الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
مع عثمان:
أ - تصاعد شغب قسم من الناس على ولاتهم سنة خمس وثلاثين للهجرة (655 م) بدس عبد الله بن سبأ الذي كان يهوديا وأسلم أيام عثمان، ثم تنقل بالحجاز ثم بالبصرة ثم بالكوفة ثم بالشام يريد إضلال الناس، فلم يقدر منهم على ذلك، فأخرجه أهل الشام، فأتى مصر وأقام فيهم وقال لهم:" العجب ممن يصدق أن عيسى يرجع، ويكذب أن محمدا يرجع "، فوضع لهم الرجعة، فقبلت منه، ثم قال هم بعد ذلك:" إنه كان لكل نبي وصي، وعلي وصي محمد، فمن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووثب على وصيه وإن عثمان أخذها بغير حق، فانهضوا في هذا الأمر وابدءوا بالطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا به الناس ".
وبث دعاته، وكاتب من استفسد في الأمصار وكاتبوه، ودعوا بالسر إلى ما هو عليه رأيهم، وصاروا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيب ولاتهم، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يضعون، حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا الأرض إذاعة، فيقول أهل كل مصر: إنا لفي عافية مما ابتلى به هؤلاء، إلا أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع الأمصار، فقالوا: إنا لفي عافية مما فيه الناس!!
وأتى أهل المدينة عثمان فقالوا: " يا أمير المؤمنين! أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟ " فقال: " ما جاء إلا السلامة، وأنتم شركائي وشهود المؤمنين، فأشيروا علي "، قالوا:" نشير عليك أن تبعث رجالا ممن تثق بهم إلى الأمصار، حتى يرجعوا إليك بأخبارهم ".
ودعا عثمان محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة، وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر، وأرسل عبد الله بن عمر إلى الشام، وفرق رجالا سواهم، فرجعوا جميعا فقالوا:" ما أنكرنا شيئا أيها الناس ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم "(1).
(1) الطبري (4/ 340 - 341) وابن الأثير (3/ 154 - 155).
لقد كان محمد بن مسلمة موضع ثقة عثمان كما كان موضع ثقة أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهم جميعا من قبله، كما كان موضع ثقة النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم الكاملة فانتدبه عثمان إلى أخطر الثغور الإسلامية: الكوفة، لينقل إليه آلام الناس وآمالهم، فما وجد ابن مسلمة ولا وجد غيره من الموفدين ما كان يذيعه المغرضون، بل وجدوا الأمور تدعو إلى الاطمئنان.
وخرج أهل مصر وأهل الكوفة وأهل البصرة وأظهروا أنهم يريدون الحج، فلما كانوا من المدينة على ثلاث تقدموا إلى معسكرات قريبة من المدينة، ثم اقتحموا المدينة، فلما جاءت الجمعة التي على أثر دخولهم المدينة، خرج عثمان فصلى بالناس، ثم قام على المنبر فقال:" يا هؤلاء! الله الله! فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فامحوا الخطأ بالصواب "، فقام محمد بن مسلمة فقال:" أنا أشهد بذلك ".
وثار القوم بأجمعهم، فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد، وحصبوا عثمان حتى صرع على المنبر مغشيا عليه، فأدخل داره (1).
واستنجد عثمان بعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فأمر الناس بالركوب إلى معسكر أهل الفتنة الذين يريدون قتل عثمان إن لم ينزع عما يكرهون، فركب معه من المهاجرين والأنصار ثلاثون رجلا، فأتوا المصريين وكلموهم، وكان الذي يكلمهم علي ومحمد بن مسلمة، فسمعوا مقالتهما ورجعوا إلى مصر، فقال قائد المصريين (2) لمحمد بن مسلمة:" أتوصينا بحاجة؟ "، قال:" نعم، تتقي الله، ترد من قبلك عن إمامهم، فإنه قد وعدنا أن يرجع وينزع ". فقال: " أفعل إن شاء الله "(3).
(1) الطبري (4/ 352 - 353) وابن الأثير (3/ 160 - 161).
(2)
هو عبد الرحمن بن عديس البكوي.
(3)
الطبري (4/ 359 - 360) وابن الأثير (3/ 162 - 163).
وعاد المصريون إلى مصر ولكنهم رجعوا ثانية من الطريق إلى المدينة، كما عاد الكوفيون والبصريون، فخرج إليهم محمد بن مسلمة وسألهم عن سبب عودتهم، فأخرجوا له صحيفة في أنبوبة رصاص يأمر فيها عثمان عماله بجلد قادتهم وحلق رءوسهم ولحاهم وصلب بعضهم.
ولما عاد أهل مصر أخبروا بذلك محمد بن مسلمة وقالوا له: " قد كلمنا عليا ووعدنا أن يكلمه، وكلمنا سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد، فقالا: " لا ندخل في أمركم "، وقالوا لمحمد بن مسلمة: ليحضر مع علي عند عثمان بعد الظهر، فوعدهم بذلك.
ودخل علي ومحمد بن مسلمة على عثمان، فاستأذنا للمصريين عليه، وعنده مروان بن الحكم، فقال:" دعني أكلمهم ". فقال عثمان: " اسكت فض الله فاك! ما أنت وهذا الأمر؟ اخرج عني "، فخرج مروان.
وقال علي ومحمد بن مسلمة لعثمان ما قال المصريون، فأقسم بالله ما كتبته ولا علم لي به، فقال محمد بن مسلمة:" صدق، هذا من عمل مروان ".
ودخل عليه المصريون، فلم يسلموا عليه بالخلافة، وقالوا له من جملة ما قالوا:" وخرجنا من مصر ونحن نريد قتلك، فردنا علي ومحمد بن مسلمة، وضمنا لنا النزوع عن كل ما تكلمنا فيه، فرجعنا إلى بلادنا، فرأينا غلامك وكتابك وعليه خاتمك تأمر عبد الله (1) بجلدنا والمثلة بنا وطول الحبس".
وحلف عثمان أنه ما كتب ولا أمر ولا علم، فقال علي ومحمد بن مسلمة:" صدق عثمان " ولكن المصريين رفضوا التراجع عن موقفهم إلا إذا استقال عثمان عن الخلافة، فإذا أبى فإنهم يقتلونه (2) وحصر المصريون عثمان فما برحوا محاصريه حتى قتلوه (3).
(1) يريدون: عبد الله بن سعد بن أبي سرح أمير مصر.
(2)
الطبري (4/ 372 - 375) وابن الأثير (3/ 168 - 169).
(3)
الطبري (6/ 375).