الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نسبة التضخم المعتبرة في الديون
إعداد
الشيخ عبد الله بن بيه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه.
نسبة التضخم المعتبرة في الديون
ذلك العنوان الذي طُلب مني أن أكتب عنه لندوة التضخم، وقد كنت قد قدمت بحثا مستفيضًا عالجت فيه جوانب عدة من التضخم، وحيث إن البحث لم يعد مطلوبًا حول مبدأ اعتبار التضخم في الديون، أو عدم اعتباره. إنما أصبح المطلوب هو المقدار الذي إذا وصل إليه تراجع سعر العملة يعتبر موجبًا لمطالبة الدائن من المدين جبر الضرر، فإذا كان ذلك هو موضوع بحثنا، فستكون خطتنا كالتالي:
- الفصل الأول: تحديد المقادير المؤثرة في الأحكام بين النص والقياس والعرف.
- الفصل الثاني: الجائحة أصل يقاس عليه التضخم من جهتين: من جهة الحكم، ومن جهة المقدار المؤثر.
- خاتمة
الفصل الأول
المقادير المؤثرة في الأحكام
بين النص والقياس والعرف
إنه باستقراء نصوص الشرع وأقوال الفقهاء يستطيع الباحث أن يدرك المقادير المعتبرة حدًا فاصلًا بين حكمين، ومعبرًا للانتقال من نهي إلى إذن، ومن كثرة إلى قلة، وقد يكون المقدار عبارة عن نصيب حده الشارع لفائدة شخص، كأنصاب الورثة والتي حددها الشارع في الثمن والسدس والربع والثلث والنصف والثلثين.
ومن هذا القبيل تحديد الشارع نصف الصداق للمطلقة قبل المسيس، وتحديد الشارع الثلث في الوصية.
ومما هو من قبيل المرفوع قول سعيد بن المسيب بتقدير الثلث في معاقلة المرأة الرجل، تعاقله أي تساوي ديتها ديته حتى تبلغ الثلث، فإذا زادت رجعت إلى ديتها التي هي نصف ديته، قائلًا إن ذلك هو السنة، بمعنى أنه مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، كما قال أبو عمر بن عبد البر النمري: حديث سعيد رواه مالك في الموطأ، عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: تعاقل المرأة الرجل إلى ثلث الدية؛ أصبعها كأصبعه، وسنها كسنه، وموضحتها كموضحته، ومنقلتها كمنقلته.
وكذلك روى مالك عن ابن شهاب، وبلغه عن عروة بن الزبير أنهما كانا يقولان كقول سعيد بن المسيب في المرأة: أنها تعاقل الرجل إلى ثلث دية الرجل، فإذا بلغت ثلث دية الرجل كانت إلى النصف من دية الرجل (1) .
(1) الموطأ تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، ص 650 – 651.
وروى مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: سألت سعيد بن المسيب: كم في أصبع المرأة؟ فقال عشر من الإبل، فقلت: كم في إصبعين؟ قال: عشرون من الإبل، فقلت: كم في ثلاثة؟ فقال: ثلاثون من الإبل، فقلت: كم في أربع؟ قال: عشرون من الإبل، فقلت: حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها؟ فقال سعيد: أعراقي أنت؟ فقلت: بل عالم متثبت، أو جاهل متعلم. فقال سعيد: هي السنة يا بن أخي (1) .
ومما هو من قبيل النص عمل أهل المدينة فيما تحمله العاقلة في قتل الخطأ، فإنها لا تعقل إلا فيما زاد على الثلث. فقد قال مالك رحمه الله تعالى في الموطأ:" والأمر عندنا أن الدية لا تجب على العاقلة حتى تبلغ الثلث فصاعدًا "(2) .
أما المسائل الأخرى التي اعتبر فيها الثلث فهي مسائل مقيسة، فهي الخف إذا انخرق، فإذا كان الشق ثلث القدم فأكثر لم يمسح عليه، قال في المختصر:" فلا يمسح واسع ومخرق قدر ثلث القدم وإن بشك "(3) .
وذنَب الأضحية فإن الثلث فيه كثير، قال خليل عاطفًا على ما يمنع الأجزاء:" أو ذاهبة ثلث ذنَب "(4) .
استحقاق الشيء من دار جامعة كفندق مثلًا فيستحق منها جزء شائع، فإن استحق منها سهم دون الثلث لزم البيع في الباقي، وإن استحق الثلث فأكثر رد الباقي.
وكذلك دار السكنى وإن كانت تنقسم بلا نقص في الثمن كما قال ابن رشد. ذكر هذه المسائل صاحب المنهج (5) .
(1) المرجع السابق، ص 655.
(2)
المرجع السابق، ص 659.
(3)
خليل المختصر، ص 19.
(4)
المرجع السابق، ص 93.
(5)
يراجع السجلماسي عليه، ص 154. مخطوط.
قلت: هذه المسائل الأخيرة اجتهادية لا يرجع فيها إلى أصل كما في المسألتين قبلها.
وقد تعرضوا لمسائل أخرى اعتبروا فيها الثلث يسيرًا كالوصية لأنه يجوز بلوغه في الوصية، القمح الغلث الذي فيه الزوان، فيجوز أن يكون الغلث ثلثه، ويباع بلا غربلة قال خليل في باب القسمة:" ووجبت غربلة قمح كبيع إن زاد غلثه على الثلث وإلا ندبت "(1)
وكذلك تبرع الزوجة بثلث مالها بلا إذن زوجها، قال خليل:" على الزوجة لزوجها ولو عبدًا في تبرع زاد على ثلثها، وله رد الجميع إن تبرعت بزائد، وليس لها بعد الثلث تبرع إلا أن يعد "(2) .
وكذلك مسألة الثمر والصبرة، أي استثناء قدر الثلث في الثمار في بيعها وقدر الثلث في الصبرة في بيعها، وهذا الذي اعتمده خليل في مختصره حيث قال عاطفًا على الحائز " وصبرة وثمرة واستثناء قدر ثلث "(3) .
وكذلك الشجر يكون على الأرض المؤجرة: " واغتفر ما في الأرض ما لم يزد على الثلث بالتقويم "(4) .
وكذلك الغبن على القول به المرجع السابق، ص 239 يكون بالثلث، كما قال ابن عاصم " والغبن بالثلث فما زاد وقع " فقد نفى خليل القيام بالغبن، وكذلك البياض في مسألة المساقاة فيكون ثلثًا للشجر كما قال خليل: " كبياض نخل أو زرع
…
إلى قوله: وكان ثلثا " (5) .
وكذلك المحبس يستثنى من حبسه ما ينتفع فيه ويسكنه يجوز إن كان ثلثًا، وكذلك البائع يستثنى ثلاثًا من نخله، قال في التوضيح:" إن كانت قدر الثلث فأدنى جاز "(6) .
(1) مختصر خليل، ص 234.
(2)
المرجع السابق، ص 207.
(3)
المرجع السابق، ص 170
(4)
المرجع السابق، ص 243
(5)
المرجع السابق، ص 239.
(6)
نسبة إليه السجلماسي في شرحه للمنهج، ص 157. مخطوط.
وقد يسوون بين النصف والثلث في بعض الأحكام، كما في استحقاق نصف أو ثلث بعد القسمة، فإنه يخير المستحق من يده بين بقاء القسمة على حالها، ولا يرجع بشيء وبين رجوعه شريكًا فيما بيد شريكه بقدر ماله. قال خليل:" وإن استحق نصف أو ثلث خير لا ربع وفسخت في الأكثر "(1) .
واعتبر النصف في بعض المسائل حدًا فاصلًا بين القلة والكثرة، ومنها مسألة المدونة: من أسلم ثوبين في قرش موصوف فاستحق أحدهما، فإنه كان وجه الثوبين بطل السلم (أي الأعلى قيمة) ، وإن كان الأدنى فعليه قيمته، وثبت السلم، وكذلك في استحقاق الجزء الشائع في العروض.
وقد دارت تقديرات الفقهاء حول الثلث باعتباره حدًا فاصلًا بين القلة والكثرة للحديث السالف الذكر، فذكر الإمام أحمد رحمه الله تعالى:" أنهم يستعملون الثلث في سبع عشرة مسألة؛ ولأن الثلث في حد الكثرة وما دونه في حد القلة بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( ((الثلث، والثلث كثير)) )) . فيدل هذا على أنه آخر حد الكثرة فلهذا قدر به "(2) .
ونقل الباجي عن بعض البغداديين أن النصف قليل محتجا بآية المزمل: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} [المزمل: 2 – 3] ورد ابن بشير باحتمال كون نصفه بدلًا من الليل (3) .
ويقع التحديد بالربع في بعض المسائل كالعيب في المثلي، قال خليل " ولا كلام لواجد في قليل لا ينفك كقاع، وإن انفك فللبائع إلزام الربع بصحته " قال الزرقاني: أما إذا زاد على بالربع فليس له ذلك، وقد يقدر بالعشر في العيب القليل بدار. قال خليل:" وعيب قل في دار وفي قدره تردد ".
(1) خليل بشرح الخرشي: 6 / 198.
(2)
ابن قدامة، المغني: 6 / 179.
(3)
يراجع شرح المنجور على النهج واختصاره إسعاف الطلب ص 121 – 128
قال المواق في حاشيته على خليل: ورأيت لابن عتاب العيب الذي في الدار ربع الثمن كثير بحيث الرد به، وقال ابن العطار: وإن كانت قيمة العيب مثاقلين فهو يسير يرجع المبتاع على البائع، ولا يرد المبيع وإن كانت قيمته عشرة مثاقيل فهو كثير يجب الرد به، فقال: إن كانت عشرة مثاقيل، ولم يبين أي ثمن.
والذي عندي أن عشرة مثاقيل من مائةٍ كثير يجب الرد به، انتهى من ابن رشد.
وقدرت مجلة الأحكام الغبن الفاحش بنصف العشر في العروض، والعشر في الحيوان، والخمس في العقار. وما يزيد على الخمس هو رأي نصر بن يحيى من الحنفية (1) .
ولعل هذه النقول السريعة تفيد رجحان الثلث لكثرة مسائله وثبوت أصله، ولأن ما زاد عليه يعتبر خسارة فادحة خارجة على المعتاد، ومع ذلك فإن التقدير بالعرف أمر وارد، فيفرق بين التضخم الجامح والتضخم اليسير الذي هو عبارة عن تذبذب للعملة لا يخلو منه اقتصاد. والله تعالى أعلم.
13-
إن التقدير بالثلث يرجع إلى أنه عليه الصلاة والسلام جعله حدًّا فاصلًا بين الضرر المؤثر في الحكم، وبين الضرر اليسير الذي لا يؤثر، فرد الوصية بما زاد على الثلث إنما كان لمنع الإضرار بالورثة، يفسر ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق:(( ((الثلثُ، والثلثُ كثيرٌ؛ إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)) )) .
لهذا كان ما دون الثلث يعتبر أمرًا غير مؤثر، فلهذا يمكن أن يكون الثلث أساسًا مقبولًا لتحديد مقدار التضخم.
(1) بدائع الصنائع، وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته: 4 / 317.
التقدير بالعرف: التقدير يكون بالعرف والعادة، قال ابن قدامة:" إن ظاهر المذهب أنه لا فرق بين قليل الجائحة وكثيرها، إلا أن ما جرت العادة بتلفه كالشيء اليسير الذي لا ينضبط فلا يلتفت إليه "، قال أحمد:" إني لا أقول في عشر ثمرات ولا في عشرين ثمرة، ولا أدري ما الثلث، ولكن إذا كانت جائحة تعرف: الثلث أو الربع أو الخمس، توضع ".
وقد وجه ابن قدامة هذه الرواية عن أحمد بقوله: " ووجه الأول عموم الأحاديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح، وما دون الثلث داخل فيه يجب وضعه، ولأن هذه الثمرة لم يتم قبضها فكان ما تلف منها من ضمان الباع وإن كان قليلًا، كالتي على وجه الأرض، وما أكله الطير أو سقط لا يؤثر في العادة ولا يسمى جائحة، فلا يدخل في الخبر ولا يمكن التحرز منه، فهو معلوم الوجود بحكم العادة، فكأنه مشروط، إذا ثبت هذا فإنه إذا تلف الشيء له قدر خارج عن العادة وضع من الثمن بقدر الذهب "(1) .
والتقدير بالعرف في مذهب مالك في الجائحة والغبن، ولعل هذا أولى، بناء على أن ما لا حد له في الشرع أو الوضع يرد إلى العرف (2) .
وإليك نموذجًا من تردد علماء المالكية بين الثلث وما تقضي به العادة في مسألة الغبن، قال الحطاب: " قال ابن الحاجب بعد أن حكى ما تقدم: والغبن قيل: الثلث، وقيل: ما خرج عن المعتاد، قال ابن عبد السلام: حيث يكون للمغبون الرجوع في الغبن إما في محل الوفاق أو في محل الخلاف، فقيل: قدر الغبن في حق البائع أن يبيع بما ينقص عن ثمن المثل الثلث فأكثر، وفي حق المشتري أن يزيد على ثمن المثل قدر الثلث فأكثر، وقيل: لا يحد بالثلث ولا بغيره من الأجزاء سوى ما دلت العادة على أنه غبن. وظاهر كلام المؤلف – يعني ابن الحاجب - أن هذين القولين في الغبن المتفق على اعتباره، وفي المختلف في اعتباره، وظاهر كلام غيره أن الغبن المتفق على اعتباره لا يوصل فيه إلى الثلث ولا إلى ما قاربه، إذا خرج عن الثمن المعتاد في ذلك المبيع صح القيام به، ونقله في التوضيح وزاد فقال: وقال ابن القصار إذا زاد على الثلث فيكون قولا ثالثًا. انتهى وحكى ابن عرفة ثلاثة الأقوال، ويظهر من كلام ابن عبد السلام والتوضيح ترجيح القول بأنه ما خرج عن المعتاد وصدر به في الشامل، وعطف القولين الأخيرين بقيل، فقال: والغبن ما خرج عن العادة وقيل: الثلث، وقيل: ما زاد عليه. انتهى.
(1) ابن قدامة، المغني: 6 / 177 – 179.
(2)
السيوطي، الأشباه والنظائر، ص 29.
الفصل الثاني
الجائحة: أصل يقاس عليه التضخم
إن مسألتنا هذه في التضخم تقاس على الجائحة بجامع اشتراك التضخم مع الجائحة في كون كل منهما تمتع فيه طرف بأفضل مما بذل مع وجود طرف متضرر، وهذا ما عبر عنه عليه الصلاة والسلام بقوله:(( ((لم تأخذ مال أخيك بغير حق؟)) )) هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن التضخم يشارك الجائحة في أنه ما لا يمكن دفعه إن علم، وذلك تعريف ابن القاسم للجائحة الذي لم يجعل الجائحة خاصة بالأمر السماوي، بل السارق والجيش عنده جائحة، قال زروق: " ما كان من الأمور الأرضية التي لا يقدر على دفعها كالدود والفأر والجيش والحاكم الجائر
…
جائحة " (1) .
وزاد علماء المذهب الفندق يستأجره فيجلو الناس عن المنطقة، والفرن للخبز فيجلو السكان (2) .
وقد توسع الفقهاء في أسباب الجائحة وموضوعها بالقياس، وقد قال به القاضي أبو بكر وابن سريج وجماعة، فقال ابن جني في المصنف وبالإضافة إلى ما تقدم أن لنا ثبوت اللغة، فإن التضخم جائحة لأن يجيح المال ويهلكه ويتلفه، أما الوجه الثاني لقياس التضخم على الجائحة فهو قياسه عليها من جهة مقدار الثلث لو ثبت نص عن الشارع يحدد الثلث، وذكر المالكية حديثين.
(1) زروق، شرح الرسالة: 2 / 166.
(2)
راجع حاشية المواق علي خليل بهامش مواهب الجليل للحطاب: 4 / 508؛ وراجع بحثنا في التضخم المنشور في كتابنا التوضيح، ص 182 وما بعدها.
ذكره عبد الحق الصقلي قائلًا: روى أبو محمد من حديث عبد الملك بن حبيب عن مطرف عن أبي طوالة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ((إذا أصيب ثلث الثمر فقد وجب على البائع الوضيعة)) )) ، وقال عبد الملك: وحدثني أصبغ بن الفرج عن الشعبي عن عبد الجبار عن عمر عن ربيعة الرأي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح إذا بلغت ثلث الثمر فصاعدًا. وسكت عنه عبد الحق، ولم يتعقبه ابن القطان، انتهى كلام ابن عرفة في مختصره الفرعي (1) .
ومهما يكن من غرابة هذين الحديثين. فالأول في سنده أندلسيان إذا كان أبو محمد هو علي بن حزم الظاهري، كما استظهر المحقق، وعبد الملك بن حبيب السلامي القرطبي، عن مدنيين هما: مطرف بن عبد الله بن سليمان، ابن أخت مالك، والثاني أبو طوالة عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري النجاري، وهما من رجال الصحيح، لكن ابن حزم لا يمكن أن يروي عن عبد الملك بن حبيب، وكلام عبد الحق ليست فيه عنعنة، بل إنه قال: إنه رواه من حديثه، أما الحديث الثاني، فهو مرسل مع ما في سنده من ضعف وجهالة، فلو صح هذان الحديثان أو أحدهما لكان ذلك نصًا وتعين الثلث، ولكن ذلك لم يثبت.
وقد نقل في المدونة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن الجائحة تكون إذا أصابت الثلث، وهناك أصل عام وهو في الوصية، حيث جعل النبي صلى الله عليه وسلم الثلث حدًّا أقصى فيها.
(1) بنقل أبي زكريا يحيى الحطاب الابن في كتابه القول الواضح، في بيان الجوائح، ص 97، تحقيق الدكتور عبد السلام محمد الشريف، منشورات لجنة إحياء التراث في كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس.
خاتمة
إن التقديرات منها ما هو منصوص وهو القليل ومنها ما هو مقيس ومنها ما هو موكول إلى العرف، والأرجح في النصوص والقياس الثلث والعرف هو الاستحسان فقد اختلف العلماء بينهما كاختلافهم في الجائحة والغبن وغيرهما، ويتعضد العرف بالقاعدة الفقهية التي تقول:" إن ما لا حد له في الشرع أو الوضع يرد إلى العرف "(1) .
كما أن موقف الاقتصاديين المتعلق بتعريف التضخم الجامح قد يكون من باب تحقيق المناط بالعرف، ولهذا فإن الضرر الفادح بدون شك معتبر في هذا الباب، أما كيف يحدد هذا الضرر فإن الثلث والربع والخمس والعشر كلها كانت أساسًا للتقدير في مجالات مختلفة، ترجع إلى الاجتهاد ومجاري الظنون.
أما العرف فإنه أساس للقاعدة الشرعية التي ذكرناها وهو الذي أختاره في هذه المسألة، ويمكن أن يبنى على رأي الاقتصاديين في التضخم الجامح.
والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
عبد الله بن بيه
(1) السيوطي، الأشباه والنظائر، ص 29 بتصرف.