الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن زيد وعطية وسفيان ووهب وغيرهم: (أوقدت فصارت نارا)، وقيل معنى سجرت: أنها صارت حمراء كالدم، من قولهم: عين سجراء، أي: حمراء. قرأ الجمهور: {سُجِّرَتْ} (1) بتشديد الجيم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتخفيفها (2).
وقال تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} (3) أي: فتح بعضها على بعض، عندما تسوى الأرض بعد زوال الجبال وتصبح قاعا صفصفا يذهب البرزخ الحاجز والحجر الذي كان يمنع الماء من الفيضان على الأرض فتتدفق المياه على بعضها وهي نار تضطرم فتوجف القلوب وتضطرب من هذا المشهد المروع.
(1) سورة التكوير الآية 6
(2)
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير 5/ 388.
(3)
سورة الانفطار الآية 3
ثانيا مشهد الكائنات العلوية
(السماء والشمس والقمر والنجوم والكواكب)
أ -
مشهد السماء:
قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} (1)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (يخبر الله تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه أنه الذي بإذنه وأمره رفع السماوات بغير عمد بل بإذنه وأمره وتسخيره رفعها عن الأرض بعدا لا تنال ولا يدرك مداها، فالسماء الدنيا محيطة بجميع الأرض وما حولها من الماء والهواء من جميع نواحيها وجهاتها
(1) سورة الرعد الآية 2
وأرجائها مرتفعة عليها من كل جانب على السواء، وبعد ما بينها وبين الأرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام وسمكها في نفسها مسيرة خمسمائة عام ثم السماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا وما حوت، وبينهما من بعد المسير خمسمائة عام، وسمكها خمسمائة عام. وهكذا الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة كما قال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} (1)(2) فهذه السماوات السبع على ارتفاعها النائي وسمكها العظيم وعددها الكثير وجمالها الباهر، تأتي ساعة من الساعات ويكون في ذلك خرابها وزوالها من أماكنها ألا إن تلك الساعة هي يوم القيامة.
قال الله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا} (3) أي: يوم القيامة تتحرك السماوات لأمر الله تعالى فيموج بعضها في بعض، ثم تنشق على عظمها وسمكها وارتفاعها {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} (4){وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} (5)
فهي تأتي طائعة مستجيبة لأمر خالقها الذي ذل له كل شيء، له الأمر من قبل في البناء ومن بعد في الخراب. يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
إنها عندما تنشق يكون لها لون وشكل، ليأخذ المشهد في الزيادة، وترى العيون تحقق ما كان يوعد الإنسان. قال تعالى:{فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} (6) قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -:
(1) سورة الطلاق الآية 12
(2)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/ 772.
(3)
سورة الطور الآية 9
(4)
سورة الانشقاق الآية 1
(5)
سورة الانشقاق الآية 2
(6)
سورة الرحمن الآية 37
(أي تذوب كما يذوب الدردي (1) والفضة في السبك وتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها. فتارة حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء وذلك من شدة الأمر وهول يوم القيامة العظيم) (2).
وكما قال تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ} (3) كدردي الزيت، قاله ابن عباس ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي وغير واحد (4)، ثم يكون الضعف والوهن في كل مخلوق أمام قوة الخالق سبحانه وتعالى، حتى في السماء على عظمها وقوتها {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} (5) قال الشوكاني رحمه الله تعالى:(أي: انشقت بنزول ما فيها من الملائكة فهي في ذلك اليوم ضعيفة مسترخية)(6).
ويستمر المشهد في هذه السماء وما يحل بها من أمر الله تعالى. قال تعالى: {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ} (7) وقال تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} (8) فهي تتشقق ويكون فيها فرج أي: أبواب، كما أخبر سبحانه وتعالى:{وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا} (9) وهذا المشهد
(1) الدردي: الزيت وغيره، لسان العرب مادة (درد) 3/ 166.
(2)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/ 428.
(3)
سورة المعارج الآية 8
(4)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/ 658.
(5)
سورة الحاقة الآية 16
(6)
فتح القدير 5/ 281.
(7)
سورة المرسلات الآية 9
(8)
سورة الانفطار الآية 1
(9)
سورة النبأ الآية 19
الأخير وهو تفتح السماء أبوابا إيذانا بحصول مشهد جديد يظهر أمام الخليقة وهو نزول الملائكة إلى أرض المحشر كما أخبر الله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} (1) قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: (وذلك الغمام الذي ينزل الله فيه من فوق السموات، فتنفطر له السموات وتشقق، وتنزل الملائكة كل سماء فيقفون صفا صفا، إما صفا واحدا محيطا بالخلائق وإما كل سماء يكونون صفا، ثم السماء التي تليها صفا وهكذا، القصد أن الملائكة - على كثرتهم وقوتهم - ينزلون محيطين بالخلق، مذعنين لأمر ربهم، لا يتكلم منهم أحد إلا بإذن من الله. فما ظنك بالآدمي الضعيف خصوصا الذي بارز مالكه بالعظائم وأقدم على مساخطه، ثم قدم عليه بذنوب وخطايا لم يتب منها، فيحكم فيه الملك الخلاق بالحكم الذي لا يجور، ولا يظلم مثقال ذرة. ولهذا قال: {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} (2) لصعوبته الشديدة وتعسر أموره عليه. بخلاف المؤمن فإنه يسير خفيفة الحمل: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} (3){وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} (4)(5).
وفي نهاية الأمر تنتهي السماء وذلك بنزعها وطيها، قال تعالى:
(1) سورة الفرقان الآية 25
(2)
سورة الفرقان الآية 26
(3)
سورة مريم الآية 85
(4)
سورة مريم الآية 86
(5)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 5/ 473.