الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخر لمدة معلومة. وليس بيع العربون بمنزلة الخيار المجهول، إذ المشتري إنما يشترط خيار الرجوع في البيع مع ذكر مدة معلومة إن لم يرجع فيها مضت الصفقة وانقطع الخيار). اهـ (1)
(1) مصادر الحق، ج2، ص 101 - 102.
تكييف العربون:
اختلف القائلون بصحة بيع العربون في تكييفه هل هو شرط جزائي استحقه البائع لقاء تخلف المشتري عن الوفاء بالالتزام بالشراء أو هو تعويض عن ضرر محقق على البائع أو محتمل؟
فالذين يقولون: بأنه تعويض عن شرط جزائي لقاء العدول عن الشراء يقولون: بأن العربون في نظر الشارع معناه: إن المتبايعين قد أرادا إثبات حق الرجوع، لكل منهما في نظير الالتزام بدفع قيمة العربون فجعل العربون مقابلا لحق الرجوع ومن ثم لا يجوز تخفيض العربون إذا تبين أن الضرر الذي أصاب الآخر أقل من قيمته، كما لا يجوز زيادته إذا تبين أن الضرر الذي أصاب الطرف الآخر أكبر كما لا يجوز إلغاء العربون ولو لم يترتب على العدول ضرر (1).
والذين يقولون بأن العربون ليس شرطا جزائيا وإنما هو تعويض عن ضرر واقع أو محتمل الوقوع يوجهون قولهم بأن صرف الرغبة عن عرض البضاعة للبيع لقاء الالتزام ببيعها على من بذل العربون يحجب فرص بيعها بسعر ناجز وقد يكون بسعر أفضل. وحجب الفرص المتاحة فيه ضرر
(1) الوسيط للسنهوري، ج4 ص 90.
على مالك السلعة إما ضرر محقق وإما ضرر محتمل، أما الضرر المحقق فيتضح فيما إذا تقدم إلى مالك السلعة من يريد شراءها بسعر أفضل وببيع ناجز فيمتنع من ذلك لقاء التزامه ببيعها على من بذل له العربون في شرائها، وأما الضرر المحتمل فيتضح كذلك من حجب فرص بيعها لقاء الالتزام وذلك بإبعادها عن عرضها للبيع الذي هو مظنة المصلحة والغبطة. ففي حجب السلعة عن عرضها للبيع حرمان مالكها من تشوفه لبيعها بعقد ناجز وبسعر قد يكون أفضل وهذا عين الضرر. فإذا قلنا بأن العربون شرط جزائي فإن هذا القول يجعل العربون خاضعا للنظر القضائي عند النظر في الضرر الموجب لاستحقاقه، حيث إن الشرط الجزائي تعويض اتفق المتعاقدان على تقديره وذلك عن الضرر الذي ينشأ عن الإخلال بالعقد. ولهذا كان للقاضي حق النظر في مقدار هذا الشرط فإذا كان مبالغا في تقديره فله حق تخفيضه وله حق إلغائه في حال انتفاء الضرر. وهذا النظر القضائي لا يصح إجراؤه في العربون لكونه تعويضا عن ضرر محقق أو محتمل لقاء امتناع بائع السلعة بيع عربون عن عرضها للبيع وفوات مصلحته في ذلك.
ولو قلنا بأن العربون تعويض عن ضرر فإن للقضاء حق التدخل في تغيير مقداره زيادة أو نقصا، فإذا كان الضرر أقل من المعين فللقاضي حق تخفيضه، وإن كان أكثر من ذلك فله حق زيادته وهذا لا يتأتى في العربون
إذ هو شيء جرى اتفاق المتعاقدين على تعيينه واستحقاقه على من يعدل عن إمضاء العقد.
وهذه الإيرادات على تخريج العربون على الشرط الجزائي أو التعويض عن الضرر تجعلنا نبحث عن تكييف للعربون يسلم من هذه الإيرادات ويتفق مع حقيقة العربون.
وعليه فقد يظهر لنا وجه لتخريج العربون على تكييف قد تظهر سلامته من الإيرادات. وذلك أن العربون جزء من الثمن في حال إمضاء البيع وفي حال العدول عن الشراء فإنه يعتبر قدرا زائدا عن التقايل بين البائع والمشتري يستحقه البائع لقاء موافقته على الإقالة. وتوضيح هذا: أن المشتري اشترى السلعة بالثمن الذي جرى تحديده به، وأن العربون جزء من الثمن فإذا رغب المشتري العدول عن البيع فمخرجه من ذلك بيع السلعة على مالكها الأول بسعرها الذي اشتراها به ناقصا قدر العربون. وبهذا نستطيع الخروج من الإيرادات السابقة ومن الإيرادات كذلك على بيع العربون واعتبار بطلانه بها.
وقد يخرج بيع العربون على بيع ناجز بين البائع والمشتري بثمن معين يدفع المشتري جزءا من الثمن هو العربون والباقي يدفعه في حال اختياره بقاء المبيع عنده يعطيه البائع وعدا بشرائه ما باعه إياه في حال رغبته عن المبيع وبثمن أقل من ثمن مشتراه بقدر العربون.
ويذكر الدكتور عبد الرزاق السنهوري أن الفقه الغربي يتفق مع
المذهب الحنبلي في أن المشتري يفقد العربون إن كره البيع وإن اختاره حسب العربون من الثمن وأن جميع القوانين المدنية في البلاد العربية تأخذ بذلك.
وبعد أن تم لنا تعريف العربون واستعراض أقواله أهل العلم في حكمه ومناقشة حجج القائلين ببطلانه وذكر مستند القول بصحته يحسن بنا النظر في حاجة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية إليه كعنصر تنشيط للتجارة والاستثمار.
لا شك أن الحركة الاقتصادية في العالم قد تطورت أحواله اوظروفها ومقومات نشاطها وأسباب تعدد طرقها وقد اتسمت بالجدية في الأداء والدقة في احتساب الزمن واعتبار الكلمة في الإلزام والالتزام، وهذا يعني إيجاد ضوابط للجدية في التعامل إيجابا وقبولا، ولا شك أن الأخذ بمبدأ العربون من أهم ضوابط الجدية في الحركات الاقتصادية بيعا وشراء وإجارة، وهذا يعني أن الناس في حاجة إلى الأخذ ببيوع العربون في معاملاتهم ولا سيما وفي الأخذ به من الفوائد والاطمئنان إلى سلامة التحرك التجاري ما لا يخفى، وقد اتضح من المناقشة السابقة ما يجعل العربون أمرا مشروعا في دلالته ومعناه. والعلم عند الله تعالى. وقد رغبت الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي التعرض في البحث إلى أحكام المسائل الآتية:
1 -
هل يجوز العربون في بيع النقد بجنسه وفي الصرف؟