الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال: ولهذه العلة لم يخرج البخاري من حديث ابن بكير. عن مالك إلا القليل، وأكثر عنه عن الليث. قالوا: لأن سماعه كان بقراءة حبيب (1) وقد أنكر هو ذلك (2) وعند الحديث عن الأخذ بالإجازة قال: ولمالك شرط في الإجازة أن يكون الفرع معارضا بالأصل حتى كأنه هو، وأن يكون المجيز عالما لما يجيز، ثقة في دينه وروايته، معروفا بالعلم، وأن يكون المجاز من أهل العلم متسما به.
وقال أبو عمر الحافظ: الصحيح أنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة (3).
ولذلك تجد الكتب العلمية القديمة حافلة بالسماعات التي كان المقصود منها التدليل على أن الكتاب صحيح، وليكن الاعتماد عليه، لكون الذين نقلوه إلينا بالسماع ثم الكتابة هم علماء عدول، حملوا الأمانة، ثم أدوها إلى من بعدهم كما هي.
(1) الإلماع / 78.
(2)
الإلماع / 95.
(3)
شرح المواهب اللدنية 5/ 454.
9 -
الإسناد من اختصاص المسلمين:
وبهذا تبين أن الإسناد نعمة من نعم الله خص بها هذه الأمة ولذا قال أبو حاتم الرازي: لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم، أمناء يحفظون آثار الرسل، إلا في هذه الأمة (1) وقال محمد بن حاتم بن المظفر: إن الله تعالى قد أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد. وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد موصول، إنما هو صحف في أيديهم. وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم (2) وقال شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه الله: وعلم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم وجعله سلما إلى الدراية. فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون
(1) شرح المواهب اللدنية 5/ 453.
(2)
مجموع الفتاوى 1/ 9.
به المنقولات. وهكذا المبتدعون من هذه الأمة أهل الضلالات. وإنما الإسناد لمن أعظم الله عليه المنة أهل الإسلام والسنة يفرقون به بين الصحيح والسقيم والمعوج والقويم. وغيرهم من أهل البدع والكفار، إنما عندهم منقولات يأثرونها بغير إسناد وعليها من دينهم الاعتماد، وهم لا يعرفون فيها الحق من الباطل ولا الحالي من العاطل. وأما هذه الأمة المرحومة وأصحاب هذه الأمة المعصومة، فإن أهل العلم منهم والذين هم من أمرهم على يقين. فظهر لهم الصدق من المين كما يظهر الصبح لذي عينين (1).
وهذا تحقيق عظيم لم يسبق إليه شيخ الإسلام رحمه الله إذ استنتج من كون الإسناد من خصائص المسلمين، أن ما ليس من الإسلام الصحيح من العقائد والآراء، فإنه لا سند له يعتمد عليه، وإنما هي أقوال بلا دليل ومنقولات بغير إسناد. وقد فصل " هذا الكلام الإمام الأندلسي أبو محمد علي بن حزم رحمه الله في كتابه (الفصل في الملل والنحل) أحسن تفصيل، حيث قسم نقل المسلمين إلى ستة أقسام، وأثبت أن نقل الثقة عن الثقة، حتى يصل به إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجد عند غير المسلمين، وأن المبادئ الأساسية للإسلام والشريعة المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم وما يتعلق به من الأحكام، كلها ثابت بهذا النوع من النقل.
(1) راجع الفصل في الملل والنحل / تاريخ تدوين حديث للدكتور محمد زبير الصديقي / 125.