المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشرط الجزائي في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور ناجي شفيق عج - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثاني عشر

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعدادأ. د. خليفة بابكر الحسن

- ‌استثمار موارد الأوقافإعدادالدكتور إدريس خليفة

- ‌استثمار موارد الأحباسإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌أثر المصلحة في الوقفإعدادالشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌صور استثمار الأراضي الوقفية فقهاً وتطبيقاًوبخاصة في المملكة الأردنية الهاشميةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌الإجارة المنتهية بالتمليكوصكوك الأعيان المؤجرةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الإجارة وتطبيقاتها المعاصرة(الإجارة المنتهية بالتمليك)دراسة فقهية مقارنةإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الإجارة المنتهية بالتمليكدراسة اقتصادية وفقهيةإعداد الدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌الشرط الجزائي ومختلف صوره وأحكامهإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌الشرط الجزائيإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌الشرط الجزائيإعدادالأستاذ الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌الشرط الجزائي في العقودإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الشرط الجزائي في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور ناجي شفيق عج

- ‌الشرط الجزائيدراسة معمقة حول الشرط الجزائي فقها وقانوناإعدادالقاضي محمود شمام

- ‌عقود التوريد والمناقصةإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌عقد التوريددراسة فقهية تحليليةإعدادالدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌عقود التوريد والمناقصاتإعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌عقود التوريد والمناقصاتإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌الإثبات بالقرائن أو الأماراتإعدادالشيخ مجتبى المحمودوالشيخ محمد على التسخيري

- ‌الإثبات بالقرائن والأماراتإعدادالدكتور عكرمة سعيد صبري

- ‌القرائن في الفقه الإسلاميعلى ضوء الدراسات القانونية المعاصرةإعدادالمستشار محمد بدر المنياوي

- ‌الإثبات بالقرائن أو الأماراتإعدادالشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الطرق الحكمية في القرائنكوسيلة إثبات شرعيةإعدادالدكتور حسن بن محمد سفر

- ‌دور القرائن والأمارات في الإثباتإعدادالدكتور عوض عبد الله أبو بكر

- ‌بطاقات الائتمانتصورها، والحكم الشرعي عليهاإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌بطاقات الائتمان غير المغطاةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌بطاقات الائتمان غير المغطاةإعدادالدكتور محمد العلي القري

- ‌بحث خاصبالبطاقات البنكيةإعدادالدكتور محمد بالوالي

- ‌بطاقة الائتمانإعدادالبروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌بطاقة الائتمان غير المغطاةإعدادالشيخ علي عندليبوالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التضخم وعلاجهعلى ضوء القواعد العامةمن الكتاب والسنة وأقوال العلماءإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الصلح الواجب لحل قضية التضخمإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌تدهور القيمة الحقيقية للنقود ومبدأ التعويضومسؤولية الحكومة في تطبيقه

- ‌مسألة تغير قيمة العملة الورقيةوأثرها على الأموال المؤجلةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌التأصيل الشرعي للحلول المقترحةلعلاج آثار التضخم

- ‌التضخم وتغير قيمة العملةدراسة فقهية اقتصاديةإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌نسبة التضخم المعتبرة في الديونإعدادالشيخ عبد الله بن بيه

- ‌حقيقة التضخم النقدي: مسبباته – أنواعه – آثاره

- ‌التضخم وآثاره على المجتمعات

- ‌ضبط الحلول المطروحة لمعالجة آثار التضخم على الديون

- ‌حقوق الأطفال والمسنينإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌حقوق الشيوخ والمسنين وواجباتهمفي الإسلامإعدادالأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌حول حقوق المسنينإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌حقوق الطفلالوضع العالمي اليومإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌الشيخوخةمصير. . . وتحدياتإعدادالدكتور حسان شمسي باشا

- ‌البيان الختامي والتوصياتالصادرة عنالندوة الفقهية الطبية الثانية عشرة

- ‌(حقول المسنين من منظور إسلامي)

الفصل: ‌الشرط الجزائي في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور ناجي شفيق عج

‌الشرط الجزائي في الفقه الإسلامي

إعداد

الدكتور ناجي شفيق عج

م

جامعة الملك عبد العزيز – جدة

قسم الدراسات الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام الأنبياء والمرسلين. أما بعد

1 -

تعريف الشرط وأقسامه:

الشرط: (بتسكين الراء) في اللغة، ما يوضع ليلتزم في بيع أو نحوه، وفي الفقه: ما لا يتم الشيء إلا به، وعند النحاة: ترتيب أمر على آخر بأداة، وأدوات الشرط، الألفاظ التي تستعمل في هذا الترتيب مثل: إن وما ومهما ولو وإذا، والشرط بهذا المعنى جمعه شروط.

أما الشرط (بفتح الراء) فهو العلامة، جمعه أشرط، قال الله تعالى:(فقد جاء أشراطها)(محمد: 18) أي: علامات الساعة (1) .

وأما تعريف الشرط عند الأصوليين: فهو ما يتوقف وجود الحكم على وجوده وجودا شرعيا، ويكون خارجا عن حقيقته، ويلزم من عدمه عدم الحكم وذلك مثل حضور الشاهدين، فإنه شرط في صحة عقد الزواج، فإذا لم يحضر عقد الزواج شاهدان لم يصح الزواج ولم يترتب على العقد الآثار المشروعة والشاهدان خارجان عن حقيقة الزواج فليسا جزءا منه، وقد يوجدان ولا يوجد الزواج.

وهكذا يتبين أن الشيء الذي وضعه الشارع شرطا لتحققه لا يتحقق إلا بوجود ذلك الشرط وإن لم يكن جزءا من حقيقته، ومن أمثلته أيضا: الطهارة للصلاة، وحولان الحول لوجوب الزكاة، والقدرة على تسليم المبيع لصحة البيع، والإحصان لسببية الزنا للرجم، والرشد لدفع مال اليتيم إليه (2) .

(1) المعجم الوسيط لإبراهيم مصطفى وزملائه مادة: شرط.

(2)

شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه للتفتازاني، طبعة محمد علي صبيح، 1957 م؛ ومصادر التشريع ومناهج الاستنباط، د. محمد أديب الصالح، الطبعة الأولى، 1968 م.

ص: 585

2-

أقسام الشرط:

1-

الشرط الشرعي أو الحقيقي: هو الذي يكون اشتراطه بحكم الشارع كالطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر بالنسبة إلى الصلاة، فقد جعلها الله مكملة للصلاة فيما شرعت الصلاة لتحقيقه وهو تعظيم الله تعالى إذ الوقوف بين يديه مع الطهارة أكمل من معنى الاحترام والتعظيم، ولهذا اشترطت للصلاة الشرعية، فلا تتحقق صلاة شرعية إلا بها (1) .

2-

الشرط العقلي: كالحياة للعلم فإنها شرط له، إذ لا يعقل عالم إلا وهو حي، فالحياة يلزم من انتفائها انتفاء العلم، إذ الجسم بدونها جماد وقيام العلم بالجماد محال، وإنما يسمى هذا شرطًا عقليًّا، لأن العقل أدرك لزومه لشروطه، وعدم تصور انفكاكه عنه (2) .

3-

الشرط العادي: كالسلم مع صعود السطح، وكالغيم لنزول المطر.

4-

الشرط اللغوي أو الجعلي أو الوضعي: هو ما كان مصدر اشتراطه إرادة المكلف، كالشروط التي يشترطها الناس بعضهم على بعض في عقودهم وتصرفاتهم، كقوله: إن خرجت من الدار فأنت طالق، أو كالشروط التي يشترطها المكلف بإرادته المنفردة كالوقف والهبة والوصية، أو الشروط التي يكون فيها منفعة لأحد المتعاقدين كأن يبيع منزلا على أن يسكنه شهرا أو لسنة.

أنواع الشروط الجعلية:

أ- الشرط المعلق: وهو كل شرط يعلق الإنسان فيه تصرفه على حصول أمر من الأمور، ومقتضاه أن لا يوجد أثر للعقد إلا إذا وجد الشرط، أي يتوقف وجود العقد على وجود الشرط. وهذا من شروط السبب، مثل تعليق الكفالة على عجز المدين عن الوفاء.

والشرط الجعلي المعلق هو بمعنى السبب عند الأصوليين الذين يقولون في تعريفه: ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم.

وقد وضح هذا الإمام القرافي في كتابه الفروق (3)

ب- الشرط المقيد: وهو ما يقترن بالعقود والتصرفات من التزامات يشترطها الناس بعضهم على بعض. وحكمه أنه يعدل من آثار العقد الأصلية، مثل النكاح بشرط أن لا يخرج الزوج زوجته من بلدها، وكالبيع بشرط أن يقدم المشتري كفيلا بالثمن، أو بشرط أن يسكن البائع في الدار المبيعة لمدة سنة مثلا.

والشرط الجعلي إذا اعتبره الشارع صار كالشرط الشرعي أي في الحكم على صحة العقد، وإذا لم يعتبره الشارع فلا يعتبر مثله، وعلى هذا فالحكم الشرعي في الشرط إنما هو قضاء الشارع على الوصف لكونه شرطا، لا نفس الوصف المحكوم عليه وهذا محل الشرط الجزائي وهو من الشرط الجعلي الذي سنتكلم عنه إن شاء الله تعالى.

ج- شرط الإضافة: وهو الذي يقصد به تأخير سريان أحكام العقد إلى زمن المستقبل، كالاتفاق على بدء الإجارة من يوم معين، وحكمه أن العقد ينعقد في الحال سببا للحكم في المستقبل فهو عقد قائم بين المتعاقدين منذ إنشاء الإضافة (4) .

(1) التيسير في أصول الفقه، د. إبراهيم محمد السلقيني، الطبعة الثانية، 1996 م دار الفكر بدمشق، ص 221.

(2)

الفروق للقرافي: 1 / 62، 82، طبعة عالم الكتب بيروت؛ وأنيس الفقهاء لقاسم القونوي، تحيق د. أحمد عبد الرزاق الكبيسي، الطبعة الأولى، 1406 هـ، ص 84.

(3)

الفروق: 1/81-82.

(4)

أصول الفقه الإسلامي، د وهبة الزحيلي: 1/100-102، الطبعة الاولى، 1406هـ، الوجيز في أصول الفقه، د. عبد الكريم زيدان، ص 61-62، طبعة 1987م.

ص: 586

4-

مفهوم الشروط الوضعية:

قلنا إن الشرط الوضعي ما ينشئه الإنسان بتصرفه وإرادته، ويجعل عقوده والتزاماته معلقة عليه بحيث إذا لم يتحقق ذلك الأمر تتحقق تلك العقود والالتزامات (الشرط الجعلي المعلق) أو ما يقترن بالعقود والتصرفات من التزامات يشترطها الناس بعضهم على بعض (الشرط الجعلي المقيد) وهذا النوع من الشروط هو محل خلاف بين العلماء فبعضهم لا يجيز تعليق جميع العقود والتصرفات بالشرط، كما لا يجيزون اقترانها بأي شرط كان، فمنهم المضيق ومنهم الموسع ومنهم المتوسط بين هذا وذلك، وهذه خلاصة قبل بسط القول في هذه القضية على طريقة اللف والنشر عند أهل البلاغة.

فالمضيقون: يلغون إرادة المكلف ويجعلون الأصل في العقود والشروط التحريم، إلا إذا ورد النص الشرعي بالإباحة وهؤلاء هم الظاهرية ومن تابعهم.

والموسعون: يطلقون إرادة المكلف ويجعلون لها سلطانا كبيرا في باب العقود والشروط إذ الأصل عندهم الإباحة في الشروط والعقود إلا إذا ورد النص بالتحريم وهؤلاء هم الحنابلة، وأوسع الحنابلة في هذا الباب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، حيث عقد فصلا كاملا فقال: فصل القاعدة الثالثة في العقود والشروط فيها فيما يحل ويحرم وما يصلح منها ويفسد (1) ، وخلاصته أنه لا يبطل من هذه الشروط إلا ما دل دليل على بطلانه، فأما ما دل على اعتباره أو سكت عنه فإنه صحيح معتد به كما سنعلم إن شاء الله تعالى.

ومن المتوسطين الحنفية فإنهم يقسمون الشروط إلى ثلاثة أنواع:

شرط صحيح: وهو ما كان موافقا لمقتضى العقد أو مؤكدا له، أو أذن به الشرع أو جرى به العرف.

وشرط فاسد وهو ما كان فيه منفعة لأحد المتعاقدين أو لغيرهما، ولم يكن من النوع الصحيح.

وشرط باطل وهو ما لم يتحقق فيه، لا معنى الصحيح ولا معنى الفاسد، كالذي يبيع داره بشرط أن لا يسكنها أحد.

والشرط الفاسد يفسد العقد، والشرط الباطل لغو ولكن العقد صحيح (2) .

(1) الفتاوي لابن تيمية: 29/126- 180.

(2)

الوجيز في أصول الفقه، د. عبد الكريم زيدان، ص61-62.

ص: 587

5-

الشرط الجزائي:

إن هذا الشرط يدخل في الشروط العقدية أي في الشروط التي يشترطانها في العقد، إذ يضيف العاقدان بهذه الشروط إلى نتائج العقد بينهما حقوقا والتزامات لم يكن ليقتضيها أصل العقد لو خلا عما اشترطاه فيه، وبالتالي تحدد هذه الشروط آثار العقد المسمى، وتعدل نتائجه الأصلية بين الطرفين المتعاقدين في حقوقهما الخاصة بينهما، باشتراط ما يشاءان من شروط بحسب إرادتهما. أي إنشاء ما يشاءان من التزامات وقيود في العقد بإرادتهما.

فيمكن تعريفه بأنه: شغل الذمة بحق أو بتعويض عن ضرر (1) . وهو في معنى التعريف الوارد في ورقة موضوعات الدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي حيث عرفه: بأنه التزام أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة.

وعرفه الدكتور السنهوري: أنه اتفاق بين متعاقدين على مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن إذا لم يقم المدين بالتزامه، وهذا هو التعويض عن عدم التنفيذ، أو على مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه وهذا هو التعويض عن التأخير (2) .

فالشرط الجزائي في الظاهر هو منفعة لأحد المتعاقدين، والحقيقة ليست منفعة خالصة لأحد الطرفين، وإنما هي نتيجة مخالفة الطرف الآخرلمقتضى العقد وشروطه الصحيحة وسبب هذه المخالفة ضررا أو أذى للشارط، فجبر الضرر بهذا الشرط الجزائي.

(1) نظرية الضمان في الفقه الإسلامي، د. محمد فوزي فيض الله، الطبعة الاولى، 1983م.

(2)

الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، د. عبد الرزاق احمد السنهوري، الطبعة الثالثة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 1998م: 2/851.

ص: 588

6-

الشروط المقترنة بالعقد:

إن الله تعالى صان التصرفات من أن تصبح نتائجها رهنا بالإرادة الإنسانية المطلقة التي كثيرا ما تطغى وتتنكب عن جادة الحق في التعامل بدافع من الأنانية والهوى والجشع ولا سيما إذا كانت في مركز أقوى، لذلك تولى الشارع بنفسه ترتيب هذه الحقوق التي يطلق عليها أحيانا أحكام العقد.

ولكل عقد حكم أصلي شرع من أجله وهو المقصود الأصلي من شرعية العقد، ويطلق عليه مقتضى العقد أو غايته النوعية، كانتقال ملكية المبيع إلى المشتري تلقائيا فور إنشاء العقد، وثبوت ملكية منفعة العقار للمستأجر في عقد الإجارة، وحقه في استيفائها، وغير ذلك من المقتضيات الأصلية للعقود التي تتنوع بحسب طبيعة كل عقد.

وإذا أراد أحد العاقدين أن يعدل من آثار العقد زيادة أو نقصا، كان له ذلك عن طريق الشروط العقدية التقييدية المقترنة، فالشرط التقييدي المقترن بالعقد: هو التزام وارد في التصرف القولي عند تكوينه زائد عن أصل مقتضاه شرعًا (1) .

أ- لا خلاف في أن الشروط التي يقتضيها العقد جائزة كاشتراط المشتري أن يتصرف في المبيع بيعا أو إجارة أو رهنا، لأن هذا يثبت بمطلق العقد فاشتراطها وعدمها سواء إذ لا يزيد ولا ينقص شيئا من أحكام العقد التي رتبها الشارع، لأنه مقتضى العقد فصح إجماعا وهذا النوع من الشروط ينبغي أن لا يدرج في الشروط التقييدية لأن ما يوجبه يثبت بالعقد قبل الاشتراط ولأنه زائد صورة لمعنى.

ب- الشرط الذي ينافي مقتضى العقد باطل، ويبطل العقد أيضا إذا كان من عقود المعاوضات، لأنه شرط يلغي الحكم الأصلي للعقد لأنه مناقض لقصد الشرع، ومناقضة قصد الشارع باطلة. يقول الإمام الشاطبي: إذا اشترط – البائع على المشتري – أن لا ينتفع بالمبيع، أو شرط الصانع على المستصنع أن لا يضمن المستأجر عليه إن تلف وأن يصدقه في دعوى التلف (2) فهذا القسم أيضا لا إشكال في إبطاله لأنه مناف لحكمة السبب، ولأن الأصل أن ما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط (3) . فما ثبت بالشرع هو من النظام الشرعي العام في التعامل فيرتقي إلى مستوى الشرع الملزم الذي يتمثل فيه الإرادة الحقيقية للمشرع وأما ما ثبت بالشرط محض تصرف بالإرادة الإنسانية فكانت المنافاة بين الشرع الملزم، والتصرف الإرادي وهذه هي المناقضة أو المضادة للمشرع، والمناقضة باطلة بالإجماع، فكذلك ما يؤدي إليها بالإجماع ضرورة (4)

(1) الفقه الإسلامي المقارن د. محمد فتحي الدريني، الطبعة الخامسة، ـ 1995، ص597.

(2)

الموافقات في أصول الشريعة لأبي أسحاق الشاطبي: 1/252، الطبعة الثالثة، 1997م.

(3)

الفوائد الجنية لأبي الفيض محمد ياسين الفاداني: 2/292، الطبعة الثانية، 1996م، والمنشور في القواعد لبدر الدين الزركشي: 3/143، الطبعة الأولى، 1982م.

(4)

الفقه الإسلامي المقارن، د. فتحي الدريني، ص 598، وانظر الفتاوى الهندية: 3/133-146 للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، الطبعة الرابعة، 1986م، وانظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لعلاء الدين الكاساني، الطبعة الثانية، 1982م: 5/161-172.

ص: 589

7-

ضابط الشرط المشروع:

الشروط عند الحنفية: خلاصة ضوابط الشرط الصحيح عند الحنفية كما أوردها الكاساني في كتابة بدائع الصنائع وهي:

1-

أن يكون الشرط من مقتضى العقد كاشتراط البائع على المشتري تسليم الثمن قبل تسليم المبيع.

2-

أو يكون ملائما لمقتضاه، كاشتراط كفيل أو رهن بالثمن المؤجل.

3-

أو يكون مما ورد به نص كاشتراط الخيار، واشتراط خيار الرؤية، وهذا مخالف لمقتضى العقد، لأن مقتضى العقد أن تثبت أثاره فور انعقاده لازمة لكن ورد بخيار الشرط والرؤية نصوص، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمنقذ بن عمرو رضي الله عنه وكان رجلا قد أصابته أمة في رأسه فكسرت لسانه، وكان لا يدع ذلك التجارة، وكان لا يزال يغبن فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال له:((إذا أنت بايعت فقل لا خلابة، ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال، فإن رضيت فأمسك، وإن سخطت فارددها على صاحبها)) (1) .

وفي خيار الرؤية ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه)) (2) .

4-

أن يكون مما جرى به عرف التعامل كاشتراط المشتري على البائع التعهد بصيانة السيارة مدة معينة فهذا مما تعارفه الناس وإن كان فيها زيادة منفعة لأحد العاقدين بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى في السفر من جابر بن عبد الله بعيرا وشرط لجابر ركوبه وحملانه عليه إلى المدينة، وإقرار هذا الشرط عند الحنفية أدى إلى توسيع حرية الناس في الاشتراط بما يحقق لأحد العاقدين منفعة زائدة عن مقتضى العقد، كما أدى إلى زوال الشرط الفاسد من معاملات الناس، وأصبحت الشروط كلها صحيحة بالعرف، إلا إذا كانت مصادمة لنص تشريعي، أو منافية لمبادئ الشريعة ومقاصدها العامة (3) .

(1) سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي: 2/789، ونصب الراية لأحاديث الهداية للزيلعي: 4/6-8.

(2)

نصب الراية: 4/9.

(3)

الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي: 4/204، الطبعة الثانية، 1985م.

ص: 590

وعلى هذا فالشرط الفاسد عند الحنفية هو ما لا يتوافر فيه أي ضابط من ضوابط الشرط الصحيح وذلك:

أ- بأن لا يكون من مقتضى العقد.

ب- ولا ملائما له.

ج – ولاما ورد به نص.

د- ولا مما جرى به العرف.

هـ- وكانت فيه منفعة لأحد العاقدين أو لغيرهما، لأنها منفعة خالية عن عوض فتمكنت في هذا الشرط شبهة الربا (1)

لكن تقدم أن الشرط الملائم لمقتضى العقد وجرى به العرف مستثنى من الضابط الخامس المتقدم كما إذا اشترط تقديم كفيل أو رهن عند تأجيل الثمن.

فالعرف – ولو خالف القياس العام – والملاءمة عند الحنفية يفتحان باب الاشتراط على مصراعيه مجاراة لاحتياجات التعامل أو مقتضيات المعاملات التجارية المتطورة، والنشاط الاقتصادي بوجه عام، وهي معظمها تقوم على الأعراف السارية التي تسود تلك المعاملات.

الشروط عند الشافعية:

الشرط الصحيح عندهم ينبغي أن يتوافر فيه ما يلي:

1-

أن يكون من مقتضى العقد.

2-

أو يكون ملائما لمقتضى العقد ويطلقون عليه اسم الشرط الذي في مصلحة العقد ولا معارضة له من جهة الشرع.

3-

الشرط الذي ورد فيه نص.

4-

الشرط الذي لا يقتضيه العقد، ولا ينافي مقتضاه، وليس فيه مضرة كاشتراط الراهن أن لا يأكل المرهون إلا كذا.

5-

شرط وصف خاص بالمبيع.

وعليه لا يعتبر الشافعية العرف ضابطا للشرط الصحيح.

والشرط الباطل عند الشافعية هو الذي لا يقتضيه العقد، وليس من مصلحته، والشرط الذي يوجب الربا، أو يورث غررا، أو جهالة تفضي إلى المنازعة، أو يوجب منعا لمقتضى العقد وذلك كاشتراط قرض في بيع أو اشتراط أن لا يتصرف المشتري في المبيع، ومثل هذا الشرط يبطل العقد (2) .

(1) الفقه الإسلامي المقارن، د. فتحي الدريني، ص306.

(2)

الفقه الإسلامي المقارن، د. فتحي الدريني، ص606، وحلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء: 4/126- 137، سيف الدين محمد الشاشي القفال، الطبعة الأولى، 1988م، تحقيق د. ياسين أحمد درادكه.

ص: 591

الشروط عند المالكية:

يرى المالكية أن الشرط الصحيح ما كان:

1-

فيما يقتضي العقد.

2-

أو يلائم مقتضاه.

3-

أن يكون مما جرى به العرف والتعامل.

4-

أن لا ينافي مقتضى العقد، وإن كان العقد لا يقتضيه ولا يلائمه، وهذا الضابط جعل الفقه المالكي أكثر تصحيحا للشروط التقييدية المقترنة بالعقد.

5-

ألا يخل بالثمن بأن يورثه جهالة كبيع الثنيا (1) ، إلا أن يكون الغرر يسيرا.

فقد روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة، وعن الثنيا إلا أن تعلم، وفي رواية قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة والمعاومة والثنيا ورخص في العرايا (2) .

ومثاله أيضا البيع بشرط إذا باع المشتري السلعة فالبائع الأول أحق بالثمن الذي باعه المشتري حسب الأموال، فهو شرط غير جائز عند المالكية، والعلة في فساد هذا الشرط هي جهالة الثمن ذلك لأن فيه مصلحة للبائع أو المشتري حسب الأموال لأن الزمن يزيد وينقص وانتفاء معلومية الزيادة أو النقص جهالة (3) .

6-

أن لا يكون الشرط متضمنا إلزاما بالإقراض في عقد بيع للنهي الصريح عن بيع وسلف.

فالمالكية لا تشترط الاقتضاء ولا الملاءمة ولا العرف ضابطا للشرط الصحيح.

ويمكن القول أن الشرط الفاسد عند المالكية هو ما اتصف بأحد أمور ثلاثة:

1-

بأن كان مناقضا أو منافيا لمقتضى العقد، وهذا باطل بالإجماع لأنه لا يتحقق به مقصود بل يلغيه.

2-

إذا كان الشرط يخل بالثمن فيورث جهالة كبيع الثنيا.

3-

إذا كان شرطا بالإقراض في عقد بيع لورود النهي الصحيح عنه بالذات وكل شرط ورد النص الشرعي بالنهي عنه باطل إجماعا (4) .

(1) الثنيا هو البيع بشرط.

(2)

مختصر سنن النسائي، اختصار د. مصطفى ديب البغا، الطبعة الأولى، 1997م، ص585. العرايا: بيع الرطب على النخل خرصا حزرا (تقديرا بالظن) بتمر. الثنيا: بضم الثاء وسكون النون، والاستثناء هو أن يستثني البائع من المبيع شيئا مجهولا فلا يصح البيع، وأما إن كان معلوما فيصح. المعاومة: وهو بيع السنين، بيع ثمر الشجر أعواما كثيرة أو اكتراء الأرض سنين، فهذا بيع الغرر. المخابرة: وهي المزارعة: كراء الأرض أو إجارتها بالثلث أو الربع. المحاقلة: بيع الزرع قبل بدو صلاحه أو بيع الطعام في سنبله، وقيل: اشتراء الزرع بالحنطة. المزابنة: بيع رطب من النخيل بكيل من التمر أو بيع العنب بالزبيب. انظر أنيس الفقهاء لقاسم القونوي، والتعريفات للجرجاني.

(3)

بداية المجتهد، محمد بن أحمد بن رشد تحقيق عبد المجيد طعمة، حلب، الطبعة الأولى، 1997م: 2/214- 218، والفقه المقارن، ص609.

(4)

الفقه المقارن، ص61

ص: 592

الشروط المقترنة بالعقد تقييدا عند الحنابلة:

الحنابلة أكثر الأئمة عملا بمبدأ حرية التعاقد أو بمبدأ سلطان الإرادة العقدية، ويرون أن الشارع الحكيم هو الذي أذن أو فوض للإرادة أن تنشئ من العقود والشروط ما تشاء، وذلك بأن جعل الرضا مناطا للحل والمشروعية سواء في العقود التبادلية (المعاوضات) أم التبرعات بحكم الشرع لقوله تعالى:(إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)(النساء: 29)، ولقوله تعالى:(فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا)(النساء: 4) .

ولا يفسد الشرط إلا إذا أوجب أمرا يحرمه الشارع بدليل شرعي بأن كان مشتملا على معنى الربا أو الغرر، أو أوجب ما ينقض الحكم الأصلي للعقد ويلغيه (ينافي مقتضاه) ، أو ينافي الشرع نفسه في قواعد مقاصده، فالأصل الإباحة، والمنع استثناء.

يقول ابن تيميه – رحمه الله تعالى – (الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دل الدليل على خلافه. . . فإن الكتاب والسنة دلا على الوفاء بالعقود والعهود، وذم الغدر والنكث. ولكن إذا لم يكن المشروط مخالفا لكتاب الله وشرطه، فإذا كان المشروط مخالفا لكتاب الله وشرطه كان الشرط باطلا. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط. كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق)) (1)

ويقول أيضا: (فمقصود الشروط وجوب ما لم يكن واجبا ولا حراما وعدم الإيجاب ليس نفيا للإيجاب حتى يكون المشترط مناقضا للشرع، وكل شرط صحيح فلابد أن يفيد وجوب ما لم يكن واجبا، فإن المتبايعين يجب لكل منهما على الآخر من الإقباض ما لم يكن واجبا ويباح أيضا لكل منهما ما لم يكن مباحا، ويحرم على كل منهما ما لم يكن حراما، وكذلك كل من المتآجرين والمتناكحين. وكذلك إذا اشترط صفة في المبيع أو رهنا، أو اشترطت المرأة زيادة على مهر مثلها، فإنه يجب ويحرم ويباح بهذا الشرط ما لم يكن كذلك)(2) .

(1) فتاوى ابن تيمية: 29/346- 347، رواه البخاري:(5/326 فتح الباري – ط السلفية)، ومسلم: 1504، والترمذي: 2124، وأبو داود: 2929، والنسائي: 4655، وانظر روايات الحديث في جامع الأصول: 8/94-98. والمراد بما ليس في كتاب الله ما يتضمن مخالفة لأسس الشريعة التي قررها القرآن. فالتعاقد على ذلك واشتراطه باطل، كما يعتبر اليوم من النظريات القانونية الحقوقية التعاقد على ما يخالف النظام العام والآداب العامة أو ما يخالف النصوص القانونية باطلا. ونظيره قول عمر المقدم في وصيته القضائية لأبي موسى الأشعري:(الصلح جائز إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا) . فكتاب الله هنا ليس معناه القرآن، بل معناه: ما كتبه الله وأوجبه، أي شريعته التي شرعها، فالكتاب هنا مصدر بمعنى اسم المفعول، أي المكتوب بمعنى المفروض، كما في قوله تعالى في القرآن:(إن الصلوة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)(النساء: 103) . المدخل الفقهي العام للشيخ مصطفى أحمد الزرقا: 1/170-171، طبعة 1998م.

(2)

فتاوى ابن تيمية: 29/148.

ص: 593

وعلى هذا أجاز الإمام أحمد البيع بما ينقطع به السعر من غير تقدير الثمن وقت إنشاء العقد، وهو شرط يوجب جهالة بالثمن. قال ابن القيم: واختاره شيخنا (يعني ابن تيميه رحمهم الله تعالى) وقال: وأجمعت الأمة على صحة النكاح بمهر المثل وأكثرهم يجوزون الإجارة بأجرة المثل كالنكاح والغسال والخباز والملاح وقيم الحمام والمكاري، وهذا شرط يوجب جهالة في الثمن ولكن أجازه للحاجة، ولمكان العسر والحرج في التعاقد على ما يتم شراؤه يوميا من البقال والجزار من قبل من يعاملونهم (1) .

ويتمسك الحنابلة أيضا في هذا المقام بما رواه الإمام البخاري في صحيحه في قضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها السكنى في دارها، ولما أراد نقلها إلى بيته رفضت وطلبت الوفاء بما اشترط على نفسه، فتقاضيا إلى عمر فقال:(لها شرطها) فقال الزوج: إذن يطلقننا. فأجابه عمر بتلك الكلمة الدستورية الخالدة: (مقاطع الحقوق عند الشروط ولك ما شرطت)(2) .

ويروي ابن القيم – رحمه الله – عن البخاري في صحيحه عن ابن عون عن ابن سيرين أنه قال: قال رجل لكريه: أرحل ركابك فإن لم ارحل معك في يوم كذا فلك مائه درهم، فلم يخرج، فقال شريح: من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه (3) .

ثم يقول الشيخ الزرقا – رحمه الله: وهذا النوع من الاشتراط المروي عن القاضي شريح في ضمان التعويض عن التعطل والانتظار هو ما يسمى في الفقه الأجنبي الحديث (الشرط الجزائي)(4) .

وعليه أجاز متأخرو الحنابلة كل شرط إلا ما كان منافيا لمقتضى العقد أو منافيا للشرع نفسه. ويمثل لهذا ابن رشد في قوله: (والعلة في النهي عن تعدد الصفقة

(الشروط) إما الربا أو الضرر أو الجهالة المفضية إلى النزاع الذي يتعذر معه تنفيذ العقد أو إلغاء مقتضاه، والمقصود الأصلي منه، أو منافاته للشرع نفسه بنص خاص به أو اتخاذه ذريعة لتحليل محرم، أو إسقاط واجب تنفيذ لباعث غير مشروع (محرم يبطل العقد) تحايلا على مقاصد التشريع وقواعده، لأن القصد غير الشرعي هادم للقصد الشرعي، ومناقض له، أو لمجرد المضرة والعبث حتى إذا خلا من كل أولئك، كان صحيحا رغم التعدد، إذ النهي عن التعدد لا لذاته، بل هو معقول المعنى، ومعلل بالمعاني التي أشرنا إليها تحقيقا للمصلحة والعدل، كما يقول الإمام مالك) (5) .

(1) إعلام الموقعين: 4/5-6، لابن القيم.

(2)

علقه البخاري في صحيحه في موضعين: في كتاب الشروط، باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح: 5/322، وفي كتاب النكاح، باب الشروط في النكاح: 9/217، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: وصلة سعيد بن منصور، المدخل الفقهي: 1/560.

(3)

رواه البخاري في كتاب الشروط باب ما يجوز من الاشتراط: 5/354، مع الفتح.

(4)

المدخل: 1/566، والكري بتشديد الياء، وزان غني هو المكاري الذي يؤجر دوابه للسفر. وأرحل ركابك أي شد على دوابك رحالها استعدادا للسفر، وشريح (بصيغة التصغير) هو شريح بن الحارث بن قيس الكندي، من أشهر القضاة الألمعيين، والفقهاء المجتهدين في صدر الإسلام، ولاه عمر بن الخطاب قضاء الكوفة واستمر فيه حتى استعفى في أيام الحجاج فأعفاه وكان ثقة في الحديث، مأمونا في القضاء، وله باع في الأدب والشعر وعمر طويلا – الأعلام للزركلي -.

(5)

بداية المجتهد: 2/193، لابن رشد، والفقه الإسلامي المقارن، ص620.

ص: 594

ملخص الشروط المذهب الحنبلي:

1-

شرط يصح ويلزم، وهو الأصل في كلمة الشرط الذي لا ينافي مقتضى العقد.

2-

شرط يصح ولا يلزم، وهو الذي يمنع العاقد من حق الشرع على بقائه كاشتراط المرأة على الرجل في عقد الزواج أن لا يطلقها أو لا يتزوج عليها، وثمرة صحته جواز الفسخ عند المخالفة.

3-

شرط لا يصح ويلغى، وهو ما ينافي مقتضى العقد، كاشتراط الزوجة عدم معاشرة الزوج لها.

4-

شرط لا يصح ويلغى أي يبطل العقد، وهو ما تنعدم به غاية العقد كاشتراط المرأة أن لا تحل للزوج بالزواج (1) .

وعليه فلا يحكم على العقد المستحدث، أو الشرط التقييدي المقترن بالعقد، بالمنع إلا بأحد الشرطين التاليين أو كليهما:

الأول: مناقضة شرع الله ورسوله ونظامه الشرعي العام، من حفظ التوازن ومنع التغابن، وضبط النظام العام، وذلك إذا احل الشرط ما حرم الله ورسوله أو العكس.

الثاني: منافاة الشرط لمقتضى العقد (2) .

فلو اتفق المتبايعان على عدم انتقال ملكية المبيع إلى المشتري قبل أداء جميع الثمن المؤجل أو المقسط، أو على عدم ضمان البائع إذا هلك المبيع عنده قبل التسليم فذلك على ما اتفقا (3) .

(1) المدخل الفقهي: 1/567.

(2)

الفقه الإسلامي المقارن، ص633.

(3)

المدخل الفقهي: 2/765.

ص: 595

ملحق رقم (4)

بسم الله الرحمن الرحيم

المملكة العربية السعودية

إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء

قرار رقم (25) وتاريخ (21/8/1394هـ)

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:

فبناءً على ما تقرر في الدورة الرابعة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة فيما بين (28/10 و14/11/1393 هـ) من الرغبة في دراسة موضوع الشرط الجزائي. فقد جرى إدراجه في جدول أعمال الهيئة في دورتها الخامسة المنعقدة فيما بين (5 و22/8/1394هـ) في مدينة الطائف.

ثم جرى دراسة الموضوع في هذه الدورة بعد الاطلاع على البحث المعد في ذلك من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وبعد مداولة الرأي والمناقشة، واستعراض المسائل التي يمكن أن يقاس عليها الشرط الجزائي ومناقشة توجيه قياسه على تلك المسائل والإيراد عليه وتأمل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة: 1) وما روي عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: ((المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حراما أو حرم حلالا)) ، ولقول عمر رضي الله عنه:(مقاطع الحقوق عند الشروط) والاعتماد على القول الصحيح من أن الأصل في الشروط الصحة، وأنه لا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصا أو قياسا.

واستعراض ما ذكره أهل العلم من تقسيم الشروط في العقود إلى صحيحة وفاسدة وتقسيم الصحيحة إلى ثلاثة أنواع أحدها: شرط يقتضيه العقد كاشتراط التقابض وحلول الثمن. الثاني: شرط من مصلحة العقد كاشتراط صفة في الثمن كالتأجيل أو الرهن أو الكفيل به أو صفة في المثمن ككون الأمة بكرا. الثالث: شرط فيه منفعة معلومة وليس من مقتضى العقد ولا من مصلحته ولا منافيا لمقتضاه كاشتراط البائع سكنى الدار شهرا.

وتقسم الفاسدة إلى ثلاثة أنواع أحدها: اشتراط أحد طرفي العقد على الطرف الثاني عقدا آخر كبيع أو إجارة أو نحو ذلك. الثاني: اشتراط ما ينافي مقتضى العقد كأن يشترط في المبيع ألا خسارة عليه أو ألا يبيع أو يهب ولا يعتق. الثالث: الشرط الذي يتعلق به العقد كقوله بعتك إن جاء فلان، وبتطبيق الشرط الجزائي عليها وظهور أنه من الشروط التي تعتبر من مصلحة العقد إذ هو حافز لإكمال العقد في وقته المحدد له والاستئناس بما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن ابن سيرين أن رجلا قال لكريه: أدخل ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج فقال شريح: من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه، وقال أيوب عن ابن سيرين: أن رجلا باع طعاما وقال: إن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع، فلم يجئ، فقال شريح للمشتري: أنت أخلفت، فقضى عليه.

ص: 596

وفضلا عن ذلك فهو في مقابلة الإخلال بالالتزام حيث إن الإخلال به مظنه الضرر وتفويت المنافع، وفي القول بتصحيح الشرط الجزائي سد لأبواب الفوضى والتلاعب بحقوق عباد الله، وسبب من أسباب الحفز على الوفاء بالعهود والعقود تحقيقا لقوله تعالى:(يأيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود)(المائدة: 1) ، لذلك كله فإن المجلس يقرر بالإجماع أن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر يجب الأخذ به ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعا فيكون العذر مسقطا لوجوبه حتى يزول.

وإذا كان الشرط الجزائي كثيرا عرفا بحيث يراد به التهديد المالي ويكون بعيدا عن مقتضى القواعد الشرعية فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعة أو لحق من ضرر ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر عملا بقوله تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)(النساء: 58)، وقوله سبحانه:(ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)(المائدة: 8)، وبقوله صلى الله عليه وسلم:((لا ضرر ولا ضرار)) .

وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.....

هيئة كبار العلماء

رئيس الدورة الخامسة

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

عبد الله بن حميد عبد الله خياط عبد الرزاق عفيفي

محمد الحركان عبد المجيد حسن عبد العزيز بن صالح

صالح بن غصون إبراهيم بن محمد آل الشيخ

سليمان بن عبيد

محمد بن جبير عبد الله بن غديان راشد بن خنين

ص: 597

وعليه فالشروط الباطلة هي: التي فيها غرر أو جهالة أو التي تتضمن ربا أو التي تنافي مقتضى العقد وتلغي حكمه، أو باطلة لمخالفة حكم الشارع في نص من النصوص أو الإجماع أو لكونها تعارض قاعدة عامة من قواعد الشرع.

ومثال الشرط الجزائي المتضمن ربا مثل حالة إذا كان الشرط الجزائي نقودا ومحل الالتزام نقود أيضا ففي هذه الحالة إذا استحق الشرط الجزائي بشرط التأخير في تنفيذ العقد أو الالتزام فهو الربا المحرم النسيئة.

وإذا كان الشرط الجزائي ليس مما سبق ذكره يكون لازما لأنه يكون تعويضا عن عدم تنفيذ العقد، أو التأخير فيه بل فيه مصلحة للعقد وللعاقد الدائن فهو يدفع المتعاقد على تنفيذ العقد، والقيام بما التزم به على الوجه الكامل.

فالشرط الجزائي شرط جائز ومشروع حتى إنه صحيح عند المذاهب لأنه شرط مقترن بالعقد جرى به العرف وفيه مصلحة للعقد، وهو شرط ملائم للعقد، ولذلك فهو صحيح عند الحنيفة لجريان العرف به، وصحيح عند الشافعية لأن فيه مصلحة للعقد، وصحيح عند المالكية لأن فيه مصلحة للعقد ولأنه شرط ملائم لم يرد بإلغائه وتحريمه أو جوازه نص خاص فهو ملائم مرسل (1) . وهو جائز وصحيح من باب أولى عند الحنابلة الذين لا يحرمون إلا الشروط التي ورد بتحريمها نص أو التي تنافي مقتضى العقد (2) .

ثم إن الشرط الجزائي هو شبيه بالعربون، والعربون يكون في البيع عادة وقد يكون في غيره فمثلا أن يشتري الرجل السلعة ويدفع للبائع مبلغا من المال على أنه إن أخذ السلعة يكون ذلك المبلغ جزءًا من الثمن وإن ترك المشتري السلعة فالمبلغ للبائع.

(1) الملائم المرسل: هو الوصف الذي لا يشهد له نص من الشارع بالإلغاء أو بالاعتبار، وقد اختلف الفقهاء في بناء الحكم عليه، فالمالكية والحنابلة أخذوا به، واعتبروه حجة في بناء الأحكام عليه وسموه بالمصالح المرسلة، أما الحنفية والشافعية فلم يأخذوا به. انظر أصول الفقه لأبي زهرة، ص226 والذي يليها.

(2)

الشرط الجزائي وسلطة القاضي في تعديله، د. أسامة الحموي، الطبعة الأولى 1418هـ، مطبعة الزرعي بدمشق.

ص: 598

وقد أجاز مجمع الفقه الإسلامي الدولي بيع العربون في دورته الثامنة في بروناي (محرم 1414هـ في القرار رقم 72) وجاء فيه:

(يجوز بيع العربون إذا قيدت فترة الانتظار بزمن محدود، ويحتسب العربون جزءًا من الثمن إذا تم الشراء ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري عن الشراء)(1) .

ويرى الدكتور رفيق مصري في بحثه (مناقصات العقود الإدارية) ويقول:

رأينا في الشرط الجزائي: التمييز بين التخلف والتأخير:

1-

وعلى هذا فإن الرأي في الشرط الجزائي إن كان لعدم التنفيذ فهو جائز، ويأخذ حكم العربون.

2-

وإذا كان الشرط الجزائي لأجل التأخير في التنفيذ فإنه غير جائز، لأنه يكون عندئذ في حكم ربا النسيئة، والله أعلم.

3-

وبهذا نكون قد ميزنا في الشرط الجزائي بين التخلف (عدم التنفيذ) والتأخير. وبهذا تمتنع غرامة التأخير في عقود التوريد وعقود الأشغال. ويخطئ من يظن جوازها في عقود الأشغال، وعلى أساس أن هذه العقود من باب الإجارة، والإجارة لا يدخلها الربا، وقد أجاز بعض العلماء هذا الشرط: إن خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم، وإن خطته غدا فلك نصف درهم.

4-

فلا يجوز للدولة في عقود التوريد والأشغال أن تفرض غرامات تأخير (2) .

(1) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي، ص165.

(2)

انظر إعلاء السنن: 14/474، والجامع في أصول الربا، ص143 و201. مجلة مجمع الفقه الإسلامي – الدورة التاسعة -: 2/235- 236.

ص: 599

8-

حكم الشرط الجزائي:

أرى أن الوفاء بالشرط الجزائي واجب بالضوابط الآتية. فيه سد لأبواب الفوضى والتلاعب بحقوق العباد، وسبب من أسباب الحفز على الوفاء بالوعود والعهود تحقيقا لقوله تعالى:(يأيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود)(المائدة: 1)، وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم:((لا ضرر ولا ضرار)) .

لأن مفهوم الضرر عام وشامل لكل ما يتأذى به المرء في جسمه وماله ونفسه وحقوقه الأخرى التي كفلها له الشارع، وهذا يدل على:

1-

مشروعية الشرط الجزائي لأن ضمان الأضرار الناشئة عن عدم تنفيذ الالتزامات والعقود أو التأخر فيها، إذا كان مشروعا بدلالة العموم الواردة بالحديث، فإن المتعاقدين إذا اتفقوا على هذا الضمان مسبقا في العقد قبل وقوعه جائز لأنه يوافق الشرع.

2-

إن الضرر الناشئ عن ضياع المصلحة من جراء التأخير في تنفيذ الالتزامات والعقود، كضياع مصلحة محققة لعدم قيام المتعهد بتوريد السلعة في الوقت المحدد، أو عدم الوفاء بالالتزام بشحن وتصدير بضاعة في وقت معين (1) .

3-

بقياس الشرط الجزائي على شرط العربون في الصحة وذلك للتشابه فيما بينهما، فكلاهما يتضمن التزام أحد العاقدين بدفع مبلغ من المال عند عدم تنفيذ العقد جزاء على تقصيره وكلاهما يقصد منه سلامة العقود من التلاعب بها، وحث المتعاقد على التنفيذ، وذلك بتخويفه من مغبة عدم التنفيذ، لأن هذا يعرضه لخسارة العربون الذي دفعه وقت العقد، أو دفع المبلغ المتفق عليه في الشرط الجزائي (2) .

4-

والتعزير بالمال أجازه الكثير من العلماء عملا بالآثار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده فقد هدم عليه الصلاة والسلام مسجد الضرار، وأمر بتحريق المتاع للذي غل من الغنيمة وإضعاف الغرم على سارق ما لا قطع فيه من التمر والكثر، وفيها إضعاف العزم على كاتم الضالة، ومصادرة عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – عماله بأخذ شطر أموالهم فقسمها بينهم وبين المسلمين، ومنها أنه رضي الله عنه أراق اللبن المغشوش، قال ابن قيم الجوزية – رحمه الله – وأكثر هذه المسائل شائعة في مذهب الأمام أحمد – رضي الله عنه – وبعضها شائع في مذهب مالك – رضي الله عنه – (3) .

(1) الشرط الجزائي، د. الحموي، ص172، 173.

(2)

المصدر السابق، ص 188.

(3)

تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الحكام، لمحمد بن فرحون المالكي، طبعة دار الكتب العلمية بلبنان: 2/203.

ص: 600

5-

ومع هذا لا بد من بيان الفرق بين الشرط الجزائي والتعزير المالي فالتعزير المالي عقوبة تعزيرية يفرضها القاضي على المدين. والشرط الجزائي تم عن طريق الاتفاق على التعويض بين المتعاقدين بالشرط في العقد، فالتعويض في الشرط الجزائي سببه الإخلال بالعقد وتم تحديده بالشرط فهو من ضمان العقد، وتعويض لضرر لحق بالدائن، فهو حق للعبد من الجوابر التي وجبت لجبر ما فات من حقوق الأفراد المتمثل في جبر الضرر المالي الذي قد يلحق به بسبب عدم تنفيذ التعهدات والالتزامات.

ونتيجة لذلك فإن الشرط الجزائي يجوز التنازل أو العفو أو الإبراء بعد استحقاقه، وكذلك يجوز الصلح عليه باعتباره حقا للعبد، كما أنه يورث بموت صاحبه، ويجوز للورثة المطالبة به برفع الأمر للقضاء.

فالشرط الجزائي ليس من العقوبات التي هي من الزواجر ومن المسؤولية الجنائية، ولا يجوز فيها الصلح أو العفو أو الإبراء لأن الحق فيها للمجتمع وحق الله فيها غالب (1) .

6-

يلزم مراعاة الشرط بقدر الإمكان (مادة 83 من المجلة) فيجب احترام وتنفيذ الشرط المتفق عليه في العقد إذا كان موافقا للشرع، أو لمقتضى العقد وكان تنفيذه ممكنا ومفيدا، والمراد بالشرط هنا الشرط التقييدي لا الشرط التعليقي، والدليل على وجوب احترام الشروط في العقود هو قوله صلى الله عليه وسلم:((المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما)) .

7-

الضرر يزال (مادة 20 من المجلة) ، وإذا وقع الضرر فإن إزالته عمن لحقه لا تكون في بعض الأحيان إلا بالتعويض عليه، لأن معاقبة المتسبب في الضرر قد لا تفيد المضرور شيئا دون التعويض عليه في بعض الأحوال، فالتعويض هو وحده الذي يزيل الضرر عنه (2) .

8-

قد يعترض البعض فيقول: إن الفقه الإسلامي قد حمى الدائن في حالة عدم تنفيذ المدين للالتزام، بكونه شرع التنفيذ الجبري على المدين والتعزير بالحبس. ويرد على ذلك بأن الاعتداء بالتنفيذ الجبري وحده قد لا يكفي لرفع الضرر عن الدائن في جميع الظروف المختلفة، وذلك كما لو ترك الأجير الزرع وتلف، فإن إجباره على السقي أو استئجار غيره على نفقته لن يفيد في رفع الضرر في هذه الحالة، بل يتعين التعويض لإزالة الضرر عندئذ (3) .

(1) المصدر السابق، ص 252.

(2)

الشرط الجزائي، د. الحموي، ص 190-192.

(3)

المصدر السابق، ص209.

ص: 601

9 -

شروط تطبيق الشرط الجزائي للزوم الضمان:

إن ضمان الأموال لا فرق فيه بين العمد والخطأ ولا بين الصغير والكبير.

1-

يجب على المدعي لاستحقاق الضمان إثبات صحة العقد والشرط ولزومه، وإثبات وقوع الضرر على الدائن، وعدم تنفيذ المدين للعقد أو الإهمال أو التعدي.

2-

إن الشرط الجزائي يرتبط عند استحقاقه بالالتزام الذي رصد لضمان تنفيذه ولا يتعداه إلى غيره.

3-

الضرر شرط لوجوب الضمان وعله استحقاقه وشرط للحكم به، فإذا كان الخطأ أو التعدي بعدم تنفيذ الالتزام والعقد، أو التأخر فيه هو السبب للحكم بالتعويض المالي أو الضمان في الشرط الجزائي فإن وقوع الضرر هو العلة المؤثرة في إيجابيه واستحقاقه.

وعلى ذلك لو وجد التعدي أو الفعل الخطأ ولم يوجد الضرر فلا يجب الضمان (1) .

قال البغدادي في مجمع الضمانات: رجل كسر جوز رجل فوجد داخله فاسدا قالوا: لا يضمن (2) .

فلو أثبت المدين انتفاء الضرر سقط الشرط الجزائي ولم يستحق الدائن، وكذلك الأمر إذا وقع الضرر وتدارك المدين قبل الدعوى سقط الشرط الجزائي.

4-

الضرر الموجب للتعويض في الشرط الجزائي، هو الضرر المحقق بأن كان واقعاً فعلاً أو أنه يقع في المستقبل حتماً، فهو في حكم الضرر الواقع حالا كما يجب أن يكون الكسب الذي يعوض، فواته أكيدا لا شك فيه، أما الكسب الاحتمالي المأمول فلا تعويض فيه (3) .

5-

ثم ينبغي أن يكون الضرر الواقع على الدائن نتيجة الفعل الخطأ من المدين، فمجرد وقوع الفعل الخطأ ووقع الضرر لا يكفي لتقرير المسئولية على المدين لأن هذا الضرر قد يقع على الدائن لأسباب أخرى غير الخطأ الواقع من المدين (4) .

6-

أما إذا حصل الضرر بسبب آفة سماوية كحريق غالب أو قحط أو صقيع أو فيضانات أو ريح أو غرق فلا يجب الضمان على المدين لأن القاعدة الفقهية تقول: (ما لا يمكن التحرز عن فعله لا ضمان فيه)(5) .

7-

حتى لو حصل اتفاق واشترط الدائن في العقد مسؤولية المدين بالشرط الجزائي في حالة الآفة السماوية ففي هذه الحالة لا يعتد بالشرط ولا يجب على المدين التعويض عن الضرر لأن ما لا يجب ضمانه لا يصير بالشرط مضمونا، مثل لو شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين المؤجرة في حالة هلاكها بآفة سماوية فإن الشرط باطل ولا يجب الضمان على المستأجر.

وعليه يمكن تلخيص شروط تطبيق الشرط الجزائي على المدين وجود الخطأ أو الإهمال من المدين، وهذا الخطأ سبب ضررا للدائن حقيقيا، أما إذا كان الضرر بغير خطأ المدين كالآفة السماوية أو فعل الدائن أو الغير فلا يضمن المدين.

(1) المصدر السابق، ص 264، 265.

(2)

مجمع الضمانات: أبو محمد البغدادي: 1/348، الطبعة الأولى دار السلام، القاهرة، (1420هـ - 1999م) .

(3)

الشرط الجزائي، د. الحموي، ص268.

(4)

المصدر السابق، ص276.

(5)

مجمع الضمانات: 2/1035.

ص: 602

10-

خصائص الشرط الجزائي:

قدمنا أن المقصود هنا بالشرط: هو الشرط الجعلي، والشروط عقود فلابد فيها من:

1-

الرضا، فالشرط الجزائي يخضع لأحكام العقود عامة فيشترط فيها مشروعيته وأن يكون المال متقوما موجودا أو موصوفا بالذمة وألا يكون محل العقد الأصلي ومحل الشرط الجزائي ماليين ربويين، وعليه يلحق الشرط الجزائي وصف الصحة والبطلان.

2-

غالبا ما يكون الشرط الجزائي ضارا ضررا محضا، وعليه لا يجوز لولي القاصر أو وصيه أن يلتزم بشرط جزائي على القاصر.

3-

الشروط تتبع العقود فإذا بطلت العقود بطلت معها الشروط، وكذلك الشرط الجزائي، لأن العقد الباطل معدوم شرعا وهو معصية، والمعصية لا يجوز أن تكون سببا في النفع أو النعمة.

4-

الشرط الجزائي المالي لا يستحق إلا عند تعذر أو استحالة التنفيذ العيني، ولا يجوز للممدين أن يعرض على الدائن إلا الالتزام الأصلي، فهو ليس التزاما بدليا أو تخييريا فلا يجوز للدائن المطالبة به إلا في حالة امتناع المدين عن تنفيذ الالتزام الأصلي وتعنته أو استحالة التنفيذ العيني أو تعنته في الزمن المتفق عليه (1) .

(1) الشرط الجزائي، ص326 بتصرف.

ص: 603

11-

أمثلة للعقود التي يجوز فيها الشرط الجزائي:

1-

عقد الاستصناع: قد أجاز فيه الشرط الجزائي مجمع الفقه الإٍسلامي الدولي في دورة مؤتمره السابع بالقرار رقم 65/3/7 وقد جاء فيه.

يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطا جزائيا بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة (1) . وعقد الاستصناع هذا ملزم مثل عقد المقاولة المشهور في القوانين الوضيعة، لأن المادة والعمل من طرف، والأجرة والثمن من الطرف الآخر الثاني، لكن يجب ربط مقدار الشرط الجزائي بالضرر الفعلي من نتيجة التأخير أو ارتفاع أو تغير الأسعار أو الضرر من الإخلال بالمواصفات التي تفوت المنفعة على المشترط فلا يتحقق الانتفاع من المبنى على المستوى المطلوب.

2-

عقد البيع بالتقسيط: وكذلك أصدر مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره السادس بجدة القرار رقم 51/2/6:

خامسا: يجوز شرعا أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها ما دام المدين رضي بهذا الشرط عند التعاقد (2) .

3-

عقد البيع: إذا كان المبيع عينا له منفعة كالعقارات والآلات، فيجوز للمشترى أن يشترط على البائع إذا لم يسلم المبيع في الوقت المحدد، فعليه كذا عن كل يوم تأخير، وهذا من قبيل التعويض عن المنافع في الأجرة.

4-

الاعتماد المستندي: تشترط المصارف إذا ألغى العميل استيراد البضاعة، وقد فتح له البنك اعتمادا وخاطب وكيله في بلد البضاعة، تشترط المصارف في حالة الإلغاء أن يتحمل العميل تكاليف فتح الاعتماد ولا أرى مانعا من هذا الشرط، وهذا ما جاء في قرارات المجمع رقم (40-41) في دورة مؤتمره الخامس (1998م) في فقرة:(ثانيا) .

5-

عقد الشركة والإجارة: لو أدخل الشريك أو الأجير في استمرارية العقد واشترط المؤجر عليه شرطا جزائيا وجب الشرط الجزائي على المشروط عليه إذا لحق الشارط ضررا، وكذلك كل العقود المستمرة التي لها صفة الاستمرار، أي التي يستغرق تنفيذها مدة ممتدة من الزمن، بحيث يكون الزمن عنصرًا أساسيًا في تنفيذها (العقود الزمنية) .

6-

عقد المناقصة: يجوز في الشرط الجزائي مع ربطه بالضرر الفعلي. أما شرط الغرامة المالية على المشتري إذا تأخر عن سداد الثمن فإنه غير جائز لأنه ربا ولكن يجوز هذا الشرط إذا ترك الشراء اعتباراً بالعربون، وكذلك يجوز الشرط الجزائي على البائع إذا أخل بالبيع.

7-

عقود التعهدات والتوريد: بتقديم المواد الأولية للمصانع كالحبوب الغذائية للمصانع الغذائية، والبلاستيكية لمصانع البلاستيك، ولوازم الدوائر الحكومية والشركات والمعامل والمدارس والملابس العسكرية للثكنات. . .، يجوز الشرط الجزائي على المشروط عليه إذا لحق الشارط ضررا فعليا بسبب إخلال أو إهمال المشروط عليه ما لم يكن الالتزام الأصلي فيها من المثليات (الديون) .

وكذلك عقود النقل وعقود العمل ما دام الشرط لا يخالف الشرع، فلا يحل حراما ولا يحرم حلالا.

(1) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي، ص145.

(2)

المصدر السابق، ص110.

ص: 604

12-

أمثلة لا يجوز فيها الشرط الجزائي:

1-

عقد القرض: لا يجوز أن يشترط المقرض على المستقرض أن يدفع مبلغا من المال زيادة، فالشرط الجزائي في عقد القرض باطل لأنه ربا وكذلك الأمر في حالة القرض المستتر في شكل بيع أو تعاقد آخر، فكل شرط في عقد القرض يجر نفعا ربا، سواء كان النفع زيادة في القدر أو زيادة في الصفة.

2-

عقد البيع بالتقسيط: قرر مجلس الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره السادس في قراره برقم 51/2/6 بشأن البيع بالتقسيط جاء فيه:

1-

إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين، بشرط سابق أو بدون لأن ذلك ربا محرم.

2-

يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط ومع ذلك لا يجوز شرعا اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء (1) .

3-

عقد التسلم: وكذلك قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره التاسع القرار 85/2/9 بشأن السلم وتطبيقاته المعاصرة جاء فيه:

ز- لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عن التأخير.

13-

سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي:

قواعد الفقه الإسلامي التي توجب العدل والإنصاف، ورفع الظلم والضرر، وتحرم الاستغلال والربا وأكل أموال الناس بالباطل، تشكل الأساس الكافي المبرر لسلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي أو إنهائه، إذا أدى تطبيق هذا الشرط إلى الخروج عن مهمته كتعويض عن الضرر الذي أصاب الدائن، ليلحق بالمدين الضرر والظلم، ويجعله عرضه للاستغلال.

وتكون سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي ضرورة لمواجهة أشكال التعسف والظلم، أو اختلال التوازن بين الالتزامات العقدية، أو لمواجهة الإثراء بلا سبب الذي قد يسببه الشرط الجزائي في بعض الحالات (2) .

ويقول عليه الصلاة والسلام: ((لا ضرر ولا ضرار))

والقاعدة الفقهية المأخوذة منه (الضرر يزال)(3) .

(1) المصدر السابق، ص109، 110.

(2)

الشرط الجزائي، د. الحموي، ص 344.

(3)

المدخل الفقهي للشيخ الزرقا: 2/1080.

ص: 605

قرارات

مجلس المجمع الفقهي الإسلامي

المنعقد بمكة المكرمة في الفترة من (8-16) ربيع الثاني

سنة (1402هـ) الدورة الخامسة

القرار السابع

14-

بشأن الظروف الطارئة وتأثيرها في الحقوق والالتزامات العقدية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه. أما بعد:

فقد عرض على مجلس المجمع الفقهي الإسلامي مشكلة ما قد يطرأ بعد إبرام عقود التعهد ونحوها من العقود ذات التنفيذ المتراخي في مختلف الموضوعات من تبدل مفاجئ في الظروف والأحوال ذات التأثير الكبير في ميزان التعادل الذي بنى عليه الطرفان المتعاقدان حساباتهما فيما يعطيه العقد كلا منها من حقوق وما يحمله إياه من التزامات، مما يسمى اليوم في العرف التعاملي (بالظروف الطارئة) .

وقد عرضت مع المشكلة أمثلة لها من واقع أحوال التعامل وأشكاله توجب التفكير في حل فقهي مناسب عادل يقضى على المشكلة في تلك الأمثلة ونظائرها الكثيرة. فمن صور هذه المشكلة الأمثلة التالية:

1-

لو أن عقد مقاولة على إنشاء بناية كبيرة يحتاج إنشاؤها إلى مدة طويلة تم بين طرفين، وحدد فيه سعر المتر المكعب من البناء وكسوته بمبلغ مائة دينار مثلا، وكانت كلفة المواد الأولية من حديد وإسمنت وأخشاب وسواها وأجور عمال تبلغ عند العقد للمتر الواحد ثمانين دينارا فوقعت حرب غير متوقعة أو حادث آخر خلال التنفيذ قطعت الاتصالات والاستيراد وارتفعت بها الأسعار ارتفاعا كبيرا يجعل الالتزام مرهقا جدا.

ص: 606

2-

لو أن متعهدا في عقد توريد أرزاق عينية يوميا من لحم وجبن ولبن وبيض وخضراوات وفواكه ونحوها إلى مستشفى أو إلى جامعة فيها أقسام داخلية، أو إلى دار ضيافة حكومية، بأٍسعار اتفق عليها في كل صنف لمدى عام. فحدثت جائحة في البلاد أو طوفان أو فيضان أو زلزال. أو جاء جراد جرد المحاصيل الزراعية. فارتفعت الأسعار إلى أضعاف كثيرة عما عليه عند عقد التوريد، إلى غير ذلك من الأمثلة المتصورة في هذا المجال.

فما الحكم الشرعي الذي يوجبه فقه الشريعة في مثل هذا الأحوال التي أصبحت كثيرة الوقوع في العصر الحاضر الذي تميز بالعقود الضخمة بقيمة الملايين، كالتعهد مع الحكومات مات في شق الطرق الكبيرة وفتح الأنفاق في الجبال ، وإنشاء الجسور العظيمة، والمجمعات لدوائر الحكومة أو للسكنى، والمستشفيات العظيمة أو الجامعات، وكذا المقاولات التي تعقد مع مؤسسات أو شركات كبرى لبناء مصانع ضخمة، ونحو ذلك مما لم يكن له وجود في الماضي البعيد.

فهل يبقى المتعاقد الملتزم على حدود عقده وأسعاره قبل تبدل الظروف وطروء التغييرات الكبيرة المشار إليها مهما تكبد في ذلك من خسائر ماحقه أو ساحقة، تمسكا بمقتضى العقد وحدوده في الأسعار والكميات ، أو له مخرج وعلاج من فقه الشريعة الحكيمة السمحة العادلة يعيد كفتى الميزان إلى التعادل، ويحقق الإنصاف بقدر الإمكان بين الطرفين؟

وقد نظر مجلس المجمع في النظائر الفقهية ذات الصلة بهذا الموضوع من فقه المذاهب واستعرض قواعد الشريعة ذات العلاقة مما يستأنس به ويمكن أن يوصى بالحكم القياسي والاجتهاد الواجب فقها في هذا الشأن كما رجع إلى آراء فقهاء المذاهب فوجد ما يلي:

1-

إن الإجارة يجوز للمستأجر فسخها بالطوارئ العامة التي يتعذر فيها استيفاء المنفعة كالحرب ونحو ذلك. بل الحنفية يسوغون فسخ الإجارة أيضا بالأعذار الخاصة بالمستأجر ، مما يدل على أن جواز فسخها بالطوارئ العامة مقبول لديهم أيضا بطريق الأولوية فيمكن القول إنه محل اتفاق. وذكر ابن رشد في بداية المجتهد (2/192 من طبعة الخانجي الأولى بالمطبعة الجمالية بمصر) تحت عنوان:(أحكام الطوارئ) أنه: (عند مالك أن أرض المطر (أي البعلية التي تشرب من ماء السماء فقط) إذا كريت فمنع القحط من زراعتها ، أو إذا زرعها المكتري فلم ينبت الزرع لمكان القحط (أي بسببه) أن الكراء ينفسخ، وكذلك إذا استعذرت بالمطر حتى انقضى زمن الزراعة فلم يتمكن المكتري من زرعها) انتهى كلام ابن رشد.

ص: 607

2-

وذكر ابن قدامة المقدسي في كتاب الإجارة من المغني (المطبوع مع الشرح الكبير: 6/30) إنه: (إذا حدث خوف عام يمنع من سكنى ذلك المكان الذي فيه العين المستأجرة، أو تحصر البلد فامتنع الخروج إلى الأرض المستأجرة للزرع أو نحو ذلك ، فهذا يثبت للمستأجر خيار الفسخ لأنه أمر غالب يمنع المستأجر من استيفاء المنفعة. فأما إذا كان الخوف خاصا بالمستأجر، مثل أن يخاف وحده لقرب أعدائه.. . . لم يملك الفسخ، لأنه عذر يختص به لا يمنع استيفاء المنفعة بالكلية فأشبه مرضه) .

3-

وقد نص الإمام النووي – رحمه الله – في روضة الطالبين (5/239) أنه لا تنفسخ الإجارة بالأعذار، سواء أكانت إجارة عين أم ذمة ، وذلك كما إذا استأجر دابة للسفر عليها فمرض ، أو حانوتا لحرفة فندم. أو هلكت آلات تلك الحرفة أو استأجر حماما فتعذر الوقود. قال النووي: وكذا لو كان العذر للمؤجر بأن مرض وعجز عن الخروج مع الدابة، أو أكرى داره وكان أهله مسافرين فعادوا واحتاج إلى الدار أو تأهل قال: فلا فسخ في شيء من ذلك ، إذ لا خلل في المعقود عليه. اهـ.

4-

ما يذكره العلماء – رحمهم الله – في الجوائح التي تجتاح الثمار المبيعة على الأشجار بالأسباب العامة كالبرد والجراد وشدة الحر والأمطار والرياح ونحو ذلك مما هو عام حيث يقررون سقوط ما يقابل المهالك بالجوائح من الثمن وهي قضية الجوائح المشهورة في السنة والفقه.

5-

ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في مختصر الفتاوى (ص376) : إن من استأجر ما تكون منفعة إجارته لعامة الناس، مثل الحمام والفندق والقيسارية، فنقصت المنفعة المعروفة لقلة الزبون أو الخوف أو حرب أو تحول سلطان ونحوه فإنه يحط عن المستأجر من الأجرة بقدر ما نقص من المنفعة.

ص: 608

6-

وقال ابن قدامة أيضا في الصفحة (29) من الجزء السابق الذكر نفسه: (ولو استأجر دابة ليركبها أو يحمل عليها إلى مكان معين، فانقطعت الطريق إليه لخوف حادث ، أو اكترى إلى مكة فلم يحج الناس ذلك العام من تلك الطريق، فلكل واحد منهما فسخ الإجارة وإن أحب إبقاءها إلى حين إمكان استيفاء المنفعة جاز) .

وقال الكاساني من فقهاء الحنفية في الإجارة من كتاب بدائع الصنائع (4/197) : (إن الفسخ في الحقيقة امتناع من التزام الضرر، وإن إنكار الفسخ عند تحقق العذر خروج عن العقل والشرع، لأنه يقتضي أن من اشتكى ضرسه، فاستأجر رجلا لقلعها، فسكن الوجع يجبر على القلع، وهذا قبيح عقلا وشرعا) .

هذا وقد ذكر فقهاء المذاهب في حكم الأعذار الطارئة في المزارعة والمساقاة والمغارسة شبيه ما ذكروا في الإجارة.

7-

قضى رسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده، وقرر كثير من فقهاء المذاهب في الجوائح التي تجتاح الثمار ببرد أو صقيع، أو جراد، أو دودة، ونحو ذلك من الآفات، أنها تسقط من ثمن الثمار التي بيعت على أشجارها ما يعادل قيمة ما أتلفته الجائحة، وإن عمت الثمر كله تسقط الثمن كله.

8-

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه: ((لا ضرر ولا ضرار)) . وقد اتخذ فقهاء المذاهب من قوله هذا قاعدة فقهية اعتبروها من دعائم الفقه الكبرى الأساسية وفرعوا عليها أحكاما لا تحصى في دفع الضرر وإزالته في مختلف الأبواب.

ومما لا شك فيه أن العقد الذي يعقد وفقا لنظامه الشرعي يكون ملزما لعاقديه قضاء، عملا بقوله تعالى في كتابه العزيز:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة: 1) .

ولكن قوة العقد الملزمة ليست أقوى من النص الشرعي الملزم للمخاطبين به كافة، وقد وجد المجمع في مقاييس التكاليف الشرعية، ومعايير حكمة التشريع أن المشقة لا ينفك عنها التكليف عادة بحسب طبيعته، كمشقة القيام في الصلاة، ومشقة الجوع والعطش في الصيام، لا تسقط التكليف، ولا توجب فيه التخفيف، ولكنها إذا جاوزت الحدود الطبيعية للمشقة المعتادة في كل تكليف بحسبه، أسقطته أو خففته. كمشقة المريض في قيامه في الصلاة ومشقته في الصيام وكمشقة الأعمى والأعرج في الجهاد، فإن المشقة المرهقة عندئذ بالسبب الطارئ الاستثنائي توجب تدبيرا استثنائيا بدفع الحد المرهق منها، وقد نص على ذلك وأسهب في بيانه، وأتى عليه بكثير من الأمثلة من أحكام الشريعة الإمام أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله في كتابه (الموافقات في أصول الشريعة) .

فيتضح من ذلك أن الخسارة المعتادة في تقلبات التجارة لا تأثر لها في العقود لأنها من طبيعة التجارة وتقلباتها التي لا تنفك عنها، ولكنها إذا جاوزت المعتاد المألوف كثيرا بمثل تلك الأسباب الطارئة الآنفة الذكر توجب عندئذ تدبيرا استثنائيا.

ص: 609

ويقول ابن القيم – رحمه الله – في كتابه (أعلام الموقعين) :

(إن الله أرسل وأنزل كتبه بالعدل الذي قامت به السموات والأرض وكل أمر أخرج من العدل إلى الجور، ومن المصلحة إلى عكسها فليس من شرع الله في شيء وحيثما ظهرت دلائل العدل وسفر وجهه فثم شرع الله وأمره) . وقصر العاقدين إنما تكشف عنه وتحدده ظروف العقد، وهذا القصر لا يمكن تجاهله والأخذ بحرفية العقد مهما كانت النتائج، فمن القواعد المقررة في فقه الشريعة أن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني.

ولا يخفى أن طريق التدخل في مثل تلك الأحوال المعروضة آنفا في العقود المتراخية التنفيذ لأجل إيجاد الحل العادل الذي يزيل الجور إنما هو من اختصاص القضاء. ففي ضوء هذه القواعد والنصوص المعروضة التي تنير طريق الحل الفقهي السديد في القضية المستجدة الأهمية، يقرر الفقه الإسلامي ما يلي:

1-

في العقود المتراخية التنفيذ (كعقود التوريد والتعهدات والمقاولات) إذا تبدلت الظروف التي تم فيها التعاقد تبدلا غير الأوضاع والتكاليف والأسعار تغييرا كبيرا بأسباب طارئة عامة لم تكن متوقعة حين التعاقد، فأصبح بها تنفيذ الالتزام العقدي يلحق بالملتزم خسائر جسيمة غير معتادة من تقلبات الأسعار في طرق التجارة، ولم يكن ذلك نتيجة تقصيرا أو إهمال من الملتزم في تنفيذ التزاماته، فإنه يحق للقاضي في هذه الحال عند التنازع وبناء على الطلب تعديل الحقوق والالتزامات العقدية بصورة توزع القدر المتجاوز للمتعاقد من الخسارة على الطرفين المتعاقدين، كما يجوز له أن يفسخ العقد فيما لم يتم تنفيذه منه إذا رأى أن فسخه أصلح وأسهل في القضية المعروضة عليه وذلك مع تعويض عادل للملتزم له صاحب الحق في التنفيذ، يجبر له جانبا معقولا من الخسارة التي تلحقه من فسخ العقد بحيث يتحقق عدل بينهما دون إرهاق للملتزم، ويعتمد القاضي في هذه الموازنات جميعا رأي أهل الخبرة الثقات.

ص: 610

2-

ويحق للقاضي أيضا أن يمهل الملتزم إذا وجد أن السبب الطارئ قابل للزوال في وقت قصير، ولا يتضرر الملتزم له كثيرا بهذا الإمهال.

هذا وإن مجلس المجمع الفقهي يرى في هذا الحل المستمد من أصول الشريعة تحقيقا للعدل الواجب بين طرفي العقد، ومنعا للضرر المرهق لأحد العاقدين بسبب لابد له فيه، وأن هذا الحل أشبه بالفقه الشرعي الحكيم، وأقرب إلى قواعد الشريعة ومقاصدها العامة وعدلها ، والله ولي التوفيق.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه

وعليه تمثل سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي مطلبا ملحا لمواجهة كل أشكال الظلم أو التعسفات التي قد يتسبب الشرط الجزائي فيها، لأن هذا الشرط كثيرا ما يستخدم لغير ما شرع له كأداة للاستغلال والحصول على بعض الأموال دون مقابل، مما يتعارض مع مبدأ العدالة والإنصاف الذي يجب أن يسود المعاملات، والذي حرصت أحكام الفقه الإسلامي على إقامة أحكامها عليه، كما يتعارض مع حرمه أكل أموال الناس بالباطل.

ص: 611

15-

خلاصة البحث

1-

الشروط الجعلية التي يشترطها أحد العاقدين أو كلاهما الأصل فيها الإباحة ومنها الشرط الجزائي بالضوابط التي سبق بيانها، ما لم تخل بمقاصد العقود التي جاءت لحفظ النظام العام والعدل والتوازن ومنع التغابن.

2-

الشرط الجزائي من المسؤولية العقدية وهو تعويض عن ضرر فعلي نشأ عن عدم تنفيذ المدين ما التزم به بناء على العقد.

3-

الشرط الجزائي المباح هو: الخالي من الربا والغرر وأي محظور شرعي.

4-

أساس التعويض مقابلة المال بالمال فإذا قوبل المال بغير المال كان أكلا للربا وهو حرام، أما إذا كان التعويض عن ضرر فعلي لحق الشارط فجائز.

5-

لا يجوز الشرط الجزائي في العقود التي الالتزام الأصلي فيها دين.

6-

لا يجوز الشرط الجزائي في الأضرار الأدبية والمعنوية.

7-

لا يجوز اشتراط ما يسمى (تعويض الربحية) الذي يشترطه بعض البنوك الإسلامية أو غرامات التأخير في البنوك لأن الحقوق فيها كلها ديون، وليست أعيانا التي منافعها الزمنية معتبرة.

فشرط الربحية ذريعة إلى الربا لأنه يطلب المدين من البنك التأجيل وقد وضع الشرط الجزائي على التأجيل.

8-

لا اعتبار للشرط الجزائي في الضرر الذي سببه الآفات السماوية أو لم يلحق الدائن ضرر.

9-

إذا رغب أحد الطرفين الاستعانة بالقضاء فيجوز للمحكمة تعديل مقدار التعويض.

10-

أعرض نتائجي هذه على مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي الموقر، والفتوى لما يقرره مجلسه الكريم والله الموفق.

ص: 612

الخاتمة

لعلى قد يسرت فقه هذه الشريعة السمحة للعلم والعمل، راجيا الله تعالى أن يغفر لي خطئي وتقصيري.

ورحم الله العماد الأصفهاني في قولته المشهورة.

إني رأيت ألا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده:

لو غير هذا لكان أحسن!.

ولو زيد هذا لكان يستحسن!.

ولو قدم هذا لكان أفضل!.

ولو ترك هذا لكان أجمل!.

وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على كافة البشر.

وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.

ص: 613