الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشهد الكائنات الكونية
أولا مشهد الكائنات السفلية
(الأرض والجبال والبحار):
من المشاهد الكونية العظيمة التي تذهل العباد يوم القيامة الأرض والجبال والبحار لما يحصل لها من خراب في يوم القيامة، وما يكون لها من الحركات المروعة، والحادث الذي لم يكن له مثيل من قبل، يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (1){يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (2) وقد جاء ذكر الآيات الكونية في القرآن الكريم مفرقة أحيانا وأحيانا أخرى مقترن بعضها ببعض حيث يأتي المشهد لآية من هذه الآيات الكونية على حدة وتأتي المشاهد لعدد منها في جهة واحدة كالأرض مثلا.
وسنرى أوصاف هذه المشاهد حسبما جاءت في القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وسأتناولها بالحديث مشهدا مشهدا لتتضح صورة كل منها حسب تصوير النصوص لها بقدر الإمكان.
(1) سورة الحج الآية 1
(2)
سورة الحج الآية 2
أ-
مشهد الجبال:
قال الله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً} (1).
أول ما يجري للكائنات عند زلزلة الأرض هو ذهاب الجبال لأنها هي
(1) سورة الكهف الآية 47
الرواسي للأرض كما أخبر الله تعالى عن هذا بقوله: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا} (1){وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} (2)، وقوله تعالى:{وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} (3).
فيزيل الله الجبال من أماكنها ويذهبها سبحانه وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} (4){فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا} (5){لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} (6).
فتبقى الأرض مستوية لا حجر فيها ولا شجر ولا انخفاض ولا ارتفاع فهي ظاهرة مكشوفة جميعها للرائي.
قال الألوسي عند آية الكهف: (والظاهر هنا أول أحوال الجبال ولا مقتضى للصرف عن الظاهر، ثم المراد بذكر ذلك تحذير المشركين ما فيه من الدواهي التي هي أعظم من ثالثة الأثافي)(7)(8).
وقوله تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً} (9) خطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ممن يتأتى منه الرؤية، أي: وترى جميع جوانب الأرض: بارزة بادية ظاهرة، أما ظهور ما كان منها تحت الجبال فظاهر، وأما ما عداه فكانت الجبال تحول بينه وبين الناظر قبل ذلك أو تراها بارزة لذهاب جميع ما عليها من الجبال والبحار والعمران والأشجار، وإنما اقتصر
(1) سورة النبأ الآية 6
(2)
سورة النبأ الآية 7
(3)
سورة النازعات الآية 32
(4)
سورة طه الآية 105
(5)
سورة طه الآية 106
(6)
سورة طه الآية 107
(7)
الأثافي: جع أثفية: ما يوضع عليه القدر، لسان العرب مادة (ثفا) 14/ 113.
(8)
روح المعاني (تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني) 15/ 288.
(9)
سورة الكهف الآية 47
على زوال الجبال لأنه يعلم منه زوال ذلك بطريق الأولى (1).
وقال تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} (2) قال ابن كثير: (أي تراها كأنها ثابتة، باقية على ما كانت عليه وهي تمر مر السحاب، أي تزول عن أماكنها.
كما قال تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا} (3){وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} (4)(5).
تزال الجبال عن أماكنها وذلك بصيرورتها هباء ثم ذهابها.
وقال تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} (6) قال الفراء: (صارت كالدقيق، وذلك قوله: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ} (7).
وبست: فتتت فصارت أرضا، وقيل نسفت كما قال تعالى:{يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} (8).
والصحيح هو نسفها كما هو ظاهر الآية بعد أن تكون فتاتا كالدقيق، كما قال تعالى:{وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} (9).
قال الفراء: (الكثيب: الرمل، والمهيل: الذي تحرك أسفله فينهال عليك من أعلاه)(10).
هذا وصف، ثم يعطي سبحانه وتعالى وصفا آخر لما يحصل للجبال من
(1) نفس المرجع.
(2)
سورة النمل الآية 88
(3)
سورة الطور الآية 9
(4)
سورة الطور الآية 10
(5)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/ 603.
(6)
سورة الواقعة الآية 5
(7)
سورة النبأ الآية 20
(8)
سورة طه الآية 105
(9)
سورة المزمل الآية 14
(10)
معاني القرآن للفراء 3/ 198.