
وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم على نحو من خمس عشرة سرية من سراياه كما نص على ذلك قسم من المؤرخين، ولكن السرايا التي فصلها المؤرخون ثلاث سرايا فقط، هي التي ورد ذكرها في هذا البحث، ومن دراسة نشاطه جنديا وقائدا مرءوسا تحت لواء النبي صلى الله عليه وسلم، يبدو أنه كان ذا أثر بارز في كل غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وفي كل سرية قادها، ولم يكن جنديا عاديا بل كان جنديا متميزا، ولا قائدا عاديا بل قائدا متحفزا فهو من جنود العقيدة الراسخة وقادة العقيدة الراسخة، يوظف كل طاقاته في طبعه الموهوب وعلمه المكتسب وتجربته العملية، لخدمة عقيدته والمؤمنين بها، ولا يدخر وسعا في خدمتهما.
وقد كان يتحلى بالطاعة المطلقة لقادته وأمرائه، والطاعة هي الضبط المتين الذي هو من أهم ما يميز الجندي الجيد على الجندي الرديء والعسكري بصوره عامة على المدني، فكان يحارب الفتنة ومثيريها وأسبابها ومسببيها بكل ما أتي من قوة وعزم.
وقد كان سريع القرار صائبة، وقراره مبني على المعلومات التي يحصلها عن العدو، وقد كان حرصه على جمع المعلومات عن العدو عظيما، وكان دائب النشاط لا يكاد يهدأ فلا ينام ولا ينيم في جمع المعلومات عن العدو التي تعينه على إصدار قرار سريع صائب، كما أن ذكاءه اللامع أعانه على إصدار مثل هذا القرار.
وكان يتحمل المسئولية ولا يتملص منها أو يلقيها على عواتق الآخرين، عارفا
بنفسيات زملائه ورجاله وقابلياتهم، فيلقي على عاتق كل واحد منهم ما يتناسب مع نفسيته وقابليته وكفايته.
وكان يثق بزملائه ورجاله ورؤسائه ويحبهم، ويبادلونه ثقة بثقة، وحبا بحب، وكانت شخصيته قوية جدا، لا يبالي أن يحاسب الأمراء والولاة والقادة دون مجاملة أو التزام إلا بالحق وحده دون سواه.
وكان ذا ماض مشرف مجيد، فهو من قدامى الصحابة وأشرافهم وشجعانهم، وعلمائهم، وخدماته للإسلام والمسلمين واضحة للعيان، كما أنه كان من أشراف الأوس ومن بيوتاتهم الكريمة في الجاهلية وفي الإسلام.
وكان يعرف مبادئ الحرب بالفطرة السليمة التي تدل على استعداد فطري للجندية عامة والقيادة خاصة.
فهو يطبق مبدأ اختيار المقصد وإدامته، ويحرص غاية الحرص على تحقيق مقصده بدأب واستمرار، دون أن يشتت جهوده من أجل تحقيق أهداف ثانوية تصرفه عن تحقيق مقصده كاملا.
وهو يطبق مبدأ التعرض، فكل معاركه جنديا وقائدا معارك تعرضيه، ولم يخض معارك دفاعية في حياته القتالية.
وهو يطبق مبدأ المباغتة، أهم مبادئ الحرب على الإطلاق، وقد باغت في إحدى سراياه عدوه مباغتة كاملة بالزمان كما ذكرنا.
وهو يطبق مبدأ الأمن، وكان غالبا المسئول الأول عن قضايا الأمن في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم قائدا لحرسه وقائدا لحرس معسكره، فلم يستطع العدو أن يباغت قوات المسلمين أبدا، لأن ابن مسلمة كان حذرا كل الحذر، يقظا كل اليقظة.
تلك هي أبرز سمات محمد بن مسلمة جنديا وقائدا، فلا عجب أن يكون موضع ثقة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته المباركة وموضع ثقة خلفائه من بعده، وأن يستطيع أن يؤدي