الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأحسن من عمله).
فأين هذا من الإنكار في عصرنا الحاضر على العلماء الذين خالفوا منكريهم وقد يكون الحق معهم، أو أنهم لم يعارضوا بقولهم دليلا ولا إجماعا ولا قاعدة شرعية.
وأين هذا مما يشتهر في عصرنا هذا في سرعة تجهيل الآخرين بغير وجه حق مما لا تقتضيه أصوله الدعوة مع عامة الناس فضلا عن العلماء.
ثانيا: التأديب
الأصل فيه ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان (3)» .
قال القاضي عياض رحمه الله: (هذا الحديث أصل في صفة التغيير، فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به قولا كان أو فعلا، فيكسر آلات الباطل ويريق المسكر بنفسه، أو يأمر من يفعله، وينزع الغصوب ويردها إلى أصحابها بنفسه، أو بأمره إذا أمكنه، ويرفق في التغيير جهده بالجاهل، وبذي العزة الظالم المخوف شره إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله. كما يستحب أن يكون متولي ذلك من أهل الصلاح والفضل لهذا المعنى، ويغلظ على المتمادي في غيه، والمسرف في بطالته إذا أمن أن يؤثر إغلاظه منكرا أشد مما غيره، لكون جانبه محميا عن سطوة الظالم، فإن غلب على
(1) سبق تخريجه في الفصل الثاني في أصل مشروعيته، رقم 6.
(2)
صحيح مسلم الإيمان (49)، سنن الترمذي الفتن (2172)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5009)، سنن أبو داود الصلاة (1140)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1275)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 54).
(3)
انظر جامع العلوم والحكم ص 280 (2)
ظنه أن تغييره بيده يسبب منكرا أشد منه: من قتله أو قتل غيره بسبب كف يده اقتصر على القول "باللسان، والوعظ، والتخويف، فإن خاف أن يسبب قوله مثل ذلك غير بقلبه وكان في سعة) (1).
قال ابن مفلح: (وأعلاه باليد، ثم باللسان، ثم بالقلب).
قال المروذي: (قلت لأبي عبد الله: كيف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: باليد، واللسان، وبالقلب وهو أضعف. قلت: كيف باليد؟ قال: يفرق بينهم، ورأيت أبا عبد الله مر على صبيان الكتاب يقتتلون ففرق بينهم، وقال في رواية صالح: (التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح).
قال القاضي: (وظاهر هذا يقتضي جواز الإنكار باليد إذا لم يفض إلى القتل والقتال)(2) قال أبو داود: (سمعت أحمد سئل عن رجل مر بقوم يلعبون بالشطرنج فنهاهم فلم ينتهوا فأخذ الشطرنج فرمى به. فقال قد أحسن). وقال في رواية أبي طالب فيمن يمر بالقوم يلعبون بالشطرنج: (يقلبها عليهم إلا أن يغطوها أو يسهتروها)(3).
ولا ينكر بسيف إلا ذو سلطان. وقال ابن الجوزي: (يضرب باليد والرجل وغير ذلك مما ليس فيه إشهار سلاح أو سيف يجوز للآحاد بشرط الضرورة، والاقتصار على قدر الحاجة، فإن احتاج إلى أعوان يشهرون السلاح؛ لكونه لا يقدر على الإنكار بنفسه، فالصحيح أن ذلك يحتاج إلى
(1) انظر شرح النووي على صحيح مسلم، ج 2 ص 25.
(2)
الآداب الشرعية، ج1 ص 161، 162.
(3)
الآداب الشرعية، ج 1 ص 167.
إذن الإمام؛ لأنه يؤدي إلى الفتن وهيجان الفساد) (1).
قال القرطبي: (ثم إن الأمر بالمعروف لا يليق بكل أحد، وإنما يقوم به السلطان إذا كانت إقامة الحدود إليه، والتعزير إلى رأيه، والحبس والإطلاق له، والنفي والتغريب، فينصب في كل بلدة رجلا صالحا قويا عالما أمينا ويأمره بذلك)(2). وقال: (قال العلماء: الأمر بالمعروف باليد على الأمراء، وباللسان على العلماء، وبالقلب على الضعفاء يعني عوام الناس. فالمنكر إذا أمكنت إزالته باللسان للناهي فليفعله، وإن لم يمكنه إلا بالعقوبة أو القتل فليفعل، فإن زال بدون القتل لم يجز القتل)(3).
قلت: الذي أراه والله أعلم أنه لا يحل لآحاد الناس إزالة المنكرات باليد، بل إن ذلك من اختصاص ولاة الأمر على أن يقوم ولي الأمر بأمر الحسبة سواء بنفسه أو بمن ينيبه من جهات تعتني بهذا الأمر.
ولهذا لا يحل للمسلم أن يتطاول على الناس بيده وولي الأمر قائم بذلك لو رفع الأمر إليه أو علمه.
ولا ينبغي الإسراع في رفع الأمر إلى السلطان؛ لأن الأمر قد يحتاج إلى الستر في البداية، روي عن هزال رضي الله عنه أن ماعز بن مالك كان في حجره قال: فلما فجر قال له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: «ويلك يا هزال، أما لو كنت سترته بثوبك لكان خيرا
(1) الآداب الشرعية، ج 1 ص174.
(2)
الجامع لأحكام القرآن، ج4 ص47.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 49.
مما صنعت، (1)»، فالخيرية لا تكون إلا في أمر مطلوب مما يدل على طلب الستر إلا أن يجاهر المرء بالزنا أو تصل الحال إلى إشاعته والتهتك به (2) وكره الإمام أحمد الرفع إلى السلطان ورغب في الوعظ (3) وقال: أما السلطان فما أرى ذلك (4). . . لكن إن لم يرتدع إلا بالسلطان وجب رفعه. والنهي عن إزالة المنكرات باليد لآحاد الناس؛ لأنها تحدث من الفتن أكثر مما يرجى من تلك الإزالة، والرفع إلى السلطان إن عجز عن الوعظ مبرئ به ذمته ومن ثم تعلق الإثم بالوالي ولزمه إزالته.
لكن إذا تعلق المنكر بنصرة مظلوم يؤذى في ماله، أو بدنه، أو عرضه ونحو ذلك مما يفوت التأخير حق النصرة وجبت المبادرة في الإنكار، ونصرة المظلوم إن قدر على ذلك، وإن لم يقدر بنفسه سعى لإخبار الناس أو الأجناد.
أما إذا كانت المنكرات شائعة في مجتمع من المجتمعات ولدى ولاة الأمر تقصير في هذا الجانب، أو عدم مبالاة في ذلك، فإن كان الإنكار باليد لا يحقق إزالتها، بل سيحدث فتنة وهرجا فما عليه إلا السعي بالنصيحة والحجج العلمية ببيان تحريمها وآثارها على الفرد والمجتمع ويحث الناس على تركها وهجرها، والوسائل لتحقيق ذلك كثيرة ومنها: اللقاءات الفردية أو المراسلة أو الندوات أو من خلال المقالات أو المطبوعات أو
(1) أخرجه أحمد في مسنده، ج 5 ص 217.
(2)
انظر شرح فتح القدير، ج 8 ص 463، وبلغة السالك ج 2 ص 358.
(3)
انظر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص 36، 53، 54.
(4)
المرجع السابق، ص 53.
الأشرطة أو الهاتف، وإذا كانت الإزالة مرجوة وستحقق الغرض دون إثارة فتنة أو فساد وقتل فلا بأس بإزالتها، وإن حصل للقائم بذلك شيء من الأذى بنفسه، حكي عن ابن العربي أن من رجا زواله وخاف على نفسه من تغييره الضرب أو القتل جاز له عند أكثر العلماء الاقتحام عند هذا الخطر وإن لم يرج زواله فأي فائدة عنده.
قال: (والذي عندي أن النية إذا خلصت فليقتحم كيفما كان ولا يبالي يدل عليه قوله تعالى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} (1) ففي هذه الآية إشارة إلى الأذية) (2).
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (يقتضي حضا على تغيير المنكر وإن نالك ضرر، فهو إشعار بأن المغير يؤذى أحيانا، وهذا القدر على جهة الندب والقوة في ذات الله، وأما على اللزوم فلا)(3).
وعن حذيفة مرفوعا: «لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه "، قيل: كيف يذل نفسه؟ قال: "يتعرض من البلاء لما لا يطيق (4)» ، وقيل: إن زاد وجب الكف، وإن تساويا سقط الإنكار.
قال ابن الجوزي: (فأما النسب والشتم فليس بعذر في السكوت؛ لأن الآمر بالمعروف يلقى ذلك في الغالب).
(1) سورة لقمان الآية 17
(2)
الجامع لأحكام القرآن، ج4 ص 48.
(3)
الجامع لأحكام القرآن، ج14 ص 68.
(4)
أخرجه أحمد في مسنده، ج 5 ص 405، وابن ماجه في كتاب الفتن، باب قول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم سنن أبن ماجه، ج 2 ص 1331، حديث رقم 4016، والترمذي في كتاب الفتن، باب 67 حديث رقم 2254 وقال:(حسن غريب)، الجامع الصحيح ج 4 ص 522.
قال الشيخ تقي الدين: (الصبر على أذى الخلق عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن لم يستعمل لزم أحد أمرين: إما تعطيل الأمر والنهي وإما حصول فتنة ومفسدة أعظم من مفسدة ترك الأمر والنهي أو مثلها أو قريب منها وكلاهما معصية وفساد)(1)
(1) الآداب الشرعية، ج 1 ص 156.
صفحة فارغة
أولويات الدعوة في منهج الأنبياء عليهم السلام
د. زيد بن عبد الكريم الزيد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فبين يدي هذا البحث عن: (أولويات الدعوة في منهج الأنبياء عليهم السلام أقدم بالنقاط التالية:
1 -
أن دعوة الأنبياء دعوة واحدة، من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد (1)»
2 -
أن هذه الوحدة بين الأنبياء عليهم السلام لم تأت عبثا، بل هي وحدة تستدعي من الدعاة الاقتداء والتأسي بها فيما بينهم، درءا للفرقة والخلاف، قال تعالى {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (2).
(1) صحيح البخاري المطبوع مع فتح الباري، جـ6 ص 478 حديث رقم 3443.
(2)
سورة الأنبياء الآية 92
3 -
أن الخلط بين ما يجوز فيه الاجتهاد، وما لا يجوز فيه الاجتهاد في أولويات الدعوة، أدى إلى الخلاف والشقاق بين الدعاة، وهو ما نرى أثره في تفرق الأمة إلى أحزاب، وفرق، وانتماءات، وولاءات، سببها - في غالب الأحيان- الخلاف حول أولويات الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
4 -
أن المنهج الذي تلتقي عليه. الأمة، لتكون حقا (أمة واحدة) هو منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، الذين كانوا يتلقون هذا المنهج بوحي من الله سبحانه، لا باجتهاد بشري. ولذلك أمر محمد صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} (1) وقال عن محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (2){إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (3)
ولكي نقرر في هذا المبحث نتيجة دعوية، تكون ذات قبول من الجميع، فإننا لن نتجاوز نصوص القرآن الكريم التي روت لنا دعوة الأنبياء عليهم السلام، وبعض الأحاديث الصحيحة الثابتة عن دعوته صلى الله عليه وسلم. وبخاصة وأن القضية ذات أساس مكين في الدعوة، تمس أولوياتها وتنسب إلى الأنبياء عليهم السلام، داعين الإخوة الدعاة في كل مكان إلى هذه الأولويات، لتكون جزءا رئيسا في منهج الدعوة، الذي لا يتأثر بالزمان ولا بالمكان.
مدخل:
يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4)
(1) سورة الأنعام الآية 90
(2)
سورة النجم الآية 3
(3)
سورة النجم الآية 4
(4)
سورة الذاريات الآية 56
فتحقيق العبودية لله سبحانه، هي الغاية من خلق الجن والإنس، وللدلالة على طريق هذه العبودية: بعثت الرسل، وأنزلت الكتب، يقول الله سبحانه وتعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (1)
وجاء التركيز على هذه العبودية، لتحرير الإنسان من الارتباط بالشهوات، والأهواء والآراء، التي تجر صاحبها إلى قيود العبودية البشرية، {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (2) وإن الحرية الحقيقية هي في العبودية لله سبحانه وتعالى، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:(الحرية: حرية القلب، والعبودية: عبودية القلب)(3).، ويقول:(إنما دين الحق: تحقيق العبودية لله، بكل وجه، وهو تحقيق محبة الله بكل درجة، وبقدر تكميل العبودية تكمل محبة العبد لربه ومحبة الرب لعبده، وبقدر نقص هذا، يكون نقص هذا)(4).
فالمهم هو: تحرير هذا القلب لربه، فلا يصرف أي شيء من العبادة لغير الله، وإذا استقام القلب استقامت الجوارح: «ألا وإن في الجسد
(1) سورة الأنبياء الآية 25
(2)
سورة الجاثية الآية 23
(3)
ابن تيمية، فتاوى شيخ الإسلام، جـ 10 ص 186
(4)
ابن تيمية، العبودية، ص 41.
مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب (1)».
ولن تجتمع قلوب هذه الأمة إلا على التوحيد، وإذا اختل التوحيد فكل له معبود، وكل له هدف، وعندها تتعدد الأودية والشعاب، وكل سيسلك واديا يهلك فيه، إلا من عصم الله بالبقاء على التوحيد.
ولن تستقر النفوس إلا بالتوحيد: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (2)، ويقول تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (3) هذا في الدنيا، أما في الآخرة فكل الذنوب وعد الله سبحانه وتعالى، بمغفرتها، إلا الشرك، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (4).
يقول ابن قيم الجوزية، في (مدارج السالكين):(وكلما كان توحيد العبد أعظم كانت مغفرة الله له أتم، فمن لقيه لا يشرك به شيئا ألبتة؛ غفر له ذنوبه كلها، كائنة ما كانت، ولم يعذب بها)(5).
ويقول أيضا رحمه الله تعالى في زاد المعاد: (ولما كان المشرك خبيث
(1) صحيح البخاري المطبوع مع فتح الباري، جـ ص 126 حديث رقم 52.
(2)
سورة الرعد الآية 28
(3)
سورة الزمر الآية 29
(4)
سورة النساء الآية 48
(5)
عبد المنعم العزي، تهذيب مدارج السالكين لابن قيم الجوزية، ص 186.
العنصر خبيث الذات؛ لم تطهر النار خبثه، بل لو خرج منها لعاد خبيثا كما كان، كالكلب إذا دخل البحر، ثم خرج منه، فلذلك حرم الله تعالى على المشرك الجنة) (1). .
هذا هو التوحيد؛ يجمع القلوب، ويحرر الإنسان في الدنيا، وصاحبه لديه وعد من الله بالغفران، مهما كانت ذنوبه؟ متى نجا من تلويث الشرك وأدرانه.
لذلك لم يكن غريبا أن يكون للتوحيد مكانة خاصة، مميزة في منهج دعوة الأنبياء عليهم السلام، اتفقوا عليها في كل دعواتهم، رغم تباعد العصور والأمكنة، وهو ما سنوضحه في الفقرة التالية.
أولويات الدعوة في منهج الأنبياء عليهم السلام
لمعرفة أولويات الدعوة في منهج الأنبياء عليهم السلام؛ لا بد من الرجوع إلى تاريخ دعواتهم عليهم السلام، بماذا بدأ كل منهم، وبماذا ثنى في قضاياه مع أمته التي بعث إليها، وأوثق مرجع وأصدقه هو القرآن الكريم، مع ما يبينه من السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولقد تحدث القرآن الكريم في مواضع منه عن دعوات الأنبياء، منها ما جاء مجملا، ومنها ما جاء مفصلا، ولذلك سنتحدث في هذا الموضوع وفق الفقرتين التاليتين:
أولا: النصوص الإجمالية من القرآن الكريم، عن دعوة الأنبياء إلى
(1) ابن قيم الجوربة، زاد المعاد في هدي خبر العباد، جـ1 ص 68