الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
حقيقة الإيمان الذي تغلغل في قلوبهم وأنساهم كل شيء سوى هذا الدين، وطاعة رب العالمين.
2 -
الهجرة في سبيل الله وقلوبهم تحن إلى أوطانهم، ولكن محبة الله ورسوله أنستهم ذلك فانتقلوا من بلد الشرك إلى بلد الإسلام.
3 -
الصبر على الفقر في سبيل دينهم فلم يتشوفوا لحطام الدنيا الفاني ليصبح أكبر همهم أو مبلغ علمهم، أو غاية رغبتهم، بل كان طموحهم الدار الآخرة حتى وافاهم الأجل وهم في ضنك الحياة وشغف العيش.
فتصورهم وهم بين الناس على أرض المحشر وقد أصبح نورهم كضوء الشمس لم هم في سعادة وحبور، وصفاء وسرور:{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (1)
(1) سورة الحديد الآية 21
ثالثا: من يغبطون في موقف الحساب
للمواقف الإيمانية في الحياة الدنيا أثرها الطيب في الدنيا والعقبى الحسنة في الآخرة وخاصة ما يظهر واضحا جليا في موقف لا يغني مولى عن مولى شيئا إلا من قربه الله تعالى ورضي له قولا وكان له منزلة ومكانة، وسنرى بعض من أوضحت السنة المطهرة عظم مكانتهم وعلو قدرهم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله
يوم القيامة في ظله (2)».
هؤلاء سبعة أصناف من الناس يظلهم الله تعالى في ظله يوم تدنو الشمس من الناس ويلجمهم العرق ويكونون أحوج ما يكونون إليه من الأعمال الصالحة، وهؤلاء الأصناف وإن جاء ذكرهم بصيغة التذكير إلا أنه لا يمنع أن يشترك النساء في ذلك لأنهم كلهم مكلفون ويتساوون في الأعمال والجزاء، فالإمام العادل الذي أنصف في عبادة ربه وأقام حكم الله على مراد الله وما جاءت به رسل الله تعالى؛ لأنه كان قادرا على الظلم فلم يمنعه إلا خوفه من الله، والشاب الذي التزم بعبادة ربه، ولم تدفعه الشهوة وقوة الباعث على الحرام، ومن تعلق قلبه ببيوت الله تعالى وإن
(1) رواه البخاري في صحيحه كتاب الآذان باب 36 حديث 660، ورواه مسلم في صحيحه كتاب الزكاة حديث 1030، ورواه الترمذي في كتاب الزهد باب 53 حديث 2391، والإمام أحمد في المسند 2/ 439، ورواه الإمام مالك في الموطأ كتاب الشعر حديث 14 والنسائي في كتاب القضاة (الإمام العادل) 8/ 222.
(2)
(1) يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه
كان خارجها فقلبه دائما في المسجد لمحبته لعبادة الله تعالى، واللذان تحابا في الله من أجل الصفات الدينية والالتزامات الشرعية ولم يكن لغرض دنيوي ولم يفرق بينهما شئ إلا الموت، ومن حصن نفسه من الزنا وإن تيسر له ذلك ودعي إليه وكانت دوافعه من الجمال أو الأصل أو الشرف، والذي أنفق المال على حبه وابتعد عن موطن الرياء والسمعة فدفع ذلك خفية يرجو ثواب ربه، ومن ابتعد عن الناس وتفكر في هذه المخلوقات وفي الآيات الكونية، أو بلسانه بآيات الله التنزيلية فبكى من خشية الله والخوف من الله، جميعهم يوم القيامة في أمن وأمان لأنهم في ظل الرحمن. نسأل الله أن يجعلنا معهم فهو الكريم المنان.
قال ابن حجر العسقلاني: (قوله: "سبعة" ظاهره اختصاص المذكورين بالثواب المذكور، ووجهه الكرماني: بما محصله أن الطاعة إما أن تكون بين العبد وبين الرب أو بينه وبين الخلق، فالأولى باللسان وهو الذكر، أو بالقلب وهو المعلق بالمسجد، أو بالبدن وهو العفة)(1).
وعن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا، فكان أول من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه غلام له معه ضمامة (2) من
(1) فتح الباري 2/ 143.
(2)
ضمامة من صحف: أي حزمة. وهي لغة في الإضمامة. النهاية في غريب الحديث، 3/ 101.
صحف وعلى أبي اليسر بردة ومعافري وعلى غلامه بردة ومعافري. فقال له يا عم إني أرى في وجهك سفعة من غضب. قال: أجل، كان لي على فلان بن فلان الحرامي مال فأتيت أهله فسلمت. فقلت: ثم هو؟ قالوا: لا. فخرج علي ابن له جفر فقلت له: أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمي، فقلت: اخرج إلي، فقد علمت أين أنت، فخرج، فقلت: ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال: أنا والله أحدثك ثم لا أكذبك. خشيت والله أن أحدثك فأكذبك. وأن أعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت والله معسرا. قال قلت: آلله؟ قال: آلله. قلت: آلله؟ قال: آلله. قلت: آلله، قال: آلله. قال: فأتى بصحيفته فمحاها بيده. فقال إن وجدت قضاء فاقضني وإلا أنت في حل، فأشهد بصر عيني هاتين - ووضع أصبعه على عينيه - وسمع أذني
هاتين، ووعاه قلبي هذا - وأشار إلى مناط قلبه - رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:«من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله (1)» .
إن هذه الخصلة الحميدة التي يحصل بها الإفراج عن الآخرين (المعسرين) وأثرها العميق في النفوس، حيث إبراء الذمم مما قد ارتهنت به من الحقوق وعدم استطاعتها من الوفاء بذلك والتخلص من شراكه، والذي جاء بالعفو ممن رغبوا في ثواب الله تعالى ومشاركة إخوانهم المشاعر والأحوال والإيثار الذي قد يصعب أن يكون من أحد إلا لمن وفق إلى الخير. فكان الجزاء من الله تعالى على ذلك أعظم، وذلك بأن يفرج عنهم هم الموقف يوم القيامة وكرباته مثلما فرجوا عن إخوانهم في الدنيا فيظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله
يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي (2)» إنها المحبة في الله تعالى لأن المحبة لغير الله باطلة قال تعالى:
(1) رواه مسلم في صحيحه كتاب الزهد من حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر حديث 3006 ورواه الترمذي من حديث أبي هريرة كتاب البيوع باب 67 حديث 1306 وقال: حسن صحيح، ورواه ابن ماجه في سننه كتاب الصدقات باب 14، ورواه الدارمي في سننه كتاب البيوع باب 50، ورواه أحمد في المسند عن أبي هريرة 2/ 359.
(2)
رواه الإمام أحمد في المسند 2/ 237، 328، وإسناده صحيح قاله أحمد محمد شاكر 12/ 220 حديث 7230، ورواه مالك في الموطأ كتاب الشعر باب 13، والدارمي في كتاب الرقاق باب 44.
{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (1) فهم يدعون يوم القيامة ويكونون في ظل الله تعالى، لا يتأثرون من حرارة الشمس ولا مما يصيب الناس من شدة الهول في عرصات يوم القيامة.
يجلسون على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء كما أوضحت ذلك السنة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله عز وجل: "المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء (2)» .
تصور والناس في موقف الحساب وكرامات الله تعالى تظهر لأهل الصدق والوفاء فيكرمون أمام الجمع تمييزا لهم على حسن صنيعهم في الدنيا ورفعة وعلوا لشأنهم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن المقسطين (4)» . وفي رواية عنه رضي الله عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: «إن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ يوم القيامة بين يدي الرحمن بما أقسطوا في
(1) سورة الزخرف الآية 67
(2)
رواه الترمذي في كتاب الزهد باب 53 حديث 2390 وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(3)
رواه مسلم كتاب الإمارة حديث 1827، ورواه النسائي كتاب آداب القضاة 8/ 221، ورواه أحمد في المسند 2/ 160، وقال أحمد محمد شاكر صحيح الإسناد 9/ 203 حديث 6492.
(4)
(3) عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا
الدنيا (1)»
هؤلاء الفئة من الناس الذين عدلوا فيما أولاهم الله تعالى في الدنيا من مسئوليات على اختلافها وإن كانوا قلة بين الناس في الدنيا إلا أن مقامهم في الآخرة عظيم وأي مقام أفضل من هذا المقام حيث يدعون من الموقف ويجلسون على منابر من لؤلؤ في أفضل وأعلى مقام (بين يدي الرحمن) (وعن يمين الرحمن عز وجل يا له من مشهد يغبط أهله من الجمع، وهم تعلو وجوههم النضارة والسرور بهذه الكرامة، والرضا من الرب الكريم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يدخل الجنة من أمتي زمرة هم سبعون ألفا تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر (2)» وفي رواية لمسلم: «على صورة القمر (3)» .
وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا - أو سبعمائة ألف شك في إحداهما - متماسكين آخذ بعضهم ببعض حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة ووجوههم على ضوء القمر ليلة البدر (5)» . قال القرطبي: (المراد
(1) رواه أحمد في المسند 2/ 159، 203، وإسناده صحيح قاله أحمد محمد شاكر 9/ 199 حديثه 648.
(2)
رواه البخاري في صحيحه كتاب الرقاق باب 50 حديث 6542، ومسلم في صحيحه كتاب الإيمان حديث 216، والإمام أحمد في المسند 2/ 400.
(3)
صحيح مسلم كتاب الإيمان حديث 217.
(4)
رواه البخاري في صحيحه كتاب الرقاق باب 50 حديث 6543، ومسلم في صحيحه كتاب الإيمان حديث 219.
(5)
الشاك هنا هو أبو حازم: سلمة بن دينار أحد رواة الحديث انظر فتح الباري 11/ 413. (4)