المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حكم الاعتكاف للرجل والمرأة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٤٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌باب ما يجري فيه الربا:

- ‌باب في أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل:

- ‌باب من باع ذهبا وغيره بذهب

- ‌باب مرد الكيل والوزن:

- ‌ باب النهي عن بيع الدين بالدين وجوازه بالعين ممن هو عليه

- ‌باب نهي المشتري عن بيع ما اشتراه قبل قبضه:

- ‌باب النهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان

- ‌ ابن رشد في بداية المجتهد:

- ‌الفصل الأولفي معرفة الأشياء التي لا يجوز فيها التفاضل ولا يجوز فيها النساء وتبيين علة ذلك

- ‌الفصل الثانيفي معرفة الأشياء التي يجوز فيها التفاضل ولا يجوز فيها النساء

- ‌الفصل الثالثفي معرفة ما يجوز فيه الأمران جميعا

- ‌الباب الثانيفيما يجوز أن يقتضي من المسلم إليه بدل ما انعقد عليهالسلم

- ‌ ابن قدامة في المغني

- ‌باب الربا والصرف

- ‌إعجاز القرآن

- ‌جمع القرآن وترتيبه

- ‌تعدد القراءات للقرآن

- ‌تلاوة القرآن وتحزيبه

- ‌تحسين الصوت في القراءة

- ‌رفع الصوت في القراءة

- ‌ كتابة الآيات وتعليقها على الحائط

- ‌ كتابة الآيات على ساعات الدليل

- ‌ كتابة الآيات على معلقات

- ‌ دخول الخلاء وهو يحمل المصحف

- ‌ قراءة القرآن لغير المسلم

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ على من يجب صيام رمضان

- ‌ هل يؤمر الصبي المميز بالصيام

- ‌ كيف يصوم الناس إذا اختلفت المطالع

- ‌ الفطر للمرأة الحامل والمرضع

- ‌ من عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه

- ‌ حكم صيام التطوع:

- ‌ كان مريضا ودخل عليه رمضان ولم يصم ثم مات بعد رمضان

- ‌ استعمال معجون الأسنان، وقطرة الأذن، وقطرة الأنف، وقطرة العين للصائم

- ‌ خلع أحد أسنانه، فهل يؤثر ذلك على صيامه

- ‌ أكل أو شرب في نهار الصيام ناسيا

- ‌ حكم من يصوم وهو تارك للصلاة

- ‌ أفطر في رمضان غير منكر لوجوبه

- ‌ أكل الصائم أو شرب أو جامع ظانا غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر

- ‌ جامع في نهار رمضان وهو صائم

- ‌ استعمال البخاخ في الفم للصائم نهارا لمريض الربو

- ‌ أخذ الحقنة الشرجية عند الصائم للحاجة

- ‌ من ذرعه القيء وهو صائم

- ‌ تغيير الدم لمريض الكلى وهو صائم

- ‌ حكم الاعتكاف للرجل والمرأة

- ‌تكييف العربون:

- ‌حكم بيع العربون في بيوع الصرف:

- ‌حكم كون العربون مبلغا مستقلا عن ثمن السلعة:

- ‌حكم العربون في الخدمات:

- ‌حكم العربون في شراء الأسهم:

- ‌حكم العربون في بيع المرابحة:

- ‌حكم المواعدة على الشراء وأخذ العربون لذلك:

- ‌الإنكارمعناه، أصل مشروعيته، شروطه، طرائقه

- ‌الفصل الأول: في معنى الإنكار

- ‌الفصل الثاني: في أصل مشروعيته

- ‌الفصل الثالث: في شروط الإنكار

- ‌الفصل الرابع: في طرائق الإنكار

- ‌ثانيا: التأديب

- ‌أولا: النصوص الإجمالية من القرآن الكريم:

- ‌ثانيا: النصوص التفصيلية من القرآن الكريم عن دعوة بعض الأنبياء:

- ‌جمعية الموظفين وأحكامها في الفقه الإسلامي

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأولصور جمعية الموظفين

- ‌المبحث الثانيحكم الصورة الأولى من صور جمعية الموظفين

- ‌المبحث الثالثحكم الصورة الثانية من صور جمعية الموظفين

- ‌المبحث الرابعحكم الصورة الثالثة من صور جمعية الموظفين

- ‌الخاتمة

- ‌جمال الدين القاسمي علامة الشام

- ‌عصر القاسمي:

- ‌سيرة القاسمي الشخصية والعلمية:

- ‌مآثره وشمائله:

- ‌القاسمي ومنهجه في الدعوة بين التأثر والتأثير:

- ‌تأثر القاسمي بابن تيمية:

- ‌مؤلفات القاسمي:

- ‌آراؤه وأفكاره:

- ‌مفكراته:

- ‌مشهد الكائنات الكونية

- ‌أولا مشهد الكائنات السفلية

- ‌ مشهد الجبال:

- ‌ مشهد الأرض:

- ‌ مشهد البحار:

- ‌ثانيا مشهد الكائنات العلوية

- ‌ مشهد السماء:

- ‌ مشهد الشمس والقمر:

- ‌ مشهد النجوم:

- ‌مشاهد الناس يوم القيامة

- ‌أولا: خروج الناس من الأجداث

- ‌ثانيا: ذهول الناس عن أنفسهم وما يملكون

- ‌ثالثا: تغير أحوال الناس

- ‌رابعا: صفة مجيئهم لأرض المحشر

- ‌خامسا: جثو الأمم للحساب

- ‌سادسا: تسلم نتائج الأعمال

- ‌مشاهد المؤمنين يوم القيامة

- ‌أولا: القول الحق من الرسل عند سؤال المولى لهم

- ‌ثانيا: وجوه المؤمنين يوم القيامة

- ‌ثالثا: من يغبطون في موقف الحساب

- ‌رابعا: نور المؤمنين يسعى بين أيديهم وبأيمانهم

- ‌خامسا: صفات الكافرين

- ‌ سواد الوجوه:

- ‌ تنكيس الرؤس:

- ‌ حشره على وجهه إلى النار:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ حكم الاعتكاف للرجل والمرأة

هل يقضي ذلك اليوم أم لا؟

الجواب: حكمه أنه لا قضاء عليه، أما إن استدعى القيء فعليه القضاء. لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء (1)» خرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(1) سنن الترمذي كتاب الصوم (720)، سنن أبو داود الصوم (2380)، سنن ابن ماجه الصيام (1676)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 498)، سنن الدارمي الصوم (1729).

ص: 156

السؤال السابع والعشرون: ما حكم‌

‌ تغيير الدم لمريض الكلى وهو صائم

، هل يلزمه القضاء أم لا؟

الجواب: يلزمه القضاء بسبب ما يزود به من الدم النقي، فإن زود مع ذلك بمادة أخرى فهي مفطر آخر.

ص: 156

السؤال الثامن والعشرون: ما‌

‌ حكم الاعتكاف للرجل والمرأة

؟ وهل يشترط له الصيام؟ وبماذا يشتغل المعتكف؟ ومتى يدخل معتكفه؟ ومتى يخرج منه؟

الجواب: الاعتكاف سنة للرجال والنساء؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتكف في رمضان، واستقر أخيرا اعتكافه في العشر الأواخر، وكان يعتكف بعض نسائه معه، ثم اعتكفن من بعده عليه الصلاة والسلام. ومحل الاعتكاف المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة، وإذا كان يتخلل اعتكافه جمعة فالأفضل أن يكون اعتكافه في المسجد الجامع إذا تيسر ذلك.

وليس لوقته حد محدود في أصح أقوال أهل العلم، ولا يشترط له

ص: 156

الصوم ولكن مع الصوم أفضل. والسنة له أن يدخل معتكفه حين ينوي الاعتكاف ويخرج بعد مضي المدة التي نواها، وله قطع ذلك إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأن الاعتكاف سنة ولا يجب بالشروع فيه إذا لم يكن منذورا، ويستحب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويستحب لمن اعتكفها دخول معتكفه بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ويخرج متى انتهت العشر.

وإن قطعه فلا حرج عليه إلا أن يكون منذورا كما تقدم. والأفضل أن يتخذ مكانا معينا في المسجد يستريح فيه إذا تيسر ذلك، ويشرع للمعتكف أن يكثر من الذكر وقراءة القرآن والاستغفار والدعاء والصلاة في غير أوقات النهي.

ولا حرج أن يزوره بعض أصحابه، وأن يتحدث معه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزوره بعض نسائه، ويتحدثن معه. وزارته مرة صفية رضي الله عنها وهو معتكف في رمضان، فلما قامت قام معها إلى باب المسجد، فدل على أنه لا حرج في ذلك. وهذا العمل منه صلى الله عليه وسلم يدل على كمال تواضعه، وحسن سيرته مع أزواجه عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وأتباعهم بإحسان.

ص: 157

صفحة فارغة

ص: 158

بحث في حكم بيع العربون

إعداد الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع (1)

القاضي بمحكمة التمييز بمكة المكرمة

الحمد لله رب العالمين، صلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد الأمين المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين، وبعد:

فقد اتجه جمهور العلماء ومحققوهم إلى أن الأصل في العبادات الحظر حتى يرد الشرع بالتشريع أمرا أو نهيا أو كراهة أو ندبا. وأن الأصل في المعاملات الإباحة حتى يرد الشرع بالتشريع؛ أمرا أو نهيا أو كراهة أو ندبا أو تقييدا أو تخصيصا. وتعتبر هذه القاعدة إحدى قواعد الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله وأحد أصول مذهبه.

ومن منطلق هذه القاعدة كان القول بإباحة بيوع العربون مذهبه ومذهب أصحابه من بعده والقول بذلك من مفردات هذا المذهب.

وقبل الدخول في ذكر أقوال أهل العلم في هذه المسألة يحسن التمهيد لذلك بما يعطي التصور الشامل لها من حيث التعريف والتصور وتحرير محل

(1) ورد لكاتب البحث ترجمة في العدد السابع من المجلة صفحة 290.

ص: 159

الاختلاف فيها إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره.

ص: 160

تعريف العربون:

العربون قيل إنه من الإعراب، وهو إعطاء العربون، قال في القاموس عن الفراء: أعرب إعرابا، وعربت تعريبا إذا أعطيت العربان.

وقال شمر: الإعراب في البيع أن يقول الرجل للرجل إن لم آخذ هذا البيع بكذا فلك كذا وكذا من مال.

وذكر الزبيدي في تاج العروس أن للعربون ثماني لغات هي: الإعراب، العربان كعثمان، العربون بضمهما، العربون محركة العين، الأربون بإبدال العين همزة، الربون بحذف العين من ربن، العربون بفتح فسكون فضم، وذكر لغة تاسعة خطأها ابن عديس، قال: نقلت من خط ابن السيد قال: أهل الحجاز يقولون: أخذ مني عربان بضمتين وتشديد الباء.

وقيل: بأن العربون مشتق من التعريب وهو البيان؛ لأنه بيان للبيع فيقال أعرب في كذا وعرب وعربن وهو عربان، قال في المصباح:(هو القليل من الثمن أو الأجرة يقدمه الرجل إلى الصانع أو التاجر ليرتبط العقد بينهما حتى يتوافيا بعد ذلك إعرابا لعقد البيع أي إصلاحا وإزالة فساد لئلا يملكه غيره باشترائه. وقيل بأن الأربون مشتق من الإربة وهي العقدة لأن به انعقاد البيع)(1).

(1) القاموس، تاج العروس، لسان العرب، المصباح.

ص: 160

تعريف العربون في الاصطلاح الشرعي:

عرفه الإمام مالك رحمه الله في كتابه الموطأ فقال: (هو أن يشتري الرجل العبد أو الوليدة أو يتكارى الدابة ثم يقول للذي اشترى منه أو تكارى منه أعطيك دينارا أو درهما أو أكثر من ذلك أو أقل على أني إن أخذت السلعة أو ركبت ما تكاريت منك فالذي أعطيتك هو من ثمن السلعة أو من كراء الدابة، وإن تركت ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطيتك لك). اهـ.

وعرفه بعضهم بقوله:

العربون هو ثمن استعمال الحق في العدول عن عقد شراء أو إجارة يجري الاتفاق بين طرفيه على تعيين هذا الثمن ليحق له العدول عن الالتزام بذلك العقد (1).

وقد اختلف العلماء رحمهم الله قديما وحديثا في حكم بيع العربون فذهب جمهورهم من الحنفية والمالكية والشافعية إلى القول ببطلانه مستندين في القول بذلك إلى ما روى الإمام أحمد والنسائي وأبو داود ومالك في الموطأ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان (2)» . ففي موطأ مالك قال: (حدثني يحيى بن مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان (3)». قال مالك فيما نرى والله أعلم أن يشتري الرجل العبد أو الوليدة

(1) الوسيط للدكتور عبد الرزاق السنهوري، ج4 ص 86 - 92.

(2)

سنن أبو داود البيوع (3502)، سنن ابن ماجه التجارات (2192).

(3)

سنن أبو داود البيوع (3502)، سنن ابن ماجه التجارات (2192).

ص: 161

أو يتكارى الدابة ثم يقول للذي اشترى منه أو تكارى منه أعطيك دينارا أو درهما أو أكثر من ذلك أو أقل على أني إن أخذت السلعة أو ركبت ما تكاريت منك فالذي أعطيتك هو من ثمن السلعة أو من كراء الدابة، وإن تركت ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطيتك لك باطل بغير شيء.

قال مالك في الرجل يبتاع العبد أو الوليدة بمائة دينار إلى أجل ثم يندم البائع فيسأل المبتاع أن يقيله بعشرة دنانير يدفعها إليه نقدا أو إلى أجل ويمحو عنه المائة دينار التي له. قال مالك: لا بأس بذلك) اهـ (1) وكذلك يستندون في القول ببطلان بيع العربون إلى ما فيه من الغرر وأكل أموال الناس بالباطل، قال الزرقاني في شرح الموطأ:(وهو - أي بيع العربون- باطل عند الفقهاء لما فيه من الشرط والغرر وأكل أموال الناس بالباطل). اهـ (2).

وقال ابن قدامة في المغني في معرض ذكر علة القول ببطلان بيع العربون لدى القائلين به:

(لأنه شرط للبائع شيئا بغير عوض فلم يصح كما لو شرطه لأجنبي ولأنه بمنزلة الخيار المجهول فإنه اشترط أن له رد المبيع من غير ذكر مدة فلم يصح كما لو قال: ولي الخيار متى شئت رددت السلعة ومعها

(1) موطأ مالك، ج2، ص 609

(2)

الزرقاني، شرح الموطأ، ج3، ص 251

ص: 162

درهم). اهـ (1).

ونظرا إلى أن أكثر أقوال أهل العلم في القول ببطلانه هم فقهاء المالكية، وغيرهم من فقهاء الحنفية والشافعية يتفقون معهم في منعه والقول ببطلانه. فقد يكون إيراد النصوص الفقهية عن المالكية مغنيا عن إيراد النصوص عن غيرهم في معنى المنع والقول بالبطلان.

فقد ذكر الدكتور عبد الرزاق السنهوري في كتابه (مصادر الحق) مجموعة من النقول عن مجموعة من فقهاء المالكية أنقلها وأدعو الله لجامعها بالمغفرة والرحمة:

جاء في (القوانين الفقهية) لابن جزي ص 258 - 259 ما نصه:

(النوع الثالث من البيوعات الفاسدة: بيع العربان وهو ممنوع إن كان على ألا يرد البائع العربان إلى المشتري إذا لم يتم البيع بينهم فإن كان على أن يرده إليه إذا لم يتم البيع فهو جائز). اهـ.

وجاء في (الخطاب) ج4 ص 369 - 370 ما نصه:

(وكبيع العربان أن يعطيه شيئا على أنه إن كره البيع لم يعده إليه وفسره مالك في موطئه: (بإعطاء البائع أو المشتري درهما أو دينارا على أنه إن أخذ البيع فهو من الثمن وإلا بقي للبائع).

أبو عمر: (ما فسره به مالك عليه فقهاء الأمصار لأنه غرر وأكل مال بالباطل)، قال مالك: (وأما من اشترى شيئا وأعطى عربانا على أنه إن

(1) المغني ج4، ص 58.

ص: 163

رضيه أخذه وإن سخطه رده وأخذ عربانه فلا بأس به. . .)

قال ابن الحاجب: ومنه بيع العربان وهو أن يعطي شيئا على أنه إن كره البيع أو الإجارة لم يعده إليه، قال في التوضيح: فإن فاتت مضت بالقيمة). اهـ.

وجاء في (الخرشي) ج5 ص 78 ما نصه:

(وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن بيع العربان وهو أن يشتري السلعة بثمن على أن المشتري يعطي البائع أو غيره شيئا من الثمن على أن المشتري إن كره البيع لم يعد إليه ما دفعه، وإن أحب البيع حاسبه به من الثمن لأنه من أكل أموال الناس بالباطل وغرر. .

ومثل البيع الإجارة فلا فرق بين الذوات والمنافع). اهـ.

وجاء في (الشرح الكبير) للدردير، ج3 ص63 ما نصه:

(وكبيع العربان اسم مفرد ويقال أربان بضم أول كل وعربون وأربون بضم أولهما وفتحه وهو أن يشتري أو يكتري السلعة ويعطيه أي يعطي المشتري البائع شيئا من الثمن على أنه - أي المشتري - إن كره البيع لم يعد إليه ما أعطاه وإن أحبه حاسبه به من الثمن أو تركه مجانا لأنه من أكل أموال الناس بالباطل). اهـ.

وقال الزرقاني في (شرح موطأ الإمام مالك) ج 3 ص 251 ما نصه:

(وهو- أي بيع العربون- باطل عند الفقهاء لما فيه من الشرط والغرر وأكل أموال الناس بالباطل، فإن وقع فسخ وإن فات مضى لأنه مختلف فيه

ص: 164

فقد أجازه أحمد وروي عن ابن عمر وجماعة من التابعين ويرد العربان على كل حال، قال ابن عبد البر:(ولا يصح ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من إجازته فإن صح احتمل أن يحتسب على البائع من الثمن إن تم البيع وهذا جائز عند الجميع). اهـ.

وذهب الإمام أحمد وجمهور أصحابه إلى القول بصحة بيع العربون ويمثل النص الآتي من (المغني) لابن قدامة مذهب الإمام أحمد في بيع العربون ووجه القول بصحته وذكر سنده على ذلك كما أنه يذكر القائلين ببطلانه ووجهة قولهم بذلك ثم يناقش قولهم وحججهم فيقول:

(والعربون في البيع هو: أن يشتري السلعة فيدفع إلى البائع درهما أو غيره على أنه إن أخذ السلعة احتسب من الثمن، وإن لم يأخذها فذلك للبائع. . . قال أحمد: لا بأس به فعن عمر رضي الله عنه وعن ابن عمر أنه أجازه، وقال ابن سيرين: لا بأس به، وقال سعيد بن المسيب وابن سيرين: لا بأس إذا كره السلعة أن يردها ويرد معها شيئا. وقال أحمد: هذا في معناه. واختار أبو الخطاب أنه لا يصح، وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن ابن عباس والحسن؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربون» . رواه ابن ماجه، ولأنه شرط للبائع شيئا بغير عوض فلم يصح كما لو شرطه لأجنبي ولأنه بمنزلة الخيار المجهول فإنه اشترط أن له رد المبيع من غير ذكر مدة فلم يصح، كما لو قال: ولي الخيار متى شئت رددت السلعة ومعها درهما، وهذا هو القياس، وإنما صار أحمد فيه إلى

ص: 165

ما روي فيه عن نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية، فإن رضي عمر وإلا فله كذا. وكذا قال الأثرم: قلت لأحمد تذهب إليه؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر رضي الله عنه وضعف الحديث المروي. روى هذه القصة الأثرم بإسناده. فأما إن دفع إليه قبل البيع درهما، وقال: لا تبع هذه السلعة لغيري، وإن لم أشترها منك فهذا الدرهم لك ثم اشتراها منه بعد ذلك بعقد مبتدئ وحسب الدرهم من الثمن صح؛ لأن البيع خلا عن الشرط المفسد. ويحتمل أن الشراء الذي اشتراه لعمر كان على هذا الوجه فيحمل عليه جمعا بين فعله وبين الخبر وموافقة القياس والأئمة القائلين بفساد العربون، وإن لم يشتر السلعة في هذه الصورة لم يستحق البائع الدرهم لأنه يأخذه بغير عوض ولصاحبه الرجوع فيه، ولا يصح جعله عوضا عن انتظاره وتأخير بيعه من أجله لأنه لو كان عوضا عن ذلك لما جاز جعله من الثمن في حال الشراء، ولأن الانتظار بالبيع لا تجوز المعاوضة عنه، ولو جازت لوجب أن يكون معلوم المقدار كما في الإجارة) (1) اهـ.

وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه (بدائع الفوائد) ج4 ما نصه:

(وقال في رواية الميموني: لا بأس بالعربون، وفي رواية الأثرم: وقد قيل له نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن العربان فقال: ليس بشيء، واحتج أحمد بما روى نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دار السجن، فإن رضي عمر وإلا فله

(1) المغني ج6، ص331 - 332، طبعة هجر تحقيق الدكتور عبد الله التركي.

ص: 166

كذا وكذا. قال الأثرم: فقلت لأحمد: فقد يقال هذا؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر رضي الله عنه. اهـ.

وقد احتج القائلون ببطلان بيع العربون بحديث عمرو بن شعيب وقد تقدم نقله من الموطأ وأورده المجد في (المنتقى) وقال عنه الشوكاني في (نيل الأوطار) ما نصه:

(الحديث منقطع لأنه من رواية مالك أنه بلغه عن عمرو بن شعيب ولم يدركه فبينهما راو لم يسم وسماه ابن ماجه فقال هو مالك عن عبد الله بن عامر الأسلمي، وعبد الله لا يحتج بحديثه، وفي إسناد ابن ماجه هذا أيضا حبيب كاتب الإمام مالك وهو ضعيف لا يحتج به، وقد قيل إن الرجل الذي لم يسم هو ابن لهيعة ذكر ذلك ابن عدي وهو أيضا ضعيف ورواه الدارقطني والخطيب عن مالك عن عمر بن الحرث عن عمرو بن شعيب وفي إسنادهما الهيثم بن اليمان وقد ضعفه الأزدي). اهـ (1).

وقال الصنعاني في كتابه (سبل السلام) بعد ذكره حديث عمرو بن شعيب ما نصه؟

(وأخرجه أبو داود وابن ماجه وفيه راو لم يسم وسمي في رواية فإذا هو ضعيف وله طرق لا تخلو من مقال. وروي عن عمر وابنه وأحمد جوازه). اهـ (2)

(1) ج5، ص 162 - 163.

(2)

ج 2، ص 334.

ص: 167

وقال ابن الأثير نقلا عن (تاج العروس):

(وحديث النهي منقطع وقال الإمام أحمد في رواية الأثرم وقد قيل له: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان (1)». فقال: ليس بشيء). اهـ.

ويظهر - والله أعلم - رجحان القول بصحة بيع العربون للأثر والمعنى وانتفاء الدليل على المنع وإمكان الإجابة عن حجج القائلين ببطلانه.

أما الأثر ففي (نيل الأوطار) للشوكاني قال:

(وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن زيد بن أسلم أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العربان في البيع فأجازه، قال: وهو مرسل وفي إسناده إبراهيم ابن أبي يحيى وهو ضعيف). اهـ (2).

وفي (المغني) النص المتقدم عن الإمام أحمد في إجازته بيع العربون وهذا نصه: (قال أحمد: لا بأس به، وفعله عمر رضي الله عنه، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أجازه، وقال ابن سيرين: لا بأس به. وقال سعيد ابن المسيب وابن سيرين لا بأس إذا كره السلعة بردها ويرد معها شيئا وقال أحمد: هذا في معناه). اهـ.

فقد أجازه من الصحابة عمر بن الخطاب وابنه عبد الله ومن التابعين وتابعيهم (نافع بن عبد الحارث وزيد بن أسلم والحسن البصري وابن سيرين ومجاهد وأحمد) وغيرهم.

وأما المعنى فإن مالك السلعة قد حبسها عن عرضها للبيع وحرم

(1) سنن أبو داود البيوع (3502)، سنن ابن ماجه التجارات (2192).

(2)

ج5، ص 162.

ص: 168

فرصة بيعها بعقد ناجز وبسعر قد يكون أفضل مما باعها به بطريق بيع العربون وفي هذا ضرر محقق على البائع أو محتمل وقد أشار إلى هذا المعنى الدكتور عبد الرزاق السنهوري في كتابه (مصادر الحق) فقال:

(فالعربون لم يشترط للبائع بغير عوض، إذ العوض هو الانتظار بالبيع وتوقيف السلعة حتى يختار المشتري وتفويت فرصة البيع من شخص آخر لمدة معلومة). اهـ (1).

وأما دليل القائلين بالمنع من النقل فهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقد تقدم إيراد ما ذكره أهل العلم في رده ومنهم الإمام أحمد رحمه الله في رواية الأثرم فقد قيل له:«نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن العربان، (2)» فقال: ليس بشيء، وهذا يعني أن دليلهم النقلي لا يصح الاحتجاج به وليس لهم دليل نقلي غيره.

أما دليلهم العقلي فيمكن مناقشته بما يعطي القناعة بسقوطه وعدم اعتباره فهم يقولون بأن بيع العربون يشتمل على المحاذير الآتية:

أولا: هو من قبيل أكل أموال الناس بالباطل.

ثانيا: ما فيه من الغرر الموجب لبطلانه.

ثالثا: ما فيه من شرط شيء للبائع بغير عوض في حال الرد.

رابعا: هو بمنزلة الخيار المجهول.

خامسا: لمخالفته القياس.

(1) مصادر الحق ج2، ص 101.

(2)

سنن أبو داود البيوع (3502)، سنن ابن ماجه التجارات (2192).

ص: 169

سادسا: ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من النهي عنه وإن كانت طرقه كلها لا تخلو من مقال إلا أن بعضها يقوي بعضا كما ذكر ذلك الشوكاني في (نيل الأوطار).

فقولهم: (بأن العربون من أكل أموال الناس بالباطل) غير صحيح فالعربون ثمن حبس السلعة وعوض عن حرمان صاحبها من فرص عرضها للبيع لتحصيل بيع ناجز وقد يكون بسعر أفضل. وقد ذكر هذا المعنى الدكتور عبد الرزاق السنهوري في كتابه (مصادر الحق) فقال:

(فالعربون لم يشترط للبائع بغير عوض، إذ العوض هو الانتظار بالبيع وتوقيف السلعة حتى يختار المشتري وتفويت فرصة البيع من شخص آخر لمدة معلومة). اهـ.

وقولهم: (بأن فيه غررا موجبا لبطلانه) قول غير صحيح فقدر العربون معروف ولا بد لاعتباره من مدة معينة تعطي دافع العربون مهلة ليختار أثناءها إمضاء العقد أو الرد، نعم لو كانت مدة الخيار مجهولة لتصور الغرر في ذلك، ولكننا نشترط لصحة بيع العربون أن تكون المدة معلومة.

وقولهم: (بأن المشتري شرط للبائع شيئا بغير عوض) غير صحيح فالبائع حبس سلعته عن عرضها للشراء وحرم من فرص بيعها. مما قد يكون

ص: 170

أكثر غبطة ومصحلة فالعربون عوض هذا الحرمان.

وقولهم: (هو بمنزلة الخيار المجهول) هذا صحيح إذا خلا بيع العربون من خيار محدد بوقت معين، أما إذا كان الخيار في بيع العربون معينا بمدة محددة فليس بمنزلة الخيار المجهول وحينما نقول بصحة بيع العربون نشترط أن يكون الخيار في الرد أو الإمساك في مدة معلومة.

وقد نص بعض علماء الحنابلة على القول بتوجه اعتبار تعيين مدة معلومة فقال الشيخ مرعي المقدسي في كتابه (غاية المنتهى) الجزء الثاني ص 26 ما نصه:

(ويصح بيع العربون وإجارته وهي: دفع بعض ثمن أو أجرة بعد عقد لا قبله، ويقول إن أخذته أو جئت بالباقي، وإلا فهو لك فإن وفى فما دفع فمن الثمن، وإلا فلبائع ومؤجر، ويتجه هذا إن قيد بزمن وفات وإلا فإلى متى ينتظر؟). اهـ.

وقولهم: (لمخالفته القياس) هذا القول مسلم به لو كان العربون في غير مقابلة عوض ولكننا نرى أن العربون في مقابلة عوض هو الانتظار بحبس السلعة وحجبها عن الرغبة في شرائها وذلك لصالح مشتريها وفي مقابلة ما دفعه عربونا للانتظار بها حتى يقرر ما يراه إمضاء أو ردا.

وأما الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب فقد تكرر نقل أقوال أهل العلم في رده وأنه ليس بشيء، وأما القول بأن طرقه وإن كانت لا تسلم من مقال إلا أن بعضها يقوي بعضا، هذا القول فيه نظر فالضعيف لا

ص: 171

يقوي ضعيفا ولا تستقيم بالضعفاء قوة.

وللدكتور السنهوري إجابة عن حجج القائلين ببطلان بيع العربون يحسن بنا إيرادها إكمالا للفائدة وتأكيدا لإجاباتنا عن هذه الحجج فقد ذكر ما ذكره ابن قدامة رحمه الله في كتابه (المغني) عما يتعلق بمسألة بيع العربون.

ثم عقب على ذلك بقوله:

(أولا: أن الذين يقولون ببطلان بيع العربون يستندون في ذلك إلى حديث النبي عليه السلام الذي نهى عن بيع العربون، ولأن العربون اشترط للبائع بغير عوض وهذا شرط فاسد، ولأنه بمنزلة الخيار المجهول إذ اشترط المشتري خيار الرجوع في البيع من غير ذكر مدة كما يقول: ولي الخيار متى شئت رددت السلعة ومعها درهما.

ثانيا: أن أحمد يجيز بيع العربون ويستند في ذلك إلى الخبر المروي عن عمر وضعف الحديث المروي في النهي عن بيع العربون، وإلى القياس على صورة متفق على صحتها هي أنه لا بأس إذا كره المشتري السلعة أن يردها ويرد معها شيئا قال أحمد هذا في معناه.

ثالثا: ونرى أنه يستطاع الرد على بقية حجج من يقولون ببطلان بيع العربون. فالعربون لم يشترط للبائع بغير عوض، إذ العوض هو الانتظار بالبيع وتوقيف السلعة حتى يختار المشتري وتفويت فرصة البيع من شخص

ص: 172