الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد الثاني عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
معالي الدكتور عبد الواحد بلقزيز
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين.
يسعدني أن أنتهز هذه الفرصة الطيبة التي منحها لي فضيلة الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، وذلك بتفضله بالطلب مني تقديم هذا العدد من المجلة التي تعكس نشاطات هذا المجمع الموقر الذي لعب خلال هذه الحقب الأخيرة دوراً أساسياً في تعريف حضارة الإسلام وتوضيح مبادئ شريعته، وإيجاد الآليات المعتمدة لإصدار فتاواه الشرعية، فكانت الدراسات والأبحاث التي قام بها علماؤه الأجلاء ولجانه المتخصصة والتي تهم مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمسلمين، موضوع المناقشات والمداولات بين أعضاء هذا المجلس خلال الدورات التي يعقدها المجمع الفقهي في كل سنة للبت فيها وإصدار الفتاوى والأحكام الشرعية بشأنها.
كما امتازت هذه الدراسات والأبحاث بجدتها وبمستواها العالي، حيث جمعت بين المعرفة الدقيقة بأصول الفقه ومقاصد الشريعة السامية والإطلاع- إلى جانب ذلك- على الحضارة المعاصرة والمعارف الجديدة التي أتت بها في مختلف الميادين والتحولات الجذرية التي أحدثتها في المجتمعات البشرية، فكانت نتيجة ذلك ظهور قضايا جديدة في المجتمعات الإسلامية لم يعهدها الإنسان المسلم من قبل في العصور الإسلامية الماضية، مما فرض على مجمع الفقه الإسلامي متابعتها ودراستها لإصدار فتاوى شرعية بشأنها تمشياً مع ضرورات العصر واستجابة لرغبة المسلمين في معايشة زمانهم بإيجاد الحلول المناسبة شرعاً للمشاكل التي تطرحها ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقاً لمبادئ دينهم الحنيف وقيم حضارتهم الرفيعة.
ويمكن الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى القضايا التي عالجها مجمع الفقه الإسلامي ووجد لها حلولاً بعد أن طرحت إشكالات متعددة على المسلم المعاصر مثل ربا قروض البنوك، والبيع المؤجل، واستثمار الأوقاف، والتضخم، وتغيير قيمة العملة، وعقود التصدير والمناقصات، وزرع الأعضاء، وبطاقات الائتمان غير المغطاة إلى آخر ما هنالك من القضايا المستجدة التي أفرزتها تعقيدات الحضارة المعاصرة، وطرحت عدداً من الشبهات الفقهية أمام المسلمين مما فرض على مجمع الفقه وعلمائه وباحثيه دراستها وإيجاد الفتاوى الشرعية المناسبة لها.
ومن هنا يدرك القارئ ضخامة المهمة التي اضطلع بها مجمع الفقه الإسلامي في حياة المسلمين والمسؤولية المعنوية التي تحملها تمكيناً للمجتمعات الإسلامية من العيش عيشة عصرية تأخذ بأسباب العلم والعصرنة والحداثة، مع الحفاظ على عقيدتهم وهويتهم، وذلك بفضل جهود علماء المجمع وفقهائه الأجلاء، وبفضل اجتهاداتهم حتى أعطوا للشريعة والفقه الإسلامي صفة الديمومة والصيرورة، يساير تطورات الحياة ومتطلبات العصر، فأثبتوا مرة أخرى مقولة أئمتنا:" إن الإسلام يصلح لكل زمان ومكان".
الدكتور عبد الواحد بلقزيز
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
كلمة
مجمع الفقه الإسلامي
الدورة الثانية عشرة / الرياض
من 25جمادي الآخرة إلى غرة رجب 1421هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على عظيم آلائه، والشكر له على جسيم نعمائه، والصلاة والسلام على السراج المنير، الهادي البشير، نبينا وحبيبنا وقرة أعيينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
ها هي الرعاية السامية الكريمة المتتالية المتجددة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز- حفظه الله- تتجدد وتتعهد هذا المجمع، حرصاً منه- أعزه الله- على رعايته ودعمه للمجمع بكافة ضروب الدعم المادي والمعنوي، مجلياً ومؤكداً على عهده ووعده للعلم وأهله وللمجمع وأعضائه بالعناية والرعاية، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
فمع إطلالة اليوم الخامس والعشرين من جمادى الآخرة عام 1421هـ وفي مهد البطولات والمآثر حضنت عروس الجزيرة وعاصمة الثقافة العربية الرياض اسماً ومعنىً هذه الدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي، لترفع لواء العلم وتنشر الثقافة الأصلية وتجلي المآثر والمفاخر.
ومما أطاب اللقاء وعطرة قيام صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز- حفظه الله- نيابة عن خادم الحرمين الشريفين- أيده الله- بافتتاح الدورة وتشريفه الحفل الافتتاحي، وإلقائه الكلمة الغالية الفياضة بالعناية والمحبة للعلم وأهله.
كما نود إبلاغ شكرنا وتقديرنا لمعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، وإلى أعضاده ومساعديه وكل العاملين في الوزارة لما بذلوه من جهود لتحقيق النتائج الطيبة لهذه الدورة.
وإن هذه الدورة المتميزة بمشاركة ثلة من علماء الأمة وخبرائها، من فقهاء واقتصاديين وأطباء وباحثين، إضافة إلى أعضاء المجمع المنتدبين، قد استمرت جلساتها بين صباحية ومسائية على مدى ستة أيام، وقدمت فيها مجموعة من الأبحاث القيمة، بلغ عددها (38) بحثاً، وكانت الموضوعات الأحد عشر المخصصة للبحث والدراسة فيها:
1-
عقود التوريد والمناقصات.
2-
بطاقات الائتمان غير المغطاة.
3-
الشرط الجزائي.
4-
الإيجار المنتهي بالتمليك وصكوك التأجير.
5-
استثمار موارد الأوقاف (الأحباس) .
6-
الإثبات بالقرائن أو الأمارات.
7-
حقوق الأطفال والمسنين.
8-
دور المرأة المسلمة في تنمية المجتمع.
9-
توصيات ندوة التضخم وتغير قيمة العملة.
10-
ترجمة القرآن الكريم.
11-
إنشاء هيئة إسلامية للقرآن الكريم.
كما تم النظر في توصيات الندوة التي عقدها المجمع بالتعاون مع هيئات أخرى.
وقد اتخذ مجلس المجمع بصدد كل موضوع من هذه المواضيع قراره الشرعي ما خلا موضوعين أرجأ البتّ فيهما لدورات قادمة بإذن الله.
وحري بنا أن نذكر في مقدمتنا لهذه المجلدات الأربع الممثلة للعدد الثاني عشر من (مجلة مجمع الفقه الإسلامي) بأن هذه القرارات المتخذة إنما هي تلاقح للمذاهب الفقهية الإسلامية، وتمازج للآراء والعقول والأفكار والمفاهيم، واستناد إلى الدليل الشرعي الصادر من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، مع مراعاة جلب المصالح ودرء المفاسد، واعتبار مقاصد الشريعة الغراء.
والله نسأل أن يجعل في هذا العدد النفع الخاص والعام، وأن يكتب له البركة والقبول، وأن يمدنا بالتوفيق والتسديد والإخلاص في جميع أمورنا، إنه سميع قريب مجيب، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
رئيس مجلس المجمع
الدكتور بكر عبد الله أبو زيد
الأمين العام للمجمع
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
كلمة
خادم الحرمين الشريفين
الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود
ألقاها نيابة عن صاحب السمو الملكي
الأمير سلمان بن عبد العزيز
أمير منطقة الرياض
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سماحة المفتي العام للملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء.
أصحاب الفضيلة العلماء والمعالي الوزراء
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي
أيها الحفل الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني أن أشارككم افتتاح اجتماعات الدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد تعاوناً مع مجمع الفقه الإسلامي الدولي، بمناسبة اختيار الرياض عاصمة الثقافة العربية لهذا العام 2000 ميلادية.
أيها الإخوة الحضور:
إن تبوء الرياض مكانة مرموقة في الثقافة العربية والإسلامية والدولية إنما هو ناتج عن اهتماما أهلها بالثقافة ونشر العلم بجميع أشكاله وفروعه، ذلك أن الثقافة التي نعتز ونفتخر بها ونسعى لنشرها، وهي ثقافة معينها كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
ومدادها إخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى وحفظ الأمن والمحافظة على حرية الإنسان وكفالتها.
ثقافة تقوم على قول الحق جل وعلا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] .
ثقافة تنأى بالإنسان عن النفاق والرياء وتدعو إلى حسن الخلق والبعد عن مواطن الردى أسوة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
أجل إن ثقافتنا ثقافة التوحيد والبناء وضع أسسها وحدد أطرها ومعالمها وشيد مؤسساتها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله وأسكنه فسيح جناته منذ وضع اللبنة الأولى لبناء هذا الكيان على هدى من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى اكتمل البناء وبدأت مسيرة الوطن الواحد قبل مائة عام.
أيها العلماء الأفاضل إن المسؤولية والأمانة التي تحملتموها مسؤولية جسيمة – وأنتم أهل لها- نسأل الله أن يعينكم على حملها وأدائها على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى.
كما أسأله سبحانه أن يوفقكم وأن يعينكم ويسدد آراءكم؛ لتسهموا في جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم، وتبيين أحكام الله لتكون عبادة الناس وطاعتهم له على بصيرة وهدى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة
وزير الشئون الإسلامية والأوقاف
والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية بالإنابة
معالي الدكتور علي بن إبراهيم النملة
وزير العمل والشؤون الاجتماعية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية، رئيس هيئة كبار العلماء، الرئيس العام لإدارة البحوث العلمية والإفتاء.
أصحاب الفضيلة العلماء، أصحاب المعالي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أما بعد: فيطيب لي أن أرحب بكم ترحيباً مفعماً بمشاعر الامتنان والتقدير نيابة عن أخي معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الذي أنابني في هذه المهمة المباركة، لانشغاله بوجهٍ من وجوه الدعوة إلى الخير والهدى في موقع آخر من أرض الله الواسعة. ويسرني أن أنقل تحياته وتقديره لكم جميعاً، وتمنياته لهذه الدورة الثانية عشرة المباركة التي تعقد في مدينة الرياض بالتوفيق والسداد واعتذاره في الوقت نفسه عن عدم تمكنه من أن يكون بيننا في هذا الجمع المبارك، وكأن لسان حاله يقول لكم ولمن تصله هذه الكلمات إنه في خضم الاحتفاء بالرياض عاصمة للثقافة، فإنه يأتي في قمة الثقافة، ثقافة الإسلام التي تتكئ على العلم الشرعي والفقه بأمور الدين.
إن في علوم الشرع الإجابة الشافية لكل ما يهم الإنسان على هذه الأرض، وهذا ما تجتمعون عليه أصحاب الفضيلة لتتداولوا في أمور الدين ومستجدات الحياة لتصلوا إلى رؤية واضحة تطمئن لها النفوس ويقبلها المجتمع المسلم الذي يتطلع إلى هذه الرؤية، بحيث تطوع القضايا للمفهوم الشرعي، ولا يطوع المفهوم الشرعي للقضايا المستجدة في ظل من الوسطية التي تتسم بها هذه الأمة:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] .
وإنني في هذا المقام المبارك أتوجه بالشرك لله تعالى على أن هيأ هذا اللقاء الموفق – بإذنه تعالى – ثم إني أشكر قيادة هذا البلد الطيب، التي تسعى إلى ما فيه رفعة الإسلام والمسلمين بمتابعة مباشرة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد ابن عبد العزيز منيباً عنه أخاه صاحب السمو الملكي الأمير سليمان بن عبد العزيز، ليلقي الكلمة التي قيلت على مسامعكم. ثم ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، والنائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران والمفتش العام. كما أشرك بالنيابة عن هذا الجمع المبارك صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض بصفته نائباً لخادم الحرمين الشريفين، وبصفته أميراً لهذه المدينة الطيبة، على استضافة الرياض عاصمة الثقافة لهذه الدورة الموفقة بإذن الله.
أعانكم الله جميعاً ووفقكم لما فيه خير الإسلام والمسلمين، وسدد خطاكم، وأرانا وإياكم الحق حقاً ورزقنا اتباعه، وأرانا وإياكم الباطل باطلاً ورزقنا اجتنابه، وصلى الله وسلم وبارك على الهادي البشير محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة
رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي
معالي الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي الخلق والأمر والتدبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله رحمة من الله وسراج منير. اللهم صل وسلم عليه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، ورضي الله عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد،
فأجدني اليوم مضطراً إلى كلمات معدودات في خطبة جمعية لا مجمعية، لا على جادة الخطباء التي يحركون بها أعواد المنابر في صناعة الكلام وصياغة الكلم، ولكن على جادتهم في المعاني والإعداد للغايات التي يؤمونها والأهداف التي يقصدونها، يجمعهما أمران: نشر شريعة رب العالمين، والدفاع عن هذا الدين، حتى تعيش أمة محمد صلى الله عليه وسلم في حياة آمنة مطمئنة يتوفر لها الأمن بجميع أنواعه: الأمن العقدي فلا إلحاد، والأمن الأخلاقي فلا إباحية، والأمن السياسي فلا فوضى ولا اضطراب، ومنه قول حسان – رضي الله عنه:
وما الدين إلا أن تقام شرائع
وتؤمن سبل بيننا وهضاب
وكيف لا يكون ذلك مني وأنا أنطلق من كلامي هذا من سدة مجمع جامع لعد من علماء الأقطار الإسلامية الذين تقاطروا إلى هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية، أثابهم الله. يتصدر الحضور جمع مبارك من علماء المملكة العربية السعودية من رجال الفُتيا والقضاء والتعليم ومرافق الدولة الأخرى، وكيف لا يكون ذلك:
أنا على أرض بلاد نيطت بها تمائمي
وأول أرضٍ مس جلدي ترابها
إنها أرض المملكة العربية السعودية، أرض الحرمين الشريفين دار الكتاب والسنة، قلعة الإسلام وقبة المسلمين، التي لا يكون فيها دينان إلا ديناً واحداً وهو دين الإسلام، ولا يكون فيها قبلتان إلا قبلة واحدة هي قبلة المسلمين إلى المسجد الحرام. وكيف لا يكون ذلك والمجمع يعقد دورته الثانية عشرة في ضيافة ملك العرب وأهل الإسلام خادم الحرمين الشريفين سليل بيت المجد الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود نصر الله به الحق وأهله، آمين. مفتتحاً –حفظه الله- هذا المؤتمر نيابة عنه صاحب السمو الملكي الأمير الموفق المسدد سلمان بن عبد العزيز آل سعود أمير منطقة الرياض، أيد الله به الحق وأهله، آمين.
صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
سماحة الشيخ الجليل عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء، ورئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء.
صاحب المعالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالإنابة.
صاحب المعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي.
والآن آن لي أن أقول:
يعيش الناس في ضجيج النظام العالمي الجديد وفي خطى متسارعة إلى العولمة والشوملة، وقد ألقيت السمع وهو شهيد، والبصر وإن كان غير حديد، على مراكز المعلومات والبحث في داخل المملكة وخارجها وتلقيت ما شاء الله من ركائب أهل العلم. هل لهاتين المظلتين والكهفين المظلمين من نظام له مواده ولوائحه؟ لم أُحس لذلك ذكراً ولم أسمع له ركزاً. الأمر أعظم من ذلك وفوق ذلك، فهما كهفان مظلمان تديرهما المؤتمرات الحاقدة على الإسلام والمسلمين، وهي في جملتها في أنواع ثلاثة:
المؤتمرات التي تعقد لوحدة الأديان والتقريب بينها، ومعاذ الله أن يجتمع الحق والباطل، ورحمة الله على إمام أهل السنة الجماعة في زمانه الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود، أنه في عام 1326هـ لما أقيم مجمع الإخاء الديني بين الموسوية والعيسوية والمحمدية في بعض البلدان العربية أتى إليه مندوب من هذا المجمع في حدود خمسين بعد الثلاثمائة والألف لتمثيل المملكة في ذلك، فقال رحمة الله تعالى عليه: إذا آمنتم بمحمد وشريعته فنحن إخوة، وإلا فلكم دينكم ولي دين.
أما المؤتمر الثاني فهو مؤتمر المرأة والإسكان. فإذا كان مؤتمر وحدة الأديان يدعو إلى الإلحاد، فإن مؤتمر المرأة والإسكان يدعو إلى الإباحة. ولله در هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، فقد أصدرت بيانًا مهمًّا نُشر عبر وسائل الإعلام في اجتناب هذا المؤتمر وعدم الانضمام إليه.
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.
أما المؤتمر الثالث: التعليم المنتسب تحت شعار: (نحن عالم واحد في التعليم واحد في دين واحد) .
صاحب السمو الملكي،
أيها العلماء الأجلاء:
من رد أعجاز الكلم إلى صدورها فإن هذا المجمع المبارك أصدر نحو مائة قرار، وهي تشتغل على هذين الهدفين العظيمين: نشر شريعة رب العالمين، والدفاع عن هذا الدين. وكان من قراراته الدفاعية ما صدر بحق البهائية والقاديانية وبحق العلمانية والحداثة، وأنهما مذهبان إلحاديان يأباهما الله ورسوله والمؤمنون.
فلا بد من صوت جهير وقرار مكين يصدر للعالم الإسلامي لا من هذا المجمع فحسب، بل من جميع الهيئات العلمية تبين الخطط المهينة التي يقصد بها الإسلام، ويقصد بها المسلمون في هذه المؤتمرات وفي أمثالها نصحًا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وما ذلك بكثير على علماء المسلمين الذين عرفوا الكتاب والسنة وفقهوا فقه الكتاب والسنة ويبلغون عن الله وعن الرسول رسالته.
هذا؛ وإنني أبدي بالأصالة عن نفسي ونيابة عن أمانة المجمع وإخواني رجال المجمع من أعضائه وخبرائه وباحثيه الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين على هذه المكرمة التي تفضل بها وهي تمثل الدورة السابعة للمجمع التي تعقد في المملكة العربية السعودية، وليس هذا بغريب على حكومة إسلامية تحتضن القضايا الإسلامية وتنادي بها ويخفق ولاتها في الآفاق لنصرتها، فجزاهم الله عنا وعن المسلمين أحسن الجزاء وأوفاه.
كما أشكر صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض الأمير الموفق المسدد سلمان بن عبد العزيز –حفظه الله– على كلمته الضافية وتجشمه الحضور رغم مشاغله العظيمة، فجزاه الله عنا أحسن الجزاء وأوفاه.
وأبدي شكري لأمانة المجمع التي ما فتئت تعمل على القيام بأعمال هذا المجمع وسيرها في خطى مسددة.
والله تعالى يحفظنا وإياكم بالإسلام ويثبتنا جميعًا عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة
الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي
معالي الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، ولم يجعل له عوجاً، قيماً. ظاهره أنيق، وباطنه عميق، حارت العقول الناصعة في رصفه، وكلت الألسن البارعة عن وصفه. فهو الواقي بإفهامه إياك إليك، العالم بغيوبه وأسراره عليك.
وصلي الله على سيدنا ومولانا محمد عبده ورسوله وعلى آله وصحبه. دعا الله به عباده إلى الهداية، وصرف بسنته الشريفة أتباعه المؤمنين عن الغواية. فهو بما أمر ونهى، ووجه ودعا، وعلم وهدى، السبيل الواضح، والنجم اللائح، والقائد الناصح، والعلم المنصوب، والأمم المقصود، والغاية في البيان، والنهاية في البرهان، والفزع عند الخصام، والقدوة لجميع الأنام. جزاه الله الكريم خير ما جازى به نبياً عن أمته، وأعلى في عليين درجته، ورزقنا عز وجل الاعتصام بكتابه وبسنة نبيه، وحشرنا تحت لوائه يوم لقائه.
حضرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز.
أمير منطقة الرياض، زاده الله رفعة وكمالاً وسنىً وسناءً.
حضرة صاحب السماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن آل الشيخ،
المفتي العام للمملكة العربية السعودية.
حضرة صاحب المعالي الدكتور علي بن إبراهيم النملة،
وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالإنابة.
حضرة صاحب المعالي الدكتور الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد،
رئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي.
أصحاب السماحة والفضيلة، أصحاب المعالي والسعادة،
السادة الأعضاء والخبراء والشيوخ العلماء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يُسعدني في مطلع هذه الكلمة، في هذه الليلة المباركة الغراء، التي يتجدد فيها الاعتزاز باليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، أن أرفع على كاهل الإجلال والتقدير أكمل آيات الشكر والامتنان للمقام السامي خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية، على ما طوق به أعناقنا من فضل، ودعم جهودنا به من توجيه نعتد به، نطق به خطابه المنهجي الشريف الذي ألقاه في المؤتمر التأسيسي للمجمع في شعبان 1403هـ/ يوليو 1983م بمكة المكرمة.
ولا يفوتني أن أنوه بصنويه الكريمين الجليلين: حضرة صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولي عهده الأمين، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وأخيه حضرة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وبحضرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض. بارك الله لهم وبارك جهودهم التي يسيرون بها في عزم وحزم، مع قائد المسيرة من أجل دعم صروح هذه الدولة، والعناية بالإسلام، والرعاية الشاملة للمسلمين، والاهتمام البالغ بالحركات الدينية والعلمية والمؤسسات العربية والإسلامية خدمة لأمتهم ولملتهم.
تتابعوا كأنابيب القنا، ولهم
مفاخر ومزايا تعجز العربا
ويشرفني هنا في هذا المقام أن أنوه بما تحقق من تعاون صادق بين وزارة الأوقاف بالرياض وبين مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة. فكم عقدنا من لقاء، وشهدنا من جلسات، وأعددنا إمكانات لنجاح هذه الدورة. ولقد وجدنا من صاحب المعالي الدكتور الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ، ومن ديوانه وأعضاده كل ما نحن في حاجة إليه من ترتيب وتنظيم لا نقدر على الوفاء بشكره، جزاه الله وجزاهم عنا كل خير، وأمدهم بالحسنى، وبما يؤملون عند ربهم من أجر وثواب في هذه الدنيا وفي الآخرة.
حضرة صاحب السمو الملكي، حضرات السادة الأكارم،
من رحاب قصر الحكم بخضراء حجر، فيما بين البطحاء ووادي حنيفة، أين تقوم مدينة الرياض العزيزة الشامخة، قاعدة اليمامة، وعاصمة المملكة العربية السعودية جئنا محيين عروس الجزيرة عاصمة الثقافة العربية، التي ما ذكرت إلا ذكر معها صادق الوعد وحافظ العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز. فهو الرجل الذي عرف كل شيء عن الرياض، عرف تاريخها فأقام بها علاقة مشهودة بين أصالة الماضي وروعة الحاضر. إنا لسعداء اليوم بإشرافكم، حضرة صاحب السمو الملكي، على دورتنا الثانية عشرة، وقيامكن نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، أعزه الله، بإلقاء كلمته الحكمية والتوجيهية الخالدة بيننا.
هذا وإن مجمعكم بعد انبعاث معلمة القواعد إثر تعثر غير متوقع، وانطلاق الموسوعة الفقهية الاقتصادية من جديد، ليعالج في هذه الدورة المتميزة، إن شاء الله، عدداً من القضايا، من مستجدة وغيرها، مما عُرض من قبل. وهكذا نعود إلى قضية تغير قيمة العملة بعد أن أذن مجلسكم الموقر بعقد ندوة لها. وقد استجاب مصرف فيصل الإسلامي بالبحرين إلى رغبتنا مشكوراً، فعقد المجمع بالتعاون معه ندوة حول التضخم، تجسمت موضوعاتها في ثلاث حلقات بأماكن مختلفة: بجدة، وبكوالالمبور، وبالمنامة. وبعد درس المُشكل من طرف الفقهاء الشرعيين وفقهاء الاقتصاد الإسلامي، وإحاطة الدارسين من الجانبين بكل أطراف القضية صدرت عن الندوة المذكورة توصيات بشأن الموضوع المطروح، هي التي نود عرضها عليكم لاتخاذ القرار المناسب بشأنها. وإن بجانب ذلك قضايا فقهية هامة، وأخرى تمس الإجراءات الشرعية نتولى النظر في نتائج ندوات اجتماعية وعلمية تخصصية ونحوها، يتضمنها جدول أعمال هذه الدورة الموزع على حضراتكم والموجود بين أيديكم.
ونحن، بفضل الله، ثم بفضل جهودكم وثباتكم، ماضون في تجلية الشريعة وبيان أحكامها بما يصدر عن المجمع من قرارات فقهية وتوصيات، في كل دورة وندوة. وكما كان أسلافنا الميامين يواجهون المستجدات في عصورهم بالوقوف أمام التحديات المختلفة، معتمدين المصادر الأساسية للفقه وبعض الأصول التابعة لها، أو الملحقة بها، راجعين إلى القواعد العامة الفقهية والمقاصد الشرعية، وإلى فن الأصول الذي نجد فيه تحدي المنهج لاستنباط الأحكام الشرعية، على النحو الذي التزم به عامة الفقهاء من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اليوم، وتحقق به لأمتنا الكشف عن هذه الثروة العظيمة الفقهية القانونية. والله أحمد أن استجاب هذا التراث الخالد إلى حاجات الناس في كل أوضاعهم وجميع تصرفاتهم، سواء أكان ما سعوا إلى ضبطه حكماً شرعياً أم فتوى.
ولقد اعتمدوا في ذلك أساساً النصوص الشرعية واستنبطوا منها الأحكام، وحملوا الواقعات على الإباحة مع تفاوت بينها، وأعطوا المصالح حظاً من الاعتبار جعلهم حريصين على مراعاتها والسير على مقتضى ما صح منها. وإلى هذا المنهج يشير شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها. وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما (1) .
وقد فصل هذا الرأي أكمل تفصيل وأبدعه العز بن عبد السلام في كتابه (قواعد الأحكام في إصلاح الأنام) ، وتبع هذين؛ الإمامان الجليلان الشاطبي في موافقاته، وابن عاشور في مقاصده.
واعتقادي أن مواجهة التحدي في عصرنا الحاضر الذي بلغ التطور فيه حد انقلاب الأوضاع، والثورة عليها جميعاً، وكان به ظهور النوازل والواقعات مما لا تعرف له سابقة في الفقه الإسلامي، يقتضي وجود الفقيه المؤهل لخوض مواجهة التحدي. ولا يكون ذلك إلا بفقه مشكلات العصر، والعلم بمصادر التشريع، واستخدام مناهج الاستنباط، واعتماد مقاصد الشريعة، والمعرفة الواسعة بمقالات الأئمة المجتهدين يُستأنس بها، وتكون للمجتهد معواناً على بلوغ الحق، مع التوجه العام الذي ينبغي أن يراعيه الفقيه في فتواه واجتهاده من مخاطبة العقل والفطرة، وإيثار اليسر على العسر، ولا أحسب حضارتكم إلا خلاصة الصفوة الممثلة لهذا الاتجاه، الناطقة به، والداعية له، القادرة على الترجيح بين آراء المجتهدين والحرص على اختيار أكملها وأهمها وأجداها وأنفعها.
زادنا الله وزادكم من فضله، ووفقنا وسدد خطانا وجعلنا وجعلكم ممن عناه عز وجل بقوله:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28] . وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1) الفتاوى: 20/48؛ 30/193.
كلمة
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض.
أصحاب الفضيلة العلماء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في بداية حديثي هذا أشكر الله قبل كل شيء على هذا الاجتماع المبارك، ثم أشكر لقيادة هذا البلد ما أولته وتوليه من عناية تامة لقضايا الأمة الإسلامية عموماً، وما أولته من عناية للأمانة العامة للمؤتمر الإسلامي وعقد هذه الدورات المتتابعة وهذه الدورة الثانية عشرة لمؤتمر الفقه الإسلامي، إن هذه العناية تمثلت فيما تبذله الدولة حيال هذا المؤتمر ليسير حثيثاً حتى يبلغ غايته بتوفيق من الله.
وإن حضور صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز في هذه الليلة المباركة لدليل على ما توليه الدولة وفقها الله من عناية بهذا، لا مجرد تكريم لهؤلاء، ولكنها دلالة على حرصها على الدعوة إلى الله، وحل مشاكل الأمة، والقيام بذلك مضى على ذلك سلفهم، ونرجو الله أن يجعل خلفهم على هذا المنوال الكريم بفضله وكرمه.
أيها الإخوة الكرام؛
إن الله – جل وعلا- أكمل شريعة الإسلام فجعلها شريعة كاملة شاملة محتوية على كل خير يعود على الأمة في دينها ودنياها، تحل مشاكل الحياة على اختلافها أفراداً وجماعة في منهج كامل لا يلحقه نقص ولا خلل، بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم وأمره بتبليغ هذا الدين {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] ، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أنزل الله عليه في آخر حياته {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] . فالحلال ما أحل والحرام ما حرم والدين ما شرع صلوات الله وسلامه عليه أبداً دائماً إلى يوم الدين.
أيها العلماء الكرام، أيها العلماء الأفاضل؛
إن العلم شرف لأهله وسبب لرفعتهم وعزتهم، يقول الله جل وعلا:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] ، وهم أهل خشية الله ومخافته {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] ، ((العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)) ، وعلماء الأمة ورثة الأنبياء، علماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم قاموا في هذه الأمة مقام الأنبياء في الأمم قبلهم {فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات: 8] ، والله ذو الفضل العظيم.
إن اجتماع العلماء والتقاءهم لهو خير عظيم يتدارسون مشاكل الأمة ويحاولون حلها بما يتفق مع شريعة الإسلام التي جاءت بكل خير {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] .
أيها العلماء الأفاضل؛
إن نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: ((مثل ما بعثني الله به من النور والهدى كمثل غيث أصاب أرضاً منها أجادب، أمسكت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها طائفة أمسكت الماء فسقى الناس وزرعوا وأصاب طائفة إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذاك مثل ما بعثني الله به من الهدى، فذاك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما جئت به، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي بعثت به)) .
أيها العلماء الكرام؛
بمرور الزمان والعصور تجد قضايا، وتحدث أمور تحتاج من أهل العلم لدراستها على وفق هذه الشريعة التي لا يعجزها حل أي مشكلة ولا يحول بينها وبين أي مشكلة أن تحلها. إذن فاجتماع علماء الإسلام لحل هذه المشاكل، دراستها وتحقيقها ثم تنزيلها على قضايا ((من يرد به الله خيرا يفقهه في الدين)) ولما دعا لعبد الله بن عباس قال:((اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)) ، ولاشك أن الفقهاء متفاوتون ما بين مقل ومستكثر وذلك قسمة رب العالمين وهو أحكم الحاكمين.
فيا علماء الأمة إن اجتماعكم خير، وإن دراستكم لما يعرض عليكم والخروج بحلول مناسبة للأمة لتثبتوا للعالم أجمع أن دين الله هو دينه منذ بعث الله به محمدًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، دين جاء بما يسعد الأمة في حياتها وآخرتها.
وختاماً أيها الإخوة الوصية بتقوى الله الإخلاص لله في القول والعمل، إن العلم رحم بين أهله، وإن التقاء العلماء وتفاهمهم وإجماعهم له الأثر، بتوفيق الله في نصرة هذا الدين، وهذه بلاد التوحيد بلاد الحرمين التي من الله عليها بهذه النعم العظيمة من الله عليها بهذا الدين ومن الله عليها بهذا الأمن والاستقرار وبتلك القيادة الحكيمة التي جعل الله على يديها خيراً كثيراً فهي حريصة على الأمة الإسلامية من خلال مراكز الدعوة من خلال الجمعيات العظيمة والمساعدات للعالم الإسلامي، فهي ولله الحمد ساعية في كل هذا من خلال قيادتها الموفقة التي نرجو الله أن يؤيدها بنصره، ويحفظها بحفظه، ويكلأها ويعيذها من كل شر، ويحفظها من كل سوء، ويوفق قيادتها لكل خير، ويهديهم سواء السبيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.