الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد بين سبحانه وتعالي المقالة الصادقة من عباد الله الصالحين - الذين عبدوا من دون الله دون رضاهم (1) - يوم القيامة فقال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} (2)؟ فيجيبون كما أخبر عنهم سبحانه وتعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} (3) قال ابن عباس: بورا أي: هلكى، وقال الحسن البصري ومالك عن الزهري: أي لا خير فيهم (4).
(1) قال مجاهد: هو عيسى والعزير والملائكة، تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/ 499.
(2)
سورة الفرقان الآية 17
(3)
سورة الفرقان الآية 18
(4)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/ 500.
ثانيا: وجوه المؤمنين يوم القيامة
قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: (ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه، والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه، فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله تعالى أصلح الله عز وجل ظاهره للناس)(1).
فكما أن هذا يعرف في الدنيا، فكذا يكون يوم القيامة حيث يظهر النور على وجوه المؤمنين وتكون محاطة بنور الإيمان الذي كان متغلغلا في القلوب ثم ظهر نوره على الوجوه وأصبح له ضياء في العيون، ليكون ذاك صفة للمؤمنين الأتقياء يميزهم عن غيرهم من المجرمين، وليغبطوا على ذلك
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/ 313.
ويهنأوا بهذا النعيم والكرامة. قال الله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} (1) فالناس في الموقف فريقان: أهل الإيمان تشع وجوههم نورا، وأهل الكفر والعصيان يخيم الظلام على وجوههم بسبب ما أبطنوه ومن سوء ما سيقابلون به ربهم وخالقهم أمام الملأ من الناس. قال تعالى:{وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (2)
الجزاء من جنس العمل، مثلما عملوا صالحا في الدنيا، يبيض الله وجوههم يوم القيامة ويدخلهم الجنة:{جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا} (3) ثم تأتي الآيات مبينة مشاهد العز والكرامة للوجوه المؤمنة: قال تعالى: {وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ} (4) وجوه تتلألأ نورا قد أسلمها الله تعالى مما قد أصاب غيرها من الغبرة والهوان، والذل والخسران كما قال تعالى:{فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} (5) وكما قال تعالى: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} (6) ونضرة الوجه وسروره للمؤمنين تكون في الدنيا والآخرة كما أخبر الله تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} (7) هذه صفة كل مؤمن حقا، وإن وردت في الصحابة رضي الله عنهم إلا أن صفة المؤمنين واحدة في الدنيا والآخرة،
(1) سورة آل عمران الآية 106
(2)
سورة آل عمران الآية 107
(3)
سورة النبأ الآية 36
(4)
سورة يونس الآية 26
(5)
سورة الإنسان الآية 11
(6)
سورة المطففين الآية 24
(7)
سورة الفتح الآية 29
وإن اختلفت مقاماتهم ودرجاتهم. قال ابن جرير بعد ذكر ما ورد في معنى هذه الآية: (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن سيما هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في وجوههم من أثر السجود ولم يخص ذلك على وقت دون وقت، وإن كان ذلك كذلك، فذلك على كل الأوقات فكان سيماهم الذي كانوا يعرفون به في الدنيا أثر الإسلام وذلك خشوعه وهديه وزهده وسمته، وآثار أداء فرائضه وتطوعه. وفي الآخرة ما أخبر أنهم يعرفون به، وذلك الغرة في الوجه والتحجيل في الأيدي والأرجل من أثر الوضوء وبياض الوجه من أثر السجود)(1).
فالحسن والبهاء يعلو تلك الوجوه المستنيرة بنور الإيمان، وتزداد صفاء بالنظر إلى الرحمن، قال تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} (2){إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (3) ويستمر البشر والوضاء على الوجوه في الزيادة من شدة الفرح فتظهر ضاحكة مستبشرة بالنعيم الذي فازت به. قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ} (4){ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} (5) أي: يوم القيامة يظهر اغتباطها بالفوز، فتظهر بهذا المنظر الذي يشاهدهم به من كان في ذلك الموقف على الوجوه متنعمة. مما ظفرت به، جزاء على ما قدمته من الأعمال الصالحة في الحياة الدنيا، كما قال تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} (6){لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} (7)
(1) جامع البيان من تأويل آي القرآن 26/ 112 طبعة الحلبي - الطبعة الثالثة 1388هـ - 1968 م.
(2)
سورة القيامة الآية 22
(3)
سورة القيامة الآية 23
(4)
سورة عبس الآية 38
(5)
سورة عبس الآية 39
(6)
سورة الغاشية الآية 8
(7)
سورة الغاشية الآية 9
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: «كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلعت الشمس فقال: "يأتي الله قوم يوم القيامة نورهم كنور الشمس " فقال أبو بكر: أنحن هم يا رسول الله؟ قال: "لا ولكم خير كثير، ولكنهم الفقراء والمهاجرون الذين يحشرون من أقطار الأرض (1)» .
وعنه رضي الله عنه قال: وكنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما آخر حين طلعت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيأتي أناس من أمتي يوم القيامة نورهم كضوء الشمس" قلنا: من أولئك يا رسول الله؟ فقال: "فقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره يموت أحدهم وحاجته في صدره يحشرون من أقطار الأرض (2)» .
هذه الخاصية وإن جاءت لفئات مخصوصة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا أن المؤمنين من أي أمة من الأمم لا تخلو من السيماء الطيبة، والنور المشع، والصفات البهية، والنضارة العلية، التي يشاهدون بها أمام جموع الخليقة في أرض المحشر ويميزون بها عن غيرهم ممن حاد عن الهدى واتبع الردى.
فهذه الفئات من الناس قد اتصفوا بصفات أهلتهم لهذه المنزلة هي:
(1) رواه الإمام أحمد في المسند 2/ 222 وقال أحمد محمد شاكر إسناده صحيح 12/ 28 حديث 7072.
(2)
رواه الإمام أحمد في المسند 2/ 177 وقال أحمد محمد شاكر إسناده صحيح 10/ 136 حديث 6650.