الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونخلص إلى أن رواية الأئمة عن الضعفاء والمجهولين إذا لم يصحبه تدليس لهم ليس بجرح؛ لأنه يعرف المتصل من غيره، وينتقي من أحاديثهم، والكلبي منسوب إلى الضعف فرواية ابن إسحاق عنه ليس بجرح، والله أعلم.
ثامنا: روايته عن أبناء اليهود:
قال إبراهيم الحزامي: عن ابن أبي فديك قال: رأيت محمد بن إسحاق يكتب عن رجل من أهل الكتاب (1).
فعقب الذهبي بقوله؟ قلت: هذا يشنع به على ابن إسحاق، ولا ريب أنه حمل ألوانا عن أهل الذمة مترخصا بقوله صلى الله عليه وسلم «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج (2)» .
وقال أبو داود الطيالسي: حدثني بعض أصحابنا قال: سمعت ابن إسحاق يقوله: حدثني الثقة، فقيل له: من؟ قال: يعقوب اليهودي (3).
وقال ابن سيد الناس: ولم يكن ويقدح فيه مالك من أجل الحديث، إنما ينكر عليه تتبعه غزوات صلى الله عليه وسلم من أولاد اليهود الذين أسلموا وحفظوا قصه خيبر وقريظة والنضير وما أشبه ذلك من الغرائب عن أسلافهم، وكان ابن إسحاق يتتبع ذلك عنهم؛
(1) سير أعلام النبلاء 7/ 53، ميزان الاعتدال 3/ 470.
(2)
صحيح البخاري 6/ 361، في أحاديث الأنبياء: باب ما ذكر عن بني إسرائيل، من حديث عبد الله بن عمرو.
(3)
ميزان الاعتدال 3/ 471.
ليعلم ذلك من غير أن يحتج بهم، وكان مالك لا يرى الرواية إلا عن متقن صدوق (1).
وهذا الاتهام ليس بقادح؛ فما دام يعقوب اليهودي أو غيره أسلم وحسن إسلامه فإنه أصبح من المسلمين، وكونه يتتبع روايات قصة خيبر، وقريظة، والنضير وغيرها، ويكتبها من غير أن يحدث بها، ولكن لينظر فيها؛ لا شيء فيه، فالكتابة عن كل أحد لا مطعن فيها فقد قالوا: إذا كتبت فغمش، وإذا حدثت ففتش.
وأيضا فحديثه صلى الله عليه وسلم دليل على جواز الاستماع إلى أهل الكتاب والكتابة أيضا، خاصة ما دام الأمر ليس في الحلال والحرام وإنما في الأخبار.
ثم إن رواية أبي داود منقطعة لا حجة فيها فهي عن بعض أصحابه ولم يسمه، ويعقوب هذا لعله من مسلمة أهل الكتاب الذين حسن إسلامهم، ولم يورد دليلا على صحة مقالته سوى هذه الرواية المنقطعة، وليس غريبا أن يصفوا من أسلم بأنه يهودي، فقد وصفوا كعب الأحبار وغيره باليهودي باعتبار ما كان سالفا، وهذا وإن كان لا يجوز لمن أسلم وحسن إسلامه، لكنه وارد في مقالة السابقين كثيرا، وأيضا فهل وجد الناظر في حديثه في السير والمغازي شيئا من روايته عن يهودي أو نصراني؟!
وإذن فهذه التهمة لا تقدح فيه أصلا، وبالله التوفيق.
(1) عيون الأثر 1/ 17، التهذيب 9/ 45، الثقات لابن حبان 7/ 382، 383.