الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التقى بكثير من العلماء، من أمثال الشيخ سليم العطار، وكان يحضر مجالس الشيخ عبد الرزاق البيطار (1).
وكان القاسمي منذ أن وعى على نفسه يعمل على تهذيبها، وظهرت عليه مخايل النبوغ مبكرا، ولا يكاد يمضي عليه يوم لم يستفد منه فائدة، ولم يقيد شاردة.
وهكذا لم يكتف بدراسة العلوم الشرعية، بل درس أيضا العلوم العصرية.
انتدبته الحكومة بإلقاء الدروس العامة في القرى والمدن في بلاد الشام، فأقام في عمله هذا أربع سنوات من 1308هـ- 1312هـ.
رحل القاسمي إلى بيت المقدس، ثم رحل إلى مصر مع صفيه وصديقه الشيخ عبد الرزاق البيطار، واجتمع فيها بالشيخ محمد عبده -مفتي مصر - وبمحمد رشيد رضا مرات عديدة، وقام برحلة إلى المدينة المنورة والتقى فيها ببعض علمائها.
(1) شيخ الشام، بقلم محمود مهدي الإستانبولي، ص 16.
مآثره وشمائله:
وعن مآثره وشمائله أقتبس هذه السطور التي كتبها محمد كرد علي حيث قال:
(إن جماع الأسباب التي نجح بها القاسمي، طهارة نفسه من المطامع الدنيوية، وشغفه بالعلم لذاته ونفعه في إنارة القلوب، وأنه منج في الدنيا والآخرة.
فهو لم يجعل الدين سلما إلى الدنيا، بل فرغ قلبه ووقته للعمل النافع، فبارك الله بساعات عمره القصير) (1).
(1) مجلة المقتبس الدمشقية.
ولو عددنا ما كتبه من مصنفاته، أو قسناه بالنسبة لهذا العصر، لما قل عن اللحاق بالمكثرين من التأليف.
وتذرع القاسمي بعامة ذرائع النفع لهذه الأمة، فكان إماما في تآليفه الوفيرة، إماما في دروسه الكثيرة، إماما في محرابه ومنبره ومصلاه، رأسا في مضاء العزيمة، رأسا في العفة، وهذه الصفة هي السر الذي دار عليه محور نبوغه؛ لأنه لو صانع طمعا في حطام الدنيا لما خرج عن صفوف أهل محيطه.
كان القاسمي إذا لقيه المماحك في أحد المجامع عرضا، أو غشيه في درسه أو بيته ناقدا أو ناقما، علمه من حيث لا يشعر، وهداه إلى المحبة بكيس القول، فإذا أيقن أنه من المكابرين أعرض عنه وقال:(سلاما).
جاء القاسمي في عصر زهد الناس فيه في العلوم الدينية إلا قليلا فأعاد إليها في هذه الديار شيئا من بهائها السابق، ولقد كان يجتمع به الموافق والمخالف، فما كانا يصدران عنه إلا معجبين بعقله، مقرين بفضله، معترفين بقصور كثير من المشاهير عن إدراك شأوه، يخلب الألباب، ويستميل العقول، فكأنه خلق من معدن اللطف، ورقة الشمائل، ولم تجد الغلظة سبيلا إلى قلبه، ولا الفظاظة أثرا في كلامه وقلمه.
رأيت رجالا كثيرين في مصر والشام خاصة، فلم أر همة تفوق همة القاسمي، ولا نفسا طويلا على العمل ودؤوبا عليه أكثر منه، ولا غراما
بالاستفادة ولا حبا بالعلم للعلم، فقد قضى عن (تسعة وأربعين) عاما، وخلف ما خلف من عشرات المصنفات النافعة، منها تفسير، ومنها مقالاته الممتعة، وأبحاثه المستوفاة، وأثر في عقول كثير من الطلبة تخرجوا به، وأخذوا أحكام الحلال عنه، ودع دروس وعظه للعامة أو حلقات خاصته، ومع كل هذا كان حتى الرمق الأخير أشبه بطالب يريد أن يجوز الامتحان لنيل الشهادة العالية.
رزق الله العلامة القاسمي صفات إذا جمع بعضها لغيره، عد قريع دهره، ووحيد عصره.
فقد كان طلق اللسان، طلق المحيا، وافر المادة، وافر العقل، سريع الخاطر، سريع الكتابة.
ما اجتمع به أحد إلا تمنى لو طال بحديثه استمتاعه؛ ليزيد في الأخذ عنه، والاغتراف من بحر علمه.
وبينما ترى القاسمي على قدم السلف الصالح، عالما كبيرا بين الفقهاء، والأصوليين، والمحدثين، والمفسرين، إذا هو من المختصين بالأدب.
وبينما تراه يؤلف إذا بك تراه يواظب على التدريس لطلبته، أو وعظه المستمعين في دروسه وخطبه.
ومع كل هذه الأعمال تراه يهش ويبش كل ساعة، ويفسح من وقته شطرا ليغشى مجلسه أخلاؤه وطلاب الفوائد منه.
ويصف محمد رشيد رضا - القاسمي - فيقول: (كان من أكمل ما رأيت في أخلاقه وآدابه وشمائله، غضيض الطرف، خافض الصوت، كثير الإطراق، خفيف الروح، دائم التبسم).
اتهمه خصومه -فيما اتهموه- بالوهابية، فلم" يأبه لهم، ولا لاتهامهم؛ لأنه يعرف أن ما اتهموه به ما هو إلا منهج ا! لسلف الصالح،