المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإجارة المنتهية بالتمليكدراسة اقتصادية وفقهيةإعداد الدكتور شوقي أحمد دنيا - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثاني عشر

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعدادأ. د. خليفة بابكر الحسن

- ‌استثمار موارد الأوقافإعدادالدكتور إدريس خليفة

- ‌استثمار موارد الأحباسإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌أثر المصلحة في الوقفإعدادالشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌صور استثمار الأراضي الوقفية فقهاً وتطبيقاًوبخاصة في المملكة الأردنية الهاشميةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌الإجارة المنتهية بالتمليكوصكوك الأعيان المؤجرةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الإجارة وتطبيقاتها المعاصرة(الإجارة المنتهية بالتمليك)دراسة فقهية مقارنةإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الإجارة المنتهية بالتمليكدراسة اقتصادية وفقهيةإعداد الدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌الشرط الجزائي ومختلف صوره وأحكامهإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌الشرط الجزائيإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌الشرط الجزائيإعدادالأستاذ الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌الشرط الجزائي في العقودإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الشرط الجزائي في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور ناجي شفيق عج

- ‌الشرط الجزائيدراسة معمقة حول الشرط الجزائي فقها وقانوناإعدادالقاضي محمود شمام

- ‌عقود التوريد والمناقصةإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌عقد التوريددراسة فقهية تحليليةإعدادالدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌عقود التوريد والمناقصاتإعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌عقود التوريد والمناقصاتإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌الإثبات بالقرائن أو الأماراتإعدادالشيخ مجتبى المحمودوالشيخ محمد على التسخيري

- ‌الإثبات بالقرائن والأماراتإعدادالدكتور عكرمة سعيد صبري

- ‌القرائن في الفقه الإسلاميعلى ضوء الدراسات القانونية المعاصرةإعدادالمستشار محمد بدر المنياوي

- ‌الإثبات بالقرائن أو الأماراتإعدادالشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الطرق الحكمية في القرائنكوسيلة إثبات شرعيةإعدادالدكتور حسن بن محمد سفر

- ‌دور القرائن والأمارات في الإثباتإعدادالدكتور عوض عبد الله أبو بكر

- ‌بطاقات الائتمانتصورها، والحكم الشرعي عليهاإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌بطاقات الائتمان غير المغطاةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌بطاقات الائتمان غير المغطاةإعدادالدكتور محمد العلي القري

- ‌بحث خاصبالبطاقات البنكيةإعدادالدكتور محمد بالوالي

- ‌بطاقة الائتمانإعدادالبروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌بطاقة الائتمان غير المغطاةإعدادالشيخ علي عندليبوالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التضخم وعلاجهعلى ضوء القواعد العامةمن الكتاب والسنة وأقوال العلماءإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الصلح الواجب لحل قضية التضخمإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌تدهور القيمة الحقيقية للنقود ومبدأ التعويضومسؤولية الحكومة في تطبيقه

- ‌مسألة تغير قيمة العملة الورقيةوأثرها على الأموال المؤجلةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌التأصيل الشرعي للحلول المقترحةلعلاج آثار التضخم

- ‌التضخم وتغير قيمة العملةدراسة فقهية اقتصاديةإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌نسبة التضخم المعتبرة في الديونإعدادالشيخ عبد الله بن بيه

- ‌حقيقة التضخم النقدي: مسبباته – أنواعه – آثاره

- ‌التضخم وآثاره على المجتمعات

- ‌ضبط الحلول المطروحة لمعالجة آثار التضخم على الديون

- ‌حقوق الأطفال والمسنينإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌حقوق الشيوخ والمسنين وواجباتهمفي الإسلامإعدادالأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌حول حقوق المسنينإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌حقوق الطفلالوضع العالمي اليومإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌الشيخوخةمصير. . . وتحدياتإعدادالدكتور حسان شمسي باشا

- ‌البيان الختامي والتوصياتالصادرة عنالندوة الفقهية الطبية الثانية عشرة

- ‌(حقول المسنين من منظور إسلامي)

الفصل: ‌الإجارة المنتهية بالتمليكدراسة اقتصادية وفقهيةإعداد الدكتور شوقي أحمد دنيا

‌الإجارة المنتهية بالتمليك

دراسة اقتصادية وفقهية

إعداد الدكتور شوقي أحمد دنيا

أستاذ الاقتصاد – جامعة الأزهر

بسم الله الرحمن الرحيم

الإجارة أداة من أدوات التمويل المعتد بها في الاقتصاد الوضعي وفي الاقتصاد الإسلامي، وهي أداة ذات مقومات وخصائص تميزها عما عداها من أدوات التمويل الأخرى (1) ، وقد تعرضت هذه الأداة القديمة إلى الكثير من التعديلات كي تتلاءم ومتطلبات الحياة المعاصرة، وحتى تتمكن من تلبية أكبر قدر ممكن من احتياجات المؤجر في المقام الأول والمستأجر في المقام الثاني.

وقد وصلت هذه التعديلات إلى درجة جعلت من صيغة الإجارة صيغتين، الصيغة القديمة أو التقليدية المعروفة، والصيغة الحديثة التي هي من حيث الجوهر قد لا تمت للإجارة بصلة، أو بعبارة أخرى لا تأخذ من الإجارة إلا اسمها، والتطبيق المعاصر (2) أصبح يعرف جيداً مصطلحين متمايزين تماماً، مصطلح الإجارة التشغيلية operating lease ومصطلح الإجارة المالية Financial lease.

وبحثنا هنا منصب على الإجارة المالية، والتي من فصيلتها الإجارة المنتهية بالتمليك، بحكم أنها الصيغة الأحدث من جهة، والتي تداعب مصالح أجهزة التمويل المعاصرة من جهة ثانية.

لكننا لن نغفل التعرض السريع للإجارة التشغيلية، لعوامل عديدة، من أهمها:

أنها أمكن من الناحية الشرعية، ثم إنها لم تفقد صلاحيتها بل وفعاليتها التمويلية حتى في عصرنا هذا، خاصة إذا ما طورت من ناحية التصكيك (Securitization) بمعنى إيجاد (سندات) أو صكوك لها قابلة للتداول (3) ، ومن ناحية استخدامها من خلال صيغ أخرى كالوكالة والمضاربة

الخ. وبغض النظر عن ذلك فإنها في ظل البيئة الإسلامية المعاصرة ومالها من خصائص اقتصادية، ما زالت لها مكانتها التمويلية.

(1) د. عبد الوهاب أبو سليمان، عقد الإجارة مصدر من مصادر التمويل الإسلامي دراسة فقهية مقارنة، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، بحث رقم (19) لسنة 1413هـ؛ محمد عبد العزيز حسن، التأجير التمويلي، المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية، القاهرة 1998، ص 7 وما بعدها.

(2)

د. سعود الربيعة: 2/410 وما بعدها.

(3)

لمزيد من المعرفة يراجع د. منذر قحف، سندات الإجارة.

ص: 381

أما بالنسبة للإجارة المالية فلنا معها وقفات طوال نغطي فيها بقدر الإمكان أهم محاورها، والتي منها قضية المفاهيم والمصطلحات والصور المتعددة التي تتبدى فيها، والتي تضفي على الموضوع قدراً كبيراً من الغموض، بل واللبس، ثم تبريرات ظهور هذه الصور المتعددة، والدوافع وراءها، وهل كان وراء ذلك عجز الإجارة التشغيلية عن تلبية متطلبات جديدة؟ أم عجز صيغ أخرى جعلت الفكر المالي يلجأ إلى الإجارة مستخدماً لها، لكن مع خروج بها عن مألوفها؟ ثم ما هي الفوائد التي تحققها هذه الصيغة أو هذه الأداة لكل من المؤجر والمستأجر والاقتصاد القومي عموماً؟

وما هي الثغرات أو المشكلات التي تثيرها هذه الأداة من الناحية العملية؟ ثم ما هو موقعها على خريطة التمويل لمصارف الإسلامية؟ وأخيراً موقف الفقه الإسلامي منها.

1 -

الإجارة التشغيلية – مفهومها وأهمية التمويل بها:

أ-مفهومها: لو نظرنا لها من الناحية الشرعية والقانونية فهي عقد بين طرفين على تمليك منفعة (1) . يستوي في ذلك أن تكون المنفعة منفعة أصل مالي مثل الآلة والعقار

الخ، وأن تكون منفعة إنسان ما.

والمهم في الموضوع أن تكون المنفعة مباحة شرعاً، وأن تكون قابلة للانفصال عن الأصل دون هلاكه مباشرة، وأن تكون معروفة محددة بشكل يمنع الجهالة المفضية إلى النزاع، إلى آخر ما هنالك من اشتراطات شرعية تستهدف جميعها قيام هذا العقد بإنتاج آثاره وتحقيق مقصوده على الوجه الأمثل.

ولو نظرنا لها من الناحية الأقتصادية فهي نشاط اقتصادي تبادلي قد يدخل في نطاق التجارة إذ هي قرينة البيع أو أحد فروعه.

ولو نظرنا لها من الناحية المالية فهي نشاط تمويلي، وإن كان البعض يتحفظ على ذلك ناظراً لها على أنها نشاط تجاري (2) ، لكنها عند التحقيق لا تخلو من عناصر تمويلية بارزة، إذا ما فهمنا التمويل بمعناه الواسع ويزداد بروز الجانب التمويلي فيها بتأجيل الأجرة أو الأجر، وكذلك بإيجاد صكوك لها.

(1) لم نقصد تقديم تعريف علمي دقيق لها، ومن أجل ذلك يمكن الرجوع إلى المدونات الفقهية في المذاهب المختلفة.

(2)

على أساس أنها في معظم حالاتها لا تتطلب وسيطاً مالياً كما أنها قد لا تؤدي إلى شغل ذمة المستأجر بقيمة مالية آجلة لمؤجر، لكن ذلك كله يمكن التغاضي عنه إذا ما فهمنا التمويل بمضمونه الواسع.

ص: 382

وبخصوص مدة الإجارة لم يضع الفقه في ذلك شروطاً حاسمة، اللهم إلا شرطاً واحداً هو أن تظل العين خلالها صالحة لتقديم هذه المنفعة طالت المدة أو قصرت (1) ، ومن الواضح أن هذا الأمر ظني، متوقف على غلبة الظن والتوقع، وإلا فهناك عوامل متعددة لا يمكن التأكد منها، لها دورها الحاسم في تحديد العمر الإنتاجي للأصل المنتج، إذن هي قابلة لامتداد المدة امتداداً طويلاً بطول عمر الأصل المنتج للمنفعة، وهذه قضية مهمة نتعرف عليها بعد استعراضنا للإجارة المالية.

ومن الجوانب الفقهية أو الشرعية ذات الأهمية هنا ما يتعلق باللزوم والجواز في عقد الإجارة. فهل الإجارة عقد لازم أم عقد جائز؟ أم هي عقد لازم.

لطرف جائز للطرف الثاني؟ (2) وأيضاً فإن لهذه الزاوية أهمية كبرى في عصرنا الحاضر، كما سنرى عند دراستنا للإجارة المالية.

وأخيراً فإن مسألة الصيانة والنفقة والضمان من المسائل بالغة الأهمية في ضوء التطور الحديث الذي جاء لنا بالإجارة المالية. والمدون في فقه الإجارة أنه لا ضمان على المستأجر إلا بالتفريط أو التعدي، وما عدا ذلك فاشتراطه منافٍ لمقتضى العقد، ومن ثم فلا يصح. والمعروف كذلك لدى جميع الفقهاء أن صيانة الأصل المؤجر على المؤجر وليس على المستأجر، ولو اشترطه على المستأجر فهو شرط فاسد لا أثر له، لكن حقيقة الصيانة وبنودها كل ذلك راجع إلى العرف السائد، والتأمين على سلامة الأصل مسؤولية المؤجر، لكن من حقه أن يوكل المستأجر في القيام بذلك، على أساس أنه أصبح جزءاً من الأجرة المقررة (3) ، والمهم في الأمر كله ألا يؤدي شيء من ذلك إلى جهالة الأجرة، ومن ثم الغرر والإفضاء إلى النزاع، وبالتالي عدم قيام عقد الإجارة بتحقيق المقصد منه.

(1) ابن قدامة، المغني، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض 1981: 5/437، وزارة الأوقاف، الكويت، الموسوعة الفقهية: 1/261 وما بعدها؛ د. عبد الوهاب أبو سليمان، مرجع سابق، ص 64.

(2)

هي عقد لازم لكلا الطرفين، وقد فسر ذلك الإمام العز بقوله:"وأما البيع والإجارة فلو كانا جائزين لما وثق كل واحد من المتعاقدين بالانتفاع بما صار إليه، ولبطلت فائدة شرعيتهما، إذ لا يأمن من فسخ صاحبه"، قواعد الأحكام، المكتبة التجارية، القاهرة: 2/125 وهذا متفق عليه بين الفقهاء. انظر الموسوعة الفقهية: 1/253؛ د. عبد الوهاب أبو سليمان، مرجع سابق، ص 33.

(3)

الموسوعة الفقهية: 1/286، د. أبو سليمان، ص 69.

ص: 383

ب-أهمية التمويل بالإجارة: يوفر التمويل بالإجارة للحياة الاقتصادية خدمات عديدة لا ينهض التمويل بغيرها بتوفيرها لما هنالك من تمايز في الخصائص والطبائع بين كل أداة تمويلية وأخرى، فليس كل فرد في حاجة إلى منفعة ما قادر على تملك الأصل المنتج لهذه المنفعة، ومن ثم يقف عاجزاً عن إشباع هذه الحاجة، مما قد يرتب المزيد من المضار الاقتصادية. فهل كل مزارع لديه المقدرة على امتلاك جرار زراعي أو طلمبة مياه أو محراث؟ وهل كل صانع لديه المقدرة على امتلاك محل لصناعته؟ وكذلك الحال في التاجر، وفي الطبيب وغيرها، بل هل كل فرد قادر على أن يؤمن بنفسه ولنفسه كل الخدمات المحتاج إليها من علاج وغيره مما يحتاجه من حلاجات غير محدودة في أنواعها ونوعياتها؟ من هنا تظهر أهمية الإجارة على مستوى المستأجر، وعلى مستوى الاقتصاد القومي، ولا تقل أهميتها على مستوى المؤجر عن هذه الأهمية. فليس كل صاحب مال بقادر على استغلال ماله وتوظيفه بنفسه أو براغب في ذلك، وهو في الوقت ذاته غير مستغني عنه. فلا هو بقادر أو راغب في تشغيله، ولا هو براغب في نفس الوقت في التخلص منه بالبيع، وبذلك يبقى المال معطلاً من جهة، ويبقى صاحبه محروماً من عائده من جهة أخرى، ونفس الكلام ينطبق على صاحب الخبرة والصنعة والحرفة. وهنا تجيء الإجارة لتواجه هذه الوضعية (1) ، ومما هو جدير بالإشارة أن فقهاءنا القدامى قد أشاروا إلى ذلك ونبهوا إليه في تراثنا الفقهي العريق، يقول ابن قدامة:

"إن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان فلما جاز العقد على الأعيان وجب أن تجوز الإجارة على المنافع، ولا يخفى ما بالناس من الحاجة إلى ذلك فإنه ليس لكل أحد دار يملكها، ولا يقدر كل مسافر على بعير أو دابة يملكها، ولا يلزم أصحاب الأملاك إسكانهم وحملهم تطوعاً وكذلك أصحاب الصنائع يعملون بأجر، ولا يمكن كل أحد عمل ذلك، ولا يجد متطوعاً به، فلابد من الإجارة لذلك، بل ذلك مما جعله الله طريقاً للرزق حتى إن أكثر المكاسب بالصنائع"(2) ويقول الكاساني: "إن الله تعالى إنما شرع العقود لحوائج العباد، وحاجتهم إلى الإجارة ماسة، لأن كل واحد لا يكون له دار مملوكة يسكنها أو أرض مملوكة يزرعها أو دابة مملوكة يركبها، وقد لا يمكنه تملكها بالشراء لعدم الثمن ولا بالهبة والإعارة، لأن نفس كل واحد لا تسمح بذلك فيحتاج إلى الإجارة فجوزت لحاجة الناس كالسلم ونحوه"(3) .

(1) العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام، مرجع سابق: 2/59.

(2)

ابن قدامة، مرجع سابق: 5/433.

(3)

الكاساني، بدائع الصنائع، دار الكتاب العربي، بيروت، 1864: 4/174.

ص: 384

وقد يكون من المفيد صياغة أهمية التمويل بالإجارة صياغة فنية مالية وذلك على النحو التالي (1) :

أولاً – بالنسبة للمستأجر:

1-

الاستفادة من الأصول الرأسمالية في نشاطه دون الحاجة إلى تخصيص جزء من سيولته لشرائها، مما يتيح له فرصة أوسع في توظيف أمواله واستخدامها في تحقيق مقصوده، فهي كما يقال تمويل من خارج الميزانية، وتظهر أهمية ذلك بشكل بارز كلما كبر ثمن هذه الأصول وكلما غلبت حالة الكساد.

2-

الحماية من آثار التضخم، ويبدو ذلك جلياً كلما كانت مدة الإجارة طويلة وكانت الأجرة محددة وشاعت حالة التضخم.

3-

تتيح له التمويل بنسبة 100? حيث لا يتحمل عادة بأية نسبة من قيمة الأصول، عكس ما هو عليه الحال في العديد من أدوات التمويل الأخرى.

4-

تحقيق إمكانية التوسع في مشروعه وسرعة الحصول على المعدات المطلوبة والمتطورة دون الاضطرار إلى التوسع في عدد الملاك أو طرح أسهم جديدة، وما قد ينجم عن ذلك من مشكلات.

5-

تهيئ للمشروع فرصة جيدة لبرمجة نفقاته في المستقبل، والتعرف عليها سلفاً، مع عدم تحميله لمشكلات الاستهلاك والمخصصات.

6-

الاستفادة من ميزات ضريبية، حيث إن الأجرة تخصم من الأرباح قبل فرض الضريبة عليها، عكس ما لو كانت حصة مشاركة فهي توزيع للربح وليست عبئاً عليه، ومن ثم فلا يستفيد من تخفيض الضرائب، مما يجعل التمويل بهذه الأداة غالباً أقل كلفة من غيره، خاصة وأن المؤجر، نظراً لما يتمتع به من ميزات ضريبية فإنه يعرض معداته بسعر منخفض.

7-

ثم هي في النهاية تعد أداة مغايرة لغيرها من الأدوات التمويلية، ما يتيح لطالب التمويل الحصول على احتياجاته تحت أفضل الشروط.

(1) د. سعود الربيعة، مرجع سابق: 2/515 وما بعدها؛ د. منذر قحف، سندات الإجارة، مرجع سابق، ص 15 وما بعدها.

ص: 385

ثانياً- بالنسبة للمؤجر:

1-

تتيح له فرصة توظيف ماله مع عدم التعرض لقيود الائتمان الداخلي.

2-

وجود ضمان قوي، عكس ما لو تم التمويل من خلال البيع الآجل أو المنجم، حيث إن الأصل المؤجر ما زال على ملكيته، ومن ثم يستطيع استرداده عند الحاجة دون قدرة المستأجر على التصرف فيه، أو مشاركة الغرماء له عند إفلاس المستأجر.

3-

الاستفادة من بعض الميزات الضريبية التي يوفرها له الكثير من القوانين السائدة.

4-

تتيح له إمكانية تخطيط إيراداته المستقبلية، وفي بعض صور التأجير يضمن المؤجر استمرارية التأجير إلى نهاية العمر الإنتاجي للأصل، وكذلك تحميل المستأجر بعض الضمانات والمخاطر.

5-

يمكن التمويل بهذا الأسلوب المؤسسات الإسلامية من الاشتراك مع المؤسسات المالية التقليدية في تقديم التمويل المطلوب، مثل اشتراك شركة الراجحي مع بنك (تشيز مانهاتن) في تقديم تمويل لتأجير طائرات لشركة طيران الإمارات، مما يحقق للمؤسسات المالية مجالات أرحب وفرصاً أوسع للاستفادة من خبرات الغير.

6-

في بعض الحالات تكون مخرجاً جيداً لتوظيف الأموال دون التفريط في ملكيتها مثل أموال الوقف وبضع الأموال الحكومية.

ثالثاً- بالنسبة للاقتصاد الدولي:

1-

تسهم بفاعلية في توظيف ما لدى المجتمع من موارد وطاقات وخبرات.

2-

تسهم في إقامة المشروعات دون تباطؤ كبير في انتظار الحصول على التمويل اللازم، ومن ثم عدم التعرض للتضخم والارتفاع المستمر في أسعار المعدات، كما أنه يتيح للمشروعات الوطنية فرصة الاستفادة من المعدات الحديثة.

3-

كما يعمل على المزيد من تراكم رؤوس الأموال.

4-

لا يتسبب في إرهاق الميزان التجاري للدولة إذا ما كان القائم بالتمويل شركة أجنبية، حيث لا يضطر المستثمر الوطني إلى شراء هذه المعدات من الخارج.

ص: 386

2 -

الإجارة المالية – صور ومفاهيم:

بداية تجدر الإشارة إلى أن التطبيق المعاصر لأداة الإجارة قد استحدثت صوراً وأساليب متعددة، ومن ثم فقد ظهر في القاموس التجاري الحديث وكذلك القاموس المالي العديد من المصطلحات والتي تحمل مفاهيم متغايرة بدرجة أو بأخرى، فكثيراً ما نطالع مصطلحات: التأجير التمويلي، التأجير الساتر للبيع، التأجير الشرائي، التأجير المنتهي بالتمليك، الإجارة والاقتناء، التمويل الإيجاري

إلخ.

هذا التعدد الواسع في المصطلحات هو في حد ذاته مدعاة للغموض، خاصة إذا ما علمنا أننا إذا بحثنا في مفاهيم ومضامين هذه المصطلحات، وهل هي مفاهيم واحدة وبالتالي تكون هذه المصطلحات معبرة عن صور عديدة متنوعة الخصائص، إذا ما أردنا ذلك فإننا لا نستطيع الحسم في المسألة، مما يزيد الموقف غموضاً، حيث نجدها –أو بالأحرى بعضها- يعامل عند البعض على أنها مترادفات، بينما لا يراها البعض الآخر كذلك.

ثم إننا لا نملك اتفاقاً بين الكتاب والتطبيقات حول ماهية كل صورة وخصائصها. وهكذا يجد القارئ لهذا الموضوع قدراً كبيراً من العناء في البحث والتحري وتجلية موضوعه ومقصوده، وربما كان مرجع ذلك كله أن هذه الاستحداثات الجدية في استخدام صيغة أو أداة الإجارة التقليدية التي يعرفها الإنسان حق المعرفة منذ آماد وعصور بعيدة قد نشأت في ظل أنظمة وقوانين وضعية مختلفة ومتغايرة في نظراتها وتوجيهاتها، كما أنها جاءت بهدف تلبية رغبات متنوعة من مكان لآخر، فبعض القوانين الوضعية تعطي حقوقاً للمؤجر والمستأجر لم تعطها لهما قوانين وضعية أخرى، وبعض القوانين تشترط في بعض الصور شروطاً لم تر اشتراطها قوانين أخرى وربما تمنعها، وبعضها اهتم أكثر بعنصر التأجير، بينما الآخر اهتم بعنصر التمويل أكثر

إلخ (1) .

(1) د. منير سالم وآخرون، التأجير التمويلي، طبعة 1997، القاهرة، ص 1237 وما بعدها؛ محمد عبد العزيز حسن، مرجع سابق، ص 23 وما بعدها؛ د. سعود الربيعة، مرجع سابق 2/464؛ د. إبراهيم دسوقي، البيع بالتقسيط والبيوع الائتمانية الأخرى، مطبوعات جامعة الكويت، 1984، ص 303 وما بعدها؛ د. سليمان مرقس، شرح عقد الإجارة عالم الكتب، 1984، ص 74 وما بعدها؛ د. محمد القري بن عيد، العقود المستجدة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر الجزء الثاني 1418 هـ، ص 541 وما بعدها (Howard Rosen – Leasing Law In European Community – London: Euromoney Pablications – 1991 – PP – 5.19.43،84.

ص: 387

وفي ضوء هذا الغبش الفكري نجد من أنسب المناهج التي يمكن استخدامها في دراسة الموضوع جمع كل هذه الصور المستحدثة تحت مصطلح كبير جامع هو الإجارة المالية ليكون في مقابلة المصطلح الآخر المعروف بالإجارة التشغيلية، وعلى أساس أنه يندرج تحته كل الصور المستجدة وكل هذه المصطلحات المستحدثة، والتي سلفت الإشارة إليها (1) وربما كان أفضل تعريف للإجارة المالية هو تعريف لجنة الأصول المحاسبية الدولة، والذي يذهب إلى أنها:" عقد الإجارة الذي تتحول من خلاله كل مخاطر ونفقات ملكية الأصل من المؤجر إلى المستأجر، سواء تحولت ملكية الأصل للمستأجر في النهاية أم لا"(2) وفيما يلي نعرض بعض الصور المشهورة للإجارة المالية (3) .

1-

الإجارة بدون خيار الشراء أو تجديد الإجارة: معنى ذلك أنه في نهاية مدة الإجارة يكون للمؤجر الحق الكامل في التصرف في الأصل المؤجر والاستفادة منه، وهذه الصورة ليس بها رصيد واقعي كبير، لأنها غالباً ما لا تشبع للمؤجر رغباته، خاصة إذا كانت مدة الإجارة لا تقل عن العمر الإنتاجي المفترض للأصل المالي، كما أنها لا تحقق للمستأجر ميزة على الإجارة التشغيلية مع تحميلها إياه لعبء النفقات والصيانة ومخاطر الملكية.

ب-الإجارة التي يمتلك فيها المستأجر بنص العقد الأصل المؤجر دون أي ثمن، بمعنى أنه بسداد القسط الأخير يصبح الأصل موضع الإجارة ملكاً للمستأجر دون الحاجة إلى أية إجراءات جديدة ودون الالتزام بدفع أي شيء جديد، وهذه الصورة لها أكثر من مصطلح، فهي تسمى التأجير الشرائي أو البيعي، كما تسمى البيع عن طريق التأجير، وكذلك التأجير الساتر للبيع، وأيضاً البيع الإيجاري.

وأياً كان المصطلح فهو مترجم عن (Hire – Purchase) ومن الواضح أن هذه الصورة هي من حيث الجوهر والحقيقة بيع وليست إجارة، فهو بيع مقسط تؤول الملكية فيه إلى المشتري (المستأجر) بسداده لأقساط الثمن (الأجرة)(4) ، ومن الواضح أن قسط الإيجار مراعى فيه سداد جزء من ثمن الأصل وتحقيق قدر من العائد (5) وصياغة العقد تحت بند الإجارة وليس البيع مرجعه تحقيق العديد من المزايا للمؤجر، ومن ذلك ما يتعلق بالضرائب، والاحتفاظ بحق الملكية أياً كانت الظروف. وهذه الصورة من الإجارة غالباً ما تكون ثنائية الطرفين، ولا تتطلب طرفاً ثالثاً، كما هو الحال في بعض الصور الأخرى.

(1) د. سعود الربيعة، مرجع سابق: 2/462.

(2)

لجنة الأصول المحاسبية الدولية، الأصول المحاسبية الدولية، ترجمة سابا وشركاهم، دار العلم للملايين، بيروت 1983، ص 173.

(3)

د. سعود الربيعة، مرجع سابق: 2/468 وما بعدها. (TOM Clork، Leasing Finance، London; Euromoney Pieh iicayions، ltd، 1985، PP، 13- 18.) .

(4)

د. حسن الشاذلي، الإيجار المنتهي بالتمليك، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، الجزء الرابع، 1409، ص2638.

(5)

محمد سمير إبراهيم، المشاركة المنتهية بالتمليك والبيع بطريق التأجير، مجلة البنوك الإسلامية، العدد (37) ، 1404هـ.

ص: 388

ج-الإجارة التي يمتلك فيها المستأجر الأصل في نهاية المدة بثمن رمزي.

ويعني ذلك أن ينص في العقد على أن المستأجر إذا سدد ما عليه دون تأخير فله حق تملك السلعة ملكية تامة بثمن رمزي مقداره كذا، وبالتأمل في هذه الصورة نلاحظ أن الأقساط الإيجارية هنا تعادل ثمن الأصل مع هامش ربح ارتضاه المؤجر، وإنما وضع هذا الثمن الرمزي الذي لا يمثل ثمن الأصل، بل ولا جزءاً ذا بال منه ليظهر العقد في صورة عقد إجارة، وليس عقد بيع، حتى يتحقق للمؤجر ما يصبو إليه من ضمان لحقوقه في الأصل كاملة، وحتى يسدد المستأجر كل ما عليه من أقساط.

د-الإجارة مع تملك المستأجر للأصل بعد سداد القسط الأخير ودفع ثمن حقيقي، والفرق بين هذه الصورة والصورة السابقة أن الثمن هنا ثمن حقيقي، ومن الواضح أننا هنا أمام عقد إجارة حقيقي وليس عقداً صورياً قد اقترن به عقد بيع حقيقي، وهذا الثمن المتفق عليه قد يجري تحديده عند إبرام عقد الإجارة أو يتفق على أن يحدد عند انتهاء عقد الإجارة، ومما يترتب على ذلك اختلاف واضح قي مقدار القسط الإيجاري في الصورة عنها في الصورة السابقة.

هـ-الإجارة ذات الوعد بالبيع في حالة سداد القسط الأخير، وهنا احتمالات عديدة وقد يكون البيع بغير ثمن بعد دفع الأقساط، وقد يكون الثمن رمزياً، وقد يكون الثمن حقيقياً، وتكييف هذه الصورة من الناحية القانونية يتوقف على نوعية الثمن، فهل هو ثمن حقيقي أم هو رمزي أم هو بغير ثمن كلية؟ وكل حالة من هذا تلحق بالصورة المتفقة معها السالفة، غاية الأمر أن هنا (وعداً بالبيع) وفي الصور السابقة كان هناك (عقد بيع) .

والإجارة ذات الخيار المتعدد للمستأجر حيث يبرم عقد الإجارة على أساس أن للمستأجر في نهاية مدة الإجارة الحق في أحد ثلاثة أمور:

-إما مد مدة الإجارة.

-وإما إعادة الأصل للمؤجر.

-وإما تملك الأصل من خلال ثمن محدد عند بداية التعاقد أو ثمن يحدد عند نهاية مدة الإجارة في ضوء الأسعار السائدة في ذلك الحين.

ويلاحظ أن هذه الصيغة تعتبر عملياً أحدث تطوير طرأ على صيغة الإجارة وتسمى عادة لدى القانونيين بـ (عقد الليزنج)(Leasing) الذي يعني عربياً: عقد تمويل المشروعات أو عقد التمويل الائتماني، وهو عقد ثلاثي الأطراف، فهناك المؤجر، وهناك المستأجر، وهناك المورد أو البائع، معنى ذلك أن هذه الصورة تقوم على أطراف ثلاثة وليس على طرفين، كما هو المعتاد، والملاحظ كذلك أن هنا عدة عقود مقرونة بعدة وعود، ويشيع إطلاق مصطلح التأجير التمويلي على هذه الصورة، وهناك خلاف شديد بين القانونيين على تكييف هذا العقد (1) .

وأبسط تصوير لعقد التأجير ثلاثي الأطراف، أن هناك المستأجر الذي يطلب الأصل الإنتاجي وهو عادة يطلبه من المؤجر، الذي هو في تلك الحالة قد يكون إحدى شركات التأجير المتخصصة أو أحد المصارف أو غير ذلك، ومهمة هذا الطرف هنا تمويلية محضة، بمعنى أن يلجأ إلى طرف ثالث يسمى المورد أو البائع والذي مهمته تصنيع الأصل للمؤجر أو بيعه له، وبالتالي فإن الاتفاق يبدأ بين المؤجر والمستأجر على أن يقوم المؤجر بتملك الأصل المعين المحدد من قبل جهة ما قد تكون محددة معينة على أن يقوم بتأجيره المستأجر مدة كذا بإيجار كذا وأقساط كذا واتفاق بينهما على ما يؤول إليه الحال في نهاية مدة الإجارة، وعادة فإن الذي يمارس المفاوضة مع المورد هو المستأجر، بتوكيل وتفويض من المؤجر.

(1) د. إبراهيم دسوقي، مرجع سابق، ص317 وما بعدها.

ص: 389

3 -

الإجارة التشغيلية والإجارة المالية- مقارنة:

من خلال هذا العرض السريع للعديد من صور الإجارة المالية، بالإضافة إلى التعرف على مفهومها لدى الفكر الوضعي، وما هو معروف عن الإجارة التقليدية، أو بالتعبير الحديث الإجارة التشغيلية فإنه يمكن التعرف على أهم الفروق القائمة بين الصيغتين، ويمكن القول إن هناك العديد من الفروق بينهما، بعضها تعد فروقاً جوهرية وأخرى أقل جوهرية، وبعضها لا يختلف في أي صورة من صور الإجارة المالية مخالفاً بذلك الإجارة التشغيلية، وبعضها يظهر في بعض صورها دون البعض الآخر، وقد تعرض الكثير من الكتاب لهذه المقارنة الأمر الذي يجعلنا هنا في غير حاجة ملحة إلى التعرف المفصل لها (1) .

وقد يكون من أهم الفروق بينهما ما يتعلق بمسألة المخاطر وتحمل النفقات، فهي في التشغيلية مسؤولية المؤجر بغير خلاف، لكنها في المالية مسؤولية المستأجر في كل صورها، وقد كان ذلك من أهم الدوافع وراء ظهور الإجارة المالية بصورها المختلفة.

كذلك نلاحظ أنه في معظم صور الإجارة المالية أنها تنتهي بالتمليك، مهما كانت الصورة، سواء من خلال الوعد أو العقد، وسواء كان ذلك بغير ثمن محدد بعد أقساط الإجارة أو بثمن محدد، رمزياً أو حقيقياً، أو بثمن يحدد حسب سعر السوق عند انتهاء الإجارة، وسواء كان من خلال منح الحق للمستأجر في اختيار خيار الشراء عند انتهاء الإجارة، وبالتالي فإنه في غالب الحالات نجد المآل انتقال ملكية الأصل إلى المستأجر.

ونجد البداية هو القصد إلى ذلك، فكل منهما في غالب الأمر يدخل على التعاقد بنية انتهاء الإجارة بالتمليك العيني للأصل، أي بالبيع بعبارة أخرى، بينما لا مجال لذلك في الإجارة التشغيلية، يضاف إلى ذلك أنه في غالب الأمر نجد أن مدة الإجارة المالية من الطول بمكان بحيث تصل أو تقارب العمر الإنتاجي للأصل المؤجر، بينما الحال في الإجارة التشغيلية هو إمكانية قصر المدة إلى حد كبير عن العمر الإنتاجي للأصل، وكذلك إمكانية تطويلها بحيث تصل إلى عمر الأصل.

كما نجد أن الإجارة المالية طابعها الإلزام وعدم إمكانية الإنهاء قبل المدة المتفق عليها لا من قبل المؤجر ولا من قبل المستأجر، وإلا تحمل الشرط الجزائي، حيث إن ذلك يتنافى ومقصود وطبيعة هذه الإجارة، بينما في الإجارة التشغيلية وإن كانت لازمة شرعاً إلا أنه من الممكن إنهاؤها في بعض الحالات دون تحمل شروط جزائية.

(1) محمد عبد العزيز حسن، مرجع سابق، ص30 وما بعدها.

ص: 390

4 -

الإجارة المالية واحتياجات المؤجر والمستأجر (1) :

بعد استعراضنا لصيغتي الإجارة بصورها المختلفة يطرح علينا تساؤل له أهميته: ما الذي حققته الإجارة المالية من ميزات للمؤجر؟ أو بعبارة أخرى ما هو الجديد في الإجارة المالية من وجهة نظر المؤجر؟

أ-سبق أن أشرنا إلى أن التطوير الذي أدخله التطبيق المعاصر على صيغة أو عقد الإجارة كان وراءه في المقام الأول رغبات واحتياجات للمؤجر لا ينهض بتلبيتها عقد البيع الآجل من جهة ولا عقد الإجارة التشغيلية من جهة أخرى، فما هي هذه الرغبات التي تلبيها الإجارة المالية؟

إن التمويل من خلال التأجير له ميزاته وخصائصه، وله كذلك سلبياته، وبدراسة الإجارة المالية نجد أنها من وجهة نظر المؤجر تحقق له أموراً ما كان للإجارة التشغيلية أن تحققها، ومن ذلك قضية نقل مخاطر وأعباء الملكية إلى المستأجر، فهو المسؤول عن أي خطر يلحق بالأصل، فنياً كان أو غير فني، وهو المسؤول عن صيانته والإنفاق عليه بحيث يظل صالحاً لتقديم المنفعة.

ولا شك أن ذلك يمثل أهمية كبرى لدى المؤجر لما يرفع عن كاهله من مخاطر قد تكون جسيمة ومن نفقات قد تكون كبيرة، وبالتالي تجعله يقدم بقوة على القيام بهذا النشاط ذي الأهمية التجارية من جهة والتمويلية من جهة أخرى، عكس ما هو عليه الحال لو كانت الصيغة المستخدمة هي الإجارة التشغيلية، ثم إنها تضمن له في غالب الصور التأجير إلى نهاية عمر الأصل، وبالتالي يكون التوظيف والتشغيل مستمراً غير منقطع ولا متوقف، كما أنها تحقق له التخلص من ملكية الأصل في النهاية، ومعنى ذلك أنه قد وظف ماله توظيفاً مستمراً محققاً له العائد الذي يرجوه، مع عدم تحمل مخاطره ونفقاته.

كذلك فإن الأنظمة الضريبية في بعض الدول الغربية تقدم ميزات جيدة للاستثمار في الأصول الثابتة جعلت الشركات تقوم على الاستثمار في هذه الأصول، فتقل الضرائب عليها من جهة وتستفيد من تأجيرها للغير من جهة ثانية، مع الاحتفاظ بحق الملكية إلى أن يتم سداد الثمن.

ب-إلى أي مدى راعت الإجارة المالية احتياجات ومطالب ومصالح المستأجر؟ من الواضح أن الإجارة المالية ظهرت في الأساس لتلبية رغبات المؤجر، ومن المعروف أن رغبات المؤجر قد لا تتمشى مع رغبات واحتياجات المستأجر، فهما طرفان متقابلان، ولذلك لا نعجب إن وجدنا أن الإجارة المالية لم تحقق للمستأجر حاجات ورغبات بقدر ما سلبت منه من ميزات قدمتها له الإجارة التشغيلية، مثل تحمل المخاطر والنفقات، وكذلك إلزامه بالتأجير لفترات طويلة، قد لا يكون في حاجة ملحة إليها، وأيضاً فقد لا يكون من مصلحته تملك الأصل في النهاية إضافة إلى ما قد يكون هناك من مغالاة في قيمة الأقساط حيث لا تخضع للسعر السائد في السوق للأصول المناظرة، ومع ذلك فلم تعدم الإجارة المالية أن تقدم بعض الميزات للمستأجر حتى وإن كان من خلال ما تقدمه من ميزات للمؤجر، وبالتالي يجد المستأجر بسهولة سوقاً متاحة للتأجير، عكس ما لو لم تكن هناك ميزات فيها للمؤجر، ومع ذلك فهي توفر للمستأجر فرصة التملك للأصل بثمن مقسط يستطيع تحمله من خلال ما يحققه من إيراد من تشغيل هذا الأصل، كما أنها تتيح له فرصة الحصول على احتياجاته المحددة بسرعة وبدون الاضطرار إلى البحث عمن لديه هذه الأصول ويرغب في تأجيرها.

(1) د. محمد القري، مرجع سابق، ص542 وما بعدها، محمود فهمي، نظام التأجير التمويلي، مجلة مصر المعاصرة، السنة السابعة والثمانون، العددان (241-242) لعام 1996، ص95 وما بعدها؛ محمد عبد العزيز حسن، ص25 وما بعدها.

ص: 391

5 -

الإجارة المالية والمصارف الإسلامية:

رغم ما للتمويل بالإجارة من أهمية لما يحققه لكل من طالب التمويل ومقدمه من فوائد ومنافع، فإن استخدام المصارف الإسلامية له لم يكن على الوجه الذي يتفق وهذه الأهمية، ومرجع ذلك اعتبارات عديدة، منها ضعف الوعي بهذه الأداة وما تحققه من مزايا، إضافة إلى الانبهار ببعض الأدوات التمويلية الأخرى وخاصة أداة المرابحة، وأيضاً ما هناك من قيود وعقبات قانونية ومؤسسية، وعدم انتشار المؤسسات المتخصصة في هذا النشاط، هذا كله مع ما للتمويل بالإجارة من خصائص قد لا تتمشى غالباً وطبيعة العمل المصرفي والقائم أساساً وحتى في ظل المصارف الإسلامية على إبداعات قصيرة الأجل مع أن التأجير عادة ما يكون متوسط أو طويل الأجل، يضاف إلى ذلك عدم توفر الخبرة الكافية لدى المصارف في شراء المعدات والأصول الإنتاجية وكذلك ما تتطلبه من صيانة وتخزين إضافة إلى ما تتعرض له من مخاطر الركود وعدم التشغيل، وما تستدعيه من استهلاكات ومخصصات، وما تتعرض له من مخاطر سوء استخدام المستأجر لهذه المعدات واحتمالات التوقف عن سداد الأقساط، وغير ذلك.

ومن الواضح أن الإجارة المالية تزيل الكثير من هذه العقبات، فترفع عن المصارف المخاطر والأعباء والنفقات، كما أنها لا تحملها مؤونة الشراء والتخزين، حيث يتولى ذلك نيابة عنها المستأجر، وتقيها مخاطر التعطل، ولا تمكن المستأجر من المماطلة أو إنهاء العقد لأن ذلك في غير صالحه، وبرغم هذا فلم تخل من مشكلات وتحديات، منها ما يرجع إلى طول مدة التأجير، ومن ثم فإن هناك احتمالية تغير الأسعار والذي قد يغري المودعين بسحب إيداعاتهم مما قد يسبب أزمة للمصارف، وقد حاولت المصارف التغلب على ذلك بالاتفاق على تغيير القسط الإيجاري كل فترة محددة من الزمن مع وضع شروط جزائية تجعل من العسير على أي من الطرفين الإقدام على فسخ العقد (1) .

ومن الناحية العملية فإن هناك من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية من مارس التمويل بهذه الصيغة وقد ظهر ذلك بوضوح لدى مصرف فيصل – البحرين، وشركة الراجحي والتي قامت باستخدامه في تمويل صفقات عديدة من الطائرات والسفن والعقارات، وطبقاً لصيغ بعض العقود التي أبرمتها الشركة في هذا الصدد نجد أنها من أقرب التطبيقات المعاصرة إلى القبول الشرعي، وكل ما لوحظ عليها أنها تتعامل بالوعد الملزم بالبيع (2) .

ولم يصرح البنك المركزي للمصارف الإسلامية في مصر بممارسة هذا النشاط.

(1) د. محمد القري، مرجع سابق، ص 548.

(2)

د. راشد العليوي، المعاملات الاقتصادية في شركة الراجحي من منظور إسلامي، رسالة دكتوراه أشرفنا عليها، قسم الاقتصاد الإسلامي، كلية الشريعة، جامعة أم القرى 1996: 2/502 وما بعدها.

ص: 392

6 -

الإجارة المالية من نظرة شرعية:

الإجارة التشغيلية سواء نظرنا لها كنشاط تجاري أو كنشاط تمويلي هي أداة تجارية تمويلية مقبولة شرعاً طالما التزمت بالشروط والأحكام الشرعية المعروفة.

أما الإجارة المالية فهي موضع خلاف كبير بين الفقهاء المعاصرين، ولا ينجو من ذلك معظم صورها، وقد عقد لها مجمع الفقه الإسلامي جزءاً من دوراته السابقة وقدمت فيها أبحاث عديدة لم تكن نتائجها متفقة إلى حد كبير (1) ، وقد توصل إلى القول بجواز بعض الصور ورفض بعضها وتأجيل الحكم على بعضها الآخر لمزيد من الدراسة والبحث، وهذا نص قراره في دورته الخامسة (2) :

أولاً: الأولى الاكتفاء عن صور الإيجار المنتهي بالتمليك ببدائل أخرى منها البديلان التاليان:

1-

البيع بالتقسيط مع الحصول على الضمانات الكافية.

2-

عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في واحد من الأمور التالية:

-مد مدة الإجارة.

-إنهاء عقد الإجارة ورد العين المأجورة إلى صاحبها.

-شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة.

ثانياً: هناك صور مختلفة للإيجار المنتهي بالتمليك تقرر تأجيل النظر فيها إلى دورة قادمة.

ولنا ملاحظات عديدة على هذا القرار من حيث الشكل ومن حيث الموضوع، فهو في (أولاً) يقول (الأولى) وليس في ذلك حسم للمسألة إذ معناه أن صور الإيجار المنتهي بالتمليك مقبولة شرعاً لكنها ليست الأولى، ثم إن البديل الثاني هو داخل في عرف الاقتصاديين والماليين في صور الإجارة المنتهية بالتمليك، فكيف يكون بديلاً عنها؟ وثالثاً: فإن (أولاً) قد غطت كل صور الإجارة المنتهية بالتمليك كما هو نص الصياغة ثم تجيء (ثانياً) فتعارض ذلك وتقرر لها حكماً أو موقفاً مغايراً.

وبالنظر في صور الإجارة المالية نجد أن مواطن النظر الفقهي قد انصرفت في معظمها إلى النواحي التالية:

1-

مسألة الصيانة وتحمل المخاطر، فمن الملاحظ أن كل الصور فيها تقوم على تحميل ذلك على المستأجر، وهذا مغاير للأصل القائمة عليه الإجارة التشغيلية الذي يحملها على المؤجر، طالما أن الأصل المالي ملكه، وطالما أنه قد أجر منفعته لطرف آخر، فهو مسؤول عن تأمين هذه المنفعة، وقد خرجت الإجارة المالية على هذا الأصل، وعموماً فإن أعمال الصيانة المعلومة يمكن قيام التأمين على العين المؤجرة، وتحميله للمستأجر بضوابط معينة (3) .

(1) د. حسن الشاذلي مرجع سابق، عبد الله بن بيه، الإيجار المنتهي بالتمليك، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، الجزء الرابع، ص 2660 وما بعدها، وهناك أبحاث أخرى في الموضوع منشورة في نفس العدد.

(2)

مجمع الفقه الإسلامي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس الجزء الرابع، 1409، ص2761.

(3)

الموسوعة الفقهية: 1/286؛ د. أبو سليمان، ص 69.

ص: 393

وبالتالي فإن هذه الشبهة قد لا تقف حائلاً أمام شرعية هذا البند في الإجارة المالية.

2-

مسألة تأجير ما ليس عندك، ففي كثير من الحالات يبرم عقد الإجارة بين المؤجر والمستأجر دون أن يكون المؤجر قد امتلك الأصل المؤجر بعد، والمعروف أن هناك نهياً عن بيع ما ليس عندك، والإجارة نوع من البيوع، وإذن فلا مجال شرعاً لقيام مثل ذلك، وقد حاول بعض الفقهاء الخروج من ذلك بإيجاد وعد بالتأجير وليس عقداً للتأجير، لكن ذلك يدخلنا في مشكلة هل الوعد ملزم أم غير ملزم؟

فإن كان ملزماً فهو بمثابة العقد، وإن لم يكن ملزماً فقيمته قليلة وأثره في إغراء المؤجر يكاد يكون معدوماً، وقدم بعض الباحثين مخرجاً قد يكون قبوله والعمل به أكبر بكثير من فكرة الوعد، وهو الشراء مع الخيار لمدة محددة، فإذا أنجز المستأجر ما وعد وإلا رد البيع على صاحبه (1) .

3-

مسألة اجتماع أكثر من عقد، فهناك على الأقل في بعض الصور عقد تأجير وعقد بيع وقد يضاف عليهما عقود أخرى، وجمهور الفقهاء على جواز اجتماع عقد الإجارة مع عقد البيع (2) ، وبالتالي فلا تقف هذه الشبهة عائقاً حيال القبول الشرعي لبعض صور الإجارة المالية، طالما أن كل عقد منهما قد استوفى أركانه وشروطه.

4-

مسألة وجود شروط في عقد الإجارة المالية، مثل اشتراط عدم تصرف المؤجر في السلعة طوال فترة الإجارة بما يضر بمصلحة المستأجر، وأن يبيع المؤجر للمستأجر السلعة في نهاية المدة، وأن يكون للمستأجر الخيار بين كذا أو كذا، وقد اختلف الفقهاء في تقرير شرعية ذلك، فمنهم من ذهب إلى جوازه ومنهم من رفض (3) .

(1) محمد علي التسخيري، الإجارة بشرط التمليك، الوفاء بالوعد، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، الجزء الرابع، ص 2681 وما بعدها؛ د. سعود الربيعة، مرجع سابق: 2/492.

(2)

لمعرفة موسعة يراجع د. حسن الشاذلي، مرجع سابق؛ د. نزيه حماد؛ العقود المستجدة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر، الجزء الثاني، ص 473 وما بعدها.

(3)

لمزيد من المعرفة يراجع، الموسوعة الفقهية: 1/257؛ د. حسن الشاذلي، مرجع سابق؛ د. نزيه حماد، مرجع سابق، محمد علي التسخيري، مرجع سابق، عبد الله بن بيه، مرجع سابق.

ص: 394

5-

مسألة تعليق البيع، في صورة ما إذا كان تملك المستأجر يتم بعد سداد القسط الأخير دون دفع أي ثمن، فمعنى ذلك أن الأقساط الإيجارية هي في الحقيقة أقساط ثمن الأصل. وقد كيف القانون الوضعي هذه الصورة بأنها بيع بالتقسيط دون الالتفات إلى الصيغة المدونة. لكن قبول ذلك شرعاً تحول دونه صعاب عديدة، فالأقساط التي دفعت: دفعت على أنها أقساط إيجارية بحكم صيغة العقد، وبالتالي فهي أجرة، فكيف تحول إلى ثمن للأصل بعقد لاحق؟ إن ذلك لا يتماشى والأصول والقواعد الحاكمة والضابطة للعقود في الفقه الإسلامي. والمخرج من ذلك هو التحول من عقد الإجارة إلى عقد بيع مقسط، مع اشتراط عدم نقل الملكية إلا بعد السداد لجميع الأقساط، وفي تلك الحالة لو توقف المشتري عن سداد بعض الأقساط فإن العقد يفسخ يأخذ البائع الأصل. وما سبق أن دفعه المستأجر يسوى من خلال القيمة الإيجارية الحقيقية وما قد يكون هنالك من تعويض نتيجة الإخلال بالشروط (1) . وتعليق عقود المعاوضات على بعض الشروط –كما هو واضح في الإجارة المالية حيث إن عقد البيع معلق على الوفاء بجميع الأقساط- قال بعض الفقهاء بجوازه، وقال بعضهم بمنعه. وبالتالي فيمكن الأخذ برأي من قال بالجواز (2) .

6-

مسألة الثمن الرمزي: سبق أن رأينا أن بعض صور الإجارة المالية ينص في عقدها على تملك المستأجر للأصل المالي بثمن رمزي. فهل يصح البيع بثمن رمزي؟ من حيث الأصل: لا مانع على الطرفين، البائع والمشتري في تحديد ما يريانه من ثمن للسلعة. لكن المسألة هنا ليست هكذا بوضوح، فهي مرتبطة بإجارة وبأقساط سبق دفعها، وهي في الغالب أكبر بكثير من الأقساط الإيجارية الحقيقية.

ومعنى ذلك أن الثمن الرمزي المحدد ليس هو الثمن في الحقيقة بل هو جزء تافه من الثمن وبقيته ممثلة في الأقساط الإيجارية. وإذن فنحن كما لو كنا أمام انتقال الملك بمجرد سداد الأقساط. وقد رأينا سلفاً أن الصواب في ذلك هو الابتعاد عن عقد الإجارة إلى عقد بيع منجم مشروط بعدم التصرف إلا بعد السداد لجميع الأقساط. وبعض المصارف واجهت ذلك عن طريق (الهبة) حيث ينص في عقد الإجارة أنه بسداد جميع الأقساط يهب المصرف الأصل الإنتاجي للشريك، ومن المعروف أن اجتماع عقد الإجارة مع عقد (الهبة) لا غبار عليه شرعاً عند الكثير من الفقهاء. والمشكلة هنا أن عقد الهبة غير لازم في الكثير من القوانين الوضعية، ومعنى ذلك تعرض المصرف لمخاطر قد تكون جسيمة فيما لو أخل المستأجر بالاتفاق، ومع ذلك فهي من الناحية الشرعية محل تحفظ، حيث إن حقيقتها ليست بهبة خالصة، وإنما هي عملية معاوضة (3) . يضاف إلى ذلك أن حالة السلعة محل البيع عند إبرام عقد الإجارة –والذي هو في حقيقته عقد بيع - لا تعرف لدى المتعاقدين عند انتهاء مدة الإجارة، ومن شروط صحة البيع المعرفة الجيدة بالسلعة محل التعاقد.

(1) د. حسن الشاذلي، مرجع سابق، ص 2640 وما بعدها.

(2)

د. حسن الشاذلي، مرجع سابق، ص 2644 وما بعدها، الموسوعة الفقهية: 1/256، مرجع سابق؛ عبدا لله بن بيه، مرجع سابق، ص 2666 وما بعدها، د. أحمد ريان، فقه البيوع المنهي عنها، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، 1995، ص 65.

(3)

د. محمد القرى، مرجع سابق، ص 551، محمد المختار السلامي، الدكتور صديق الضرير، مناقشة البحوث المقدمة في موضوع التأجير المنتهي بالتمليك، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، الجزء الرابع، ص 2730 وما بعدها.

ص: 395

7 -

الإجارة المالية- تقويم ختامي:

مما سبق يمكن القول بإيجاز إن الإجارة التشغيلية مقبولة شرعاً طالما استوفت أركانها وشروطها وهذه لا إشكال فيها، لكن المشكلة أنها في كثير من الحالات قد لا تشبع رغبة المؤجر أساساً، وكذلك رغبة المستأجر في أحيان قليلة، كما إذا كان له رغبة في تملك الأصل وليس معه ثمنه كاملاً، ولا يجد من يبيعه إياه بالتقسيط، لما قد يواجهه من مخاطر وأعباء.

والإجارة المالية قد كفلت للمؤجر تلبية رغباته التي لم توفرها الإجارة التشغيلية، وكذلك البيع بالتقسيط. لكنها مع هذا كله تواجه بصعوبات شرعية تتطلب الحلول والمخارج، بعضها ممكن وبعضها غير ممكن إلا بالتحايل. كما أنها في التطبيق العملي ورغم مزاياها المتعددة فإنها تولد الكثير من المشكلات، مما جعل القانون الوضعي منقسماً على نفسه في تكييفها من جهة، وفي إجازة العمل بها من جهة ثانية. وكما يلاحظ فإن المصارف الإسلامية لم تمارس التمويل من خلالها إلا بنسب متواضعة وبعضها لم يمارسها على الإطلاق وبعضها محظور عليه ممارستها قانوناً.

وفي ضوء ذلك كله فإننا نرى التوسع في استخدام الإجارة التشغيلية والعمل على تطويرها بكل ما يمكن مع المحافظة وعلى أصولها الشرعية وذلك مثل إيجاد سندات إيجارية. وكذلك فك الارتباط بينها وبين المصارف الإسلامية، بمعنى الترويج لها كوسيلة تمويلية مباشرة، لا تتطلب –أو بالأحرى- لا تتوقف في معظم مجالاتها على قيام وسيط مصرفي، بل تقوم بذلك شركات تأجير متخصصة، وهي أقدر على ذلك من المصارف. إضافة إلى التعرف على النماذج المختلفة التي يمكن من خلالها ممارسة عملية التمويل، مثل الإجارة من خلال الوكالة، والإجارة من خلال المضاربة، والإجارة بطريقة المشاركة، وغير ذلك ما يمكن التعرف عليه واستخدامه. وقد تناول هذه النماذج بقدر من التفصيل الدكتور سعود الربيعة. مع ملاحظة قد تكون لها أهميتها، وهي أن استخدام صيغة الإجارة المالية بصورها المختلفة حدث أولا في المجتمعات الغربية بدافع أساسي يتمثل في علاج مشكلات في التعامل بالبيع بالتقسيط، ولم يكن الدافع بصفة عامة هو تطوير الإجارة التقليدية لتواجه ظروفاً مستجدة.

وليس معنى ذلك إغلاق الباب أمام استخدام الإجارة المالية بكل صورها.

فهذا أمر غير مقبول شرعاً كما أنه قد يكون غير مقبول عملياً، حيث إن السوق المالي في حاجة إليها. وإنما معناه أن نتحرى جيداً ما يمكن قبوله شرعاً من صورها العديدة، وما كان له رصيد عملي كبير في الحياة الاقتصادية حيث لا يثير من القضايا والمشكلات ما يجب ما لها من فوائد. وتجدر الإشارة إلى أن التعامل بالتأجير التمويلي أخذ في التناقص في الفترة الأخيرة لما يثيره من مشكلات عملية وقانونية.

ص: 396