الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالنتيجة لأن في ذلك أولا الحسرة ثم الفضيحة أمام الملأ ثم دخول النار.
حقا إن ذلك يوم التغابن كما وصفه الله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} (1) وهذه كلها مشاهد في بعضها الفرح والسرور وفي بعضها الحزن والأسى، وكل ذلك يظهر واضحا جليا أمام الخليقة، نسأل الله السلامة والفوز والنجاة من الخسارة والفضيحة.
(1) سورة التغابن الآية 9
مشاهد المؤمنين يوم القيامة
أولا: القول الحق من الرسل عند سؤال المولى لهم
قال الله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (1)
إن هول يوم القيامة يفزع كل أحد من مخلوقات الله تعالى إلا من أمن الله تعالى؛ لأن عظمته عز وجل يستذل أمامها من كبر ومن صغر، وأن علمه محيط بكل شيء فلا علم مع علمه، لا تخفى عليه خافية، يعلم السر وأخفى.
في ذلك اليوم الرهيب الذي فيه يملأ القلق النفوس، ويصل الخوف منتهاه كما قال تعالى:{يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (2) وكما قال تعالى: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} (3) نجد عباد
(1) سورة المائدة الآية 109
(2)
سورة النور الآية 37
(3)
سورة إبراهيم الآية 42
الله الصالحين كلهم خير في جميع أحوالهم الظاهرة والباطنة فإن سئلوا وتكلموا فبخير وصدق، وإن صمتوا فعلى خير وتقى، ورسل الله تعالى أصفى البشرية قلوبا، وأزكاها أنفسا وأصدقها منطقا، وأكثرها إيمانا، وأطيبها خلقا، وأعلمها بربها ومراده جل وعلا، وما أعظم حكمته سبحانه وتعالى في كل شيء خاصة وقد اختار من كل أمة أفضلها، وكلفه بإبلاغ دينه، فهاهم رسل الله جميعا يجيبون ربهم عند سؤالهم في ذلك المشهد العظيم والجمع الغفير بإرجاع العلم لأهله:{قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (1) العلم لمن لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، قال لقمان لابنه وهو يعظه كما أخبر الله بذلك:{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} (2)
قال سيد قطب: (والرسل بشر من البشر لهم علم ما حضر وليس لديهم علم ما استتر، لقد دعوا أقوامهم إلى الهدى فاستجاب منهم من استجاب، وتولى منهم من تولى، وما يعلم الرسول حقيقة من استجاب إن كان يعرف حقيقة من تولى، فإنما له ظاهر الأمر وعلم ما بطن لله وحده. وهم في حضرة الله الذي يعرفونه خير من يعرف، والذي يهابونه أشد من يهاب، والذي يستحيون أن يدلوا بحضرته بشيء من العلم وهم يعلمون أنه العليم الخبير.
(1) سورة المائدة الآية 109
(2)
سورة لقمان الآية 16
إنه الاستجواب المرهوب في يوم الحشر العظيم على مشهد من الملأ الأعلى وعلى مشهد من الناس أجمعين. الاستجواب الذي يراد به المواجهة. . مواجهة البشرية برسلها، ومواجهة المكذبين من هذه البشرية خاصة برسلهم الذين كانوا يكذبونهم، ليعلن في موقف الإعلان أن هؤلاء الرسل الكرام إنما جاءوهم من عند الله بدين الله، وهاهم أولاء مسؤولون بين يديه - سبحانه - عن رسالاتهم وعن أقوامهم الذين كانوا من قبل يكذبونهم.
أما الرسل فهم يعلنون أن العلم الحق لله وحده، وأن ما لديهم من علم لا ينبغي أن يدلوا به في حضرة صاحب العلم تأدبا وحياء ومعرفة بقدرهم في حضرة الله:{قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (1)(2).
ثم لننظر أمام الملأ والمولى عز وجل يخاطب أحد أنبيائه فيقول سائلا له: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (3)؟ فنجد الرد الصدق من عيسى عليه السلام لربه عز وجل: {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (4){مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (5)
(1) سورة المائدة الآية 109
(2)
في ظلال القرآن 2/ 996
(3)
سورة المائدة الآية 116
(4)
سورة المائدة الآية 116
(5)
سورة المائدة الآية 117