الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مملوك يجوز التصرف فيه، فوجبت زكاته لما مضى كالدين على مليء.
ولا فرق بين كون الغريم يجحده في الظاهر دون الباطن أو فيهما، وظاهر كلام أحمد لا فرق بين الحال والمؤجل؛ لأن البراءة تصح من المؤجل.
رابعا: هل الدين يمنع وجوب الزكاة
؟
مما تقدم يتبين ما يلي:
1 -
منع الدين للزكاة:
أ - يشترط الحنفية ومن يوافقهم أن لا يكون عليه دين مطالب به من جهة العباد حالا أو مؤجلا، والحجة في ذلك أثر عثمان رضي الله عنه:"هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم".
وفي رواية: "فمن كان عليه دين فليقض دينه وليزك بقية ماله".
قاله بمحضر من الصحابة ولم يعارض؛ فكان إجماعا.
وروى أصحاب مالك عن عمير بن عمران عن شجاع عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان لرجل ألف درهم وعليه ألف درهم فلا زكاة عليه» وهذا نص؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم» ووجه الدلالة ظاهر؛ ولأن ملكه غير مستقر؛ لأنه ربما أخذه الحاكم لحق الغرماء، ولأن المشغول بالحاجة الأصلية كالمعدوم.
ب - وقال مالك: الدين يمنع زكاة الناض فقط، إلا أن
يكون له عروض فيها وفاء من دينه فإنه لا يمنع، والحجة عمومات أدلة وجوب الزكاة كقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (1) فعم ولم يخص من عليه دين ممن لا دين عليه في مال من الأموال، والعموم محتمل للخصوص، فخصص أهل العلم ذلك من عليه دين في المال العين بإجماع الصحابة على ذلك، بدليل أثر عثمان رضي الله عنه ص 98 (2).
ج- مذهب الشافعية وجوب الزكاة، سواء كان المال باطنا أو ظاهرا، من جنس الدين أو غيره، وسواء دين الله ودين الآدمي، كالزكاة السابقة والكفارة والنذر ص 104 (3).
وهذا إحدى الروايات الثلاث في المذهب، والحجة عمومات أدلة وجوب الزكاة؛ ولأنه مسلم ملك نصابا حولا فوجب عليه الزكاة كمن لا دين عليه.
ويجاب عن الأول بأن العمومات خصصها أثر عثمان رضي الله عنه، وعن الثاني بأنه يخالف من لا دين عليه، فإنه غني يملك نصابا ص 107 (4).
د - أما الحنابلة ومن يوافقهم فإن الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة رواية واحدة، والحجة لهذا القول ما سبق من أدلة الحنفية.
وأما الأموال الظاهرة فروي عن أحمد: أن الدين يمنع
(1) سورة التوبة الآية 103
(2)
وهو في المجلة في ص (78) من العدد رقم (53).
(3)
وهو في المجلة في ص (35) من هذا العدد.
(4)
وهو في المجلة في ص (39) من هذا العدد.
الزكاة أيضا فيها، لما سبق من الأدلة.
والرواية الثانية: لا يمنع الزكاة فيها، لما سبق من الأدلة.
والفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة أن تعلق الزكاة بالظاهرة آكد لظهورها وتعلق قلوب الفقراء بها.
وفي رواية ثالثة: لا يمنع الدين الزكاة في الأموال الظاهرة إلا في الزرع والثمار فيما استدانه للإنفاق عليها خاصة ص 107 (1).
وأما دين الله كالكفارة ففيه وجهان: أحدهما: يمنع الزكاة كدين الآدمي؛ لما سبق من الأدلة؛ ولأنه دين يجب قضاؤه، فهو كدين الآدمي، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:«دين الله أحق أن يقضى (2)» .
ويناقش ذلك بالفرق، فإن دين الآدمي آكد، والمطالبة تتوجه به، والآخر: لا يمنع؛ لأن الزكاة آكد لتعلقها بالعين، فهو كأرش الجناية ص 58 وما بعدها (3).
2 -
يمنع الدين الزكاة إذا كان يستغرق النصاب، أو ينقص ولا يجد ما يقضيه به سوى النصاب أو ما لا يستغنى عنه.
وإذا كان له مالان وأحدهما لا زكاة فيه، والآخر فيه الزكاة، كرجل عليه مائتا درهم وله مائتا درهم وعروض للقنية تساوي مائتين، فقال القاضي: يجعل الدين في مقابلة العروض، وهذا مذهب مالك وأبي عبيد.
قال أصحاب الشافعي: وهو مقتضى قوله؛ لأنه مالك لمائتين زائدة عن مبلغ دينه؛ فوجب عليه زكاتها، كما
(1) وهو في المجلة في ص (41) من هذا العدد.
(2)
صحيح البخاري الصوم (1953)، صحيح مسلم الصيام (1148)، سنن الترمذي الصوم (716)، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3310)، سنن ابن ماجه الصيام (1758)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 362)، سنن الدارمي الصوم (1768).
(3)
وهو في المجلة في ص (112) من العدد رقم (52).
لو كان جميع ماله جنسا واحدا.
وظاهر كلام أحمد أنه يجعل الدين في مقابلة ما يقضى منه، فإنه قال في رجل عنده ألف وعليه ألف وله عروض بألف: إن كانت العروض للتجارة زكاها، وإن كانت لغير التجارة فلا شيء عليه.
وهذا مذهب أبي حنيفة؛ لأن الدين يقضى من جنسه عند التشاح، فجعل الدين في مقابلته أولى، كما لو كان النصابان زكويين، ويحتمل أن يحمل كلام أحمد على ما إذا كان العرض تتعلق به حاجته الأصلية، وإن لم يكن فاض عن حاجته فلا يلزم صرفه لوفاء الدين؛ لأن الحاجة أهم.
3 -
بناء على قول من يقول: الدين يمنع وجوب الزكاة، وأحاطت برجل ديون وحجر عليه القاضي، فإذا أقر بوجوب الزكاة قبل الحجر فإن صدقه الغرماء ثبتت وأخذت، وإن كذبوه فالقول قوله بيمينه؛ لأنه أمين.
وحينئذ هل تقدم الزكاة أم الدين أم يستويان؟ فيه ثلاثة أقوال في اجتماع حق الله تعالى ودين الآدمي، ومداركها اجتهادية.
وإذا أقر بالزكاة بعد الحجر فقيل: يقبل في الحال ويزاحم به الغرماء.
وقيل: يثبت في ذمته ولا تثبت مزاحمته.
وفي ذلك تفاصيل ذكرت في الإعداد يمكن الرجوع إليها، وقد تركناها اختصارا.