الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضا. ونقل ذلك من تفسير ابن جرير بإسناده إلى ابن عباس، ثم ساق الأحاديث في نهر الكوثر وقال: بل قد تواتر من طرق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث. وكذلك أحاديث الحوض ثم ذكر كثيرا مما جاء في الحوض. وإنما أشرنا إلى هذا كله ليخزي الذين لا يؤمنون بالغيب، ويتأولون ما يتعلق بالقيامة والبعث والجنة والنار، ثم يزعمون أنهم مؤمنون وينتسبون إلى الإسلام " (1).
(1) انظر مسند أحمد (ترتيب أحمد محمد شاكر) 8/ 159.
العيون
: قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (1). قال الألوسي: " والمراد بالعيون يحتمل كما قيل أن يكون الأنهار المذكورة في قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} (2) الآية. ويحتمل أن يكون منابع مغايرة لتلك الأنهار وهو الظاهر "(3).
ولقد جاء ذكر العيون كثيرا في كتاب الله تعالى حيث بين أسماء بعضها وميزتها، وهذا من فضل الله تعالى الذي أعده لعباده المتقين. قال تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} (4){فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (5) وقال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ} (6) وقال
(1) سورة الحجر الآية 45
(2)
سورة محمد الآية 15
(3)
روح المعاني 14/ 57 دار الفكر.
(4)
سورة الدخان الآية 51
(5)
سورة الدخان الآية 52
(6)
سورة المرسلات الآية 41
تعالى: {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} (1)، قال ابن كثير:" أي: عين سارحة وهذه نكرة في سياق الإثبات، وليس المراد بها عينا واحدة وإنما هذا جنس، يعني فيها عيون جاريات "(2).
وقال تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} (3)، قال الشوكاني:" هذا أيضا صفة أخرى لجنتان. أي: في كل واحدة منهما عين جارية. قال الحسن: إحداهما السلسبيل والأخرى التسنيم. وقال عطية إحداهما من ماء غير آسن والأخرى من خمر لذة للشاربين، قيل: كل واحدة منهما مثل الدنيا أضعافا مضاعفة "(4). وقال تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} (5) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أي فياضتان، والجري أقوى من النضخ، وقال الضحاك: أي: ممتلئتان ولا تنقطعان " (6). فهذه العيون الجارية، ذات المياه الصافية، والحلاوة الطارية، مما أعد الله تعالى في الجنة لعباده المتقين، يتنعمون به شربا، أو يتلذذون به رؤية، أو يتمتعون به أكلا، مما تنبت من الثمار المختلفة نوعا وشكلا.
(1) سورة الغاشية الآية 12
(2)
تفسير القرآن العظيم 4/ 794.
(3)
سورة الرحمن الآية 50
(4)
فتح القدير 5/ 140.
(5)
سورة الرحمن الآية 66
(6)
تفسير القرآن العظيم 4/ 435.
قال وتعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} (1){عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} (2).
قال ابن كثير: " أي: هذا المزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفا بلا مزج ويروون بها {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} (3) أي: يتصرفون فيها حيث شاءوا وأين شاءوا من قصورهم ومجالسهم ومحالهم. والتفجير هو الإنباع كما قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} (4)، وقال تعالى: {وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا} (5) (6)، وقال تعالى {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا} (7) {عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} (8). قال ابن كثير رحمه الله تعالى: " أي: يسقون- أي الأبرار أيضا- في هذه الأكواب (كأسا) أي: خمرا {كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا} (9) فتارة يمزج لهم الشراب بالكافور وهو بارد، وتارة بالزنجبيل وهو حار؛ ليعتدل الأمر. وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارة، ومن هذا تارة. وأما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صرفا كما قاله قتادة وغيره. {عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} (10) أي: الزنجبيل عين في الجنة تسمى سلسبيلا. قال عكرمة: اسم عين في الجنة. وقال مجاهد: سميت بذلك لسلاسة سيلها وحدة جريها. قال قتادة: عين سلسلة مستنفذ ماؤها، وحكى ابن جرير عن بعضهم أنها
(1) سورة الإنسان الآية 5
(2)
سورة الإنسان الآية 6
(3)
سورة الإنسان الآية 6
(4)
سورة الإسراء الآية 90
(5)
سورة الكهف الآية 33
(6)
تفسير القرآن العظيم 4/ 712.
(7)
سورة الإنسان الآية 17
(8)
سورة الإنسان الآية 18
(9)
سورة الإنسان الآية 17
(10)
سورة الإنسان الآية 18
سميت "بذلك لسلاستها في الخلق، واختار هو أنها تعم ذلك كله وهو كما قال "(1).
وقال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} (2){عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} (3){تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} (4){يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} (5){خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (6){وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} (7){عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} (8) هذا حال الأبرار في الجنة يجلسون على الأسرة ذات الحجال، ينظرون إلى ما أرادوا، وما قد أباح الله لهم من أجل اكتمال نعيمهم، وجوههم تتلألأ من النور من فرح ما هم فيه من الملك والسلطان والنعيم العظيم. يشربون من خمر الجنة التي لا كدر فيها ولا زوال عقل، لا يفك ختم إنائها إلا هم، ونهاية شرابها المسك.
قال الشوكاني: " قال مجاهد: مختوم: مطين، كأنه ذهب إلى معنى الختم بالطين، ويكون المعنى: أنه ممنوع من أن تمسه يد إلى أن يفك ختمه للأبرار. وقال سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي: ختامه: آخر طعمه، وهو معنى قوله:{خِتَامُهُ مِسْكٌ} (9) أي: آخر طعمه ريح المسك، إذا رفع الشارب فاه من آخر شرابه وجد ريحه كريح المسك. وقيل: مختوم أوانيه من الأكواب والأباريق بمسك مكان الطين، وكأنه تمثيل لكمال نفاسته وطيب رائحته. والحاصل أن المختوم والختام إما أن يكون من ختام الشيء وهو آخره، أو من ختم الشيء وهو جعل الخاتم عليه
(1) تفسير القرآن العظيم 4/ 715.
(2)
سورة المطففين الآية 22
(3)
سورة المطففين الآية 23
(4)
سورة المطففين الآية 24
(5)
سورة المطففين الآية 25
(6)
سورة المطففين الآية 26
(7)
سورة المطففين الآية 27
(8)
سورة المطففين الآية 28
(9)
سورة المطففين الآية 26
كما تختم الأشياء بالطين ونحوه " (1). ومن أجل هذا فليتسابق العباد في عمل الطاعات والتكاثر من ذلك للظفر بهذا النعيم وهذا الشراب الذي ذكر الله تعالى عنه {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} (2){عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} (3)
قال البغوي: شراب ينصب عليهم من علو في غرفهم ومنازلهم، وقيل: يجري في الهواء متسنما فينصب في أواني أهل الجنة على قدر ملئها، فإذا امتلأت أمسك. وهذا معنى قول قتادة. وأصل كلمة السنام من العلو، يقال للشيء المرتفع: سنام، ومنه سنام البعير. قال الضحاك: هو شراب اسمه تسنيم وهو أشرف الشراب. قال ابن مسعود وابن عباس: هو خالص للمقربين يشربونها صرفا، ويمزج لسائر أهل الجنة. وهو قوله:{وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} (4)(5) عينا يشرب بها المقربون أي: منها، وقيل: يشرب بها المقربون صرفا (6). قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى: " وهي أعلى أشربة الجنة على الإطلاق؛ فلذلك كانت خالصة للمقربين الذين هم أعلى الخلق منزلة، وممزوجة لأصحاب اليمين، أي: مخلوطة بالرحيق وغيره من الأشربة اللذيذة "(7). والعيون في الجنة كثيرة جدا وإن لم يرد مسماها، بل قد بين سبحانه وتعالى شيئا منها وصفته وميزته، ليشمر العباد عن ساق الجد والمثابرة في ميدان العمل في الحياة الدنيا؛ للظفر بذلك النعيم المهيأ لعباد الله العاملين.
(1) فتح القدير 5/ 402.
(2)
سورة المطففين الآية 27
(3)
سورة المطففين الآية 28
(4)
سورة المطففين الآية 27
(5)
تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل 4/ 461.
(6)
تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل 4/ 462.
(7)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 7/ 592.