المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بطاقات الائتمان غير المغطاةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثاني عشر

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعدادأ. د. خليفة بابكر الحسن

- ‌استثمار موارد الأوقافإعدادالدكتور إدريس خليفة

- ‌استثمار موارد الأحباسإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌أثر المصلحة في الوقفإعدادالشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌صور استثمار الأراضي الوقفية فقهاً وتطبيقاًوبخاصة في المملكة الأردنية الهاشميةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌الإجارة المنتهية بالتمليكوصكوك الأعيان المؤجرةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الإجارة وتطبيقاتها المعاصرة(الإجارة المنتهية بالتمليك)دراسة فقهية مقارنةإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الإجارة المنتهية بالتمليكدراسة اقتصادية وفقهيةإعداد الدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌الشرط الجزائي ومختلف صوره وأحكامهإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌الشرط الجزائيإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌الشرط الجزائيإعدادالأستاذ الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌الشرط الجزائي في العقودإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الشرط الجزائي في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور ناجي شفيق عج

- ‌الشرط الجزائيدراسة معمقة حول الشرط الجزائي فقها وقانوناإعدادالقاضي محمود شمام

- ‌عقود التوريد والمناقصةإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌عقد التوريددراسة فقهية تحليليةإعدادالدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌عقود التوريد والمناقصاتإعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌عقود التوريد والمناقصاتإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌الإثبات بالقرائن أو الأماراتإعدادالشيخ مجتبى المحمودوالشيخ محمد على التسخيري

- ‌الإثبات بالقرائن والأماراتإعدادالدكتور عكرمة سعيد صبري

- ‌القرائن في الفقه الإسلاميعلى ضوء الدراسات القانونية المعاصرةإعدادالمستشار محمد بدر المنياوي

- ‌الإثبات بالقرائن أو الأماراتإعدادالشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الطرق الحكمية في القرائنكوسيلة إثبات شرعيةإعدادالدكتور حسن بن محمد سفر

- ‌دور القرائن والأمارات في الإثباتإعدادالدكتور عوض عبد الله أبو بكر

- ‌بطاقات الائتمانتصورها، والحكم الشرعي عليهاإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌بطاقات الائتمان غير المغطاةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌بطاقات الائتمان غير المغطاةإعدادالدكتور محمد العلي القري

- ‌بحث خاصبالبطاقات البنكيةإعدادالدكتور محمد بالوالي

- ‌بطاقة الائتمانإعدادالبروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌بطاقة الائتمان غير المغطاةإعدادالشيخ علي عندليبوالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التضخم وعلاجهعلى ضوء القواعد العامةمن الكتاب والسنة وأقوال العلماءإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الصلح الواجب لحل قضية التضخمإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌تدهور القيمة الحقيقية للنقود ومبدأ التعويضومسؤولية الحكومة في تطبيقه

- ‌مسألة تغير قيمة العملة الورقيةوأثرها على الأموال المؤجلةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌التأصيل الشرعي للحلول المقترحةلعلاج آثار التضخم

- ‌التضخم وتغير قيمة العملةدراسة فقهية اقتصاديةإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌نسبة التضخم المعتبرة في الديونإعدادالشيخ عبد الله بن بيه

- ‌حقيقة التضخم النقدي: مسبباته – أنواعه – آثاره

- ‌التضخم وآثاره على المجتمعات

- ‌ضبط الحلول المطروحة لمعالجة آثار التضخم على الديون

- ‌حقوق الأطفال والمسنينإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌حقوق الشيوخ والمسنين وواجباتهمفي الإسلامإعدادالأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌حول حقوق المسنينإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌حقوق الطفلالوضع العالمي اليومإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌الشيخوخةمصير. . . وتحدياتإعدادالدكتور حسان شمسي باشا

- ‌البيان الختامي والتوصياتالصادرة عنالندوة الفقهية الطبية الثانية عشرة

- ‌(حقول المسنين من منظور إسلامي)

الفصل: ‌بطاقات الائتمان غير المغطاةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

‌بطاقات الائتمان غير المغطاة

إعداد

الدكتور نزيه كمال حماد

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه وسار على نهجه إلى يوم الدين.

وبعد: فهذا بحث وجيز في موضوع (بطاقات الائتمان /غير المغطاة) والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلامي، كتبته بعد روية وتفكر، ونظر وتدبر، لعلي أصبت فيه وجه الحق بعون الله وتوفيقه، أعرضه لأنظار العلماء والباحثين متقبلا النقد والتأييد، لتتمحص الحقيقة، ويكشف عن وجه الصواب، سائلا المولى القدير أن يهدي قلوبنا وأفكارنا إلى ما يحبه ويرضاه.

ومن الله سبحانه وتعالى وحده الاستمداد، وعليه التوكل والاعتماد، وهو حسبنا ونعم الوكيل؟.

فانكوفر (كندا) في: 1/4/1420هـ

الموافق 14/7/1999م

الدكتور نزيه كمال حماد

ص: 1341

(أولا)

حقيقة بطاقة الائتمان وتكييفها الفقهي

تعريفها:

1-

عرف معجم أوكسفورد بطاقة الائتمان (Credit Card) بأنها: (البطاقة الصادرة عن بنك أو غيره، تخول حاملها الحصول على حاجياته من البضائع دينا) . وفسر القانون الأمريكي مراده من كلمة (Credit) في المجالين الاقتصادي والتجاري بأنه: (منح الدائن قرضا مؤجل السداد، أو إحداث دين مؤجل الدفع ذي علاقة ببيع البضائع والسلع وتقديم الخدمات) . وهذا يعني أن كلمة (Credit) في المصطلح الاقتصادي والتجاري إنما تعني المداينة (1) .

2-

وتسمية هذه البطاقة في اللغة العربية ببطاقة الائتمان مقبولة سائغة من باب التجوز بإطلاق السبب على المسبب (2) ، حيث تأتمن الجهة المصدرة للبطاقة الشخص الممنوحة له على تأدية الحق الذي اؤتمن عليه، ويصير بموجب ذلك مخولا حق الاستدانة بها وفقا للاتفاقية المبرمة بينهما.

يوضح ذلك أن الائتمان في اللغة مشتق من الأمن، الذي يعني طمأنينة النفس وزوال الخوف (3) . ومن المعلوم أنه إذا حصلت هذه الثقة والطمأنينة في الذمة المالية للشخص، كانت سببا وباعثا على مداينته وإقراضه.

وقد جاء ذكر الائتمان في التنزيل في قوله تعالى في آية الدين: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} أي فأدانه أو أقرضه دون وثيقة بالحق {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] حيث أطلق على المدين المؤتمن (الذي اؤتمن) من مجاز إطلاق السبب على المسبب. قال الزمخشري: (حث المديون على أن يكون عند ظن الدائن به وأمنه وائتمانه، وأن يؤدي الحق الذي ائتمنه عليه)(4) .

3-

وقد انتهى مجمع الفقه الإسلامي- بعد النظر والتأمل في مفهوم هذه البطاقة وعملها إلى تعريفها بأنها: (مستند يعطيه مصدره، لشخص طبيعي أو اعتباري بناء على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند، دون دفع الثمن حالا، لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ومن أنواع هذا المستند ما يمكن من سحب نقود من المصارف)(5) .

(1) البطاقات البنكية للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، ص24، 25. قال القاضي ابن العربي: (الدين: عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا والآخر في الذمة نسيئة

والمداينة: مفاعلة منه، لأن أحدهما يعطيه والآخر يلتزمه) . (أحكام القرآن: 1/247) . وقال الراغب: (التداين والمداينة: دفع الدين) . (المفردات، ص323) .

(2)

انظر الإشارة إلى الإيجاز للعز بن عبد السلام، ص52، البرهان للزركشي:(2/260) ؛ المزهر للسيوطي: (1/359) ؛ شرح الكوكب المنير: (1/157) ؛ الإتقان للسيوطي: (3/125) .

(3)

المفردات للراغب، ص90.

(4)

الكشاف: (1/170) ؛ وانظر مفاتيح الغيب للرازي: (7/121) .

(5)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع:(1/717) .

ص: 1342

أنواعها:

تتنوع بطاقات الائتمان (غير المغطاة) تبعا للأسلوب الذي يتم به تسديد دينها- أي من حيث وجود تسديد فاتورة الدين بالكامل خلال فترة سماح (لا تتعدى في الغالب 30 يوما) أو ترك الاختيار للمدين مستخدم البطاقة بين سداد كامل المبلغ المستحق خلال فترة السماح الممنوحة له وبين سداد بعضه وتأجيل الباقي ليسدد في المستقبل دفعة واحدة أو على أقساط متفرقة- إلى نوعين:

أ- بطاقة الائتمان لدين لا يتجدد (Charge Card) :

4-

وتسمى بـ (البطاقة على الحساب) ، أو (بطاقة الدفع الشهري)، أو (بطاقة الوفاء المؤجل) . ومن أمثلتها: بطاقة أميركان إكسبريس (الخضراء) وداينرز كلوب، ومن أبرز خصائصها:

أنه لا يشترط لإصدارها أن يفتح العميل حسابا دائنا لدى مصدرها، أو أن يقدم تأمينا نقديا لتغطية الديون التي تنشأ عن استخدامها.

يمنح صاحب المصدر صاحب البطاقة ائتمانا لحد معين (Credit line) يخوله حق الاستدانة في حدوده لأجل قصير ما بين وقت الشراء وأجل سداد رصيد الحساب، وهو فترة قد تصل في بعض الأحيان إلى (55- 60) يوما، ويزود العميل بكشف حساب البطاقة بصورة دورية (شهريا غالبا) .

إذا تأخر صاحب البطاقة عن وفاء الدين زيادة على الأجل الممنوح له مجانا، فإن المصدر يحمله غرامة تأخير منصوص عليها في اتفاقية الإصدار. وفي حالة المماطلة يقوم بإلغاء عضويته، وسحبها منه، وملاحقته قضائيا بما تعلق بذمته.

قد يدفع العميل رسوم اشتراك مرة واحدة، ورسوم تجديد سنوية، سواء استخدم البطاقة أو لم يستخدمها.

ص: 1343

ب- بطاقة الائتمان لدين قابل للتجديد (Revolving Credit Card) :

5-

وهذا النوع هو الأكثر انتشارا في العالم، ولهذه البطاقة نفس خصائص ومميزات النوع الأول، إلا أنها تختلف عنها في أن الدين الناشىء عن الائتمان بها دوار (أو قابل للتجديد) بحيث لا يجب على صاحب البطاقة تسديد مبلغ الدين كله عقب استلام الفاتورة وخلال فترة السماح المجانية، بل نسبة ضئيلة منه فقط، وهو مخير في الباقي بين أن يقضي أويربي. وأشهر الأمثلة على هذا النوع من البطاقات: فيزا وماستر كارد.

6-

هذا، وإن كل واحد من النوعين المنوه بهما يصدر على ثلاثة مستويات: البطاقة العادية، والبطاقة الذهبية، والبطاقة البلاتينية، ولا فرق بين هذه الثلاث في آلية الإصدار والاستخدام، غير أن بعضها يتمتع صاحبها ببعض المزايا الإضافية، مثل التأمين ضد الحوادث، والحصول على تأمين طبي في السفر، وضمانات خاصة على البضائع المشتراة بها، إلى جانب توفير مزيد في الحد الائتماني للشراء (1) .. إلخ.

(1) انظر التكييف الشرعي لبطاقة الائتمان لنواف باتوبارة، ص143، 144، 146.

ص: 1344

أطراف التعامل ببطاقات الائتمان (وعلاقتهم التعاقدية) :

7-

تتضمن بطاقات الائتمان ثلاثة عقود، كل واحد منها منفصل عن الآخر في أطرافه ومسؤولياته، أحدها بين مصدر البطاقة وحاملها (عقد إصدار البطاقة) ، والثاني بين مصدر البطاقة والتاجر، والثالث بين حامل البطاقة والتاجر.

أ - عقد إصدار البطاقة (العلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها) :

8-

يلتزم مصدر البطاقة بناء على العقد المبرم مع حاملها بالسداد الفوري لكل دين ينشأ عن استخدامها، فهو كفيل بالمال لحاملها تجاه الدائنين من التجار ونحوهم، والعلاقة بينهما علاقة ضمان، وهي عقب الإصدار – قبل نشوء الدين المضمون – من قبيل ما يسميه الفقهاء بـ (ضمان ما لم يجب) ، وهو سائغ شرعا عند جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة في مثل هذه الصورة (1) .

جاء في الفتاوى الهندية: (ولو قال لرجل: ما بايعت فلانا فهو علي، جاز، لأنه أضاف الكفالة إلى سبب الوجوب، وهو المبايعة، والكفالة المضافة إلى وقت في المستقبل جائزة لتعامل الناس بذلك. كذا في محيط السرخسي)(2) .

وجاء في المبسوط: (وإذا قال الرجل للرجل: بايع فلانا، فما بايعته به من شيء فهو علي، فهو جائز على ما قال، لأنه أضاف الكفالة إلى سبب وجوب المال على الأصيل، وقد بينا أن ذلك صحيح، والجهالة في المكفول به لا تمنع صحة الكفالة، لكونها مبنية على التوسع، ولأن جهالة عينها لا تبطل شيئا من العقود، وإنما الجهالة المفضية إلى المنازعة هي التي تؤثر في العقود، وهذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة، لأن توجه المطالبة على الكفيل بعد المبايعة، وعند ذلك ما بايعه به معلوم)(3) .

(1) حاشية الشلبي على تبيين الحقائق: 4/152؛ مجمع الأنهر والدر المنتقى:2/130؛ شرح منتهى الإردات:2/248؛ المبدع:4/252 وما بعدها، الخرشي؛6/25؛ مواهب الجليل: 5/99؛ الزرقاني على خليل:6/25.

(2)

الفتاوى الهندية:3/256.

(3)

المبسوط للسرخسي: (20/50) .

ص: 1345

وقد جاء في مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (م 1078) : (يشترط في الضمان كون الحق معلوما حالا أو آيلا إلى العلم به، كضمنت مالك على فلان، أو ما يثبت لك عليه) .

وجاء في التاج والإكليل: (قال مالك: من قال لرجل: بايع فلان أو داينه، فما بايعته به من شيء أو داينته به فأنا ضامن، لزمه ذلك إذا ثبت مبلغه)(1) . وجاء في كشاف القناع: (ولا يعتبر كون الحق معلوما، لأته التزام حق في الذمة من غير معاوضة، فصح في المجهول كالإقرار، ولا كون الحق واجبا، إذا كان مآله أي الحق إلى العلم والوجوب، فيصح ضمان ما لم يجب إذا آل إلى الوجوب، لقوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:72] فدلت الآية على ضمان حمل البعير، مع أنه لم يكن وجب. ولا يقال: الضمان ضم ذمة إلى ذمة، فإذا لم يكن على المضمون عنه شيء فلا ضم، لأنه قد ضم ذمته إلى ذمة المضمون عنه في أنه يلزمه ما يلزمه، ويثبت في ذمته ما يثبت، وهذا كاف)(2) .

(1) التاج والإكليل للمواق: (5/100) .

(2)

كشاف القناع: (3/354) .

ص: 1346

ب - العلاقة بين حامل البطاقة والتاجر:

9-

العقد الذي يبرم بين حامل البطاقة والتاجر صاحب السلع أو المنافع أو الخدمات: إما أن يكون بيعا إذا استخدمها حاملها في شراء ما يحتاج إليه من السلع، وإما أن يكون إجازة إذا استخدمها حاملها للحصول على منافع الأعيان أو الأشخاص، وفي كلا الحالين يستحق التاجر أخذ الثمن أو الأجرة – بعد توقيع حاملها على سندات البيع أو الإجازة – على الفور من مصدر البطاقة، الذي ضمن للتاجر تسديد أثمان مبيعاته أو أجور أعيانه أو خدماته التي تتم بواسطة البطاقة ضمن حدود الائتمان الممنوحة لحاملها.

جـ- العلاقة بين مصدر البطاقة والتاجر:

10-

إن مصدر البطاقة بناء على العقد المبرم بينه وبين حاملها ملتزم بالوفاء الفوري لكل دين يترتب على حاملها بموجب استخدامها، وتلك هي حقيقة الكفالة بالمال، وعندما يبرز الشخص البطاقة للتاجر، فإن الأخير يكون واثقا أن مصدر البطاقة ضامن للدين الذي تعلق بذمة حاملها، وبذلك يتضح أن البنك المصدر إنما هو كفيل لحامل البطاقة، قد التزم بوفاء الديون التي تثبت في ذمته عندما يقدمها للدائن وسيلة دفع لدينه الناشىء عن معاوضة مالية.

11-

وإنه لا يغير من حقيقة علاقة الضمان هذه (وهي أن حاملها هو المكفول، والتاجر – البائع أو المؤجر – هو المكفول له، ومصدرها هو الكفيل) براءة ذمة حاملها من الدين، وانشغال ذمة مصدرها به بمجرد تقديم وثيقة الكفالة هذه (البطاقة) إلى التاجر الدائن، تعويلا على مذهب جمع من الفقهاء والمجتهدين مثل أبي ثور وابن أبي ليلي وابن شبرمة وداود الظاهري وأحمد في رواية عنه، وهو أن الدين ينتقل بالكفالة إلى ذمة الكفيل، وليس للدائن أن يطالب الأصيل، وهو قول الحسن وابن سيرين والرأي الراجح عند ابن حزم (1) .

(1) المحلى لابن حزم: (8/113) ؛ فتح القدير لابن الهمام: (6/284) ؛ المغني لابن قدامة: (7/84) ؛ الحاوي للماوردي: (8/112) ؛ الشرح الكبير على المقنع: (5/71) ؛ مختصر اختلاف العلماء للطحاوي: (4/255) ؛ الإشراف على مذاهب أهل العلم لابن المنذر: (1/119) ؛ تأسيس النظر للدبوسي، (ص97) .

ص: 1347

وحجتهم على ما ذهبوا إليه من أن الكفالة تبرئ ذمة المكفول عنه ما يلي:

أ - قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الزعيم غارم)) (1) . فلما خصه النبي صلى الله عليه وسلم بالغرم اقتضى أن يكون المضمون عنه بريئا من الغرم.

ب - وما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فلما وضعت، قال:"هل على صاحبكم من دين؟ " قالوا: نعم، عليه ديناران. فعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وقال:"صلوا على صاحبكم". فقال علي رضي الله عنه: هما علي يا رسول الله، وأنا لهما ضامن، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه، ثم قال لعلي:"جزاك الله خيراً، فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك". فقيل: يا رسول الله، هذا لعلي خاصة أم للمسلمين عامة؟ فقال:"بل للمسلمين عامة". (2) .

(1) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والبيهقي والدارقطني وابن أبي شيبة وأبو يعلى وعبد الرزاق. (انظر سنن الدارقطني: (3/46) ؛ سنن ابن ماجه: (2/804) ؛ بذل المجهود: (15/243) ؛ عارضة الأحوذي: (6/21) ؛ مسند أحمد: (5/ 267) ؛ الدراية لابن حجر: (2/163) .

(2)

رواه الدارقطني والبيهقي. (سنن الدارقطني: (3/47) ؛ السنن الكبرى للبيهقي: (6/73) .

ص: 1348

فهذا الخبر فيه دليلان على براءة ذمة المضمون عنه بالضامن:

أحدهما: أنه صلى الله عليه وسلم بعد أن امتنع من الصلاة عليه صلى عليه، فدل ذلك على براءة ذمته، ولو كان الدين باقيا لكان الامتناع قائما.

الثاني: قوله ((فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك)) . فلما أخبر بفك رهانه دل على براءة ذمته.

جـ- وما روى جابر رضي الله عنه أن النبي أتي بجنازة ليصلي عليها، فقال:"هل عليه دين؟ " قالوا: دينارين. فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فقال: الديناران علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وجب حق الغريم، وبرئ الميت منهما"، وصلى عليه. (1) .

وهذا صريح في براءة ذمة المضمون عنه بالضمان.

د- ولأنه دين واحد، فإذا صار في ذمة ثانية، برئت الأولى منه، كالمحال به، لأنه لما استحال أن يكون الجسم الواحد في محلين، استحال أن يكون الدين الواحد ثابتا في الذمتين.

هـ- قال ابن نجيم: (ومما يدل على ثبوت الدين في ذمة الكفيل أنه لو ذهب الدين للكفيل صح، ويرجع الكفيل به على الأصل، مع أن هبة المدين من غير من عليه الدين لا تصح)(2) .

ولا يخفى أن اقتضاء عقد الكفالة نقل الحق من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن في اجتهاد الفقهاء الأعلام الذين ذكرتهم – كما هو الأمر في الحوالة – لا يعني أن يكيف عقد الضمان في الفقه الإسلامي على أنه حوالة، وأن تسري عليه أحكامها.

(1) رواه أبو داود وأحمد في مسنده. (بذل المجهود: (14/307) ؛ مسند أحمد: (3/330) .

(2)

البحر الرائق: (6/222) .

ص: 1349

آلية عمل البطاقة:

12-

إن آلية عمل بطاقة الائتمان بناء على فكرتها الأساسية تتلخص كالتالي:

أ- عندما يشتري حامل البطاقة سلعة (أو منفعة أو خدمة) ما من تاجر، فإنه يملك السلعة ونحوها بعقد البيع، ويصير ثمنها دينا في ذمته.

ب- بعد ثبوت الثمن دينا في ذمته للبائع، يقوم بتقديم كفيله الملتزم بوفاء دينه، المتمثل في إبراز الائتمان (وثيقة الكفالة) له، حيث إن البنك المصدر هو الكفيل، والبائع الدائن هو المكفول له، المشتري المدين حاملها هو المكفول.

جـ- يصير البنك المصدر للبطاقة بموجب الكفالة المترتبة على إصدارها كفيلا بالدين الذي لزم ذمة المشتري، وتبرأ ذمة الأخير منه (وفقا لمذهب جمع من الفقهاء والمجتهدين الذين نصوا على أن من ضمن عن رجل مالا، فإنه يبرأ المضمون، والمال على الضامن) .

د- عقب ذلك يطالب التاجر (المكفول له) البنك المصدر بوفاء دينه، فيبادر الأخير بالسداد الفوري له بعد مصالحته على حطيطة من الدين سبق أن وعده بها بموجب الاتفاقية المبرمة بين البنك المصدر والتاجر.

هـ- يعود الكفيل على المدين حامل البطاقة بما كفل من الدين الذي لزمه بعقد الشراء، لا بما أدى عنه.

ص: 1350

(ثانيا)

الأحكام الشرعية المتعلقة بها

مدى مشروعية الفكرة:

14-

تتركب فكرة ونظام بطاقة الائتمان من مجموعة اتفاقيات ومعاقدات، وتشتمل العلاقة بين أطرافها على خدمات مالية يعود نفعها على حامل البطاقة ومصدرها والتاجر الذي يقبلها، ويترتب عليها فرض أجور وعمولات ورسوم اشتراك وتجديد، وقد تعقبها غرامات تأخير وفوائد مداينات.

وتعتبر بصورتها المركبة من المعاملات المستجدة التي لم يرد فيها نص تشريعي في الكتاب والسنة، ولا تنضوي بمجموعها المركب تحت عقد من العقود المسماة، وإن كانت أجزاؤها تقبل التكييف والاندراج تحت بعضها.

ومن المعلوم المقرر فقها أن الأصل في كل معاملة مستحدثة الحل والمشروعية والصحة ما لم تنطو على تحليل حرام أو تحريم حلال، وفي ذلك يقول ابن تيمية:(إن العقود والشروط من باب الأفعال العادية، والأصل فيها عدم التحريم، فيستصحب عدم التحريم فيها حتى يدل دليل على التحريم)(1) . وقال الشاطبي: (القاعدة المستمرة التفرقة بين العبادات والمعاملات، لأن الأصل في مجال العبادات التعبد دون الالتفات إلى المعاني، والأصل فيها أن لا يقدم عليها إلا بإذن، إذ لا مجال للعقول في اختراع التعبدات، وما كان من المعاملات يكتفى فيه بعدم المنافاة، لأن الأصل فيها الالتفات إلى المعاني دون التعبد، والأصل فيها الإذن حتى يدل الدليل على خلافه)(2) .

(1) مجموع فتاوى ابن تيمية: (29/150) .

(2)

الموافقات: (1/284) .

ص: 1351

رسوم الاشتراك والتجديد والاستبدال:

15-

تفرض بعض المؤسسات المالية التي تصدر بطاقات الائتمان على العميل رسم اشتراك (عضوية) عند منحه البطاقة لأول مرة ورسم تجديد سنوي من أجل استمرار عضويته، وكذلك رسم استبدال عند إصدار بطاقة جديدة بدلا عن الضائعة أو المسروقة أو التالفة (1) .

وهذه الرسوم هي عبارة عن أجرة مقطوعة لأصل الخدمة المصرفية المتعلقة بالبطاقة، مثل أتعاب إجراءات الموافقة على طلب العميل الحصول عليها، وإجراءات فتح الملف، وتجهيز البطاقة وإرسالها، وتعريف الجهات التي قد يحتاج للتعامل معها، وبيان حدود الاستخدام للجهة المصدرة، لاشتمالها على ربح لا يستهان به بالنسبة لها، حيث إنها أعلى بكثير من النفقات الفعلية التي تتكبدها المؤسسة لتقديم الخدمات إذا نظرنا إلى الأعداد الهائلة من العملاء الذين تصدرها لهم.

16-

أما عن الحكم الشرعي لفرض هذه الرسوم واستيفائها، فإنني لا أرى حرجا شرعا في ذلك، لأنها لا تخرج عن كونها أجرة محددة مقطوعة على خدمة معلومة، وتسري عليها أحكام الأجرة في إجارة الأعمال

ولأن اقترانها بضمان مصدرها لحاملها لا يلوثها بشبهة الربا ولا حقيقته، إذ لا فرق في فرضها ومقدارها بين ما إذا استخدمها حاملها بمبالغ كثيرة أو قليلة أو لم يستخدمها بتاتا.

وقد صدر عن ندوة البركة (الثانية عشرة) الفتوى الوجيهة التالية: يجوز للبنك المصدر لبطاقة الائتمان أن يأخذ من طالب البطاقة رسوم العضوية، ورسوم الاشتراك والتجديد، ورسوم الاستبدال، على أن تكون تلك الرسوم مقابل الخدمات المقدمة لحامل البطاقة، ولا مانع من اختلاف الرسوم باختلاف الخدمات أو المزايا، وليس باختلاف مقدار الدين (المبلغ المستخدمة له البطاقة) أو أجله (مقدار مهلة السداد) .

(1) يلاحظ أن معظم البنوك والمؤسسات المالية المصدرة لبطاقات الائتمان في أمريكة الشمالية لا تتقاضى أي رسم مقابل الاشتراك أو التجديد أو الاستبدال حاليا.

ص: 1352

فترة الصلاحية وحد الائتمان:

17-

يحدد مصدر البطاقة عادة مدة صلاحية البطاقة (سنة أو سنتين مثلا) بحيث لا يمكن استخدامها بعد ذلك ما لم تجدد، كما يعين حد الائتمان (Credit line) أي الحد الأقصى لمشتريات العميل بموجب البطاقة، بحيث لا يلتزم المصدر بسداد أي مبلغ يجاوز ذلك الحد.

18-

وكلا التحديدين سائغ في الفقه الإسلامي، نظرا لأن حقيقة العلاقة الثلاثية بين الأطراف الثلاثة هي الضمان، حيث إن حاملها هو المكفول، والبائع هو المكفول له، ومصدرها هو الكفيل

وقد نص على صحة ذلك السرخسي بقوله: (وإذا قال الرجل لرجل: بايع فلانا، فما بايعته به من شيء فهو علي، فهو جائز على ما قال

ويستوي إن وقت لذلك وقتا أو لم يؤقت، إلا أنه في المؤقت يراعى وجود المبايعة في ذلك الوقت، حتى إذا قال: ما بايعته اليوم، فباعة غدا، لا يجب على الكفيل شيء من ذلك، لأن هذا التقييد مفيد في حق الكفيل، ولكن إذا كرر مبايعته في اليوم، فذلك كله على الكفيل، لأن حرف (ما) يوجب العموم، وإذا لم يؤقت، فذلك على جميع العمر.

وعلى هذا: لو قال: بعه ما بينك وبينه ألف درهم، وما بعته من شيء فهو علي إلى ألف درهم، فباعه متاعه بخمسمائة، ثم باعه حنطة بخمسمائة، لزم الكفيل المالان جميعا. وإن باعه متاعا آخر بعد ذلك، لم يلزم الكفيل من ذلك شيء، لأنه قيد الكفالة بمقدار الألف، فلا تلزمه الزيادة على ذلك) (1) .

(1) المبسوط 20/50-51.

ص: 1353

عمولة المصدر من التاجر:

19-

يشترط البنك المصدر لبطاقة الائتمان على التاجر في الاتفاقية المبرمة بينهما عمولة محددة بنسبة مئوية يقتطعها من فاتورة التاجر، تترواح عادة ما بين (2- 5 %) من قيمة الفاتورة بحسب النشاط الذي يزواله التاجر ونوعه وحجمه.

وعلى هذا، فعندما يطالب التاجر (المكفول له) البنك المصدر بسداد دين مستخدم البطاقة، فإنه يبادر بالوفاء الفوري بعد اقتطاع الحطيطة من الدين التي وعده بالمصالحة على حطها عنه في الاتفاقية المبرمة بينهما، ثم يعود الكفيل (مصدر البطاقة) على حاملها بما كفل من الدين الذي لزمه بعقد الشراء أو الاستئجار، لا بما أدى عنه.

20-

وهذه المسألة معقولة من الناحية الشرعية بناء على ما ذهب إليه الحنفية على الصحيح المفتى به في المذهب من أن الكفيل بأمر المدين إذا صالح المكفول له على أن وهب له بعض الدين أو أكثره، فإنه يعود على المكفول بما ضمن لا بما أدى (1) . يوضح ذلك ما ورد في النصوص التالية:

أ- جاء في فتاوى قاضي خان: (رجل كفل عن رجل بأمره بجياد، فأدى الزيوف، وتجوز الطالب، فإن الكفيل يرجع على الأصيل بما كفل، وهو الجياد)(2) .

(1) وأساس ذلك كما قال الكاساني في البدائع: (6/13) أنه: (لو وهب صاحب الدين المال للكفيل، فإنه يرجع به على الأصيل، لأن الهبة في معنى الأداء، لأنه لما وهب منه، فقد ملك ما في ذمة الأصيل، فيرجع عليه به، كما إذا ملكه بالأداء) . وانظر رد المحتار: (4/272) ؛ البحر الرائق: (6/222) ؛ فتح القدير: (6/305) .

(2)

فتاوى قاضي خان: (3/64) .

ص: 1354

ب - وجاء في الفتاوى الهندية: (كل موضع صحت الكفالة فيه، لو أدى الكفيل ما كفل به من عنده، رجع على المكفول عنه، ولا يرجع قبل الأداء. وإذا أدى المال من عنده، رجع بما كفل، ولا يرجع بما أدى، حتى لو أدى الزيوف، وقد كفل بالجياد، يرجع بالجياد، ولو أدى مكان الدنانير الدراهم، وقد كفل بالدنانير أو بشيء مما يكال أو يوزن على سبيل الصلح، رجع بما كفل به. كذا في المحيط)(1) .

جـ- وجاء في الفتاوى البزازية: (لرجل على آخر ألف، وبها كفيل بالأمر، فصالح الكفيل الطالب على إبراء الكفيل خاصة بمائة من الباقي، رجع الكفيل على الأصيل بمائة، ورجع الطالب على الأصيل بتسعمائة. ولو صالح الكفيل على مائة على أن وهب الكفيل تسعمائة، رجع الكفيل على المطلوب بالألف كله. ولو صالح الطالب الكفيل على عشرة دنانير أو باعه بعشرة دنانير، وكذا كل ما صالحه عليه من مكيل أو موزون بعينه أو حيوان أو عرض أو متاع، يرجع بكل الألف على الأصيل)(2) .

د- - قال السرخسي: (وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم، وبها كفيل عنه بأمره، فصالح الكفيل على مائة درهم على أن وهب التسعمائة للكفيل، كان للكفيل أن يرجع بالألف كلها على المكفول عنه، لأنه ملك جميع الأصل وهو الألف، بعضها بالأداء، وبعضها بالهبة منه، والبعض معتبر بالكل. وهذا لأن الهبة تمليك في الأصل، فمن ضرورة تصحيحه تحول الدين إلى ذمة الكفيل، فلا يبقى للطالب في ذمة الأصيل شيء، ويتحول الكل إلى ذمة الكفيل، ثم يتملكها بالهبة والأداء، فيرجع بها على الأصيل.

ولو صالح الكفيل الطالب على عشرة دنانير، أو باعه إياه بعشرة دنانير، كان للكفيل أن يرجع على الأصيل بجميع الألف، لأنه بهذا الصلح والشراء يتملك جميع الألف، ومن ضرورة صحتها تحول الدين إلى ذمة الكفيل، فإن الصلح في غير جنس الحق يكون تمليكا كالبيع، وكذلك كل ما صالحه عليه من مكيل أو موزون بعينه أو حيوان أو عرض أو متاع، فالجواب في الكل سواء) (3) .

(1) الفتاوى الهندية: (3/266) .

(2)

الفتاوى البزازية: (6/13) .

(3)

المبسوط: (20/59) ؛ وانظر المصدر نفسه: (12/146) .

ص: 1355

غرامات التأخير:

21-

تتضمن اتفاقية إصدار بطاقة الائتمان لدين لا يتجدد (Charge card) نصا على تحميل صاحب البطاقة غرامة تأخير بمجرد تأخره عن تسديد كامل مبلغ فاتورة البطاقة إلى ما بعد مهلة السماح الممنوحة له.

وحكم هذه الغرامة حكم ربا النسيئة (ربا الديون) المحظور شرعا، لأنها في معناه. والأصل حرمة وبطلان اشتراط فوائد التأخير. يؤكد ذلك ما جاء في توصيات ندوة فقه بطاقة الائتمان (البحرين - نوفمبر 1998) : بطاقة الاعتماد (Charge Card) : هذه البطاقة لا يشترط عند استخدامها أن يكون لحاملها حساب لدى البنك المصدر، ولكنه يلتزم بموجب الاتفاقية بين البنك وحاملها بدفع ما يتقرر في ذمته من أثمان السلع والخدمات التي استخدم البطاقة في وفائها خلال المهلة الممنوحة له من أجل الوفاء عقب تسلمه إشعار البنك المصدر. فإذا تخلف عن السداد حتى انتهت تلك المهلة، تسحب منه البطاقة، وتلغى عضويته، وحسم البنك من مستحقات التاجر التي استخدمت البطاقة لسدادها العمولة (النسب المئوية) المحددة في الاتفاقية بين البنك والتاجر.

وحكم إصدار هذه البطاقة والتعامل بها الجواز مادامت خالية من شرط ترتب الفائدة على التأخير الذي هو فاسد ومحظور شرعاً، وقامت الاتفاقية على أن العلاقة بين التاجر والبنك مصدر البطاقة علاقة ضمان.

22-

وقد اتجه بعض الفقهاء المعاصرين (ندوة البركة الثانية عشرة) - نظراً لضعف الوازع الديني العام، وفساد الذمم، ومماطلة معظم حاملي بطاقات الائتمان، ونكولهم عن السداد ضمن فترة السماح ظلما إذا لم يكن هناك مؤيدات زواجر تحملهم على الوفاء دون مطل- إلى القول (بجواز اشتراط غرامة مقطوعة أو بنسبة محددة على المبلغ والفترة في حال تأخر حامل البطاقة عن السداد دون عذر مشروع، وذلك على أساس صرف هذه الغرامة في وجوه البر، ولا يتملكها مستحق المبلغ) .

ص: 1356

فوائد تجديد الدين:

23-

تتضمن اتفاقية إصدار البطاقة لدين قابل للتجدد (Credit Card) نصاً على تحميل صاحب البطاقة فائدة على تجديد الدين إذا تخلف عن سداد أي قدر منه إلى ما بعد فترة السماح الممنوحة له، فجعلته بالخيار بين أن يقضي خلال تلك المدة أو يربي.

وهذا اشتراط ربوي محظور باطل، فلا يجوز اشتراطه ولا العمل به، لأنه شرط يحل حراماً، وليس لأحد أن يحل ما حرم الله، وحيث إن هذا النوع من بطاقة الائتمان قائم أصلاً على أساس تمتع حاملها بحق التجديد الربوي للمديونية، فإنه لا يجوز لأية مؤسسة مالية إسلامية إصداره. يؤكد ذلك ما جاء في توصيات ندوة فقه بطاقة الائتمان (البحرين –نوفمبر 1988م) بخصوص هذا النوع من بطاقات الائتمان:(وحكم إصدار هذه البطاقة والتعامل بها الحظر، لاشتمال اتفاقية الإصدار على شرط الربا إذا لم يقم حاملها بتسديد كامل المبلغ خلال مهلة السداد) .

24-

وبالنسبة للفرد المسلم، هل يجوز له الدخول مع المؤسسات المالية العالمية في اتفاقية تنص على مثل ذلك؟.

الأصل حرمة هذه المعاقدة وبطلان هذا الشرط، ويستثنى من ذلك حالة الضرورة والحاجة الماسة إن وجدت، إذ (الضرورات تبيح المحظورات) و (الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أم خاصة) .

غير أن بعض الفقهاء المعاصرين ذهبوا- تعويلاً على ما جاء في فتاوى بعض اللجان المختصة بالفتوى في شأن القروض الإسكانية التي فيها شرط دفع فوائد على تأخير السداد - إلى أن حامل البطاقة إذا اتخذ من الاحتياطيات ما يكفل عدم تطبيق هذا الشرط المحرم عليه، فلا بأس من الاستفادة من البطاقة، وتوقيعه على اتفاقيتها، بالرغم من هذا الشرط، لأنه في معرض الإلغاء شرعا، وهو مستنكر ومعمول على استبعاد مفعوله (1) .

(1) التكييف الشرعي لبطاقة الائتمان لنواف باتوبارة، ص173، 174، بطاقات الائتمان للدكتور عبد الستار أبو غدة (بحث مقدم إلى ندوة فقه بطاقات الائتمان/ البحرين- سبتمبر 1988م) ، ص29.

ص: 1357

اشتراط فتح حساب لدى البنك المصدر:

25-

تشترط بعض البنوك على من يرغب في الحصول على البطاقة فتح حساب أو إيداع رصيد معين لدى البنك، ليكون بمثابة توثيق لحقوقها وأمانا لها من توي ما دفعته أثمانا لمشتريات حامل البطاقة.

وهذا الاشتراط لا حرج فيه شرعا، لأنه من قبيل الرهن، ومن المقرر فقها أن كل ما يصح استيفاء الدين منه- من النقود أو الأعيان التي يصح بيعها- يصح رهنه (1) ، وكذلك يجوز الرهن قبل ثبوت الحق المرهون به عند الحنفية والمالكية وأبي الخطاب من الحنابلة، لأنه وثيقة بحق، فجاز عقدها قبل وجوبه كالضمان، أو فجاز انعقادها على شيء يحدث في المستقبل كضمان الدرك (2) .

قال ابن شاس: (ليس من شرط الدين أن يكون ثابتا قبل الرهن به ولا مقارنا له، بل لو قال: رهنت عندك عبدي هذا على أن تقرضني غدا ألف درهم، أو على أن تبيعني هذا الثوب، ثم استقرض أو ابتاع منه، فإن الرهن يلزم ويجب تسليمه إليه. وإن كان قد أقبضه إياه في الحين، صار بذلك القبض رهنا)(3) .

وقد جاء في فتوى ندوة البركة الثانية عشرة: (يجوز للبنك المصدر لبطاقة الائتمان أن يشترط على طالب البطاقة تقديم ضمان (كفيل، رهن، أو رهن حساباته لدى البنك) وذلك في مقابل منح حامل البطاقة مهلة سداد محدودة بدو فوائد، مع مراعاة الشروط والأحكام الشرعية للكفالة والرهن والمقاصة) .

(1) انظر شرح منتهى الإرادات: (2/229) .

(2)

المغني لابن قدامة: (6/445) ؛ المبدع (4/214) .

(3)

عقد الجواهر الثمينة: (2/582) ؛ وانظر التاج والإكليل: (5/16) .

ص: 1358

الخصم أو الزيادة في سعر الشراء بالبطاقة:

26-

يحصل حامل البطاقة عند شرائه بها- أحيانا- على خصم في سعر السلعة (أو الخدمة) من بعض المحلات التجارية، وهذا الخصم لا يتحمله مصدر البطاقة، وإنما يتحمله التاجر برضاه ورغبته، حيث يهدف من ورائه إلى ترويج بضاعته وزيادة مبيعاته، وإغراء أكبر عدد من الزبائن بشرائها.

وهذا الخصم أو الحطيطة عبارة عن تخفيض في ثمن السلعة (أو المنفعة أو الخدمة) ، والثمن في تلك المعاوضة إنما هو الصافي بعد الخصم، ولا حرج في ذلك شرعا، لأن من حق البائع أن يبيع بالثمن الذي يتفق عليه مع المشتري ويتراضيان به، ولا فرق بين أن يعقد البيع بمائة ابتداء، أو بمائة وعشرين مع حطيطة عشرين (1) .

27-

كذلك تطلب بعض المحلات التجارية من حامل البطاقة ثمنا أعلى من السعر النقدي إذا أراد الدفع بها، أو أن يحرمه من خصم معلن عنه، وغرض التاجر من ذلك تعويض الحسم الذي يعطيه لمصدر البطاقة من قيمة فواتير الشراء.

ولا حرج شرعا في ذلك، إذ المشتري بالخيار بين البيعتين: بين أن يختار الدفع نقدا بثمن أقل، أو الدفع بالبطاقة بثمن أعلى، وما يختاره يقع عليه التراضي، الذي هو الأساس في صحة العقود ومشروعيتها (2) .

(1) بطاقة الائتمان للدكتور رفيق المصري، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع:(1/410) .

(2)

د. عبد الستار أبو غدة، مناقشة موضوع بطاقات الائتمان، مجلة المجمع، العدد السابع:(1/660) .

ص: 1359

الجوائز والهدايا:

28-

يمنح بعض مصدري بطاقات الائتمان جوائز وهدايا لعملائهم من حملة البطاقات لمناسبات مختلفة، منها: انضمامهم لعضوية البطاقة، أو تقديمهم لعملاء جدد، أو لانتظامهم في السداد (1) .

وإنني لا أرى حرجا شرعا في هذه الجوائز والهدايا إذا كانت على سبيل التبرع من مصدر البطاقة بقصد ترويج وتشجيع استخدامها، دون اشتراط ذلك عليه، لأنها تبرع من الكفيل للمكفول عن طيب نفسه، وليس فيها معنى الربا ولا شبهته ولا ذرائعه.

التأمين في بطاقات الائتمان:

29-

تقدم بعض بطاقات الائتمان عند استخدامها في شراء تذاكر سفر تأمينا تجاريا ضمنيا على الحياة أو ضد الحوادث يصل أحيانا إلى (100.000) دولار أمريكي.

هذا التأمين بمفرده الأصل في عدم الجواز شرعا، باعتباره تأمينا تجاريا حقيقته معاوضة مالية تنطوي على غرر فاحش في المعقود عليه أصالة. ولكنه ههنا وقع تبعا في اتفاقية الإصدار، أي تابعا للمقصود في تلك المعاقدة، ومن المقرر فقها أن الغرر مغتفر في عقود المعاوضات المالية إذا وقع في التوابع (أي فيما يكون تابعا للمقصود بالعقد)، وقد جاء في القواعد الفقهية:(يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها)(2)[م54 من مجلة الأحكام العدلية] .

(1) التكييف الشرعي لبطاقة الائتمان لنواف باتوبارة، ص192.

(2)

انظر الغرر وأثره في العقود للدكتور الصديق الضرير، ص594 وما بعدها.

ص: 1360

شراء الذهب والفضة بالبطاقة:

30-

ذهب جماهير أهل العلم إلى أنه يشترط لصحة بيع الذهب والفضة بالنقود الورقية التقابض في البدلين، أي التسليم الفوري لكل من الثمن والمبيع لأن العملات الورقية في حكم الذهب والفضة فيما يخص أحكام الصرف - وذلك لما روى عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة.. إلى أن قال: مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإن اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)) (1) .وفي رواية أخرى: ((ولا تبيعوا منها غائباً بناجز)) (2) .

31-

وعلى هذا، فإذا قبض مشتري الذهب أو الفضة ما اشتراه منها في المجلس، ودفع إليه ببطاقة الائتمان، فيعتبر التقابض المطلوب في البدلين متحققا، لأن تسلم البائع قسيمة الدفع الموقعة من حامل البطاقة قبض حكمي لقيمتها، كقبض الشيك المصدق، الذي أفتى مجمع الفقه الإسلامي بجواز شراء الذهب والفضة به على أن يتم التقابض في المجلس (3) . بل هو أقوى منه كما أفاد الفنيون لأنها ملزمة للتاجر، وتبرأ بها ذمة حامل البطاقة من الدين حالا تجاهه، وليس له الاعتراض على الوفاء بها (4) .

أضف إلى ذلك أنه عند تمرير البطاقة على الجهاز الآلي، يقوم على الفور بقراءة شريط المعلومات فيها، وتوصيل هذه المعلومات إلى الحاسب الآلي في البنك المصدر، الذي يتولى في الحال قيد المبلغ على حساب العميل، وتحويل المبلغ إلى حساب التاجر (5) .

(1) أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي. (انظر نصب الراية: 4/35 وما بعدها؛ السنن الكبرى للبيهقي: (5/278) .

(2)

أخرجه البيهقي ومالك والشافعي. (انظر السنن الكبرى للبيهقي: 5/276؛ الموطأ مع المنتقى: (4/260) ؛ الأم: (3/25) .

(3)

القرار رقم 84 (1/9) بشأن تجارة الذهب (الدورة التاسعة- أبو ظبي/ أبريل 1995م) .

(4)

بطاقات الائتمان للدكتور عبد الستار أبو غدة، ص31، (ندوة فقه بطاقة الائتمان- البحرين/ سبتمبر 1998م) .

(5)

التكيف الشرعي لبطاقة الائتمان لنواف باتوبارة،ص186

ص: 1361

صرف العملات عند استخدام البطاقة:

32-

يستطيع حامل البطاقة استخدامها في معظم دول العالم لشراء السلع والخدمات المرغوبة، بحيث يسدد مصدر البطاقة المبلغ المستحق على حاملها فورا بعملة البلد المستخدمة فيه، ثم يعود على حاملها بالعملة المحلية (باستخدام سعر صرف ذلك اليوم أو حسبما هو مبين في الاتفاقية) ليسدد بها بعد صدور فاتورة البطاقة، وخلال مهلة السماح المجانية.

33-

وهذه العملية تتضمن صرفا، حيث إن حامل البطاقة يشتري بعملة ما، والمصدر يدفع الثمن بها، ثم يصرف ذلك المبلغ الذي دفعه بالعملة المحلية لحامل البطاقة، ويطالبه ببدل صرف ما دفعه عنه، ليؤديه بعد فترة من عملية الشراء والصرف تتجاوز غالبا الأسبوعين والثلاثة.

34-

وقضية (صرف ما في الذمة) التي يسميها الفقهاء بـ (تطارح المدينين) جائز شرعا، بشرط أن يقع القبض (حقيقة أو حكما) ناجزا غير مؤخر، أي بدون أن يبقى شيء في الذمة بعده لأحدهما، وذلك لما روى ابن عمر رضي الله عنه قال: كنت أبيع الإبل بالدنانير، وآخذ مكانها الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ مكانها الدنانير، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:((لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شيء)) (1) .

(1) رواه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم والبيهقي والدارقطني وابن ماجة وغيرهم. (انظر بذل المجهود: (15/12) ؛ عارضة الأحوذي: (5/251) ؛ المستدرك: (2/44) ؛ السنن الكبرى للبيهقي: (5/284) ؛ سنن الدارقطني: (3/24) ؛ التلخيص الحبير: (3/25) .

ص: 1362

35-

غير أنه يلاحظ في عمل بطاقة الائتمان تراخي قبض المصدر بدل الصرف من حامل البطاقة عن مصارفته لمدة أسبوعين أو أكثر، حيث إن مصدر البطاقة يجري الصرف مع حاملها إلى العملة المحلية بمجرد سداده بالعملة الأخرى، ولا يطالب حاملها ببدل الصرف إلا عند إصدار الفاتورة لاحقا مع إعطائه مهلة سماح مجانية للسداد

وهذا التراخي غير جائز شرعا في قول سائر أهل العلم، لأنه من ربا النساء (ربا البيوع) الذي هو ذريعة إلى ربا النسيئة (ربا الديون) الذي هو صلب الربا وأساسه.

ويستثنى من التحريم حالة الحاجة والمصلحة الراجحة، تعويلا على ما ذكره ابن قيم الجوزية من تقسيم الربا إلى نوعين: جلي؛ وهو ربا النسيئة أو ربا الديون، الذي جاء تحريمه قصدا

وخفي؛ وهو ربا البيوع الذي جاء تحريمه سدا للذريعة إلى الأول الذي هو صلب الربا ومعظمه. حيث قال في إعلام الموقعين: (الوجه التسعون: إنه حرم التفرق في الصرف وبيع الربوي بمثله قبل القبض، لئلا يتخذ ذريعة إلى التأجيل الذي هو أصل باب الربا، فحماهم من قربانه باشتراط التقابض في الحال، ثم أوجب عليهم التماثل، وألا يزيد أحد العوضين على الآخر إذا كانا من جنس واحد، حتى لا يباع مد جيد بمدين رديئين، وإن كانا يساويانه، سدا لذريعة ربا النسيئة الذي هو حقيقة الربا)(1) . ثم قال رحمه الله (2) : (فإن ما حرم سدا للذريعة أخف مما حرم تحريم مقاصد) . (وما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة) . ومعيار الحاجة إلى عقد من العقود شرعا: أن يقع الممتنع عن ذلك العقد لحظره في المشقة والحرج لفوات مصلحة من المصالح المعتبرة شرعا عليه.

(1) إعلام الموقعين: (3/167) .

(2)

المصدر السابق: (3/154، 155، 157، 159، 161، 166، 167)، إغاثة اللهفان:(1/361، 362) .

ص: 1363

السحب النقدي بالبطاقة لقاء عمولة:

36-

السحب النقدي بالبطاقة هو عبارة عن اقتراض حامل البطاقة نقودا من البنك المصدر مباشرة إن استعمل مكائن السحب الآلي العائدة له، أو عبر بنك آخر (وكيل للمصدر) إن استخدم أجهزة بنك آخر.

وهذا الاقتراض لا بأس به شرعا إن كان هناك تغطية في حساب الساحب، لوقوع المقاصة بين الدينين فورا، ولا حرج عندئذ في أن يأخذ المصدر عمولة لقاء استخدام مكائن السحب التي تعود له أو لغيره من البنوك الوكيلة مقابل تقديم هذه الخدمة، لأنها لا تعدو أن تكون أجرة على توصيل النقود إلى حيث يريد الساحب من البلاد أو المناطق، وكذلك الحكم إذا لم يكن هناك تغطية في رصيده، ولم يتقاض المصدر أية فائدة أو عمولة على الاقتراض.

وقد جاء في فتوى ندوة البركة الثانية عشرة: (ولا مانع شرعا من استخدام بطاقة الائتمان في السحب النقدي من البنك المصدر أو فروعه أو البنوك الأعضاء المتفق معها على تمكين حامل البطاقة من السحب، سواء كان له رصيد لدى البنك المصدر للبطاقة أو لم يكن له رصيد، ووافق البنك المصدر على تقديم تسهيلات لحامل البطاقة دون تقاضي فوائد على ذلك) .

ص: 1364

37-

أما إذا شرط تقاضي البنك المصدر فائدة أو عمولة على إقراضه، فذلك غير جائز في الفائدة لأنها عين ربا القروض، ولا في العمولة، لأنها ذريعة إليه، وستار لإخفائه، إلا أن تكون في حدود النفقات الفعلية التي يتكبدها البنك المصدر لتقديم تلك الخدمة، فذلك سائغ شرعا، يؤكد ذلك نص قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 13 (1/3) في دورته الثالثة بعمان (أكتوبر 1986م) بخصوص أجور خدمات القروض:

أولا: يجوز أخذ أجور عن خدمات القروض، على أن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية.

ثانيا: كل زيادة على النفقات الفعلية محرمة، لأنها من الربا المحرم شرعا.

وإنني لا أرى صواب إطلاق فتوى ندوة البركة الثانية عشرة بهذا الخصوص، ونصها:(يجوز أخذ العمولة على ذلك (أي استخدام البطاقة في السحب النقدي) سواء كانت لصالح البنك المصدر للبطاقة أم غيره من البنوك الأعضاء، سواء كانت العمولة مبلغا مقطوعا أم نسبة مئوية من المبلغ، بشرط ألا تزيد العمولة في حالة السحب على المكشوف، وذلك على أساس أن العمولة تقابل خدمة فعلية لتوصيل المال للساحب، ولا ترتبط بمقدار الدين ولا بأجل الوفاء به) ، وذلك لتضمنها إجازة الإقراض بشرط عمولة محددة للمقرض، لا ترتبط بمقدار الدين ولا بأجل الوفاء، ولو كانت أكثر من النفقات الفعلية، وهي ربا كما هو صريح في قرار المجمع.

ص: 1365

إنهاء العقد بالإرادة المنفردة للمصدر:

38-

من شروط اتفاقية إصدار البطاقة أن للمصدر حق إلغاء صلاحيتها بصفة دائمة أو مؤقتة في حالة عدم التزام حاملها بتنفيذ شروط الإصدار، وعندها يتم تسجيل البطاقة في قائمة البطاقات الملغاة، ويبلغ بذلك التجار للامتناع عن قبولها، فإذا تعامل بها التاجر بعد إبلاغه، فإن مصدر البطاقة لا يكون مسؤولا عن سداد الدين الناتج عن تلك المعاملات.

وهذا الاشتراط مقبول شرعا ولا بأس به نظرا لجواز ما يعبر عنه الفقهاء في باب الكفالة بـ (الرجوع عن الضمان قبل وجوب الحق) ، إذ قد تقرر لدينا فيما سبق علاقة الضمان الثلاثية في البطاقة، حيث إن حاملها هو المكفول، والبائع هو المكفول له، ومصدرها هو الكفيل.

يشهد لذلك قول صاحب فتح القدير: (ولو رجع الكفيل عن هذا الضمان، ونهاه عن المبايعة صح، حتى لو بايعه بعد ذلك، لم يلزم الكفيل شيء)(1) .

وقول الخراشي: (من قال لرجل: عامل فلانا في مائة، وأنا ضامن فيها. أو قال: عامله، ومهما عاملته فيه، فأنا ضامن فيه، فإن له أن يرجع عن مقالته قبل المعاملة كلا أو بعضا، ويكون ضامنا فيما وقعت فيه المعاملة)(2) .

وقول البهوتي: (وله، أي ضامن ما لم يجب إبطاله، أي الضمان قبل وجوبه، أي الحق، أنه إنما يلزم بالوجوب)(3) .

(1) فتح القدير: (6/300) .

(2)

الخرشي علي خليل: (6/25) .

(3)

شرح منتهى الإرادات: (2/248) .

ص: 1366

الخلاصة

1-

بطاقة الائتمان هي عبارة عن وسيلة دفع وسداد لدين ناشئ عن معاوضة مالية، وأداة قبض نقود في اقتراض من مكائن الصرف الآلي.

2-

ذلك أن مصدر البطاقة، بناء على العقد المبرم بينه وبين حاملها وبين التاجر، ملتزم بالوفاء الفوري لكل دين يترتب على حاملها نتيجة استخدامها، ضمن حدود الائتمان الممنوح له.

3-

وتنقسم بطاقة الائتمان (غير المغطاة) إلى قسمين: بطاقة الائتمان لدين لا يتجدد، وبطاقة الائتمان لدين قابل للتجدد.

4-

أما العلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها فهي الكفالة بالمال، وهي قبل نشوء الدين المضمون من قبيل ما يسميه الفقهاء بـ (ضمان ما لم يجب) وهو سائغ شرعا والعلاقة بين حامل البطاقة والتاجر هي المعاوضة المالية (بيع أو إجارة) ، والعلاقة بين مصدرها والتاجر هي الضمان.

5-

ولا يغير من حقيقة علاقة الضمان الثلاثية (وهي أن حاملها هو المكفول، والبائع هو المكفول له، ومصدرها هو الكفيل) براءة ذمة حامل البطاقة من الدين، وانشغال ذمة مصدرها به بمجرد تقديم وثيقة الكفالة (البطاقة) هذه إلى البائع الدائن، وذلك لقول جمع من الفقهاء والمجتهدين إن الدين ينتقل بالكفالة إلى ذمة الكفيل، وليس للدائن أن يطالب بعدها الأصيل.

ص: 1367

6-

أما عن رسوم الاشتراك والتجديد والاستبدال التي يفرضها المصدر على حاملها، فهي أجرة مقطوعة لأصل الخدمة المصرفية المتعلقة بالبطاقة، سواء استخدمها حاملها بمبالغ كثيرة أو قليلة أو لم يستخدمها بتاتا. وهي مقبولة شرعا، لأنها لا تخرج عن كونها أجرة محددة على خدمة معلومة، وفقا لأحكام عقد الإجارة.

7-

وتعتبر العمولة التي يقتطعها المصدر من التاجر مقبولة فقها، تعويلا على ما ذهب إليه الحنفية من أن الكفيل بأمر المدين، إذا صالح المكفول له على أن وهب له بعض الدين أو أكثره، فإنه يعود على المكفول بما ضمن لا بما أدى.

8-

وفيما يخص تمديد المصدر لمدة صلاحية البطاقة، وحد الائتمان، وحقه في إنهاء الاشتراك عند وقوع موجب لذلك، فكلها سائغة شرعا، بناء على ما نص عليه الفقهاء من حق الكفيل في فعل هذه التصرفات.

9-

فوائد تجديد الدين في البطاقة الصادرة لدين قابل للتجدد هي عين ربا النسيئة، واشتراطها باطل محظور، وعلى ذلك فإنه لا يحل شرعا إصدار هذا النوع من البطاقات ولا التعامل معها.

10-

غرامات التأخير في بطاقات الائتمان تعتبر من ربا النسيئة، وتسري عليها أحكامه.

11-

اشتراط فتح حساب لدى البنك المصدر أو إيداع رصيد معين لديه توثيقا لحقه، لا حرج فيه، بناء على قول بعض المذاهب الفقهية بجواز توثيق الدين بالرهن قبل وجوبه في الذمة.

12-

لا حرج شرعا في الخصم أو الزيادة في سعر الشراء بالبطاقة بتراضي حامل البطاقة مع التاجر على ذلك، بناء على ما قرره الفقهاء في أحكام البيوع.

13-

الجوائز والهدايا التي يمنحها بعض مصدري البطاقات لحملته لا تثريب فيها، ما كانت على سبيل التبرع، دون اشتراط مسبق.

14-

التأمين التجاري على الحياة التي يثبت تبعا عند استخدام البطاقة في شراء تذاكر السفر لصالح حاملها مقبول فقها، رغم ما فيه من الغرر الفاحش المحظور أصلا، وذلك لوقوعه تبعا في اتفاقية الإصدار، أي تابعا للمقصود فيها ومن المقرر فقهاء أن الغرر مغتفر إذا وقع في التوابع.

15-

يجوز شراء الذهب والفضة بالبطاقة إذا قبضها المشتري، وسلم البائع القسيمة موقعة منه، وذلك لتحقق التقابض في البدلين قبل التفرق.

16-

صرف العملات الذي يتضمنه استخدام البطاقة للشراء بعملة أخرى، الأصل فيها عدم الجواز، لانتفاء التقابض في البدلين المشروط لصحته، ويستثنى من ذلك ظرف الحاجة والمصلحة الراجحة.

17-

السحب النقدي بالبطاقة (غير المغطاة) لقاء عمولة لا يجوز، لأنها زيادة مشروطة في قرض، إلا أن تكون العمولة بقدر النفقات الفعلية لتقديم هذه الخدمة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ص: 1368