الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واجب الشباب
للشيخ: علي بن فاسم الفيفي
الحمد لله، والصلاة السلام على عبده ورسوله محمد بن عبد الله، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
لا شك أن الثناء الحسن، والذكر الجميل، والسمعة الطيبة، من الأمور التي يحرص عليها كل إنسان عاقل؛ لأنه مطلب جليل ومقصد من المقاصد الشرعية. قال الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام:{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} (1) وقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} (2)، وقال تعالى:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} (3)، وقد يرخص المرء نفسه لئلا يلصق به أو بعشيرته قالة سوء.
والشباب هم المحرك، والعنصر الفاعل، والقوة الهائلة التي تبنى الأمم والشعوب على كواهلها وبقوة سواعدها، ولذلك نجد أن كل أصحاب الحركات الإصلاحية الناجحة في كل العصور هم من الشباب. فإبراهيم عليه السلام الذي أمرنا الله سبحانه باتخاذه أسوة حسنة لنا بقوله تعالى:
(1) سورة الشعراء الآية 84
(2)
سورة مريم الآية 50
(3)
سورة الزخرف الآية 44
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (1)، كان عليه السلام فتى حين تصدى لدعوة قومه، قال تعالى:{قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} (2){قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} (3). وأصحاب الكهف كانوا فتية، قال تعالى:{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} (4)، وقال تعالى:{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} (5). وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين حملوا دعوته والتفوا حوله ونصروه ونشروا دعوته في أرجاء المعمورة كان معظمهم من الشباب. إذن فالشباب هم ركيزة الأمة وحجر الزاوية وواجباتهم عظيمة وشاقة.
إن الله جل شأنه، وتباركت أسماؤه، خلق الإنسان في أحسن تقويم، ومنحه من القوى والقدرات ما جعله أهلا للتشريف والتكريم، قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (6)، وجعله عاقلا ناطقا قابلا للتفهم والتفهيم، واستخلفه في الأرض؛ ليعمرها ويقيم فيها معالم دينه القويم، وشرعه الحكيم، قال تعالى:
(1) سورة الممتحنة الآية 4
(2)
سورة الأنبياء الآية 59
(3)
سورة الأنبياء الآية 60
(4)
سورة الكهف الآية 10
(5)
سورة الكهف الآية 13
(6)
سورة الإسراء الآية 70
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1){وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (2) وسخر له الكون بما حوى من الأفلاك والطاقات والإمكانات الهائلة؛ ليستخدمها في شؤون حياته اليومية، ويستعين بما أودعه الله له فيها على ممارساته الحياتية، كما قال سبحانه:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (3)، خلق فقدر، وشرع فأحكم، قال تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} (4)، بعث الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب والحكمة؛ ليبينوا للناس ما نزل إليهم، وما خلقوا من أجله، وما هم مكلفون به، ومحاسبون عليه يوم لقائه؛ ليكونوا على بصيرة من أمرهم، ولئلا تكون لهم على الله حجة، قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} (5)، فليس بعد إرساله الرسل وإنزاله الكتب لأحد حجة، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (6)، وقال تعالى:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (7)، وهذا مناط التشريف ومقتضى
(1) سورة النور الآية 55
(2)
سورة النور الآية 56
(3)
سورة الجاثية الآية 13
(4)
سورة الحجر الآية 86
(5)
سورة فصلت الآية 46
(6)
سورة النحل الآية 36
(7)
سورة النساء الآية 165
التكليف، وغاية الحكمة والتدبير. وقد كان آخر الرسل وخاتمهم وأفضلهم وإمامهم رسول الهدى ونبي الرحمة محمد بن عبد الله المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعليهم أجمعين- بعثه الله برسالة خاتمة وشريعة شاملة كاملة، هي خلاصة الرسالات السابقة وزبدتها، ولب الشرائع السماوية وثمرتها، ضمنها كتابه المكنون، المبرأ من الأوهام والظنون، الذي قال فيه منزله:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (1){وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (2)، وقال أيضا:{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (3){بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (4)، وقال أيضا:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (5)، وقال سبحانه:{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} (6){لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (7). فهو كتاب مبارك، كتاب هداية ونور، كتاب بشارة ونذارة، يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، وأي تشريف وأي تكريم أجل وأعظم من مخاطبة الرب لعباده بكلامه الطيب المبارك المنزل بلسان عربي مبين، نعرف مدلولات كلماته، ونفهم معاني عباراته، بيسر وسهولة، فنعيها ونفقه مراده بها، إذ جعله ميسرا تلاوة وفهما، قريب المأخذ دلالة ومعنى، قال
(1) سورة الإسراء الآية 9
(2)
سورة الإسراء الآية 10
(3)
سورة فصلت الآية 3
(4)
سورة فصلت الآية 4
(5)
سورة الأنعام الآية 38
(6)
سورة فصلت الآية 41
(7)
سورة فصلت الآية 42
تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (1)، ثم تكفل بحفظه لنا في الصدور والسطور، وبصونه عن التغيير والتبديل على ممر العصور والدهور، قال سبحانه:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (2)، وقال تعالى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} (3){إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (4){فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (5){ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (6). هدايته مشرقة مبهرة، وقطوفه دانية مثمرة، يجدها الإنسان العادي على طرف الثمام؛ ولذلك خاطب به الخواص والعوام، بمثل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} (7){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} (8) ليأخذوا منه الأحكام مباشرة. أما المتبحر في العلوم فإنه يغوص لالتقاط نفائس درره في التخوم، وكلما ازداد تعمقا ازداد تفوقا في العلوم، فلله الحمد والمنة على هذا التكريم.
(1) سورة القمر الآية 17
(2)
سورة الحجر الآية 9
(3)
سورة القيامة الآية 16
(4)
سورة القيامة الآية 17
(5)
سورة القيامة الآية 18
(6)
سورة القيامة الآية 19
(7)
سورة البقرة الآية 21
(8)
سورة البقرة الآية 104
ويجب علينا ونحن في هذا العصر المكفهر، السريع التقلب والتغير، أن نستعرض واقع حياتنا المليئة بالمتناقضات في ضوء القرآن الكريم، الذي أنزله الله هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وأن نقتبس الهداية من خلاله، وأن نسير في جميع أمورنا على منوآله، وفي فيء ظلاله؛ لنسلم من الزلل والخطل؛ لأن ذلك معنى التكليف، ومدلول الخطاب الشريف، حينما يخاطب العامة بمثل قوله تعالى:{لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (1){إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (2) فهو جل شأنه يخاطبنا بما
(1) سورة البقرة الآية 219
(2)
سورة آل عمران الآية 118
تدركه عقولنا، وبما يجب علينا تدبره وتأمله وتفهمه، كما كان سلفنا الصالح يفعلون ذلك. ذكر أهل السير أن الأحنف بن قيس رحمه الله كان من أخص أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وسيد قومه، فسمع ذات مرة وهو جالس إنسانا يقرأ القرآن، فإذا به يقرأ قول الله سبحانه:{لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (1) فانتبه كأنه كان نائما فاستيقظ، وظل يردد الآية الكريمة لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ويقول لنفسه: هل في القرآن حديث عني؟ ثم قال: علي بالمصحف؟ علي بالمصحف؟ فصار يقلب الصفحات يفتشه من غير قصد، فإذا به يمر بقوم يقول الله تبارك وتعالى عنهم:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (2){الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (3){وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (4){وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} (5) قال اللهم لا أجد نفسي في هؤلاء، ثم مر بقوم يصفهم الله بقوله:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (6) قال: اللهم لا أجد نفسي في هؤلاء، أنا أصغر من هؤلاء، ثم مر بقوم يقول الله عنهم:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (7) قال: اللهم إني لا أجد نفسي في هؤلاء، ثم قلب الصفحات فإذا به يمر بقوم يصفهم الله بصفات معاكسة
(1) سورة الأنبياء الآية 10
(2)
سورة المؤمنون الآية 1
(3)
سورة المؤمنون الآية 2
(4)
سورة المؤمنون الآية 3
(5)
سورة المؤمنون الآية 4
(6)
سورة الفرقان الآية 63
(7)
سورة السجدة الآية 16
فيقول: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} (1){قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} (2){وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} (3){وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} (4){وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} (5){حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} (6) قال: اللهم إني أعوذ بك من هؤلاء، ولكن أين أنا؟ أين صفتي؟ ويقلب الصفحات حتى مر بقوله تعالى:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (7) قال: اللهم إني ههنا، اللهم إني ههنا. بل قد كان الصحابة رضوان الله عليهم يحفظ أحدهم عشر آيات من كتاب الله فلا يعدوها حتى يعرف متى نزلت وأين نزلت وفي من نزلت وماذا اشتملت عليه من أحكام فيحل حلالها ويحرم حرامها ثم ينتقل إلى غيرها.
هكذا يجب علينا أن نقرأ القرآن، وأن نتدبر معانيه، وأن نستعرض أحوالنا على ضوئه، وأن نستوضح عنها من خلاله، وأن نبحث عن مكاننا فيه، وعن الواقع الذي نعيشه منه، في هذه المجتمعات البشرية، والنماذج الأممية، الغابرة والحاضرة، كما فعل الأحنف بن قيس؛ لأن القرآن صالح لكل زمان ومكان، وهدايته قائمة في كل آن، ونحن مخاطبون به كما خوطب به الأولون، بل نحن أحوج ما نكون إلى هدايته من غيرنا، فعلينا أن نستضيء دائما بنوره الساطع، وأن لا نكون عنه معرضين، وعن تدبر معانيه غافلين، فقد حذرنا الله من الغفلة، فقال تعالى:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (8).
(1) سورة المدثر الآية 42
(2)
سورة المدثر الآية 43
(3)
سورة المدثر الآية 44
(4)
سورة المدثر الآية 45
(5)
سورة المدثر الآية 46
(6)
سورة المدثر الآية 47
(7)
سورة التوبة الآية 102
(8)
سورة الأعراف الآية 179
فالغفلة تلحق الإنسان ببهيمة الأنعام، التي لا تستفيد من حواسها إلا في مجالات متع الحياة، من الأكل والشرب والنكاح، ولماذا يكون الغافل أضل منها؟ أليس إلا لأنه محاسب ومجازى على أعمال؟ أما بهيمة الأنعام فإنها في آخر المطاف يقال لها: كوني ترابا. فتكون ترابا، وقضي أمرها، قال تعالى:{يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} (1)، وقال تعالى عن المعرضين:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (2){قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} (3){قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (4). وأي عقوبة أنكى وأشد من ترك الله لهذا الغافل المعرض وشأنه؟ يهيم على وجهه، ناسيا ما كلف به، غافلا عما يراد منه، وما هو قادم إليه، ومجازى عليه، جزاء وفاقا على سوء صنيعه؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فإذا نسي ما خلق من أجله نسيه الله، أي سلبه هداية التوفيق حتى أنساه نفسه، وإلا ما كان ربك نسيا، غير أنه يمهل ولا يهمل، قال سبحانه:{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} (5){وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (6)، وقال تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (7).
(1) سورة النبأ الآية 40
(2)
سورة طه الآية 124
(3)
سورة طه الآية 125
(4)
سورة طه الآية 126
(5)
سورة القلم الآية 44
(6)
سورة القلم الآية 45
(7)
سورة الحشر الآية 19
نعوذ بالله من الغفلة ومن سوء العاقبة.
وكلنا يعرف أن الإنسان سمي إنسانا؛ لأنه ينسى، وإذا استحكم به النسيان غفل؟ ولذلك يجب على كل واحد معالجة هذه الظاهرة بالتذكر والتذكير والمذاكرة، كما أمر الله عباده بذلك؛ لأن الإيمان يزيد وينقص. وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول أحدهم للآخر: تعال يا أخي نؤمن ساعة. فيتذاكرون فيما بينهم ويذكر أحدهم الآخر. ومن أجل ذلك أمر الله تعالى بالذكر والتذكر والتذكير في غير ما آية، قال تعالى:{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} (1){سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} (2){وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى} (3){الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى} (4)، وأوجب على العامة سؤال أهل الذكر عما جهلوه من شؤون دنياهم وأخراهم، فقال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (5)، وأوجب على أهل العلم البيان وعدم الكتمان، قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (6). والتذكر مطلوب في كل حين، وأفضل الذكر وأعظمه وأنفعه هذا القرآن العظيم، الذي يزخر بالمعارف والعظات؛ لأنه يضع الأصابع على الوتر الحساس، وعلى مواضع الداء العضال، ويصف الدواء الناجع الفعال، فقد وصفه منزله بالذكر الحكيم، قال سبحانه:{ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} (7)،
(1) سورة الأعلى الآية 9
(2)
سورة الأعلى الآية 10
(3)
سورة الأعلى الآية 11
(4)
سورة الأعلى الآية 12
(5)
سورة الأنبياء الآية 7
(6)
سورة آل عمران الآية 187
(7)
سورة آل عمران الآية 58
وقال تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} (1). وقد قص الله علينا في القرآن من أنباء الأمم السابقة، وكيف نزل بمن نزل بهم العقاب، وما هي مسبباته، وفي ذلك تنبيه وتحذير للأمم اللاحقة؛ لئلا يضلوا عن سواء السبيل، فيقعوا في مثل ما وقع فيه أولئك القوم، فهو كتاب بشارة ونذارة، ونور وهداية للناس أجمعين، يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين، وما حكاه الله سبحانه عن الحضارات البائدة، والمجتمعات المندثرة، إنما هي عبر ودروس للأجيال اللاحقة، وتذكير لهم بسنن الله الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير، وتحذير لهم من الوقوع في مثل ما وقعوا فيه، من الإغراق في الغفلة وبطر النعمة فيهلكوا مع الهالكين. فالإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان يتخم بالغنى، ويبطر النعم، ويسأم من النمط الواحد للحياة، ويعافه ويزهد فيه، ويتطلع إلى التغيير والتبديل، وذلك للضعف البشري الغالب على طبعه، فبنو إسرائيل مثلا لما أنزل الله عليهم المن والسلوى وهي من ألذ الأطعمة، تمنوا البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل، فعاقبهم الله عقابا أليما على سوء صنيعهم، كما حكى الله لنا ذلك عنهم بقوله:{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (2)،
(1) سورة يونس الآية 1
(2)
سورة البقرة الآية 61
ومثل ذلك ما قصه الله لنا عن قوم سبأ بقوله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} (1){فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} (2){ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (3){وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} (4){فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (5). هذا هو الضعف البشري، يسأم النعمة ويبطرها ويشتهي جوا آخر غير الجو الذي ألفه واعتاده ولو كان قاسيا. وهداية القرآن تعالج ذلك بالتحذير من الأشر والبطر، وتبين سوء العاقبة لمن استزلهم الشيطان، فوقعوا في تلك المزالق. وإنما قص الله علينا هذا القصص للاعتبار والاتعاظ والحذر، فقال تعالى:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (6)، وقال تعالى:{فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (7)، وقال تعالى:
(1) سورة سبأ الآية 15
(2)
سورة سبأ الآية 16
(3)
سورة سبأ الآية 17
(4)
سورة سبأ الآية 18
(5)
سورة سبأ الآية 19
(6)
سورة يوسف الآية 111
(7)
سورة الأعراف الآية 176
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} (1)، وقال تعالى:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (2). فالقرآن الكريم مصدر إشعاع ونور وهداية وبشارة ونذارة لكل من بلغ إليه من الأمم في كافة العصور والدهور إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
لقد أردت بهذا الاستطراد الوصول إلى صلب الموضوع الذي أنا بصدد التحدث عنه، من خلال ثلاثة مطالب تتعلق بعصرنا الهائج المائج بالفتن والمغريات والاضطرابات، أحسب أنها سترسم لنا الخطوط العريضة لما يجب علينا كطلبة علم وحملة شريعة وعوام من التبصر والتبصير والتذكر والتذكير وصولا إلى بر السلام.
الأول: استذكار الوضع المتدني الذي كنا عليه قبل العهد السعودي كي ندرك مقدار النعمة التي نحن فيها فنحافظ على بقائها واستمرارها.
الثاني: كيف يمكننا التعامل مع الظروف والتيارات المعاصرة في ظل الإسلام بسلام.
الثالث: كيف نحافظ على توازننا مستقبلا ونربي أجيالنا في ظل هذه النهضة المباركة دون انحراف أو انزلاق. فأقول والله المستعان، وعليه التكلان:
(1) سورة يوسف الآية 3
(2)
سورة الأنعام الآية 19
المطلب الأول:
قال الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من لم يعرف الجاهلية لم يعرف الإسلام. وهذا قول صادق ينطبق علينا اليوم تمام الانطباق، فقد كانت تردت أحوال أمتنا العربية والإسلامية في كافة أنحاء العالم عامة، وفي بلدان الجزيرة العربية خاصة، قبل قيام هذا الكيان العظيم، وبلغت الحياة في كافة مجالاتها درجة سيئة للغاية من التدني والانحطاط، فالجهل ضارب بجرانه، والتفكك واضطراب حبل الأمن قد بلغ حدا لا مزيد عليه، إلى أن هب المنقذ العظيم، والمصلح الشهيم، جلالة الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، فرفع راية الجهاد في سبيل الله، وحمل السلاح معتصما بالكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالح، فكتب الله له النصر والنجاح، وأعز به الإسلام والمسلمين، فأرسى قواعد الحكم، ولم شعث الأمة في الجزيرة العربية، وضم أطراف البلاد، ووحد كلمة أهلها باسم المملكة العربية السعودية، فصارت منطلقا للدعوة إلى الله تعالى واتباع سبيل رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1)، من بعد أن كانت قد تمزقت كل ممزق، وتشتت شملها، وتفكك كيانها، وعمت الفوضى والاضطراب كل أرجائها، وانفرط حبل الأمن فيها، وانفلتت أزمة الأمور من أيدي أهلها، وانتشر الفساد في كل
(1) سورة يوسف الآية 108
ربوعها، حتى في أقدس بقاع الأرض، مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وهما مهبط الرسالة، ومنبثق النور، ومنطلق الدعوة الإسلامية، حيث عادت مظاهر الجاهلية الأولى على نحو قريب مما كانت عليه قبل الإسلام، يعرف ذلك كل من كان في سني أو أسن مني، فالشركيات والبدع والخرافات وسفك الدم الحرام والزنا والسرقة وأكل أموال الناس بالباطل والتحاكم إلى الطاغوت منتشرة بين الأقوام، الخواص منهم والعوام، وقد أدركت في فيفاء بالذات بعض الأنصاب والمزارات والمناشح، واطلعت في القواعد القبلية على ما يشير إلى بعض الأماكن التي كانوا يتخذونها أعيادا ومتابات، وبلغ الجهل حدا لا مزيد عليه، مع أن فيفا كانت أحسن حالا من غيرها، حيث ظهرت فيها جماعة الموحدة وبعض العلماء والنزاع من رؤساء العشائر، الذين أدخلوا بعض الإصلاحات في قواعدهم، كالشيخ يحيى بن شريف الذي منع المناصب، وختان التجليد، والختنة، وحرب العدة والعزيمة، وسار على نهجه من بعده ولده الشيخ علي بن يحيى بن شريف، إلا أن مظاهر الجهل والفساد بقي الغالب، حتى ضبط أمر البلاد الملك عبد العزيز رحمه الله، فقضى عليها قضاء مبرما. وبعد استتباب الأمن وعلى وجه التحديد في عام 1357 هـ بدأت انطلاقة التعليم، حيث ألزم أمير فيفاء رشيد بن خثلان والشيخ علي بن يحيى بن شريف بمعاليم لتعليم القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة وأمور الدين، فظهر جيل من الناس يقرؤون ويكتبون ويحسنون أداء شعائر الدين، ثم أسس الداعية المصلح الشيخ عبد الله القرعاوي أول مدرسة علمية عام
1363 هـ كنت أحد طلابها ومن الله علي بمواصلة الطلب ثم التحقت بالقضاء في محكمة فيفاء عام 1373 هـ ثم قمت بالإشراف على مدارس في فيفاء وبني مالك إلى جانب عمل القضاء وكان قد بلغ عددها في فيفاء (18) مدرسة تضم نحو (1400) طالبا واستمرت نحو ثماني سنوات ودخل التعليم كل بيت وزالت مظاهر الجهل والضلال واختفت البدع والخرافات، ثم جاء دور التعليم النظامي الذي حل محلها وفتحت أول مدرسة ابتدائية تابعة لوزارة المعارف عام 1377 هـ في النفيعة ثم نما وتطور حتى غطت المدارس النظامية كل الجهات بمراحلها الابتدائية والمتوسطة والثانوية بنين وبنات حيث بلغ عددها حتى الآن (51) مدرسة بالإضافة إلى المعهد العلمي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وبلغ عدد الجامعيين من أهل فيفاء خاصة إلى غاية يومنا هذا (450) متخرجا من مختلف التخصصات كما جاء ذلك في بعض الإحصائيات، والتحق بعضهم بدراسات عليا، كما أن التطور والازدهار قد شمل جميع المجالات صحية واجتماعية وزراعية وعمرانية وصناعية وطرق واتصالات وكل المرافق الخدمية، وأنشئت بها هيئة تطوير وتعمير، وبلدية، ومستشفى عام ومثلت فيها جميع الأجهزة الحكومية، وعم الرخاء والازدهار جميع أرجاء المملكة فصارت بهذا المستوى المرموق ولله الحمد، وما كان لمثل ذلك أن يكون لولا صدق العزيمة من ولاة أمرنا، نسأل الله لهم دوام التوفيق وأن يرزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وبهذا الاستعراض للوضع المتدني الذي كان سائدا قبل العهد السعودي، ثم كيف
نما التطور وترعرع حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من الرخاء والأمن والاستقرار، ندرك مدى النعمة التي نحن فيها، نسأل الله أن يوزعنا شكرها، وأن يحفظها علينا من الزوال.
المطلب الثاني:
أما كيف يمكننا التعامل مع الظروف والتيارات المعاصرة بسلام في ظل الشريعة المطهرة، فإننا إذا أدركنا أن ديننا الحنيف دين يسر وسماحة لا إصر فيه ولا أغلال؛ لأنه دين فطرة لا ركود فيه ولا جمود، وأنه صالح لكل زمان ومكان، قابل لمسايرة أي تطور في نمط الحياة؛ لأنه من لدن حكيم عليم، هو الذي ارتضاه لنفسه دينا، وأتم به النعمة علينا، القائل عز وجل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1)، والقائل عز وجل:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (2)، وهو الذي رفع به عنا الإصر والأغلال، كما قال تعالى:{رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} (3)، قال الله تعالى: قد فعلت، كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالعبادة بمعناها الواسع التي خلقنا الله من أجلها فقال سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4)، هي الطاعة والانقياد لأوامر الشرع، والتأطر به وبتعاليمه اعتقادا
(1) سورة المائدة الآية 3
(2)
سورة آل عمران الآية 85
(3)
سورة البقرة الآية 286
(4)
سورة الذاريات الآية 56
وعبادة وسلوكا ومعاملة على نحو ما كان عليه سلف هذه الأمة، يؤدي العبد ما عليه من الفرائض، ويسعى في مناكب الأرض للابتغاء من فضله، فلا تنافر في الإسلام بين الدين والحياة، فكل عمل مؤطر بإطار الشرع يعتبر عبادة لله وعملا صالحا يثاب عليه العبد عند ربه، ولو كان من حظوظ النفس وشهواتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«وفي بضع أحدكم صدقة "، قالوا: يا رسول الله، أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: " أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر (1)» ، وكذلك سائر الأعمال؛ لأن الدين دين الفطرة، كما قال الله تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (2)، ومن تأمل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه أدرك هذا المعنى، ولقد كان الوافد يفد على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة فينطق بالشهادتين، ويصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض الفرائض ويأخذ هيئات الصلاة عنه عمليا عن طريق المعاينة ثم يعود إلى قومه داعيا ومعلما وهذا منتهى البساطة واليسر والفطرية. ومن النماذج الحية لذلك، ذلك الرجل الذي سمع النداء للصلاة فجاء من ضيعته وربط بعيره عند باب المسجد ودخل في الصلاة مع الجماعة فرأى الإمام أطال صلاته فانسل من الصف وصلى لنفسه صلاة خفيفة، ثم أخذ بعيره وانصرف، فخاض الناس في أمره واتهموه بالنفاق، ولما علم
(1) صحيح مسلم الزكاة (1006)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 168).
(2)
سورة الروم الآية 30
النبي صلى الله عليه وسلم قصته أنب الإمام وقال: «أفتان أنت يا معاذ؟ إذا صليت للناس فتجوز في صلاتك، فإن فيهم الضعيف والمريض وذا الحاجة (1)» ، والنماذج لفطرية الدين كثيرة لا نطيل بها. ومن توجيه القرآن لهذا المعنى قول الله سبحانه:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (2)، وقوله تعالى:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (3). والمقصود أن سعادتنا في الدنيا والآخرة لا تتحقق إلا في ظل الإسلام بانتهاج نهجه الوسط بين التفريط والإفراط في جميع الأمور، فلا تبتل ولا رهبنة ولا انقطاع عن الأعمال الدنيوية، كما أنه لا تهالك على المادة دون مراعاة لأحكام الشرع، بل عمل وسعي للدنيا والآخرة معا في إطار شرع الله، وفي قصة الرهط الذين جاءوا يتقصون عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فتقالوها وقالوا: أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ثم قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل فلا أنام، وقال الثاني: وأنا أصوم النهار فلا أفطر، وقال الثالث: وأنا أعتزل النساء، فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا في الناس وقد ظهر عليه الغضب فقال:«ما بال أناس يقولون كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني (4)» أو
(1) صحيح البخاري الأدب (6106)، صحيح مسلم الصلاة (465)، سنن النسائي الإمامة (835)، سنن أبو داود الصلاة (790)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (986)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 299)، سنن الدارمي الصلاة (1296).
(2)
سورة القصص الآية 77
(3)
سورة البقرة الآية 201
(4)
صحيح البخاري النكاح (5063)، صحيح مسلم النكاح (1401)، سنن النسائي النكاح (3217)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 285).
كما قال صلى الله عليه وسلم، بهذا المسلك القويم يستطيع المسلم المحافظة على التوازن والاعتدال وعدم الإخلال بشيء من أمور الدنيا أو الآخرة، والتعامل مع كل الظروف والتيارات المعاصرة بسلام، على منهج الإسلام الصحيح، الذي لا تنافر فيه بين الدين وشؤون الحياة، فهو دين يجمع بين عمل الدنيا وعمل الآخرة، بل ويعتبر العمل الدنيوي المؤطر بالشريعة الإسلامية عملا أخرويا ومن الأعمال الصالحة التي يثاب عليها في الآخرة.
المطلب الثالث:
أما كيف نحافظ على توازننا مستقبلا في ظل ما وصلنا إليه من النهضة الشاملة، والمستوى الحضاري المرموق، دون انحراف عن الصراط المستقيم الذي رسمه لنا المولى بقوله:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1)، فإن ذلك يكمن في الثبات والاستقامة على هذا المنهج القويم الذي تركنا عليه الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم إذ يقول:«تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك كتاب الله وسنتي (2)» ، وأن نستديم هذه النعم الوفيرة بحمد الله وشكره عليها؛ عملا بقول المولى سبحانه:{مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} (3)، وبقوله تعالى:
(1) سورة الأنعام الآية 153
(2)
سنن ابن ماجه المقدمة (44).
(3)
سورة النساء الآية 147
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (1)، وأن نقتبس العبرة والعظة مما قصه الله علينا في كتابه العزيز عن الأمم السابقة وما ضربه لنا من الأمثال والنماذج المختلفة عنها، وأن نتجنب ما هلك أولئك القوم بسببه من الفساد وبطر النعمة؛ لأن القرآن كتاب نور وهداية، وبشارة ونذارة، وسنن الله ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، قال الله تعالى:{وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (2) والمتتبع لآي الذكر الحكيم يجد أن سبب هلاك الأمم ودمارها بطر النعمة والفسق والعصيان والانحراف عن مبادئ الدين، قال تعالى:{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (3) وقال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (4)، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا، فعلينا أن نحذر من الوقوع في مثل ما وقعوا فيه فيصيبنا مثل ما أصابهم، ونحن ولله الحمد أصحاب فطرة وحكمة وإيمان وعقول نيرة نسأل الله المزيد من فضله، وأن يوزعنا شكر نعمه الظاهرة والباطنة، والشكر واجب قولا وعملا، قولا: لقول الله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (5)، وعملا: بإظهار أثر النعمة التزاما بطاعة
(1) سورة إبراهيم الآية 7
(2)
سورة الأحزاب الآية 62
(3)
سورة القصص الآية 58
(4)
سورة الإسراء الآية 16
(5)
سورة الضحى الآية 11
المنعم وطلبا لمراضيه، واجتنابا لمعصيته خشية من عقابه، وخوفا من أليم عذابه، واستقامة على أمره في حدود الوسطية والاعتدال، وعدم الانغماس في الترف والبطر الذي هلكت الأمم المندثرة بسببه، نسأل الله سبحانه أن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأن يجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
وفي ختام بحثي هذا أود أن أوجه نصيحتي إلى إخواني وأبنائي في جميع ديار المسلمين أن ينموا أواصر المحبة والألفة فيما بينهم وأن ينتزعوا الغل والحسد والأحقاد من صدورهم، وأن يكونوا إخوانا وعلى الحق أعوانا؛ لأن ذلك من أسمى مبادئ الدين، قال الله تعالى:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (1)، وقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (2)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ههنا وأشار إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه (3)» رواه مسلم. ومن الأمور المهمة التي يجب العناية بها والتركيز عليها ما يلي:
(1) سورة آل عمران الآية 103
(2)
سورة الحجرات الآية 10
(3)
صحيح البخاري الأدب (6066)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2564)، سنن النسائي البيوع (4506)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 394)، موطأ مالك البيوع (1391).
أولا: أنه يجب على كل فرد أن يتعاون مع ولاة الأمر في كل ما له صلة بتوطيد الأمن والاستقرار واقتلاع جذور الفساد، كل واحد من موقعه ولا يسفه نفسه، أو يقلل من شأنه، ويقول: إن الأمر لا يخصني، أو لا علاقة لي به؛ لأن الأمن للجميع ويجب على الجميع المحافظة عليه، ومن أعظم الفساد التستر على المفسدين وإيواؤهم وعدم الدلالة عليهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لعن الله من آوى محدثا"، ويعتبر عدم التعاون مع السلطات في هذا المجال خيانة ونكثا بالعهد الذي أمر الله بالإيفاء به، قال الله تعالى:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} (1)، وعقوبة النكث بالعهد قد تعجل للناكث في الدنيا، قال الله تعالى:{فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} (2)، وقد كثر في الآونة الأخيرة التهاون في إحضار المجرمين وعدم التعاون على قبضهم وهذه ظاهرة خطيرة ينبغي ألا تكون موجودة في مجتمعنا.
ثانيا: مما يحز في النفس مجاهرة بعض الشباب بفعل المنكرات ومنها شرب الدخان علنا، من غير مراعاة لشعور الآخرين، مما يدل على قلة المروءة لدى هؤلاء المستهترين، وذلك مما يقدح في العدالة لو كانوا يعلمون، ويقلل من مكانة الشخص الاجتماعية؛ لأن التزام التقوى والمروءة شرط للعدالة عند أهل العلم.
(1) سورة الإسراء الآية 34
(2)
سورة الفتح الآية 10
ثالثا: من الظواهر السيئة التي نلاحظها عدم العناية بصلاة الجماعة في كثير من المساجد جريا على العادة المألوفة أيام الخوف والفتن وقبل بناء المساجد، ويجب أن تختفي هذه الظاهرة؛ لأن عدم المحافظة على أداء الصلاة في وقتها جماعة من علامات النفاق. قال الله تعالى:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} (1)، وقال تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (2){مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} (3)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء والفجر (4)» ، ومن المؤسف جدا أن كثيرا من الناس لا يصلي الفجر إلا إذا استيقظ من نومه حينما يريد الذهاب لعمله، وكأنه غير معني بقول الله تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (5)، وبقوله تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (6)، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الأعمى الذي سأله، أتجد لي رخصة أصلي في بيتي يا رسول الله؟ قال:«أتسمع النداء؟ قال: نعم. قال: لا أجد لك رخصة (7)» وما في معنى هذه الآيات والأحاديث، فالحذر الحذر من إغواء الشيطان لهؤلاء نسأل الله العافية.
(1) سورة مريم الآية 59
(2)
سورة النساء الآية 142
(3)
سورة النساء الآية 143
(4)
سنن النسائي الإمامة (843)، سنن أبو داود الصلاة (554)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 140)، سنن الدارمي الصلاة (1269).
(5)
سورة البقرة الآية 238
(6)
سورة النساء الآية 103
(7)
سنن أبو داود الصلاة (552)، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (792).
رابعا: ومع كل ما ذكرت فهم أحسن حالا من غيرهم، ولعل التقصير حاصل من طلبة العلم في عدم التذكير والتنبيه على مثل هذه الأمور، ولعل من العادات الحسنة التي يجب المحافظة عليها اهتمامهم بالزواج المبكر للفتيان والفتيات وتسهيل أمر الزواج، من حيث تخفيف المهر، وتقسيطه، وتيسير الدخول بالمرأة عند أهلها، وبذلك يستطيع الطالب والطالبة الجمع بين الدراسة وتحصين الفرج فني سن مبكرة، ولا يخفى أن أخطر مراحل العمر، فترة المراهقة، وإذا لم يحصن الشاب والشابة بالزواج، فإنه يخشى عليهما من الفتنة، ويخشى على الفتاة أيضا من التعنس إذا تجاوزت الخمس والعشرين سنة ولم تتزوج.
هذا ما أردت التطرق إليه في هذا البحث، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.