الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الله بن دينار، وكان عابدا مات سنة 153 هـ (1).
وقال الذهبي: ضعفوه (2).
ويتضح أن تقديم يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل محمد بن إسحاق على موسى بن عبيدة هو الحق، فمحمد بن إسحاق بالنسبة لموسى بن عبيدة لا يقاربه، فهذا ثقة وهذا ضعيف، وهذا محتج به وهذا غير ذلك، والله أعلم.
(1) تقريب التهذيب 2/ 286.
(2)
الكاشف 3/ 164.
المبحث السادس: جرح العلماء له والأجوبة على ذلك:
رمي ابن إسحاق بعدد من التهم وهي:
1 -
رمي بالقدر.
2 -
رمي بالكذب.
3 -
رمي بالتشيع.
4 -
رمي بالتدليس.
5 -
رمي برواية أحاديث في الصفات.
6 -
الضعف في الحديث.
7 -
يحدث عن المجهولين، والضعفاء.
8 -
روايته عن أبناء اليهود.
أولا: القدر:
أ- قال الذهبي: وروي عن حميد بن حبيب أنه رأى ابن إسحاق مجلودا في القدر، جلده إبراهيم بن هشام الأمير (1).
(1) ميزان الاعتدال 3/ 472.
ب- وقال الخطيب البغدادي: أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم الدمشقي في كتابه إلينا، قال: أنبأنا أبو الميمون البجلي، ثم أخبرنا البرقاني قراءة قال: أنبأنا محمد بن عثمان القاضي، قال: نبأنا أبو الميموني عبد الرحمن بن عبد الله البجلي بدمشق قال: قال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري:. . . وقد ذاكرت دحيما قول مالك، فرأى أن ذلك ليس للحديث إنما هو لأنه اتهمه بالقدر (1).
ج- أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي فيما أجاز لنا، وحدثنا ثقة سمعه منه قال: أنبأنا محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة قال: نبأنا جدي، قال: سمعت سعيد ابن داود الزنبري قال:
حدثني والله عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: كنا في مجلس محمد بن إسحاق نتعلم، فأغفى إغفاءة [ثم تنبه] فقال: إني رأيت في المنام الساعة كأن إنسانا دخل المسجد ومعه حبل فوضعه في عنق حمار فأخرجه، فما لبثنا أن دخل المسجد رجل معه حبل حتى وضعه في عنق ابن إسحاق فأخرجه فذهب به إلى السلطان، فحله، قال ابن أبي زنبر: من أجل القدر.
د- أخبرنا الحسين بن علي الصيمري قال: نبأنا علي بن الحسين الرازي قال: نبأنا محمد بن الحسين الزعفراني قال: نبأنا أحمد بن زهير قال: سمعت هارون بن معروف يقول: كان محمد بن إسحاق قدريا.
(1) تاريخ بغداد 1/ 224، سير أعلام النبلاء 7/ 42.
هـ- أخبرنا علي بن محمد بن الحسين الدقاق قال: قرأنا على الحسين بن هارون الضبي عن أبي العباس بن سعيد قال: نبأنا موسى بن هارون بن إسحاق قال: سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول: وكان محمد بن إسحاق يرمى بالقدر وكان أبعد الناس منه، وقال ابن عيينة: اتهموه بالقدر (1).
ونقول على ما تقدم من روايات في رمي ابن إسحاق بالقدر ما يلي:
1 -
رواية الذهبي وردت بصيغة التمريض " روي " مما تضعف به الرواية.
2 -
حميد بن حبيب لم أجد له ترجمة، ولا نستطيع أن نحكم بأن الواقعة حدثت بالفعل إلا إذا عرفنا صدق راويها.
أما رواية الخطيب البغدادي " ب " ففي إحدى الروايتين؛ محمد بن عثمان بن الحسن القاضي النصيبي: كذاب (2).
ومذاكرة أبي زرعة " دحيما " لقول مالك، فإن دحيما هو عبد الرحمن بن محمد الأسدي له حديث موضوع (3).
والرواية "ج " فإن في سندها سعيد بن داود الزنبري وهو ضعيف (4).
(1) تاريخ بغداد 1/ 225 - 226، سير أعلام النبلاء 7/ 43.
(2)
تاريخ بغداد 3/ 51.
(3)
لسان الميزان 2/ 429، 3/ 433، 5/ 146.
(4)
الكاشف 1/ 284، ميزان الاعتدال 2/ 133، تقريب التهذيب 1/ 194.
والرواية " د " فإن في سندها أحمد بن زهير وهو ينسب أيضا إلى القول بالقدر ولربما -إذا صحت الرواية- يريد بذلك تكثير المنتسبين إلى القول بالقدر (1).
والرواية " هـ " فإن محمد بن عبد الله بن نمير أحد رواتها نفى أن يكون محمد بن إسحاق قدريا، بل قال: وكان أبعد الناس منه (2).
أما الرواية الأخيرة وهي رواية ابن عيينة: فلم يجزم بما اتهم به ابن إسحاق، بل جعلها تهمة مبنية للمجهول.
وإجابة ابن سيد الناس خاتمة في رد هذه التهمة التي لم تثبت في حق الإمام الجليل محمد بن إسحاق وهي قوله:
قلت: أما ما رمي به من التدليس والقدر والتشيع فلا يوجب رد روايته ولا يوقع فيها كبير وهن. . . وكذلك القدر والتشيع لا يقتضي الرد إلا بضميمة أخرى ولم نجدها ها هنا (3). والله أعلم.
(1) لسان الميزان 1/ 174.
(2)
سير أعلام النبلاء 7/ 43.
(3)
سير أعلام النبلاء 7/ 52.
ثانيا: الكذب:
أ- اتهام هشام بن عروة لابن إسحاق بالكذب:
قال الرازي: عن يحيى بن سعيد القطان قال: قال هشام بن عروة: هو كان يدخل على امرأتي؟ - يعني محمد بن
إسحاق - كالمنكر.
وقال في رواية أخرى قال: أهو كان يصل إليها؟ وقال الرازي: قال عمر بن حبيب: قلت لهشام بن عروة:
حدثنا محمد بن إسحاق قال: ذاك كذاب (1).
وقال الغلاس: كنا عند وهب بن جرير، فانصرفنا من عنده فمررنا بيحيى القطان فقال: أين كنتم؟ فقلنا: كنا عند وهب بن جرير - يعني نقرأ عليه كتاب المغازي عن أبيه، عن ابن إسحاق - فقال: تنصرفون من عنده بكذب كثير.
وقال يحيى القطان: ما تركت حديثه إلا لله، أشهد أنه كذاب.
وقال يحيى بن سعيد القطان: قال لي وهيب بن خالد: إنه كذاب، قلت لوهيب: ما يدريك؟ قال: قال لي مالك: أشهد أنه كذاب، قلت لمالك: ما يدريك؟
قال: قال لي هشام بن عروة: أشهد أنه كذاب، قلت لهشام: ما يدريك؟ قال: حدث عن امرأتي فاطمة. . . الحديث (2).
وروى الهيثم بن خلف الدوري: ثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا
(1) الجرح والتعديل 7/ 193، تاريخ بغداد 1/ 222.
(2)
عيون الأثر 1/ 12، سير أعلام النبلاء 7/ 49 - 52.
أبو داود صاحب الطيالسة قال: حدثني من سمع هشام بن عروة، وقيل له: إن ابن إسحاق يحدث بكذا وكذا عن فاطمة فقال: كذب الخبيث (1).
وروى القطان عن هشام أنه ذكره فقال: العدو لله الكذاب يروي عن امرأتي من أين رآها.
وقال العقيلي: حدثنا العباس بن الفضل الإسفاطي، حدثنا سليمان بن داود، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا وهيب: سمعت هشام بن عروة يقول: ابن إسحاق كذاب (2).
ويتضح من عرض الروايات السابقة أن مدارها على هشام ابن عروة زوج فاطمة بنت المنذر.
قال الذهبي: قال ابن المديني: سمعت سفيان، وسئل عن ابن إسحاق: لم لم يرو أهل المدينة عنه؟ فقال: جالست ابن إسحاق منذ بضع وسبعين سنة، وما يتهمه أحد من أهل المدينة، ولا يقول فيه شيئا، فقلت له: كان ابن إسحاق يجالس فاطمة بنت المنذر؟ فقال: أخبرني أنها حدثته، وأنه دخل عليها، فعقب الذهبي بقوله: هو صادق في ذلك بلا ريب (3).
وقال الذهبي أيضا: قلت: هشام صادق في يمينه، فما رآها، ولا زعم الرجل أنه رآها، بل ذكر أنها حدثته، وقد سمعنا
(1) عيون الأثر 1/ 11، سير أعلام النبلاء 7/ 51، تاريخ بغداد 1/ 222.
(2)
سير أعلام النبلاء 7/ 48.
(3)
سير أعلام النبلاء 7/ 37. / 50
من عدة نسوة وما رأيتهن، وكذلك روى عدة من التابعين عن عائشة، وما رأوا لها صورة أبدا (1).
وقال يعقوب بن شيبة: سألت عليا - يعني ابن المديني - فهشام بن عروة قد تكلم فيه؟ فقال علي: الذي قال هشام ليس بحجة، لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها (2).
وقال الذهبي: قلت: ويحتمل أن تكون إحدى خالات ابن إسحاق من الرضاعة فدخل عليها وما علم هشام بأنها خالة له أو عمة (3).
وقال ابن سيد الناس: وقد ذكره أبو حاتم ابن حبان في كتاب الثقات له فأعرب عما في الضمير فقال: تكلم فيه رجلان: هشام ومالك، فأما هشام فأنكر سماعه من فاطمة، والذي قاله ليس مما يجرح به الإنسان في الحديث، وذلك أن التابعين كالأسود وعلقمة سمعوا من عائشة من غير أن ينظروا إليها، بل سمعوا صوتها، وكذلك ابن إسحاق كان يسمع من فاطمة والستر بينهما مسبل (4).
وقال عبد الله بن أحمد: فحدثت أبي بحديث ابن إسحاق فقال: وما ينكر هشام، لعله جاء فاستأذن عليها فأذنت له،
(1) سير أعلام النبلاء 7/ 38.
(2)
سير أعلام النبلاء7/ 44.
(3)
سير أعلام النبلاء 7/ 50.
(4)
عيون الأثر 1/ 16.
أحسبه قال: "ولم يعلم (1). وقال الذهبي: قلت قد أجبنا عن هذا، والرجل فما قال:
إنه رآها، أفبمثل هذا يعتمد على تكذيب رجل من أهل العلم، هذا مردود (2).
إذن سبب اتهام ابن إسحاق بالكذب في جميع الروايات السابقة والتي مدارها على هشام بن عروة سببها رواية ابن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر ودفاع هشام عن زوجته واتهامه بالكذب، ويصبح هذا الاتهام لاغيا وغير معتبر. . . والله أعلم.
(1) تاريخ بغداد 1/ 222، 223.
(2)
ميزان الاعتدال 3/ 471.
ب- اتهام مالك لابن إسحاق بالكذب وغيره:
روى مالك عن هشام بن عروة قوله: أشهد أنه كذاب (1).
قال الرازي: حدثنا أبو سعيد، حدثنا ابن إدريس قال:
قلت لمالك بن أنس وذكر المغازي فقلت: قال ابن إسحاق: أنا بيطارها، فقال: قال لك: أنا بيطارها؟ نحن نفيناه عن المدينة (2).
وقال الرازي أيضا: نا مسلم بن الحجاج النيسابوري قال:
حدثني إسحاق بن راهويه قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا
(1) عيون الأثر 1/ 12.
(2)
الجرح والتعديل 7/ 192 - 193، سير أعلام النبلاء 7/ 251، تاريخ بغداد 1/ 223.
ابن إدريس قال: كنت عند مالك بن أنس، وقال له رجل: يا أبا عبد الله إني كنت بالري عند أبي عبيد الله، وثم محمد بن إسحاق فقال محمد بن إسحاق: اعرضوا علي علم مالك فإني أنا بيطاره، فقال مالك: دجال من الدجاجلة يقول: اعرضوا علي علمه؟ (1) وقال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن ابن إسحاق فقال: هو حسن الحديث ثم قال: قال مالك: وذكره، فقال: دجال من الدجاجلة (2).
وقال عباس العنبري: سمعت أبا الوليد، حدثني وهيب قال: سألت مالكا عن محمد بن إسحاق فقال: وقال. . . واتهمه (3).
وقال أبو جعفر العقيلي: حدثني أسلم بن سهل، حدثني محمد بن عمرو بن عون، حدثنا محمد بن يحيى بن سعيد القطان قال: قال أبي: سمعت مالكا يقول: يا أهل العراق من يغت -أي يفسد- عليكم بعد محمد بن إسحاق (4).
وقال الخطيب: كان مالك بن أنس يسيء القول في ابن إسحاق.
أخبرنا أبو بكر البرقاني، قال: أنبأنا الحسين بن علي
(1) الجرح والتعديل 7/ 193، سير أعلام النبلاء 7/ 50.
(2)
سير أعلام النبلاء 7/ 38، تاريخ بغداد 1/ 223، ميزان الاعتدال 3/ 469.
(3)
سير أعلام النبلاء 7/ 49.
(4)
سير أعلام النبلاء 7/ 53.
التميمي قال: نبأنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق قال: نبأنا الميموني قال: سمعت أبا الوليد هشام بن عبد الملك يقول: كان مالك بن أنس سيئ الرأي في ابن إسحاق.
أخبرنا محمد بن الحسين القطان، قال: أنبأنا دعلج بن أحمد، قال: أنبأنا أحمد بن علي الأبار قال: نبأنا إبراهيم بن زياد سبلان قال: نبأنا حسين بن عروة قال: سمعت مالك بن أنس يقول: محمد بن إسحاق كذاب (1).
وقال ابن حبان: وقد تكلم في ابن إسحاق رجلان:
هشام بن عروة، ومالك بن أنس، أما مالك فإنه كان ذلك منه مرة واحدة، ثم عاد له إلى ما يحب، وذلك أنه لم يكن بالحجاز أحد أعلم بأنساب الناس وأيامهم من محمد بن إسحاق، وكان يزعم أن مالكا من موالي ذي أصبح، وكان مالك يزعم أنه من أنفسهم، فوقع بينهما لهذا مفاوضة، فلما صنف مالك الموطأ قال ابن إسحاق: ائتوني به فأنا بيطاره، فنقل إلى مالك فقال: هذا دجال من الدجاجلة، يروي عن اليهود.
وكان بينهم ما يكون بين الناس حتى عزم محمد بن إسحاق على الخروج إلى العراق فتصالحا حينئذ فأعطاه مالك عند الوداع خمسين دينارا ونصف ثمرته تلك السنة، ولم يكن يقدح فيه مالك من أجل الحديث إنما كان ينكر عليه تتبعه غزوات النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد اليهود الذين أسلموا وحفظوا قصة خيبر وبني قريظة،
(1) تاريخ بغداد 1/ 223.
والنضير، ما أشبهها من الغزوات عن أسلافهم، وكان ابن إسحاق يتتبع هذا عنهم ليعلم من غير أن يحتج بهم، وكان مالك لا يرى الرواية إلا عن متقن صدوق فاضل يحسن ما يروي ويدري ما يحدث (1).
والإجابة على اتهام مالك لابن إسحاق بالكذب والدجل وغير ذلك من وجوه:
1 -
إحدى الروايات التي يتهم فيها مالك ابن إسحاق بالكذب هي عن هشام بن عروة، وقد تقدم أن هشام بن عروة اتهمه بالكذب؛ لأنه حدث عن زوجته، وهذا الاتهام مردود.
2 -
وروايات أخرى اتهم مالك ابن إسحاق بأنه كذاب وأنه دجال وأنهم- أي أهل المدينة - نفوه من المدينة، وسبب هذا الرأي السيئ في ابن إسحاق أن ابن إسحاق كان عالما بالأنساب فذكر أن مالك بن أنس من موالي ذي أصبح، وكان مالك يزعم أنه من أنفسهم، مما أوغر صدر مالك عليه فجرحه جرحا بليغا، وجرحه هذا لسبب ذاتي شخصي.
والسبب الثاني: أن مالكا ألف كتابه " الموطأ " فقال ابن إسحاق: اعرضوا علي علم مالك فأنا بيطاره، فلما بلغ مالك بن أنس قول ابن إسحاق قال كلمته المشهورة فيه:" دجال من الدجاجلة " مما أصل قوله السيئ في ابن إسحاق، ولا شك أن قول مالك بن أنس في محمد بن إسحاق غير معتبر، بل ومردود،
(1) الثقات لابن حبان 7/ 381 - 383.
والقاعدة المشهورة في علم الرجال: أن كلام الأقران في بعضهم غير مقبول.
وهنا بعض أقوال العلماء التي تؤكد رد كلام مالك في ابن إسحاق:
قال سفيان: إنه ما رأى أحدا يتهمه، أي ابن إسحاق.
وقال الذهبي: قال البخاري: رأيت علي بن عبد الله يحتج بحديث ابن إسحاق.
وقال: قال إبراهيم بن المنذر: حدثنا عمر بن عثمان أن الزهري كان تلقف المغازي من ابن إسحاق فيما يحدثه عن عاصم بن عمر، والذي يذكر عن مالك في ابن إسحاق لا يكاد يتبين، وكان إسماعيل بن أبي أويس من أتبع من رأينا لمالك، أخرج إلي كتب ابن إسحاق عن أبيه في المغازي وغيرها، فانتخب منها كثيرا (1).
وقال الذهبي: وذكر البخاري هنا فصلا حسنا عن رجاله، وإبراهيم بن سعد، وصالح بن كيسان، فقد أكثر عن ابن إسحاق، قال البخاري: ولو صح عن مالك تناوله من ابن إسحاق، فلربما تكلم الإنسان، فيرمي صاحبه بشيء واحد، ولا يتهمه من الأمور كلها، قال: وقال إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح: نهاني مالك عن شيخين من قريش، وقد أكثر عنهما في "الموطأ" وهما ممن يحتج بهما، ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس
(1) سير أعلام النبلاء 7/ 39.
فيهم، ونحو ما يذكر عن إبراهيم من كلامه في الشعبي، وكلام الشعبي في عكرمة وفيمن كان قبلهم، وتناول بعضهم في العرض والنفس، ولم يلتفت أهل العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة، ولم تسقط عدالتهم إلا ببرهان ثابت وحجة، والكلام في هذا كثير.
قال الذهبي: قلت: لسنا ندعي في أئمة الجرح والتعديل العصمة من الغلط النادر، ولا من الكلام بنفس حاد فيمن بينهم وبينه شحناء وإحنة، وقد علم أن كثيرا من كلام الأقران بعضهم في بعض مهدر لا عبرة به، ولا سيما إذا وثق الرجل جماعة يلوح على قولهم الإنصاف، وهذان الرجلان كل منهما قد نال من صاحبه، لكن أثر كلام مالك في محمد بعض اللين، ولم يؤثر كلام محمد فيه ولا ذرة، وارتفع مالك، وصار كالنجم، والآخر، فله ارتفاع بحسبه ولا سيما في السير، وأما في أحاديث الأحكام، فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن، إلا فيما شذ فيه، فإنه يعد منكرا. هذا الذي عندي في حاله، والله أعلم (1). وقال ابن سيد الناس: ولم يكن يقدح فيه مالك من أجل الحديث، إنما كان ينكر عليه تتبعه غزوات النبي صلى الله عليه وسلم من أولاد اليهود الذين أسلموا وحفظوا قصة خيبر وقريظة والنضير وما أشبه ذلك من الغرائب عن أسلافهم، وكان ابن إسحاق يتتبع ذلك عنهم ليعلم ذلك من غير أن يحتج بهم، وكان مالك لا يرى الرواية إلا عن متقن صدوق، قلت: ليس ابن إسحاق، أبا عذرة هذا القول،
(1) سير أعلام النبلاء 7/ 40 - 41.
في نسب مالك، فقد حكي شيء من ذلك عن الزهري وغيره (1). وبهذه النصوص نصل إلى أن جرح مالك بن أنس لابن إسحاق جرح غير معتبر، وإنما سببه ما وقع بينهما من عداوة، حيث تكلم ابن إسحاق في نسب مالك وتحداه لكتابه ولعلمه، ومعلوم عند أهل الجرح والتعديل أن كلام الأقران لا يؤخذ في بعضهم، فما بالك إذا انضاف إلى ذلك ثبوت العداوة بينهما.
ج- اتهام يحيى بن سعيد القطان لابن إسحاق بالكذب وترك حديثه:
قال ابن سيد الناس: قال يحيى بن القطان: ما تركت حديثه إلا لله، أشهد أنه كذاب (2).
وقال يحيى بن سعيد: قال لي وهيب بن خالد: إنه كذاب، قلت لوهيب: ما يدريك؟ قال: قال لي خالك: أشهد أنه كذاب، قلت لمالك: ما يدريك؟ قال: قال لي هشام بن عروة: أشهد أنه كذاب، قلت لهشام: ما يدريك؟ قال: حدث عن امرأتي فاطمة (3).
وروى ابن معين عن يحيى بن سعيد القطان أنه كان لا يرضى محمد بن إسحاق ولا يحدث عنه (4).
(1) عيون الأثر 1/ 17.
(2)
عيون الأثر 1/ 12، ميزان الاعتدال 3/ 471.
(3)
عيون الأثر 1/ 13، سير أعلام النبلاء 7/ 48، 49.
(4)
عيون الأثر 1/ 11.
وقال أبو موسي محمد بن المثنى: ما سمعت يحيى القطان يحدث عن ابن إسحاق شيئا قط (1).
وقال ابن المديني: سمحت يحيى يقول: قال إنسان للأعمش: إن ابن إسحاق حدثنا عن ابن الأسود، عن أبيه بكذا وكذا، فقال: كذب ابن إسحاق، وكذب ابن الأسود، حدثني عمارة بكذا وكذا (2).
وقال الرازي: قال أبو حفص الغلاس: كنا عند وهب بن جرير فانصرفنا من عنده فمررنا بيحيى بن سعيد القطان فقال: أين كنتم؟ قلنا: كنا عند وهب بن جرير -يعني يقرأ علينا كتاب المغازي عن أبيه، عن ابن إسحاق - قال:
تنصرفون من عنده بكذب كثير (3).
وقال الرازي: حدثنا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا علي- يعني ابن المديني - قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: قلت لهشام بن عروة: إن ابن إسحاق يحدث عن فاطمة بنت المنذر فقال: أهو كان يصل إليها؟ فقلت ليحيى: كان محمد بن إسحاق بالكوفة وأنت بها؟ قال نعم، قلت: تركته متعمدا؟ قال: نعم تركته متعمدا ولم أكتب عنه حديثا قط (4).
(1) عيون الأثر 1/ 11.
(2)
سير أعلام النبلاء 7/ 52.
(3)
الجرح والتعديل 7/ 193، ميزان الاعتدال 3/ 469، سير أعلام النبلاء 7/ 52.
(4)
الجرح والتعديل 7/ 193، عيون الأثر 1/ 11.
وقيل لأحمد بن حنبل: أروى عنه يحيى بن سعيد؟ قال: لا (1) وقال أبو قلابة الرقاشي: حدثني أبو داود سليمان بن داود قال: قال يحيى القطان: أشهد أن محمد بن إسحاق كذاب (2). وبتأمل النصوص التي ذكرت أن يحيى بن سعيد القطان كان يتهم محمد بن إسحاق بالكذب نجدها إما رواية عن هشام بن عروة، وقد تقدم الكلام على رواية ابن إسحاق عن زوجة هشام ابن عروة فاطمة بنت المنذر.
وإما تقليدا لمالك وتقليدا لهشام بن عروة، كما قرر ذلك جماعة من أهل العلم: قال ابن سيد الناس: وأما ترك يحيى بن سعيد القطان حديثه فقد ذكرنا السبب في ذلك وتكذيبه إياه رواية عن وهيب بن خالد بن مالك عن هشام فهو ومن فوقه في هذا الإسناد تبع لهشام (3).
وقال ابن حجر: وكذبه سليمان التيمي ويحيى القطان ووهيب ابن خالد، فأما وهيب والقطان فقلدا فيه هشام بن عروة ومالكا، وأما سليمان التيمي فلم يتبين لأي شيء تكلم فيه، والظاهر أنه لأمر غير الحديث؟ لأن سليمان ليس من أهل الجرح والتعديل (4).
(1) ميزان الاعتدال 3/ 470.
(2)
ميزان الاعتدال 3/ 471.
(3)
عيون الأثر 1/ 14.
(4)
التهذيب 9/ 45.
وقال ابن سيد الناس أيضا: وأما ما نقلناه عن يحيى بن سعيد عن طريق ابن المديني ووهب بن جرير فلا يبعد أن يكون قلد مالكا؛ لأنه روى عنه قول هشام فيه (1).
ومعلوم أيضا أن يحيى بن سعيد القطان من المتشددين في الحكم على الرجال، والله أعلم.
(1) عيون الأثر 1/ 16.
ثالثا: التشيع:
قال أبو إسحاق الجوزجاني: ابن إسحاق الناس يشتهون حديثه، وكان يرمى بغير نوع من البدع (1).
وقال الخطيب: وقد أمسك عن الاحتجاج بروايات ابن إسحاق غير واحد من العلماء لأسباب منها: أنه كان يتشيع (2). وقال ابن سيد الناس: قلت: أما ما رمي به من التدليس والقدر والتشيع فلا يوجب رد روايته ولا يوقع فيها كبير وهن. . . وكذلك القدر والتشيع لا يقتضي الرد إلا بضميمة أخرى ولم نجدها هاهنا (3).
ويتضح أن هذه التهمة -إن ثبتت عليه- فهي ليست رفضا، بل تشيع يسير لا يرد به حديثه، مع أن هذا الجرح غير مفسر، والله أعلم.
(1) سير أعلام النبلاء 7/ 43، تاريخ بغداد 1/ 225.
(2)
تاريخ بغداد 1/ 224.
(3)
عيون الأثر 1/ 13.