الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الجزائي
إعداد
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير
أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية القانون
جامعة الخرطوم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فهذا بحث عن
الشرط الجزائي
أكتبه استجابة لطلب من الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي بجدة، مستأنسا بما جاء في التصور الوارد في ورقة الأمانة.
والله أسأل أن يوفقني إلى الصواب ويجنبني مواطن الزلل.
التعريف بالشرط الجزائي:
عبارة الشرط الجزائي غير معروفة في كتب الفقه القديمة، ولكنها معروفة في القوانين الغربية: القانون الفرنسي la clause penale (1) ، وفي القانون الإنجليزي penalty and liquidated damages (2) وغيرهما من القوانين الغربية (3) .
وقد أخذت قوانين البلاد العربية هذا التعبير عن القوانين الغربية، وأدخلت عليه بعض التعديلات، وأول قانون عربي أخذ به هو القانون المصري، أخذه عن القانون الفرنسي وعبر عنه الدكتور السنهوري بالعبارة التالية:
التعويض الاتفاقي أو الشرط الجزائي (4) :
وتبعت أكثر قوانين البلاد العربية القانون المصري.
وسأذكر نص القانون المصري لنتبين منه حقيقة هذا الموضوع في القوانين العربية غير الملتزمة بالفقه الإسلامي، ثم أذكر نصوص القانون المدني الأردني لنتبين منها حقيقة الشرط الجزائي في القوانين الملتزمة بأحكام الفقه الإسلامي (5) ، ثم أبين الحكم الفقهي حسبما يظهر لي من تكييف هذا الموضوع بعون الله.
(1) الوسيط في شرح القانون المدني الجديد: 2 / 851.
(2)
شرح القانون الإنجليزي- ملكًا 120، the law of contract 612 tretel وترجم ملكا كلمة penalty بالشرط الجزائي وعبارة liquidated damages بالتعويض الاتفاقي.
(3)
الوسيط: 2 / 874.
(4)
الوسيط: 2 / 851.
(5)
من القوانين الملتزمة بأحكام الفقه الإسلامي قانون المعاملات المدنية لسنة 1984 م (السوداني) ، ومشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد – انظر مواد هذين القانونين في الملحق رقم (1) وانظر أيضًا الملحق رقم (2) في بيان ما عليه العمل في المملكة العربية السعودية.
الشرط الجزائي في القانون المصري:
المادة: 223 يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدمًا قيمة التعويض بالنص عليها في العقد، أو في اتفاق لاحق، ويراعى في هذه الحالة أحكام المواد 215 – 220.
المادة: 224 – (1) لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقًا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه ضرر.
(2)
ويجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض، إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغًا فيه إلى درجة كبيرة، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه.
(3)
ويقع باطلًا كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين.
المادة 225 – إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الاتفاقي فلا يجوز للدائن أن يطالب بأكثر من هذه القيمة إلا إذا أثبت أن المدين قد ارتكب غشا أو خطأ جسيمًا.
يفهم من هذه المواد أن الشرط الجزائي هو اتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض، الذي يستحقه الدائن على المدين، إذا لم ينفذ المدين التزامه، أو إذا تأخر في تنفيذ التزامه، وهذا الاتفاق قد يكون عند العقد، وقد يكون بعده، وقبل حدوث الضرر.
وسمى هذا الاتفاق بالشرط الجزائي، لأنه يوضع عادة كشرط ضمن شروط العقد الأصلي الذي يستحق التعويض على أساسه، وتكيفه القانوني كما يقول الدكتور السنهوري هو التزام تابع لا التزام أصلي (1)، وجاء في المذكرة الإيضاحية للقانون المصري: ليس الشرط الجزائي في جوهره إلا مجرد تقدير اتفاقي للتعويض الواجب أداؤه (2) .
(1) الوسيط: 2 / 851 – 854.
(2)
مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المصري: 2 / 573.
أمثلة للشرط الجزائي:
ذكر الدكتور السنهوري أمثلة للشرط الجزائي هي:
1-
المقاولة: شروط المقاولة قد تتضمن شرطًا جزائيًّا يلزم المقاول بدفع مبلغ معين عن كل يوم أو أسبوع يتأخر فيه المقاول عن تسليم العمل.
2-
لائحة المصنع قد تتضمن شروطًا جزائية تقضي بخصم مبالغ معينة من أجرة العامل جزاء له على الإخلال بالتزاماته المختلفة.
3-
تعريفة مصلحة السكة الحديدية، أو مصلحة البريد قد تتضمن تحديد مبلغ معين هو الذي تدفعه المصلحة للمتعاقد معها في حالة فقد طرد أو فقد رسالة.
4-
اشتراط حلول جميع أقساط الدين إذا تأخر المدين في دفع قسط منها هو أيضًا شرط جزائي، ولكن من نوع مختلف، إذ هو هنا ليس مقدارًا معينًا من النقود قدر به التعويض بل هو تعجيل أقساط مؤجلة (1) .
شروط استحقاق الشرط الجزائي (2) :
شروط استحقاق الشرط الجزائي في القانون المصري هي شروط استحقاق التعويض، وقد أشارت إليها المادة 223 بالإحالة على المواد 215 – 220، وشروط استحقاق التعويض هي:
1-
وجود خطأ (3) من المدين: لا يستحق الشرط الجزائي إلا إذا كان هناك خطأ من المدين، لأن التعويض لا يستحق على المدين إذا لم يكن هناك خطأ من جانبه، وإذا لم يستحق التعويض فلا محل لأعمال الشرط الجزائي، لأنه تعويض لتقدير قد استحق.
2-
وجود ضرر يصيب الدائن: لا يستحق الشرط الجزائي إذا لم يصب الدائن ضرر، لأن الضرر من أركان استحقاق التعويض، وإذا لم يوجد ضرر لا يستحق التعويض فلا محل لأعمال الشرط الجزائي.
(1) الوسيط: 2 / 852.
(2)
الوسيط: 2 / 855 – 860.
(3)
الخطأ المقصود هنا هو الخطأ العقدي في القانون، وهو عدم تنفيذ المدين لالتزامه الناشئ عن العقد، وهو نوعان: الالتزام بتحقيق غاية، والالتزام ببذل عناية - الوسيط: 1 / 656؛ وانظر أيضًا 778.
يفهم هذا الشرط من المادة 224 (1) ، ويفهم منها أيضًا أن الشرط الجزائي يفترض وقوع الضرر على الدائن، ولهذا جعل عبء إثبات عدم الضرر على المدين.
والضرر الذي يعوض عنه هو الضرر المالي، والضرر الأدبي،وما لحق الدائن من خسارة، وما فاته من كسب، وقد نصت على هذه المادة 221 و222 من القانون المصري.
3-
وجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر: لا يستحق الشرط الجزائي إلا إذا قامت علاقة السببية بين الخطأ والضرر، فإذا انتفت هذه العلاقة لوجود سبب أجنبي لحدوث الضرر فلا يستحق التعويض، ولا يعمل الشرط الجزائي، ولكن يجوز الاتفاق على مخالفة هذا الحكم، وتحميل المدين تبعة الحادث الأجنبي.
4-
إعذار المدين: الإعذار شرط لاستحقاق الشرط الجزائي في الأحوال التي يجب فيها، فإذا لم يقم الدائن بإعذار المدين لا يستحق التعويض فلا يكون للشرط الجزائي محل.
تخفيض مبلغ التعويض المتفق عليه في الشرط الجزائي (1) :
يتبين من المادة 221 – (2) أنه يجوز للقاضي أن يخفض المبلغ المتفق عليه في الشرط الجزائي في حالتين:
الأولى: إذا أثبت المدين أن تقدير التعويض كان مبالغًا فيه إلى درجة كبيرة.
وقد بررت محكمة الاستئناف هذا الحكم بأن الشرط الجزائي إذا كان مبالغًا فيه يكون الطرفان على علم بهذه المبالغة بل يكونان قد قصدا إليها وجعلا الشرط الجزائي شرطًا تهديديًّا لحمل المدين على عدم الإخلال بالتزامه، ومؤدى ذلك أن الشرط الجزائي المبالغ فيه ينطوي في الواقع من الأمر على عقوبة فرضها الدائن على المدين فيكون باطلًا، ويعمد القاضي عند ذلك إلى تقدير التعويض وفقًا للقواعد العامة.
الثانية: إذا نفذ المدين الالتزام الأصلي في جزء منه:
يخفض القاضي الشرط الجزائي بنسبة ما نفذ المدين من التزامه، إذا كان الشرط الجزائي قد وضع لحالة عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه أصلًا.
وتنص الفقرة الثانية من المادة 224 على أن شرط وقوع الضرر لاستحقاق الشرط الجزائي، وجواز تخفيض مبلغ الشرط الجزائي إذا كان مبالغًا فيه، أو نفذ المدين جزءًا من الالتزام الأصلي، تعتبر من النظام العام، فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفها.
زيادة مبلغ التعويض المتفق عليه في الشرط الجزائي:
تبين المادة 225 أن التعويض المقدر في الشرط الجزائي إذا كان أقل من الضرر فإنه يكون هو المستحق، وليس للدائن المطالبة بأكثر منه إلا إذا أثبت أن المدين قد ارتكب غشًا أو خطأً جسيمًا، فإنه يجوز للقاضي أن يزيد مقدار التعويض.
(1) الوسيط 2 / 867 – 876.
الشرط الجزائي في القانون المدني الأردني:
تنص المادة 364 على الآتي:
1-
يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدمًا قيمة الضمان بالنص عليها في العقد، أو في اتفاق لاحق مع مراعاة أحكام القانون.
2-
ويجوز للمحكمة في جميع الأحوال، بناء على طلب أحد الطرفين، أن تعدل في الاتفاق بما يجعل التقدير مساويًّا للضرر، ويقع باطلًا كل اتفاق يخالف ذلك.
الفقرة الأولى من المادة الأردنية متفقة مع المادة 223 من القانون المصري، غير أن الأردني استعمل كلمة الضمان بدلًا من التعويض.
أما الفقرة الثانية من المادة الأردنية فتختلف عما ورد في القانون المصري في أنها تجوز للمحكمة في جميع الحالات بناء على طلب أحد الطرفين أن تعدل في الاتفاق بما يجعل التقدير مساويًّا للضرر، وتعتبر كل اتفاق مخالف لهذا باطلًا، وقد رأينا القانون المصري لا يجوز التعديل بالزيادة إلا إذا أثبت المدين أن الدائن ارتكب غشًا أو خطأ جسيما ولا يجوز التعديل بالنقصان إلا في حالتين: إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغًا فيه إلى درجة كبيرة أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه (1) .
حكم الشرط الجزائي في الفقه الإسلامي (2) :
لا نتوقع وجود نص في القرآن أو السنة أو قول لصحابي أو فقيه من المتقدمين في حكم الشرط الجزائي الذي بينا حقيقته في القانون على الوجه السابق، ولكن هل يوجد شبيه للشرط الجزائي فيه نص، يمكن أن يقاس عليه الشرط الجزائي؟ هذا ما سأحاول البحث عنه.
(1) انظر المذكرة الإيضاحية لقانون المدني الاردني: 1 / 403.
(2)
يقسم الفقهاء الشروط باعتبار مصدرها إلى نوعين: الأول: الشرط الشرعي وهو الشرط الذي يفرضه الشرع، ويعرفه الفقهاء والأصوليون بأنه كل ما ربط به غيره عدمًا لا وجودًا، وهو خارج عن ماهيته:(المدخل الفقهي العام، ص 326) مثاله: أهلية العاقد فهي شرط شرعي لصحة كل عقد. والثاني: الشرط الجعلي: وهو الشرط الذي ينشئه العاقدان بإرادتهما مقترنًا بالعقد تحقيقًا لمصلحة العقد أو مصلحة أحدهما. والشرط الجزائي من هذه الشروط الجعلية. وقد اختلف الفقهاء اختلافًا كبيرًا في هذه الشروط الجعلية من حيث أصل جواز اشتراطها وعدمه، والجمهور الذين أجازوا اشتراطها اختلفوا في تحديد ما يجوز اشتراطه منها وما لا يجوز. وسأبين هذا الاختلاف باختصار، وأبين ما أرجح الأخذ به. انظر ص59، 60.
الشرط الجزائي شبيه بالعربون:
أول ما يتبادر إلى الذهن أن الشرط الجزائي يشبه العربون، ويمكن قياسه عليه، فما هو العربون؟
العربون يكون في البيع عادة، وقد يكون في غيره وهو في البيع:
أن يشتري الرجل السلعة، ويدفع للبائع مبلغًا من المال على أنه إن أخذ السلعة يكون ذلك المبلغ محسوبًا من الثمن، وإن تركها فالمبلغ للبائع.
وهذا تفسير للعربون اتفق عليه جميع الفقهاء (1) .
وتكييف عقد البيع مع دفع العربون كما يتبين من التعريف هو أنه عقد يثبت فيه الخيار للمشتري في إمضاء العقد أو تركه، فإذا أمضى المشتري العقد كان العربون جزءًا من الثمن، وإذا رد العقد فقد العربون، فهو خيار شرط يقابله شيء من المال في حال الرد.
وهذا الخيار للمشتري فقط، أما البائع فإن العقد لازم بالنسبة أنه لا يستطيع رده، كما يتبين أيضًا أنه خيار غير محدد بمدة.
(1) انظر نصوص الفقهاء في كتاب الغرر وأثره في العقود، ص122.
ووجه الشبه بين الشرط الجزائي والعربون هو أن كلا منهما تقدير للتعويض، فالشرط الجزائي تقدير للتعويض في حالة الإخلال بالعقد، والعربون تقدير للتعويض في حالة العدول عن العقد، ولكن هناك فروق بينهما هي:
1-
العربون هو المقابل لحق عدول المشتري عن العقد، أما الشرط الجزائي فهو تقدير للتعويض عن الضرر الذي يلحق الدائن بسبب عدم تنفيذ المدين للعقد.
2-
الالتزام بدفع العربون عند عدول المشتري قائم ولو لم يترتب على العدول ضرر، لأنه مقابل العدول، أما الشرط الجزائي فلا يستحق إلا إذا وقع ضرر على الدائن، لأنه تقدير للتعويض عن الضرر.
3-
العربون لا يجوز تعديله من القاضي، والشرط الجزائي يجوز تخفيضه وزيادته كما رأينا (1) .
4-
في بيع العربون المشتري مخير بين تنفيذ العقد وترك العربون، أما في العقد الذي فيه شرط جزائي فلا خيار للمدين، وعليه أن ينفذ التزامه الأصلي ما دام ممكنا (2) .
هذا وقد ورد في البحث المعد من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ما يلي:
(ويمكن أن يقال بأن الشرط الجزائي يشبه بيع العربون في أن كلا منهما شرط يوجب على من أخل بالشرط عقوبة مالية يجري تعيينها قبل حصول ذلك)(3) .
هذا القول إذا صح بالنسبة للعربون فإنه لا يصح بالنسبة للشرط الجزائي، لأن الشرط الجزائي الذي نتحدث عنه ليس عقوبة، وإنما هو تقدير اتفاقي للتعويض (4) فإذا اعتبرنا العربون عقوبة ينتفي وجه الشبه الذي ذكرناه في أول الكلام، ثم إن بيع العربون ليس فيه إخلال بالشرط، وإنما هو إعمال للخيار.
ويرى الأستاذ مصطفى الزرقاء رحمه الله – أن طريقة العربون هي أساس لطريقة التعهد بتعويض ضرر الغير عن التعطيل والانتظار (5) .
(1) انظر، ص 53.
(2)
انظر الوسيط: 1 / 263 – 264 و2 / 864 – 865.
(3)
البحث مطبوع على الآلة الكاتبة، ص 76.
(4)
انظر، ص51.
(5)
المدخل الفقهي العام، ص 535 ف 234.
2-
أدخل ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم:
روى البخاري في صحيحه في باب ما يجوز من الشروط. . . وقال ابن عون عن ابن سيرين: قال رجل لكريه: ادخل (1) ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح: من شرط على نفسه طائعًا غير مكره فهو عليه (2) .
أوردت اللجنة التي أعدت البحث لهيئة كبار العلماء هذا النص وقالت: فهذه المسألة صريحة في أنها من أنواع الشروط الجزائية (3) .
وقال الأستاذ مصطفى بالزرقاء – رحمه الله – تعليقًا على قول شريح: وهذا النوع من الاشتراط المروي عن القاضي شريح في ضمان التعويض عن التعطل والانتظار ما يسمى في الفقه الأجنبي الحديث: الشرط الجزائي (4) .
وقال في موضع آخر:
والشرط الجزائي هذا يتخرج على مذهب القاضي شريح، فقد روي عنه نظيره كما سلف (5) .
ولا أرى وجه شبه بين هذه المسألة والشرط الجزائي يبرر قياسه عليها، وهي أوجه الاختلاف بينها وبين الشرط الجزائي هي أوجه الاختلاف بين العربون والشرط الجزائي، ثم إن حكم شريح في هذه المسألة خالفه فيه جمهور الفقهاء كما يقول ابن حجر (6) ، وبيع العربون منعه جمهور الفقهاء أيضًا، على أنه لا مانع من الاستئناس فقط بهاتين المسألتين، كما جاء في فتوى مجلس هيئة كبار العلماء.
(1) في الهامش: أرحل: أي شد على دوابك رحالها استعدادًا للسفر.
(2)
صحيح البخاري: 3 / 217 المطبعة الميمنية.
(3)
البحث مطبوع على الآلة الكاتبة، ص 79.
(4)
المدخل الفقهي العام، ص 536 ف 234.
(5)
المصدر السابق، ص 721 ف 391.
(6)
فتح الباري: 5 / 354.
الشرط الجزائي شبيه بالرهن والكفيل:
الشرط الذي هو من مصلحة العقد شرط صحيح يلزم الوفاء به، ومن أمثلته اشتراط الرهن والكفيل في عقد البيع.
وترى اللجنة التي أعدت البحث لهيئة كبار العلماء أن الشرط الجزائي من مصلحة العقد، لأنه حافز لمن شرط عليه أن ينجز لصاحب الشرط حقه، ومساعد له على الوفاء بشرطه، فكان شبيهًا باشتراط الرهن والكفيل في الوفاء لصاحب الشرط بشرطه، وإذن يصح الشرط ويلزم الوفاء به، فإن لم يف، وتعذر استدراك ما فات، تعين لمن اشترط شرطًا جزائيًّا الأرش، وقد اتفق عليه عند العقد بتراضيهما، وإن لم يتعذر الاستدراك فلصاحب الشرط الخيار بين فسخ العقد والأرش مع بقائه. (1) .
وجاء في قرار مجلس هيئة كبار العلماء: (أنه ظهر لها أن الشرط الجزائي من الشروط التي تعتبر من مصلحة العقد، إذ هو حافز لإكمال العقد في وقته)(2) .
كون الشرط الجزائي من مصلحة العقد بالمعنى الوارد في البحث والقرار لا نزاع فيه، ولكن تشبيه بالرهن والكفيل غير واضح، لأن الرهن ليس فيه تعويض عن ضرر، وما جاء في البحث من أنه إن لم يتعذر الاستدراك فلصاحب الشرط الخيار بين فسخ العقد، والأرش مع بقائه، غير وارد في الشرط الجزائي لأن صاحب الشرط الجزائي – الدائن – ليس له إلا الأرش – التعويض – ولا خيار له.
(1) بحث اللجنة على الآلة الكاتبة، ص 73.
(2)
القرار رقم 25، تاريخ 21 / 8 / 1394.
الشرط الجزائي معاملة مستحدثة:
الذي أراه أن الشرط الجزائي الذي بينا حقيقته، والذي يجري عليه العمل في البلاد الإسلامية، هو معاملة مستحدثة، تحكمها قاعدة يكاد الفقهاء المعاصرون يجمعون على الأخذ بها هي:
الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم منه أو يبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصًا أو قياسًا.
هذه العبارة لابن تيمية (1) ولكن القاعدة معروفة قبل ابن تيمية ذكرها ابن حزم، وذكر القاعدة المخالفة لها فقال:
أما العقود والعهود والشروط والوعد فإن أصل الاختلاف فيها على قولين لا يخرج الحق عن أحدهما، وما عداهم فتخليط ومناقضات لا يستقر لقائلها قول على حقيقة (2)، فأحد القولين المذكورين:
أنها كلها حق لازم إلا ما أبطله منها نص، والثاني: أنها كلها باطل غير لازم إلا ما أوجبه منها نص، أو ما أباحه منها نص (3) .
ثم ذكر ابن حزم حجة أصحاب القول الأول، ورده عليها، ولكنه لم ينسب هذا القول إلى أحد (4) ، وقد وجدت عبارة لأبي بكر الجصاص تدل على أنه يؤيد القول الأول، هي قوله في تفسيره لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] .
واقتضى قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} الوفاء بعقود البياعات والإجراءات والنكاحات وجميع ما يتناوله اسم العقد، فمتى اختلفنا في جواز عقد أو فساده صح الاحتجاج بقوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ، لاقتضاء عمومه جواز جميعها من الكفالات والإجازات والبيوع وغيرها، وقوله صلى الله عليه وسلم:((والمسلمون عند شروطهم)) في معنى قول الله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وهو عموم في إيجاب الوفاء بجميع ما يشترطه الإنسان على نفسه ما لم تقم دلالة تخصصه (5) .
(1) القواعد النورانية الفقهية، ص 192، لابن تيمية المتوفي في 728 هـ.
(2)
يشير بهذا إلى آراء المذاهب الأربعة.
(3)
الأحكام في أصول الأحكام: 5 / 6 وما بعدها لابن حزم المتوفي 456 هـ.
(4)
المصدر السابق: 5 / 6 – 12.
(5)
أحكام القرآن: 2 / 362 للجصاص المتوفي 370 هـ.
وقد عرف الجصاص العقد بأنه: (ما يعقده العاقد على أمر يفعله هو، أو يعقد على غيره فعله على وجه إلزامه إياه. . . ثم قال: فكل شرط شرطه الإنسان على نفسه في شيء يفعله في المستقبل فهو عقد)(1) .
وابن تيمية يوافق ابن حزم في تقسيم الشروط إلى قسمين حيث يقول:
القاعدة الثالثة في العقود والشروط، فيما يحل منها ويحرم، وما يصح منها ويفسد:
ومسائل هذه القاعدة كثيرة جدًا، والذي يمكن ضبطه فيها قولان: أحدهما: أن يقال الأصل في العقود والشروط فيها ونحو ذلك الحظر إلا ما ورد الشرع بإجازته، فهذا قول أهل الظاهر، وكثير من أصول أبي حنيفة ينبني على هذا، وكثير من أصول الشافعي، وطائفة من أصول أصحاب مالك وأحمد. . . وقول الثاني إن الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم منه ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله، نصًا أو قياساً. . . وأصول أحمد المنصوصة عنه أكثرها تجري على هذا القول، ومالك قريب منه، ولكن أحمد أكثر تصحيحًا للشروط، فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحًا للشروط منه (2) .
هل يوجد دليل على تحريم الشرط الجزائي؟ :
إن اعتبار الشرط الجزائي شرطًا مستحدثًا، وتطبيق قاعدة (الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة ولا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله، نصًا أو قياسًا) يوجب علينا أن نبحث فيما إذا كان هناك دليل على تحريم الشرط الجزائي نصًا أو قياسًا، فهل يوجد هذا الدليل؟
1) قوله صلى الله عليه وسلم في قصة بريرة: ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مائة شرط.
وفي بعض الروايات زيادة: شرط الله أحق وأوثق (3) .
قال ابن حزم بعدما ذكر هذا الحديث:
(فهذا الأثر كالشمس صحة وبيانًا يرفع الإشكال كله)(4) .
وليس الأمر كما قال ابن حزم، لأن "ليس في كتاب الله " المراد به ما خالف كتاب الله، وليس المراد أن كل من شرط شرطًا لم ينطق به الكتاب يبطل (5) .
(1) المصدر السابق: 2 / 360.
(2)
القواعد النورانية الفقهية، ص 184 وما بعدها؛ وانظر أيضًا كتاب الغرر وأثره في العقود، ص 30 وما بعدها.
(3)
صحيح البخاري مع فتح الباري: 5 / 353 و187، 190
(4)
المحلي: 8 / 477، مطبعة الإمام.
(5)
فتح الباري: 5 / 188؛ وانظر كتاب الغرر وأثره في العقود، ص 37.
2) حديث النهي عن بيع وشرط:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط.
هذا الحديث رواه عبد الحق في أحكامه، وقال ابن عرفة: لا أعرف هذا الحديث إلا من طريق عبد الحق (1) وقال ابن رشد: روي عن أبي حنيفة أنه روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط (2)، وقال ابن قدامة المقدسي: حديث النهي عن بيع وشرط ليس له أصل، وقد أنكره أحمد، ولا نعرفه مرويًّا في مسند، فلا يعول عليه (3) وقال ابن تيمية: الحديث ذكره جماعة من المصنفين في الفقه، ولا يوجد في شيء من دواوين الحديث، وإن الأحاديث الصحيحة تعارضه (4) .
هذا وقد اختلف الفقهاء اختلافًا كبيرًا في العمل بهذا الحديث، فأخذ به الحنفية والشافعية في الجملة، ولم يأخذ به الحنابلة، وأخذ به المالكية في موضعين:
أحدهما: الشرط الذي يناقض مقتضى العقد.
والثاني: الشرط الذي يعود بخلل في الثمن (5) .
(1) الحطاب: 4 / 373.
(2)
بداية المجتهد: 2 / 16
(3)
الشرح الكبير على المقنع: 4 / 53.
(4)
القواعد النورانية الفقهية، ص 187.
(5)
المبسوط: 13 / 13؛ والمهذب: 1/ 268؛ والشرح الكبير على المقنع: 4 / 49؛ وبداية المجتهد: 2 / 16؛ والحطاب: 4 / 373؛ انظر كتاب الغرر وأثره في العقود، ص 114 – 117.
3) الضرر الذي يعوض عنه في الشرط الجزائي:
قلنا إن الشرط الجزائي هو تقدير اتفاقي للتعويض عن الضرر الذي لحق بالدائن، فما حكم التعويض عن الضرر؟ وما الضرر الذي يعوض عنه؟
لا خلاف بين الفقه والقانون في جواز التعويض عن الضرر، سواء كان في المسؤولية التقصيرية – الفعل الضار – أو في المسؤولية العقدية – العقد (1) -، وإنما الخلاف في نوع الضرر الذي يعوض عنه: ففي القانون يعوض عن الضرر المالي، والضرر الأدبي، وما لحق الدائن من خسارة، وما فاته من كسب (2) .
ويوافق الفقه القانون في التعويض عن الضرر المالي، فلا خلاف بين الفقهاء المتقدمين والمعاصرين في جوازه.
أما التعويض عن الضرر الأدبي، فإن الفقهاء المتقدمين لم يتعرضوا له بالاسم، واختلف فيه الفقهاء المعاصرون اختلافًا كبيرًا.
فالأستاذ على الخفيف – رحمه الله – يقول: إن عدم قيام الملتزم بالتزامه يسلتزم شرعًا إلزامه وإجباره عليه، فإن امتنع كان امتناعه معصية يستحق عليها التعزير إلى أن يمتثل، أما إلزامه بمال على وجه التعويض عما أحدثه بامتناع من ضرر، لا يتمثل في فقد المال، فلا تبيحه القواعد الفقهية، والأصول الشرعية التي تقضي بأن أخذ المال لا يكون إلا تبرعًا، أو في مقابلة مال أخذ أو أتلف، وإلا كان أكلًا له بالباطل، وعلى ذلك يكون أخذه تعويضًا عن ضرر لم يترتب عليه تلف لمال غير جائز شرعًا، لأن أساس التعويض في نظر الفقهاء هو مقابلة المال بالمال، فإن قوبل المال بغير مال كان أكلًا للمال بالباطل (3) .
ويقول أيضًا: إن وجوب التضمين بالمال إنما يكون في ضرر مالي أصاب المضرور، وذلك بتلف بعض ماله، أو نقص قيمته بفعل ضار، أما الضرر الذي لا يتمثل في فقد مال كان قائمًا، فلا يرى الفقهاء فيه تعويضًا (4) .
(1) يرى الاستاذ الخفيف أن ضمان العقد الذي يعرفه الفقهاء غير المسؤولية العقدية في اصطلاح فقهاء التشريع الوضعي، الضمان في الفقه الإسلامي: 1 / 20
(2)
تنص المادة 222 من القانون المصري على الآتي: يشمل التعويض الضرر الأدبي أيضاً. . . وتنص الماد ة221 على الآتي: ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة، وما فاته من كسب.
(3)
الضمان في الفقه الإسلامي، ص 21.
(4)
المصدر السابق، ص 18؛ وانظر أيضًا، ص 46.
فالأستاذ على الخفيف يمنع التعويض عن الضرر الأدبي، ويمنع التعويض أيضًا عما فات المضرور من كسب، ويجيز فقط التعويض عن الضرر المالي القائم فعلًا، فلو أخذنا برأيه هذا فإننا نقفل باب الشرط الجزائي، لأن التعويض فيه يكون غالبًا عما فات المضرور من كسب.
ويوافق الأستاذ مصطفى الزرقا – رحمه الله – الأستاذ علي الخفيف في منع التعويض عن الضرر الأدبي، ولكنه يجيز التعويض عما فات المضرور من كسب، ويشترط في الكسب الذي يعوض عن فواته أن يكون أكيدًا لا شك فيه، أما المأمول الاحتمالي فلا (1) .
ويقول عن التعويض عن الضرر الأدبي:
(الحكم بالتعويض المالي عن الضرر الأدبي حكم مستحدث، ليس له نظائر في الفقه الإسلامي. . . والأسلوب الذي اتبعته الشريعة في معالجة الإضرار الأدبي إنما هو التعزير الزاجر، وليس التعويض المالي، إذ لا تعد الشريعة شرف الإنسان وسمعته مالًا متقومًا يعوض بمال آخر إذا اعتدى عليه. . . وخلاصة القول إننا لا نرى مبررًا استصلاحيًا لمعالجة الإضرار الأدبي بالتعويض المالي، ما دامت الشريعة قد فتحت مجالًا واسعًا لقمعه بالزواجر التعزيرية)(2) .
وينص القانون المدني الأردني على جواز التعويض عن الضرر الأدبي، والتعويض عما فات من كسب (3) موافقًا في هذا القانون المصري، ويوافق قانون المعاملات المدنية لسنة 1984 م (السوداني)(4) ومشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد (5) القانون المدني الأردني، وهذه القوانين الثلاثة مستمدة من الفقه الإسلامي، وقد حاول واضعوا المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني أن يؤصلوا التعويض عن الضرر الأدبي من الفقه الإسلامي فلم يوفقوا في نظري (6) .
هذا ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه القوانين أوردت المواد الخاصة بالتعويض عن الضرر الأدبي، والعوض عما فات من كسب، في الكلام عن المسؤولية التقصيرية – الفعل الضار -، ولم نوردها في الكلام عن المسؤولية، العقدية – العقد – ولكن التعويض عن الضرر الأدبي يجوز في كل من المسؤوليتين: التقصيرية والعقدية، ولكن حصوله نادر في المسؤولية العقدية، كما يقول السنهوري (7) .
(1) الفعل الضار، ص 118؛ وازن هذا مع ما جاء في، ص 57.
(2)
الفعل الضار، ص 121 – 124.
(3)
المادة: 266 و267.
(4)
المادة: 152 و153.
(5)
المادة: 270 و271.
(6)
انظر تعليقي على المادة 153 من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984 السوداني، الملحق رقم 3.
(7)
الوسيط: 1 / 680 و683.
العقود التي يجوز فيها اشتراط الشرط الجزائي، والعقود التي لا يجوز فيها اشتراطه:
أولًا: عقود أجاز مجمع الفقه الإسلامي اشتراط الشرط الجزائي فيها:
1-
عقد الاستصناع:
أصدر مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7 إلى 12 ذو القعدة 1412هـ، 9 – 14 مايو 1992 م القرار رقم 67 / 3 / 7 بشأن عقد الاستصناع، وقد جاء فيه:
4-
يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطًا جزائيًّا بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة (1) .
عقد الاستصناع هذا يقابل عقد المقاولة في القوانين الوضعية عندما تكون المادة والعمل من المقاول، ويطابقه تمامًا على الرأي القائل إن عقد الاستصناع عقد ملزم للطرفين، وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي (2) .
هذا القرار يجيز اشتراط الشرط الجزائي في عقد الاستصناع، ويلزم المتعاقدين بتنفيذ ما اتفقا عليه، ما لم تكن هناك ظروف قاهرة تمنع تنفيذ العقد.
ويلحظ أن القرار يضع شرطًا واحدًا لاستحقاق الشرط الجزائي المتفق عليه في العقد، هو ألا تكون هناك ظروف قاهرة (3) تمنع تنفيذ العقد الأصلي، وهذا الشرط يقابل شرط وجود الخطأ من المدين الذي يشترطه القانون لاستحقاق الشرط الجزائي، ولكن القرار لم يشر إلى باقي الشروط التي يشترطها القانون والتي أوردناها في بياننا لحقيقة الشرط الجزائي (4) فهل يفهم من هذا أن القرار لا يشترط حدوث ضرر لاستحقاق الشرط الجزائي، ويحكم بالتعويض المتفق عليه في العقد، ولو لم يصب الدائن ضرر؟
ينبغي ألا يفهم هذا من القرار، لأن القرار لم يصدر بناء على دراسة للشرط الجزائي، ،إنما جاء ذكر الشرط الجزائي عرضًا في بعض البحوث عن عقد الاستصناع، والقرار لم يقصد منه بيان أحكام الشرط الجزائي، وإنما قصد منه جواز اشتراطه في عقد الاستصناع بصفة عامة.
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد السابع: 2 / 778.
(2)
المصدر السابق، ص 777.
(3)
الظروف القاهرة هي المعبر عنها في القانون بالقوة القاهرة، أو الحادث الفجائي الوسيط: 1 / 876.
(4)
انظر، ص 51 و52.
ويلحظ أيضًا أن القرار لم يفرق بين ما إذا كان الشرط الجزائي على الصانع إذا أخل بالتزامه، أو على المستصنع إذا أخل بالتزامه في دفع الثمن في موعده، والواجب التفرقة بينهما، لأن الشرط الجزائي يجوز اشتراطه على الصانع، ولا يجوز اشتراطه على المستصنع، لأن اشتراطه على المستصنع إذا تأخر في الدفع ربا محرم (1) .
هذا وقد جاء في بعض البحوث المقدمة لمجمع الفقه الإسلامي عن الشرط الجزائي في عقد الاستصناع ما يلي:
وكذلك لو اشترط أحد العاقدين فرض غرامة مالية على الآخر في عقد الاستصناع إن تأخر الصانع في إكمال السلعة المطلوب صناعتها في ورقته، أو تأخر المستصنع في دفع المال إليه، وترتب على التأخير ضرر، فإن للمتضرر الحق في التعويض بقدر ضرره (2) .
هذا خطأ، لأن الشرط الجزائي يجوز اشتراطه في حالة تأخر الصانع، ولا يجوز اشتراطه في حالة تأخر المستصنع في السداد، لأن هذا ربا محرم كما قلنا.
(1) انظر قرار مجمع الفقه الإسلامي في ص 68 من هذا البحث.
(2)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد السابع: 2 / 366.
2-
عقد البيع بالتقسيط:
اصدر مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ، 14 – 20 آذار (مارس) 1990 م القرار رقم 53 / 2 / 6 بشأن البيع بالتقسيط جاء فيه:
5-
يجوز شرعًا أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها، مادام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد (1) .
وجاء أيضًا في القرار رقم 66 / 2 / 7 بشأن البيع بالتقسيط الصادر في دورة المؤتمر السابع بجدة من 7 – 12 ذي القعدة 1412 هـ ـ - 9 – 14 مايو 1992 م ما يلي:
5-
يجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر الأقساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الأقساط المستحقة عليه، ما لم يكن معسرًا.
6-
إذا اعتبر الدين حالًا لموت المدين، أو إفلاسه، أو مماطلته، فيجوز في جميع هذه الحالات الحط منه للتعجيل بالتراضي (2) .
هذا المثال من أمثلة الشرط الجزائي المنصوص عليه في القانون (3) ، فالشرط الجزائي الأصل فيه أن يكون مبلغًا من النقود، ولكن يصح أن يكون شيئًا أو عملًا أو امتناعاً. . . (4) .
يلحظ أن المجمع أصدر في الشرط الجزائي في البيع بالتقسيط قرارين في الدورتين اللتين بحث فيهما عقد البيع بالتقسيط، والقراران يتفقان في جواز الشرط الجزائي في عقد البيع بالتقسيط، ولكنها يختلفان في الآتي:
1-
القرار الأول نص على أن الاشتراط يكون في حالة البيع بالأجل، أما القرار الثاني فعبر (باتفاق المتداينين) ، وهذا التعبير يشمل دين البيع كما يشمل دين القرض، وهذا يعني أن المجمع أجاز هذا الشرط الجزائي في القرض، إذا كان أداؤه مقسطًا.
2-
القرار الأول عبر (بتأخر المدين) والقرار الثاني عبر (بامتناع المدين) .
3-
استثنى القرار الثاني من تطبيق الشرط الجزائي حالة إعسار المدين، ولم يتعرض لها القرار الأول.
هذا الشرط الجزائي من الشروط المعروفة عندنا في السودان التي تشترطها البنوك في حالة البيع بالتقسيط، وفي بيع المرابحة للآمر بالشراء، لأن الثمن فيه يكون دائمًا، إما مؤجلًا أو مقسطًا.
4-
زاد القرار الثاني فقرة بين فيها ما يدفعه المدين المماطل الذي حكم عليه بحلول الأقساط الباقية بناء على الشرط الجزائي، هل يدفعها كاملة، أم يحط عنه منها للتعجيل؟
بين القرار أنه يجوز في حالة الحط من المبلغ للتعجيل بالتراضي، وهذا الحكم غير كاف في نظري، وكان الأولى أن يكون القرار باتًا في الحكم بالحط للتعجيل، أو عدمه، لا أن يترك الأمر لتراضي الطرفين (5) .
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد السادس: 1 / 448.
(2)
المصدر السابق العدد السابع الجزء الثاني، ص 218.
(3)
انظر، ص 51.
(4)
الوسيط: 2 / 855 هامش.
(5)
انظر بحث د. رفيق المصري في مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد السابع: 2 / 92 – 93.
ثانيًّا - عقود منع مجمع الفقه الإسلامي اشتراط الشرط الجزائي فيها:
1-
: عقد البيع بالتقسيط
أصدر مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ ـ 14 – 20 آذار (مارس) 1990 القرار رقم 53 / 2 / 6 بشأن البيع بالتقسيط جاء فيه:
3-
إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد، فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين، بشرط سابق أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم.
4-
يحرم على المدين الملئ أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعًا اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء (1) .
هذا القرار يمنع الشرط الجزائي في حالة تأخر المدين عن الأداء سواء أكان الدين دين قرض أم دين بيع، لأن هذا ربا محرم.
ويفهم من هذا القرار والقرار السابق أن العقد الواحد يجوز أن يشترط فيه الشرط الجزائي من جهة، ولا يجوز اشتراطه فيه من جهة أخرى، وهذا الحكم ينطبق أيضًا على عقد الاستصناع.
2 -
عقد السلم:
أصدر مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 – 6 ذي القعدة 1415 هـ، 1 – 6 نيسان (إبريل) 1995 م القرار رقم 85 / 2 / 9 بشأن السلم وتطبيقاته المعاصرة جاء فيه:
ز- لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه، لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عن التأخير (2) .
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد السادس: 1 / 447 و448.
(2)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد التاسع: 1 / 371.
قرار مجلس هيئة كبار العلماء:
أصدر مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية القرار رقم 25 بتاريخ 21 / 8 / 1394 الذي ينص على الآتي:
(إن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر، يجب الأخذ به، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعًا، فيكون العذر مسقطًا لوجوبه حتى يزول، وإذا كان الشرط الجزائي كثيرًا فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعة، أو لحق من ضرر، ويرجع في تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظرة)(1) .
يتضمن هذا القرار عددًا من الأحكام هي:
1) الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح يلزم الوفاء به.
هذا حكم عام يجوز اشتراط الشرط الجزائي المعمول به في البلاد العربية والبلاد الإسلامية الذي بينا حقيقته في أول بحثنا.
2) استثنى القرار من لزوم الوفاء بالشرط الجزائي الحالة التي يوجد فيها عذر معتبر شرعًا للإخلال بالالتزام في العقد الأصلي.
هذا الاستثناء متفق في الجملة مع الاستثناء الذي ورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 67 / 3 / 7 بشأن الشرط الجزائي في عقد الاستصناع (2) ، ومتفق أيضًا مع ما يشترطه القانون المصري لاستحقاق الشرط الجزائي (3) .
3) استثنى القرار أيضًا الحالة التي يكون فيها الشرط الجزائي كثيرًا عرفًا بحيث يراد به التهديد المالي. . . فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعة أو لحق من ضرر.
هذا الحكم معمول به في القانون، وقد سبق بيانه (4) .
4) جواز التعويض عما فات من منفعة.
هذا الحكم يتفق في الجملة مع ما يقرره القانون المصري من أن التعويض يشمل ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب (5) .
5) جواز التعويض عما لحق من ضرر.
هذا متفق مع القانون من حيث المبدأ، ولكن القانون نص على أنه يعوض عن الضرر المالي والضرر الأدبي، ولم يتعرض القرار لهذه المسألة، فيرجع فيها إلى الفقه الإسلامي، وقد بينا عدم جواز التعويض عن الضرر الأدبي (6) .
بقيت مسألة هامة يجب التنبيه إليها هي أن القرار نص في أوله على (أن الشرط الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر يجب الأخذ به. . .)(والعقود) لفظ عام يشمل كل عقد، فلو أخذنا بظاهره لجوزنا الشرط الجزائي في كل عقد، وهذا غير مراد قطعًا من النص، لأن من العقود ما لا يجوز اشتراط الشرط الجزائي فيه باتفاق الفقهاء، فعقد القرض لا يجوز اشتراط الشرط الجزائي فيه عن التأخير في السداد، لأن هذا ربا صريح، وكذلك اشتراطه في التأخير عن سداد جميع الديون أيا كان سببها، ولو كان التأخير مماطلة من المدين (7) ، واستدلال بعض العلماء بقرار مجلس هيئة كبار العلماء على جواز وضع شرط جزائي يلزم المدين المماطل بدفع مبلغ من المال في حال المماطلة استدلال في غير محله، لأنه ليس في القرار نص في هذه المسألة، وفهمها من العموم الذي في كلمة العقود غير سليم، لأنه يؤدي إلى جواز الربا (8) .
(1) انظر القرار من مقدمته في الملحق رقم 4.
(2)
راجع، ص 65.
(3)
راجع، ص 53.
(4)
راجع، ص 53.
(5)
المادة: 221؛ والوسيط: 1 / 910.
(6)
راجع، ص 62 – 64.
(7)
انظر قرار مجمع الفقه الإسلامي في، ص 68.
(8)
انظر بحث الشيخ عبد الله بن منيع عن: (مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته) ، ص 5 و10 مطبوع على الآلة الكاتبة.
ضابط العقود التي يجوز اشتراط الشرط الجزائي فيها، والعقود التي لا يجوز اشتراطه فيها:
أستطيع مما ذكرته ومن غيره أن أستخلص ضابطًا للعقود التي يجوز اشتراط الشرط الجزائي فيها هو:
يجوز اشتراط الشرط الجزائي في جميع العقود ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دينًا.
والعقود التي يكون الالتزام فيها دينًا ثلاثة: هي القرض، والبيع بثمن مؤجل، وعقد السلم.
ففي عقد القرض لا يجوز أن يشترط الدائن على المدين شرطًا جزائيًّا بدافع مبلغ من المال في حالة تأخره في السداد.
وفي عقد البيع بثمن مؤجل أو مقسط لا يجوز أيضًا أن يشترط البائع على المشتري شرطًا جزائيًّا بدفع مبلغ من المال في حالة تأخره عن الدفع في الأجل.
وكذلك لا يجوز في عقد السلم أن يشترط رب السلم على المسلم إليه شرطًا جزائيًّا بدفع مبلغ من المال في حالة تأخره عن تسليم المسلم فيه في الأجل.
وذلك لأن هذا الشرط يؤدي في الحالات الثلاث إلى الربا، ولا يتصور في هذه العقود الثلاثة اشتراط شرط جزائي في حالة عدم التنفيذ.
ويجوز اشتراط الشرط الجزائي في سائر العقود الأخرى، سواء أكان اشتراطه في حالة عدم التنفيذ، أما في حالة التأخير في التنفيذ، فيجوز اشتراطه في عقد الاستصناع على الصانع إذا لم ينفذ ما التزم بصنعه، كما يجوز اشتراطه عليه إذا تأخر في التنفيذ، حسب قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي بلزوم عقد الاستصناع، ولا يجوز اشتراط الشرط الجزائي على المستصنع إذا تأخر في دفع المال الذي عليه في موعده، لأن المستصنع مدين (1) .
ومثل الاستصناع عقد المقاولة كما تقدم (2) .
(1) انظر، ص 66.
(2)
انظر، 65.
وعقد المقاولة وعقد التوريد هما العقدان اللذان يكثر فيهما اشتراط الشرط الجزائي في حالة عدم التنفيذ، وفي حالة التأخير في التنفيذ، ولا خلاف بين الفقهاء المعاصرين في جواز الشرط الجزائي فيهما في حالة عدم التنفيذ، ولكن بعض الباحثين نازع في جواز الشرط الجزائي فيهما في حالة التأخير في التنفيذ.
يقول الدكتور رفيق المصري في بحثه عن (مناقصات العقود الإدارية، عقود التوريد ومقاولات الأشغال العامة) 2 – 18 رأينا في الشرط الجزائي: التمييز بين التخلف والتأخير
1-
وعلى هذا فإن الرأي في الشرط الجزائي إن كان لعدم التنفيذ فهو جائز، ويأخذ حكم العربون (1) .
2-
وإن كان اشتراط الشرط لأجل التأخير في التنفيذ فإنه غير جائز، لأنه يكون في حكم ربا النسيئة، والله أعلم.
وبهذا نكون قد ميزنا في الشرط الجزائي بين التخلف (عدم التنفيذ) والتأخير، وبهذا تمتنع غرامات التأخير في عقد التوريد (2) .
ويؤيد الدكتور رفيق رأيه هذا بقوله:
(إذا اعتبرنا أن المبيع المستحق في أجل محدد ضرب من الالتزام (الدين) فإن في غرامة التأخير شبهة ربا النسيئة: تقضي أو تربي (3) .
ووافق الدكتور رفيقًا كل من الشيخ حسن الجواهري (4) ، والدكتور على محيي الدين القره داغي (5) ، ولست معهم في هذا الرأي، لأن ما استدل به الدكتور رفيق غير مقبول عندي، واستدلال الدكتور رفيق هو:(أن المبيع المستحق التسليم في أجل محدد ضرب من الالتزام (الدَّيْن)) .
(1) الشرط الجزائي لا يأخذ حكم العربون لا فقهًا ولا قانونًا، انظر، ص 55.
(2)
ويلحظ أن الدكتور رفيقًا لا يفرق بين غرامات التأخير والشرط الجزائي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد التاسع الجزء الثاني: 235 / 236.
(3)
المصدر السابق، ص 232.
(4)
المصدرالسابق، ص 310.
(5)
المصدر السابق، ص 327.
أقول: كون المبيع المستحق التسليم في أجل محدد ضرب من الالتزام لا خلاف فيه، وأما كون هذا الالتزام مساويًّا للدين فغير مسلم، لأن الالتزام أعم من الدين، فكل دين التزام، وليس كل التزام دينًا، والالتزام في عقد المقاولة ليس دينًا، وإنما هو التزام بأداء عمل، والمقاول قد يكون دائنًا لا مدينًا في كثير من الحالات، فالبنوك العقارية تقوم ببناء المساكن مقاولة وتتقاضى المقابل على أقساط بعد تسليم المبنى، وكذلك يفعل كبار المقاولين.
والفرق كبير جدًا بين التزام المقاول والمورد، والتزام المقترض والمشتري بثمن مؤجل والمسلم إليه، فالتزام هؤلاء الثلاثة دين حقيقي ثبت في ذمتهم وأخذوا مقابله، أما التزام المقاول والمورد فهو التزام بأداء عمل لا يستحقون مقابله إلا بعد أدائه، والله أعلم.
غرامات التأخير غير الشرط الجزائي:
يخضع المتعاقد مع الدولة لغرامة تأخير لا تزيد في مجموعها على 4 % من قيمة عقد التوريد و10 % من قيمة الأشغال العامة والصيانة، وقد تكون هذه الغرامة تصاعدية حسب مدة التأخير (1) .
يخلط بعض الباحثين بين غرامات التأخير هذه، والشرط الجزائي فيعتبرهما شيئًا واحدًا، وهذا غير صحيح، فغرامات التأخير تفرضها الحكومة على المتعامل معها في المناقصات الحكومية، وهي أقرب إلى العقوبة المالية، أما الشرط الجزائي فهو تقدير اتفق عليه المتعاقدان لقيمة التعويض عن الضرر الذي ينشأ عن الإخلال بالعقد كما بينا، ولهذا يطلق عليه بعضهم (2)(التعويض الاتفاقي) ، وهذه التسمية أولى عندي من تسميته (الشرط الجزائي) ولكن الاصطلاح جرى واستقر على عبارة (الشرط الجزائي) .
وبحثي هذا خاص بالشرط الجزائي – التعويض الاتفاقي – ولا يتناول غرامات التأخير.
(1) المصدر السابق، ص 229.
(2)
الدكتور السنهوري في الوسيط: 2 / 851، وما نسبه الدكتور رفيق المصري إلى الدكتور السنهوري من أنه ممن يعتبرون غرامات التأخير في مناقصات التوريد والمقاولة صورة من صور الشرط الجزائي لم أجده في المراجع التي أشار إليه (الوسيط ومصادر الحق) مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد التاسع: 2 / 231.
الخاتمة والملخص
واقتراح مشروع قرار بشأن الشرط الجزائي
الشرط الجزائي المعمول به في البلاد العربية والبلاد الإسلامية هو تقدير اتفاقي للتعويض عن الضرر الذي يلحق الدائن إذا لم ينفذ المدين التزامه، أو إذا تأخر في تنفيذ التزامه، يشترط عند العقد الأصلي، أو بعده، وقبل حدوث الضرر، فهو التزام تابع لعقد أصلي، ويكثر اشتراطه في عقد المقاولة وعقد التوريد.
ومصدر الشرط الجزائي القوانين الغربية، أخذه القانون المصري عن القانون الفرنسي، وأدخل بعد التعديلات على أحكامه، وتبعت أكثر القوانين العربية القانون المصري.
بين القانون المصري أحكام الشرط الجزائي في المواد 223، 224، 225، وأهم هذه الأحكام أن الشرط الجزائي لا يستحق إلا إذا تحققت شروط استحقاق التعويض، وهي:
وجود ضرر يصيب الدائن، ووجود خطأ من المدين، ووجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر، وأعذار المدين.
وأخذت بالشرط الجزائي قوانين مستمدة من الفقه الإسلامي: منها القانون المدني الأردني، وقانون المعاملات المدنية لسنة 1984 م (السوداني) ، ومشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد مع اختلاف في بعض الأحكام.
وقد بحثت عن حكم هذا الشرط الجزائي فلم أجد دليلًا مباشرًا، على جوازه أو منعه، من قرآن أو سنة أو قول لصحابي أو فقيه من المقدمين، كما لم أجد ما يمكن أن يقاس عليه قياسا سليمًا من العقود الصحيحة، أو الفاسدة.
ولهذا اعتبرته من العقود المستحدثة التي تطبق عليها القاعدة التي اتفق الفقهاء المعاصرون على العمل بها وهي:
الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصًا، أو قياسًا.
واستعرضت ما يشتبه أن يكون مبطلًا للشرط الجزائي فلم أجد نصًا أو قياسًا يبطله من أساسه، ولكن وجدت ما يبطل بعض أحكامه التي يجيزها القانون مثال ذلك الضرر الذي يعوض عنه، وجدت القوانين تعوض عن الضرر المالي، والضرر الأدبي أو المعنوي، والفقه الإسلامي يعوض عن الضرر المالي، ولا يعوض عن الضرر الأدبي، ومثال آخر هو أن القانون يجيز الشرط الجزائي في جميع العقود، أما الفقه الإسلامي فلا يجيز الشرط الجزائي في العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دينًا، لأن اشتراطه فيها يؤدي إلى الربا.
وبناءً على هذه الحقائق اقترحت مشروع القرار التالي بشأن الشرط الجزائي:
1-
الشرط الجزائي هو اتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه من شرط له، عن الضرر الذي يلحقه، إذا لم ينفذ الطرف الآخر ما التزم به، أو تأخر في تنفيذه.
2-
يجوز أن يكون الشرط الجزائي مقترنًا بالعقد الأصلي، كما يجوز أن يكون في اتفاق لاحق، قبل حدوث الضرر.
3-
يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دينًا.
4-
الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي، وما لحق المضرور من خسارة، وما فاته من كسب مؤكد، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي.
5-
لا يعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شرط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسبب خارج عن إرادته، أو أثبت أن من شرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد.
6-
يجوز للمحكمة، بناءً على طلب أحد الطرفين أن تعدل في مقدار التعويض، إذا وجدت مبررًا لذلك.
والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الصديق محمد الأمين الضرير
أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية القانون
جامعة الخرطوم
ملحق رقم (1)
أولًا – قانون المعاملات المدنية لسنة 1984 م (السوداني)
طريقة تقدير التعويض
154 – (3) يجوز دائما أن يتفق الأطراف على قيمة التعويض، ولا يكره شخص على التنازل عن حقه في التعويض.
153-
(1) يشمل التعويض الضرر الأدبي كذلك، فكل تعد على الغير في حريته أو عرضه، أو في شرفه، أو في سمعته، أو في مركزه الاجتماعي، أو في اعتباره المالي يوجب مسؤولية المتعدي عن التعويض.
152-
تقدر المحكمة التعويض بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب....
ثانيًّا – مشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد
316 – يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدمًا مقدار التعويض بالنص عليه في العقد، أو في اتفاق لاحق، ويراعى في الحالين أحكام القانون ، ولا سيما المواد 282 – 287.
318 – (1) لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقًا إذا اثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر.
(2)
يجوز للمحكمة أن تخفض التعويض إلى ما يساوي الضرر، إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغًا فيه، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه.
(3)
إذا جاوز الضرر مقدار التعويض الاتفاقي، نتيجة لغش أو خطأ جسيم من المدين، جاز للدائن أن يطالب بزيادة التعويض إلى القدر المساوي للضرر.
(4)
يقع باطلًا كل اتفاق يخالف أحكام الفقرات السابقة.
270 – يقدر التعويض في جميع الأحوال بقدر ما لحق بالمضرور من ضرر، وما فاته من كسب. . .
371 – يتناول حق التعويض الضرر الأدبي كذلك، فكل تعد على الغير في حريته أو في عرضه، أو شرفه، أو سمعته، أو في مركزه الاجتماعي، أو في اعتباره المالي يجعل المعتدي مسؤولا عن التعويض.
ملحق رقم (2)
ما عليه العمل في المملكة العربية السعودية
العمل في المملكة العربية السعودية لا يأخذ بالتعويض الاتفاقي للضرر – الشرط الجزائي – وإنما يفرض غرامة محددة في النظام على من أخل بالالتزام.
جاء في نظام المناقصات والمزايدات السعودية، ص 107 ما يلي (1) :
إذا تأخر المقاول عن إتمام العمل وتسليمه كاملًا في المواعيد المحددة، ولم تر اللجنة صاحبة المقاولة داعيًّا لسحب العمل منه توقع عليه غرامة عن المدة التي يتأخر فيها إكمال العمل بعد الميعاد المحدد للتسليم إلى أن يتم الاستلام المؤقت دون حاجة إلى تنبيه للمقاول، ويكون توقيع الغرامة على المقاول كما يلي:
1 % عن الأسبوع الأول.
1.
5 % عن الأسبوع الثاني.
2 % عن الأسبوع الثالث.
2.
5 % عما زاد عن ثلاثة أسابيع.
3 % عن أي مدة تزيد عن أربعة أسابيع.
(1) عن بحث لجنة كبار العلماء، ص 4 مطبوع على الآلة الكاتبة.
ب بسم الله الرحمن الرحيم
تعليق على المادة (153) في قانون
المعاملات المدنية لسنة 1984 التي تنص على الآتي
153 (1) يشمل التعويض الضرر الأدبي كذلك، فكل تعد على الغير في حريته أو في عرضه، أو في شرفه، أو في سمعته، أو في مركزه الاجتماعي، أو في اعتباره المالي يوجب مسؤولية المتعدي عن التعويض.
هذه الفقرة من المادة مأخوذة من القانون الأردني المادة 267 (1) وهذا نصها:
(يتناول حق الضمان الضرر الأدبي كذلك، فكل تعد على الغير في حريته، أو في عرضه، أو في شرفه، أو في سمعته، أو في مركزه الاجتماعي، أو في اعتباره المالي، يجعل المعتدي مسؤولا عن الضمان) .
والقانون الأردني أخذها من القانون العراقي المادة (205) وهي تقابل المادة (229) في القانون المصري.
جاء في أول الكلام في المذكرة الإيضاحية لهذه المادة في القانون الأردني ما يلي:
(تتناول هذه المادة الضرر الأدبي وتقرر التعويض عنه، وقد استقر الرأي في العصر الحاضر على وجود التعويض عن الضرر الأدبي بوجه عام، بحد أن زال ما خامر الأذهان من عوامل التردد في هذا الصدد، وقد عمدت بعض التقنينات القديمة، كالتقنين الهولندي، وغالبية ساحقة من التقنينات الحديثة إلى إقرار هذا الحكم في نصوص التشريع، وقد بلغ من أمره هذه النزعة أن أورد المشرع الفرنسي الإيطالي بعض أمثلة تطبيقية في هذا الشأن فنص في المادة (85) على ما يأتي:
(يجوز للقاضي بوجه خاص أن يحكم بتعويض المضرور عما يصيبه من ضرر في جسمه أو مساس بشرفه أو سمعته أو سمعة عائلته أو حريته الشخصية، أو انتهاك حرمة مسكنه أو حرمة سر يحرص عليه، وله كذلك أن يحكم للأقارب والأصهار والأزواج بالتعويض عما يصيبهم من ألم عند موت المضرور) .
واضح من هذا أن القانون الأردني متأثر بالقوانين الغربية في إقرار مبدأ التعويض عن الضرر الأدبي، بل في بعض جزئياته، والذي أريد الحديث عنه هو المبدأ وليس الجزئيات.
تقرر المادة التعويض عن الضرر الأدبي، ويراد به في القانون الضرر الذي لا يصيب الشخص في ماله وقد أرجعه الدكتور السنهوري إلى أربعة أنواع:
1-
ضرر أدبي يصيب الجسم كالجروح والتلف الذي يصيب الجسم والألم الذي ينجم من ذلك وما قد يعقب من تشويه، كل هذا يكون ضررًا ماديًّا وأدبيًّا إذا نتج عنه إنفاق المال في العلاج، أو نقص في القدرة على الكسب المادي، ويكون ضررًا أدبيًّا فحسب إذا لم ينتج عن ذلك.
2-
ضرر أدبي يصيب الشرف والاعتبار والعرض كالقذف والسب وهتك العرض. . . إلخ.
3-
ضرر أدبي يصيب العاطفة والشعور والحنان كانتزاع الطفل من حضن أمه وخطفه والاعتداء على الأولاد والأم والزوجة. . . إلخ.
4-
ضرر أدبي يصيب الشخص في مجرد الاعتداء على حق ثابت له، كدخول شخص أرضًا مملوكة لآخر بالرغم من معارضة المالك (1) .
كل هذه الأنواع من الضرر الأدبي يعوض عنها في القانون كما يعوض على الضرر العادي.
ويجوز التعويض عن الضرر الأدبي في كل من المسؤوليتين التقصيرية والعقدية حسب نص هذه المادة (2) .
التعويض في الفقه الإسلامي يكون عن الضرر المالي الواقع فعلًا، ولا تقبل قواعد الفقه الإسلامي، التعويض عن الضرر الأدبي على النحو الذي يقرره القانون (3) .
وإذا نظرنا إلى أمثلة الضرر الأدبي الواردة في القانون نجد بعضها جعل له الشارع عقوبة جنائية محددة كحد القذف، وبعضها فيه الجزاء المالي كما في الديات والأروش وحكومة العدل، وهذا النوع فيه شبه التعويض وشبه العقوبة وهو إلى العقوبة أقرب.
(1) الوسيط للدكتور السنهوري: 1 / 864.
(2)
انظر أمثلة الضرر الأدبي في المسؤولية العقدية في الوسيط للدكتور السنهوري: 1 / 682.
(3)
انظر الضمان في الفقه الإسلامي للأستاذ الخفيف 21 و46 و55؛ والولاية على المال والتعامل بالدين في الشريعة الإسلامية للاستاذ على حسب الله، ص 96.
وبعض الأمثلة ليس فيه جزاء مالي ولا عقوبة محددة ولكن يجوز فيه التعزير بما يراه الحاكم (1) .
وقد حاول بعض الباحثين تأصيل التعويض عن الضرر الأدبي من الفقه الإسلامي، وساقوا لذلك بعض الأدلة:
ومن ذلك ما ذهب إليه واضعوا المذكرات الإيضاحية للقانون الأردني.
جاء في المذكرة الإيضاحية للمادة 267:
(وفي الفقه الإسلامي ما يفيد التعويض عن الضرر الأدبي:
ففي الفقه الحنفي جاء في مبسوط السرخسي (26 / 81) :.
أنه روى عن محمد بن الحسن الشيباني في الجراحات التي تندمل على وجه لا يبقى له أثر أنه (تجب حكومة العدل بقدر ما لحقه من الألم) .
وفي الفقه الزيدي جاء في البحر الزخار (5 / 280)
(ومن أصاب سنًا فاضطربت انتظر برؤها المدة التي يقول أهل الخبرة تبرأ فيها، فإن سقطت فدية، وإن بقيت فحكومة. . . وفي الألم حكومة. . . وفي الإيلام
…
وفي السن الزائدة على العد حكومة إذ لا منفعة ولا جمال) .
وفيه أيضًا ص 282: ولا شيء في قطع طرف الشعر إذ لا يؤثر في الجمال فإن أثر بأن أخذ النصف فما فوق فحكومة لما فيه من الزينة.
وفي فقه الشيعة جاء في شرائع الإسلام للحلي (القسم الرابع ص 226) :
ولو أنبت الإنسان في موضع السن المقلوعة عظمًا فنبت فقلعه قالع. . أن فيه الأرش لأنه يستصحب ألمًا وشينا.
وفي المغنى الحنبلي (6 / 623 – 624) : وفي قطع حلمتي الثديين ديتهما. . . وقال مالك والثوري: إن ذهب اللبن وجبت ديتهما وإلا وجبت حكومة بقدر شينه.
وظاهر من هذه النصوص أن الألم يعرض عنه كذا الشين وتفويت الجمال، وهذه كلها تنطوي على أضرار أدبية لما يحدثه الفعل في نفس المضرور من ألم حسي أو نفسي) (2) .
(1) انظر التعزير في الفقه الإسلامي، للدكتور عبد العزيز عامر، ص 28 و111 و123 و124 و136؛ والضمان للأستاذ الخفيف، ص 210 وما بعدها.
(2)
المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني.
وهذا الاستظهار غير ظاهر عندي، لأن هذه النصوص تدل على الجراحات التي تترك شيْنًا، أو تفوت جمالًا أو منفعة، أو تحدث ألمًا فيها حكومة العدل. وحكومة العدل، وإن كان فيها معنى التعويض فهي في الحقيقة عقوبة على الجاني كالدية، ويؤيد هذا أن بعض فقهاء المالكية يوجب مع الحكومة أجرة الطبيب وثمن الدواء (1) ، وهذا هو التعويض عن الخسارة المالية التي تحملها المضرور (2) .
ثم إن النصوص الفقهية التي تدل على منع التعويض في الضرر الأدبي أوضح من هذه النصوص التي استدل بها واضعو المذكرات الإيضاحية على جوازه:
من ذلك ما أورده واضعو المذكرات أنفسهم نقلًا عن (المغنى) لابن قدامة (6 / 665) : وإن لطمه على وجهه فلم يؤثر في وجهه فلا ضمان عليه لأنه لم ينقص به جمال ولا منفعة، ولم يكن له جمال ينقص فيها فلم يضمنه كما لو شتمه (3) .
وقد أورد واضعوا المذكرات الإيضاحية على ما استدل به مانعو التعويض في الضرر الأدبي من أن (التعويض يقوم على إحلال مال محل مال فاقد مكافئ ليقوم مقامه ويسد مسده، أم الضرر الأدبي فلا يتمثل في فقد مال كان موجودًا) ردوا على هذا الاستدلال بثلاثة ردود هذا نصها (4) .
1-
السند في الباب هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا ضرر ولا ضرار)) وهو نص عام فقصره على الضرر المادي تخصيص بغير مخصص.
ويرد على هذا بأن هذا النص عام في الضرر المنهي عنه الواجب دفعه أو إزالته، وليس نصًا عامًا في الضرر الذي يجوز التعويض عنه بالمال، فكل ما يصدق عليه: لفظ الضرر منهي عنه بعموم هذا الحديث، وواجب دفعه أو إزالته، وبناءً على هذا الحديث وضع الفقهاء قاعدة:(الضرر يدفع بقدر الإمكان)(5) . وقاعدة (الضرر يزال)(6) وليس في الحديث ما يدل على أن التعويض المالي مشروع لإزالة كل ضرر، هذا فضلًا عن أن التعويض المالي لا يدفع الضرر الأدبي ولا يزيله.
2-
ليس المقصود بالتعويض مجرد إحلال مال محل مال، بل يدخل في الغرض منه المواساة إن لم تكن المماثلة ومن أظهر التطبيقات على ذلك الدية والأرش فليس أحدهما بدلًا من مال ولا عما يقوم بمال. ويرد على هذا بما قلناه سابقًا من أن الدية ليست تعويضًا وإنما هي عقوبة من الشارع ومثلها الأرش.
3-
إن القول بعدم التعويض عن الضرر الأدبي يفتح الباب على مصراعيه للمعتدين على أعراض الناس وسمعتهم، وفي هذا من المفسدة الخاصة والعامة ما فيه ما يجعل من الواجب معالجته، ومن أسباب العلاج تقرير التعويض.
ويرد على هذا بأن هذه الحجة مقبولة على أن المانعين للتعويض المالي لم يعالجوا ما يترتب على الضرر الأدبي من مفسدة، ولكن الواقع أنهم عالجوه بعلاج أنجع من علاج القانون وهو التعزير، ولنأخذ مثلًا الضرر الأدبي الذي يصيب الشرف والاعتبار والعرض كالقذف والسب. . . فإن القانون يعالج ما لحق المضرور بالتعويض المالي، والفقه الإسلامي يعالجه بالحد ثمانين جلدة أو بالتعزير بما يراه الحاكم، والعلاج الفقهي أشد درعًا للمفسدين من العلاج القانوني (7) .
وبناءً على هذا فإني لا أجد لمبدأ التعويض الأدبي على النحو الذي يقرره القانون أصلًا يعتد عليه في الفقه الإسلامي، ولا أرى مصلحة في الأخذ به.
البروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير
(1) ص 298 ،299؛ وانظر أيضًا نظرية الضمان للدكتور وهبة الزحيلي، ص 28.
(2)
الدسوقي على الشرح الكبير: 4 / 246.
(3)
المذكرات الإيضاحية للقانون الاردني: 1 / 299.
(4)
المصدر السابق: 1 / 299 – 300.
(5)
مجلة الأحكام العدلية، القاعدة 31.
(6)
المصدر السابق، القاعدة 20.
(7)
انظر الضمان في الفقه الإسلامي للأستاذ الخفيف، ص 55 – 57. والنظرية العامة للموجبات والعقود للدكتور صبحي المحمصاني: 1 / 171 – 172.
ملحق رقم (4)
بسم الله الرحمن الرحيم
المملكة العربية السعودية رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء
قرار رقم (25) وتاريخ 21 / 8 / 1394 هـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فبناءً على ما تقرر في الدورة الرابعة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة فيما بين 28 / 10 و14 / 11 /93 هـ من الرغبة في دراسة موضوع الشرط الجزائي، فقد جرى إدراجه في جدول أعمال الهيئة في دورتها الخامسة المنعقدة فيما بين 5 و22 / 8 / 1394 هـ في مدينة الطائف.
ثم جرى دراسة الموضوع في هذه الدورة بعد الاطلاع على البحث المعد في ذلك من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وبعد مداولة الرأي والمناقشة، واستعراض المسائل التي يمكن أن يقاس عليها الشرط الجزائي، ومناقشة توجيه قياسه على تلك المسائل والإيراد عليه، وتأمل قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من قوله:((المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا)) ولقول عمر رضي الله عنه: (مقاطع الحقوق عند الشروط) والاعتماد على القول الصحيح من أن الأصل في الشروط الصحة، وأنه لا يحرم منها أو يبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصًا أو قياسًا.
واستعراض ما ذكره أهل العلم من تقسيم الشروط في العقود إلى صحيحة وفاسدة وتقسيم الصحيحة إلى ثلاثة أنواع أحدها: شرط يقتضيه العقد كاشتراط التقابض وحلول الثمن، الثاني: شرط من مصلحة العقد كاشتراط صفة في الثمن كالتأجيل أو الرهن أو الكفيل به أو صفة في المثمن ككون الأمة بكرًا. الثالث شرط فيه منفعة معلومة وليس من مقتضى العقد ولا من مصلحته ولا منافيًّا لمقتضاه كاشتراط البائع سكنى الدار شهرًا، وتقسيم الفاسدة على ثلاثة أنواع أحدها: اشتراط أحد طرفي العقد على الطرف الثاني عقدًا آخر كبيع أو إجارة أو نحو ذلك. الثاني: اشتراط ما ينافي مقتضى العقد كأن يشترط في المبيع ألا خسارة عليه أو ألا يبيع أو يهب ولا يعتق. الثالث: الشرط الذي يتعلق به العقد كقوله بعتك إن جاء فلان. وبتطبيق الشرط الجزائي عليها وظهور أنه من الشروط التي تعتبر من مصلحة العقد إذ هو حافز لإكمال العقد في وقته المحدد له والاستئناس بما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن ابن سيرين أن رجلًا قال لكريه أدخل ركباك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج فقال شريح: من شرط على نفسه طائعًا غير مكره فهو عليه، وقال أيوب عن ابن سرين: أن رجلًا باع طعامًا وقال: إن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع، فلم يجيء، فقال شريح للمشتري: أنت أخلفت فقضى عليه، وفضلًا عن ذلك فهو في مقابلة الإخلال بالالتزام حيث إن الإخلال به مظنة الضرر وتفويت المنافع، وفي القول بتصحيح الشرط الجزائي سد لأبواب الفوضى والتلاعب بحقوق عباد الله، وسبب من أسباب الحفز على الوفاء بالعهود والعقود تحقيقًا لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] .
لذلك كله فإن المجلس يقرر بالإجماع أن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر يجب الأخذ به، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعًا فيكون العذر مسقطًا لوجوبه حتى يزول، وإذا كان الشرط الجزائي كثيرًا عرفًا بحيث يراد به التهديد المالي ويكون بعيدًا عن مقتضى القواعد الشرعية فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعة أو لحق من ضرر ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر عملًا بقوله تعالى:{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58]، وقوله سبحانه:{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار)) . وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة الخامسة
عبد العزيز بن عبد الله الباز
عبد الله بن حميد عبد الله خياط عبد الرزاق عفيفي
محمد الحركان عبد المجيد حسن عبد العزيز بن صالح
صالح بن غصون إبراهيم بن محمد آل الشيخ سليمان بن عبيد محمد بن جبير عبد الله بن غديان راشد بن خنين