الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعا: التدليس:
قال الرازي: قال الأثرم لأبي عبد الله: ما تقول في محمد بن إسحاق؟ قال: هو كثير التدليس جدا، فكان أحسن حديثه عندي ما قال: أخبرني وسمعت (1).
وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل ذكره فقال: كان رجلا يشتهي الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه (2).
وقال أحمد: كان يدلس، إلا أن كتاب إبراهيم بن سعد إذا كان سماعا قال: حدثني، وإذا لم يكن قال: قال (3).
وقال الذهبي عن رواية أبي داود عن أحمد بن حنبل: قلت: هذا الفعل سائغ فهذا (الصحيح) للبخاري فيه تعليق كثير (4).
وقال ابن سيد الناس: وأما التدليس فمنه القادح في العدالة وغيره ولا يحمل ما وقع هاهنا من مطلق التدليس على التدليس المقيد بالقادح في العدالة (5).
وقال ابن سيد الناس أيضا: وأما قوله كان يشتهي الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه فلا يتم الجرح بذلك حتى
(1) الجرح والتعديل 7/ 194، عيون الأثر 1/ 12.
(2)
عيون الأثر 1/ 12، التهذيب 9/ 43.
(3)
عيون الأثر 1/ 12، سير أعلام النبلاء 7/ 46.
(4)
سير أعلام النبلاء 7/ 46.
(5)
عيون الأثر 1/ 13.
ينفي أن تكون مسموعة له، ويثبت أن يكون حدث بها ثم ينظر بعد ذلك في كيفية الأخبار، فإن كان بألفاظ لا تقتضي السماع تصريحا فحكمه حكم المدلسين ولا يحسن الكلام معه إلا بعد النظر في مدلول تلك الألفاظ، وإن كان يروي ذلك عنهم مصرحا بالسماع ولم يسمع فهذا كذب صراح واختلاق محض لا يحسن الحمل عليه إلا إذا لم يجد للكلام مخرجا غيره (1).
وقال ابن حبان: وإنما أتى لأنه كان يدلس على الضعفاء فوقع المناكير في روايته من قبل أولئك، فأما إذا بين السماع فيما يرويه فيما يرويه فهو ثبت، يحتج بروايته (2).
وذكره الحافظ ابن حجر في الطبقة الرابعة من طبقات المدلسين، وهم من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع؛ لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل (3).
وقال العقيلي: حدثني الخضر بن داود، حدثنا أحمد بن محمد، قلت لأبي عبد الله: ما تقول في ابن إسحاق؟ قال: هو كثير التدليس جدا، قلت: فإذا قال: أخبرني، وحدثني؟ قال؟: فهو ثقة (4).
(1) عيون الأثر 1/ 15.
(2)
الثقات لابن حبان 7/ 383.
(3)
طبقات المدلسين ص 22 - 79، ط الأولى 407 أهـ تحقيق د. محمد زينهم.
(4)
سير أعلام النبلاء 7/ 54.
وقال ابن سيد الناس أيضا:
وأما قوله لا يبالي عمن يحكي عن الكلبي وغيره فهو أيضا إشارة إلى الطعن بالرواية عن الضعفاء، لمحل ابن الكلبي من التضعيف، والراوي عن الضعفاء لا يخلو حاله من أحد أمرين: إما أن يصرح باسم الضعيف أو يدلسه فإن صرح به فليس فيه كبير أمر روى عن شخص ولم يعلم حاله أو علم وصرح به ليبرأ من العهدة، وإن دلسه فإما أن يكون عالما بضعفه أو لا، فإن لم يعلم فالأمر في ذلك قريب، وإن علم به وقصد بتدليس الضعيف وتغييره وإخفائه ترويج الخبر، حتى يظن أنه من أخبار أهل الصدق وليس كذلك، فهذه جرحة من فاعلها وكبيرة من مرتكبها وليس في أخبار أحمد عن ابن إسحاق ما يقتضي روايته عن الضعيف وتدليسه إياه مع العلم بضعفه حتى ينبني على ذلك قدح أصلا، وجواب ثان: محمد بن إسحاق مشهور بسعة العلم وكثرة الحفظ فقد يميز من حديث الكلبي وغيره مما يجري مجراه ما يقبل مما يرد فيكتب ما يرضاه ويترك ما لا يرضاه، وقد قال يعلى ابن عبيد: قال لنا سفيان الثوري: اتقوا الكلبي، فقيل له: فإنك تروي عنه، فقال: أنا أعرف صدقه من كذبه، ثم غالب ما يروى عن الكلبي أنساب وأخبار من أحوال الناس وأيام العرب وسيرهم وما يجري مجرى ذلك مما سمح كثير من الناس في حمله عمن لا تحمل عنه الأحكام، وممن حكى عنه الترخص في ذلك الإمام أحمد، وممن حكى عنه التسوية في ذلك بين الأحكام وغيرها
يحيى بن معين، وفي ذلك بحث ليس هذا موضعه (1).
وبتأمل ما ورد من نصوص في اتهام محمد بن إسحاق بالتدليس نجد أنها كلها من رواية الإمام أحمد بن حنبل، وقد ثبت في باب توثيق العلماء له أنه قال عنه: حسن الحديث، وكان يتعجب من حسن القصص الذي يجيء به محمد بن إسحاق، وثبت أن عبد الله بن أحمد قال: كان أبي يتتبع حديثه ويكتبه كثيرا بالعلو والنزول، ويخرجه في المسند، وما رأيته اتقى حديثه قط، وقدم الإمام أحمد بن حنبل محمد بن إسحاق على موسى بن عبيدة الربذي، وأنكر على هشام بن عروة في انتقاده ابن إسحاق في تحديثه عن زوجته فقال: وما ينكر لعله جاء فاستأذن عليها فأذنت له -أحسبه قال- ولم يعلم.
والإمام أحمد وثقه إذا صرح بالسماع، وأثبت أن كتاب إبراهيم بن سعد يبين السماع من غيره.
وثبت -كما ورد في كلام الذهبي وابن سيد الناس - أنه يذكر من يحدث عنهم إذا كانوا ضعفاء سواء كان عالما بحالهم أو لم يعلم.
ونخلص إلى أن محمد بن إسحاق كان يصرح بسماع أكثر ما سمعه سواء كان عن الثقات أو عن الضعفاء، والذي ليس فيه تصريح ليس بقادح، كما قال الذهبي وابن سيد الناس؛ لأنه لا يستحل الكذب.
(1) عيون الأثر 1/ 15.