الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حلقة العمل الثانية
التضخم وآثاره على المجتمعات
كوالالمبور: 20 – 21 صفر 1417 هـ / 6 – 7 يوليو / 1996 م.
بسم الله الرحمن الرحيم
البيان الختامي
الحمد لله الذي أتم علينا نعمته، وأفاض علينا كرمه ومِنَنَه، وجعلنا من الملتزمين بهدي نبيه، والآخذين بمنهجه، المتبعين لسننه، نحمده حمد الشاكرين، ونزلف إليه زلفى الضارعين المتقربين، وندعوه عز وجل أن يجعل أعمالنا متسمة بسيمى العبادة والإخلاص، قاصدين بها وجهه، راجين من ورائها إعلاء كلمته، وخدمة دينه، وحفظ ملته، وصلى الله على رسوله ومصطفاه، خيرته من خلقه، سيد المرسلين وإمام المتقين، نبينا وشفيعنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حضرات أصحاب السماحة والمعالي والفضيلة والسعادة،
أيها السادة الأكارم،
في خلال يومين سعيدين قضيناهما بهذا البلد الكريم، كنا فيهما ضيوفًا على بنك نيجارا ماليزيا، استمعنا أولًا إلى بحثين قيمين عند دور السياسات المالية في معالجة التضخم في إطار الاقتصاد الإسلامي، ثم إلى تعقيبين جيدين عليهما، كما قدمت دراسة عن دور السياسات النقدية في نفس الموضوع تميزت بالجدة والطرافة، وقد تبعها تعقيبان دقيقان أيضًا.
وفي نهاية اليوم الأول توجت الدراسات المقدمة بعرض جيد لتطبيقات السياسات المالية النقدية في معالجة التضخم، كشف عن التجربة الماليزية الرائدة، التي استحقت التقدير والتنويه، كما استوجبت التهنئة لحكومة ماليزيا على الجهود الكبيرة التي بذلتها في هذه السبيل، وقد تبعت البحوث الأربعة والتعقيبات عليها مناقشات عامة وجزئية أبرزت أهمية البحوث المعروضة والآراء والملاحظات التي كانت مرة تعديلًا، وأخرى استدراكًا وتكميلًا لما تقدم به الباحثون والمعقبون.
وفي صباح اليوم الثاني بُحث محوران: أحدهما يرتبط بقضية مؤشرات وضوابط الربط القياسي مع عرض آراء الاقتصاديين الإسلاميين فيها. والآخر يقوم أساسًا على إبراز الآراء الفقهية التي تم عرضها في دورات المجمع السابقة، واقتضت تنسيقًا وتفصيلًا ومقارنة. وبعد عرض البحوث الثلاثة والتعقيبات عليها دار النقاش حولها أن وأفرز النظريات الفقهية والأحكام الشرعية المتعلقة بالربط القياسي، والتي يتم عن طريقها التعرف على وجه الوفاء بما في الذمة من الالتزامات الآجلة.
وكانت جلسة ما بعد الظهر متناولة لمحورين: الاتجاهات الشرعية لمعالجة التضخم في المصادر الفقهية، وآثار التضخم على المعاملات التعاقدية في البنوك الإسلامية والوسائل المشروعة للحماية.
وقد قدمت فيه هذا الغرض أوراق ثلاثة تبعتها أربعة تعقيبات. وبإثر مناقشة المحورين وما دار فيهما اجتمعت لجنة الصياغة وأعدت تقريرًا مفصلًا عن نتائج وتوصيات الندوة، هو الذي تم توزيعه عليكم للمراجعة، وقام المقرر العام بقراءته محررًا.
وإنه ليشرفني - في نهاية الحلقة الثانية لندوة التضخم - أن أرفع باسم مجمع الفقه الإسلامي وباسم مصرف فيصل الإسلامي وباسمكم جميعًا جزيل الشكر والامتنان لحكومة ماليزيا الرشيدة وللشعب الماليزي، لما يتسم به من جد واستمرار على البذل من أجل تحقيق النهضة الاقتصادية الشاملة، ونثني على ذلك بشكر بنك نيجارا الماليزي والبنك الإسلامي الماليزي برهاد على الاستضافة الكريمة والرعاية الشاملة والتعاون الكامل، مما وفر أسباب النجاح لندوتنا المباركة هذه.
ويسعدني من جهة ثانية أن أتقدم إلى حضراتكم جميعًا بعظيم التقدير وخالص الشكر؛ لما تم على أيديكم في هذه الندوة من إعداد للبحوث والدراسات، وما وليها من تعقيبات عليها لا تقل عنها إمتاعًا ونفعًا وجدوى، وما لحق ذلك كله من مناقشات كانت إغناء للدرس وسبيلًا للتوصل إلى النتائج والتوصيات التي تفضلتم بإقرارها.
وقد كانت كل هذه المشاركات بأنواعها، بحمد الله، جيدة ودسمة لا يرجى من ورائها غير البحث عن الحقيقة ونشدانها، وإرادة التوصل إلى الكشف عن الأحكام المقبولة شرعًا.
وأعود إلى لجنة الصياغة السادة المقررين معترفًا بما لهم علينا من حقوق؛ لما بذلوه من جهد لجمع الآراء الكثيرة وضبط النتائج وعرض التوصيات التي وقع استخلاصها مما أفضتموه علينا من دقيق المعرفة ونافع العلم وصائب الرأي في هذه الندوة.
ولا أنسى في نهاية هذا البيان الختامي أن أنوه بجهود اللجنتين التحضيريتين هنا وبجدة، وبعمل السكرتارية الدؤوب، وبالدور بالكبير الذي اضطلع به الإخوة المترجمون، وبوسائل الإعلام كافة، فلهم منا جميعًا خالص الشكر وعظيم التقدير.
وأملنا بإذن الله تعالى أن يطرد هذا النشاط العلمي: الفقهي والاقتصادي بين مصرف فيصل الإسلامي بالبحرين ومجمع الفقه الإسلامي بجدة، فنعود بفضل ذلك لنلتقي من جديد وقريبًا في الحلقة الثالثة لهذه الندوة البحرين، وفي ندوات وأنشطة أخرى كثيرة.
وهكذا يستمر العطاء العلمي والإفادة من الدراسات والاجتهادات لمعالجة الكثير من القضايا المشكلة والمستجدة. والأمل معقود على علمكم وفضلكم. والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التوصيات
1-
إدراكًا لكون تنمية الإنتاج وزيادة الطاقة الإنتاجية المستعملة فعلًا من أهم العوامل التي تؤدي إلى محاربة التضخم في الأجل المتوسط والطويل؛ فإنه ينبغي العمل على زيادة الإنتاج والطاقة الإنتاجية في البلاد الإسلامية، وذلك عن طريق وضع الخطط واتخاذ الإجراءات التي تشجع على الارتفاع بمستوى كل من الادخار والاستثمار، حتى يمكن تحقيق تنمية مستمرة.
وقد لاحظ المشاركون في الندوة بعين التقدير ما حققته ماليزيا من حيث النجاح في الحفاظ على الاستقرار النقدي،وتحقيق معدلات عالية من الادخار والاستثمار، وتخفيض نسبة البطالة، وتحقيق معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي وخططها المستقبلية نحو تطبيق النظام الإسلامي.
2-
بما أن للتضخم أضرارًا عامة، سواء من حيث إساءته إلى تخصيص استعمال الموارد وكفاءتها، أم من حيث إحداثه لأوضاع توزيعية في الدخل والثروة، تتناقض مع العدالة الإسلامية، وحيث إن التضخم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بزيادة الإصدار النقدي وبوجود عجز في ميزانية الدولة في معظم الأحيان؛ فإن المشاركين يوصون حكومات الدول الإسلامية بعدم اللجوء إلى إصدار النقود (طبع العملة) في تمويل عجز ميزانياتها.
3-
مناشدة حكومات الدولة الإسلامية العمل على توازن ميزانياتها العامة (بما فيها جميع الميزانيات العادية والإنمائية والمستقلة التي تعتمد على الموارد المالية العامة في تمويلها) ، وذلك بالالتزام بتقليل النفقات وترشيدها وفق الإطار الإسلامي.
وإذا احتاجت الميزانيات إلى التمويل فالحل المشروع هو الالتزام بأدوات التمويل الإسلامية القائمة على المشاركات والمبايعات والإجارات. ويجب الامتناع عن الاقتراض الربوي، سواء من المصارف والمؤسسات المالية، أم عن طريق إصدار سندات الدين.
4-
مراعاة الضوابط الشرعية عند استخدام أدوات السياسة المالية، سواء منها ما يتعلق بالتغيير في الإيرادات، أم بالتغيير في الإنفاق العام، وذلك بتأسيس تلك السياسات على مبادئ العدالة والمصلحة العامة للمجتمع، ورعاية الفقراء، وتحميل عبء الإيراد العام للأفراد حسب قدراتهم المالية المتمثلة في الدخل والثورة معًا.
5-
ضرورة استخدام جميع الأدوات المشروعة للسياستين المالية والنقدية ووسائل الإقناع والسياسات الاقتصادية والإدارية الأخرى. للعمل على بتخليص المجتمعات الإسلامية من أضرار التضخم، بحيث تهدف تلك السياسات لتخفيض معدل التضخم إلى أدنى حد ممكن.
6-
وضع الضمانات اللازمة لاستقلال قرار المصرف المركزي في إدارة الشؤون النقدية، والتزامه بتحقيق هدف الاستقرار النقدي ومحاربة التضخم، ومراعاة التنسيق المستمر بين المصرف المركزي والسلطات الاقتصادية والمالية، من أجل تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاستقرار الاقتصادي والنقدي، والقضاء على البطالة.
7-
دراسة وتمحيص المشروعات والمؤسسات العامة إذا لم تتحقق الجدوى الاقتصادية المستهدفة منها، والنظر في إمكانية تحويلها إلى القطاع الخاص، وإخضاعها لعوامل السوق وفق المنظور الإسلامي؛ لما لذلك من أثر في تحسين الكفاءة الإنتاجية وتقليل الأعباء المالية عن الميزانية، مما يسهم في تخفيف التضخم.
8-
دعوة المسلمين أفرادًا وحكومات إلى التزام النظام الإسلامي، وبخاصة مبادئة الاقتصادية والتربوية والأخلاقية والاجتماعية، مما يحقق الاعتدال في الاستهلاك والترشيد في الإنفاق، ويعالج جذور المشكلات الاقتصادية الأساسية، بما في ذلك التضخم.
ومن أبرز تلك المبادئ تحريم الربا والإسراف، وتنظيم جمع الزكاة وتوزيعها، والترغيب في الإنفاق الخيري كالصدقات والأوقاف وغير ذلك.
9-
مع مراعاة قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة، بشأن الربط القياسي في الأجور، فإنه في الإجارات الطويلة للأعيان، والإجارة الخاصة (الموظف والعامل) يمكن تحديد مقدار الأجرة عن الفترة الأولى والاتفاق في عقد الإجارة على ربط أجرة الفترات اللاحقة بمؤشر معين، شريطة أن تصير الأجرة معلومة المقدار عند بدء كل فترة.
10 – لقد برزت من خلال الأبحاث والمناقشات عدة قضايا تحتاج إلى مزيد من البحث، منها الاتفاق عن الإقراض بعملة حقيقة على اعتبار قيمتها بالنسبة للذهب، أو لعملة اعتبارية، أو لسلة من العملات أو السلع. ومنها تطبيق مبدأ الصلح الإلزامي في حالة التضخم غير المتوقع، كما تبين أن هناك اتجاهات فقهية متعددة لمعالجة آثار تغير القوة الشرائية للعملات الورقية، بالإضافة إلى ضرورة النظر في معاملات البنوك الإسلامية المتأثرة بالتضخم، والمشكلات التي تنشأ عن ذلك، مما يتطلب تكوين لجان والقيام باستكتاب أبحاث فقهية واقتصادية تستفيد من أبحاث ونتائج هذه الحلقة وسابقتها، وذلك لعرضها في الندوة الفقهية المزمع عقدها في البحرين بعون الله تعالى.
ويتقدم المشاركون في الحلقة بخالص الشكر والتقدير لمنظمي الحلقة (مجمع الفقه الإسلامي بجدة – وبنك نيجارا ماليزيا – ومصرف فيصل الإسلامي البحرين – والبنك الإسلامي الماليزي – وشركة أبرار المحدودة) .