المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالدكتور محمد جبر الألفي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثاني عشر

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعدادأ. د. خليفة بابكر الحسن

- ‌استثمار موارد الأوقافإعدادالدكتور إدريس خليفة

- ‌استثمار موارد الأحباسإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌أثر المصلحة في الوقفإعدادالشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌صور استثمار الأراضي الوقفية فقهاً وتطبيقاًوبخاصة في المملكة الأردنية الهاشميةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌الإجارة المنتهية بالتمليكوصكوك الأعيان المؤجرةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الإجارة وتطبيقاتها المعاصرة(الإجارة المنتهية بالتمليك)دراسة فقهية مقارنةإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الإجارة المنتهية بالتمليكدراسة اقتصادية وفقهيةإعداد الدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌الشرط الجزائي ومختلف صوره وأحكامهإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌الشرط الجزائيإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌الشرط الجزائيإعدادالأستاذ الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌الشرط الجزائي في العقودإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الشرط الجزائي في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور ناجي شفيق عج

- ‌الشرط الجزائيدراسة معمقة حول الشرط الجزائي فقها وقانوناإعدادالقاضي محمود شمام

- ‌عقود التوريد والمناقصةإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌عقد التوريددراسة فقهية تحليليةإعدادالدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌عقود التوريد والمناقصاتإعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌عقود التوريد والمناقصاتإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌الإثبات بالقرائن أو الأماراتإعدادالشيخ مجتبى المحمودوالشيخ محمد على التسخيري

- ‌الإثبات بالقرائن والأماراتإعدادالدكتور عكرمة سعيد صبري

- ‌القرائن في الفقه الإسلاميعلى ضوء الدراسات القانونية المعاصرةإعدادالمستشار محمد بدر المنياوي

- ‌الإثبات بالقرائن أو الأماراتإعدادالشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الطرق الحكمية في القرائنكوسيلة إثبات شرعيةإعدادالدكتور حسن بن محمد سفر

- ‌دور القرائن والأمارات في الإثباتإعدادالدكتور عوض عبد الله أبو بكر

- ‌بطاقات الائتمانتصورها، والحكم الشرعي عليهاإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌بطاقات الائتمان غير المغطاةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌بطاقات الائتمان غير المغطاةإعدادالدكتور محمد العلي القري

- ‌بحث خاصبالبطاقات البنكيةإعدادالدكتور محمد بالوالي

- ‌بطاقة الائتمانإعدادالبروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌بطاقة الائتمان غير المغطاةإعدادالشيخ علي عندليبوالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التضخم وعلاجهعلى ضوء القواعد العامةمن الكتاب والسنة وأقوال العلماءإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الصلح الواجب لحل قضية التضخمإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌تدهور القيمة الحقيقية للنقود ومبدأ التعويضومسؤولية الحكومة في تطبيقه

- ‌مسألة تغير قيمة العملة الورقيةوأثرها على الأموال المؤجلةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌التأصيل الشرعي للحلول المقترحةلعلاج آثار التضخم

- ‌التضخم وتغير قيمة العملةدراسة فقهية اقتصاديةإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌نسبة التضخم المعتبرة في الديونإعدادالشيخ عبد الله بن بيه

- ‌حقيقة التضخم النقدي: مسبباته – أنواعه – آثاره

- ‌التضخم وآثاره على المجتمعات

- ‌ضبط الحلول المطروحة لمعالجة آثار التضخم على الديون

- ‌حقوق الأطفال والمسنينإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌حقوق الشيوخ والمسنين وواجباتهمفي الإسلامإعدادالأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌حول حقوق المسنينإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌حقوق الطفلالوضع العالمي اليومإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌الشيخوخةمصير. . . وتحدياتإعدادالدكتور حسان شمسي باشا

- ‌البيان الختامي والتوصياتالصادرة عنالندوة الفقهية الطبية الثانية عشرة

- ‌(حقول المسنين من منظور إسلامي)

الفصل: ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

‌الإيجار المنتهي بالتمليك

وصكوك التأجير

إعداد

الدكتور محمد جبر الألفي

أستاذ الفقه المقارن ونائب عميد كلية الشريعة والقانون جامعة اليرموك – الأردن

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

" الإيجار تمليك المؤجر للمستأجر منفعة مقصودة من الشيء المؤجر لمدة معينة لقاء عوض معلوم"(1) .

وعقد الإيجار من أكثر العقود أهمية "ولا يخفى ما بالناس من الحاجة إلى ذلك – الإجارة - فإنه ليس لكل أحد دار يملكها، ولا يقدر كل مسافر على بعير أو دابة يملكها، ولا يلزم أصحاب الأملاك إسكانهم وحملهم تطوعاً

فلابد من الإجارة" (2) .

وقد أصبح عقد الإيجار –في عصرنا الراهن- عصب الحياة الاقتصادية، ويؤدي إلى إشباع الحاجات المتزايدة، فهو –بالنسبة للمستأجر- يجعل منفعة الأعيان في متناول يده إذا كان في حاجة إليها ولا يمكنه شراؤها أو لا يرغب في ذلك لاستثمار رأس ماله فيما يعود عليه بنفع أكبر.

وهو بالنسبة للمؤجر يعتبر من المجالات الاستثمارية للأعيان المملوكة له مع احتفاظه بملكية هذه الأعيان. ولهذا أقبل المستثمرون على شراء المعدات الصناعية والأجهزة المتنوعة ووسائل النقل البري والبحري والجوي والأراضي والوحدات المعدة للسكنى أو الاستثمار، وتأجيرها للغير لقاء أجر مناسب مما جعلها من أحدث الوسائل الاستثمارية وأكثرها ربحاً (3) .

وكلامنا عن الإيجار المنتهي بالتمليك يتناول –في مطلب أول- بيان ماهية هذا العقد وصوره التي أفرزها التطبيق العملي. ثم نبحث –في مطلب ثان- موقف القانون الأردني من الإيجار المنتهي بالتمليك. وفي المطلب الثالث والأخير نحاول استخلاص حكم الإيجار المنتهي بالتمليك في الفقه الإسلامي.

المطلب الأول

ماهية عقد الإيجار المنتهي بالتمليك وصوره

الإيجار المنتهي بالتمليك:

لا يختلف الفقه ولا القضاء في تحديد ماهية العقد إذا اتفق المتعاقدان على نقل ملكية شيء معين مقابل أقساط محددة تدفع خلال مدة معلومة، فهذا هو البيع بالتقسيط (Ventea Temperament) ، الذي أجازه الفقه الإسلامي واعتبره أحد صور بيع النسيئة (4) ، ولكن يقع اللبس في تحديد ماهية العقد الذي يسميه الطرفان (عقد إيجار) ، مع أن نيتهما تكون قد انصرفت إلى حقيقة البيع، ليتمكن البائع من ترويج بضاعته حيث يبيعها بأقساط يسهل على المشتري دفعها، وفي نفس الوقت يحتفظ بملكية المبيع، حتى يحصل على القسط الأخير من ثمنه. وقد اتخذ هذا العقد عدة صور في الحياة العملية، نكتفي منها بثلاثة نماذج: البيع الإيجاري، والإيجار المقترن بوعد بالبيع، والتمويل الإيجاري.

أ-البيع الإيجاري (5)(Hire – Purchase) أو (Location – Vente) :

تتلخص فكرة (البيع الإيجاري) في التعاقد على شيء، يتفق الطرفان على أنه مؤجر لمدة معلومة لقاء أجر دوري محدد، بحيث إذا دفع المستأجر هذا الأجر كله أصبح الشيء مملوكاً له في نهاية المدة، أما إذا أخل بشروط التعاقد فإن العقد ينفسخ، ويعود الشيء إلى المؤجر، ولا يسترد المستأجر شيئاً مما دفعه.

(1) المادة (658) من القانون المدني الأردني. نقابة المحامين – عمان، المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني، إعداد المكتب الفني، بإدارة المحامي إبراهيم أبو رحمة: 2/551.

(2)

ابن قدامة، المغني المطبوع مع الشرح الكبير: 6/3.

(3)

محمد الألفي، عقد الإيجار في ضوء قانون المعاملات المدنية وأحكام الفقه الإسلامي، العين: 1994 –1995، ص 7.

(4)

الشافعي، الأم: 3/86 وما بعدها؛ ابن قدامة، المغنى والشرح الكبير: 4/219؛ وانظر رفيق يونس المصري، بيع التقسيط، دمشق – بيروت 1410 / 1990؛ إبراهيم أبو الليل، البيع بالتقسيط، الكويت 1984.

(5)

إبراهيم أبو الليل المرجع السابق، ص 303 – 310؛ وانظر أيضاً: L. Aynes Location Vente. In Jur. Cl. Com. Distribution، Fasc، 760، 1984، R.M Goode Here – Purchase. Law and Practic. London. 1962.

ص: 397

وقد ظهر هذا العقد في إنجلترا عام 1846م، ولما زادت أهميته في الحياة العملية تدخل المشرع لتنظيمه عام 1938م ثم عام 1954م و1957م. وفي ظل هذه التشريعات ظهر اتجاهان في تحليل هذا العقد:

يرى الاتجاه الأول أن هذا العقد أقرب إلى الإيجار منه إلى البيع، لأن الحائز يحصل على الشيء باعتباره مستأجراً له، وله الحق في أن يتملكه بعد انتهاء مدة الإيجار مقابل دفع ثمن إضافي، ويرى الاتجاه الآخر أن هذا العقد أقرب إلى البيع منه إلى الإيجار، لأنه ينتهي بتملك الشيء، إذا رغب المشتري، مقابل ثمن يدفع على أقساط، بمجرد دفع القسط الأخير، ودون حاجة إلى إبرام عقد جديد (1) .

فلما انتقلت فكرة (البيع الإيجاري) إلى فرنسا، برزت في العمل تفرقة بين التعاقد على المنقول والتعاقد على العقار (2) : ذلك أن الانتفاع بالمنقول لمدة طويلة –وخاصة إذا كان من الأجهزة والمعدات – يفقده كثيراً من قيمته الاقتصادية ويقربه من نهاية عمره الافتراضي، مما يجعل المنتفع يزهد في تملكه بعد طول الاستعمال. لذا تدخل المشرع في 10/1/1978م لتنظيم هذا التعامل لحماية المستهلكين، وإبطال بعض شروط العقد باعتبارها شروطاً تعسفية.

أما القضاء فقد أكد أن البيع الإيجاري الوارد على المنقول يتضمن عملية قانونية لا تقبل التجزئة، تتكون من البيع والإيجار معاً وكذلك المقابل الموحد، فتكييف العقد –إذن- يجعله ذا طبيعة تعاقبية: يبدأ إيجاراً وينتهي بيعاً، ولا يجوز اعتباره بيعاً منذ انعقاده لأن المؤجر –البائع- يظل مالكاً للعين، ويتحمل تبعة هلاكها طوال مدة الإيجار، إلا إذا كان هناك اتفاق مخالف (3) .

والأمر يختلف إذا كان محل (البيع الإيجاري) عقاراً، فمع أنه يسمح (للمستأجر –المتملك) بالحصول على عقار مقابل دفعات منجمة، ودون دفع تقدمة مالية، إلا أنه يحرمه من كافة الضمانات إذا أعسر (المؤجر – المالك) أو أفلس، ثم إنه لا يملك أي سلطة لإدارة هذا العقار، على الرغم من أن التزاماته تتجاوز التزامات المستأجر العادي، بل يمكن اعتباره (المالك المستتر) . أما طبيعة العقد فتظل كما هي في المنقول: العقد مختلط، ومحله على التعاقب: الانتفاع بالشيء مدة محددة، يعقبها تملك هذا العقار. وقد تدخل المشرع بقانون: 12/7/1984م، لتنظيم العلاقة بين المتعاقدين، فأنشأ عقداً جديداً أسماه – (location – accession) أي: الإيجار المقترن بوعد بالبيع.

(1) إبراهيم أبو الليل، المرجع السابق: 304 – 306، والمراجع التي أشار إليها.

(2)

مالوري وإيني، القانون المدني، العقود الخاصة، باريس 1992، ص 431 – 433، والمراجع التي أشار إليها.

(3)

Com. 7.2 1977، B، IV. n38:D..78. 702.n.Nguyer phu Duc.

ص: 398

ب-الإيجار المقترن بوعد بالبيع (1)(location – accession) :

العقد المسمى بالإيجار المقترن بوعد بالبيع، ومن ثم يخضع لأحكام قانون 12/7/1984م، هو العقد الذي تتوافر فيه ثلاثة عناصر:

1-

وعد بالبيع يلتزم به (المؤجر – المالك) لصالح (المستأجر – المتملك) إذا أبدى هذا الأخير رغبته في شراء العقار خلال مدة معينة.

2-

الانتفاع بالعقار –مقابل عوض- لمدة سابقة على انتقال الملكية.

3-

الوفاء –حتى وقت مزاولة حق الخيار - بالأجرة ومقابل (الحق الشخصي لنقل ملكية المال) .

فإذا تخلف أحد هذه العناصر الثلاثة، فإن العقد لا يخضع لأحكام قانون 12/7/1984، بل يعتبر مجرد بيع إيجاري، أو إيجاراً مقترناً بوعد بالتمليك، تطبق عليه أحكام قانون: 13/7/1979م، السابق الإشارة إليه. أما إذا توافرت هذه العناصر الثلاثة، فإن قانون 1984م يمنح (المستأجر – المشتري) سلطة إدارة العقار طوال مدة الانتفاع، وإذا لم يبد رغبته في شرائه خلال المدة المعينة يلتزم (المؤجر – البائع) برد المبالغ المستحقة له، ولا يحتفظ إلا بتعويض يساوي 1? من ثمن المبيع (2) .

جـ- التمويل الإيجاري (leasing) أو (3)(credit – bail) :

ظهر هذا العقد في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي عام 1953م تحت اسم (leasing) ، ثم انتقلت فكرته إلى فرنسا حوالي عام 1962م، تحت اسم (credit – bail) وبعد ذلك ظهر في مصر تحت اسم (التأجير المالي) (4) . وتتلخص فكرة هذا العقد في وجود علاقة ذات أطراف ثلاثة: الطرف الأول يسعى لاستئجار معدات وتجهيزات وآلات وعقارات لاستخدامها في مشروع إنتاجي.

والطرف الثاني يتمثل في الشركات المتخصصة في إنتاج وبيع هذه الأجهزة.

أما الطرف الثالث فهو مؤسسة ائتمان لتمويل المشروعات، تشتري هذه الأجهزة أو العقارات من الشركات المتخصصة، وتؤجرها لصاحب المشروع الإنتاجي لمدة تقارب العمر الافتراضي لهذه الأجهزة بأجر مرتفع يضمن لها استرداد ثمن الأجهزة أو العقارات مع هامش ربح مناسب، وبانتهاء مدة الإيجار يستطيع المستأجر: إما إنهاء العقد ورد الأشياء المؤجرة، وإما تملك العقار والأجهزة، نتيجة وعد انفرادي سابق وبثمن غالباً ما يتفق عليه عند بداية التعاقد، وإما تجديد عقد الإيجار لمدة أخرى بأجر أقل (5) .

وإزاء انتشار هذا العقد بصورة مذهلة، تدخل المشرع الفرنسي لتنظيمه في: 2/7/1966م ثم في 6/1/1986م، وراقبت محكمة النقض بدقة تطبيقاته المختلفة، حتى إنها حكمت في 19/11/1991م بأن التمويل الإيجاري لا يمكن أن يمارسه بصفة معتادة إلا المؤسسات الائتمانية، وإلا اعتبر العقد باطلاً (6) ، أما تكييف هذا العقد فلا يزال الفقه القانوني مختلفاً عليه نظراً لطبيعته المركبة، ولو أن القضاء قد اعتبره إيجاراً يتضمن كثيراً من الشروط الجزائية، وليس بيعاً ائتمانياً (7) .

(1) إبراهيم أبو الليل، المرجع السابق، ص 28 – 31؛ مالوري واين، المرجع السابق، ص 432 – 434؛ وانظر كذلك: Thirio. Le bail avec Promesse de vene. Th. Nancy 1930. Lancereau، Les contrats de location –vente et de la location as – sortis d. une promesse de vente et la loi du 13. 7. 1979. Rev. dr imm. 1980. N @ 1. P.22. f. Benac – Schmidt. Le Contrat de Promesse \ unilaterale de vente. Paris 1983. M. Dagot et D. lepeitier. La location – accession. litec 1985. P. Walet et A. Durance. La location، accession، Masson 1988.

(2)

وقد يصل في بعض الحالات الاستثنائية إلى (3?) كما ورد في المادة (1) .

(3)

إبراهيم أبو الليل، المرجع السابق ص31 – 40، ص 317 – 324؛ مالوري وايني، المرجع السابق، ص 434 – 442؛ وانظر كذلك: J. Coillot. Initition au leasing ou credit – bail، 2e de 1979. M. Giovanoli، le credit – bail (leasing) en Europe، litec 1980.

(4)

إبراهيم أبو الليل، المرجع السابق، ص 317-320، والمراجع التي ذكرها فايز نعيم رضوان، عقد الائتمان الإيجاري. القاهرة:1985. هاني دويدار. النظام القانوني للتأجير التمويلي. الإسكندرية: 1993م.

(5)

إبراهيم أبو الليل، المرجع السابق، ص 34/35، والمراجع التي أشار إليها.

(6)

com. 19.11.1991. B. Iv.n 347:D.. 91. I.R.. 33. J. C. P. 92. IV، 276.

(7)

انظر على سبيل المثال: حكم محكمة (لاروشيل) التجارية في 26/6/1964: (J.CP.. 65.II. 14331. N. J. m. Leloup) .

ص: 399

المطلب الثاني

موقف القانون الأردني من الإيجار المنتهي بالتمليك

الفرع الأول: القانون المدني.

لم يتعرض القانون المدني الأردني لحكم الإيجار المنتهي بالتمليك لا في النظرية العامة للعقد، ولا في عقد البيع أو عقد الإيجار، إلا ما جاء في المادة (487) من أنه:

1-

يجوز للبائع إذا كان الثمن مؤجلاً أو مقسطاً أن يشترط تعليق نقل الملكية إلى المشتري حتى يؤدي جميع الثمن ولو تم تسليم المبيع.

2-

وإذا تم استيفاء الثمن تعتبر ملكية المشتري مستندة إلى وقت البيع.

وقد جاء في المذكرات الإيضاحية – تعليقاً على هذه المادة – (هذا الحكم يعرف من مراجعة المواد (187 – 188) من المجلة وشرحها لعلي حيدر، و (454- 455) من مرشد الحيران، وهي تقابل المواد (397) مشروع أردني، و (398) سوري، و (534) عراقي) (1) .

أما الإحالة إلى المواد (187 –188) مجلة، (454 – 455) مرشد الحيران، فهي محل شك، لأن اشتراط البائع تعليق نقل الملكية إلى المشتري حتى يؤدي جميع الثمن لم يكن جائزاً في ظل مجلة الأحكام العدلية، ولأن المادتين (454-455) من مرشد الحيران تتعلقان بحق البائع في حبس المبيع لاستيفاء جميع الثمن ولو قدم المشتري رهناً أو كفيلاً.

(1) المذكرات الإيضاحية، مرجع سابق: 2/501.

ص: 400

وأما أن هذه المادة تقابل المادة (398) سوري، والمادة (534) عراقي، فالأمر مختلف، ذلك أن المشرع في كل من مصر وسورية والعراق واجه بحزم موضوع البيع الإيجاري الذي قصد به حقيقة البيع بالتقسيط ولكن تم إظهاره في صورة عقد إيجار، فنص في المواد المذكورة على ما يلي (1) :

1-

إذا كان البيع مؤجل الثمن، جاز للبائع أن يشترط أن يكون نقل الملكية إلى المشتري موقوفاً على استيفاء الثمن كله، ولو تم تسليم المبيع.

2-

فإذا كان الثمن يدفع أقساطاً، جاز للمتعاقدين أن يتفقا على أن يستبقي البائع جزءاً منه تعويضاً له عن فسخ البيع، إذا لم توف الأقساط، ومع ذلك يجوز للقاضي تبعاً للظروف أن يخفض التعويض المتفق عليه وفقاً للفقرة الثانية من المادة (224)(2) .

3-

وإذا وفيت الأقساط جميعاً، فإن انتقال الملكية إلى المشتري يعتبر مستنداً إلى وقت البيع.

4-

وتسري أحكام الفقرات الثلاثة السابقة ولو سمى المتعاقدان البيع إيجاراً.

أما إذا اتجهت نية المتعاقدين إلى إبرام عقد إيجار مقترن بوعد بالبيع، فإنه يخضع لأحكام الإيجار ولا تنتقل الملكية إلى المستأجر، إذ أبدى رغبته في ذلك، إلا بعد انتهاء عقد الإيجار، ولا يكون لانتقال الملكية أثر رجعي. وهذا ما جرى عليه القضاء في مصر، حيث قرر أن تكييف البيع الإيجاري وتقرير ما إذا كان بيعاً أم إيجاراً يرجع إلى قصد المتعاقدين الذي تستخلصه محكمة الموضوع مستهدية بنصوص العقد (3) . وهو ما نرى الأخذ به في ظل القانون المدني الأردني، تطبيقاً لنص المادة (214/1) :"العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني"(4) ، ونص المادة (239/2)"إذا كان هناك محل لتفسير العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقاً للعرف الجاري في المعاملات"(5) .

(1) المادة (430) من القانون المدني المصري، وتطابقها المادة (398) مدني سوري والمادة (534) مدني عراقي.

(2)

ونصها: ويجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه.

(3)

نقض جنائي: 21/5/1934، المجموعة الرسمية: رقم 206.

(4)

المذكرات الإيضاحية، مرجع سابق: 1/241.

(5)

المرجع السابق، ص 243.

ص: 401

الفرع الثاني- مشروع قانون التأجير التمويلي:

تضمن مشروع قانون التأجير التمويلي الأردني لسنة 1997م إحدى وثلاثين مادة تتعلق بتحديد النشاط الخاضع لمشروع القانون، وتبين الأحكام الواجب تطبيقها على هذا النشاط، وأرفقت بهذا المشروع (الأسباب الموجبة لقانون التأجير التمويلي) .

فالمادة الثالثة من المشروع تضع تعريفاً مفصلاً لعقد التأجير التمويلي وتأخذ بعين الاعتبار عدة أمور للدلالة على كون عقد الإيجار عقد تمويل تأجيري تمييزاً له عن عقد التأجير التشغيلي.

والمادة الخامسة تخضع عقود التأجير التمويلي إلى أحكام المشروع، وإلى أحكام القانون المدني وقانون التجارة في كل ما لا يتعارض مع أحكامه.

أما المادة السادسة فإنها تقرر تنظيم هذا العقد بموافقة المؤجر والمستأجر، مع مراعاة عدة عناصر ينبغي أن يتضمنها العقد.

وتخضع المادة السابعة من المشروع عمليات التأجير التمويلي للتسجيل والقيد في السجل الخاص الذي تعده وزارة الصناعة والتجارة لهذه الغاية.

وتجيز المادة العاشرة لشركات التأجير التمويلي أن تتولى عمليات التأجير مباشرة مع المستأجر، أو أن تسمح له بالتفاوض مع المورد أو المقاول في المسائل التي تحددها للتفاوض.

وفي المواد (من 11 إلى 20) ينظم المشروع أحكام استلام الأصل المأجور، وصيانته، وتبعة هلاكه، والتزام المستأجر بأداء الأجرة، وحق كل من المؤجر والمستأجر في التنازل عن العقد، وحالات الفسخ، وما يترتب على انقضاء عقد التأجير التمويلي.

وتتناول المواد (من 21 إلى 23) أحكاماً تتعلق بالرسوم الجمركية والضرائب وتأجير المركبات وتضع المواد (من 24 إلى 26) القواعد المحاسبية والمعاملة الضريبية.

وتنظم المادتان (27-28) حق المؤجر في الحفاظ على ملكية الأصل والتأكد من حالته، وأثر التصاق الأصل بأي عقار آخر.

وتنص المواد (من 29 إلى 31) على بعض الأحكام الختامية.

ص: 402

المطلب الثالث

حكم الإيجار المنتهي بالتمليك في الفقه الإسلامي

تمهيد:

تلجأ البنوك الإسلامية إلى الائتمان الإيجاري أو التمويل التأجيري للاستثمارات الإنتاجية، لامتصاص زيادة المدخرات والودائع لديها، نتيجة زيادة الوعي الديني والاجتماعي، ورغبة في التعامل على أسس اقتصادية جديدة. ومما ساعد على نجاح هذه العمليات أن المبادئ التي تحكم الائتمان الإيجاري تتفق تماماً مع أغراض المؤسسات المالية الإسلامية.

فالقاعدة التي تقرر أن (مدة الائتمان تعادل العمر الاقتصادي) تتناسب مع مبدأ (المشاركة المؤقتة في التوظيف أو الاستثمار) .

والقاعدة التي تقرر أن (الآلة تدفع قيمتها من دخولها وعوائد استغلالها) تؤكد مبدأ (المشاركة في الأرباح) واتخاذ العوائد المتغيرة ثمناً للائتمان بدلاً من سعر الفائدة الثابت.

والقاعدة التي تقرر مبدأ (الاحتفاظ بالملكية طوال مدة الائتمان) تقر مبدأ (المشاركة في الاستغلال) .

والقاعدة التي تقرر مبدأ (التلازم الزمني بين النفقة والعائد) تنسجم مع مبدأ (السيولة الدائمة والاستثمار المتكرر)(1) .

الحكم الشرعي للإيجار المنتهي بالتمليك:

القاعدة الفقهية التي يمكن تكييف صور هذا العقد على أساسها أن (العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني)(2) . بمعنى أن ينبغي استقراء ملابسات التعاقد للوصول إلى النية المشتركة لطرفيه، فإذا كشفت هذه النية عن عقد بيع بالتقسيط عد العقد بيعاً ولو سماه المتعاقدان إجارة. وبناء على ذلك:

أ-البيع الإيجاري (hire – purhase) أو (location – vent) الذي يتفق فيه الطرفان على أن الشيء المؤجر لمدة معلومة لقاء أجر دوري محدد بحيث إن المستأجر إذا دفع الأجرة كلها يصبح مالكاً له في نهاية المدة، يعتبر بيعاً ساتراً لعقد إيجار، وتعتبر (الأجرة) ثمناً للمبيع يدفع على أقساط محددة. ويترتب على هذا التكييف الفقهي للعقد انتقال ملكية الشيء من (المؤجر – البائع) إلى (المستأجر –المشتري) بمجرد العقد – على رأي جمهور الفقهاء- لأن حكم العقد ثبت بجعل الشارع ولا دخل لإرادة العاقدين في تعديله (3) . أما على رأي غير الجمهور – كالقاضي شريح وابن شبرمة وابن سيرين وبعض المالكية وكثير من الحنابلة – فإنه يمكن تكييف هذا العقد على أنه بيع أدرج فيه شرط جزائي مؤداه عدم انتقال الملكية إلى المشتري إلا بعد الوفاء بكافة الأقساط، حينئذ يصبح مالكاً بأثر رجعي (4) .

(1) مصطفى رشدي، الاقتصادي النقدي والمصرفي، الإسكندرية: 1985، ص 475 – 476.

(2)

المادة (3) من مجلة الأحكام العدلية، والمادة (214/1) من القانون المدني الأردني. انظر في شرحها بصفة خاصة: أحمد الزرقا، شرح القواعد الفقهية، الطبعة الثالثة، دار القلم، دمشق: 1414هـ – 1993، من ص 55 إلى ص 78.

(3)

ابن الهمام، فتح القدير: 6/76- 77؛ الدسوقي والدردير: 3/73؛ الشربيني، مغني المحتاج: 2/34؛ البهوتي، كشاف القناع: 3/188.

(4)

محمد يوسف موسى، الأموال ونظرية العقد في الفقه الإسلامي، القاهرة 1987، ص 426 وما بعدها؛ مصطفى أحمد الزرقاء، المدخل الفقهي العام، دمشق 67/1968، ص 495 وما بعدها، وص 717 – 718 وهبة الزحيلي، العقود المسماة في قانون المعاملات المدنية الإماراتي والقانون المدني الأردني، دمشق 1987، ص 53-55.

ص: 403

ب- الإيجار المقترن بوعد بالبيع (location – accession) يلزم المؤجر بتمليك العين للمستأجر إذا رغب في ذلك خلال فترة محددة، يمكن تكييفه على أنه عقد بيع بالتقسيط إذا ثبت أن الأقساط المدفوعة لا تتناسب وأجر المثل وكانت نية الطرفين منصرفة إلى انتقال الملكية إلى المستأجر بأثر رجعي. أما إذ كانت الأقساط المدفوعة تتناسب وأجر المثل وكانت نية الطرفين منصرفة إلى انتقال الملكية للمستأجر بعد انتهاء الإيجار، فإنه يكون عقد إيجار مصحوب بوعد بالبيع، وهذا الوعد لا يلزم البائع قضاء – على رأي جمهور الفقهاء –ولكن يستحب الوفاء به.

أما على رأي ابن شبرمة، الذي يرى أن (الوعد كله لازم ويقضي به على الواعد ويجبر)(1) ، فإن عقد الإيجار يستمر حتى نهاية مدته، ثم يبدأ عقد بيع بالشروط التي تضمنها الوعد (2) .

جـ- التمويل الإيجاري (leasing) أو (credit – bail) يمكن تكييفه، من حيث العلاقة بين مؤسسة الائتمان المالكة للأشياء المؤجرة والمستأجر صاحب المشروع الإنتاجي، بأنه عقد إيجار يتضمن كثيراً من الشروط غير المألوفة في الإيجارات ولكن ارتضاها الطرفان ليحقق كل منهما منفعة مشروعة، وخاصة أن المستأجر لا يلتزم بشيء بعد انتهاء مدة الإجارة، بل هو مخير بين رد ما استأجره إلى مؤسسة الائتمان لتؤجره لآخرين أو لتبيعه، أو تجديد عقد الإيجار لمدة أخرى بشروط جديدة، أو تملك الأشياء المستأجرة نتيجة وعد سابق التزمت به المؤسسة المالكة وتحددت شروطه من قبل، ويكون انتقال الملكية بدون أثر رجعي (3) .

أما حقيقة هذا العقد من الناحية الاقتصادية فإنها تتمثل في أن الشركات الخاصة بإنتاج وبيع هذه الأجهزة أو ملاك العقارات، يبيعونها لصاحب المشروع الإنتاجي بالتقسيط، وتقوم مؤسسة الائتمان المالي بدفع ثمنها واعتباره قرضاً، على أن تمثل تلك الأجهزة أو العقارات تأمينات عينية لصالح هذه المؤسسة، إلى أن يتم سداد القرض (4) .

وقد لجأت بعض البنوك الإسلامية إلى (حيلة شرعية) تسوغ بها جواز عمليات (التأجير المنتهي بالتمليك) فقالت: "إذا وقع التعاقد بين مالك ومستأجر على أن ينتفع المستأجر بمحل العقد بأجرة محددة بأقساط موزعة على مدد معلومة، على أن ينتهي هذا العقد بملك المستأجر للمحل، فإن هذا العقد يصح إذا روعي فيه ما يأتي:

أ-ضبط مدة الإجارة، وتطبيق أحكامها طيل تلك المدة.

ب-تحديد مبلغ كل قسط من أقساط الأجرة.

جـ- نقل الملكية إلى المستأجر في نهاية المدة بواسطة هبتها إليه، تنفيذاً لوعد سابق بذلك بين المالك والمستأجر (5) .

(1) المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة في تعليقها على المادة (133) .

(2)

ويرى بعض العلماء عدم جوز البيع إذا كان الوعد ملزماً، لأن الوعد الملزم في حكم العقد، لابد فيه أن يكون الثمن معلوماً (رفيق المصري، بيع التقسيط، ص 29) . ويرى البعض الآخر أن الوعد غير ملزم في كافة الأحوال (محمد الأشقر، ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، دار النفائس – عمان: 1418هـ 1998م، ص 75 وما بعدها) .

(3)

وهناك رأي آخر لا يجيز هذا العقد، لأنه يتضمن وعداً بالإجارة قبل أن تعقد ووعداً آخر بالبيع في نهاية الإجارة، وفي كل من الحالتين يكون الوعد ملزماً (رفيق المصري، المرجع السابق، ص 31)

(4)

مالوري وإيني، المرجع السابق، ص 437.

(5)

توصيات وفتاوى الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي، الكويت 1407هـ- 1987م، ص13؛ وانظر نقد هذه الحيلة في: بيع التقسيط لرفيق المصري، ص 39؛ وقارن: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس: 4/2589 –2764، 1409هـ – 1988م.

ص: 404

موقف مجمع الفقه الإسلامي الدولي

قرار رقم: 44 (6/5)(1) بشأن

الإيجار المنتهي بالتمليك

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأولى 1409هـ الموافق 10-15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م.

بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع الإيجار المنتهي بالتمليك، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.

وبعد الاطلاع على قرار المجمع رقم 13 (3/1) في الدورة الثالثة، بشأن الإجابة عن استفسارات البنك الإسلامي للتنمية، فقرة (ب) بخصوص عمليات الإيجار.

قرر ما يلي:

أولاً: الأولى الاكتفاء عن صور الإيجار المنتهي بالتمليك ببدائل أخرى، منها البديلان التاليان:

(الأول) : البيع بالأقساط مع الحصول على الضمانات الكافية.

(الثاني) : عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في واحد من الأمور التالية:

-مد مدة الإجارة.

-إنهاء عقد الإجارة ورد العين المأجورة إلى صاحبها.

-شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة.

ثانياً: هناك صور مختلفة للإيجار المنتهي بالتمليك تقرر تأجيل النظر فيها إلى دورة قادمة، بعد تقديم نماذج لعقودها وبيان ما يحيط بها من ملابسات وقيود بالتعاون مع المصارف الإسلامية لدراستها وإصدار القرار في شأنها.

(1) مجلة المجمع (العدد الخامس: 4/2593) .

ص: 405

العرض – التعقيب والمناقشة

العرض

الشيخ محمد المختار السلامي:

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.

أفتتح كلمتي بتهنئتي المجددة لمعالي الرئيس وقد حظيت بأن كنت أول مقدم للبحوث في ولايته الجديدة.

والبحوث التي عملت على التأمل فيها والاطمئنان أكثر ما يمكن على الوفاء بما جاء فيها هي ستة بحوث بلغت صفحاتها سبعاً وستين ومائتي صفحة، وهي في طولها ما بين أربع عشرة صفحة، وخمس عشرة صفحة ومائة. ولذا أرجو من سادة الرئيس أن يتسع صدره إذا ما اضطررت إلى شيء من أخذ الوقت، أو أقل ما يمكن من الوقت لأكون أميناً في إبلاغكم ما توصلت إليه وأنا أنظر في هذه البحوث المقدمة والجهود الكبيرة التي قام بها السادة الباحثون، وأريد قبل أن أدخل في الموضوع أن أذكر بالموضوع وعناصره كما جاء من الأمانة العامة:

* الإيجار المنتهي بالتمليك وصكوك التأجير حسب العناصر التالية:

-تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك.

-صور الإيجار المنتهي بالتمليك.

- التكييف الشرعي للإيجار المنتهي بالتمليك.

-حالات الوعد بالتمليك.

-البيع بالقيمة المتبقية للعين المؤجرة.

-البيع بثمن رمزي أو حقيقي.

- الهبة بعقد هبة عند انتهاء الإجارة.

-حكم الدفعة المقدمة في الإيجار المنتهي بالتمليك.

-توكيل المستأجر بشراء العين.

-تسجيل العين المؤجرة صورياً باسم المستأجر لتفادي الإجراءات والرسوم.

-تعديل أقساط الإجارة في حالة فوات التملك.

فهذه أحد عشر عنصراً هدتنا الأمانة العامة للنظر فيها.

والبحوث المقدمة بعضها قد عُني بمعظم هذه، وبعضها قد أهمل بعضها.

ص: 406

أبدأ على حسب الترتيب الذي جاء في برنامج العمل فأؤخر نفسي وأقدم الشخصية الثانية التي هي شخصية سماحة الشيخ محمد علي التسخيري. بحثه أولا ابتدأ بتعريف الإجارة، ثم قرر بأن الإجارة تتم باللفظ المفهم وبالإشارة من الأخرس، والمعاطاة، وأن الإجارة عقد لازم، لا تنفسخ إلا بالتقايل ولا تبطل بموت أحدهما. ثم ذكر شروط الإجارة المعلومة بما ينفي الجهالة والغرر. في الشروط: قاعدة قبول الشرط: ألا يحل حراماً وألا يحرم حلالاً، ثم استدل لوجوب الوفاء بالشرط بأدلة من المعقول والمنقول. ثم ذكر أنه يشترط لصحة الشرط شروط هي: أن يكون داخلاً تحت قدرة المكلف وأن يكون حلالاً، وأن يتعلق به غرض صحيح، وألا يكون مخالفاً للكتاب والسنة، وألا ينافي متقضى العقد وأن تنتفي الجهالة، وألا يستلزم محالاً، وأن يكون في صلب العقد لا سابقاً عليه.

ثم تحدث عن حكم الشرط الصحيح، وحكم الشرط بالعقل، وأنه واجب الوفاء به ويجبر عليه من أبى، ثم إنه هل للمشروط له الفسخ عند الامتناع أو لا يجوز له الفسخ إلا مع التعذر؟ وعند تعذر تنفيذ الشرط فليس للمشروط له إلا الخيار إذا تعذر الشرط الظاهر جواز الفسخ للمشروط له بإسقاط شرطه. ثم تعرض للملكية ومفهومها، وأنها ماهية اعتبارية متقومة باعتبار العقلاء.

ونتيجة البحث أن الإيجار المقرون بشرط تملك المستأجر العين أياً كان المشترط المستأجر أو الأجير ويصح عقد الإجارة ويصح الشرط، إلا أنه إذا كان التملك اشترط بتمليك المؤجر فإنه يجب على المؤجر الوفاء بالشرط. وذكَّر بالقواعد التي جاءت بالبحث، ويستدل على أنه لو لم يقبل ذلك شرعاً لنص عليه الشارع ونقل، لأنه مما تعم به البلوى، وعموم أمر آية الوفاء بالعقود يدل على صحة الشرط الداخل في العقد.

ص: 407

البحث التالي هو بحث فضيلة الشيخ علي محيي الدين القره داغي. وسماحته كان بحثه طويلاً، تابع بدقة الإجارة، طبيعتها، وأركانها، وشروطها، وأنواعها. ثم بعد ذلك تحدث عن الإيجار المنتهي بالتمليك في القوانين الإنكليزية والفرنسية وعقد الليزنج. وعرف الإجارة المنتهية بالتمليك بأنها: اتفاقية إيجار يلتزم فيها المستأجر بشراء الشيء المؤجر في الوقت المتفق عليه خلال مدة الإيجار أو بعدها بسعر يتفق عليه مسبقاً أو فيما بعد.

ثم تولى بالعناية إبراز منافع الإجارة المنتهية بالتمليك، أما بالنسبة للمؤجر فهي ضمان للعين، كما تعطيه مرونة لزيادة أرباحه، وبالنسبة للمستأجر أنه يجد ويحافظ ليحصل على ملكية العين على أفضل الوجوه. وأن للإجارة المنتهية بالتمليك أهداف اجتماعية منها ملكية الناس لمنازلهم.

وصور الإيجار بالتمليك سبعة:

1-

أن تعقد الإجارة ويلحق بالعقد وعد بيع للعين بثمن حقيقي أو رمزي.

2-

أن تعقد الإجارة ويلحق بالعقد وعد الهبة.

3-

أن يبني العقد على الجمع بين الإجارة والبيع. وهذه مختلف فيها بين الفقهاء.

4-

إيجار حقيقي يصحبه بيع بخيار شرط مؤجل إلى نهاية عقد الإجارة. وهذا مختلف فيه أيضاً.

5-

ضمان العقد على الإجارة مع تمكين المستأجر من شراء العين في أي وقت يشاء.

6-

صياغة العقد كالصورة الخامسة إلا أنه يعطي المستأجر حق الخيار بين ثلاثة أشياء: إما شراء العين، أو الاستمرار في الإجارة، أو إعادة العين المؤجرة.

7-

أن يبيع صاحب العين إلى مؤسسة مالية، يبيع العين، ثم يؤجرها منها مع وعد بالبيع.

وبين أنه عقد مستورد، وإن صدر بذلك فتوى عن ندوة البركة وهيئة الرقابة الشرعية بالكويت.

ص: 408

ذكر بقرارات مجمع الفقه الإسلامي، وبقرار الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي. ثم ذكر الطرق التي تم بها التأجير في البنوك الإسلامية وبين أن منها ما هو جائز لا شبهة فيه، ومنها ما يجب تصحيحه كما إذا تم عقد الإجارة قبل تملك العين، ومن ذلك المشاركة المتناقصة، وبين ما يتعلق بهذا الموضوع.

ثم انتقل إلى عنصر هام وهو التأصيل الفقهي للإجارة المنتهية بالتمليك. وتحدث عن ثمانية عناصر كبرى:

1-

هل هذا عقد جديد أو هو تطوير للعقد المعروف؟ وأجاب بأنه عقد متطور وليس جديداً.

2-

هل إن هذا العقد هو من التخريج التعبيري؟ وبسط القول في ذلك وبين اختلاف أوجه النظر، ورجح أن الحيلة لا تكون محرمة إلا إذا كانت وسيلة لمحرم.

3-

هل في ذلك جمع بين صفقتين؟ وأكد أن الجمع بين الإجارة والبيع ليس جمعاً بين صفقتين.

4-

هل الوعد ملزم؟ وبعد أن بين الاختلاف في هذا ذكر بقرار المجمع الفقهي.

5-

ضمان المعدات، هل هي من المؤجر؟ ولو اشترط ذلك على المستأجر فالباحث يرى جواز ذلك وإن كان الأولى أن يكون المؤجر هو الذي يقوم بالضمان.

6-

هل إن هذا العقد يتضمن شروطاً تؤثر في صحة العقد؟ وقد أجاد في تفصيل الشروط وتأثيرها واختلاف العلماء فيها.

7-

في بعض صوره أجاز إجارة قبل التملك وقبل القبض، وذكر بما تقدم في بحثه، وأن ابتداء عقد الإجارة لا يجوز إلا بعد التمكن من الانتفاع بالعين.

8-

حكم الثمن الرمزي أو الهبة. وفصل فيه القول من ناحية جوازه من حيث المبدأ، وناحية تصرف إدارة المؤسسة الممثلة لأصحابها، ثم أثار إشكالات وتولى الإجابة عنها.

العنصر الثالث هو التكييف الفقهي، وينتهي إلى أن الإجارة المنتهية بالتمليك عقد صحيح من حيث المبدأ، وحكمها يختلف حسب صورها. ثم عاد إلى الصور مؤكداً ما سبق في البحث.

ثم تعرض للعنصر التالي وهو: إصدار صكوك التأجير. واختصر الكلام عليها، فيرى أن صكوك التأجير هي أفضل الصكوك، لأن المشتري يعلم من الأول مقدار ما ستدره عليه هذه العملية من أرباح.

وختم بحثه بعرض بدائل عن الإجارة المنتهية بالتمليك وقد أطال في ذلك، وهي فيما أظن خارجة عما طلبته الأمانة العامة.

ص: 409

الباحث التالي هو الأستاذ شوقي دنيا.

تحدث عن الإجارة المعروفة سابقاً وأنها غير الإجارة المصطلح عليها والمعمول بها حديثاً فالأولى هي الإجارة التشغيلية، والثانية هي الإجارة التمويلية. والإجارة التشغيلية لم ينته دورها، بل ما يزال لها دورها. وعرف الإجارة التشغيلية وذكر بعض شروطها وقومها اقتصادياً وبين أنها لا تخلو من نشاط تمويلي، كما ألمح إلى بعض خصائص وأحكام الإجارة. ثم ذكر أهمية التمويل للإجارة وبين حاجة المستأجر للإجارة أياً كان نشاطه، كما بين حاجة المؤجر لذلك، وفصل منافع المستأجر، منها تجميد سيولته المالية من شراء المعدات الباهظة الثمن، والحماية من آثار التضخم، وتتيح له التمويل بنسبة 100 %، وتمكنه من التوسع في المشروع دون الاضطرار إلى إدخال مساهمين جدد، وتهيئ للمشروع ضبط نفقاته المستقبلية بدقة، والاستفادة من الميزات الضريبية.

أما في حالة المؤجر فهي:

1-

تتيح له فرصة توظيف ماله مع عدم التعرض لقيود الائتمان الداخلي.

2-

قوة الضمان على العين المؤجرة ببقائها تحت ملكه.

3-

الاستفادة من بعض المزايا الضريبية.

4-

تضبط إيراداته المستقبلية.

5-

تمكن المؤسسات الإسلامية من دخول ميادين التمويل مع المؤسسات التقليدية الأخرى.

6-

هي مخرج جيد في الأموال التي لا يمكن التفريط فيها.

أما بالنسبة للاقتصاد القومي فهي:

1-

تسهم في توظيف ما لدى المجتمع من سيولة مالية وخيرات.

2-

تسهم في إقامة المشروعات دون تباطؤ.

3-

تعفي ميزانية الدولة من الإرهاق.

ص: 410

ملاحظة:

يقرر الباحث أن مصطلح هذا العقد مختلف ويتعدد، وغير شاف عن معنى محدد إذ هو وليد أنظمة متعددة تعطي كل واحدة منها لأحد طرفي العقد حقوقاً وضمانات، ويقترح أن تكون (الإجارة المالية) عوض الإجارة المنتهية بالتمليك.

وعرف الإجارة المالية بالتعريف الذي رضيته لجنة الأصول المحاسبية بأنه: عقد إجارة تتحول من خلاله كل مخاطر ونفقات ملكية الأصل من المؤجر إلى المستأجر، سواء تحولت ملكية الأصل للمستأجر أو لا.

وهذا التعريف الذي ذكره هو تعريف رضيته لجنة الأصول المحاسبية إلا أنه تعريف لا تقره الشريعة الإسلامية.

صور الإجارة:

1-

أن يكون للمؤجر في نهاية عقد الإجارة الحق في التصرف في العين المؤجرة.

2-

أن ينتقل المؤجر للمستأجر مع آخر قسط، وهذا في الحقيقة بيع تقسيط.

3-

امتلاك العين بثمن رمزي بعد دفع آخر قسط، وهذه تعادل ثمن العين مع هامش الربح، ويتحقق للمؤجر الضمانات التي يرغب فيها.

4-

أن يملك المستأجر العين في نهاية الأجل بثمن حقيقي يجري تحديده عند إبرام العقد.

5-

الإجارة مع الوعد بالبيع. ومن الاحتمالات التي أوردها أن يكون انتقال الملك بدون ثمن. وهذا في الحقيقة هبة لا بيع.

6-

الإجارة المنتهية بتخيير المستأجر بين الاستمرار على الإجارة أو إرجاعه أو شرائه بثمن محدد من البداية أو يتحدد بسعر السوق. ويعتبر هذا عقد ليزنج، وهو أحدث صورة، وذكر الطرف الثالث.

أهم الفروق:

-الفرق بين التشغيلية والمالية أن المخاطر يتحملها المؤجر في التشغيلية، وفي المالية مسؤولية المستأجر.

-الإجارة التشغيلية لا يقصد منها تمليك العين عكس الإجارة التمويلية.

-قِصَرُ الأولى وطول الثانية بما يقارب العمر التشغيلي.

ص: 411

الجديد في الإجارة المالية (المؤجر) :

-الإجارة المالية تنقل المخاطر والمتابعة للمستأجر.

-تضمن التأجير إلى ما يقارب العمر التشغيلي وتحقق التخلص من ملكية الأصل في النهاية.

-المستأجر يجد سوقاً متاحة.

-فرصة التملك للعين بثمن مقسط.

لم تنتشر بعد الإجارة التمويلية في المصارف الإسلامية، وكشف عن أسباب ذلك.

نظرة شرعية للإجارة:

ذكر أنها محل خلاف، ثم ذكر بقرارات مجمع الفقه الإسلامي، وعقب على القرار بنقده.

المشاكل التي اهتم بها الناظرون من الفقهاء هي:

1-

مسألة الصيانة، وتحمل المخاطر. ولا يرى أن يتحملها المستأجر.

2-

التأجير قبل التملك للعين، والمخرج بالوعد الملزم أو الشراء مع الخيار. وهذا ذكره بصورة لم أفهمها جيداً.

3-

الشروط التي تصحب العقد.

4-

قضية التملك مع دفع آخر قسط مما يقلب العقد إلى بيع بالتقسيط، وفي انقلاب العقد والأقساط للتحول من إيجار إلى بيع وما يتبعه من مشاكل، والمخرج هو التحول من عقد الإجارة إلى عقد بيع مقسط مع اشتراط عدم نقل الملكية إلا بعد السداد.

البيع بالثمن الرمزي:

يرى أنه لا يختلف عن بيع التقسيط وأدمج في هذا إنهاء عقد الإجارة بالهبة، وأن المصرف يتعرض للمخاطر لو أخل المستأجر بالاتفاق.

ص: 412

البحث التالي للأستاذ منذر قحف، حيث ذكر بالمسائل العديدة للإجارة بالنسبة للمستأجر التي تحدد التزاماته المالية، وآثارها إيجابياً لصالح المستأجر على الضرائب، ولا تفتح باب الشركة لدخول أعضاء جدد وصيغ التمويل أقل مخاطرة من القراض والمشاركة، وكذلك مزايا ضريبية. أول من كتب فيها الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان.

ثم عرف الإجارة وحكمها. أما الإجارة المنتهية بالتمليك فهي إجارة وشراء في آن واحد، ولها صور خمس: انتهاؤها بالهبة، أو بثمن رمزي، أو البيع قبل انتهاء مدة الإجارة، أو البيع التدريجي، أو البيع الناجز واستثناء المنفعة.

وتعرض إلى أشكال احتساب الأجرة.

التكييف الشرعي:

تكلم على اجتماع عقدين في عقد وعلى الشروط الواردة على العقد، وتتبع حاصل ما بسطه الدكتور حسن الشاذلي والدكتور نزيه حماد، ثم طبق ما وصلا إليه على الإجارة المنتهية بالتخيير.

الدافع للإجارة: اعتماد الإجارة المنتهية بالتمليك هي إحدى البدائل للتمويل عن القرض الربوي، وهي مع ذلك أداة استعملها النظام الربوي، فهي ليست كالمرابحة، ولذا فإنه يختلف فيها من شوائب غير مشروعة يقتضي ذلك أن تتخلص منها.

أولاً – المنتهية بالهبة:

الأقساط تكون عالية بحيث تضمن اشتراك رأس المال والربح ولا تخرج العين في كامل المدة عن ملكية المؤجر. وعمر العين يفوق مدة الإجارة مما يجعل المستأجر راغباً في تملك العين. ولها صورتان:

1-

إجارة مع وعد بالهبة، ينفذ بعد تمام خلاص الأقساط بعقد مستقل.

2-

إجارة مع عقد هبة معلق على سداد جميع الأقساط.

والنوع الأول مضبوط بقرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة، والنوع الثاني هو جائز على القول بصحة تعليق الهبة.

ص: 413

ثانياً – الإجارة المنتهية بثمن رمزي:

المؤجر قد استوفى ثمن العين، والثمن الرمزي قريب من حقيقته من الهبة. ما يلاحظ على هذين أن المستأجر إذا لم يصل إلى النهاية يكون قد ظلم، إذ الأقساط التي دفعها تمثل قسطاً مقابل المنفعة، وقسطاً مقابل العين، فإذا لم يصل العقد إلى أمده ضاع ما قدمه من ثمن العين.

ثالثاً – البيع التدريجي:

أي أنه في كل فترة يدفع المستأجر أجرة العين ناقصاً منها الأسهم التي يمتلكها، فإذا دفع كامل الأسهم انقلب مالكاً.

وما ذكره من المخاطر غير واضح عندي وهي في نظري شركة وإجارة، يشترك المستأجر مع المؤجر في الملكية بمقدار الأقساط التي دفعها ويكون مستأجراً في النسبة التي لم يدفع ثمنها.

رابعاً – الشراء قبل انتهاء المدة:

يقول: هذه صورة من الإيجاب المفتوح، فمتى اختار المستأجر دفع بقية الثمن استقل بالعين وانقطع العقد.

خامساً: التمليك الحال مع استثناء المنافع:

وذلك بأن يدفع المستأجر ثمن العين على ما يتفقان عليه وتستثنى المنافع التي يدفع إيجارها حسب ما يتم عليه الاتفاق من الأقساط. ويقول: إن العين تبقى في ضمان المؤجر لأنه لم يتم تسليمها بيعاً. وهذا فيه نظر، لأن ضمان العين المقومة في البيع هي على المشتري بمجرد العقد.

نفقات الصيانة والتأمين:

يرى أنه يجوز أن يتحمل المستأجر نفقة التأمين على العين المؤجرة إذا كانت معلومة.

وفي هذا نظر، لأنه لا يجوز اشتراطها بوصف التأمين على المستأجر ولكن يجوز إضافة قيمتها في الإجارة، وتوكيل المستأجر بدفعها نيابة عن المؤجر، وما اعتمده من الرأي المرجوح في جواز تحمل المستأجر بالشرط مما لا ينبغي أن يعتمد في نظري وإن قال به بعضهم.

ص: 414

يرى بناء على الأسس التي تراعيها شركات التأمين ما يعود للمستأجر من خصائص والذي به تختلف قيمة الضمان التأميني. كل ذلك يجعل من الأفضل مراعاةً للناحية العملية أن يتحمل المستأجر المستخدم للعين المؤجرة التأمين.

ويرى في النهاية أن جميع عناصر خدمة التأمين معروفة ومحددة فيمكن إدخالها في قيمة التأجير.

والملاحظ أن منشأ تحمل المالك للضمان منشؤه استحقاقه للأجرة فلا يقبل أن يستحق الأجرة ويتولى المستأجر ضمان بقاء العين.

ثم انتقل إلى القسم الثاني وهو الذي تفرد به وببيانه من بين سائر الباحثين وهو: (صكوك التأجير) ، الذي طلبت الأمانة العامة أن يُدرس.

عرف الصك التأجيري بأنه يمثل نسبة من مجموع المؤجر يستحق حامله الأجرة تبعاً لقيمة حصته من المجموع.

وبناه على أربعة عشر مبدأ:

1-

توثيق ملكية العين المؤجرة موزعة على أسهم.

2-

للمالك المؤجر الحق في التصرف في ملكه بالبيع بما لا يضر بالمستأجر.

3-

التبرع بالعين المؤجرة.

4-

إجارة المشاع.

5-

بيع المشاع.

6-

وقت دفع الأجرة، ورجح أنه على ما يتفقان عليه.

7-

جواز الإجارة الموصوفة في الذمة وإن لم توجد العين عند العقد.

8-

يجوز تأجير المستأجر إن لم يضر بالعين.

9-

العمر الاقتصادي. الآلة وعمرها الاقتصادي الذي يصبح استخدامها بعد ذلك غير مربح.

10-

إجارة العين التي تنتج أعياناً استهلاكية متجددة. والجمهور على عدم الجواز، ويرى ابن تيمية جواز ذلك.

11-

البيع مع استثناء بعض المنافع.

12-

جواز توكيل المستأجر لشراء العين، ثم بعد تسلمها باسم المؤجر يحولها لنفسه.

13-

ينفي أن تكون الإجارة أقل خطراً من المشاركة.

14-

النص في صكوك التأجير بتنازل جميع الشركاء عن حق الشفعة.

ص: 415

تحويل الإجارة إلى صكوك:

الشرط الأول: أن تكون الصكوك ممثلة لموجودات غالبها أعيان لا نقود.

وصور ذلك:

أولاً: أن يكون المؤجر عقاراً أو أي عين أخرى مؤجرة فتصدر إدارة حكومية معينة هي إدارة السجل العقاري مثلاً (صكوكاً) تمثل تلك العقار ولها عائد والإيجار الذي يستحقه مشتري الصك، وجعل المستأجر يمكن له أن يصدر صكوكاً. وهذا تصوره فيه صعوبة.

ثانياً: عوض أن يكون التأجير مساوياً للمؤجر يكون قسطاً من المؤجل.

ثالثاً: أن يطلب الراغب في التحصيل على العين بطريق التأجير، وبعد تأجيرها تصدر صكوك تأجير متساوية يمثل مجموعها العين المؤجرة وتباع للأفراد بوساطة البنك الإسلامي.

رابعاً: الصورة الرابعة كالثالثة، إلا أن دور البنك الإسلامي يستمر لقبض الإيجار وتوزيعه ومتابعة العملية.

خامساً: أن يكون الاكتتاب في هذه الصكوك بدون وسيط مالي، وينص الاكتتاب على توكيل المستأجر لإنجاز ما يراد إنجازه.

تختلف هذه الصور الخمسة حسب طبيعة المؤجر:

1-

أن يكون المؤجر يعمر أكثر من عمر الإيجار ويبقى الحق لأصحابه، ولذلك صور.

2-

مثل الأول، إلا أنه ينص على وعد ببيع العين المؤجرة للمستأجر. وهذه فيها إشكالات نتناولها اعتماداً على فهم قرار المجمع وتخصيصه ذلك بالهبة دون البيع، ورأيه أن الوعد ملزم.

3-

أن تكون العين المؤجرة مما لا ينقطع إيرادها كالأرض المعدة للبناء، أو العين التي يقتطع كل سنة من ريعها إما بحفظ بقاء إيرادها أو بتجديد عينها.

4-

أن تستوعب مدة الإجارة منافع العين بحيث يكون إيرادها بعد انتهاء مدة الإجارة صفراً، ومثل ذلك المنشأة المقامة على ملك ينتفع المؤجر به مدة الإجارة ثم يعود للمالك الأصلي.

5-

عقد استصناع مع إصدار الكوك وعند انتهاء مدة الإجارة يتم تسليم العين للمستأجر.

ص: 416

6-

إجارة متناقصة أو متزايدة تبعاً لموجبات تقتضي الزيادة أو النقصان معلومة منذ بداية. ويرى أنه من الأفضل اعتماد المذهب الحنبلي بضبط السعر في المستقبل بزمن محدد.

البحث التالي هو بحث الدكتور محمد جبر الألفي، الذي وصلني متأخراً وذلك قبل ساعات من الآن.

وجه عنايته إلى تتبع هذا العقد من تاريخ ظهوره في الساحة الاقتصادية الغربية إلى التقنين الذي ظهر في الأردن. ثم ذكر أن العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني. ولذا فإذا كان المقصود هو البيع فالعقد عقد بيع وإن سمي إجارة. والبيع الإيجاري هو عند الجهور عقد إيجار ساتر للبيع. فتقسيم الأجر أقساطاً للثمن، على رأي جمهور الفقهاء، وعلى رأي بعضهم أنه بيع أدرج فيه شرط جزائي. والإيجار المقترن بوعد بالبيع يلزم المؤجر أن يمكن المستأجر من العين، وهو عقد بيع بالتقسيط إذا كانت الأقساط أكثر من إجارة المثل. وأما إذا كانت الأجرة هي بأجر المثل فإنه عقد إجارة مقرون بشروط ولا يجب الوفاء به على رأي الجمهور.

ثم ذكر التمويل الإيجاري (ليزنج) ، وبين أنه عقد يتضمن كثيراً من الشروط غير المألوفة وإن حقيقة هذا العقد اقتصادياً أنه بيع لصاحب المشروع الإنتاجي بالتقسيط، وتقوم مؤسسة الائتمان المالي بدفع الثمن واعتباره قرضاً على أن العين تعتبر تأميناً. ويرى أن بعض المؤسسات الإسلامية قد لجأت إلى حيلة شرعية بفرض ضوابط وشروط، وهي:

1-

ضبط مدة الإجارة.

2-

تحديد مبلغ كل قسط.

3-

نقل الملكية للمستأجر.

وانتقل بعد ذلك إلى موقف مجمع الفقه الإسلامي الدولي.

البحث الأخير هو بحث العارض، وسوف اقتصر على بعض النقاط لأن البحث بين أيديكم.

فأقول: إن تشريع الإجارة قد أفادت منه المؤسسات الإسلامية، وذلك باتخاذه كآلية من آليات النشاط الاقتصادي الذي تقوم به. وأصله الذي يهدي إليه ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر، فأتاه بتمر جنيب.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكل تمر خيبر هكذا؟)) قال: لا والله يا رسول الله، لكنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا تفعل، بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً)) . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفصل بين أن يبيع تمره من الشخص الذي اشترى منه النوع الجيد أو أن يبيعه من غيره وترك الاستفصال في حكايات الأحوال يقوم مقام العموم في المقال. فلما كانت الصورة العملية صحيحة فيها بيع تمر بالدراهم وشراء تمر آخر بالدراهم فلا حرمة وإن تفاضلا كماً. ولو وقع ذلك مبادلة لحرم، كما جاء في الحديث ((لا تفعل)) مع أن الواقع في نتيجة المعاملة واحد غير مختلف.

ص: 417

طريقة إنجاز العملية:

-الخطوة الأولى: يتراوض العميل مع المؤسسة المالية. وهذه المراوضة تنجز على نوعين:

1-

أن تكون المؤسسة المالية مالكة للعين المرغوب فيها. كما إذا كانت تملك سيارات أو مساكن، يريد العميل أن يعقد عليها عقد إجارة منتهية بالتمليك.

2-

أن تكون المؤسسة لا تملك العين، فتقوم بشراء ما يرغب فيه العميل، ثم تعقد معه عقد إيجار منته بالتمليك.

أما النوع الأول فلا إشكال فيه إذ تتصرف المؤسسة فيما تملك.

وأما الصورة الثانية فقد صدر فيها قرار المجمع في المبدأ الأول (إن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية بإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول) .

الخطوة الثانية: تملك المؤسسة المالية الإسلامية للعين المرغوب في استئجارها لتحقيق ذلك توكل المؤسسة المالية الإسلامية العميل الراغب في الاستئجار للقيام بجميع الإجراءات في حدود سقف معين من الثمن. وبذلك يتكفل العميل باختيار النوع والمواصفات الفنية مما يحقق له غرضه، باعتبار أن المؤسسة ليست لها خبرة فيما يرغب فيه العميل، ومن جهة أخرى هي لا ترغب بحال من الأحوال في تملك تلكم المعدات. وما سعت لتملكها إلا لأن العميل طلب منها استئجارها استئجاراً منتهياً بالتمليك. فالبنك الإسلامي للتنمية –مثلاً- ليست له خبرة في الأجهزة الباهظة الثمن للتنقيب عن النفط. وفوارق الأثمان والمواصفات مختلفة اختلافاً كبيراً. والدولة الراغبة في استئجارها لها خبراؤها ومهندسوها الذين يعلمون طبيعة طبقات الأرض حسب الدراسات الفنية التي قاموا بها، وهم يعلمون جيداً ما يتلاءم معها وما لا. فنفياً لكل خطر في رضا العميل، يوكل البنك الإسلامي العميل (الدولة مثلاً) بشراء تلكم الأجهزة باسم البنك، ويتحمل الوكيل مسؤولية التقصير أو التهاون في اداء ما وكل عليه نوعاً ومطابقة للمواصفات المطلوبة.

وهذا ما حسمه أيضاً قرار المجمع في المبدأ الثاني (إن توكيل البنك الإسلامي للتنمية أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك، بغية أن يؤجره البنك تلك الأشياء بعد حيازة الوكيل لها هو توكيل مقبول شرعاً، والأفضل أن يكون الوكيل غير العميل) .

ص: 418

الأسئلة المطروحة على هذا التعامل:

السؤال الأول: إذا كان هذا العقد الإيجاري مؤداه تملك السلعة المؤجرة مقابل دفع أقسام الإيجار؛ فلماذا لا يقع العقد من البداية على أساس بيع مؤجل ومقسط على نفس آجال الإيجار؟.

الجواب عن ذلك: هو أن عقد الإيجار يختلف عن عقد البيع بالتقسيط، ولا يحقق ما يمكن أن يرغب فيه المالك أو المستأجر.

ففي عقد الإيجار المالك للمعدات أو المنزل أو السيارة، هو المؤسسة المالية. يوضح هذا ما جاء في العقد النمطي للبنك الإسلامي للتنمية: أنه يجب أن يعلق على المعدات وفي مكان واضح، أنها ملك للبنك الإسلامي للتنمية، ويتبع ذلك أن ضمانها منه عملاً بالقاعدة (الخراج بالضمان) . ومما ينبني على ذلك أن يد المستأجر هي يد أمانة، لا حق له إلا في المنفعة مقابل ما يدفعه من أقساط الإيجار ويتنزل وارثه منزلته ولا تقبل أية مخاصمة في حال إفلاس المستأجر من غرمائه؛ فالمؤجر يكتسب طمأنينة أكبر وأتم على استرداد نفقاته وأرباحه، إما من الأجرة وإما من الأعيان.

ومن ناحية أخرى فإن البيع بالتقسيط تنقطع صلة البائع بالسلعة المبيعة (المعدات) ويتعلق حقه بذمة المشتري. فكل الظروف التي تعطل المشتري عن الانتفاع بالأعيان المشتراة لا أثر لها على صفقة البيع، في حين أن الإيجار تسقط فيه الأجرة عن المستأجر في كثير من الأحوال فصلها الفقهاء وتجدونها مفصلة في البحث.

السؤال الثاني: كيف يتم انتقال المعدات إلى المستأجر؟.

الجواب عن هذا السؤال يحتاج إلى تفصيل. ذلك أن انتقال المعدات إلى المستأجر إما أن يتم بمقابل، وإما أن يتم بدون مقابل.

القسم الأول: أن يتم بمقابل، ويتصور ذلك بصور:

الصورة الأولى: أن ينص في عقد الإجارة على أن المؤجر يبيع للمستأجر عند سداد آخر قسط المعدات بثمن رمزي.

الصورة الثاني: أن يكون الثمن حقيقياً إما بتعيينه أو بسعر السوق عند حلول الأجل.

الصورة الثالثة: أن يعد المؤجر المستأجر بأن يبيعه الأعيان المؤجرة بقيمة الأقساط المتبقية في أثناء المدة متى أحضر الثمن.

الصورة الرابعة: أن يكون الوعد أو البيع غير مصاحب لعقد الإجارة بل لاحقاً به.

ص: 419

القسم الثاني: أن يتم بدون مقابل ويتصور ذلك بصور:

الصورة الأولى أن يهبه المعدات في عقد الإجارة هبة تنفذ عند سداد آخر قسط.

الصورة الثانية: أن يعده بهبة المعدات في عقد الإجارة عند سداد آخر قسط.

الصورة الثالثة: أن يتم الوعد أو الهبة بعد تمام عقد الإجارة.

وللإجابة عن حكم هذه الصور لا بد من تحقيق ما يلي:

أولاً: هل يجوز أن يجتمع عقد الإجارة وعقد البيع؟.

لما كان العقدان لا تنافي بينهما في الأحكام فإنه يجوز تبعاً لذلك أن يجتمعا، ذلك أن عقد الإجارة هو عقد على بيع منافع، ولذلك جعل ابن عرفة كلمة (بيع) جنساً في تعريف الإجارة.

إن عقد البيع على العين وما يشترط فيه يشترط في عقد الإجارة، ولذا نجد الفقهاء يحيلون تفصيل شروط الإجارة وأركانها على ما سبق لهم أن قرروه في عقد البيع. إلا أنه إن كان محل البيع ومحل الإجارة واحداً فقد اختلف فقهاء المالكية في جواز اجتماعهما. وقد حصل ابن رشد: (إن البيع والإجارة في الشيء المبيع لا يجوز بحال عند سحنون. ومذهب ابن القاسم وروايته عن مالك وهو الصحيح ".

وقد صرح بذلك في المدونة: (قلت أرأيت إن اشتريت عبداً واشترط على بائعه ركوب راحلة بعينها إلى مكة. أخذت العبد وكراء الراحلة جميعاً في صفقة واحدة بمائة دينار. أيجوز هذا الشراء والكراء وإن لم أشترط إن ماتت الراحلة أبدلها لي؟ قال: الشراء جائز إذا لم تشترط إن ماتت الراحلة أبدلها. وإن اشترط إن ماتت الراحلة أبدلها فالشراء فاسد) .

ثانياً: هل يجوز أن يبيع العين المكتراة إلى المستأجر؟.

جاء في المدونة: (يجوز للمؤاجر أن يبيع العين المستأجرة من المستأجر وغيره إن بقي من مدة الإجارة ما لا يكون غرراً يخاف تغيرها في مثله، خلافاً لأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} . ولأنه ليس في بيعها إبطال حق المستأجر. لأن المشتري إنما يتسلمها بعد انقضاء مدة الإجارة. فكل تصرف لا يبطل حق المستأجر لا يمنع منه. ولأنه عقد على منفعة فلم يمنع العقد على الرقبة، أصله إذا باع أمة قد زوجها) .

ص: 420

ثالثاً: هل يجوز أن يتم البيع بثمن رمزي؟.

إن البائع العالم بنوع ما يبيعه وبثمنه إذا كان رشيداً صحيحاً فإنه لا خلاف أن له أن يبيع ملكه بثمن المثل، وبأقل منه وبأغلى، وأن يهبه أو أن يتصدق به. وكل ما ذكره بعض الفقهاء أنه إذا باع العين وسماها بغير اسمها جهلاً منه بحقيقة المبيع، فإن له حق الفسخ كما بينه الفقهاء.

يظهر مما قدمناه:

أولاً: إن اجتماع البيع والإجارة في صفقة واحدة جائز لعدم التنافي بين العقدين. وإن ما ذهب إليه سحنون من عدم الجواز محله إجارة الإنسان العاقل على عمل يدخله في المبيع، فتتأثر العين بعمل الأجير. وهذا غير متصور في الكراء الذي لا أثر لعمل المكتري فيه، فالصورة الأولى والثانية من هذه الناحية مقبولتان، وكذلك لا أثر لكون الثمن رمزياً أو حقيقياً. وأنه لا حجر على الرشيد العالم بما يفعل في الثمن الذي يرضى به في البيع، خاصة والبائع بنك له خبراؤه، وهو حريص على ما ينفعه حرصاً تسنده الخبرة والعلم بمسار الاقتصاد لا في الدولة التي ينتسب إليها فقط ولكن في العالم خصوصاً مع وسائل الاتصال الحديثة والنشرات المتتابعة عما يجري في الأسواق.

إن الصفقة في تلكم الصورتين تمثل عقدين لا عقداً واحداً. عقد إجارة وعقد بيع. وليست الصفقة تمثل عقداً واحداً مع شرط فاسخ. ذلك أن الذي وقع النص عليه في عقد البيع هو أن المؤجر بائع وأن المستأجر مشتر للعين المؤجرة.

والثمن معلوم، وأجل تنفيذ الصفقة معلوم أيضاً هو وقت سداد آخر قسط. وهذا مضبوط باعتبار أن الأقساط التي التزم المستأجر بخلاصها معلومة الآجال، متفق بين الطرفين على بدايتها ونهايتها.

حكم الصورة الثالثة:

الصورة الثالثة: هي أن يعد المؤجر في صلب العقد أن يبيع للمستأجر المعدات بقيمة الأقساط المتبقية في أثناء المدة متى أحضر الثمن.

الصورة الظاهرة هي صورة وعد، ولكن بإمضاء الطرفين على العقد يظهر أن المؤجر قد التزم بالبيع وأوجبه على نفسه عند إحضار المستأجر الثمن (باقي الأقساط) ، وأن الطرف الثاني (المستأجر) هو بالخيار في قبول الصفقة متى شاء أو عدم قبولها أثناء كامل مدة الإيجار، وبيع الخيار لا يجوز إلا إذا كان الأجل مضبوطاً بمدة محددة مما يكون المشتري في حاجة إليه حسب العادة في المذهب المالكي. ولذا فإن المدة تختلف باختلاف العين المؤجرة.

الصورة الرابعة: أن يكون بيع المعدات من المؤجر للمستأجر بعقد منفرد بعد انبرام عقد الإجارة. وهذه الصورة لا يختلف حكمها عما قرر في الصورة الأولى والثانية. مع التأكيد على وجوب تعجيل الثمن.

وأما الصورة الثالثة فهي وعد من المؤجر للمستأجر. وهذا الوعد ملزم لأن المؤجر قد أدخل المستأجر في طريق وحوله إليه بموجب الوعد. لأنه لو لم يعده لما بذل المستأجر مجهوداً إضافياً أو دخل في التزامات مع أطراف آخرين ليفوز بما وعده المؤجر. نقل ابن عابدين عن جامع الفصولين: (لو ذكر البيع بلا شرط، ثم ذكر الشرط على وجه العدة جاز البيع، ولزم الوفاء بالوعد، إذ المواعيد قد تكون لازمة، فتجعل لازمة لحاجة الناس، ثم ذكر: فقد صرح علماؤنا بأنهما لو ذكرا البيع بلا شرط ثم ذكرا الشرط على وجه العدة جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد) رد المحتار.

ص: 421

الصورة الأولى: وهي أن يقترن عقد الإجارة بهبة المعدات هبة معلقة على دفع آخر قسط من أقساط الإيجار. هذه الصورة هي صورة جائزة ولازمة للواهب (المؤجر) .

الصورة الثانية: أن يعد المؤجر المستأجر في صلب العقد بهبة المعدات عند سداد آخر قسط. والفرق بين هذه وما قبلها أن هذه الصورة هي التزام بالهبة عند الأجل المحدد وما قبلها إيجاب الهبة من الآن.

الصورة الثالثة: وهي أن يهبه المعدات بواسطة عقد أبرم بعد عقد الإجارة، وقع التنصيص فيه على أن الهبة معلقة بسداد آخر قسط من أقساط الإجارة.

الخاتمة:

عملت في بحثي هذا على تتبع عقد الإيجار المنتهي بالتمليك، وبيان أحكامه وفي الورقة المقدمة من الأمانة العامة ثلاثة أسئلة لم أتعرض لها أثناء البحث. لأنها حالات خاصة ليست من طبيعة عقد الإيجار المنتهي بالتمليك.

السؤال الأول: حكم الدفعة المقدمة في الإيجار المنتهي بالتمليك؟

إن تصور الواقع كما جرى هو الذي يعطينا الضوء لضبط الحكم. والسؤال غامض ويحتمل وجوهاً: فهل يعني أن المعدات التي اشتراها المستأجر بتوكيل من المؤجر قد تم في فترة التراوض أن المستأجر يدفع نسبة من ثمن المعدات مقدماً، وأن المؤجر يدفع الباقي، ثم يستأجر كامل المعدات من البنك؟ على أن أقساط الإيجار قد اتفق على أنها موزعة حسب ما دفعه المؤجر. فإذا كان هذا هو المقصود فإن المستأجر بعقده عند شراء المعدات الصفقة باسم المؤجر، وأن المؤجر هو الضامن، وعَقَدَ الضمان باسمه، فإن المستأجر يكون قد تنازل عن حقه في التملك للجزء الذي دفع ثمنه، وأن المؤجر هو المالك للجميع. وهذه تتخرج على أنها هبة فعلية نافذة إذ أن المستأجر هو الذي تولى الصفقة وأسقط اسمه من وثائق التملك. وتظهر آثار ذلك إذا عجز عن السداد، فإن المؤجر هو الذي يفوز بجميع المعدات وليس للمستأجر حق فيها وفي هذا ظلم.

وإن كان معنى ذلك أن المستأجر يدفع قسطاً من أقساط الإيجار مقدماً قبل أن ينتفع بالعين المؤجرة، فقد ذكر الحطاب في تنبيهه على قول خليل:"إن ملك البقية الثاني". قال في المدونة: وللكري أن يأخذ كراء كل يوم يمضي إلا أن يكون بينهما شرط فيحملان عليه.. ابن يونس: وإن لم يكن شرط وكانت سنة البلد النقد قضي به.

ص: 422

السؤال الثاني: تسجيل العين المؤجرة صورياً باسم المستأجر لتفادي الإجراءات والرسوم:

إن الفرار من الواجب على الشخص أو على المؤسسة بإظهار خلاف الواقع هو (التوليج) وهو كذب لا يحل أبداً، ذلك أن انتساب المؤجر والمستأجر إلى دولة من الدول واستفادتهما من مؤسساتها وأجهزتها في أمنهما وتعلمهما وصحتهما وحماية حياتهما وأرزاقهما، والدفاع عن حوزة الوطن الذي ينتسبان إليه، وغير ذلك من المكاسب التي لولاها لما استطاعا أن ينشطا اقتصادياً ولا أن يعقدا مثل هذا العقد. كل ذلك يفرض على كل واحد منهما أن يكون أميناً في التعامل مع الأنظمة المعمول بها، وأن لا يحاول التهرب من الرسوم أو التحايل على الإجراءات المعمول بها، فإن ضمان حقوقه إنما هو بالسلطة القضائية والتنفيذية، وهي ملجؤه فكيف يحل له التمتع بالغنم والتهرب من الغرم؟

السؤال الثالث: تعديل أقساط الإجارة في حالة فوات التملك بسبب لا يرجع إلى المستأجر:

إن شأن العقود أنها لا تنقض ولا يعاد النظر فيها بعد انبرامها لظروف خاصة بأحد المتعاقدين، ولا أعلم استثناء لذلك إلا في الثمار إذا أصيبت بجائحة وذلك بالشروط المعتبرة شرعاً عند القائلين بوضع الجوائح.

ولما كان هذا العقد عقداً جديداً، فالذي يظهر لي كحل اعتماداً على التوسع في فهم قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] الحل هو أن ينص في عقود الإيجار المنتهي بالتمليك بأن مثل هذه الحالة تحال على لجنة المحكمين كبقية الخلافات التي تطرأ في مراحل تنفيذ العقد.

والله أعلم وأحكم وهو حسبي ونعم الوكيل.

والقسم الثاني: هو صكوك التأجير المبنية على الإيجار المنتهي بالتمليك.

وقد وصلت في هذه إلى أن صكوك التأجير المبنية على الإيجار المنتهي بالتمليك أن فيها إشكالات كثيرة، وأول إشكال هو أخذ قرار في التأجير المنتهي بالتمليك، لأن هذا مبني عليه، فلا بد إذن من تأخير هذا، اقترح أن يسبق عرض هذا الموضوع الذي جاء فيه قرار عام في الدورة الثامنة صكوك التأجير أو الإيجار المنتهي بالتمليك إعادة طرحه على المجمع ليكون ناشئاً عن خلو القرار المذكور من الضوابط والتدقيقات الكاشفة عن هذا التحول، وما فيه من صواب مقبول ومن صور غير مقبولة، فالرأي أن يقدم له بندوة متخصصة.

والله أعلم وأحكم وهو حسبي ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

ص: 423

التعقيب والمناقشة

التعقيب والمناقشة

الشيخ محمد تقي العثماني:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

في الواقع أنني أشكر أولا الأساتذة الباحثين الذين قدموا بحوثاً قيمة في هذا الموضوع الجاد الشائك، كما أشكر شيخنا العلامة الجليل محمد المختار السلامي –حفظه الله تعالى- فبالرغم من كثرة هذه البحوث وضخامتها استطاع أن يعطينا فكرة إجمالية عما وقع في هذه البحوث، وإني لا أريد أن أطيل كثيراً في الموضوع ولكن عندي بعض النقاط التي أريد أن أمر عليها سريعاً، ربما تكون ملحوظة عند اتخاذ القرار في هذا الموضوع.

إن اسم الإجارة المنتهية بالتمليك قد شاع وذاع، وربما يحكم على هذا العقد بصفة عامة دون الخوض في عدة أقسام يشملها هذا الاسم، وفي نظري الإجارة المنتهية بالتمليك ينبغي أن نقسمها إلى قسمين: القسم الأول: الإجارة المنتهية بالتمليك، كما هو معروف في القوانين الوضعية إما بصورة البيع الإيجاري الذي يسمى Hire Purchase أو بصورة الإجارة التمويلية التقليدية التي تسمى Financial Lease والفرق بينهما أن البيع الإيجاري تكون إجارة في البداية ولكنها تنقلب إلى البيع بصفة تلقائية إذا سدد المستأجر جميع الأقساط.

بمعنى أن جميع ما أدى المستأجر من الأجرة تصبح أقساطاً للبيع في نهاية مدة الإجارة فيجري مفعول البيع من أول العقد، وإن هذه الصورة ليست جائزة فيما أرى، لأن حقيقة العقد فيها مبهمة هل هو بيع أم إجارة؟ ولذا فقد ثارت هناك خلافات كبيرة بين أصحاب الحقوق المدنية واختلفت فيها أحكام المحاكم الغربية، فمن محكمة تحكم عليه بأنه بيع ومن محكمة أخرى تحكم بكونه إجارة.

ومن الظاهر أن الجهالة في حقيقة العقد مما لا تحتمله الشريعة الإسلامية أبداً، إن الشريعة الإسلامية التي لا تحتمل الجهالة في المعقود عليه ولا في الثمن فضلاً عن أن تكون هذه الجهالة في حقيقة العقد.

ص: 424

القسم الثاني: المعروف في الألفاظ التقليدية هي الإجارة التمويلية، فإنها إجارة ولا تنقلب إلى البيع بصفة تلقائية في آخر مدتها ولكن يتق الطرفان بأن العين المؤجرة تباع للمستأجر بثمن رمزي، وإن هذا الشرط موجود في صلب عقد الإجارة وإن هذا القسم أيضاً لا يجوز في نظري لأسباب، وهي:

الأول: أن البيع بثمن رمزي مشروط في صلب عقد الإجارة فتكون عقداً في عقد، ولا يجوز ذلك في قول أكثر الفقهاء.

الثاني: أن البيع بثمن رمزي بيع صورة وبعيدة عن الحقيقة.

الثالث: أنه إجارة صورية لأن المؤجر يبرئ نفسه من جميع تبعات الملكية ومن الهلاك والنقصان وما إلى ذلك، وإنهم يحسبون الأجرة من حين دفعهم للمال لشراء العين سواء تسلمه المستأجر أو لم يتسلمه، وتستمر الأجرة حتى في مدة بطالة العين بحيث لم تبق له منفعة، ففي الواقع إنه حيلة، بمعنى أنه ذكر اسم الإجارة للهروب والفرار من الضرائب، وفي حقيقتها هي تمويل على أساس الفائدة.

هذا بالنسبة للإجارة المنتهية بالتمليك كما هو معروف في الأعراف المدنية التقليدية.

أما الإجارة المنتهية بالتمليك التي أجازتها كثير من الندوات الفقهية وعدة هيئات للرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية فإن هذه الإجارة ليست عين البيع الإيجاري أو التأجير التمويلي الذي هو معروف في القوانين الوضعية وإنما قبلته هذه الندوات أو الهيئات باستبعاد ما هو معارض للمبادئ الشرعية الفقهية حتى غيره بعضهم وغير اسمه من الإجارة المنتهية بالتمليك إلى إجارة واقتناء، ويتميز هذا العقد من البيع الإيجاري التقليدي ومن الإجارة التمويلية المعروفة بفروق كثيرة، وهي:

-الفرق الأول: أن عقد الإجارة يكون خالياً من أي شرط أو التزام بالبيع في نهاية مدة الإجارة.

-الثاني: التمليك إنما يقع بوعد منفصل عن العقد إما بهبة أو بيع، فالإجارة إجارة بحتة، ويتحمل فيه المؤجر جميع مسؤوليات الملكية طوال مدة الإجارة من تبعة الهلاك، ومسؤولية الصيانة، والتأمين إن حصل عليه بطريق شرعي مقبول، ولا يتحمل المستأجر الأجرة إلا للمدة التي تسلم فيها المبيع فعلاً وهي صالحة للانتفاع، ولا تجب عليه الأجرة في المدة التي لم يتسلم فيها العين المؤجرة ولا في الزمن الذي اعترض العين المبيعة خلل جوهري أوقف منفعتها للمستأجر بغير تعد منه أو تقصير حتى يرمم على نفقة المؤجر وتصلح للانتفاع مرة أخرى.

وإن جميع هذه الأحكام لا تطبق في الإجارة التمويلية التقليدية، فالفوارق بين الإجارة التمويلية التقليدية وبين الإجارة المنتهية بالتمليك الذي أجازته الهيئات الشرعية والندوات والذي قد يسمى إجارة واقتناء بينهما فوارق جوهرية يتغير بها الحكم وليس فيها محذور شرعي، ولذلك صدر فيه قرار لمجمعنا الموقر في دورته الثالثة بجوازه إذا كانت مع الإجارة وعد منفصل بالهبة.

ص: 425

النقطة الثانية التي أريد الإشارة إليها هي موضوع (صكوك الإجارة) ، وإن موضوع صكوك الإجارة موضوع مهم جداً، وإذا أصدرت هذه الصكوك بطريقة شرعية مقبولة فإنها في الواقع تفي بحاجة حقيقية للبنوك الإسلامية في إيجاد السوق الثانوية للأوراق المالية، وهو طريق مشروع يفيد الحكومات في مواجهة عجز ميزانياتها والذي يغنيها عن إصدار سندات ربوية، ولكن إصدار هذه الصكوك يجب أن يكون على أساس صكوك تمثل حصة شائعة في ملكية الأعيان المؤجرة بجميع مسؤولياتها وتبعاتها والتزاماتها وأخطارها.

أما إذا كانت الصكوك لا تمثل ملكية في الأعيان المؤجرة كما هو حاصل في كثير من الإيجارات التمويلية وإنما يستحق حاملها على حصول حصة من الأجرة فقط وليس له حصة شائعة في الملكية دون أن تكون عليه مسؤوليات الملكية في حصته الشائعة فإن ذلك في الواقع بيع للدين وهو لا يجوز، وقد صدر بحرمته قرار من المجمع الموقر في دورته السابقة الحادية عشرة في البحرين.

والنقطة الثالثة: ففي الواقع أني استفدت كثيراً من بعض البحوث التي قدمت وخاصة أنني استفدت كثيراً من البحث الذي قدمه فضيلة أخينا الحبيب الدكتور علي محيي الدين القره داغي فإنه استفاض في هذا الموضوع وجاء بطرق شتى لهذا العقد، ولكن لي بعض الملاحظات على ما ذكره فضيلته في هذا البحث وكذلك ما جاء به بعض الإخوة الآخرين الذين بحثوا هذا الموضوع في البحوث المطروحة بين أيدينا، وهي:

أولاً: إن فضيلته أجاز أن يشترط التأمين على المستأجر، وكذلك أجاز أن تشترط الصيانة على المستأجر من قبل المؤجر، وقد جاء لذلك ببعض الأدلة من النصوص الفقهية التي ذكرها الفقهاء، ولكن بالرغم من هذه النصوص، أرى أن هذه الإجارة المنتهية بالتمليك كما تجريها البنوك الإسلامية لو فتحنا هذا الباب –وهو أن يشترط التأمين على المستأجر أو تشترط الصيانة على المستأجر- فإنه لا يبقى هناك فرق كبير بين الإجارة المنتهية بالتمليك المشروعة وبين الإجارة التمويلية، لأن الفارق بينهما –كما أتصور- هو أن المؤجر في الإجارة المنتهية بالتمليك التي أجازتها الهيئات الشرعية هو أن المؤجر يتحمل جميع مسؤوليات العين المؤجرة، فإذا اشترط التأمين على المستأجر أو الصيانة على المستأجر فإن هذا يبطل هذا الفارق الكبير بين هذه التمويلات والذي يجعلها مشابهة للتمويلات الربوية، فينبغي أن يكون هناك صيانة، وتقسم الصيانة إلى قسمين: قسم تشغيلي (صيانة تشغيلية) ويمكن أن يحمله المستأجر، أما (الصيانة الجوهرية) فإنها يجب أن تكون على المؤجر ليتحمل مسؤولية الملكية وإلا لا يكون هناك أي مسؤولية على المؤجر وأنه يدفع المال فقط ويحصل على أجرة ومال بما يجعله مشابهاً للربا.

وكذلك ذكر فضيلتة البيع مع اشتراط عدم الملكية، وأجازه كبديل لهذا العقد، ولكن الواقع أنه إذا اشترط في البيع عدم انتقال الملكية للمشتري فإن هذا شرط مناقض للعقد، وقد اختلف الفقهاء في الشروط التي هي مخالفة لمقتضى العقد، ولكن لم يقل أحد –فيما أرى- جواز اشتراط شرط يناقض مقتضى العقد، فمقتضى العقد هو أن تنتقل الملكية من البائع إلى المشتري، فمتى شرطنا أنه يقع هناك بيع ولا تنتقل الملكية للمشتري فهذا مناقض صراحة لعقد البيع ولا ينبغي أن نأخذ بمثل هذه الأشياء.

ص: 426

هناك أمور جزئية أخرى قد تعرض لها الباحثون ولكني أرى أن المقصود المهم في هذه الجلسة هو الحكم على جواز أو عدم جواز الإجارة المنتهية بالتمليك كما أجازته بعض الهيئات، فإذا توصلنا إلى هذا يمكن أن نتطرق إلى تلك الجزئيات، وليس هذا موضع بسطها والتعليق عليها.

هذا ما كنت أريد أن أعلق به على هذه البحوث، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ عبد السلام العبادي:

بسم الله الرحمن الرحيم.

تعليقي ينصب على ثلاثة محاور:

المحور الأول: يجب أن نميز بين أنواع الإجارة المنتهية بالتمليك، كما أشار الإخوة الباحثون وفضيلة الشيخ محمد تقي العثماني.

فيما يتعلق بالإجارة المنتهية بالتمليك التي تستخدم كوسيلة من وسائل التمويل في البنوك الإسلامية، هذه قضية عالجها المجمع بشكل واضح في قراره في الدورة الثالثة –كما أذكر- التي عقدت في عمان عندما نظر في معاملات البنك الإسلامي للتنمية، وكان القرار واضحاً في إجازة هذه الصورة، قد يقول البعض: إنها كانت إجازة متعلقة بأعمال البنك الإسلامي للتنمية، لكن واضح أن القضية لا علاقة لها بذات البنك الإسلامي للتنمية إنما هي كأداة تمويل إسلامي.

أهم ما يجب أن ينتبه إليه في إقرار هذه الصيغة حتى عندما أقرها المجمع في دورته المشار إليها هو الحرص على ألا تنقلب هذه الوسيلة من وسائل التمويل إلى وسيلة تمويل ربوي، بمعنى أن توضع الشروط والضوابط والأسس التي تضمن أن تكون وسيلة تمويل قائمة على قدر من المخاطرة تمارسها الجهة التمويلية بحيث من المحتمل أن تتعرض للخسارة في هذا التمويل وليس مبلغاً مقروضاً أو معطى للجهة الراغبة في التمويل بحيث يعود رأس المال وفوائده لهذه الجهة، لأن عملية الحساب للأقساط يلحظ فيها البنك في حسبته لاسترداد رأس المال مضافاً إليها أرباحه، فإذا كان الأمر قد رتب بطريقة لا تكون عليه أي مسؤولية فهذا يعني أنه أقرض مبلغاً من المال واسترده بزيادة على رأس المال مما هو عين الربا، ولذلك كان هنالك حرص في معالجة هذه القضية على ضمان استمرار ملكية الجهة الممولة للادوات المؤجرة طيلة فترة التأجير وهذا يعني تحمل الجهة الممولة لنفقات الإصلاح، نعم قد تستثنى عمليات الإصلاح والصيانة التشغيلية لكن صيانة الأصول والمحافظة على أعيانها وإبقائها صالحة للاستئجار هذه مسؤولية المؤجر.

فإذا في اللحظة التي لم نوفر ذلك سينقلب الأمر إلى عملية قرض ربوي دون أي نقاش بصرف النظر عن التسميات المطلقة، وهذا أيضاً يقود إلى قضية في غاية الأهمية وهي قضية الهلاك، يعني إذا هلكت هذه الأعيان يجب أن تهلك على حساب المؤجر (الجهة التمويلية) ، وهذا هو العنصر الذي كان أساس إجازة هذه الصيغة باعتبار أنها صيغة قائمة على التمويل غير الربوي وقائمة على أن الجهة الممولة تتحمل المسؤولية والمخاطرة في هذه الصيغة المقدمة، وكان هذا هو أساس الإجازة كصيغة مستحدثة للتمويل الإسلامي المعاصر، ومن هنا كان الموضوع موضوع إعطاء مبلغ من المال يوكل به المستأجر أو هو يقوم بذلك بشراء العين المؤجرة، فالقضية تبدأ بإعطاء مبلغ من المال يتفق عليه أثناء المراوضة كما عبر أستاذنا، وبالتالي واضح أن القضية قضية قرض إذا لم نضع من الضمانات ما يحوله إلى تمويل إسلامي يقوم على المخاطرة واحتمالات التعرض للخسارة.

ص: 427

أما كون جهة من الجهات تملك أعياناً كما تفعل مؤسسات الإسكان فهي تبني شققاً سكنية وتقوم بتأجيرها تأجيراً منتهياً بالتمليك، واضح أن الهدف هناك ليس هدفاً تمويلياً إنما الهدف ضمان تسديد الأقساط، يوعد المستأجر بأنه إذا سدد الأقساط في مواعيدها والتزم بذلك فإن هذه الشقة سوف تصبح ملكاً له، وبالتالي تحليلنا لهذه الصورة –وهذا هو المحور الثاني- يجب أن يقوم على أساس فهم طبيعة العقد من خلال الشروط الموضوعة، هل هو بيع وأجلت عملية نقل الملكية فيه؟ أم أنه تأجير مع وعد بالتمليك في نهاية المدة؟

يجب أن نضمن في تفصيلات العقد في أي الصيغتين اخترنا والتي تضمن سلامة الاختيار وإلا في النهاية العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني، فإما أن نعتبره بيعاً على ضوء تفصيلات الشروط مؤجل فيه عملية نقل الملكية، أو نعتبره إجارة قد تم اشتراط أن يكون هنالك نقل للملكية في نهايته، وبصرف النظر أكان ثمن المبيع في النهاية رمزياً أم له قيمة، فالمسألة لا تختلف.

أما المحور الثالث وهو صكوك الإجارة، حقيقة الهدف من التفكير فيما يسمى بـ (صكوك الإجارة) هو استحداث أدوات تمويل إسلامي يسهل تبادلها في الأسواق المالية تسهل عملية التقاء رؤوس الأموال وتدفع خطط التنمية في البلاد الإسلامية، فهذا هو هدفها يعني ليس القضية قضية تعبير عن صيغ نظرية دون أن نلاحظ أين ستمارس وأين سيجري الاستفادة منها، فهذه الصكوك لابد في الواقع أن تكون حصص شائعة في الأعيان المؤجرة وإلا كما هو واضح سيصبح تبادلها في النهاية ديناً بدين وهذا لا يجوز، وهذا الذي اشترطناه كما نعلم جميعاً في صكوك المقارضة.

فعملية القياس في هذا الأمر عملية واردة، ولا بد في الواقع أن نفكر في أدوات تمويل إسلامية جديدة كما فكرنا في موضوع سندات المقارضة وليكون هنالك صكوك في السلم وصكوك في الإجارة، لكن واضح أن هنالك شروط شرعية لابد من ملاحظتها في تفصيلات وأحوال هذه الصكوك.

ص: 428

أحب أن أنبه تنبيهاً أخيراً: في بحوثنا قد نقع في أخطاء التنظير الفقهي البحت بعيداً عن فهم الصورة الشمولية لأداة التمويل كما وقع في بيع المرابحة للآمر بالشراء، قام بعض العلماء بالاستدلال بجزئيات فقهية واردة في البيع أو واردة في تفاصيل عمليات المرابحة دون ملاحظة أننا نستخدمها في البنوك الإسلامية كأداة تمويل، وبالتالي كان اشتراط التسلم والتسليم في عقود المرابحة بهدف ألا تنقلب كأداة تمويل ربوية، كذلك الحال هنا في الإجارة، بمعنى أنه لا يصح أن نأخذ ببعض الفروع الفقهية في الإجارة التي تجيز مثلاً أن يشترط المؤجر على المستأجر إصلاح العين المؤجرة، وبالتالي نقول ما دام الفقهاء قالوا بذلك فإذن هذا يجوز، أصل المسألة أن نستخدم هذه الأداة كإجارة منتهية بالتمليك نستخدمها باعتبارها أداة تمويل وبالتالي نريد أن نضمن ألا تنقلب إلى تمويل ربوي، وبالتالي لا يصح مثل هذا الشرط أصلاً إذا فهمنا العقد بهذه الصورة الشمولية.

شكراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ عبد اللطيف الفرفور:

بسم الله الرحمن الرحيم، أشكر لمن سبقني وما تفضلوا به من علم وفضل، وأرى –والله أعلم- أن هذا الموضوع كله يجب علينا إعادة دراسته من جديد لنتعرف على نقضه، وذلك بعد الدراسة والاستقراء، فهذا العقد –عقد الإجارة المنتهية بالتمليك - مرفوض شكلاً وموضوعاً، جملة وتفصيلاً، لأسباب:

السبب الأول: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صفقتين في صفقة واحدة، وهاتان صفقتان في صفقة، وهذا عقد فاسد، والشرط مفسد للعقد لأنه مضاد لتكوينه، فالإجارة شيء والبيع شيء آخر، وكلاً منهما مختلف التكوين عن الآخر، وكذلك أيضاً هو حيلة للربا، وكل حيلة للربا فهي مردودة اعتباراً بمآلات الأعمال وسد الذرائع الفاسدة، وكذلك فهو ليس له أصل شرعي مطلقاً بل هو عقد مستورد بشكل تام.

ولذلك فإن الذي يظهر لي والله أعلم وليس هذا حكم الله في الحادثة بل هو مجرد رأي كما علمنا ذلك أئمتنا العظماء –رضي الله عنهم علمنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن منه قبلناه، هذا عقد فاسد يجب تصحيحه وذلك قبل إنفاذه إما بإلغاء الإيجار نهائياً وجعله بيعاً بالتقسيط فقط، أو أن نجعله إجارة محضة، ولا مانع من وعد منفصل عن العقد بهبة أو ببيع، هذا وعد غير ملزم عند الجمهور، لذلك فعند الجمهور الصفقتان في صفقة عقد فاسد ويجب فسخه، والقابض والآخذ والمقبض آثمان إلا أن يفسخاه أو يصححاه، وهذه العقود الصورية كمشد المسكه وإيجار دين ذكرها العلامة ابن عابدين في حاشيته وقال: إنها كانت وبالاً على المسلمين في تاريخهم الطويل، وأنها كانت سبباً لاختلاس الأوقاف واختلاس الأموال العامة، فكيف بالأموال الخاصة؟! من باب أولى، وهذا ما ذكره أستاذنا الزرقا كذلك في (المدخل الفقهي العام) وفي (نظرية الالتزامات العامة في الشريعة الإسلامية) .

ص: 429

فهذا العقد من جهة القواعد العامة للشريعة الإسلامية عقد مرفوض ومردود بجميع صوره وأشكاله إلا أن يصحح على القاعدة العامة التي ذكرتها، ومخالف شكلاً وموضوعاً لأصول التشريع الإسلامي، وللحديث وللمعقول والمنقول، ولا يصح اعتماده إلا إذا رأى مجمعنا الموقر بفقهائه حاجة أو ضرورة، وما أرى ذلك، فحينئذ يصحح استحساناً كما صحح فقهاء الحنفية عقد الاستصناع، وكما صححت عقود أخرى بحجة استحسان الضرورة، والحاجات تنزل منزلة الضرورات في إباحة المحظورات، إن رأى مجمعنا الموقر بفقهائه الأجلاء ذلك فأنا معهم وإذا لم ير حاجة أو ضرورة فينبغي أن نرجع إلى القواعد العامة وإلا فما الداعي إلى أن نأتي بهذه العقود المستوردة التي فصلت لغيرنا وعلى مقاس غيرنا ونستوردها ونبحث عن حكم الله تعالى فيها وما هي بذاك؟ فإنها في الأصل قائمة على مقاس قانوني اقتصادي غربي لا علاقة له بنا أبداً، وحين نضطر إلى عقد مشابه لهذا فإننا لا نقول إجارة منتهية بالتمليك أو ما شاكل ذلك، نأتي إلى شريعتنا فنقول بيع بالتقسيط أو إجارة محضة، ولا مانع أن يكون بعد هذا كله وعد من المؤجر –وعد غير ملزم طبعاً- للمستأجر أن يبيعه أو أن يهبه كما تفضل فضيلة الشيخ العثماني بذلك، وهذا هو تصحيح العقد، وإلا فإن الأمر خطير، والله سبحانه وتعالى يؤاخذنا يوم القيامة {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] ، ونعوذ بالله تعالى أن نكون من أولئك، فكلنا ولله الحمد يبتغي مرضاة الله –عز وجل وكلنا يبتغي رضوان الله، وليس لواحد منا أبداً مصلحة في أي قول يخالف الشريعة الغراء.

لذلك فإنني أعذر كل من اتفقت معه أو اختلفت معه في الرأي لصحة النية والعقيدة وسلامة الطوية، وأن العلم بين أهله نسب، فجزى الله خيراً جميع من تفضل وأسهم في هذه الأبحاث وفي هذا العرض وفي هذه الجهود المشكورة سواء اتفقت معهم أم اختلفت معهم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وشكراً.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ عجيل النشمي:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أعتقد أن هذا الموضوع من المواضيع الهامة، وكل مواضيع المجلس هامة، لكن هذا الموضوع في الحقيقة له تعلق مباشر بالواقع العملي، لكن أرجو أن يؤخذ بالاعتبار الخلاف الفقهي في هذا الموضوع حيث منعت بعض هيئات الفتوى العمل بالإجارة المنتهية بالتمليك، في الوقت ذاته سبق للمجمع أن أجاز هذا العقد من حيث الأصل وأجاز بعض الصور منه، وبناء على ذلك جرى العمل في كثير من المؤسسات والشركات والبنوك الإسلامية بهذا العقد مستندة في الحقيقة إلى قرارات المجمع وإلى قرارات الهيئات والندوات التي عقدت لهذا الغرض، بل نشأت شركات متخصصة في الإجارة والإجارة المنتهية بالتمليك، لأنه ثبت من الواقع والتطبيق أنه ليس من مصلحة الشركات والبنوك الإسلامية أن تحتفظ لمدد طويلة بأجهزة لا تعنيها كالسفن والطائرات ونحوها، بناء على هذا العقد دخلت المصارف والشركات الإسلامية وبدأت تشتري هذه المعدات، لا تملكها على الدوام، إنما تؤجرها لفترة محددة للراغب فيها ثم يتملكها وبعقد جديد، وفي هذه الفترة يقوم هو بصيانتها والمحافظة عليها، ربما القضية التي أثيرت أن بعض الشركات في الحقيقة تحمل المستأجر تبعة الهلاك الجزئي والتأمين، وهذا ما يخالف قرار المجمع في استفسارات البنك الإسلامي للتنمية.

ص: 430

هذا العقد في الحقيقة أفاد المصارف الإسلامية فائدة كبيرة جداً بملكيتها للأعيان المؤجرة مع زيادة أرباحها لطول مدة هذه العقود في العادة، وبعد استرجاعها لرأس المال تقوم ببيع هذه السلعة للطرف الثالث الذي يرغب في هذه السلعة.

من جانب آخر قد تدخل الشركات الإسلامية طرفاً ثالثاً ممولاً في هذا الموضوع، وهذا ما يحتاج إلى القيود التي أشار إليها الإخوة، هي في الوقت ذاته يسرت في الحقيقة على أصحاب الأموال ويسرت على أصحاب الدخول المحدودة أيضاً تملك الأشياء الضرورية.

من الواقع يتبين أن هذا العقد من أكبر أدوات الاستثمار الإسلامي، وتجربة البنك الإسلامي للتنمية في الدول الإسلامية النامية خير شاهد.

فلا شك أن هذا العقد إذا أحسن تطبيقه فإنه يحقق مقاصد ومصالح معتبرة وما كان كذلك فثم شرع الله عنده.

بعد هذه المقدمة أبدأ ببيان بعض الصور التي وردت في الأبحاث ويمكن بحث الدكتور علي القره داغي حيث ذكر أكثر الصور أوصلها إلى سبع صور.00

القول بمنع الإيجار المنتهي بالتمليك مطلقاً أعتقد أنه قول يجانب الصواب، وكذلك القول بأن الإيجار المنتهي بالتمليك جائز مطلقاً أيضاً يجانبه الصواب، لا بد من القيود، وهذا المنهج الذي سار عليه المجمع.

هناك صور أعتقد أنه ينبغي أن ننتهي من البت فيها في هذا الاجتماع:

الصورة الأولى: إذا كان الإيجار حقيقياً وبثمن المثل، ومالكه وعد بالبيع ويكون البيع بثمن المبيع حقيقة، فهذه صيغة عقد إيجار حقيقي لا ريب وليست بيعاً بالتقسيط وتطبق عليها أحكام الإجارة، وهذا ما ينبغي أن لا يكون محل خلاف.

الصورة الثانية: صياغة عقد إيجار وللمستأجر الخيار في تملك العين في أي وقت أثناء مدة الإجارة بسعر السوق وبعقد جديد، أو صورة عقد إيجار مع وعد بالهبة، وهاتان الصورتان أجازهما المجمع ليس في باب الإيجار المنتهي بالتمليك وإنما في إجاباته على استفسارات البنك الإسلامي للتنمية.

هناك صورتان أعتقد أنهما محل خلاف والبت فيهما يفتح باباً واسعاً بضوابطه للمؤسسات والشركات والمصارف الإسلامية:

الصورة الأولى: هو أن يكون عقد الإيجار والبيع في عقد واحد فيكون البيع معلقاً على شرط الوفاء بجميع الأقساط في المدة المحددة، هذا من واقع الأبحاث التي قرأناها.

ص: 431

هذه الصيغة منعها الجمهور كما أشارت الأبحاث وأجازها مالك في قول، وأحمد في رواية، كما أجازها ابن تيمية، والتحقيق جوازها.

الصورة الثانية: التي يحتاج أن يقع النظر أيضاً فيها هو ما إذا اشترى المصرف أو الشركة الإسلامية عقاراً مثلاً ثم قام المصرف بتأجيره لبائع نفسه إيجاراً ينتهي بالتمليك إما بوعد أو بهبة. هذه أيضاً صيغة في الحقيقة جرى عليها العمل في بعض المؤسسات بناءً على فتاوى من هيئات الرقابة فيها.

أخيراً أقترح على المجمع الكريم بعد الفصل في هذه الصور الجائزة أن يعزز قراره وخاصة في هذا الموضوع بذكر الأدلة لا لذاتها وإنما للرد.. عقدين مختلفين في الحكم على عين واحدة. وهذا طبعاً ما ورد النهي عنه. وهذا في تقديري إنما يصح أو هذه الشبهة تصح لو ورد البيع والإيجار في عقد واحد. وأعتقد أن الصورة لم تكن واضحة عند البعض. الواقع أن العقد ورد على الإجارة وتطبق أحكام الإجارة لا أحكام البيع، وإنما يأتي البيع بعد انتهاء أمد الإجارة بعقد مستقل بشروطه. ولو سلم أن العقد جمع بين الإجارة والبيع في صفقة واحدة فليس هذا بعقد باطل بالإجماع حتى ينكر وإنما قال -كما ورد في الأبحاث- بجوازه المالكية والشافعية والحنابلة.

أقول قولي هذا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرئيس:

أرى أن الشيخ عجيل قد بت في الموضوع على لسان المجمع. والواقع أن بحث الإيجار المنتهي بالتمليك أتى في ثلاث دورات: في دورة عمان في قراره الثالث عشر أتى تبعاً في بعض جزئياته، وهو الذي تكلم عنه الشيخ عبد السلام العبادي وغيره من الإخوان. في الدورة الرابعة، المؤتمر الرابع المعقود في جدة أجل النظر فيه لمزيد من البحث والدراسة وعقد ندوة إلى آخر ذلك. في مؤتمره الخامس في الكويت خطى خطوات وقرر ما يلي:

الأولى الاكتفاء عن صور الإيجار المنتهي بالتمليك ببدائل أخرى. ثم ساق بعض البدائل.

وفي آخره قال: هناك صور مختلفة للإيجار المنتهي بالتمليك تقرر تأجيل النظر فيها إلى دورة قادمة. فيعني جمع ما قرره المجلس مع تشخيص حقيقة هذا العقد وأنه عقد على عين واحدة ورد عليه عقدان غير مستقر على أحدهما. ثم إن مستلزمات العقد تحولت من جهة إلى أخرى على خلاف مقتضى العقود. هذا مما دعا إلى إعادة البحث والنظر فيه.

هذا ما أحببت التنبيه إليه فقط.

ص: 432

الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.

ملحوظات معدودات على بعض ما ورد في البحوث:

أولاً: جاء في بحث الدكتور شوقي دنيا: (وقد يكون من أهم الفروق بينهما – الإجارة التشغيلية والإجارة المالية - ما يتعلق بمسألة المخاطر وتحمل النفقات، فهي في التشغيلية مسؤولية المؤجر بغير خلاف لكنها في المالية مسؤولية المستأجر في كل صورها) .

كونها مسؤولية المؤجر بغير خلاف، هذا في الفقه لا خلاف فيه. العبارة الثانية (لكنها في المالية مسؤولية المستأجر في كل صورها) وهذا تقرير للواقع بالنسبة لهذه المعاملة، إذا صح هذا القول فإن جميع صور الإجارة المنتهية بالتمليك التي عرضت علينا تكون ممنوعة. وهذه العبارة أيده فيها الدكتور منذر قحف أيضاً.

ثانياً: في بحث الدكتور منذر قحف. وردت ملاحظتي في مكانين من بحثه. (حقيقتها –والتي هي الإجارة المالية- أنها في جميع صورها إجارة وشراء معاً مهما كان الشكل التعاقدي الذي يتخذه نقل الملكية) . أيضاً إذا صحت هذه العبارة بالنسبة لصور الإجارة المنتهية بالتمليك فإنها جميعها تكون ممنوعة لأن الإيجار والشراء لا يجتمعان على عقد واحد، وهذه المسألة أثيرت في أكثر من بحث. اجتماع الإجارة والبيع أو الشراء الذي أجازه المالكية ومن معهم ومنعه بعضهم ليست واقعة على عين واحدة. اشتريت منك هذه الدار وأجرتك هذه السيارة، إجارة وبيع بثمن واحد. اشتريت منك هذا الثوب على أن تخيطه. هذه هي الصور التي تذكر في اجتماع البيع والإجارة التي وقع الخلاف فيها. أما اجتماع البيع والإجارة في عين واحدة لم أر من أجازه.

ثالثاً: الشيخ التسخيري يقول في بحثه: (الملكية لا تتوقف على سبب خاص) ومن هناك أجاز الإجارة المنتهية بالتمليك في صورتها الإنكليزية، تنتقل الملكية بمجرد الانتهاء من دفع الأقساط ولا تحتاج إلى شيء ناقل للملكية سوى الشرط الذي اشترطه. فيبدو أن إخواننا الشيعة يجعلون الشرط كأنه سبب ناقل للملكية.

أيضاً أود أن أرجع قليلاً إلى تحمل النفقات. هذا جاء في البحثين من ضمن الشروط، فكأن هذا حقيقة في الإجارة المنتهية بالتمليك يجب أن ننتبه إليه.

ص: 433

رابعاً: ورد في عدد من البحوث شراء العين بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة.

البيع بسعر السوق في زمن مستقبل بعد شهر أو شهرين كما هو معمول به في الأسواق المالية لم أر أحداً من الفقهاء أجازه.

الخلاف الذي هو واقع في البيع بسعر السوق والذي أجازه ابن تيمية وابن القيم هو في سعر السوق عند إنشاء العقد، وهذا جمهور الفقهاء منعوه، وهو مثل بعتك بسعر السوق ويذهبان إلى السوق ليعرفان السعر، هذا ممنوع عند جميع الفقهاء، وهذا هو الذي أجازه ابن تيمية وابن القيم، لكن بعض إخواننا الفقهاء جعلوا جواز ابن القيم مطلقاً، بيع بسعر السوق في أي وقت. جهالة الثمن واضحة إذا كنت سوف أبيعه بسعر السوق بعد شهرين أو ثلاثة أو سنة، فهذا غرر واضح لا يمكن أن يقول به فقيه. لكن يمكن أن يجوز هذا –وهذا ورد أيضاً في بعض البحوث- إذا كان جعل الخيار للمشتري أو حتى لأحد المتعاقدين، لكن في الغالب يجعل للمشتري. إذا جعل البائع الخيار للمشتري هذا يجوز.

اجتماع البيع والإجارة تكلمت عنه ويحتاج إلى تحقيق في بعض البحوث التي ذكرت هذه المسألة.

خامساً: هنالك صورة وردت على أنها جائزة وهي في بحث الدكتور القره داغي وفي بحث الدكتور منذر، وهي أن يشتري البنك السلعة ويؤجرها لمن اشتراها منه إجارة منتهية بالتمليك. هذا بيع عينة واضح لا يجوز أن نقول بجوازه.

سادساً: اقترح بعض الإخوة عقد بيع بالتقسيط مع اشتراط عدم نقل الملكية، ومنهم الدكتور شوقي في بحثه، وقد عارض هذا الشيخ القاضي العثماني. ولا أرى وجهاً لهذه المعارضة، فجواز البيع بالتقسيط مع اشتراط عدم نقل الملكية قال به بعض الفقهاء، وإن كان الجمهور يمنعونه بناء على القاعدة التي قالها القاضي العثماني وهي أنه يخالف مقتضى العقد. مقتضى العقد يعني نقل الملكية. لكن هذا الرأي له سند من أقوال الفقهاء وقد أخذ به القانون الأردني والقانون السوداني وأظن أيضاً القانون المدني الموحد، فهذا يجوز أن يكون بديلاً للإجارة المنتهية بالتمليك إذا انتهى المجمع إلى منع جميع صورها.

سابعاً: الهبة المعلقة، وهذه جاءت في كلام الشيخ السلامي، والإشكال الذي ورد فيها أورده الشيخ السلامي فيما إذا مات المؤجر –المفروض أنه ليس بنكاً وإنما فرداً- وكان مبنياً على هبة معلقة، وهذه مما أجازتها بعض الندوات، السؤال هنا: الشيخ السلامي رأيه أن العقد يمضي فهو سليم وليس للورثة الاعتراض، الإشكال هو في البيع المعلق متى ينعقد؟ هل ينعقد عند إصداره أو ينعقد عند الحصول على ما علق عليه؟ هذا هو ما أعرفه. البيع المعلق لا ينعقد في الحال، لابد أن يأتي الأمر المعلق عليه عكس العقد المضاف. العقد المضاف ينعقد سبباً في الحال.

اكتفى بهذه الملحوظات، شكراً.

ص: 434

الشيخ علي محيي الدين القره داغي:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه.

أود أن أشكر شكراً جزيلاً كل الإخوة الباحثين الذين استفدنا من بحوثهم وكذلك نخص بالشكر فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي على تلخيصه الجيد حيث أفاد وأجاد، جزاه الله عنا خيراً.

في الحقيقة أود التعليق على ما أثير وكذلك على ما يجري العمل به في البنوك الإسلامية حتى تكون الصورة واضحة. وقد ذكرت في بحثي تحت عنوان (البنوك الإسلامية والإيجار المنتهي بالتمليك) الخطوات العملية حتى نميز الفرق الأساسي بين ما يجري العمل به وبين ما هو موجود كما أشار إلى ذلك فضيلة الشيخ محمد تقي العثماني.

البنوك الإسلامية تختلف فيها الإجارة المنتهية بالتمليك، وأنا أفضل تغيير هذا الاسم. هذا الاسم ظلم هذا العقد، مثلاً نقول: الإجارة مع الوعد بالتمليك، حتى لا يفهم من الاسم مباشرة أن الاشتراط داخل العقد أو ينتهي أوتوماتيكياً إلى التمليك. فاستعمال كلمة (الإجارة مع الوعد بالتمليك) ربما كان أدعى للقبول بالنسبة لما يجري عليه العمل في البنوك الإسلامية الخطوات العملية الآتية:

1-

اتفاق مبدئي يكيف على أساس الوعد يتضمن بحث كافة العمليات من شراء البنك إلى شراء العميل وما يتضمنه من شروط.

2-

قيام البنك الإسلامي بشراء الشيء المطلوب.

3-

ثم قيام البنك بتأجير الشيء المطلوب للعميل حسب الأجرة المتفق عليها.

4-

التأمين على المعدات والأشياء المؤجرة.

5-

وعد في ملحق منفصل يتعهد فيه المستأجر بشراء العين المؤجرة. وهذا الوعد قد يتضمن السعر المتفق عليه للشراء، وفي الغالب قد لا يتضمن، سواء أكان رمزياً أم حقيقياً، وهو الغالب. وقد يكون مجرد وعد بالشراء بالسعر المتفق عليه عند إرادة الشراء، أو حسب سعر السوق، وهذا هو الأفضل.

6-

بعد انتهاء مدة الإجارة ووفاء المستأجر بكافة الشروط الواردة في العقد يتم نقل ملكية الشيء المؤجر إلى المستأجر بموجب عقد جديد، وإذا رغب المستأجر أن ينهي عقد الإجارة في أي وقت شاء ليشتري العين المؤجرة ووافق على ذلك المؤجر (البنك) فلا مانع من ذلك شرعاً وقانوناً. والبنوك الإسلامية حريصة على عدم الربط بين العقدين: عقد الإجارة، وعقد البيع. بل يكون الوعد منفصلاً حتى الوعد بالبيع يكون منفصلاً أو ما يسميه بعض البنوك بالعقد الابتدائي في ملحق منفصل، وهي حريصة كذلك على أن يتم تحديد سعر العين المستأجرة وفق الأسس التالية:

أ-القيمة السوقية المعروفة في السوق، أو حسب ما يقيمها الخبراء.

ص: 435

ب-تحقيق العدالة من حيث النظر إلى الأقساط المدفوعة للإجارة. وهذا النوع في اعتقادي لا غبار عليه.

وأثيرت في الحقيقة مسألة أخرى وهي مسألة الجمع بين الصفقتين، أو نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة. فإذا سمح لي السيد الرئيس أن أبين هذه المسألة لأنني في الحقيقة كتبت فيها بحثاً ونشر في مركز بحوث السنة والسيرة بجامعة قطر، وبذلت فيه جهوداً أرجو إن شاء الله أن تكون خالصة.

والجواب أن الإجارة المنتهية بالتمليك تدخل في باب الصفقتين في صفقة واحدة وهي منهي عنها، حيث ورد في حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صفقتين في صفقة واحدة. الجواب عن ذلك من وجوه:

الوجه الأول: أن هذا إنما ينطبق في صورة واحدة حينما يذكر في الإجارة المنتهية، البيع والإجارة معاً، في حين أن معظم صورها وخاصة الصور التي يجري العمل بها في البنوك الإسلامية لا يذكر في نفس العقد إلا الإجارة.

الوجه الثاني: أن هذا الحديث مرفوعاً بهذا اللفظ ضعيف، وإنما الثابت هو الموقوف على ابن مسعود –رضي الله عنه كما ثبت أيضاً حديث ((لا يحل بيع وسلف)) وحديث (النهي عن بيعتين في بيعة) . وعلى ضوء ذلك لا يدخل عقد الإجارة في الموضوع لأن النهي عن البيع والسلف، أو عن البيعتين، فلا يشمل الإجارة والبيع.

الوجه الثالث: أن التفسير الراجح لهذا الحديث هو ما ذكره راوي الحديث نفسه وهو ابن مسعود –رضي الله عنه حيث ثبت أنه قال: (لا تصلح الصفقتان في الصفقة، أن يقول هو بالنسيئة بكذا وكذا، وبالنقد بكذا وكذا) ، وهذا التفسير أيضاً مروي عن سفيان الثوري، وسماك، وعبد الوهاب بن عطاء، وأبي عبيد، وابن سيرين، والنسائي، وابن حبان، ومالك، وبعض أهل العلم حسب تعبير الترمذي.

وقد حققنا كذلك تفسير آخر رجحه ابن القيم وهو أن المقصود بهذا الحديث هو النهي عن الجمع بين السلف والبيع في عقد واحد. فهذا هو المنهي عنه في الموضوع.

ما أثاره فضيلة الشيخ محمد تقي العثماني بخصوص تبعة الهلاك والصيانة فالذي انتهيت إليه أن الصيانة الذاتية لا بد أن تكون على المؤجرة، والصيانة التشغيلية هي ممكن أن تكون على المستأجر، خاصة في الإجارة مع الوعد بالتمليك أو الإجارة المنتهية بالتمليك. وكلامي هذا استعراض لآراء الفقهاء وليس هذا رأي وإنما عرض لهذا.

كذلك ما ذكرته بخصوص تبعة الهلاك ذكرت هذا رواية عن الإمام أحمد لأنه يقول: يجوز أن يشترط الضمان على المستأجر، وقاسه على الأجير الخاص، وهذا موجود في المغنى لابن قدامة، والنص موجود في النسخة لكن هذا ليس رأياً لي وإنما رأيي أن تبعة الهلاك أو الضمان يكون على المؤجر. فأنا متفق مع هذا ولكن أردت استعراض هذه الآراء لاستبيان أن فقهنا الإسلامي فيه من السعة ما يسع حتى هذه الحالات النادرة. وبخصوص الإجارة المنتهية بالتمليك يجب علينا فعلاً أن نضبطها بضوابط حتى تخرج تماماً عن مسألة التمويل أو ما يكون في شبهة الربا.

بالنسبة للتأمين فقد ذكرت أنه لصالح المؤجر وقلت: إن الذي يجري عليه العمل في بعض البنوك أن العميل هو الذي يقوم بالتأمين على العين المؤجرة لصالح البنك حفاظاً على أموال البنك وضماناً لرأس ماله. والذي نراه هنا هو أن التأمين ليس من أعمال المستأجر بمقتضى عقد الإجارة ولا يجب عليه، ولذلك ينبغي أن يقوم البنك نفسه به، أو يوكل العميل للقيام به، ثم يخصم المبلغ من الأجرة، ولا مانع هنا من زيادة الأجرة لتغطي ذلك أيضاً، وإذا قام المستأجر بعد العقد بذلك بأمر من البنك أو بموافقته فإنه يرجع عليه بما أنفقه، أما إذا قام بذلك دون إذن أو موافقة، فإنه يعتبر متبرعاً.

ص: 436

هذا ما قلته في هذا المجال.

ما أثاره فضيلته قال: إن البيع بشرط عدم نقل الملكية.. فهذا الموضوع هو ليس اشتراط عدم نقل الملكية بالمعنى الفقهي وإنما عقد بيع مع اشتراط عدم نقل الملكية رسمياً. فمثلاً إذا اشتريت عقاراً وتم العقد شرعياً ولكن البائع قال لي: لا أنقل لك الإجراء الرسمي إلا بعد أن تدفع لي المبلغ. وهذا البديل أجازه بعض الفقهاء حيث نص المالكية على أنه يجوز بيع شيء مع اشتراط منع المشتري من التصرف في العين المبيعة بأي نوع من أنواع التصرفات –معاوضة أو تبرعاً- حتى يؤدي المشتري الثمن كاملاً وإلا انفسخ العقد واعتبروه بمثابة الرهن. وهذا الرأي هو رأي ابن شبرمة، وابن تيمية وابن القيم والذين يصححون كل شرط إلا شرطاً خالف نصاً من الكتاب والسنة.

فأنا أبيع لك بيعاً صحيحاً ولكن لا أقوم بإجراءات نقل الملكية وأمنعك من أي تصرف ناقل للملكية. هذا هو المقصود. ولذلك أنا أضفت هذه الكلمة لما قرأت: عقد بيع مع اشتراط عدم نقل الملكية رسمياً أو عدم تصرف الناقل للملكية في المبيع إلا بعد سداد جميع الثمن المؤجل. وهناك لا يخفى على حضراتكم حتى عند الحنفية ما يسمى بخيار النقل.

ما قاله فضيلة شيخنا العلامة الشيخ الضرير في مسألة الصورة السابعة، قال إن هذا بيع العينة. أنا أود أن أقرأ على فضيلته وأنا لم أقر هذه الصورة وإنما انتقدتها انتقاداً شديداً. هذه الصورة السابعة وهي أن يقوم شخص أو مؤسسة كذا وكذا ثم كذا. قلت بالنص: وهذه الصورة لا تختلف عن الأولى والثانية إلا في شيء واحد وهو أن المستأجر هنا كان هو البائع للعين المؤجرة في حين أن المستأجر في الصور السابقة لم يكن له علاقة بها، وهل في ذلك ضير؟ وهذا الاختلاف قد يزيد الأمر تعقيداً من الناحية الشرعية، حيث يزيد من احتمال الحيلة، ومجرد التمويل بالمرابحة والتغطية لعملية ربوية تحت هذا المسمى، حيث هو أقرب ما يكون لبيع العينة من حيث المآل والمقاصد، رغم أن ندوة البركة أتت بجواز هذه الصورة لكن هذه الصورة صورة ربوية لا يجوز الرجوع إليها.

أكتفي بهذا القدر، وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 437

الرئيس:

نظراً لأهمية الموضوع وكثرة الذين طلبوا التعليق وانتهاء الوقت فأرى أن نستكمل المناقشة في هذا الموضوع في الجلسة الصباحية.

وبهذا ترفع الجلسة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الشيخ عبد الستار أبو غدة:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

لقد كفاني الإخوة الذين تكلموا فيما قبل كثيراً من النقاط التي كنت قد أثبتها للمداخلة فيها ولكنني أريد أن أبين بأن هناك علاقة وثيقة بين الإجارة المنتهية بالتمليك وبين صكوك التأجير.

ولعل الغرض من طرح هذا البحث أصالة هو تسليط الضوء على صكوك التأجير لأنها كما بين الإخوان صيغة مهمة جداً في الاستثمار الإسلامي تمكن الإنسان من استثمار أمواله لأي فترة يريدها في أنشطة كبيرة عظيمة الربح حيث يوجد ما يتيح له الاسترداد والتخارج والتداول. وصكوك التأجير لا تقوم إلا على أساس الإجارة المنتهية بالتمليك، لأن الصكوك من شأنها أن يضرب موعد لإنهائها أو كما يسمى لإطفائها. وهذا الإطفاء لا يتم إلا إذا كانت العين المؤجرة ستنتهي من حيث الإجارة وتصبح مملوكة للمستأجر حتى تنتهي هذه الصكوك. ولذلك فإنه من اللافت للنظر أن صكوك التأجير لم تحظ بما ينبغي لها في هذه الأبحاث حيث لم يهتم بها اهتماماً جيداً إلا الدكتور منذر قحف، وما جاء في بعض الأوراق الأخرى مثل فضيلة الشيخ المختار السلامي حيث إنه نوه بأهميتها ولكنه لم يخض فيها. ولذلك لابد من أن تكون هذه الصكوك محل عناية لأنها تشكل رديفاً لصكوك المضاربة التي عني بها المجمع وأصدر فيها قراراً جدياً كثير النفع انتفعت به المؤسسات المالية لأنه نظم ما يتعلق بالمشاركة والمضاربة والضمان وتوزيع الربح، والتنضيض الحكمي وغيرها من الأبحاث التي جاءت في هذا القرار رقم (5) للدورة الرابعة في صكوك المضاربة’. فإذا كان هناك اهتمام بصكوك التأجير سيكتمل نوعان من أهم صيغ الاستثمار الإسلامي. صيغة تقوم على الدوام، وصيغة تقوم على التأقيت والتحديد لموعد الاستثمار من حيث الدخول فيه والخروج منه نهائياً.

إن التكييف القانوني الذي تعرضت له الأبحاث للتأجير المنتهي بالتمليك بشتى صوره مملوء بالشوائب التي تخرجه عن مضمونه وتجعل هناك تداخلاً عجيباً بين أحكام البيع وأحكام الإجارة. وهذا التكييف القانوني لا يلزمنا نحن الشرعيين لأننا نواجه كثيراً من الصيغ التقليدية فنزيل منها ما كان مخلاً بقواعد الشريعة ونلحق بها ما كان مطلوباً وجوده فيها من الضوابط الشرعية، فمثلاً هناك عمليات التسهيلات كانت تتم في البنوك التقليدية بالإقراض الربوي وحده، فلما أخذت البنوك الإسلامية هذه الصيغة جردتها من هذا المفهوم الربوي المحرم، وجعلت التسهيلات تقوم على البيوع المؤجلة والتأجير المؤجل الأجرة أو المقسط الأجرة وغير ذلك.

كذلك خطابات الضمان (الاعتمادات المستندية) كان فيها كثير من الشوائب، فالمؤسسات المالية الإسلامية من خلال هيئاتها الرقابية الشرعية لم تلتزم أو لم تلزم بالتكييف القانوني الذي فيه كثير من المخالفات.

ص: 438

أيضاً التأجير المنتهي بالتمليك حينما استخدمته المؤسسات التقليدية استخدمته ذريعة للفرار من الإلزام الضريبي، لأن الضرائب في التأجير أخف من هذا في المملوكات لأن المستأجر يدفع أجرة، وهذه الأجرة تعتبر عبئاً عليه فيحظى بتخفيف ضريبي، فبدأت المؤسسات التقليدية تفر من البيع بالتقسيط إلى التأجير المنتهي بالتمليك، لذلك حصل التردد بين البيع والإجارة، والسلطات الضريبية وضعت كثيراً من الضوابط لإزالة هذا التحايل أو هذا التملص من العبء الضريبي. هذا الأمر أيضاً لا مجال له ليؤثر على التكييف الشرعي بأن التأجير المنتهي بالتمليك يظل إجارة وتطبق عليه جميع أحكام الإجارة من التزام المؤجر بتقديم المنفعة وبقاء هذه المنفعة صالحة للاستخدام من خلال التزامه بالصيانة الأساسية، وإذا كان هناك تأمين فهو يتحمل تكلفة التأمين، ولا مانع من أن يراعي ذلك أو هذين الأمرين في تحديد الأجرة لأنه يحصل عليها بصفتها أجرة وليس بصفتها تحولاً عن التزاماته وإلقاءً بها إلى الطرف الآخر لأن المستأجر يدفع الأجرة والمؤجر يلتزم بالمنفعة، فإذا حمل الصيانة للمستأجر كأنه جمع بين العوض والمعوض لم يقدم شيئاً وأخذ كل شيء.

أيضاً ما يثار على وجود البيع والإجارة، البيع ليس هو الطريقة الوحيدة لإنهاء الإجارة فإنها قد تنتهي بالهبة سواء كان بوعد يتلوه إبرام عقد هبة، أو كان بهبة معلقة يقع أثرها بعد حدوث ما علقت عليه. فإذن التأجير المنتهي بالتمليك ليس بالضرورة أن يجتمع مع البيع، وحتى لو كان هناك البيع فإنه يكون وعداً ولا يكون بيعاً مضافاً للمستقبل ولا بيعاً مزاحماً لعقد الإجارة.

تساءل فضيلة الشيخ المختار عن مدى أهمية الصكوك. الحقيقة أن الصكوك مهمة جداً وقد حصل تطبيقها في بعض البلاد الإسلامية، في ماليزيا استحدثت كثير من الصكوك لتأمين استمرارية المرافق وإيجاد السيولة المالية التي تحتاج إليها، وفي دولة البحرين أيضاً هناك محاولات جادة برعاية الأمانة العامة للمجمع لإيجاد شتى أنواع الصكوك لتأمين الموارد والمرافق الأساسية وتمكين المستثمرين من توظيف أموالهم في استثمار مرن يتيح لهم الحصول على السيولة عند الحاجة.

طرحت بعض الأفكار لتصحيح التأجير المنتهي بالتمليك بأنه ينبغي أن تراعى أجرة المثل وأن يراعى في البيع ثمن المثل. هذه المراعاة ليس عليها إلزام شرعي وإنما قد تكون من باب الرفق بالمستأجر أو الرفق بالمشتري، ولكن ليس هناك إلزام لمن يؤجر أو لمن يستأجر بأن يراعي أجرة المثل. أجرة المثل يرجع إليها حين فساد تحديد الأجرة، أو حين التغرير والتدليس، أو في مجال الأوقاف حتى لا تضار الأوقاف من تصرفات بعض النظار بأن يؤجروا مستغلات الوقف بأجرة زهيدة لمن يحابونهم.

وإن في طبيعة التأجير المنتهي بالتمليك أن تكون الأجرة أكثر من أجرة المثل لأن هذا يتلاقى مع رغبة المستأجر في التملك، فإذا رغب أن يتملك هذه العين المؤجرة في سنتين فإن الأجرة قد تكون كبيرة أكثر مما لو رغبت أن يتملكها في أربع سنين أو خمس سنين. فهذا شيء دخل عليه المستأجر برضاه وله أمل وتوقع بأن يتملك في وقت محدود وقصير ولكن إذا حصل ضير على هذا المستأجر بأنه فات عليه التملك لأمر لا تدخل له فيه لسبب سماوي هذا ما يسمى (مسألة فوات التملك) فإن هناك حلاً انتهت إليه اللجنة الشرعية لهيئة المحاسبة استئناساً بمبدأ الجوائح بأنه إذا فات تملك المستأجر للعين المؤجرة بسبب لا يد له فيه فإنه يعاد النظر في الأجرة التي دفعها والتي تكون غالباً أكثر من أجرة المثل فترد إلى أجرة المثل تحقيقاً للعدالة ومراعاة للظروف الطارئة التي صدر فيها بعض القرارات الشرعية.

ص: 439

أخيراً أريد أن أنوه بما جرى التنويه به أكثر من مرة بأن هذا الموضوع بحث في المجمع وصدرت فيه قرارات مؤكدة ومؤيدة، ويبدو أن إعادة طرحه ما هي إلا للتوطئة لصكوك التأجير التي هي المطلب الأساسي والملح والذي كما قلت هناك تلازم بينه وبين التأجير المنتهي بالتمليك، فكان لابد من استعراض أحكام الإجارة لترشح هذه الأحكام في صكوك التأجير ويستفاد منها في تنفيذها وتطبيقها وتوزيع عائدها إلى آخر ما هناك ومن هذه الأمور المهمة.

في موضوع شراء العين من العميل وتأجيرها إليه كيف تكون هذه عينة؟! العينة لا تكون إلا في البيع بأجل والشراء بثمن حال حيث تكون السلعة رجعت إلى مالكها فوراً وكما قال ابن عباس: (أرى دراهم بدراهم بينهما حريرة) ، لكن هنا إذا كان العميل لديه عين يستخدمها واحتاج إلى السيولة فبدلاً من أن يستقرض بالفوائد الربوية يتخلى عن هذه العين ويلجأ إلى الإيجار، لأن الإيجار يكلفه بعبء أقل من الثمن الباهظ الذي هو كامن في هذه السلعة فيحصل على هذه السيولة ثم يستأجر هذه العين إيجاراً يكون فيه سنوات فكيف تتحقق العينة؟ والهيئات الشرعية التي أجازت هذا النوع من التأجير المنتهي بالتمليك اشترطت مرور فترة لا تقل عن سنة، وهذا مما يفقد العينة مفهومها وجوهرها وهذا ما عبر عنه الفقهاء بأنه حوالة الأسواق إذا تخلل بين البيعتين في سلعة واحدة بين طرفين فترة تحصل فيها حوالة الأسواق أو تتغير فيها العين، فهنا العينة من هذه الصورة.

هذا ما أردت إضافته، والله أعلم.

الرئيس:

يعني تكون عينة بلا حريرة.

ص: 440

الشيخ أحمد بن سعود:

بسم الله الرحمن الرحيم

شكراً سماحة الرئيس شكراً مقرونا بالتهنئة على تجديد العهد لكم، والشكر للعلماء الباحثين على بحوثهم القيمة المعمقة في هذا الموضوع المهم والحساس.

من المعلوم أن التأجير من الأمور المهمة في حياة الناس اليوم حيث إن حركة الحياة قائمة ومعتمدة إلى حد كبير على عملية التأجير دوراً وآلات. ولكن كيف تنقلب العملية التأجيرية إلى ملك؟ طبعاً لا يتصور ذلك إلا أن يكون ذلك بيعاً أو هبة، والبيع سواء كان بيعاً مساوياً أو رمزياً فالجميع بيع. بيد أنه لا بد من تأصيل الإجارة، هل هي بيع أم غير بيع؟ فإذا كانت الإجارة بيعاً فإن العقد يكون مشتملاً على بيعتين في بيعة وهو منهي عنه طبعاً. وإما أن تكون الإجارة ليست ببيع عقد مستقل. وإذا كان عقد البيع قبل انتهاء مدة الإجارة فلا يؤمن من أن تدخله الجهالة ويدخله الغرر أيضاً، بل إن الجهالة لازمة ومتحققة في المبيع نظراً لعدم التيقن من الصفة التي سيؤول إليها المبيع بعد انتهاء مدة الإجارة. أما إذا كان البيع بعد الإجارة فإنه بيع مستقل ولا يمكن أن يعبر عنه بالتأجير المنتهي بالتمليك، وإن كان هناك قول بتردد الإجارة بين المضاربة والبيع كما هو عند الإمام ابن بركة العماني في كتابه (الجامع) حيث ذكر بأن فيها شبهاً بالمضاربة وشبهاً بالبيع. وهذا القول لم أجده لغيره في كتب المذهب عندنا ولا أدري هل هو موجود عند علماء المذاهب الأخرى أم لا؟ بالقول بتردد الإجارة بين المضاربة والبيع.

الظاهر أنه ليس هناك عقد يمكن أن ينزل عليه عقد التأجير المنتهي بالتمليك اللهم إلا أن يقال بأنه عقد جديد وبالتالي ينظر في إنشاء حكم له.

هذا ما أردت أن أقوله، وشكراً لكم، والسلام عليكم.

ص: 441

الدكتور محمد علي القري بن عيد:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله نحمده ونصلي ونسلم على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه.

لعلي أبدأ أولا بتقديم الشكر للباحثين الأفاضل على هذه البحوث المتميزة، والثناء على عرض فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي الذي جاء جامعاً لآراء الباحثين ومقترحاتهم وأفكارهم. ثم أقول: إن العقد المسمى (الإيجار المنتهي بالتمليك) هو اجتماع البيع والإجارة لاشك في ذلك، ولا طائل من وراء السعي لإثبات أنه إجارة فحسب تضمنت وعداً بالبيع أو خياراً بالشراء أو ما إلى ذلك، إذ لا يمكن أن نفسر حقيقة أن هذا المستأجر –في العقد- يدفع مبلغ أجرة يعلم تمام العلم أنها تزيد كثيراً على أجرة المثل وأجرة السوق، إنما يفعل ذلك لعلمه أن الزيادة فيها هي دفعات مقدمة من الثمن، ولا يمكن أن نفسر حقيقة أن أصلين متماثلين يؤجران بأجرة شهرية مختلفة إلا إذا عرفنا أن مدة الإجارة بينهما مختلفة فنعلم أن تلك المدة هي أجل دفع الثمن، فاختلفت الأجرة الشهرية بناء على ذلك لأنها تتضمن قسطاً من الثمن. كل ذلك يدل على انعقاد البيع والإجارة في اتفاقية واحدة. هذه هي مشكلة هذا العقد، وما خلا ذلك من تفاصيل يمكن أن يقوم العقد بدونها ويبقى إجارة منتهية بالتمليك.

والجمع بين البيع والإجارة يختلف عما نهي عنه من بيع وسلف، لأن البيع متضاد متناقض مع السلف، أحدهما يجوز فيه الربح والآخر لا يجوز، فإذا اجتمعا أفضى اجتماعهما إلى الربا حيث تكون الزيادة في القرض جزءاً من ربح البيع. أما ما نحن بصدده فليس بين هذين العقدين –أي البيع والإجارة- تناف أو تضاد، والاسترباح في كليهما جائز، فإذا وقع على محلين مختلفين لم يعد للقول بالمنع وجه. ومعلوم أن البيع واقع على الرقبة. وأن الإجارة واقعة على المنافع، فإن قيل: إذا كان بيعاً حقيقياً لم يستحق المؤجر الأجرة بل هي للمشتري الذي انتقل إليه الملك بالبيع وهو المستأجر في هذا العقد. فلماذا يستمر المؤجر في قبض الأجرة؟ فالجواب عن ذلك أنه بيع مضاف إلى المستقبل، وقد أجاز بعض الفقهاء كابن تيمية –رحمه الله هذا البيع. ونحن نعلم أنه يجوز لمؤجر عين أن يبيعها إلى طرف ثالث لأن محل عقد الإجارة هو المنافع التي وقع بيعها للمستأجر، ومحل عقد البيع هو الرقبة التي لم تزل ملكاً له. عندئذ يستحق المالك الجديد الأجرة إذا كان عقد بيع ناجز وليس في ذلك تناف أو تضاد بين العقدين. فإذا باع الرجل منافع الأصل لآخر في عقد إجارة ثم باع الرقبة إليه في عقد بيع مضاف لزم أن يكون ذلك جائزاً لعدم التضاد، واستحق المؤجر الأجرة في المدة.

والعقود التي يتعامل بها الناس اليوم لا تكاد تخلو من التركيب واجتماع العقود، وأكثر ما يجتمع في معاملات الناس البيع والإجارة، إذ قليلاً ما يكون العقد بيع محض أو إجارة محضة. يأتي الرجل ليسكن في فندق كهذا الذي نحن فيه فتراه يوقع على عقد جامع لإجارة الغرفة ولبيع الطعام وما إلى ذلك. ويشتري الواحد منا جهاز الكمبيوتر فيدفع مبلغاً من المال جزء منه ثمن الجهاز وجزء منه أجرة لدورة تدريبية عليه، ويدخل الفرد المستشفى فإذا هو يدفع أجرة الطبيب وثمن الأدوية على عقد بيع، وهذا هو أمر اشتراك الناس في الكهرباء والهاتف وعقود الصيانة وما إلى ذلك. وفي كل الأحوال فإن مقدار الأجرة معروف ومستقل عن أثمان الأشياء وإن اجتمع العقدان في اتفاقية واحدة، وهذا ما يجب أن يكون عليه عقد الإيجار المنتهي بالتمليك لأن قواعد العدل تقتضي أن تترتب للمستأجر حقوق خاصة بالمنافع بناء على عقد الإجارة وحقوق خاصة بملكية الأصل مستمدة من عقد البيع المضاف مادام أن يدفعه شهرياً يتضمن أجرة ويتضمن قسطاً من الثمن لأن الملك لم يتحقق. وليس مقبولاً أن يقال بأن تلك كانت أجرة تراضى عليها الطرفان مع العلم باختلافها عن أجرة المثل.

والله أعلم، وشكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 442

الشيخ وهبة الزحيلي:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

فمما لاشك فيه أن الإجارة المنتهية بالتمليك والأصح أن يفصل كل واحد منهما عن الآخر وإن اشتركا في التسمية عملاً بأصل النشأة عن القواعد والأنظمة الغربية، وقد نشأ هذا العقد في بريطانيا قبل غيرها من البلدان. هذا التعاقد في الحقيقة أصبح أداة استثمارية ناجحة طويلة الأمد في المصارف الإسلامية، وجرى العمل به ولم يعد هناك أي إشكال –في تقديري- حول تكييف هذا العقد.

أما الذين يمنعونه فإنهم يتأثرون بالصورة الأصلية التي نحن نكاد نتفق على منعها وهي أن ينضم البيع إلى الإجارة ويكون هناك عقدان في عقد واحد.

ينبغي أن نفصل بين هذه الصورة الممنوعة وبين التكييف، والتعديل الذي أدخلناه على هذه الصيغة من الناحية الإسلامية.

نتيجة البحث في هذا الموضوع يتبين أن للإجارة التمليكية تسع صور ثلاثة منها ممنوعة، وستة منها غير ممنوعة بل هي جائزة بالتأكيد. فالممنوع منها: أن ينضم عقد البيع إلى الإجارة، وهذا في الحقيقة لا يخالف فيه أحد. وكذلك يمنع حالة البيع المعلق على شرط أو البيع المضاف إلى وقت في المستقبل في رأي جمهور العلماء. والصورة الثالثة الممنوعة هي ما ذكره أخيراً الدكتور عبد الستار أبو غدة وهي قضية بيع الشيء للمؤجر الأصلي بعد مدة من الزمان، فهل هذا من قبيل العينة أم لا؟ الغالب في الدراسات أن مثل هذا العقد يكون ممنوعاً تحاشياً من الوقوع في النهي عن بيع العينة.

فهذه الصور الثلاث هي الممنوعة. وأما ما عدا ذلك في الصور الستة الباقية فهي في الواقع جائزة خصوصاً أن عقد الإيجار يبدأ بشكل واضح كامل المعالم ومستقل سواء بأجر المثل أو بأكثر من أجر المثل فهذا متفق عليه، وسواء أكان البيع في نهاية الأمر بثمن رمزي أم بسعر السوق أم بهبة كل ذلك أيضاً لا مانع منه.

ص: 443

حينئذٍ ينبغي أن نصل إلى نتيجة في هذا الموضوع وهو أن هذه الإجارة انضم إليها وعد، ونحن لنا قرار سابق في أن الوعد المنضم إلى المرابحة لا مانع منه وأنه وعد ملزم، كذلك هنا أيضاً لماذا هذا التخوف ونحن لنا قرار سابق في قضية الوعد الذي ينضم إلى عقد آخر مقرراً وهو من العقود المعروفة؟.

إذن كل الصور التي لا تتصادم مع النصوص الشرعية أو مقتضى العقد أو الأصول التي رجحها جمهور العلماء فهذه لا مانع منها. أؤيد إذن ما تفضل به الإخوة الكرام والقضية ليست أن كل متحدث ينبغي أن يضيف جديداً لأن المهم أيضاً أن تتكاثر الأصوات وتبين أرجحية الاتجاه والميل إلى التكييف والجواز أو المنع منه، فأنا أؤيد كل ما ذكره فضية الشيخ محمد تقي العثماني من قسمة هذا العقد إلى قسمين: ممنوع وجائز، وهذا هو رأيي، ولي بحث في هذا الموضوع.

ثم أضيف إلى ذلك أنه ما دام العقد جائزاً في الصور التي ذكرتها فيكون حينئذ قضية تحمل الضمان وقضية التزامات الصيانة هي على المؤجر وليست على المستأجر. فأنا أستغرب أن بعض الإخوة جنحوا إلى أن هذه الالتزامات تكون على المستأجر، فبأي حق؟ القواعد الشرعية كلها تتنافى مع هذا الاتجاه، وحينئذٍ إذا ضمت مثل هذه الشروط تفسد العقد بدون شك وتجعل العقد حينئذ داخلاً في دائرة الحظر وليس في دائرة الجواز.

ما يتعلق بصكوك الإجارة، الحقيقة هذا الذي أريد أن أضيفه وهو أن صكوك الإجارة ينبغي أن نذكر كون هذا الصك ينبغي أن يعمل به فيما يملكه المؤجر وذلك ما دامت مدة الإجارة باقية، فإن انتهت مدة الإجارة فحينئذٍ تكون هذه الصكوك غير مشروعة ولا يصح الاعتماد عليها. وأخشى من كون جعل الأجور داخلة في صفة صكوك أن تتداول بغض النظر عن انتهاء المدة أو بقائها، وحينئذ نقع في المحظور بالتأكيد.

أيضاً قضية البيع الرمزي أو الهبة في نهاية العقد هذه داخلة تحت مبدأ التراضي الذي تقوم عليه كل العقود في الفقه الإسلامي، وأن الأصل تراضي الطرفين ما لم يكن هناك مانع أو تصادم مع أصول الشريعة من النصوص أو مقتضى العقد أو أنه يؤدي إلى مساس بالربا أو بالغرر.

فيما يتعلق بموضوع الإجارة بأجر المثل أو بأكثر من أجر المثل هذا داخل تحت قاعدة التراضي، وما دام المتعاقدان قد اتفقا على هذا النحو فينبغي ألا يكون هناك أي حظر أو تشكك في هذا الموضوع.

إذن خلاصة الأمر أن الذين اتجهوا إلى منع هذا العقد إنما هم يتجهون إلى ما نتفق عليه أو اتفقنا عليه من الصور الممنوعة، وأما الصور التي لا تدخل في دائرة الحظر أو دائرة المنع فهذا هو الذي ينبغي أن يضاف في هذه الدورة، وحينئذٍ القرارات السابقة في هذا الموضوع هي في الحقيقة قرارات ضعيفة لا تدل على الجواز بالصورة التي ينبغي أن يصدر عنها القرار في هذه الدورة.

وشكراً، والله أعلم.

ص: 444

الشيخ ناجي شفيق عجم:

بسم الله الرحمن الرحيم

سبقني بعض الإخوة إلى بعض ما كنت أريد أن أقوله ومع ذلك أرى أن هذا العقد أشد على المتمول من المرابحة. ففي المرابحة الآمر بالشراء يملك السلعة رقبة ومنفعة، ملكية تامة، والمستأجر هنا ملكيته ناقصة يملك المنفعة فقط فضلاً عن أن المستأجر قد يعجز عن دفع بقية الأقساط، وهذه الأقساط في الغالب الشائع أكثر من أجرة المثل. أقول: المقصود من اللجوء إلى هذا العقد – الإيجار المنتهي بالتمليك الذي هو بدل للبيع بالتقسيط- المقصود هو حماية رأس المال للممول وحماية ربحه.

هناك بدائل شرعية كثيرة تحمي حق الممول وربحه، وكذلك حق المتمول، ويتحقق هدف الطرفين منها أخذ الرهن من المشتري، أو رهن نفس العين المباعة عند البائع، أو أخذ كفالة، أو الشركة المنتهية بالتمليك، أو يؤخر البائع نقل الملكية الرسمية للعقار مثلاً، ريثما يتم دفع جميع الأقساط. هذا العقد أراه مفضلاً لحماية أحد طرفي العقد، وهو المؤجر أو المؤجر (الممول) ، من المخاطرة. والمستأجر هو الذي يتحمل المخاطرة أكثر من الطرف الآخر، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن. فأرى أن العدل هو من مقاصد هذه الشريعة. والغبن والظلم على أحد طرفي العقد.

والله الموفق.

الشيخ صالح المرزوقي:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

بعد شكر الله سبحانه وتعالى أشكر رئاسة المجلس وأمانته كما أشكر الباحثين على بحوثهم.

موضوع الإجارة المنتهية بالتمليك اطلعت على ما عرضه فضيلة الشيخ السلام في بحثه القيم ونقل فيه رأي بعض المشايخ الأفاضل منهم فضيلة الدكتور حسن الشاذلي، حيث ذكر أن له تصورات خمسة أو أن له صوراً خمسة، أحدها أن ينتهي عقد الإيجار بتملك العين المستأجرة مع آخر قسط ولم يرتض هذه الصورة، وقدم لها بديلاً وهو بيع العين المؤجرة مع تقسيط الثمن والحجر على المشتري في التفويت في المبيع قبل سداد جميع الأقساط. وفي نظري أن هذه الصورة مقبولة شرعاً. ثم قال فضيلته –والكلام للشيخ حسن الشاذلي-: أو أن تتم صياغة العقد على أساس أن ينتقل التملك للعين بهبتها للمستأجر هبة معلقة على سداد آخر قسط أو على أن يعده بالهبة، والوعد بالهبة ملزم.

أقول: إن اللجوء إلى تسويغ العقد بالهبة لا يستقيم لأن القول بالهبة هو أسلوب من أساليب التحايل على تسويغ عقود غير جائزة، فصاحب العين المؤجرة لا يقصد هبتها، والهبة لا تكون هبة إلا إذا كانت خالصة لوجه الله الكريم أو تكون هبة بعوض وهذه تأخذ أحكام عقد البيع. ومن أين لرجال الأعمال والمصارف الإسلامية أو غير إسلامية أن يهبوا أعيانهم؟.

الصورة الثالثة: أن ينتهي عقد الإيجار ببيع العين المؤجرة بثمن حقيقي، وهذه يرى جوازها. وهذه الصورة إذا لم يكن متفقاً عليها عند عقد الإيجار فلا بأس بها شرعاً، ولكنها لا تحل مسألة الإجارة المنتهية بالتمليك.

الصورة الأخرى: أن ينتهي عقد الإجارة بتخيير المستأجر بين مدة الإجارة أو شراء العين أو ردها على صاحبها. وهذه الصورة لم يظهر لي معالجتها لمسألة الإجارة المنتهية بالتمليك، فهذه واضحة الصحة.

ص: 445

ونقل الشيخ السلامي رأي فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه، وملخصه أن هذه المعاملة على الصورة التي تتم بها لا تشبه العقود الجائزة ولا يمكن أن تكون جائزة إلا إذا تمت على أساس أن يكون عقد الإيجار حقيقياً ومعه بيع بالخيار مؤجلاً. وهذا القول أجدني أوافقه عليه.

ثم عقب على قوله السابق فقال: أو أن يلحق عقد الإجارة، يعني إجارة مع الوعد بالبيع. وهنا لم يوضح فضيلته حكم البيع من حيث لزومه أو عدم لزومه، وهل هذا الوعد ملزماً أم لا؟. وأقول: إذا كان ملزماً فهو عقد بيع مع إجارة فوقعنا في الصورة التي منعها فضيلته.

أما الشيخ التسخيري فقد صور المعاملة بصورتين:

الأولى: أن تقوم المؤسسة ببناء مساكن ثم تؤجرها على أن تنتهي الإجارة بتمليك المستأجر للمسكن بمجرد أن يتم دفع أقساط الإيجار. والسؤال هنا: ما هو محل العقد في هذه المعاملة؟ لأنه كما لا يخفى على فضيلته أن كل عقد من العقود له أركان وشروط. فمحل عقد البيع العين المبيعة والثمن، فهل يصح أن يقع البيع والإجارة وهما عقدان على محل واحد؟ هذا لا يصح فيما يظهر لي، فالمعاملة إما أن تكون بيعاً مستوفياً لأركانه وشروطه، وإما أن تكون إجارة مستوفية كذلك لأركانها وشروطها، ولا يمكن أن يقع العقدان على عين واحدة في وقت واحد.

والصورة الثانية التي ذكرها الشيخ التسخيري: أن يعجز عن إتمام بناء بيته فيبيعه للبنك شريطة أن يتم البنك بناءه ثم يؤجره له، وعند تمام الأقساط التي هي ما أنفقه البنك على إتمام البناء مضافاً إليها أرباحه يعود البيت ملكاً للمستأجر. وهذه الطريقة مملوءة بالمشاكل فهل يصح أن يبيعه بيته ويشترط أن يؤجره له، إلى آخره؟.

أورد الشيخ السلامي حديث بيع الجمع بالدراهم ولم يبين لنا وجه الدلالة من الحديث المذكور في موضوع الإجارة المنتهية بالتمليك، ولم يظهر لي وجه الدلالة.

ومما ذكره الشيخ السلامي أن يهبه بعد تمام عقد الإجارة، وقال: يجوز أن يجتمع عقد البيع والإجارة، واستشهد بما نقله عن المدونة، فقال: أرأيت إن اشتريت عبداً واستأجر راحلة؟ أقول له: إن هذا الاستشهاد أو هذا النقل عن المدونة لا يحقق المراد لأن هذه الصورة عينان، والعقد وقع على عينين، عين مبيعة وعين مستأجرة، ولم يقع العقدان على عين واحدة.

وفي الختام أرى أن يصدر المجمع قراراً" في هذه الدورة في عدم جواز الإجارة المنتهية بالتمليك في صورة الجمع بينهما أو في حالة تعليق البيع على أجل أو هبة العين المؤجرة.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد.

ص: 446

الشيخ عبد الله بن بيه:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

من الصعب أن يأتي المرء بجديد بعد كل ما قيل في هذه القضية.

أعتقد أن الإشكال واضح وهو وقوع العقد على جهالة تتمثل في التردد بين أن يستطيع المستأجر الوفاء فتكون العين مملوكة له، أو لا يستطيع الوفاء فتفوت عليه الملكية وتضيع الأقساط التي هي في حقيقتها أقسام بيع وليست أقساط إجارة. هذه العقدة هي المشكلة في الحقيقة. إننا أمام تردد في حالة الجمع بين عقد البيع والإجارة.

أتفق مع الدكتور الصديق بأن البيع والإجارة لا يتواردان في نفس الوقت على عين واحدة ولكن البيع قد يرد على الإجارة. بمعنى أن الإجارة إذا تمت فيمكن بيع العين المؤجرة على خلاف بين العلماء، هل بمجرد البيع تنفسخ الإجارة أو لا تنفسخ؟ وإذا بيعت العين إلى المستأجر هل يتمتع بالأجرة أو يرد الأجرة إلى بائع على القول بالثنيا التي يقول بها المالكية في الدار السنة والسنتين؟ وذكر كل ذلك (المعيار) للونشريسي. إذن هذه العقد يجب أن نتجاوزها سواء بإجارة حقيقية ثم بيع خيار لاحق، وهذا أعتقد أنه ممكن.

نقطة أخرى وهي أن نوصي المستثمرين أو المتعاملين بهذه المعاملة ألا يستغلوا الناس استغلالاً بشعاً، فقد استغلوا ذوي الحاجات فكثرت الديون وكثرت الخصومات، والجانب الآخر الاجتماعي لهذه المشكلة أيضاً.

بالنسبة للنقطة الأخيرة وهي التي تهمني، لأن قضية الإجارة المنتهية بالتمليك قيل فيها الكثير، ولم يترك الشعراء من متردم كما قال الشاعر القديم. صكوك التأجير. صكوك التأجير كما فهمتها، ومثال ذلك: إذا باع بائع عيناً لشخص ودفع هذا الشخص الثمن ثم استأجرها منه، وظل هذا البائع كما كان واضعاً يده على هذه العين يستغلها، ويدفع أقساط إيجار ثم في نهاية المدة رد ذلك الثمن الذي كان قد دفعه على ذلك الشخص واسترد الملكية التي لم تخرج من ملكيته أصلاً. فهذه الصورة واضح جداً أنها ربا. وهي في الحقيقة دفع مالٍ ليسترد أقساطاً هي الأرباح المعروفة في البنوك التقليدية لا أكثر ولا أقل، فبعد ذلك رد إليه الثمن وبقي الأمر كما كان. وقد أريت الإخوة أن الزرقاني نص على هذه الصورة بعينها وقال: هذا هو الربا الذي لا خلاف فيه. ولعل الدكتور عبد الوهاب يشهد لي ويشهد على هذا. فهذه قضية صكوك الإيجار التي سقطت، وكأنها سقطت من السماء حل جديد وحل إسلامي، ليست إسلامية، هي قضية البنوك التقليدية كمثل مسألة جبر الأضرار بالنسبة للمدين المماطل. إتباع هذه البنوك حذو القذة بالقذة.

فأرجو أن نراجع أنفسنا، هناك وسائل كثيرة للتمويل في الحقيقة نعتقد أنها متاحة ويمكن أن نلجأ إليها وألا نحاول دائماً بجبر أنفسنا للدخول في مضائق لا نستطيع أن ندخلها. وشكراً.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 447

الشيخ سعود الثبيتي:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.

شكراً معالي الشيخ لإتاحة الفرصة ثم الشكر للباحثين الذين قدموا هذه الأبحاث، ولسماحة الشيخ السلامي على عرضه المميز الذي أوضح كثيراً مما يتعلق بموضوع البحث في عرضه.

وفي الحقيقة عندي بعض الأسئلة لعل الإجابة عليها تزيل ما علق بذهني من التشوش من بعض البحوث التي قدمت والتي يسعى كاتبوها إلى تحليل صور الإجارة المنتهية بالتمليك. وهذه الإشكالات التي وجدت عندي بعد قراءة هذه البحوث هي إشكالات متعلقة ومقترنة باقتران عقد الإجارة المنتهية بأمور منها. فالإجارة المنتهية بالتمليك يقترن بها أمور خارجة عن العقد:

أمر التأمين، وأمر التأمين فيه ما فيه مما صدر عن مجمع الفقه سابقاً، وهو التأمين التجاري.

ثم أمر الدفعة الأولى التي تدفع في أول عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، فكيف تكون الدفعة الأولى والأمر إجارة؟

ثم أمر الصيانة. نحن نعلم أن صيانة الملك على مالكه وتلفه إذا تلف عليه، فكيف يكلف المستأجر بالصيانة؟ إلا إذا كانت الصيانة التشغيلية البسيطة مثل تغيير المصابيح أو أشياء بسيطة يسيرة تذهب بالاستعمال هذا أمر آخر.

بودي أن نميز بين الصور التي ذكرت. فصورة الإجارة المنتهية بالتمليك التي جعلت من الصور وهي أن يخير المستأجر بين تمديد الإجارة وبين البيع وبين فسخ العقد، هذه لا تدخل في صور الإجارة المنتهية بالتمليك لأن كل عقد إجارة يتطبق عليه هذا ولا سيما إذا كانت الأجرة بأجرة المثل، شريطة أن تكون الأجرة بأجرة المثل.

وأما بقية الصور فهي مشتركة في هذه الأمور التي اقترنت بها. أما ما هو داخل في عقد الإجارة المنتهية بالتمليك فعدة أمور ومحظورات منها:

الأمر الأول: الزيادة في الأجرة عن أجرة مثل العين المؤجرة، وفي هذا غبن إذا لم يتم التمليك والبيع لسبب من الأسباب إما تلف العين المؤجرة بآفة سماوية أو بأثر من المستأجر أو بتغير صفاتها تغيراً لا يجعلها قابلة للبيع.

الأمر الثاني: إذا تم عقد البيع عند أول المعاملة –وأرجو أن نركز على هذا الجانب- فهل صفة المبيع معلومة عند نهاية مدة الإجارة؟ لاشك أن الاستعمال مؤثر في الصفة، ونحن نرى أن كثيراً من الأشياء التي تستأجر وخصوصاً في السيارات، فالموديل الواحد قد تتغير صفته بسبب الاستعمال من شخص إلى شخص، فشخص تبقى معه السيارة لمدة عشرين سنة وشخص آخر لا تستمر معه أكثر من سنة أو سنتين، وهذا مؤد لجهالة المبيع، وجهالة المبيع سبب في فساد البيع، إذ أن شرط البيع أن يكون معلوماً للمشتري وللبائع إما برؤية وقت العقد أو بصفة متقدمة على الرؤيا بزمن لا يتغير فيه المبيع غالباً ولاشك أن مدة الاستعمال تغير المبيع غالباً وفي هذا الأمر غرر وجهالة، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر والجهالة. فللاستعمال أثر في صفة العين وتغيرها بل في تلفها أحياناً.

ص: 448

لو رجعنا إلى مقتضى العقود والشروط المصاحبة للعقود، نحن نعلم أن الشروط التي تشترط في العقود تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

-شرط من مقتضى العقد، وهذا لا أثر له.

-وشرط ليس من مقتضى العقد ولكنه من مصلحة أحد العاقدين، وإذا كان من مصلحة أحد العاقدين وهو لا يخالف مقتضى العقد فهو صحيح ومشروع.

الشرط الثالث ما كان كافياً لمقتضى العقد، وهذا الشرط إما مبطل للعقد أوباطل في ذاته والعقد صحيح عند البعض.

فلو تعرضنا لعقد الإجارة ومقتضاها، مقتضى الإجارة ثبوت الأجرة واستحقاقها للمؤجر بعد مضي المدة، وإذا تلفت العين المؤجرة أو لم يمكن الانتفاع بها أو نقصت منفعتها نقصاً بيناً تنفسخ الإجارة فيما بقي من المدة ويرد المؤجر قسط الإجارة الذي لا يستحقه على المستأجر، وصيانة العين المؤجرة على المالك، وتلفها من ضمان المالك إلا إذا كان بسبب تعد أو تقصير من المستأجر.

ومقتضى عقد البيع انتقال ملك المبيع للمشتري، وانتقال الثمن إلى ملك البائع، ومن ملك شيئاً وقبضه ضمنه وله التصرف فيه تصرف الملاك لا يمنعه من ذلك شرط يخالف مقتضى العقد، إلا إذا جعلا لمبيع رهناً في الأقساط المتبقية فليس له بيعه والتصرف فيه بتصرف ناقل للملكية وهذا هو الحل المناسب في مثل هذه الصورة.

إذا جعل الخيار للمستأجر في بعض الصور برد العين أو استئجارها أو شرائها كما قلت سابقاً حسب سعر السوق، فهذه ليست من الإجارة المنتهية بالتمليك إذا كانت الأجرة بأجرة المثل حيث لا تمليك وإنما خيار في أمور مثل إيجار جديد أو بيع أو فسخ العقد.

إذا كان ثمن العين محدداً حين عقد الإجارة أو عند العقد فهذا فيه غرر حيث إن صفة المبيع غير معلومة عند انتهاء المدة كما قلت سابقاً. أما الذين لم يحدد الثمن عند أول عقد الإجارة بل عند آخرها فلا يكون بيعاً إلا بشرط العلم بالثمن والمثمن وهذا فقد للعلم بالأمرين. والحل أن يجعل وعداً بالبيع حين انتهاء مدة الإجارة بسعر السوق أو ما يتفق عليه المتعاقدان.

فكل من عقدي البيع والإجارة له آثار ومقتضى لا يصح اشتراط ما يخالفها، فإن كان شرط يخالف مقتضى العقد بطل.

هناك عدة أمور يمكن أن تكون بدائل، وبدائل مباحة لهذه الصورة الملفقة، وأول هذه البدائل: البيع بالتقسيط، وانتقال ملكية المبيع للمشتري، ورهن المبيع في ثمنه عند البائع حتى يتم السداد. أو أمر الضمان والكفالة في الثمن، أو تأجيل عقد البيع حتى نهاية عقد الإجارة والمواعدة على ذلك بثمن المثل يوم البيع شريطة ألا يزاد في الإجارة عن أجرة المثل وإلا كان غبناً بيناً وأكلاً لأموال الناس بالباطل. وكثيراً ما يلجأ في بعض الهيئات أو غيرها إلى محاولات تحليل بعض الأمور وإضافة أشياء تضاف إلى العقود ليست من مقتضياتها بل تخالف مقتضى العقود.

وأكتفي بهذا القدر، وشكراً.

ص: 449

الشيخ حسن الشاذلي:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن نهج نهجه وسار على هديه إلى يوم الدين.

أولاً شكراً للسيد الرئيس على إتاحة الفرصة لي للكلمة، وشكراً للسادة الباحثين، وشكراً لفضيلة الشيخ السلامي على عرضه القيم وأمانته التامة فيما نقله من جميع الآراء.

في البداية أود أن أضع نقاطاً متعددة:

أولاً: الإجارة المنتهية بالتمليك لا شك أنها تصرف أو عقد جديد يحقق أهدافاً ومصالح ننظر فيه فيما يجوز وما لا يجوز.

ثانياً: وهذا يقتضى أن نحصر الصور التي يتحقق فيها الإيجار المنتهي بالتمليك صورة صورة، ثم نضع لكل صورة حكمها ولا نعمم الحكم. وبالتالي يسهل علينا الانتقال إلى بيان الرأي في هذا الموضوع.

ثالثاً: أود أن أشير إلى أني حينما قدمت بحثي منذ ثلاثة عشر سنة الذي أشار إليه السادة الباحثون دخلت إلى الموضوع بعدة مداخل حول بيان آراء العلماء في كون السلعة مملوكة للبائع وفي كونها مقبوضة له، وفي رأي العلماء في جواز اجتماع عقدين في عقد، وفي جواز تعليق عقود التمليكات على شرط أو إضافتها إلى شرط، ثم الرأي في كون الوعد ملزماً أو غير ملزم. لأنه على ضوء هذه القواعد يمكن الانتقال بسهولة بين الصور الموجودة أمامنا. وقد أوردت في هذا الوقت صوراً ست تتفرع إلى إحدى عشرة صورة وبينت حكم كل صورة من هذه الصورة في موضعه، ولا أرى داعياً إلى الكلام فيها فقد كفاني الكلام عنها السادة الباحثون.

رابعاً: ما أود الإشارة إليه هو موضوع البيع بثمن رمزي، الذي أنا لم أوافق عليه لسبب. حقاً إن البائع له الحرية في أن يبيع بثمن رمزي أو حقيقي ولكن علينا ألا ننسى أنه إذا كان ثمناً رمزياً فهناك مجالات لمثل هذا الشخص، وهو أن مثل هذا البيع لو تم من غير هذا الإنسان يمكن أن يترتب عليه خيارات معينة تفسد البيع، ويمكن أن يترتب عليه حجر على هذا الإنسان. لاشك أن الأصل في المعاملات أو المعاوضات أن يتساوى العوضان بقدر الإمكان مع التجاوز عن بعض الأمور اليسيرة. ولذلك حينما شكا حبان بن منقذ من أنه كان يُغبن في البياعات أتيح له الخيار.

لذلك أقول إن البيع بثمن رمزي لا نستطيع أن نقول به وبخاصة أن ما سبقه من دفع إيجار هذا الإيجار ليس إيجاراً فقط، هو ثمن للمنفعة وجزء من ثمن العين نفسها، فإذا هلكت العين في الطريق ضاع عليه ما دفع، إذا لم يستطع السداد ضاع عليه ما دفع. لم يفقد إيجاراً فقط لكنه فقد إيجاراً وفقد أيضاً جزءاً من العين التي كان يستأجرها تحت هذا المسمى.

فلذلك القول بأنه بيع صحيح يجعل العقد صورياً (بيع صوري) ، وهذا لا يصح في نظري ولا يصح أن نقول به.

هناك نقطة أثيرت حول تعليق العقد: هل التعليق يدخل على السبب والحكم معاً كما أشار إليه فضيلة الشيخ الضرير، أم يدخل على الحكم فقط؟ وهذا خلاف فقهي، البعض يرى أن التعليق يدخل على الصيغة وعلى الحكم، كله يعلقه إلى وقت حدوث المعلق عليه، والبعض الآخر يجعل السبب يوجد ولكن يظل الحكم معلقاً كما هو في حالة الخيار.

كذلك اجتماع عقدين على عين واحدة، كفاني الحديث عن ذلك فضيلة الشيخ ابن بيه حينما قال: إنه يمكن أن يؤجر الإنسان العين ثم يبيعها لشخص ثلاث أو لذات الشخص نفسه.

أخيراً أرى أنه يجب أن ننظر إلى الصور المعروضة صورة صورة ونبين الحكم فيها حتى ننتهي من هذا الموضوع.

أما الصكوك فأرجو أن يتاح وقت لمزيد من دراستها، وشكراً.

ص: 450

الشيخ علي السالوس:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.

كنت في الحقيقة أريد أن أكتفي بما ذكره الشيخان الجليلان محمد تقي العثماني والدكتور الصديق الضرير مع التحفظ فقط على القول بأن البديل هو الاحتفاظ بالملكية، لأن احتفاظ البائع بملكية المبيع هذا يتعارض مع أهم آثار عقد البيع، ولذلك هنا قرار للمجمع بأن هذا غير جائز. لكن في الحقيقة ما ذكره فضيلة الأخ الأستاذ عبد الستار أبو غدة وما ثنى عليه الأستاذ الدكتور محمد علي القري يبين أن ما ذكر في الأبحاث من الناحية النظرية أو العلمية في الخارج، وقيل بأنها ممنوعة بالنسبة للإخوة الأعزاء الكرام، وقالوا بأنها ممنوعة لأن الإجارة شيء والبيع شيء آخر ولا يمكن أن يجتمعا في عقد واحد -كما بين الإخوة الكرام- على عين واحدة، يمكن أن يجتمعا على عينين كالأمثلة التي ذكرها الأخ الدكتور القري، فيمكن أن أستأجر الغرفة في الفندق وأن أشتري طعاماً من الفندق لكن لا يمكن أن أستأجر الغرفة وأن أشتري الغرفة في نفس الوقت، فلا يمكن أن يجتمعا في عين واحدة.

وهذا يبين أن اتجاه بعض المنشآت الإسلامية وهيئاتها الشرعية تتجه إلى إباحة الإجارة المنتهية بالتمليك التي فيها الإجارة الساترة للبيع أو الإجارة مع البيع في عين واحدة، إجارة وبيع. ولذلك يمكن أن يسترد المستأجر بعض الأقساط التي دفعها، كيف تكون إجارة ويسترد؟ يمكن هنا أن يتحمل تبعة الهلاك، يمكن أن يتحمل كل ما يتحمله المالك.

لذلك –كما تفضل الأستاذ الدكتور حسن- لابد من أن ننظر في كل حالة وأن نبين ما يجوز وما لا يجوز، وأن نتطرق إلى ما ذكره فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الستار، لأن هذا واقع عملي. فإذا انتهينا إلى المنع فإنني أقترح أن يوجه المجمع الموقر توصية إلى المنشآت الإسلامية وهيئاتها الشرعية إلى الالتزام بقرارات المجمع وأن من عنده ما يخالف هذا فليقدمه ويناقش. فإذا انتهى المجمع إلى عدم الجواز فأرى توجيه توصية إلى الإخوة الكرام بأن يلتزموا بهذا لأنه لا يجوز أن نجد من يجيز كذا في منشأة إسلامية ثم نجد المجمع يقول هذا لا يجوز. إذا المسلم في هذه الحالة ماذا يفعل؟ وشكراً.

ص: 451

الشيخ محمد علي التسخيري:

بسم الله الرحمن الرحيم

شكراً سيادة الرئيس، وشكراً للشيخ السلامي على عرضه الشيق الجميل الأمين.

سيادة الرئيس أعتقد أن البعض عقدوا البحث وشققوه فتاهوا في الشقوق. ما نحتاجه في دراسة كل عقد هو التأكد من وجود مقتضى الصحة وفقدان المانع من هذه الصحة. وما لدي من القواعد وما نستأنس ونعرفه منها أن هناك في هذا العقد مقتضى الصحة موجوداً. فهذا العقد عقد عرفي يكون مورداً لقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ، وكونه مشروطاً يجعله مورداً لـ ((المؤمنون عند شروطهم)) . مقتضى الصحة في هذا العقد بمختلف شقوقه موجود، أما الموانع المذكورة من كون انتقال الملكية لا يمكن أن يتم إلا بلفظ معين أو بسب معين، أو من كونه مصداقاً لصفقتين في صفقة أو بيع وشراء، فقد ثبت لنا أنها لا تشكل مانعاً في هذا المورد.

بقي أن نعرف أن الشرط –كما قلت في حديثي- قد يكون فعلاً، بمعنى أن يشترط البائع على المشتري أن يفعل فعلاً وقد يكون غاية أو نتيجة كالملكية، ولا مانع من ذلك ما نعرفه من القواعد. وهذا نص كلام لأحد كبار فقهائنا الشيخ الأنصاري في المكاسب، يقول:(وكيف كان فالأقوى صحة اشتراط الغايات التي لم يعلم من الشارع إناطتها بأسباب خاصة، كما يصح نذرك مثل هذه الغايات بأن ينذر كون المال صدقة والشاة أضحية، أو كون هذا المال لزيد، وحينئذٍ فالظاهر عدم الخلاف في وجوب الوفاء بها، بمعنى ترتيب الآثار) . فهنا كما أعتقد المقتضى للصحة موجود والموانع مفقودة.

بقي التساؤل عن أي الأحكام تطبق؟، هل أحكام الإجارة أم أحكام البيع الصحيح؟ لأن أحكام الإجارة هي التي تطبق بوفق العقد، فإذا انتهت الإجارة حل البيع ودخلت أحكامه، وبشكل واضح ليس هناك تعارض بين هذه الأحكام لاختلاف الزمان. فمثلاً لو تلف المال بلا تفريط تلف من مال المؤجر، وربما تمت الرأفة بعد ذلك بالمستأجر فأعيد له ما زاد عن أجرة المثل كما أشار الدكتور عبد الستار.

إشكال وحدة المحل في هذين الأمرين أعتقد أنه لا محل له، فالمحل متعدد. أولا بتعدد الزمان، ومتعدد بالفرق بين الرقبة والمنفعة. أما إشكال الغرر بعلة الجهالة عند التنفيذ فجوابه أن الغرر ليس هو كل جهل مهما كان، بل هو كما رأينا وكما ذكره المرحوم الزرقا والآخرون، والحنفية، بل هو الجهالة المفضية للنزاع كما تم تحقيقه وكما يوحي به لفظ الغرر. ولتقريب هذا المعنى للأذهان ما نجده من قبول عرفي بعدم الضرر هنا فلا يتذرع بهذه الحجة أي ذهن عرفي.

أعتقد أننا إذا لم نعقد التشقيق نصل إلى النتيجة، فمقتضى الصحة في هذا العقد موجود ولا أجد أي مانع يقف عقبة أمام تنفيذ ذلك.

وشكراً جزيلاً، وحياكم الله.

ص: 452

الطيب سلامة:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

شكراً سيادة الرئيس، وشكري كذلك للسادة الباحثين على ما بذلوه من جهد في هذا الموضوع الشائك، وشكراً لفضيلة العلامة الأخ محمد المختار السلامي على ما قدمه من تلخيص وافٍ لجميع الأبحاث، ويتميز هذا التلخيص بإعطاء كل ذي حق حقه، وعلى بحثه كذلك الذي استوفى فيه جوانب هذا الموضوع.

ما أريد أن أقوله باختصار هو أن مؤسستنا الإسلامية تحاشياً من الوقوع فيما تقع فيه المؤسسات المالية التقليدية من السلف الذي جر نفعاً وهو ربا بدون شك، أرادت أن يكون لها منهجاً إسلامياً يبعدها عن الوقوع في الربا، فالمقصد الذي يدفعنا للبحث في هذا الموضوع هو كيف نخرج مؤسساتنا الإسلامية من الوقوع في الربا وهي عبارة عن رؤوس أموال تريد أن تستخدم أموالها في التنمية ويريد العلماء أن يستفيدوا من هذه الأموال؟.

فهناك حينئذٍ طرفان: رأس مال وعامل. وعندنا في الفقه الإسلامي العقد الذي يستوعب هذه الغاية هو القراض وليس القرض. والفرق كبير بين القرض والقراض، ولكل من العقدين محله، فالقرض هو عمل بر، ولذلك جاءت حرمة الربا لئلا يكون البر وسيلة إلى امتلاك أموال الناس وابتزازها. كان الربا حراماً، لأن في الإسلام هناك أعمالاً يقوم بها الإنسان مجانية، ولكنها في الواقع ليست مجانية وإنما هي قربى لله سبحانه وتعالى، وهذا مغاير للقراض الذي يقدم فيه صاحب رأس المال ماله للعامل ليعمل ثم ليتقاسم الطرفان الربح. فلماذا نترك القراض ونذهب إلى هذا الإيجار والبيع وهذه الصور التسعة ولم أجد صورة إلا صورة وحيدة سأذكرها تخلو من موانع شرعية؟ يقول قائل ربما القراض فيه أيضاً بعض الشروط التي تعسر المسألة على أصحاب رؤوس الأموال وعلى العملاء. الواقع أن المعاملات هي معقولة المعنى ليست كالعبادات.

الأحكام في العبادات نقول هي تعبدية حيث أمرنا أن نصلي الصلاة أربع ركعات فلا نبحث فيها لماذا أربعة؟ أما في المعاملات فليس عمل من الأعمال إلا وهو معلل إما لدفع مضرة أو لجلب مصلحة إذا كان جائزاً.

الصور التسعة باستثناء واحدة فيها محظورات. ثم الموضوع كله إذا أخذناه بعنوانه الإيجار المنتهي بالتمليك هذا ليس مقصوداً أصلاً لا للمؤسسة ولا للعميل. المؤسسة تعطي مالاً تستثمره والعميل يأخذ مالاً يستعمله ويربح ويعطي قسطاً من هذا الربح يتفق عليه مع المؤسسة. فلماذا ندخل في هذه التركيبات وهذه التعقيدات؟ ولماذا نترك القراض ونذهب إلى كل هذه التعقيدات؟.

ثم إذا كان لابد من تحاشي القراض لأنه لا يكفل للمؤسسات الإسلامية وللبنوك كل ما ترغب فيه من ضمانات ومن جعل الملك تحت يدها ومن عدم اعتبار مصلحة العميل إذا كنا نمشي في هذا الطريق فلنأخذ العصا من الوسط ولنأخذ صور البيع المقسط وليس فيه تعقيداً، ولنترك الإيجار ونترك كل شيء، حينئذٍ يكون العقد مبنياً على بيع، وآنذاك يخرج المصرف المالي عن حدوده ويصبح تاجراً يشتري ويبيع، وهذا غير موجود في الواقع لأن المصارف الموجودة ولو سميت بأسماء مهن فيقال المصرف التجاري أو المصرف الفلاحي هي في الواقع لا تمارس لا تجارة ولا فلاحة ولا شيء من هذا وإنما تتعامل مع التجار والفلاحين والصناع، أما دور المصرف فهو أنه يدفع الأموال ويقبض ماله (رأس المال) مع نصيب من الأرباح.

ص: 453

فليكن حينئذٍ المصرف بائعاً وليبع العين بالتقسيط، ثم بقية الأسهم التي لم يبعها المصرف تكون على وجه الإجارة، ولضمان حقوق المصرف فلتكن بقية الأسهم التي لم تخرج عن ملكه إلى ملك العميل رهناً للمصرف حتى يتم البيع الكامل.

في الواقع هنالك حالة الآن هي أشبه بالقلقة والاضطراب بين أصحاب المصارف وبين رجال الأعمال، وكثيراً ما وجه لي السؤال التالي: ما تتعامل به المصارف الإسلامية وما تتعامل به المصارف التقليدية في بذل رؤوس الأموال للاستثمار أي فارق سوى بعض الحيل الشرعية أو سوى بعض التلبيسات والصور.

فالمصرف التقليدي يمد الأموال عيناً للعميل ليتصرف فيها بعد دراسة الموضوع وبعد إجراء ما يجري لإيجاد كل الضمانات في حين أن المصرف الإسلامي هو أيضاً يمد الأموال للعميل ولكن على وجه الوكالة والعميل لم يأت للمصرف ليكون له وكيلاً هو أتى للمصرف ليأخذ قسطاً من المال لينتفع به فلنقل أخذ مالاً على وجه القراض، وإذا كانت هنالك بعض الشروط فلنبحث في شروط القراض ونرى معقوليتها ولنجعل التعامل بين المؤسسة المالية وبين العميل على هذا المنهج الذي هو منهج إسلامي ليس فيه تعقيد وليس تركيباً، وشكراً.

الدكتور منذر قحف:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أشكر السيد الرئيس لإتاحة هذه الفرصة لي للحديث، هناك عدد من النقاط الصغيرة أريد أن أذكرها لعلها تساعد على فهم الموضوع.

أولاً: موضوع صكوك الإجارة: صكوك الإجارة في الحقيقة لا ترتبط أبداً بمسألة أن شراء عين من شخص وإعادة تأجيرها له تأجيراً منتهياً بالتمليك، هذا أمر آخر لا علاقة له بصكوك الإجارة.

صكوك الإجارة في تقديري لها أهمية بالغة في تمويل المشروعات الحكومية في تمويل الطرق، والمطارات، والمنافع العامة، والخدمات العامة، كل هذا يمكن أن يستعمل فيه وخاصة في هذا الوقت بعد صدور قرار المحكمة العليا في باكستان بضرورة الالتزام بالأحكام الشرعية في هذا، تقدم نوعاً من الأداة التمويلية التي تتميز بمسائل مهمة جداً –أرجو أن تلاحظ- ويمكن أن تلخص بقضيتين: خضوع هذه الصكوك لعوامل السوق في تسعيرها وفي تداولها، وقضية مرونة هذه الصكوك بحيث يمكن إصدارها من شخصيات متعددة معنوية أو طبيعية، والأصل أنها معنوية، وأيضاً بأشكال متعددة جداً وبشروط خاصة متعددة.

فأرجو أن تلحظ أهمية هذه الصكوك في النقاش والحوار.

ص: 454

ثانياً: أهمية موضوع الضريبة: هناك بعض الدول الإسلامية ليس فيها ضرائب، وهذه قلة في الحقيقة بين البلدان الإسلامية، البلدان الإسلامية معظمها فيها ضرائب وبعضها فيها ضرائب باهظة أيضاً على الأعمال، فمسألة الضريبة لا تهمل عند النظر في الاختيارات المناسبة للتمويل الإسلامي، إذا كان اختيار ما يساعد المتعاملين على تجنب الضريبة في مقابل أن اختياراً آخراً لا يساعدهم على ذلك فلا شك ينبغي أن ننظر لذلك الذي يعين طالما أن كليهما مشروعان من الناحية الإسلامية.

ثالثاً: الميزة الأساسية في الإجارة هي احتفاظ الممول بملكية العين المؤجرة، هذا الاحتفاظ أمر أساسي في مسألة التمويل بالإجارة ولا يغني عن هذا القول بالبيع والرهن، لأن الرهن في جميع البلدان له إجراءات، أو بيع الرهن وتصفية الشيء المرهون له إجراءات قانونية كثيرة ومعقدة، بينما أن يتصرف المؤجر بما يملكه أمر أهون بكثير، وأيضاً لا يغني عنها الاحتفاظ بالملكية الرسمية بأن لا تنقل الملكية رسمياً إلى المشتري في بيع التقسيط لأن هذه الشكلية مخالفة للقانون، إن كان بيعاً فينبغي أن يسجل إذا اشترط القانون تسجيله، فأن نقول لا يسجل يعني يستطيع أن يفعل ذلك أي شخص ذو علاقة بالموضوع فيطلب تسجيله من محكمة القضايا السريعة، فلا يغني عنه ذلك، إذن الاحتفاظ بالملكية مسألة مهمة، وتأتي هنا قضية أشار إليها عدد من الإخوان وذكرتها بالتفصيل في بحثي وهي قضية عدم توازن الالتزامات بين المؤجر والمستأجر في الإجارة المنتهية بالتمليك إذا كانت تنتهي بالبيع بسعر رمزي أو بالهبة في آخر عقد الإجارة، لأنه في هذه الحالة عقد الإجارة هو عقد تمويلي مقصود منه التمويل والقسط في حقيقته وفي واقعه يتألف من جزأين: جزء مقابل الإجارة، والجزء الآخر مقابل التملك، فينبغي أن تتوازن حقوق والتزامات الطرفين بما يعبر عن هذه الحقيقة، ولا يصح أن تهمل هذه الحقيقة من أجل شكليات وهي أنه يمكن أن نحدد الإجارة بتراضي الطرفين كيف ما شئنا ولكنها في حقيقتها هي إجارة وثمن، فينبغي أن يلاحظ هذا وأن يعبر عنه في العلاقة القانونية نفسها.

رابعاً: إن إثارة قضايا لا علاقة لها بأصل ما نناقشه أظن أنها على أهميتها ينبغي ألا تكون هي العقدة، فالتأمين مثلاً، هنالك تأمين تجاري وهناك تأمين تعاوني، وقد أقرت المجامع العلمية التأمين التعاوني على أساس التبرع وبررته، وفي التأمين التعاوني يمكن أن يكون دافع القسط هو المستأجر، ويمكن أن يكون المنتفع –طالما أنه تبرع هو يتبرع بالدفع- من التأمين المؤجر، طالما أن ذلك ممكن وجائز شرعاً، فلا ندخل مسائل جانبية في هذه المسألة، وبالتالي نخرج عن القضية الأساسية.

خامساً: أمر الدفعة الأولى: الدفعة الأولى هي جزء من الأجرة، ولا يشترط في الأجرة أن تكون كلها منجمة على أشهر أو سنوات أو غير ذلك، فهي إما أنها جزء من الأجرة أو أنهما يشتركان في الشراء في الأول، فيكون عقد الإجارة منصباً على الجزء الذي لا يملكه المستأجر، فأمرها هين في الحقيقة.

سادساً: مسألة البيع مع استثناء المنافع: هذه مسألة مهمة ما لاحظت أن كثيراً من الإخوان قد علقوا عليها، قال بذلك الفقهاء في عدد من المذاهب، وقد أشرت إلى ذلك في ورقتي، فيمكن أن تكون الإجارة المنتهية بالتمليك بدلاً من ذلك أن تكون إجارة مبتدئة بالتمليك، فتملك العين ثم تؤجر للمستأجر، فتكون الدفعة الأولى هي ثمن العين والدفعات التالية هي أجرة المنافع المستثناة لمدة الإجارة، فتملك ثم تؤجر مع هذا استثناء المنافع.

أنا أعتقد أنه ليس في هذا النوع من المعاملة ضير أو مشكلة، ليس فيها غرر، وليس فيها جهالة، وقيمة العين بعد عشر سنوات –مثلاً- معلومة لدى المتعاقدين الآن بشكل واضح إذا أدركنا خاصية مهمة لهذا العقد وهي أنه عقد تمويلي وليس عقد إجارة بسيط، والحمد لله رب العالمين.

ص: 455

الشيخ عبد الله بن منيع:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

شكراً لسماحة الرئيس لإتاحة هذه الفرصة، وأكرر ما ذكره الإخوة من تهنئة سماحته بتجديد رئاسته، والواقع أنني أرى أن قول الله سبحانه وتعالى:{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} ينطبق على سماحته، فأرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقه وأن يهديه إلى ما فيه الخير والصلاح وإلى ما فيه صلاح هذا المجمع.

الواقع –حفظكم الله- فيما يتعلق بالإيجار المنتهي بالتمليك لا شك أنه حصل فيه من الإشكال الشيء الكثير ولعل مرد ذلك إلى هذه التسمية.

فأولاً: القول بالإيجار المنتهي بالتمليك هذا في الواقع خطأ، فالإيجار لا ينتهي بالتمليك وإنما ينتهي بانتهاء مدته، والتعبير الصحيح أو التسمية الصحيحة لهذا النوع من التعاقد هو: الإيجار مع الوعد بالتمليك، ولعل من أسباب الإشكال في ذلك أولا هذه التسمية: الإيجار المنتهي بالتمليك، فليس هناك إيجار منتهٍ بالتمليك.

الأمر الثاني: ما صاحب هذا العقد من شروط ليست من خصائص الإجارة، فالقول باشتراط دفعة مقدمة ودفعة مؤخرة، وكذلك تأمين من قبل المستأجر وضمان مطلق من قبل المستأجر، هذا في الواقع ليس من خصائص الإجارة، خصائص الإجارة ما يتعلق بالدفعة المقدمة، إن قيل دفعة مقدمة ضماناً للأجور المستقبلة فهذا ممكن أن يقبل، أما أن تكون دفعة مقدمة يستحقها المؤجر فبأي حق يستأجرها؟ أنا مستأجر ليس لك في ذمتي أيها المؤجر شيئاً أدفع لك دفعة مقدمة أو دفعة مؤخرة.

ما يتعلق بالتأمين فعلى افتراض صحته ففي الواقع على كل حال ليس من مستلزمات المستأجر، العين خاصة للمؤجر، فإن هو الذي يتحمل مسؤولية الحفاظ على هذه العين.

ما يتعلق بالضمان فكذلك الضمان مطلق، هذا ليس من خصائص الإجارة، فالعين المؤجرة هي أمانة في يد المستأجر لا يتحمل ضماناً في حال تلفها أو تلف بعضها إلا إذا كان ذلك مبنياً على تعد أو تقصير أو إهمال في الحفاظ على هذه العين.

ما قيل في رد هذا النوع والقول بأنه لا يجوز لأنه محل يتوارد عليه عقدان: عقد إجارة وعقد تمليك، هذا في الواقع غير صحيح، فالعقد لا يتوارد، أو كان بقيمة رمزية أو كان بقيمة ما يساويه في السوق، والوعد معروف أنه ليس عقداً وإنما يقتضي أحد أمرين: إما الوفاء به أو تحمل الضرر الناتج عن النكول في الوفاء بهذا العقد، وهذا على القول بأن العقد ملزم.

ما قيل بأن هذا ليس من قبيل الإجارة، لأن الأجرة مرتفعة، صحيح أنها مرتفعة وليست أجرة المثل لكن في الواقع كذلك ينبغي أن نعرف بأن هذه الأجرة المرتفعة هي في مقابلة الأجرة زائد قيمة الوعد، وقد يستشكل بعض الإخوة أن يكون للوعد قيمة، والواقع أنه يجب أن يكون له قيمة لأنه التزام، الآن العربون أليس له قيمة؟ حبس السلعة عن عرضها لصالح مشتيريها ما ثمنه؟ ثمنه هذا العربون الذي قدم، فإذن الأمور المعنوية المبنية على الالتزام لا شك أن لها قيم.

ص: 456

من آكد ما يدل على أن الإيجار مع الوعد بالتمليك إجارة جائزة أولا رجوع العين إلى مؤجرها في حال تلفها أو في أي حال من الأحوال الموجبة لانفساخ الإجارة، هل هذا من خصائص البيع؟ لو كان بيعاً لكانت العين مملوكة لما يسمى مستأجر وهو مشتر، وليس كذلك، بل العين ترجع بكاملها إلى مالكها.

كذلك فيما يتعلق لو حصل على العين أي تلف أثناء مدة الإجارة، ما هي الطريقة؟ معنى ذلك أنه لو كان بيعاً لكانت هذه العين مملوكة للمستأجر نفسه أو للمشتري، وفي نفس الأمر هو يتولى بيعها إذا كان فيها ما يمكن أن تباع ولكنها ترجع إلى مستأجرها، وفي نفس الأمر إذا كان سبب الفسخ جاء عن غير طريق المستأجر فينبغي للمؤجر أن يرد ما زاد عن قيمة المثل لفوات الوعد، لأنها قيمة أخذت للوعد، والوعد فات وقته، فإذن ما أخذ قيمة له والحال أن وقته فائت، هذا غير صحيح، هذه الشروط التي تشترط في عقد التأجير مع الوعد بالتمليك، الدفعة الأولى والدفعة الثانية والتأمين والصيانة العامة ونحو ذلك إلى آخره، نستطيع أن نقول بأنها شروط باطلة والعقد صحيح، ونستأنس بحديث بريرة:((اشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق)) فرسول الله صلى الله عليه وسلم أبطل الشرط وصحح العقد، فلماذا لا نقول بهذا؟ في الواقع على كل حال هذه الشروط ليست من خصائص الإجارة وليست من مقتضي الإجارة وليست من مصلحة الإجارة، فإذا كان كذلك وهي خارجة عن ذلك فهي شروط باطلة والعقد صحيح.

القول بأن الإيجار مبني على أجرة هي أجرة المثل وعلى جزء من الثمن هو الثمن الزائد عن أجرة المثل، هذا قول في الواقع غير صحيح لأن القضية الآن لم يكن هناك بيع وإنما هو وعد، وهذا الوعد في الواقع لا يلزم بالوفاء به وإنما يلزم بأحد أمرين: إما الوفاء به، أو تحمل الضرر الناتج عن النكول عن الوفاء به.

فإذن ليست هذه الزيادة هي جزء من الثمن وإنما هي ثمن الوعد.

أحببت التنبيه لذلك، حفظكم الله، وشكر الله لكم.

الشيخ أحمد محيي الدين:

بسم الله الرحمن الرحيم، أود الحديث عن قضية تكييف عقد الإجارة المنتهية بالتمليك بحسب ما يجري عليه العمل في تطبيقات بعض البنوك الإسلامية وليس احتكاماً للصور التسع النظرية الموجودة في كثير من البحوث وقيلت كثيراً أثناء المداولات.

وتعليقي هذا يعم إذا ما كان الوعد ملزماً أو غير ملزم، مقارناً للعقد أو منفصلاً عنه، سواء تم الوعد بهبة أو بيع بثمن حقيقي أو رمزي، فالحقيقة الواضحة حتى الآن أنه لا يمكن القول وباطمئنان تام أن نصف العقد بأنه بيع، خاصة وأن ملكية المبيع لا تنتقل للمشتري، وفي نفس الوقت لا يمكن القول بأنه إجارة مطلقاً، لعدم وجود أجرة المثل وهي أهم عنصر وعوض، ولكن في نفس الوقت وكنت أتمنى أن توزع بعض العقود المطبقة فعلياً في بعض البنوك على السادة الحضور حتى يكون الحكم صادراً عن شيء عملي وليس عن تصور وبالتالي ما يتبع ذلك من تعميم كثير.

هذه العقود وما حوت من بنود ليس فيها ربا صريح أو شبهة ربا، وليس فيها غرر مؤثر في صحة العقد، وليس فيها جهالة مفضية إلى التنازع، ولا تصادم نصاً صريحاً، ولا دلالة سواء كانت قطيعة أو ظنية، قد تكون هناك بعض الشروط غير الصحيحة والاتفاق على أن مثل هذه الشروط إما أن تهمل أو تصحح، فإذا كان الأمر كذلك وأن هذا العقد مفيد للبنوك الإسلامية لأن فيه درجة كبيرة من الضمان ويحل محل المرابحة ويساعد في ابتكار وإصدار وتداول أدوات مالية وهو ما ينقص الصناعة المصرفية الإسلامية فيمكن أن نركن إلى أن الأصل في العقود الإباحة، وأن هذا العقد من العقود غير المسماة أو العقود ذات الخصائص المشتركة وبالتالي هذا العقد ليس فيه مخالفة شرعية، والقول بضرورة تكييفه على أنه عقد إجارة أو عقد بيع وبالتالي ننقض العقد وتضيع المصلحة، فأنا أميل إلى أن هذا العقد –كما قال الشيخ التسخيري والشيخ عبد الله بن منيع، والدكتور منذر قحف- عقد صحيح ويمكن العمل به، ويمكن أن نبحث له عن تسمية باعتباره من زمرة العقود المستحدثة أو العقود غير المسماة.

ص: 457

الشيء الآخر هو صكوك الإجارة، يعني جرى تعميم كثير وكلام غير دقيق عن تعريف صكوك الإجارة، ما هي؟ ثم بعد ذلك تم تناول حكمها.

فصكوك الإجارة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: صكوك الأعيان المؤجرة. مثال ذلك: شخص يمتلك عيناً وهذه العين مؤجرة وله الحق في أن يبيع هذه العين مجزأة إلى شهادات وصكوك، وكل من يشتري هذه الشهادة أو هذا الصك له حق في الأجرة المتفق عليها، ولا أعتقد أن هناك أي مشكلة في هذا الأمر، لا في الإصدار ولا في التداول.

لكن القضية تأتي في شهادات المنافع وهي القسم الثاني. وشهادات المنافع وهي شهادات إجارة هي عبارة عن أجرة لاحقة، كثير من الفتاوى صدرت بأنه يجوز للمستأجر أن يعيد تأجير العين المؤجرة –أي يبيع المنفعة- إلى غيره بأجرة أعلى، وبالتالي يمكن أن يشهد غيره في هذه الإجارة الثانية، والحديث هنا لا يتناول أصل القضية وإنما إذا كانت هناك موانع شرعية تأتي على التداول والبعض يقول إنها دين مع أن البعض يؤكد بأن المنفعة تملك في المستقبل يوماً بعد يوم والأجرة تستحق في المستقبل يوماً بعد يوم، فبالتالي حتى الحديث عن الديون هنا حديث دقيق، أو حديث قابل للنقاش، هذا ما أردت أن أبينه، وشكراً.

الشيخ عبد الله الزبير:

بسم الله الرحمن الرحيم، وأصلي وأسلم على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

فأنا لا أريد أن أدخل في الحكم الشرعي بالنسبة لهذا العقد ولكن أريد أن أؤكد أنه من العقود والأدوات التي أفادت المصارف الإسلامية إفادة كبيرة وحققت مصالح للطرفين، ولكن أريد أن أوضح طبيعة هذا العقد، وحقيقته في السوق، لا يمكن أن نتصور أن هذا العقد هو عقد إجارة لأن المستأجر أو الداخل في هذا العقد راغب في الحصول على ملكية رقبة هذه العين، فالعبرة بالمعاني والمقاصد، مقصد الشخص الداخل في هذا العقد هو امتلاك رقبة هذا العقد ولم يدخل لأجل المنفعة أو تحقيق المنفعة فقط، والأدل على ذلك أن هناك في السوق مؤسسات موجودة الآن تؤجر إجارة بحتة وتؤجر أيضاً ما يسمى بالإجارة المنتهية بالتمليك. يدخل الفرد لمؤسسة لاستئجار سيارة للحصول على منافعها، فهناك أجرة محددة معلومة، نفس هذه المؤسسة تقدم إجارة منتهية بالتمليك لهذا الشخص بأجرة أو بقسط فيه إضافة كبيرة جداً، فليس من المعقول إطلاقاً أن هذا الشخص إلا أن يكون مغفلاً أن يدخل ليستأجر إجارة منتهية بالتمليك ويدفع هذه الأقساط وقصده الحقيقي مجرد الإجارة. فإذن هذا العقد في طبيعته –والله أعلم- أنه عقد بيع في الأصل والداخل فيه هو لأجل امتلاك رقبة هذه العين. لا أريد أن أدخل في الحكم الشرعي وإنما أريد أن أبين وأوضح طبيعة هذا العقد، فطبيعته –والله أعلم- أنه ليس إجارة وإنما المصدر الحقيقي هو الامتلاك، والقصد البيع في ذلك. الحكم الشرعي متروك للسادة العلماء لحددوه. والله أعلم.

ص: 458

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما صكوك التأجير فإنه لم يتوفر من المداولات والمناقشات ما يجعل حصيلة لتكوين رأي فيها. والأمر كما ذكره عدد من الذين تكلموا من أنه بحاجة إلى مزيد من البحث، وربما يعقد له ندوة.

أما الإيجار المنتهي بالتمليك فما جاء على لسان بعض المناقشين من أن المجمع قد بت فيه هذا غير صحيح وإنما قرارات المجمع التي صدرت في جزئية متعلقة بالموضوع، أما الموضوع الأم فإنهم اقترحوا البدائل ولم يبتوا في الحكم ولو بت في الحكم لما احتيج إلى عرضه مرة أخرى.

وغير خافٍ أن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية أصدرت قرارها بالمنع على صورته الشائعة المتداولة.

وقد ترون مناسباً أنه بالإضافة إلى العارض والمقرر تكون اللجنة من: الشيخ حسن الشاذلي، الشيخ محمد تقي العثماني، الشيخ وهبة الزحيلي، الشيخ سعود الثبيتي، الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 459

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.

قرار رقم: 110 (4/12)

بشأن موضوع

الإيجار المنتهي بالتمليك، وصكوك التأجير

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ إلى غرة رجب 1421 هـ (23-28 سبتمبر 2000م) .

بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (الإيجار المنتهي بالتمليك، وصكوك التأجير) . وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه وعدد من الفقهاء.

قرر ما يلي:

-الإيجار المنتهي بالتمليك:

أولا: ضابط الصور الجائزة والممنوعة ما يلي:

أ-ضابط المنع: أن يرد عقدان مختلفان، في وقت واحد، على عين واحدة، في زمن واحد.

ب-ضابط الجواز:

1-

وجود عقدين منفصلين يستقل كل منهما عن الآخر، زماناً بحيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد الإجارة، أو وجود وعد بالتمليك في نهاية مدة الإجارة، والخيار يوازي الوعد في الأحكام.

2-

أن تكون الإجارة فعلية وليست ساترة للبيع.

3-

أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك لا على المستأجر وبذلك يتحمل المؤجر ما يلحق العين من ضرر غير ناشئ من تعد المستأجر أو تفريطه، ولا يلزم المستأجر بشيء إذا فاتت المنفعة.

4-

إذا اشتمل العقد على تأمين العين المؤجرة فيجب أن يكون التأمين تعاونياً إسلامياً لا تجارياً ويتحمله المالك المؤجر وليس المستأجر.

5-

يجب أن تطبق على عقد الإجارة المنتهية بالتمليك أحكام الإجارة طوال مدة الإجارة وأحكام البيع عند تملك العين.

6-

تكون نفقات الصيانة غير التشغيلية على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة.

ص: 460

ثانياً- من صور العقد الممنوعة:

أ- عقد إجارة ينتهي بتملك العين المؤجرة مقابل ما دفعه المستأجر من أجرة خلال المدة المحددة، دون إبرام عقد جديد، بحيث تنقلب الإجارة في نهاية المدة بيعاً تلقائياً.

ب-إجارة عين لشخص بأجرة معلومة، ولمدة معلومة، مع عقد بيع له معلق على سداد جميع الأجرة المتفق عليها خلال المدة المعلومة، أو مضاف إلى وقت في المستقبل.

جـ -عقد إجارة حقيقي واقترن به بيع بخيار الشرط لصالح المؤجر، ويكون مؤجلاً إلى أجل طويل محدد (هو آخر مدة عقد الإيجار) .

وهذا ما تضمنته الفتاوى والقرارات الصادرة من هيئات علمية، ومنها هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.

ثالثاً- من صور العقد الجائزة:

أ-عقد إجارة يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة، واقترن به عقد هبة العين للمستأجر، معلقاً على سداد كامل الأجرة وذلك بعقد مستقل، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة، (وذلك وفق ما جاء في قرار المجمع بالنسبة للهبة رقم 13/1/3 في دورته الثالثة) .

ب-عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة (وذلك وفق قرار المجمع رقم 44 (6/5) في دورته الخامسة) .

جـ-عقد إجارة يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة، واقترن به وعد ببيع العين المؤجرة للمستأجر بعد سداد كامل الأجرة بثمن يتفق عليه الطرفان.

د-عقد إجارة يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، مقابل أجرة معلومة، في مدة معلومة، ويعطي المؤجر للمستأجر حق الخيار في تملك العين المؤجرة في أي وقت يشاء، على أن يتم البيع في وقته بعقد جديد بسعر السوق (وذلك وفق قرار المجمع السابق رقم 44 (6/5) أو حسب الاتفاق في وقته.

رابعاً: هناك صور من عقود التأجير المنتهي بالتمليك محل خلاف وتحتاج إلى دراسة تعرض في دورة قادمة إن شاء الله تعالى.

- صكوك التأجير:

-يوصي المجمع بتأجيل موضوع صكوك التأجير لمزيد من البحث والدراسة ليطرح في دورة لاحقة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 461