المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لقاء مع الداعية البريطانيالمسلميوسف إسلام - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ النهي عن قراءة الجنب والحائض القرآن

- ‌ تعليم الكافر القرآن:

- ‌الفتاوى

- ‌ مات المسلم ولم يقض فريضة الحج وهو مستكمل لشروط وجوبها

- ‌ اضطره عمله أن يغادر منى بعد الوقوف بعرفة ورمي الجمرة بعد فجر يوم النحر

- ‌ هل أحج عن والدي اللذين ماتا ولم يؤديا فريضة الحج لفقرهما

- ‌ حج من قبل وأنزل بعد التحلل الأول

- ‌ أخر رمي الجمار في اليوم الحادي عشر حتى أدركه الليل

- ‌ المسلمة التي حاضت في أيام حجها

- ‌ رمى الجمار في الليلة الثانية من ليالي التشريق

- ‌ ترك المبيت بمزدلفة

- ‌ صلى صلاتي المغرب والعشاء قصرا وجمع تأخير قبل دخول مزدلفة

- ‌ رمي جمرة العقبة ليلا

- ‌ ترك المبيت بمنى أيام التشريق

- ‌ ترك المبيت بمنى ليلة واحدة لعذر المرض

- ‌ رمي جمار أيام التشريق كلها في يوم واحد

- ‌ المراد باليومين اللذين أباح الله جل وعلا للمتعجل الانصراف من منى بعد انقضائهما

- ‌ وقت رمي الجمار جمار أيام التشريق الثلاثة

- ‌ هل يجب الهدي على أهل مكة لمن أحرم منهم بالحج فقط

- ‌ فاته الركوع الثاني في صلاة الكسوف

- ‌ فضل هذه الكلمة:

- ‌ إعرابها وأركانها وشروطها:

- ‌ معنى هذه الكلمة ومقتضاها:

- ‌ متى ينفع الإنسان قول لا إله إلا الله

- ‌النسيان في القرآن

- ‌النسيان ظاهرة بشرية:

- ‌تناول القرآن لهذه الظاهرة الإنسانية:

- ‌النوع الأول: النسيان الحقيقي

- ‌ في صورة النفي:

- ‌ في صورة الدعاء أو الالتماس:

- ‌ أخبار قرآنية تتصل بالنسيان:

- ‌النوع الثاني: النسيان المقصود:

- ‌بواعث النسيان:

- ‌عقوبة النسيان

- ‌الذكر في القرآن

- ‌ صلة حديث الذكر بحديث النسيان

- ‌ألفاظ الذكر في القرآن وأوضاعها اللغوية والنحوية:

- ‌الذكر بمعنى الحديث:

- ‌الذكر بمعنى الشأن والشرف:

- ‌الذكر بمعنى الكتاب المنزل أو النبي المرسل:

- ‌ذكر الله

- ‌الذكر عبادة والعبادة ذكر:

- ‌ذكر اسم الله:

- ‌واذكر ربك:

- ‌الإعراض عن الذكر. . وآثاره وبواعثه

- ‌مصير الغافلين:

- ‌ منزلة الذاكرين:

- ‌التذكر والتذكير في القرآن

- ‌التذكير منهج لرسالات السماء:

- ‌ التذكر منطلق المسئولية:

- ‌بواعث التذكر

- ‌مصادر البحث:

- ‌«أنزل القرآن على سبعة أحرف

- ‌ السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف

- ‌مصادر البحث والتحقيق

- ‌ رواية أنس رضي الله

- ‌الإسناد وأهميته في نقد الحديث النبوي

- ‌ المحاولة للقضاء على الفتنة:

- ‌ أهمية الإسناد:

- ‌ الإسناد ركن من ركني الحديث:

- ‌ دور الرحلة في خدمة الإسناد:

- ‌ أثر الإسناد في نقد الحديث:

- ‌ استعمال الإسناد لرواية الكتب:

- ‌ الإسناد من اختصاص المسلمين:

- ‌ محمد بن عبد الوهابعبقري العصر وأستاذ الجيل

- ‌تمهيد:

- ‌عودة الجاهلية الأولى:

- ‌الجاهلية تعم المسلمين:

- ‌حياة الشيخ:

- ‌وفاة الشيخ:

- ‌آثار الشيخ العلمية:

- ‌الشيخ كان أسوة:

- ‌محمد بن مسلمة الأوسي الأنصاري

- ‌نسبه وأيامه الأولى:

- ‌قائد السرايا:

- ‌ سريته إلى كعب بن الأشرف

- ‌ سريته إلى القرطاء:

- ‌ سريته إلى ذي القصة:

- ‌مع الخلفاء الراشدين

- ‌ مع عثمان:

- ‌ اعتزال الفتنة الكبرى:

- ‌الإنسان:

- ‌القائد:

- ‌محمد بن مسلمة في التاريخ

- ‌لقاء مع الداعية البريطانيالمسلميوسف إسلام

- ‌متى ثبتت رؤية الهلالثبوتا شرعياوجب العمل بها ولم يجزأن تعارض بكسوف ولا غيره

- ‌حكم الحيوان المذبوح بالصعق الكهربائي

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌لقاء مع الداعية البريطانيالمسلميوسف إسلام

‌لقاء مع الداعية البريطاني

المسلم

يوسف إسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. . أما بعد:

فقد قال الله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (1){هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (2).

قام الداعية البريطاني المسلم يوسف إسلام بزيارة إلى إدارة المجلة. . فكان معه هذا اللقاء:

س: تحياتنا للأخ يوسف ونرجو من البداية أن تعطينا فكرة عن مبدأ دخولك في الإسلام، وما هو المؤثر الذي جذبك للإسلام؟ وما هو شعورك عندما اعتنقت الإسلام وبدأت تشعر أن المجتمع الذي تعيش فيه قد يناوئك؟

(1) سورة الصف الآية 8

(2)

سورة الصف الآية 9

ص: 301

كانت نقطة التحول الحاسمة في حياتي ودخولي الإسلام هي قراءتي نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم، أتت هذه القراءة بعد عملية تحضيرية وبحث استمر عدة سنوات كنت أنظر خلالها في الحياة، وأبحث ولا أجد جوابا شافيا لما يعتمل في نفسي ويدور بخلدي من تساؤلات، لم أتوصل إلى إجابة تروي غليلي وتريحني من إلحاح الأسئلة المتكاثرة التي كانت تعن لي دوما، ورحت أبحث في البوذية وغيرها من الأديان، وانتهيت إلى لا شيء، ولم يكن من علاج للضياع في كل ما اطلعت عليه في مختلف الأديان التي رحت أبحث عن العلاج والحصول على إجابة شافية من خلالها، وكنت قد نشأت في مجتمع نصراني، ولا أمارس أي اهتمام لا سيما بعد أن تركت الدراسة، كما أنني لم أمارس شيئا من طقوس البوذية كذلك، وأسفر كل ذلك البحث عن عدم القناعة وعدم الشعور بالارتياح، مع بقاء الأسئلة التي تلح علي دونما إجابة، كل ذلك في الوقت الذي أصبحت فيه في عالم الشهرة، وأصبحت يشار إلي بالبنان لبلوغي أوج شهرتي، وخبرت الناس وتمرست بالحياة، ونظرت إلى أهداف الناس في هذه الحياة، وكذلك هدفي أنا وطموحي فيها، ولكن لم يكن إلا مجرد الضياع والسراب والفراغ، وكنت أشعر أن الحياة قد أصبحت مجرد هيكل فارغ لا ينضوي تحته أي مضمون، وكانت النقطة الحاسمة ولحظة الإشراق والتنوير في نفسي عندما قرأت القرآن الكريم، ولأول مرة في حياتي بدأت أجد الإجابة على التساؤلات الملحة، بدأت أفهم من أنا وأعرف دوري في الحياة، وأعرف المطلوب مني وكيف أؤديه، وكيف ينبغي علي أن أسير في الحياة.

فكان الجواب الشافي الشامل لما يعتمل في النفس وما يتردد في الصدر من خلال قراءتي لكتاب الله العزيز ثم دخولي في الإسلام.

س: هل قرأت القرآن الكريم باللغة العربية؟ أو في الترجمة لمعانيه؟ قرأته مترجما، وكانت الترجمة ربما باسم " هاشم أمير علي " أو قريبا من هذا الاسم، وبعد ذلك قرأت ترجمة معانيه " لعبد الله يوسف علي " وعليها شروح وتعليقات، وكانت الأخيرة نقلة وخطوة مباركة إلى الأمام حيث كنت من خلالها أفهم ما أقرأ.

ص: 302

س: هل اعتنقت البوذية؟

لم أعتنق البوذية، ولم أمارس شيئا من طقوسها، إنما درستها واطلعت عليها فقط إبان بحثي عن هدف لنفسي في هذه الحياة.

س: والنصرانية، هل نبذتها؟

لقد نبذت التعاليم النصرانية، ولكنني كنت أشعر دائما وأعتقد بوجود قوة خفية تقودني وتوجهني وتهديني.

س: ما هي الصعوبات التي واجهتك والعقبات التي اعترضت طريقك لدى دخولك في الإسلام، ولدى حدوث النقلة من الوسط الفني والغنائي إلى رحاب الإسلام؟

لم تكن الصعوبات خارجية، من خارج نطاق نفسي، حيث كنت في موقع كبير، أستطيع أن أفعل ما أشاء دونما اعتراض من أحد، ولم يكن هناك من يملي علي أي شيء أو من يفرض علي شيئا معينا، ولم يخبرني أحد ماذا علي أن أفعل بالضبط، ولا يقيدني أحد بشيء، حيث لا مدير ولا رئيس.

ولكن الشيء الصعب، كان أمرا داخليا مع نفسي، حيث كان علي أن أتخلص من آلية الحياة في عالم الموسيقى وروتينيتها وما تفرض من ثقل! وأعباء ينبغي على المرء التخلص منها لما تمثله من عب ثقيل وشاق على النفس، وبالطبع لم تكن هذه عملية سهلة ولا هينة، ولكن هذه النقلة تمت بحمد الله تعالى، وكان ذلك بالتدريج، حتى تلاشت بالالتزام بالصلاة وترك المحرمات شرعا بمجرد أن يعلم المرء أن هذا الأمر أو ذاك منهي عنه شرعا، وتركت مجالس اللهو والشراب، وتوقفت عن الذهاب إلى الأماكن التي كنت قد اعتدت غشيانها قبل دخولي في الإسلام، وبترك تلك الأماكن واعتزالها كان من اليسير حدوث التغيرات المطلوبة، وانتهى اتصالي بالناس الذين اعتدت عليهم سابقا، وكنت أنتقل تدريجيا بفضل الله تعالى إلى عالم الإسلام الرحيب عن طريق البدائل والواجبات الإسلامية التي يتوجب علي أداؤها مثل المحافظة على الصلوات الخمس والاستعداد للجمعة والذهاب إليها، حدث كل هذا بالتدرج في المعرفة بهذا الدين وتقدمي في فهمه وفهم

ص: 303

متطلباته وتكاليفه التي أمرت بها كمسلم من جملة المكلفين، فكان في حياتي تناسق هادئ وترتيب محكم عرفت فيه من أنا وما هو دوري وعرفت الهدوء والسكينة والاطمئنان النفسي بحمد الله تعالى.

س: هل أنت مقيم في لندن نفسها أم خارجها؟

بالطبع أعيش في مدينة لندن، ولكنني أتنقل دائما، أما الإقامة ففي لندن.

س: وعن المراكز الإسلامية، هل كان لك اتصال بالمراكز الإسلامية في لندن أو خارجها؟

كنت على معرفة وحسن صلة بالمراكز الإسلامية سواء في ذلك لندن ومانشستر وبرمنجهام، ولنا حلقة أسبوعية نحضرها كل يوم سبت في المركز الإسلامي بلندن ونواظب عليها منذ خمس سنوات.

ص: 304

س: هل كنت تفكر في الإسلام أو تعرف عنه شيئا قبل الدخول فيه؟

لم يكن عندي علم بهذا الدين، ولم أكن أعرف عن الإسلام شيئا مطلقا، ولم يخبرني أي إنسان شيئا عن الإسلام البتة، ولم أعرف من أحد بأن هذا دين يمثل عقيدة إيمانية بالله أو أنه منهج حياة ينظم حياة الإنسان لكسب الدنيا والآخرة معا، ولكن الحمد لله تعالى أن عرفت ذلك من خلال بحثي واطلاعي، لا سيما من النسخة التي أعطاني إياها أخي " ترجمة معاني القرآن الكريم " ولم يكن أخي قد أسلم بعد، ومن هنا نتبين تقصير الدعاة المسلمين في عرض هذا الدين، وقلة أو عدم اهتمامهم بنشره، فأنا عرفت الإسلام بجهدي الذاتي، والذي أعطاني ما أعرف الإسلام من خلاله وهو " ترجمة معاني القرآن الكريم " كان غير مسلم في ذلك الوقت، فأين جهود الدعاة؟ وأين الحرص على تبليغ الدعوة الإسلامية ونشر الإسلام بين المتعطشين له والباحثين عن الهداية الإلهية في هذا المنهج الرباني؟

إن كل ما كنت أعرفه عن الإسلام فكرة مجردة مؤداها أن الإسلام مجرد شيء يتعلق بأمة أو بمجموعة معينة من البشر، أو يتعلق بجنسية أو قومية معينة مثل العرب أو الباكستانيين، ولا علاقة له بحقيقة إيمانية أو عقيدة في الله، ولم تكن رسالة الإسلام

ص: 304

معروفة لي، فلما عرفتها لم أتردد في قبول الحق الذي جاءت به، ولا أظن أن الحال سيختلف إذا ما عرض هذا الدين عرضا صافيا نقيا أمينا لأهل الأرض، لا شك أنهم سيدخلون في الإسلام قاطبة، إن الذي أقوله من معرفتي أو جهلي " على الصحيح " بالإسلام قبل الدخول فيه هو نفس ما يعرفه سائر الناس من غير المسلمين عن الإسلام، إذ أن ذلك هو ما تبثه أجهزة الإعلام وتعمل على ترسيخه في أذهان الناس فيما يتعلق بالإسلام، وهو نفس الشيء الذي ترسخه الكتب والمناهج التعليمية في عقول الناس حول الإسلام وخصوصيته لقوم معينين محدودين لا يجاوزهم إلى غيرهم، فأين دعاة الإسلام؟ ولم نر الميدان خاليا من المخلصين الذين يعرضون الصورة الرائقة الواضحة للإسلام الصحيح؟ لماذا تخلو الساحة من هؤلاء المخلصين؟

وإلى متى يبقى الإسلام كالكلأ المباح، يعدو عليه فقط من يسعون لصد الناس عن سبيل الله وتنفير الناس منه حتى لا يدخلوا فيه.

س: ما هو حظك من التعليم؟

التعليم العادي، تركت الدراسة في سن السادسة عشرة " المرحلة الثانوية " ولم أدخل الجامعة، وما جدوى دخول الجامعة مع ما كنت وصلت إليه من قمة الشهرة التي لا مزيد عليها ويتمناها أكثر الناس طموحا؟ لقد كنت في معترك الحياة، وكان لأبي " مطعم " فكنت أعمل معه في المطعم، وأمارس هواياتي الفنية حيث كان طموحي أن أصبح موسيقيا كبيرا في عالم الفن والشهرة، فكنت أعمل مع أبي في المطعم للحصول على المال اللازم لشراء الآلات الموسيقية التي تساعدني على تحقيق هدفي الذي كنت أسعى لتحقيقه.

س: متى دخلت في الإسلام؟

دخلت في الإسلام عام 1977 منذ نيف وسبع سنين، وبعدها دخل أخي في الإسلام، بعد أن كان هو السبب في دخولي الإسلام بعد أن أهداني نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم، دخل هو في الإسلام بعدي، ولكنني أراه غير ملتزم بالإسلام التزاما كاملا رغم ما ألمسه فيه من خير.

كذلك نطق والدي بالشهادتين قبل أن يموت بيوم واحد.

ص: 305

وأما أمي فنحن نزورها وتزورنا باستمرار حيث تسكن إلى جوارنا ولا يفصل بينها وبيننا سوى أربعة بيوت، ونجتمع معها " الأسرة كلها زوجتي وبناتي " وهي تصلي معنا وتعتقد بوحدانية الله، وأنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإن لم تصرح باعتناقها الإسلام ودخولها فيه صراحة للآن.

س: متى تزوجت؟ وهل أنجبت؟

تزوجت بعد أن أسلمت، ورزقني الله ثلاث بنات هن حسنة وأسماء وميمنة وتبلغ كبراهن من العمر أربع سنوات ونصف.

س: دعوى الإعلام الغربي بأن الإسلام يتعلق بأمة معينة من الناس، ما منشؤها؟ وما هو مصدر هذا الزعم؟

يرجع هذا بالدرجة الأولى إلى قلة الدعاة، وعدم القيام بحق الدعوة. . ومن ثم فلا كابح لهؤلاء، وليس هناك من يردعهم ولا من يمنع مزاعمهم الباطلة ضد الإسلام، فهم في الميدان ولا دعاة، ولا معرفة بالدعوة ولا تعريف بها، ليس هناك من يجلي هذه الشبهات وقد خلا لهم الجو، فهؤلاء أشبه بحيوان جامح يصول ويجول حيث شاء وقد غاب من يقيد هذا الحيوان الهائج ويلزمه مكانا معينا، وماذا تظن والحال هذه ولا جهود للدعاة، بل وربما لا وجود لهم بالكلية، لا يوجد من يعلم الناس الدين الحق ولا من يعرفهم بالإسلام الصحيح وبطبقه بينهم ولا حتى في المراكز الإسلامية، وللصراحة، فإنه لا يزيد الأمر في المراكز الإسلامية على مجرد إعداد أماكن خاصة للصلاة وتجهيزها، وشتان بين هذا الوضع الذي نعيشه الآن، وما كانت عليه الأمور في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كانت الدعوة إلى الله وتعريف الناس بالإسلام ومحاولة هداية الناس وكسب أنصار للإسلام، وإدخال جدد فيه هي دأب الدعاة ومجال اهتمامهم الأكبر، إن ما نراه الآن يرجع إلى تقصير المسلمين في عرض هذا الدين وعدم اهتمامهم بالتعريف به ولا يقوم في الأوساط الغربية من يجلي الشبهات والأراجيف التي يبثها أعداء الإسلام من وقت لآخر، لقد قصرنا كثيرا في واجبنا نحو دين الله وكأننا زهدنا فيما عند الله، كل ذلك أدى إلى ترسيخ هذه المزاعم لخلو الجو لمن يبثها.

ص: 306

س: يقوم المسئولون عن الأمن ورجال الشرطة في أمريكا بدعوة المسلمين للقيام بالدعوة وتوجيه النصائح داخل السجون، هل تلمس ذلك في إنجلترا؟

قد تكون نفس الصورة موجودة في إنجلترا، ولكن مع الفارق حيث ترتفع معدلات الجريمة في أمريكا، بينما تقل معدلاتها في إنجلترا مما يجعل الصورة أقل وضوحا وإن وجدت على كل حال فهي ليست بنفس الدرجة.

ويذهب بعض الدعاة المسلمون إلى السجون للوعظ والإرشاد وتبشير الناس بالإسلام ويرحب بهم المسئولون ويسمحون لهم.

وأحد الذين يقومون بالدعوة إلى الله داخل السجون معروف لدينا ويحضر حلقتنا الأسبوعية في المركز الإسلامي ويأتينا دائما بزاد جديد للدعوة، وفي كل مرة، في كل أسبوع يأتي ببعض الذين أسلموا على يديه وببركة الله ثم ببركة دعوته.

وتوجد جهود للدعوة، ولكنها جهود مبعثرة لا ضابط بينها ولا تنسيق إنما هي جهود فردية، أو جهود جماعية لا تزال بحاجة إلى أن يتم التوحيد بينها ويوجد التعاون والتنسيق لتؤتي ثمارها، إذ لا توجد منظمة أو هيئة وحيدة تعمل على رفع شأن المسلمين في إنجلترا والارتقاء بهم.

ص: 307

س: ما الذي يتخذ تجاه المسلمين الجدد؟ من يتولاهم ويقوم على رعايتهم؟ كيف يوجهون؟ وما الذي اتبع معك عندما دخلت في الإسلام؟

القليل، والقليل جدا، وربما لاشيء، ما لم يكن اعتناق الشخص للإسلام عن طريق بعض الأسر المسلمة، فإنه لا يتخذ معه إجراء إيجابي، وعندما يكون إسلام شخص ما عن طريق بعض الأسر المسلمة، فهي التي تتولاه وتقوم على رعايته إسلاميا، أما من يسلم عن طريق اطلاعه ومعرفته بالإسلام عن طريق الكتب والنشرات وما إلى ذلك، فهذا لا يشعر به أحد ولا يرعاه أحد ولا يقوم أحد بتقوية معرفته بالإسلام ومحاولة تثبيته على الإسلام ورفع معنوياته، ونحن نقوم بلقاءات مستمرة في المسجد للتعريف بالإسلام وتطبيقه، ولكنه عمل قليل جدا يمثل صرخة في واد سحيق، ولا يتناسب ما نقوم به في هذا السبيل مع عدد الداخلين في الإسلام وإقبالهم الطيب على معرفة دينهم ورغبتهم في تطبيق الإسلام والتدريب عليه حتى

ص: 307

يتمرسوا به ويصير سهلا عليهم القيام بمتطلبات هذا الدين، فهم في حاجة إلى نموذج يحذون حذوه وينسجون على منواله، وقلما يجدونه، فالمسلمون الجدد يريدون أن يتعلموا مبادئ الإسلام حتى لا يبقى إسلامهم مجرد نطق لفظي بالشهادتين فقط، ومع ذلك فلا مكان لهم ولا يوجد من يعلمهم العربية ولا الإسلام ولذلك فنحن نحاول بالقدر المستطاع وعن طريق لقاءاتنا في المركز الإسلامي، نحاول الارتقاء بالدعوة ونبحث في سبل النهوض بالإسلام وتلافي أسباب العجز والقصور ونحاول تعريف المسلمين بدينهم وتثبيتهم عليه وتعليمهم ما ينبغي عليهم كمسلمين، ولكنها تبقى محاولات، ولمن نترك هذه المحاولات، فإنها أقصى ما نستطيعه، وهي تكليفنا، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها، أما الذي اتبع معي عندما دخلت في الإسلام فبكل صراحة، لم يفعل معي أي شيء إيجابي، بل أنا الذي كنت أسعى لمعرفة ما يتوجب علي، ولم يبادر أحد لإرشادي وتوجيهي في بداية خطوي في هذا الدين العظيم.

ونحن نحاول توسيع دائرة أنشطتنا للحفاظ على الداخلي في الإسلام وتثبيتهم والارتقاء بهم.

ولا أدري لم يتقاعس أهل الحق عن مساعدة من دخل الإسلام، دين الله الحق، وكأني بهم قد استغنوا عما عند الله وما أعده لهم، بينما يسارع أهل الباطل بكل ما وسعهم ويبادرون لنصرة من دخل في باطلهم لتثبيته على الباطل، وأساليبهم في ذلك واضحة لكل ذي عينين ومن كان له قلب، وانظر مثلا إلى جهود التبشير والمبشرين، حتى المستقلين عن الكنيسة وغير المرتبطين بها، ما هو موقفهم عندما يدخل إنسان في النصرانية، أو حتى قبل دخوله، وبمجرد أن يروا منه أنه يحبذ النصرانية أو يفكر في الاطلاع عليها أو التأثر بها، إنها لمسألة خطيرة إذا أنعمنا فيها النظر وأمعناه يصعق الإنسان من هول نتيجة المقارنة بين موقف أهل الباطل وموقف أهل الحق، كل في تأييد الداخلين في منهجهم.

حتى بالنسبة للزكاة، لا يحصل المسلمون الجدد على شيء منها، الكثير من المسلمين يؤدون زكاة أموالهم، ولكنهم يرسلونها خارج إنجلترا، في الوقت الذي يوجد فيه إخوانهم المسلمون في الداخل، من حولهم في حاجة شديدة إلى هذه الأموال،

ص: 308

ولا سيما المسلمين حديثي العهد بالإسلام، فهم في أمس الحاجة إلى هذه الزكاة حيث يواجهون صعوبات مالية بعد دخولهم في الإسلام.

إن هؤلاء الداخلين في الإسلام قوم صدقوا الله، وعندما يطلب من أحدهم ترك مصادر كسبه التي كان يتكسب منها قبل اعتناق الإسلام، عندما يطلب منه ذلك لأنه حرام شرعا ولا يجوز له الاستمرار في هذا النوع من الكسب الخبيث والمحرم في الإسلام، يتركه لله عز وجل، فيكون قد ترك الحرام، وهو كل كسبه، ويصبح في حاجة إلى مساعدة المسلمين له، ولكن يقف المسلمين منه موقف المتفرج، وهو صاحب حق في أموالهم بما شرع الله وفرض عليهم من زكاة المال، ولكنهم يخرجونها كما قلت خارج إنجلترا.

أفلا يجدر بنا أن نؤدي زكاة أموالنا إليهم لنهيئ لهم بعض الاستقرار بعد الدخول في الإسلام، أفرأيت كيف أن الداخلين في الإسلام لا يفعل معهم شيء إيجابي، بل الواجب علينا لا نفعله تجاههم.

إن هؤلاء المسلمين عندما يدخلون في الإسلام يضحون، ويفقدون أشياء كثيرة ويتنازلون عن أنواع من الكسب والثروات، ويرونها لاشيء لأنهم ينتقلون من الكفر إلى الإسلام، ويخرجون من الظلمات إلى النور، فلا نريد أن يفقدوا الأمان مع ما يفقدون، وإن كان هذا المقياس مقياسنا نحن أمامهم، فلا يعدلون بنعمة الإسلام شيئا ألبتة، أقول هذا لأنني واحد من هؤلاء، وقد مررت بتلك التجربة، رغم أنني عندي الأموال الكثيرة والحمد لله.

س: كيف تصرفت في أموالك بعد اعتناق الإسلام؟

قمت بتحويل حساباتي في البنوك إلى الحلال بعد أن جردتها من الربا المحرم، ولازلت أعيش على الأموال والثروة الطائلة التي كونتها قبل دخولي في الإسلام، ولذلك فإنني ثري جدا والحمد لله تعالى، وعندي ما يكفيني وأسرتي لأكثر من عشرين سنة قادمة إن شاء الله تعالى، وأسأل الله من فضله، رغم هذه الحالة الطيبة جدا جدا وأستعمل هذه الأموال وأنفق منها في سبيل الله، في إنشاء المدارس وبرامج التدريب ومساعدة المسلمين بأساليب مختلفة متنوعة.

ص: 309

أما عن أرباح حساباتي في البنوك، فإنها ربا لا آكله، كيف وهو حرام حرمه الله تعالى، وكذلك لا أترك هذه الأرباح للبنك، بل أوظفها لخدمة المسلمين ورعاية بعض المصالح الإسلامية بدلا من تركها للبنك يزداد به رباه وينتفع بها ضد المسلمين.

س: هل لك وظيفة معينة تقوم بها الآن؟

لا، ليست لدي وظيفة بمفهوم كلمة وظيفة، إنما أقوم بواجب الدعوة إلى الله وأقوم بالتربية والتعليم لوجه الله تعالى.

ولقد قمنا بتأسيس مدرسة بحمد الله تعالى " ابتدائية " ونسعى لتطويرها، وهذا هو سبب وجودي في " المملكة " الآن، للحصول على مساعدة لأنني بصدد إنشاء مدرسة ثانوية للبنات.

س: لماذا مدرسة ثانوية للبنات، وليست للبنين، في هذه الفترة؟

من الطبيعي أن الأمور تخضع للأولويات، فكانت الأولوية هنا للبنات لأنهن يتطلبن عناية خاصة، لأنهن في حاجة إلى نوع خاص من التربية، ونريد أن نحصنهن ضد شرور الاختلاط ومفاسده، إن البنات بحاجة إلى أن يكن معزولات عن التيارات المنحرفة والأخلاقيات المنحلة، ونريد لهن السلامة حيث إنهن أمهات المستقبل ومربيات الجيل القادم، فينبغي النظر إليهن من هذا المنظور، والعملية مهمة جدا لأنها تتعلق بأمهات المستقبل، أعني جيل المستقبل، الجيل المسلم الذي نريده متميزا محصنا أخلاقيا، ولن نحصل عليه إلا بأمهات تتم تنشئتهن تنشئة إسلامية، والإسلام يرفض الاختلاط، ولخطورة وضع البنت بدأنا بمدرسة للبنات، وعندما تكون لدينا الإمكانات فلن نترك الحبل على غاربه بالنسبة للبنين أيضا، ولكنها كما قلت مسألة أولويات فبدأنا بالأهم قبل المهم.

ص: 310

س: ما هو شعورك النفسي بعد اعتناق الإسلام؟

كل شيء طيب والحمد لله وحده، لا أجد إلا كل الاطمئنان والهدوء النفسي والسكينة الروحية.

ص: 310

الحياة في ظل الإسلام بشموله هادئة مستقرة راضية لا يعرف فيها ضيق ولا إزعاج إنني باستلهام القرآن والسنة والانطلاق بهما بقدر ما أستطيع لا أشعر إلا بكل الهدوء والسكينة والاطمئنان في كل أمور حياتي.

وما هو ظنك بإنسان يقرأ قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (1) ويحاول تطبيق ذلك في حياته ويعلم أنه على دين ومنهج شامل متكامل لا بد أن يرث الأرض كلها ولا يكون سواه، لا بد وأنه سيبادر إلى إعمال هذه الآية وإظهارها واقعا معاشا، فينبغي على من يقرأها أن يتعلم ما يوجبه الله عليه ويطبقه إعلاء لدينه الذي وعد الله بإظهاره وظهوره على الدين كله، ينبغي علينا أن نتمحص لهذا الدين لأنه هو الذي سيعم، وهو الحق فلم لا نسارع ونسابق في الاهتداء به في الصغيرة والكبيرة من أمرنا، وعندما يأخذ المرء نفسه بذلك، فهو على الحق دائما، مهتديا بالكتاب والسنة في كل أموره، هذا ما أفهمه أنا وأحاول تطبيقه انطلاقا من هذه الآية، ومادمت كذلك، فلا تناقض، ولاشيء من القلق أو الاضطراب، بل كل ما هنالك هدوء وسكينة واطمئنان وتناسق تام. هذا تجده عندما يهتدي الإنسان بهذا الدين في جملة أموره، صغيرها وكبيرها، دقها، وجلها، وفي مقابل ذلك، خذ حياة العلماء " علماء المادة والعلوم العصرية " ومعهم الفلاسفة، أولئك الذين لا ينطلقون من منطلق الإيمان بالله وبرسالة محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، تراهم في ضلال ودائما في تناقض وشك وحيرة، القلق دائما معهم، كل يوم يغيرون ما كانوا عليه في أمسهم الدابر، تراهم يسيرون بمبادئ " زعموا " يغيرونها كما يغير أحدهم ثيابه أو أسرع، يصرح اليوم بأشياء ينفيها غدا، وينفي اليوم أشياء أثبتها بالأمس، يعتقد اليوم شيئا وينقضه غدا، حياتهم حيرة، قلق، اضطراب، تردد وتخبط دائم، لا يعرفون الاستقرار ولا الهدوء ولا السكينة وهكذا تدور بهم الحياة وهم في خوض يلعبون دون أن يعرفوا للهدوء أو للسكينة معنى وهذا شيء مما عرض لي قبل الدخول في الإسلام، وما أعظم الفرق بينه وبين ما أنا عليه الآن من الهدوء والسكينة في ظل المنهج الرباني المتكامل، الذي لو كان من عند غير الله لوجدت فيه اختلافا كثيرا.

(1) سورة التوبة الآية 33

ص: 311

س: ما هو الفرق الجوهري الذي لمسته بين النصرانية والإسلام؟

في الإسلام تجد مشيئة الله وقدرته ظاهرة، فكل شيء يسير بأمر الله، والإسلام هو الذي يعطيك هذا التفسير، وترى في ظل الإسلام انتظام حركة الكون ومسيرة الكائنات والأفلاك والأجرام السماوية وكل ما على الأرض، تراه من صنع الله تعالى ووفق مشيئته، وليس لك أن تعرف ذلك، ولا سبيل إليه إلا عن طريق الإسلام، نعم هناك قوى إلهية ونظام محكم، ويسخر كل شيء وفقا لهذه القوى وذلك النظام، فلا تغير ولا تبديل، أعني أنك ترى عمل الله في الكون، وترى الكون كله منتظما بأمر الله، لا شذوذ ولا اختلاف ولا اضطراب، وإنما ذلك من آيات الله، ولا يعرف ذلك إلا المسلمون، فتجد في الإسلام تفسير ذلك وكل شيء يسير وفق تدبر علوي محكم يفسره لك الإسلام.

بينما في ظل النصرانية لا تجد شيئا من ذلك ألبتة، رغم أن الكون وما فيه، كل شيء في هذا الكون مشاهد بالنسبة للمسلمين والنصارى، ولكن الدين الإسلامي يعطيك الجواب عن كل شيء، بينما لا تجد شيئا من ذلك في النصرانية ألبتة، ليس في النصرانية ما يفسر لك لماذا يتم هذا الشيء بتلك الطريقة، لا تجد تفسيرا لشيء عندهم، كل يعطيك شيئا من عند نفسه يتعارض مع ما تسمعه من غيره، بل يعطيك اليوم شيئا لتفسير مسألة ما، ويعطيك، هو نفسه، غدا شيئا آخر لتفسير نفس المسألة، وكأن المسألة عندهم لا تعني إلا مجرد خبط عشوائي لا ضابط له ولا رابط. فالإسلام يعطيك جوابا شافيا عن كل سؤال يعن في نفسك أو يلوح لك في الأفق، بل الجواب موجود قبل أن تفكر أنت في السؤال أو قبل أن يدخل ذلك الشيء في دائرة حسك وإدراكك، الإسلام يدلك على كل شيء بينما النصرانية تضلك، ولا تعطيك تفسيرا صحيحا ولا تدلك على حكمة الله وعظيم صنعه في الكون والخلق والخليقة وحسبك بهذا من فرف جوهري يلمسه المرء بنفسه.

س: ما هو الفرق الذي تشعر به بين حياتك قبل اعتناق الإسلام وبعده؟

حياتي الآن واضحة هادئة مستقرة، أعلم كل شيء فيها، وأعرف كل أموري وكيف تسير حياتي وبعد دخولي في الإسلام، فإنني أشبه شيء بإنسان خرج من الظلام

ص: 312

وأصبح في النور فأنا في النور أعرف نفسي ومن أنا وما هي غايتي وغير ذلك، أما قبل الإسلام فلقد قلت لك، كنت في الظلام ولا أعرف شيئا مما كان في ذلك الظلام، كمن طلب إليه أن يصف محتويات غرفة دخلها وهي حالكة الظلام ثم خرج منها، فهذا مثلي لا أعرف شيئا ولم أر شيئا لأصفه، بل لأكثر من ذلك، إنني فعلا ولدت من جديد بعد اعتناق الإسلام، ويوم دخولي في الإسلام هو يوم مولدي على الصحيح، فأنا لا أعرف كيف كنت قبل أن أولد، أما الآن فالحمد لله أعرف من أنا وماذا يجب علي وكيف تسير الأمور، بل كيف يجب أن تسير، وأفعل كل شيء لهدف ولأن هذا الشيء مطلوب مني لأنه مرضي عنه من الله عز وجل.

س: هل كان لك اتصال بالكنيسة أو ببعض القساوسة قبل اعتناق الإسلام؟

لم تكن لي أي علاقة بالكنيسة ولا بالقساوسة على الإطلاق، وفي بعض الأوقات كان يطرق بابي بعض النصارى " المبشرين " ويدعوني إلى النصرانية، ولم تكن دعوتهم تهمني في قليل أو كثير حيث لم أكن مهتما بالنصرانية، فكنت أصرفهم حيث لا حاجة لي بهم ولم يكن عندي ما أسألهم عنه، ولم يكن هناك ما ألتقي معهم عليه، فكانوا ينصرفون دون أن أسمع منهم شيئا وكانوا يحاولون المرة تلو المرة أن يدعوني، تماما كما يفعلون مع غيري إذ أنهم يتمتعون بنسبة كبيرة من النشاط والمثابرة في الدعوة إلى النصرانية، ويحرصون على مواصلة جهودهم التبشيرية بشغف.

ص: 313

س: هل كان هؤلاء الشباب النصارى ينطلقون للدعوة إلى النصرانية مدفوعين من الكنيسة أو من تلقاء أنفسهم؟

أظنه كان عملا فرديا خاصا بشباب أو مجموعات شبابية تدعو للنصرانية دون أن يكون لها علاقة بالكنيسة، إنما هم شباب آمنوا بفكرة ثم قاموا يدعون إليها بجد.

س: هل انتفع المسلمون من أموالك التي توفرت لديك قبل اعتناق الإسلام؟

كان لي مساهمات كثيرة وسخية بحمد الله تعالى في بناء المساجد ومعظمها في مدن بريطانية مثل لندن وجلوستر وجلاسجو وويلز ومانشستر، وقد كانت مساهمتي في مسجد جلوستر بحوالي أربعين ألف جنيه على ما أذكر، ولكنني بدأت أفكر في أمر أهم

ص: 313

وجدير بأن تنفق الأموال فيه، ألا وهو مجال التعليم، حاولت رصد أكبر قدر من المال لأغراض التعليم وتأسيس المدارس، حيث كنا ندفع الأموال والمردود قليل من الناحية الإسلامية، لا يعدو الأمر أكثر من مجرد تهيئة مكان ملائم للصلاة، ففكرت في ذلك المجال الأهم في واقع الناس واعتراني القلق للنتائج التي توصلنا إليها بعد إنفاق تلك الأموال الطائلة، إذ لم يكن هناك شيء ملموس، فكان مجال التعليم أجدر وأحرى فاشتريت لذلك الشيء الأهم مبنى لنقيم عليه المدرسة.

وإنني مستمر في المساعدة في بناء المساجد ولكن المساعدة في مجال التعليم أكثر منها في مجال بناء المساجد، وأصبحت الآن بحاجة إلى من يساعدني في مشروعنا الذي نقبل عليه لنتمكن من إنجازه، حيث إننا في حاجة إلى مزيد من النمو والتوسع.

هذه هي قصة أموالي التي كسبتها، وينبغي أن أذكر لك أنه يجب علي أن أدفع نسبة كبيرة للضرائب، تصل إلى 60 % كما هو الحال في إنجلترا.

وهكذا ترى أن معظم أموالي أنفقها في سبيل الله وابتغاء مرضاته في مجال التعليم الإسلامي، وبناء المساجد، وكذلك الصدقات ونصيب المحتاجين عسى الله أن يتقبلها.

س: ما هو العمل الذي تقوم به حفاظا على دخلك وأموالك؟

إن دخلي ثابت ومضمون إن شاء الله تعالى لمدة تزيد على عشرين عاما، ولا أشعر بالحاجة للعمل للحصول على المال، حيث عندي الكفاية والحمد لله تعالى، بل وعندي الكفاية من دخلي الآن للقيام ببعض المشاريع الصغيرة والمحدودة والاستمرار في إنشاء المدارس بالدرجة التي هي عليها الآن، وعندما دخلت في الإسلام فكرت في القيام بعمل ما، ولكنني وجدت أن ذلك يستنزف الكثير من وقتي، بل وقتي كله. وفكرت في أنني إذا ما استمررت في العمل للحصول على مزيد من المال، أو الاستمرار في إنفاق الأموال وإنفاق الوقت مستعملا أموالي بتوظيفها في سبيل الله حيث ينبغي أن تكون، ويكون الإنسان مسئولا عن أعماله ومباشرا لها وكذلك أمواله، ففكرت في أنني أعطي أموالي ليعمل فيها ويستثمرها بالتشغيل والقيام عليها، ووصلت إلى أن الوقت أغلى من المال بكثير وقررت التفرغ للدعوة إذ أن ذلك أفضل بكثير.

ص: 314

س: ألا تفكر في تشغيل بعض أموالك في بعض المشاريع الصغيرة وتعهد بذلك إلى بعض المسلمين الأمناء لتنمية مواردك؟

أفكر في هذا النوع من المشاريع، فمثلا أفكر جديا في تصنيع الأشرطة " أشرطة التسجيل والفيديو " ولدي أحد المتخصصين في هذا المجال، وكذلك نعمل على إعداد محل لبيع الأشرطة المسجلة، ولدي الآن فعلا " إستديو " للأشرطة، ولكن ليس لدي الوقت للتفرغ له أو التركيز عليه، وقد فكرت في هذا النوع من العمل لتخلف المسلمين وتأخرهم، وهذا مجال قد ينفع ولا يحتاج لخبرة كبيرة، وإن كانت معرفتي في هذا المجال جيدة ومن هنا أنشأت هذا " الإستديو " ولا وقت عندي حاليا لأصرفه فيه حيث يشغلني ما هو أهم من ذلك، وهو العمل في الدعوة ومجال التعليم والقيام على أمور المدرسة، وإنني بصدد البحث عن شخص أمين وعلى خبرة للقيام بهذا العمل لعدم تفرغي له.

وعندما يحين الوقت سنبدأ في العمل إن شاء الله تعالى ونسعى في تنمية مواردنا المالية بما يعود على الدعوة بخير إن شاء الله تعالى، ولسوف يكون مجالنا إنتاج الأشرطة والكتب والفيديو، ولعلنا نركز على أشرطة التسجيل أكثر من غيرها عندما يأخذ العمل صورته النهائية وسيري المسلمون خيرا إن شاء الله تعالى، ولكن نحن نعطي الأمور الأساسية الأولوية على ما سواها وكل شيء يأتي في ترتيبه الطبيعي من قائمة الأولويات كما هو معلوم.

س: كم عمرك الآن؟

بعد أن أسلمت عملت حسابات وفوارق التقويم الهجري من التقويم الميلادي واتضح لي أنني ولدت في شهر رمضان عام 1367 هـ أي أن عمري الآن حوالي 38 سنة.

س: هل هناك مشكلات تواجه المسلمين في إنجلترا فيما يتعلق بتزويج بناتهم؟

في الحقيقة توجد مشكلات متعلقة بهذا الأمر، وهذا ما يجعلني مهتما بإنشاء المدارس لا سيما ما كان منها خاصا بالبنات، حيث إن أخطر المشكلات التي تواجهنا تتعلق بالبنات حيث التعليم المختلط، والجهود الآن في بريطانيا تدور على قدم وساق لجعل

ص: 315

التعليم كله بلا استثناء تعليما مختلطا مما جعلنا في قلق حول مستقبل المسلمين عموما، والبنات بصفة خاصة. كيف تتصور الأمور مع اختلاط الذكور بالإناث لا سيما في سن المراهقة، ذلك السن الخطير، والأخطر من ذلك أن الكثير من الفتيات يحملن ويلدن على الرغم من كونهن غير متزوجات، وقد حدث نفس الشيء بالنسبة لبعض الفتيات المسلمات.

وهناك قانون في بريطانيا يعمل به الآن يخول للبنات اللواتي لم يبلغن سن الرشد " القاصرات " ويعطيهن الحق في عدم إخبار الوالدين بالحمل والمضي به رغم أنهن غير متزوجات، وفي نفس الوقت قاصرات، تمضي بالحمل رغم أنف الوالدين وفي كثير من الحالات دون علم الوالدين، ويعطيهن القانون أيضا الحق في أخذ حبوب منع الحمل أو حبوب للإجهاض أو القيام بإجراء عملية الإجهاض والتخلص من الجنين، كل ذلك دون علم الوالدين، وإذا علم الوالدان، فلا يستطيعان التدخل، فالقانون يحمي البنات، وقد فعلت ذلك بعض المسلمات للأسف، بل إن بعضهن يحاولن الانتحار عند استفحال الأمر، بالطبع هذه حالات موجودة، ولكنها نادرة بالنسبة للفتيات المسلمات وليست سمة عامة، ولكنها موجودة على أي حال.

مشكلة أخرى تتلخص في أن الزواج يتم عن طريق العائلات، الأسر المسلمة هي التي تتولى التزويج، ويتم التزاوج بين المسلمين على أساس البلاد التي أتوا منها، فالباكستانيون لا يتزوجون إلا من الباكستانيات، وكذلك البنغاليون لا يتزوجون إلا من البنغاليات، وهكذا بالنسبة لسائر الجنسيات، وهذا يوجد مشكلة بالنسبة للمسلمات الجدد أو المسلمات اللواتي لا يوجد ذكور مسلمون من بني جنسهن، أعني أوطانهن، وقد يحدث مع هذا التفلت نوع من عدم الانضباط، وقد تضطر المرأة المسلمة للقبول بأي رجل كزوج لها بغض النظر عن دينه أو التزامه، وهذه من جملة المشكلات التي نواجه بها في مجتمعنا " بريطانيا ".

ومما لا شك فيه أن وجود التعليم الإسلامي سيخرج لنا نخبة من أمهات المستقبل، ولكن لا نتصور كيف سيكون الوضع عند تخرج الفتيات من مدارسنا، ولكن الأمر المهم هو توفير التعليم المناسب للمرأة عندنا لننتشلها من براثن الفتن وشرور الاختلاط وعواقبه المدمرة، ولنتلافى المفاسد التي نراها الآن من الوقوع في الرذيلة والحمل بدون

ص: 316

زواج أو الإقدام على الانتحار للتخلص من آثار الجريمة، أو الإقبال على جريمة الإجهاض وقتل النفس، أو خطر وجود أبناء غير شرعيين، أو ارتباط المسلمة بزوج لا يصلح لها أو الدخول في زواج محرم شرعا إلى مفاسد أخرى في قائمة المحرمات والمحظورات الشرعية لا حد لها.

كل هذا يدعونا إلى التفكير الجدي في حل مشكلة الفتيات المسلمات عندنا بإيجاد التعليم المناسب لهن سدا لأبواب الفتن المتلاطمة، وهو عندنا في قائمة الأولويات في مركز الصدارة حتى نتمكن من إعداد أمهات المستقبل ليقمن على تربية أجيال المستقبل وتنشئتها تنشئة إسلامية، ولا أتصور إعداد جيل مسلم صالح بدون أمهات مسلمات مستقيمات على أمر الله تعالى.

س: ما هي وصيتك لإخوانك المسلمين؟

أهم ما أوصي به إخواني المسلمين هو ما قرأته في الكتاب العزيز ومضمونه أن الإسلام منهج شامل متكامل للحياة، فينبغي علينا أن نعيش الإسلام وأن نقيم منهجه في صدورنا، فننطلق على أسس إسلامية في الصغيرة والكبيرة من أمرنا، هذا ما أوصي به إخواني المسلمين أن تصطبغ حياتهم كلها بالإسلام كمنهج رباني متكامل للحياة، وليس في جانب الأقوال دون الأفعال والله يقول:{خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1) فليقبل المسلمون لينهلوا من هذا المنهج الثري السخي، ففيه كل شيء يريده الناس قاطبة، وليعلم إخواني المسلمون أن الناس، كل الناس متعطشون للمعرفة وعندهم جوع روحي شديد، وبأيدينا المنهج الرباني الذي لهم فيه، أعني لكل الناس الري والشبع الذي يحتاجه كل الناس، أوصي إخواني المسلمين بتطبيق الإسلام تطبيقا كاملا في كافة أمورهم وألا تتناقض عندنا الأقوال مع الأفعال، وعندها سيكون كل منا قدوة لغيره.

إنني أعجب حين أرى الكثيرين من غير المسلمين، حتى في المملكة العربية السعودية، نراهم غير معتنى بهم وليست لهم برامج خاصة لرعايتهم وتعريفهم

(1) سورة البقرة الآية 63

ص: 317

بالإسلام، وإن وجدنا بعض الجهود، فهي جهود مباركة ولكنها تبقى جهودا فردية يعتريها التقصير وعدم المتابعة على كل حال، ولا أفهم لماذا يقف الأمر عند هذا الحد، ولعله يتم تدارك هذا النقص إن شاء الله تعالى.

ونصيحة أخرى إلى إخواني المسلمين، أدعوهم إذا سافروا في رحلات خارجية أن يتمسكوا بالآداب والأخلاق الإسلامية في السلوك والتصرفات والمعاملات واللباس وكل ما هو إسلامي، أدعوهم أن يحتفظوا بشخصيتهم الإسلامية الفريدة، وألا يسارعوا بتغيير ثيابهم الإسلامية ويستبدلون بها أزياء وثياب أهل الكفر، أرجوهم ألا يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، ومن وراء تغيير الثياب شر عظيم، إذ يعقبه تغيير الأخلاق والآداب والسلوكيات الإسلامية.

إنني أوجه نصيحتي لإخوتي جميعا وبأعلى صوتي فأقول ألا لا تغيروا الأخلاق القرآنية، ولا تتخلوا عن عزكم ومصدر فخركم الذي ينبع من التمسك بالإسلام قولا وعملا.

والمداومة على التمسك بكل ما هو إسلامي في صدق وآباء وشمم بما ينبئ عن روح إسلامية حقيقية، وإن الظاهر الإسلامي عز ووقار وفيه الحفاظ على الجوهر النقي، أقول هذا وأنا أشعر بمرارة الألم عندما أرى إخواني المسلمين في الخارج يطرحون ثياب الإسلام ويلبسون ثياب الإفرنج الكفرة، بل ويسيرون في أمور معاشهم اليومية على النهج الغربي غير الإسلامي في السلوك والمعاملة ويركبون سفن من كان قبلهم شبرا بشبر وذراعا بذراع، في الوقت الذي ينبغي عليهم أن يحافظوا على شخصيتهم الإسلامية مصدر العز والفخار لنا جميعا، وكأني بهم يخجلون من كونهم مسلمين ويحرصون على ألا يرى أحدهم بالزي الإسلامي، وكأنها وصمة عار تلحق من ظهر بهذا المظهر، وتراهم يعادون اللحية فتمتد أيديهم لحلقها والتخلص منها فيجزونها ليتشبهوا بالقوم الذين حلوا في ديارهم، فهل نرى نحن الكفار يتشبهون بنا إن هم حلوا في بلاد الإسلام؟ فكيف يبقى الكافر على كفره بين ظهراني المسلمين ويتحول المسلم عن إسلامه ومما يطلبه منه دينه بين ظهراني الكفار؟ والواجب أن يظهر المسلم معتزا ومفتخرا بكونه مسلما ينتسب لدين الحق.

ص: 318

أقول لإخواني المسلمين احتفظوا بشخصيتكم الإسلامية، إذ هذه هي أكبر دعوة لغير المسلمين للدخول في الإسلام، نعم عندما يروننا نطبق سلوكيات الإسلام وأخلاقياته ونتمسك بها شرقنا أو غربنا، هنالك يعلمون أنها الحق الذي لا يتغير بالبيئة المكانية، وهي دعوة إلى الله تعالى بالفعال قبل المقال وهي أدعى للدخول في الإسلام إن شاء الله تعالى، أما عندما نتخلى عن هذه الشخصية الإسلامية المتميزة وعندما ننبذ الأخلاق الإسلامية والسلوكيات المتعلقة بها، ونترك الشكل الإسلامي والمظهر المطلوب أن يظهر به المسلم ونزهد في كل تلك الأمور، فغير المسلمين أولى أن يزهدوا فيها، ويكون ذلك منا نوع من الصد عن سبيل الله، فيا أيها الإخوة، تعالوا ندع إلى الإسلام بفعالنا قبل مقالنا.

ونصيحتي الأخيرة لإخواني المسلمين أن يؤدوا زكاة وقتهم تماما كما يؤدون زكاة أموالهم، وذلك بتخصيص وقت لدعوة الناس والتفرغ لها، ولندع إلى الله على بصيرة وماذا على كل مسلم لو خصص جزء، من وقته يقوم فيه بدعوة الناس وينتظم في صفوف الدعاة إلى الله وينال شرف الدعوة إلى الله بأدائه لزكاة وقته، والرسول صلى الله عليه وسلم عليه وسلم يقول:«بلغوا عني ولو آية (1)» .

كذلك فليؤد المسلم زكاة المعرفة، من علمه الله تعالى وآتاه علما، ينبغي عليه أن ينفق منه وأن يكرس جزءا من وقته ينفق فيه من هذا العلم الذي حباه الله به ومن به عليه، فليقم بحق الله عليه في هذا العلم بتعليم إخوانه ودعوتهم إلى الله، لكي لا يكون علمه حجة عليه.

" ألا هل بلغت اللهم فاشهد ".

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قام بالترجمة / محمد بن رفيق العجمي

(1) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3461)، سنن الترمذي العلم (2669)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 159)، سنن الدارمي المقدمة (542).

ص: 319

صفحة فارغة

ص: 320

عدالة السلف الصالح

برهان يقظتهم

بقلم: الشيخ سعد بن إبراهيم الخرعان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد: - فقد نشرت صحيفة المدينة بعددها رقم 6088 وتاريخ 23 / صفر 1404هـ ص 15 الموضوع المشار إليه أعلاه " نتائج غفلة المسلمين ".

وقد استهدفت فيه كعب الأحبار رحمه الله، وهو تابعي جليل، فرمته بالنفاق والكيد منه للإسلام كما رمت الصحابة رضي الله عنهم بالغفلة إزاء ما زعمته من نفاق كعب وأمثاله من مسلمة أحبار أهل الكتاب كوهب بن منبه، فآل الأمر بالمسلمين من جراء تلك الغفلة المزعومة إلى قتل عمر ثم عثمان ثم الفتن التي انتشرت فعمت المسلمين كقطع الليل المظلم. . إلخ.

ولا شك أن مثل هذا المقال المغرض لا يصدر إلا من جاهل بحقيقة حال كعب رحمه الله، وبما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، أو من ذي غل أعمى بصيرته فلم يبصر حال أولئك على حقيقتها فضل عن واجب الأخوة الإيمانية حيث قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (1).

(1) سورة الحشر الآية 10

ص: 321

كما لم يمتثل وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه (1)» قال الترمذي حسن صحيح، وقال ابن حبان صحيح وكذا الحاكم.

وقوله: «لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه (2)» متفق عليه، وقوله في الأنصار:«لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله (3)» رواه البخاري، والآيات والأحاديث الدالة على وجوب موالاة السلف الصالح ومودتهم والذب عنهم كثيرة معلومة.

وأما ما شجر بينهم فمسلك النجاة من أثاره هو الكف عنه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: وأما ما شجر بينهم فالواجب الكف عنه، لأنهم إما مجتهدون مصيبون فلهم أجران، أجر اجتهادهم وأجر ما أصابوا فيه، وإما مجتهدون مخطئون فلهم أجر اجتهادهم والخطأ مغفور لهم.

ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل مغمور في جنب فضائلهم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح.

ومن نظر في سيرتهم بعلم وبصيرة وما من الله عليهم به من الفضائل علم علما يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله فرضي الله عنهم أجمعين. اهـ.

فموقف كل مسلم من السلف الصالح موقف من أرشده الله فقال: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (4).

ولا يخفى أن ما نسب إلى كعب خاصة وأن ما نسب إلى الصحابة عامة من غفلة دعاوى عارية من العلم والبصيرة، فلا تعويل عليها بحال، كيف وقد زكاهم من يعلم السر وأخفى خالقهم تعالى ولحق رسوله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى وهو عنهم راض.

(1) سنن الترمذي المناقب (3862)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 87).

(2)

صحيح البخاري المناقب (3673)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2541)، سنن الترمذي المناقب (3861)، سنن أبو داود السنة (4658)، سنن ابن ماجه المقدمة (161)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 55).

(3)

صحيح البخاري المناقب (3783)، صحيح مسلم الإيمان (75)، سنن الترمذي المناقب (3900)، سنن ابن ماجه المقدمة (163)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 292).

(4)

سورة الحشر الآية 10

ص: 322

أفبعد تزكية الله لهم قرآنا يتلى إلى أن يرث الأرض ومن عليها، ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم عنهم سنة ثابتة كالشمس في رابعة النهار، يجترئ على اتههامهم بنقيصة إلا جاهل مركب أو منحرف عن سبيل المؤمنين قد عرض نفسه للوعيد حيث قال الله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (1).

وما حقيقة الطعن فيهم وحاشاهم إلا الطعن فيما وصل إلى المسلمين بعدهم من الدين الحنيف، قال أهل التحقيق: وأما كعب الأحبار وأمثاله من مسلمة أهل الكتاب كوهب بن منبه فليسوا في عداد المنافقين كما زعمته الصحيفة ولا حتى في عداد الضعفاء من أصحاب الرواية ولا يقدح في عدالته هو وأمثاله إن كانوا يروون أخبارا من كتب قد دخلها التحريف والتبديل قال عنه معاوية رضي الله عنه: " إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب " فهذا القول توثيق لكعب من معاوية وثناء عليه بأنه من أصدق المحدثين، وكون بعض ما يرويه عن أهل الكتاب لا يطابق الواقع فمرجع هذا إلى تلك الكتب المنقول عنها حيث دخلها التحريف والتبديل لا إلى كعب إذ لم يتعمد الكذب، وكقول معاوية قول ابن عباس فيه، بدل من قبله فوقع في الكذب. اهـ.

والتحديث عن بني إسرائيل كما درج عليه السلف الصالح لا حرج فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار (2)» . رواه البخاري.

وقال ابن حبان في كتاب الثقات تجاه كعب: " أراد معاوية أنه يخطئ أحيانا فيما يخبر به ولم يرد أنه كان كذابا ". اهـ.

وقال ابن الجوزي رحمه الله: المعنى أن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذبا لا أنه يتعمد الكذب، وإلا فقد كان كعب الأحبار من خيار الأحبار. اهـ.

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله " في تأويل الحديث يعني فيما ينقله، لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحفه، ولكن الشأن في صحفه أنها كانت من الإسرائيليات التي غالبها مبدل مصحف محرف مختلق. اهـ.

(1) سورة النساء الآية 115

(2)

صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3461)، سنن الترمذي العلم (2669)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 159)، سنن الدارمي المقدمة (542).

ص: 323

وقد عده ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام، واتفقت كلمة نقاد الحديث على توثيقه، ولذا لا يوجد له ذكر في الضعفاء.

ومما تقدم ذكره يتضح أن الواجب لزوم تقوى الله والتأسي بمسلك السلف الصالح تجاه كعب وأمثاله، والكف عن مقالة السوء بلا علم ودونما مصلحة شرعية قال تعالى:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} (1) وقال: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (2)

ولا جرم فنصوص الكتاب والسنة كفيلة بتمييز الغث من السمين مما روي عن أهل الكتاب، فلا لبس والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله وسلم على من بلغ البلاغ المبين محمد بن عبد الله ورسوله وخيرته من خلقه وعلى آله وصحبه.

(1) سورة النساء الآية 148

(2)

سورة الإسراء الآية 36

ص: 324

تعقيب

سماحة الشيخ على ما نشر في مجلة منار الإسلام

من أن الفائدة البسيطة تجوز استثناء:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيلهم، واتبع هداهم إلى يوم الدين أما بعد: -

فقد اطلعت على ما نشرته (مجلة منار الإسلام) الصادرة في (أبو ظبي) عن وزارة العدل والشئون الدينية في عددها الثالث الصادر في ربيع الأول من عام 1404 هـ السنة التاسعة عن إعلان إحدى دوائر المحكمة الاتحادية العليا في دولة الإمارات العربية المتحدة بعض المبادئ بخصوص الفوائد المصرفية، والتقاضي بشأنها أمام المحاكم، وما تضمنته من أن الفائدة البسيطة للقرض تجوز استثناء من أصل تحريم الربا إذا دعت الحاجة إليها واقتضتها المصلحة، واعتبار أن البنوك في حالتها الراهنة ووفقا لأنظمتها العالمية تتطلبها حاجة العباد ولا تتم مصالح معاشهم إلا بها، وأن المحاكم لا تملك الامتناع من القضاء بالفوائد بمقولة إن الشريعة تحرم الفائدة، وأنه ليس للقاضي في حالة الفائدة الاتفاقية إلا أن يحكم بها، وأخيرا القول بجواز الفائدة البسيطة ما دامت في حدود 12 % في المسائل التجارية و 9 % في غيرها.

ص: 325

واعتبارهم أن هذه الفوائد في تلك الحالات لا تتنافى مع الشريعة الإسلامية التي تلتزم بها دولة الإمارات المسلمة.

وإنني أستغرب جدا هذه الخطوة الجريئة على إعلان هذه المبادئ الغريبة التي تحمل انتهاكا لحرمات الله وتعاليم شريعته السمحة المعلومة في دين الإسلام، من نصوص القرآن الصريحة وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وخاصة أنها أعلنت في ظل دولة إسلامية يرأسها رجل مسلم، وفي هذه البادرة الخطيرة افتراء على الإسلام وتحليل لما هو من أشد المحرمات في شريعة الله، كما أبان ذلك سماحة رئيس القضاء الشرعي في دولة الإمارات العربية في رده على هذه المبادئ وإبانته وجه الحق.

ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى قد حرم الربا بجميع أشكاله وألوانه في كتابه العزيز في آيات كثيرة منها قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1){يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (2) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (3) وقال: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} (4) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (5){فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (6) وهذا الأسلوب الشديد يدل على أن الربا من أكبر الجرائم وأفظعها وأنه من أعظم الكبائر الموجبة لغضب الله والمسببة لحلول العقوبات العاجلة والآجلة، قال سبحانه وتعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (7) وقال عليه الصلاة

(1) سورة البقرة الآية 275

(2)

سورة البقرة الآية 276

(3)

سورة آل عمران الآية 130

(4)

سورة الروم الآية 39

(5)

سورة البقرة الآية 278

(6)

سورة البقرة الآية 279

(7)

سورة النور الآية 63

ص: 326

والسلام: «اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله: وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات (1)» ومعنى الموبقات: المهلكات. وقال صلى الله عليه وسلم: «الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه (2)» وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه «لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء (3)» وقال صلى الله عليه وسلم: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء (4)» رواه مسلم. فهذه الآيات والأحاديث وغيرها تؤكد حرمة الربا قليله وكثيره. وتبين خطره على الفرد والمجتمع، وأن من تعامل به أو تعاطاه فقد أصبح محاربا لله ورسوله، وليس بين جميع أهل العلم خلاف في تحريم ذلك لصراحة النصوص فيه.

وكيف يجيز المسلم الغيور على دينه، الذي يؤمن بأن هذا الإسلام العظيم جاء دينا شاملا كاملا متضمنا جلب المصالح ودرء المفاسد، صالحا للتطبيق في كل العصور والأمكنة، كيف يجيز لنفسه إباحة الربا والتعامل به.

وإن هذه المبادئ التي أعلنتها إحدى دوائر المحكمة الاتحادية العليا في دولة الإمارات لتحليل ما حرمه الله ورسوله، بحجة قيام الحاجة إليها، فيها جرأة على الله، ومحادة لأحكامه وقول عليه بغير علم، وحاجة الناس إلى المصارف لا تكون إلا بسيرها على أسس من الشريعة الإسلامية، بإحلال ما أحله الله وتحريم ما حرمه فإذا كانت خلاف ذلك فهي شر وفساد، وأحكام شريعة الله ثابتة وقطعية لأنها صدرت من عزيز حكيم يعلم شئون عباده وما يصلح أحوالهم، ولا يجوز لنا تحكيم الرأي أو الهوى أو ما أشبههما في تحليل حرام أو تحريم حلال.

(1) رواه البخاري / كتاب المحاربين (30) ومسلم شرح النووي باب الإيمان (44).

(2)

حديث صحيح.

(3)

أخرجه مسلم.

(4)

صحيح البخاري البيوع (2176، 2177)، صحيح مسلم المساقاة (1584، 1584، 1587)، سنن الترمذي البيوع (1240، 1241)، سنن النسائي البيوع (4561، 4565)، سنن أبو داود البيوع (3349)، سنن ابن ماجه التجارات (2254)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 4، 3/ 47، 3/ 51، 3/ 53)، كتاب باقي مسند المكثرين (3/ 61)، باقي مسند المكثرين (3/ 73، 3/ 81، 3/ 9)، باقي مسند الأنصار (5/ 314)، موطأ مالك البيوع (1324)، سنن الدارمي كتاب البيوع (2579).

ص: 327

وامتثالا لأمر الله ورسوله في وجوب التناصح بين المسلمين، وأداء لما يجب على مثلي من البيان والتحذير عما حرمه الله ورسوله، جرى تحرير هذه الكلمة الموجزة، وأسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، والنصح لله ولعباده والحذر من كل ما يخالف شرعه المطهر، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

الرئيس العام

لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

ص: 328

تنبيه

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم رئيس تحرير جريدة عرب نيوز. . وفقه الله.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد: -

فقد اطلعت على ترجمة ما جاء في جريدتكم عدد يوم الجمعة الموافق 24/ 2 / 1984 م صفحة 7 في الصفحة المخصصة للديانة جواب السؤال التالي الذي ورد لكم من س. ر خان ص. ب: 7125 جدة وهذا نص السؤال (ما حكم الإسلام عن اللحية والشارب؟ هل يوجد عقاب معين بعد الوفاة للذي يحلق اللحية؟ هل حالق اللحية يفقد ثواب عبادته والأعمال الصالحة التي يأتي بها في حياته؟) فرأيت الجواب الذي نشرته الجريدة قاصرا وليس وافيا بالمطلوب، والجواب الصحيح أن يقال: إن إعفاء اللحية وقص الشارب أمر مفترض من الشارع صلى الله عليه وسلم حيث قال فيما صح عنه: «قصوا الشوارب وأعفوا اللحى، خالفوا المشركين (1)» متفق على صحته. وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس (2)» وهذان الحديثان الصحيحان وما جاء في معناهما كلها تدل على وجوب إعفاء اللحية وإرخائها وعدم التعرض لها بقص أو حلق، وعلى وجوب قص الشارب ولم يرد في ذلك عقوبة معينة، ولكن الواجب على المسلم أن يمتثل أمر الله سبحانه وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وأن ينتهي عما نهى الله عنه ورسوله ولو لم يرد في ذلك عقاب معين، ويجوز لولي الأمر أن يعاقب من خالف الأوامر والنواهي بما يراه من العقوبات الرادعة فيما دون عقوبات الحدود ردعا للناس عن ارتكاب محارم الله

(1) مسند أحمد بن حنبل (2/ 229).

(2)

صحيح مسلم الطهارة (259)، سنن الترمذي الأدب (2764)، سنن النسائي الزينة (5224)، سنن أبو داود الترجل (4199)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 16)، موطأ مالك الجامع (1764).

ص: 329

والتعدي على حدوده، وقد ثبت عن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ومن مات على ذلك فهو تحت مشيئة الله كسائر المعاصي إن شاء غفر له وإن شاء سبحانه عاقبه بما يستحق على ما فعله من المعاصي، ومن جملة ذلك حلق اللحي وإطالة الشوارب. قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) وقد دلت هذه الآية الكريمة على أن جميع الذنوب التي دون الشرك تحت مشيئة الله سبحانه، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سلك مسلكهما من أهل البلاغ، وبذلك يعلم أن حلق اللحى وإطالة الشوارب وغيرهما من المعاصي التي دون الشرك لا تحبط الأعمال الصالحة ولا تبطل ثوابها، وإنما تحبط الأعمال بالشرك وأنواع الكفر الأكبر لا بالمعاصي كما قال الله سبحانه {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) وقال عز وجل:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3) والآيات في هذا المعنى كثيرة.

ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

الرئيس العام

لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

(1) سورة النساء الآية 48

(2)

سورة الأنعام الآية 88

(3)

سورة الزمر الآية 65

ص: 330