الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد كانت هذه الضلالات وغيرها تعم الجزيرة العربية كلها. فالحرم المكي من أطهر البقاع على ظهر الأرض - زاده الله تشريفا وطهرا - كانوا يفعلون فيه الأفاعيل وكانت الأعراب تأتي فيه المنكر والفسوق والعصيان ما يبعث في النفس الأسى والكمد والحسرة والألم، ولقد توعد الله من يلحد فيه أو يظلم بالعذاب الأليم. قال الله تعالى {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (1) ولكن الله تعالى لا يعجل بالعقاب حتى تكون هناك فرصة للتوبة والندم والرجوع إليه سبحانه وتعالى.
ولقد بلغ من انتهاكهم حرمة الحرم أنه لو لجأ إليه سارق أو غاصب أخذوه، أما إذا لجأ إلى بعض قبورهم مما يعظمون مثل قبر المحجوب الذين كانوا يلتمسون عنده الشفاء والشفاعة تركوه وشأنه ولم يتعرضوا له بسوء أو عقاب.
وقد كانت هناك قبور كثيرة يعظمونها ويستغيثون بأصحابها ويقدمون لها القرابين ومن ذلك ما كان يفعل عند قبر ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين. وما كان يفعل عند قبر عبد الله بن عباس وناهيك بما كان يفعل عند قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم كالانحناء والسجود كذلك، وخضوعا وكتعفير الخدود وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعن من يفعله.
ولقد كان الشيطان عونا ومساعدا لهم ومزينا هذه الأعمال في أعينهم، فوضع لهم قبرا في جدة طوله ستون ذراعا وأوحى لهم بأنه قبر أمهم حواء.
(1) سورة الحج الآية 25
الجاهلية تعم المسلمين:
ولقد عمت هذه الجاهلية التي ضربت أطنابها في الجزيرة العربية جميع بلاد المسلمين، ولا من داع أو أثر لداع أو منكر على الناس ما هم فيه من البدع والخرافات والضلالات والشرك الذي يرتكبونه جهارا تحت سمع العلماء وبصرهم، وللأسف الشديد كان هناك من العلماء من شجعهم على ذلك ممن لبسوا الصوفية وخزعبلاتها.
فنرى في مصر آثاما يندى لها الجبين وتخزى لها الإنسانية وذلك من الأمور التي تحصل عند قبور الأولياء من أمثال السيدة زينب والإمام الشافعي والحسين بن علي رضي الله عنه وإبراهيم الدسوقي وأبي الحسن الشاذلي والسيد أحمد البدوي. فنرى العامة من الناس يقصدون هذه الأماكن ويتمسحون بها ويتشفعون بأصحابها
ويقدمون لها القرابين ويسمون السيدة زينب رئيس الديوان. ولقد صدق فيهم قول الشاعر الذي رأى وسمع:
ورأيت في روما كنيسة بطرس
…
تبلي الشفاه بها حديد الباب
ورأيت في طنطا ضراعة قائل
…
يا أيها البدوي فرج ما بي
أظن أنه لا يوجد شرك أكثر من هذا الشرك وضلال فوق هذا الضلال.
وفي بلاد اليمن يوجد مثل ذلك وأكثر منه. فعندهم قبر الهادي والبرعي وابن علوان وغيرهم من الأحياء والأموات الذين يعظمونهم ويقدمون لهم القرابين والذبائح ويطلبون منهم العون والمدد.
وفي بلاد الشام ما يفوق هذا كله، وما يتجاوز الحصر من عبادة القبور وأصحاب القبور وطلب الشفاعة والاستغاثة عندهم ومنهم.
وفي العراق كذلك ترى القبور الكثيرة التي يؤمها الناس لطلب الخير والمنفعة، كقبر الإمام أبي حنيفة ومعروف الكرخي ومشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد جعلت منه الرافضة وثنا يعبد من دون الله، يخشعون في حضرته أكثر مما يخشعون لله ويتوجهون له بالعبادة والدعاء من دون الله، ويحلفون بالله كذبا ولا يحلفون به كذبا أبدا؛ لأنهم يزعمون أن عنده مفاتح الغيب، ولهذا يقولون إن زيارته أفضل من سبعين حجة، وكذلك مشهد الحسين رضي الله عنه، فنرى عنده من يلطم الخدود ويشق الجيوب ويرفع صوته بالبكاء والعويل ولبس السواد وغير ذلك من هذه المنكرات التي تخرج بهم عن الإسلام.
هذا وفي جميع البلاد العربية والإسلامية نرى هذه الفتن وتلك الضلالات وهذه البدع والخرافات والشرك بالله سبحانه وتعالى.
ولهذا كان لا بد من ظهور رجل قوي وداعية شجاع ليأخذ بيد الناس إلى ما فيه الخير والفلاح، ولا يخشى في ذلك أميرا أو حاكما، ولا يخاف قتلا أو نفيا أو سجنا أو تشريدا.
فكان من فضل الله ورحمته بعباده أن ظهر الداعية الكبير، عبقري العصر وإمام الجيل وأستاذه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذي عرفهم الطريق وأوضح لهم الحلال من الحرام، وصحح لهم العقيدة وطهرهم من الشرك والأوثان.