الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عجائب قدرته تعالى وأن لا شيء وإن عظم بمستحيل مع قدرة الله تعالى فيقول عز وجل: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} (1) وكيف هذا العهن؟ فيقول تعالى في موضع آخر: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} (2) والعهن هو: الصوف المصبوغ ألوانا (3)، المنفوش: النفش: مدك الصوف حتى ينتفش بعضه عن بعض (4).
هذه حال الجبال يوم القيامة وصفاتها المروعة بعد الصلابة والقوة والكبر والكثرة تصير بهذه الصفات ثم يذهبها الله تعالى حتى يصبح لا أثر لها.
قال تعالى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} (5)، وقال تعالى:{وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} (6)
(1) سورة المعارج الآية 9
(2)
سورة القارعة الآية 5
(3)
لسان العرب: 13/ 297.
(4)
لسان العرب: 6/ 257.
(5)
سورة النبأ الآية 20
(6)
سورة التكوير الآية 3
ب-
مشهد الأرض:
قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (1) انظر بعد الحياة والاستقرار ماذا سيكون للأرض؟ قال الله تعالى: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا} (2) إنه الخراب لهذا
(1) سورة الرعد الآية 3
(2)
سورة الواقعة الآية 4
الكون والانتقال إلى دار أخرى.
فمن مشاهد القيامة: تحرك الأرض وارتجاجها وتحركها وارتجافها كما قال تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ} (1) ثم تتزلزل: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} (2) ثم تدك: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} (3){كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا} (4) تمهد وتسوى وتصبح كالبساط الواحد لا ارتفاع ولا انخفاض فيها كما قال تعالى: {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا} (5){لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} (6) وتمد كما قال تعالى: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} (7) مثل مد الأديم (8) كما في الحديث: «ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد الأديم (9)» وتلقي ما في بطنها من الأموات وتتخلى عنهم (10){وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} (11)
(1) سورة المزمل الآية 14
(2)
سورة الزلزلة الآية 1
(3)
سورة الحاقة الآية 14
(4)
سورة الفجر الآية 21
(5)
سورة طه الآية 106
(6)
سورة طه الآية 107
(7)
سورة الانشقاق الآية 3
(8)
الأديم: الجلد ما كان، لسان العرب مادة (أدم) 9/ 12.
(9)
هذه قطعة من حديث طويل رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ذكره ابن ماجه في سننه كتاب الفتن باب 33 حديث 4081. قال محمد فؤاد عبد الباقي في تعليقه على هذا الحديث في سنن ابن ماجه: (في الزوائد: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، ومؤثر بن عفازة ذكره ابن حبان في الثقات. وباقي رجال الإسناد ثقات ورواه الحاكم وقال هذا صحيح الإسناد)، المستدرك 4/ 546 هـ. ورواه الإمام أحمد في المسند 1/ 375 وقال أحمد محمد شاكر (إسناده صحيح)، انظر المسند تحقيق أحمد محمد شاكر 5/ 189حديث 3556.
(10)
قاله مجاهد وسعيد وقتادة. انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/ 769.
(11)
سورة الانشقاق الآية 4
مثل قوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} (1){وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا} (2) قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (أي الإنسان استنكر أمرها بعدما كانت قارة ساكنة ثابتة وهو مستقر على ظهرها أي تقلبت الحال فصارت متحركة مضطربة قد جاءها من أمر الله تعالى ما قد أعده لها من الزلزال الذي لا محيد عنه، ثم ألقت ما في بطنها من الأموات من الأولين والآخرين وحينئذ استنكر الناس أمرها وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار)(3) ياله من مشهد عظيم عندما تنطق الأرض وتتكلم وتشهد على كل من كان على ظهرها من العاملين بما كانوا يعملون بعد إذن الله تعالى لها بذلك، قال تعالى:{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} (4){بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} (5) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: قال: "أتدرون ما أخبارها؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا كذا وكذا، فهذه أخبارها (7)»
بعد هذه المشاهد للأرض، يبدلها الله تعالى كما قال عز وجل:
(1) سورة الزلزلة الآية 2
(2)
سورة الزلزلة الآية 3
(3)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/ 885.
(4)
سورة الزلزلة الآية 4
(5)
سورة الزلزلة الآية 5
(6)
رواه الترمذي في سننه كتاب تفسير سورة الزلزلة حديث 3353، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه الإمام أحمد في المسند 2/ 374.
(7)
سورة الزلزلة الآية 4 (6){يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}
{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} (1) وقد اختلف في تبديل الأرض، فقيل:
1 -
تبدل الأرض أرضا أخرى من فضة.
2 -
وقيل تبدل نارا.
3 -
وقيل تبدل خبزة.
4 -
وقيل تبدل غير ذلك.
ذكر هذا ابن جرير وقال: (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: يوم تبدل الأرض التي نحن عليها اليوم يوم القيامة غيرها، وكذلك السماوات اليوم تبدل غيرها كما قال جل ثناؤه، وجائز أن تكون المبدلة أرضا أخرى من فضة وجائز أن تكون نارا، وجائز أن تكون خبزا، وجائز أن تكون غير ذلك، ولا خبر في ذلك عندنا من الوجه الذي يجب التسليم له أي ذلك يكون فلا قول في ذلك يصح إلا ما دل عليه ظاهر التنزيل).
وقال تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (2).
وهذا مشهد عظيم فيه بيان لعظمة الله تعالى وقدرته وهيمنته على خلقه أجمعين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(1) سورة إبراهيم الآية 48
(2)
سورة الزمر الآية 67
«يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ (1)»
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ (2)» .
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: (هذه الأحاديث وما في معناها تدل على عظمة الله وعظيم قدرته وعظم مخلوقاته وقد تعرف سبحانه وتعالى إلى عباده بصفاته وعجائب مخلوقاته وكلها تعرف وتدل على كماله، وأنه هو المعبود وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وتدل على إثبات الصفات له على ما يليق بجلال الله وعظمته، إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل، وهذا هو الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وعليه سلف الأمة وأئمتها ومن تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم على الإسلام والإيمان)(3) وعن عائشة رضي الله عنها قالت؟ «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: فأين يكون الناس يومئذ؟ فقال: على الصراط (5)» .
(1) رواه البخاري في صحيحه كتاب التفسير سورة 39 حديث 4812، ورواه مسلم كتاب صفة المنافقين حديث 2787.
(2)
رواه مسلم في صحيحه كتاب صفة المنافقين حديث 2788، ورواه أبو داود في سننه كتاب السنة حديث 4732.
(3)
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص 523 تحقيق الشيخ عبد العزيز بن باز.
(4)
رواه مسلم في صحيحه، صفات المنافقين حديث 2791.
(5)
سورة إبراهيم الآية 48 (4){يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ}