الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حياة الشيخ:
نسبه: هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن مشرف بن عمرو بن معضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب بن قاسم بن موسى بن مسعود بن عقبة بن سنيع بن نهشل بن شداد بن زهير بن شهاب بن ربيعة بن أبي سود بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناه بن تميم بن مر بن أد بن طانجة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وهو نسب ثابت ومنقول بالتواتر.
مولده: ولد رحمه الله تعالى سنة ألف ومائة وخمس عشرة من الهجرة النبوية الشريفة في بلدة العيينة وهي من بلاد نجد.
أصله: يرجع أصل الشيخ إلى - الوهبة - وهي بطن من تميم مقرهم في بلدة - أشيقر - إحدى بلدان الوشم وكانت أسرته تقيم بها إلا أن جده سليمان انتقل إلى روضة سدير قاضيا لهم، فحصلت بينه وبين بعض أعيانها مغاضبة فانتقل إلى العيينة حيث ولد والد الشيخ، ثم ولد الشيخ بعد ذلك في العيينة.
نشأته: نشأ في بلدة العيينة وتلقى العلم فيها فحفظ القرآن الكريم قبل العاشرة من عمره، وكان حاد الفهم، وقاد الذهن، سريع الحفظ، ذكيا فطنا، وكان أبوه يتوسم فيه خيرا ويتعجب من فهمه وإدراكه مع صغر سنه، وزوجه أبوه وسنه اثنتا عشرة سنة وقدمه ليؤم الناس لتمكنه من معرفة الأحكام، ثم استأذن والده في الحج فأذن له ثم قام بزيارة المسجد النبوي الشريف ثم عاد إلى العيينة.
المدرسة الأولى: كانت مدرسته الأولى مدرسة والده الذي تلقى على يديه دراسة الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ثم دراسة بعض العلوم الشرعية واللغوية. وكان الشيخ شغوفا بالعلم يقرأ كل ما يقع تحت يده من كتب التفسير والحديث والعقائد وخاصة كتب الشيخ ابن تيمية وكتب ابن القيم فانشرح صدر الشيخ لهذه الكتب في معرفة التوحيد وتحقيقه ونواقضه التي تضل عن سبيله، وأنكر ما حوله من البدع والخرافات والضلالات والشرك الذي انحدر فيه المسلمون، وقد رأى من الناس لجاجة جعلته يفطن إلى أن يتسلح بالعلم ويستزيد منه، فهو خير معين له على دعوته وإلى
ما يريد الجهر به فصمم على أن يرحل في طلب العلم ليكون سلاحه في معركته القادمة.
رحلاته: قام الشيخ بعدة رحلات ما بين مكة والمدينة والبصرة وغيرهن من البلدان؛ ليتزود من العلم ويتسلح بالمعرفة لإقناع المعاندين المكابرين بالحجة والبرهان.
رحلته إلى مكة والمدينة:
وصل الشيخ إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج والتزود من العلم، فأخذ يتردد على العلماء ويباحثهم ويأخذ عنهم حتى استفاد منهم، وقد وجد بالمدينة عالمين جليلين كان لهما أكبر الأثر في حياته وهما الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي، والعالم الكبير محمد بن حياة السندي، وقد كانوا يشاهدون ما يفعله الناس عند الحجرة النبوية الشريفة من الدعاء والاستغاثة فقال الشيخ السندي للشيخ ابن عبد الوهاب: ما تقول في هؤلاء؟ قال: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1) وأقام بالمدينة فترة ثم رجع إلى نجد.
رحلته إلى البصرة: رجع الشيخ إلى بلده وأقام بها ما يقرب من السنة، ثم عزم على الرحيل إلى البصرة، وفي البصرة سمع الحديث والفقه من جماعة من العلماء، وقرأ النحو وأتقنه وكتب كثيرا من اللغة والحديث، وكان يلازم هناك أحد علماء البصرة وهو الشيخ محمد المجموعي البصري وفي أثناء إقامته كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. كان يأمرهم تجنب البدع وترك الشرك ويحثهم على طريق الحق والاستقامة، ويعلن للناس أن الدعاء لله فمن صرف شيئا منه إلى سواه كفر، وكان يبين لهم أن محبة الأولياء والصالحين إنما هي باتباع طريقهم وليست باتخاذهم آلهة من دون الله.
وتكررت منه الدعوة فآذاه بعض أهل البصرة وأخرجوه منها وقت الهجيرة، فخرج منها ماشيا على قدميه فلما وصل منتصف الطريق بين البصرة والزبير اشتد العطش به حتى كاد يموت، فلحقه رجل مكاري يدعى " أبا حميدان " من أهل الزبير فرأى عليه الهيبة والوقار، فسقاه وحمله على حماره حتى وصل الزبير، فمكث بها أياما ثم أراد الذهاب إلى الشام ولكن نفقته قد ضاقت فعدل عن المسير إليها.
(1) سورة الأعراف الآية 139
رحلته إلى الأحساء:
مكث الشيخ ببلدة الزبير أياما وأراد الرجوع إلى نجد بعد ضياع نفقته، وفي طريق عودته توجه إلى الأحساء ونزل بها ضيفا على الشيخ العالم عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الأحسائي. وقد كان الشيخ ينشر دعوته في كل مكان يحل به ولا يضيع فرصة تمر به إلا أبدى رأيه وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ثم توجه منها إلى " حريملاء " وكان أبوه عبد الوهاب قد انتقل إليها من العيينة، وأقام بها بعد أن حصل بينه وبين واليها منازعة، فعزله عن القضاء فترك له العيينة وأقام " بحريملاء " وفي حريملاء أقام الشيخ مع أبيه سنين يقرأ ويتعلم منه، ثم بدأ يعكف على دراسة القرآن الكريم وكتب السنة وتفاسير علماء السلف فاستفاد من ذلك فائدة كبيرة، وكان مما استفاد منه أكثر من غيره كتب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، وكتب تلميذه الشيخ محمد بن القيم فقد وجد في كتبهما العلوم الصحيحة والأقوال المبنية على الكتاب والسنة والتحقيق والأحكام المطابقة للعقل والنقل مما زاده فهما وإدراكا، وأهله لأن يكون من الدعاة المخلصين الذين صمدوا أمام الإيذاء ووقفوا في وجه الطغيان وحملوا راية الحق والجهاد والإصلاح، فنادى بدعوته في حريملاء جهرا، ولم يفعل ذلك إلا بعد موت والده الذي كان يشفق عليه من الناس ولا يريده أن يشتد عليهم، فلما مات والده وكان ذلك سنة ألف ومائة وثلاث وخمسين من الهجرة أعلن دعوته وجهر بها بين الناس، واشتد في إنكاره لمظاهر الشرك والبدع وجد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخذ يدعو إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة وجعل يلوم على العلماء تهاونهم وكتمهم الحق عن الناس وكان يخاطبهم بقول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (1).
أهل حريملاء يستجيبون للشيخ: استجاب للشيخ بعض أهل حريملاء واشتهر أمره وذاع صيته بين الناس، فوفد عليه أناس كثيرون من البلدان المجاورة وشرعوا في قراءة التفسير والحديث والتوحيد والسيرة عليه وكذلك الفقه، فكثر أتباعه وصار ينكر كل ما يراه مخالفا للشريعة، وأنكر على بعض الموالي لرؤساء وأعيان حريملاء فسقهم وفجورهم
(1) سورة البقرة الآية 159
وأراد منعهم فتسوروا عليه داره وأرادوا قتله، ولكن أتباع الشيخ علموا بذلك فظلوا في حراسته وأرهبوهم فرجعوا خائفين.
انتقال الشيخ إلى العيينة: بعد أن وقعت للشيخ هذه الحوادث في بلدة حريملاء انتقل منها إلى العيينة لأن حريملاء صغيرة لا تتسع للدعوة ونشرها، أما العيينة فهي من أكبر مدن نجد وأكثرها سكانا، وكان أميرها إذ ذاك عثمان بن حمد بن عبيد الله بن معمر، فقابله أميرها بالحفاوة والتكريم وتزوج فيها الجوهرة بنت عبد الله بن معمر.
وناصره الأمير وآزره وألزم العامة والخاصة بامتثال أمره وقبول قوله، فقويت شوكته واتسع نفوذه وذاع صيته واشتهر أمره فقام بقطع الأشجار المعظمة وكسر الأحجار وهدم القباب والمشاهد وتعديلها على السنة، وقد هدم بيده قبة زيد بن الخطاب لأن الناس كانت تتهيب هدمها وتخاف من صاحبها أن ينزل بهم العقاب، وقد انتظروا الليلة التي هدمها فيها الشيخ وهم يترقبون له حدثا ولكنه ظهر بأحسن حال، فعلم جهال القوم أن ما يفعله الشيخ صحيح، وأن ما كانوا عليه باطلا وشركا وضلالا قال الله تعالى:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (1) ولكن هل يقتنع أهل الضلالة ويقلعوا عن غيهم وضلالهم ويتبعوا الهدى والنور. لا، إنهم في غمرة وجهالة وعناد وخصام لكل ما هو خير للإنسانية فتجمعوا على المخاصمة والحرب. وتأليب الناس على الشيخ وإذاعة الأباطيل والأكاذيب ينشرونها بين الناس، ولجئوا في ذلك إلى ضعاف النفوس من علماء تلك البلاد الذين لا يبتغون من علمهم وجه الله وإنما يسيرون وراء منفعة مادية أو مصلحة دنيوية، فألف هؤلاء العلماء المصنفات في تضليل الشيخ وأنه قد غير في الشرع والسنة، وأغروا به الخاصة والعامة وخصوصا السلاطين والحكام، وخوفوهم منه على سلطانهم وحكم بلادهم وخروج الناس عليهم وإعلان عصيانهم.
الدعوة تنتشر رغم المعارضة: لقد اشتد أمر الشيخ وقوى عوده فقام بتنفيذ بعض الأحكام الشرعية فنفذ الحكم في امرأة زانية أقرت وهي محصنة. وفشا التوحيد وانتشر واطمأن الناس إلى حكم الله. ولكن أعداء الحق والعدالة لا ينامون يخافون على
(1) سورة ص الآية 5
ولاياتهم ومناصبهم، فهم دائما يقفون في وجه كل إصلاح بالدعاية تارة ونشر الإشاعات والسموم تارة أخرى. فذهب الخصوم إلى حاكم الأحساء والقطيف وما حولها - سليمان بن محمد الحميدي وخوفوه على ملكه، فأرسل إلى عثمان بن معمر كتابا يأمره فيه بقتل الشيخ أو إخراجه من العيينة وإن لم يفعل قطع عنه خراجه الذي عنده.
انتقال الشيخ إلى الدرعية: تلقى الأمير عثمان بن معمر كتاب أمير الأحساء والقطيف ووقع في حيرة من أمره فماذا يفعل؟؟ وهو لا يستطيع أن يستغني عن الخراج، فأطلع الشيخ على الأمر، وبعد محاورة بينه وبين الشيخ كان يبدو فيها ضعيفا مستخزيا مستهولا مخالفة أمير الأحساء لإيثاره الدنيا على الآخرة. فأمر الشيخ بالخروج من العينية. فخرج منها إلى الدرعية وكان ذلك سنة ألف ومائة وثمان وخمسين من الهجرة، وفي الدرعية نزل على عبد الله بن سويلم، وفي اليوم التالي نزل في دار تلميذه الشيخ أحمد بن سويلم؟
الأمير محمد بن سعود يبايعه: علم الأمير محمد بن سعود بالشيخ فركب إليه في تلك الدار التي ينزل فيها، وأظهر له من التعظيم والتكريم شيئا كثيرا، وقال له: أبشر ببلاد خير من بلادك وأبشر بالعز والمنعة، فقال الشيخ: وأنا أبشرك بالعز والتمكين وهذه كلمة " لا إله إلا الله " من تمسك بها وعمل بما فيها ونصرها ملك بها البلاد والعباد. وأخذ الشيخ يشرح للأمير حقيقة الإسلام، ويبين له أصول التوحيد وما عليه أهل نجد من الجهل والبدع والشرك، فلما قرر الشيخ للأمير هذه الأمور المهمة انشرح صدر الأمير لها وقال: لا شك أن ما دعوت إليه أيها الشيخ هو دين الله الصحيح والعقيدة الحقة، وأن ما عليه أهل نجد هو ضلال، ولكن أخشى إن نحن أيدناك ونصرناك أن تزكنا إلى غيرنا وترحل عنا، وإن لنا على الدرعية قانونا نأخذه منهم في وقت الثمار فأخاف أن تحرمه علينا، فقال الشيخ أما الأولى. فابسط يدك أبايعك. الدم بالدم والهدم بالهدم والبقاء معكم. وأما الثانية فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات ويعوضك عما تأخذه منهم ومنذ ذلك اليوم وقد أصبح للدرعية شأن وأي شأن.
الدرعية مركز الدعوة:
لقد بايع الأمير محمد بن سعود على دين الله ورسوله والجهاد في سبيله وإقامة شرائع الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستقر الشيخ في الدرعية فتسلل إليه
أصحابه وأتباعه من أهل العينية، وصارت الكتب ترسل من الداعية الكبير إلى أمراء نجد وعلمائها بالدعوة إلى الله تعالى وإلى دينه الحق، والجيوش تبعث من الدرعية إلى القرى المجاورة والمدن والشيخ لا يفتر عن الجهاد بقلمه ولسانه، وينظم الجيوش ويبعث البعوث مع الإمام محمد بن سعود الذي حمل راية الجهاد والنضال فازدهرت الدعوة وانتشرت وقوي سلطانها.
الهجوم على الدرعية:
راع أنصار الشيطان وأعداء الحق أن يروا الدعوة تنتشر وتزدهر وتعلو وترتفع، فجمعوا جموعهم وألبوا الأمراء والبوادي في الصحراء وهجموا على الدرعية بقيادة دهام بن دواس، وقتل أولاد الأمير محمد بن سعود فيصلا وسعودا، ولكن ذلك لم يزد الأمير إلا قوة وصلابة ولم يضعف ولم يستكن ولم يتزحزح وصبر على هذا البلاء واحتسب أولاده شهداء في سبيل الله، فازداد الداعون والمحاربون قوة فوق قوتهم ومنعة فوق منعتهم وإيمانا بالحق وأبطل الله كيد أعدائهم ورد كيدهم إلى نحورهم {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (1).
وما أشبه الليلة بالبارحة، فقد كانت هذه الواقعة وهذا الهجوم أشبه بهجوم المشركين على المدينة في غزوة الأحزاب، فأبطل الله كيدهم وشتت جموعهم ونصر الله رسوله وجنده وصارت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
آل سعود يواصلون تأييد الدعوة:
بعد كل هذه الأحداث الدامية والصدمات المتكررة والحرب الطاحنة الداهمة التي راح ضحيتها أبناء الأمير محمد بن سعود فقد ظن الجهلاء أن الأمير سيترك نصرة الشيخ ومؤازرة الدعوة، ولكن الله سبحانه وتعالى قد شرح صدره لها وقوى إيمانه بها، وكيف لا وهي دعوة خير الأنبياء والرسل. . دعوة الحق والهداية للبشرية قاطبة.
(1) سورة التوبة الآية 32