الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذكر بمعنى العلم:
والعلم أصول وقواعد مستحضرة في أذهان البشر يواجهون بها مشكلات الحياة والوجود، والعالمون بها هم أقدر الناس على بذل العون لغيرهم ممن لا يعلمون، ولذا كان توجيه القرآن الكريم لغير العالمين أن يسألوا العالمين الذاكرين لهذه الأصول، يقول تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (1).
ووعد النبي صلى الله عليه وسلم قومه بشيء من العلم عن ذي القرنين عندما سألوه عنه، قال تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} (2).
وطلب الرجل الصالح من موسى عليه السلام أن يلوذ بالصمت حتى يذكر له فيما بعد شيئا من علم ذلك {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} (3).
ومن أهداف عروبة اللسان القرآني أن يقود قلوب العرب في رفق إلى الخوف من بارئها العظيم، ويمنحها العلم به {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} (4)، ويعلل الضالون لانحرافهم عن منهج الإخلاص بافتقادهم شيئا من العلم الذي هدى به السابقون، أو من التجارب التي مروا بها، وهو استنتاج دقيق منهم، لكن بعد فوات الأوان {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ} (5){لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} (6).
(1) سورة الأنبياء الآية 7
(2)
سورة الكهف الآية 83
(3)
سورة الكهف الآية 70
(4)
سورة طه الآية 113
(5)
سورة الصافات الآية 168
(6)
سورة الصافات الآية 169
الذكر بمعنى الكتاب المنزل أو النبي المرسل:
الكتاب المنزل مبادئ قويمة، وشرائع مستقيمة، ونصح رشيد، وتوجيه سديد، ولا عجب فهو كتاب رب العالمين، الذي خلقهم ويعلم ما يصلحهم ويسددهم،
وعلى قدر بشريتهم شرع لهم من الدين ما وصى به رسله جميعا {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (1).
والكتاب المنزل ذكر؛ لأنه يضع أمام ذاكرة البشر هذه المبادئ التي تحكم الحياة، وتقود السلوك، إنه ذكر حكيم، وذكرى للمؤمنين.
وقد جاء الذكر بهذا المعنى في واحد وثلاثين موضعا من القرآن الكريم، من هذه المواضع ما كان الذكر فيه بمثابة العلم على القرآن {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} (2)، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (3)، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (4)، {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (5)، {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} (6)، ومعنى هذه الآية أنهملكم فنحرمكم من هدي الكتاب لتجاوزكم حد الاعتدال. . وتتساءل قريش في استنكار: كيف ينزل هذا الذكر على محمد من بينهم؟ {أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} (7)، {أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} (8).
وقد يترك القرآن ببيانه المعجز آثارا في القوم، يندر في قلوبهم حقدا، وفي أعينهم زيغا وغيظا {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} (9)
(1) سورة الملك الآية 14
(2)
سورة الحجر الآية 6
(3)
سورة الحجر الآية 9
(4)
سورة النحل الآية 44
(5)
سورة الأنبياء الآية 105
(6)
سورة الزخرف الآية 5
(7)
سورة ص الآية 8
(8)
سورة القمر الآية 25
(9)
سورة القلم الآية 51
وتسمية القرآن ذكرا فيه معنى الاسمية والوصفية، على السواء، غير أنه في بعض المواضع تغلب الاسمية، وفي بعضها تغلب الوصفية.
فالقرآن من أبرز صفاته أنه ذكر، وأن رسالته هي الذكر {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} (1) ويقول تعالى:{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} (2)، {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} (3) فهو ليس ذكرا فحسب وإنما هو ذكر محكم يصيب كبد الحقيقة، فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويقتحم القلب فيصيب الشغاف، قال تعالى:{ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (4) وهو ذكر مبارك تسمو به حياة الناس، وينمو في طريق الخير مجتمعهم {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} (5).
ورسالة الذكر في القرآن تعم الوجود كله، ففي أكثر من آية يقول رب العالمين عن كتابه:{إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} (6) يوسف، ص، التكوير، الأنعام {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} (7)، ومع عمومها تخص العرب بذواتهم، يقول تعالى ممتنا على النبي وقومه:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} (8)، كما يقول:{وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا} (9) ولفظ لدنا: فيه إكبار لهذا الذكر أي إكبار، ولذا ينتقد القرآن انصرافهم عنه، وإعراضهم عن هديه {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ} (10)
(1) سورة يس الآية 69
(2)
سورة ص الآية 1
(3)
سورة آل عمران الآية 58
(4)
سورة الزمر الآية 23
(5)
سورة الأنبياء الآية 50
(6)
سورة يوسف الآية 104
(7)
سورة القلم الآية 52
(8)
سورة الزخرف الآية 44
(9)
سورة طه الآية 99
(10)
سورة الأعراف الآية 63
{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} (1)، {وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} (2)، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} (3).
وأكبر خطأ يتورط فيه البشر أن يستبد بهم الغي، فلا ينتفعون بحكمة هذا الذكر.
وهذا هو الكافر يلوم قرين السوء الذي أغواه {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} (4)، كما يقول المعبودون من دون الله يتبرءون أمام ربهم من ضلال عابديهم:{وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} (5).
والذي يتبع الذكر ويهتدي بآثاره هو الذي يستجيب للنذير، ويؤثر فيه التبشير:{إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} (6).
وأروع ما في الذكر القرآني - وكله رائع - أنه يحوي خلاصة التجربة البشرية، يقول رب العالمين:{هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (7).
وقد سمى القرآن الرسول "ذكرا" لأنه يحمل الذكر للبشرية، ويثير ذاكرتها نحو الاتجاه إلى المبادئ السماوية {قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا} (8){رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ} (9).
(1) سورة الأنبياء الآية 2
(2)
سورة الأنبياء الآية 36
(3)
سورة فصلت الآية 41
(4)
سورة الفرقان الآية 29
(5)
سورة الفرقان الآية 18
(6)
سورة يس الآية 11
(7)
سورة الأنبياء الآية 24
(8)
سورة الطلاق الآية 10
(9)
سورة الطلاق الآية 11