الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثا: تغير أحوال الناس
من المعلوم أنه في الحياة الدنيا يحصل التعاطف بين الناس خاصة الأقرباء من الآباء والأبناء والأمهات والإخوان والأصدقاء فيكون الأخذ والعطاء وتبادل المصالح، وقد تحصل المشاحة بين الأقرباء وذلك حسن أحوال الناس.
ولكن يوم القيامة تنقطع الصلة بين الناس في الأخذ والعطاء وحتى بين الأقرباء، الأب وابنه، والأم وابنها، والأخ وأخيه، والصديق وصديقه، وذلك من هول ما يرون ومن أمس الحاجة لما يملكون حيث لا نجاة لأحد إلا بأعماله الصالحة ثم برحمة أرحم الراحمين. وإن كانت المحبة موجودة بين المتقين، والعداوة حاصلة بين الكافرين، وإن كانت صداقة وقربى في الدنيا. قال الله تعالى:{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (1) أما الحسنات فهيهات هيهات أن يعطي أحد أحدا ولو مثقال ذرة ولو كان أقرب قريب أو أصدق صديق. فتغير أحوال الناس التي كانت في الدنيا على بعضهم وذلك يوم القيامة. قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ} (2){يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} (3){وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} (4){وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} (5){لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (6)
إذا كان يوم القيامة وحصل الحق الذي كان يوعده العباد، أصبح لا يعرف أحد أحدا في إسداء معروف، وحتى القريب يهرب من قريبه كل
(1) سورة الزخرف الآية 67
(2)
سورة عبس الآية 33
(3)
سورة عبس الآية 34
(4)
سورة عبس الآية 35
(5)
سورة عبس الآية 36
(6)
سورة عبس الآية 37
يقول: (نفسي نفسي) يرجو النجاة من عذاب الله تعالى الذي لا يغني عنه شيئا إلا الأعمال الصالحة.
قال عكرمة: (يلقى الرجل زوجته فيقول لها: يا هذه أي بعل كنت لك؟ فتقول: نعم البعل كنت وتثني بخير ما استطاعت، فيقول لها: فإني أطلب إليك اليوم حسنة واحدة تهبيها لي لعلي أنجو مما ترين. فتقول له: ما أيسر ما طلبت ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئا أتخوف مثل الذي تخاف. قال: وإن الرجل ليلقى ابنه فيتعلق به، فيقول: يا بني أي والد كنت لك؟ فيثني بخير. فيقول له: يا بني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى. فيقول ولده: يا أبت ما أيسر ما طلبت ولكني أتخوف مثل الذي تتخوف فلا أستطيع أن أعطيك شيئا)(1).
إنه لمشهد عظيم والأخ يفر من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه بل والرسل الذين هم من أرحم الناس للناس خاصة أولوا العزم منهم وهم يقولون يوم القيامة عندما يستشفع بهم الناس إلى ربهم: (نفسي نفسي)(2) قال الله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} (3){يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} (4){إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (5) يوم القيامة لا ينفع قريب قريبه، ولا يدفع عنه شيئا مما يحل به في ذلك اليوم ولا ينفع إلا رحمة أرحم الراحمين.
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/ 743، دار الكتب العلمية تحقيق حسين بن إبراهيم زهران.
(2)
انظر حديث الشفاعة في صحيح مسلم كتاب الإيمان حديث 194.
(3)
سورة الدخان الآية 40
(4)
سورة الدخان الآية 41
(5)
سورة الدخان الآية 42
قال تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} (1) قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى: في الآية سؤالان:
السؤال الأول: ما وجه نفي الأنساب بينهم مع أنها باقية كما دل عليه قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ} (2){يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} (3){وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} (4){وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} (5)؟ ففي هذه الآية ثبوت الأنساب بينهم.
السؤال الثاني: أنه قال: {وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} (6) مع أنه ذكر في آيات أخر أنهم في الآخرة يتساءلون كقوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} (7)؟ إلى غير ذلك من الآيات.
الجواب عن السؤال الأول: أن المراد بنفي الأنساب انقطاع آثارها التي كانت مترتبة عليها في دار الدنيا من التفاخر بالآباء والنفع والعواطف والصلات، فكل ذلك ينقطع يوم القيامة، وليس المراد نفي حقيقة الأنساب.
الجواب على السؤال الثاني: من ثلاثة أوجه:
الأول: أن نفي السؤال بعد النفخة الأولى وقبل الثانية وإثباته بعدهما.
وهذا الجواب فيما يظهر لا يخلو من نظر.
الثاني: أن نفي السؤال عند اشتغالهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط وإثباته فيما عدا ذلك.
الثالث: أن السؤال المنفي سؤال خاص وهو سؤال بعضهم العفو من
(1) سورة المؤمنون الآية 101
(2)
سورة عبس الآية 33
(3)
سورة عبس الآية 34
(4)
سورة عبس الآية 35
(5)
سورة عبس الآية 36
(6)
سورة المؤمنون الآية 101
(7)
سورة الصافات الآية 27