الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخوخة
مصير. . . وتحديات
إعداد
الدكتور حسان شمسي باشا
استشاري أمراض القلب
في مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الشيخوخة واحدة من أهم المشكلات التي تواجه الإنسان في العصر الحديث، فمع تقدم الطب وعلومه واستعمال العقاقير الحديثة، أصبح بالإمكان القضاء على كثير من الأمراض، وتقدمت سبل الوقاية من الأمراض، مما أدى إلى رفع معدل العمر الوسطى للإنسان، وازدياد عدد المسنين زيادة كبيرة، وباتوا يشكلون نسبة هامة من المجتمعات لها مشاكلها وهمومها وآثارها على المجتمع، واحتلت الشيخوخة مكانًا بارزًا في لائحة اهتمامات الأمم والشعوب والحكومات، إلا أن الدول النامية، ومنها عالمنا العربي والإسلامي، لم يعط اهتمامه الكافي بعد لهذه المشكلة الهامة، وهذا أمر مؤسف للغاية، إذا لا نكاد نرى دراسة أو بحثًا جدّيًا موجهًا نحو هذا الموضوع، في الوقت الذي أخذ فيه هذا الموضوع من اهتمامات الدول المتقدمة حيزًا كبيرًا، فوُضعت للشيخوخة برامج وخطط حكومية، وأجريت حولها البحوث والدراسات، وأقيمت لأجلها المشافي والدور الخاصة، وتفردت الشيخوخة باختصاص متميز يختص به الأطباء في العديد من دول العالم يسمى:(طب الشيخوخة) .
ولعل السبب في عدم الانتباه لموضوع المسنين والانشغال عنهم، هو ما يجده المسنون في المجتمعات الشرقية من الرعاية والاحترام والعناية من قبل العائلة، بحيث لا يشكلون مشكلة اجتماعية كبيرة، ولا يزالون قادرين على لعب دورهم الاجتماعي في الحياة، في ظل التعاليم السماوية والعادات والتقاليد التي تجلهم وتدعو لاحترامهم.
ولكن اتجاه مجتمعنا نحو التصنيع، وتأثير العلم والتكنولوجيا عليه، وما بدأ يظهر من هجرة سكان الريف إلى المدينة، وتضخم المدن وما يظهر من تغيرات في العادات والتقاليد، وبداية تفكك الروابط الأسرية والأواصر العائلية، كل هذا يجب أن يحفزنا على الإعداد الكافي لمواجهة ما قد يلاقينا من مشاكل مستقبلية في هذا المجال.
ما هي الشيخوخة؟
تظهر الشيخوخة عند الناس بشكل تدريجي، وتختلف سرعة ظهورها من إنسان لآخر، مما يجعل العمر الحيوي مختلفًا مع العمر الزمني. ففي حين نجد بعض الناس شيوخًا عاجزين في سن الستين، نجد آخرين شبانًا نسبيًا في الثمانين من العمر.
ولهذا فإن المعايير التي تصنف الأشخاص المسنين كجماعات وزمر معينة حسب العمر، كأن نقول: إن الشيخوخة تبدأ بعد عمر (60) سنة أو (70) سنة، إنما هي معايير غير دقيقة علميًّا وواقعيًّا، ومن الأفضل استخدام مصطلح (المسنين أو المعمرين) للتعبير عن الأمور الوظيفية والتغيرات الحيوية في الجسم، بدلًا من الترتيب الزمني والعمر بالسنين. ومن الأفضل أن نقسم الشيخوخة إلى شيخوخة زمنية، وشيخوخة عضوية وحيوية، وشيخوخة نفسية.. إلخ.
من هو المسن؟
حتى زمن قريب لم يكن هنا عدد من المئويين (وهم الذين تبلغ أعمارهم مائة أو تزيد) يكفي لاعتبارهم مجموعة منفصلة عن بقية المسنين، أما الآن فقد أدت الزيادة الكبيرة في أعدادهم لجعل أكبر الهيئات العالمية المتخصصة في شؤون السكان، وهي قسم السكان التابع للأمم المتحدة، تعيد صياغة تعريفاتها المعتمدة، فاصطلاح (المسن Elderly) يعني الآن ذلك الشخص الذي يبلغ الخامسة والثمانين من العمر أو أكثر، وليس الخامسة والستين كما كان يشير إليه التعريف منذ زمن قريب.
ففي عام (1998م) كما يقول التقرير المذكور، كان هناك نحو (135) ألف شخص في جميع أنحاء العالم يُقدّر أن أعمارهم تبلغ المائة أو تزيد، ومن المتوقع أن يزيد عدد المئويين ستة عشر ضعفًا بحلول عام (2050م) ، ليصل إلى (2.2 %) مليون شخص.
وقد انخفضت المعدلات الكلية للوفيات في أغلب بلدان العالم خلال القرن العشرين، وأسهم في تحقيق هذه النتيجة العديد من العوامل المتشابكة، مثل تحسين مستويات الصحة العامة والتغذية، بالإضافة إلى التقدم الذي تحقق للبشرية في مجال الطب، مثل استخدام المضادات الحيوية واللقاحات المضادة للأمراض المعدية، ويساعد التطور الاقتصادي، بصورة عامة على بقاء الناس على قيد الحياة لفترات أطول.
والنساء يعشن بصورة عامة لفترات أطول من الرجال، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى وجود امرأتين لكل رجل فوق سن الثمانين، أما بين المئويين، فترتفع تلك النسبة إلى أربع نساء لكل رجل (1) .
ويرى العلماء أنه مع ازدياد أعداد المئويين، فلن يصبحوا عبئًا ثقيلًا على اقتصاد البلدان التي يعيشون فيها، فعلى العكس من النظريات السائدة لتفسير الشيخوخة، فالكثير من الأشخاص في أواخر التسعينات من أعمارهم أو يزيد، يعيشون حياة فاعلة وصحية. وإذا كان هؤلاء يمثلون مجموعة (البقاء للأصلح) ، فربما حان الوقت لكي ننبذ مفاهيمنا السابقة عن أكبر المعمرين في مجتمعنا المعاصر.
(1) المئويون قادمون، د. إيهاب عبد الرحيم محمد، العربي، سبتمبر 1999م.
ومن المتوقعات التي أذيعت بمناسبة العام الدولي للمسنين (1999م) أن يزيد عدد سكان العالم بنسبة (50 %) خلال العشرين عامًا القادمة، ولكن الشيوخ سوف يزيدون بنسبة أكبر هي (75 %) ليصلوا حينذاك عام (2020م) إلى ألف مليون نسمة، في مقابل (580) مليونًا في الوقت الراهن. وتفسير ما يجري من تغيرات في التركيبة السكانية للعالم ليس صعبًا، فكثير من الدول تسعى لتقليل الخصوبة أي القدرة على الإنجاب، وتبدل الميول عند الرجال والنساء في عدد من الدول تجاه الأسرة الكبيرة، كل ذلك جعل العالم أمام إخصاب أقل.
والإنسان نتيجة لتحسن الصحة والمعيشة يعيش أكثر، فمتوسط العمر المتوقع حاليًا هو (66) سنة، يرتفع فوق السبعين لبلدان مثل: السعودية، وقطر، والبحرين ، وكندة، والصين، والولايات المتحدة. وينخفض إلى الخمسين في إفريقية جنوب الصحراء.
وكان الاعتقاد السائد أن كبار السن يتركزون في الدول المتقدمة حيث يتوافر مستوى صحي مرتفع، إلا أن إحصائيات منظمة الصحة العالمية التي صدرت هذا العام (1999م) أكدت أن (60 %) من المسنين (أي 355 مليون شخص) هم من أبناء الدول النامية، وسوف يتضاعف عددهم بحلول عام (2020م) . وكان الاعتقاد السائد أن كل المسنين سواء، تتدهور أحوالهم الصحية، وتتراجع كفاءتهم الذهنية، وتقل قدرتهم على العمل، لكن الأبحاث تشير إلى أنه بينما يتقارب الصغار في صفاتهم الصحية، فإن صحة المسنين ترتبط بعوامل كثيرة: فهي انعكاس لمسيرة حياة طويلة، فالذين دخنوا عشرات السنين، أو الذين تعاطوا الخمور لسنوات طويلة، أو من لم يحصلوا على تغذية صحية، كل هؤلاء تختلف حالتهم الصحية عن غيرهم (1) .
(1) وهم الشيخوخة محمود المراغي، العربي، العدد (490) ، سبتمبر 1999م، ص 76.
التغيرات الفسيولوجية في الشيخوخة:
الشيخوخة عبارة عن تطور طبيعي وبيولوجي يحدث في أجهزة الجسم المختلفة مع تقدم السن. وحتى وقت قريب كان الناس والعلماء منهم ينظرون إلى الشيخوخة على أنها حدث لا يمكن أن نتجنبه أو نؤخر حدوثه ومضاعفاته، فالمسن ينظر إليه الناس على أنه إنسان عديم الفائدة للمجتمع، فلم يعد له دور يلعبه، وأكثر من ذلك فهو يحتاج لمن يرعاه ويأخذ بيده، فيكون بذلك عالة على الآخرين.
إلا أن الدراسات الحديثة أكدت أن هناك أشخاصًا بلغوا سن المائة وأكثر، وهم في حالة صحية جيدة سواء من الناحية الذهنية أو البدنية، ولا يعانون من أية أمراض عضوية. ومن الطبيعي أن نجد في الشيخوخة ومع تقدم العمر نقصًا في نشاط بعض أنزيمات الجسم، واضطرابًا في توازن بعض العناصر مثل الصوديوم والبوتاسيوم والكلور داخل وخارج الخلية. لذلك من الحكمة أن يقلل المعمر من ملح الطعام في أكله، كما يقلل تناول السكريات بصفة عامة، حيث يقل إفراز الإنسولين بنسبة تتراوح بين (7 – 10 %) .
وأثبتت الأبحاث أن هناك انخفاضًا في مناعة المسن، حيث تنخفض قدرة نخاع العظم وهو المصنع الذي تصنع فيه خلايا الجهاز المناعي، لذلك يجب على المسنين أن يزيدوا من حرصهم على ألا يلتقطوا العدوى من الآخرين؛ لأن كفاءة الجهاز المناعي في تكوين الأجسام المضادة للميكروبات تقل (1) .
وتنتاب المسنين انفعالات ومخاوف عديدة، ربما كان من أهمها الشعور بالخوف ومواجهة النكران، والخوف من أن يخذل الجسد صاحبه ولا يقوى على حمله فيعوزه إلى الآخرين، والأقسى من ذلك أن يضعف الإنسان عقليًا، عندما تخونه ذاكرته، فلا يستطيع أن يتكلم بوضوح أو يعبر عما يريد.
والحقيقة أن الإحساس بالكبر والشيخوخة إنما هو إحساس نسبي، فنحن نشعر أننا نكبر من خلال تغيرات جسدية ومظهرية، عندما يغزو الشعر الأبيض الرأس وتظهر تجاعيد الوجه، ويعجز الإنسان عن عمل أشياء كان يفعلها بسهولة في سن الشباب.
وكثير من الناس يخشون من العجز والشيخوخة أكثر من خشيتهم للموت نفسه. وكم يقع المسن في حرج بالغ عندما يرى أحد أقاربه ولا يتذكر اسمه، وعندما يسأل ولا يستطيع الإجابة، أو عندما لا يستطيع حمل حاجياته بنفسه.
وربما كانت الكلمة التي قالها أحد المعمرين في عيد ميلاده الخامس والثمانين خير تعبير عن التغيرات التي تحدث للمسن حين قال:
" طالما أنني جالس فأنا لا أشعر إطلاقًا بتقدمي في العمر، ولكن عندما أقف وأنظر في المرآة وأحاول أن أمشي، أدرك أنني أصبحت شيخًا عجوزًا ".
(1) شباب بلا شيخوخة، د. عبد الهادي مصباح، ص 43 – 48 بتصرف.
الطعام. . والشيخوخة:
لعل من أهم النتائج التي توصلت إليها الأبحاث العلمية الحديثة هي أن الإسراف في تناول الأطعمة المختلفة، سواء من حيث الكم أو الكيف، هو من أهم العوامل التي تؤدي إلى تدهور صحة الإنسان، وإصابته بالعديد من الأمراض التي تذبل زهرة شبابه، وتصيبه بأعراض الشيخوخة المبكرة.
وقد حث الإسلام على عدم الإسراف في الطعام والشراب، فقال تعالى:
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31] . وفي الحديث المشهور يقول صلى الله عليه وسلم:
((ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلًا: فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه)) (1) .
وهذا ما توصلت إليه الدراسات العلمية الحديثة، في أن الإقلال من كمية الطعام والإقلال من كمية الطاقة الزائدة عن احتياجات الجسم، هو في الحقيقة سر صحة الإنسان واحتفاظه بشبابه، وتأخر حدوث الشيخوخة وأمراضها.
(1) رواه أحمد والترمذي.
الضغوط النفسية والانفعالات تعجل بالشيخوخة:
أثبتت الدراسات العلمية أن التعرض الشديد للانفعالات النفسية والضغوط النفسية هو أحد العوامل التي تعجل بظهور أعراض الشيخوخة.
فالتوتر النفسي والاكتئاب يؤثر على الجهاز المناعي عند الإنسان، مما يجعله أكثر عرضة للإصابة بالعديد من الأمراض، بدءًا من الإنفلونزا وقرحة المعدة وتشنج القولون، وحتى احتمال إصابته بالسرطان.
وقد أشارت الدراسات العلمية إلى أن الانفعالات المزمنة والحرمان العاطفي وعدم قدرة الإنسان على التكيف مع هذه الأمور، هي من العوامل التي تؤدي إلى الإصابة بالسرطان.
فوفاة أحد الزوجين بعد ملازمته لها لفترة طويلة تزيد من نسبة حدوث أمراض عديدة عند الشريك الباقي على قيد الحياة (1) .
كما وجد الباحثون أن الطلاق أيضًا يؤثر على كفاءة الجهاز المناعي نتيجة الحالة النفسية السيئة التي تتبعها، وخصوصًا بين الزوجين اللذين كانا يحبان بعضهما البعض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أبغض الحلال عند الله الطلاق)) (2) .
وبينت الدراسات أن نسبة حدوث الوفيات والأمراض الخطيرة التي تؤدي إليها مثل السرطان والاكتئاب وغيرها، تزيد ثلاثة أضعاف عند الأشخاص الذين يعيشون في عزلة عن المجتمع وليس لهم أقارب أو أصدقاء، وهذا ما يحدث عند كثير من المسنين.
يقول أحد الأطباء: "إن الانفعال لا يقتل، ولكن الذي يقتل هو عدم المقدرة على التكيف مع أسباب الانفعال، وعدم تقبلنا له ".
ومن هنا ندرك سر قول الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155] .
وندرك سر وصية الرسول عليه الصلاة والسلام، لمن جاءه يقول: أوصني يا رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام:((لا تغضب)) .
فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحذرنا أن الغضب لا يسبب العديد من المشاكل الآنية فحسب، بل إنه سبيل من سبل تدمير أجهزة الجسم.
(1) The anti aging plan R. Walford 1999.
(2)
رواه أبو داود.
هل تختلف أمراض المسنين عن المسنات:
النساء المسنات أكثر عرضة للإصابة بتخلخل العظام ومرض السكر وارتفاع ضغط الدم والتهاب المفاصل، وكثيرًا ما يؤدي ذلك إلى نقص الحركة عند المسنات.
وتقول تقارير منظمة الصحة العالمية إن الرجال أكثر تعرضًا للإصابة بأمراض القلب والدماغ، وهي أمراض تتعرض لها النساء أيضًا.
وبالرغم من أن النساء أطول عمرًا، إلا أن متاعبهم الصحية قد تكون أكثر.
ما هي التغيرات الشائعة المترافقة مع تقدم العمر؟
1-
النقص الوظيفي في جهاز عضوي أو أكثر من الجسم، وربما يكون أكثرها وضوحًا فقدان الذاكرة، ونقص القدرة البصرية، وضعف السمع، وازدياد الحدب، والترنح عند الوقوف.
2-
تناقص المناعة، وضعف المقاومة للأمراض.
3-
نقص تحمل الشدة Stress، وازدياد معدل الوفيات المرافق للحروق والرضوض والأمراض مع تقدم السن.
4-
ازدياد الأزمات العاطفية الناجمة عن الخسائر الشخصية مثل: ضياع القوة الجسدية ووفاء الأصدقاء، والتقاعد، وتناقص الدخل وغيرها.
5-
كثرة حدوث المشاكل النفسية والاجتماعية المرافقة للمرض.
ماذا يحدث في الدماغ في الشيخوخة؟
لقد أظهرت الدراسات أنه مع تقدم السن، فإن المنطقة المسؤولة عن الحركة في الدماغ والمسماة بقشر الدماغ الحركي، تفقد نسبة كبيرة من خلاياها العصبية التي ترسل فروعها من خلال الحبل الشوكي إلى الأعصاب الطرفية والعضلات. وفقد هذه الخلايا يؤدي إلى فقد التناغم الحركي وسرعة رد الفعل، فلا تستجيب العضلات للأمر الذي يريده المسن بنفس السرعة والكفاءة التي تستجيب بها للشباب.
وعندما يولد الإنسان يحتوي دماغه على عدد معين من الخلايا يصل إلى مائة بليون خلية عصبية. ومع تقدم العمر يتلف عدد معين من الخلايا. يعتقد أن دماغ الإنسان ينقص بنسبة (10 %) على مدى حياته. والمعروف أن الخلايا العصبية هي النوع الوحيد من خلايا الجسم الذي لا يتجدد إذا ما تلف (1) . ويختلف عدد الخلايا التي تفقد أو تتلف من شخص لآخر حيث يفقد الإنسان – على أقصى تقدير – خمسين ألف خلية عصبية كل يوم، وبمعنى آخر فإن رجلًا في السبعين من العمر ربما يكون قد فقد بليون وربع البليون من الخلايات من دماغه على وجه التقريب. وربما يكون فقد هذه الخلايا في بعض مناطق الدماغ أوضح من فقدها في مناطق أخرى.
والأهم من فقد الخلايا العصبية وموتها مع كبر السن هو انخفاض درجة التلاحم والتشابك والاتصال بين النهايات العصبية لخلايا الدماغ والأعصاب، مما يؤخر من سرعة رد فعل المسن واستجابته لمن يتحدث معه.
ومن حكمة الله سبحانه وتعالى ورحمته بعباده، فإن الخلايا والنهايات العصبية المتبقية بعد موت الخلايا العصبية الأخرى في الدماغ، تحاول جاهدة أن تزيد من تفرعها وتشابكها مع الخلايا السليمة الأخرى.
وفي الشيخوخة قد تنخفض كفاءة بعض المناطق الخاصة بالذاكرة القريبة في الدماغ، حيث تفقد هذه المناطق حوالي (40 %) من خلاياها العصبية مع تقدم العمر بعد الستين.
(1) Body clock Dr M Hughes.
والحقيقة المعجزة هي أنه على الرغم من أن الخلايا العصبية إذا تلفت لا تعوض، فإن الله سبحانه وتعالى قد خلقنا بأكثر من ضعف ما نحتاج إليه من هذه الخلايا في الدماغ. وبالتالي فإن تلف مثل هذا العدد الذي ذكرناه على مدى عمر الإنسان، لا يؤثر على وظيفة وكفاءة الدماغ، بل إن الخلايا المتبقية يزيد نشاطها وحيويتها، وتزداد تفرعاتها مع تقدم السن حتى تحاول تعويض فقد هذا العدد من الخلايا.
وكلما استخدم المسن عقله وذهنه في اكتساب خبرات جديدة واستعادة وتنشيط الخبرات القديمة، زادت استجابة خلايا الدماغ الموجودة وعملت بأقصى طاقة ونشاط لها، وزادت تفرعاتها ودرجات تواصلها معًا في النهايات العصبية، وهذا ما يزيد سرعة رد فعل الشيخ المسن، وينشط ذاكرته وعقله (1) .
أما الذي يركن إلى الشيخوخة، فلا يحاول أن يعمل ذهنه، فإن آثار الشيخوخة تظهر عليه في وقت مبكر، فتشغيل المخ وممارسة الأعمال الذهنية والعقلية إلى جانب الرياضة البدنية المناسبة للمسن، هي من أهم الأسباب التي تحافظ على حيوية العقل وتحافظ على ذكاء الإنسان وذاكرته، ورغم وجود عوامل عدة تؤثر في الحالة البدنية للمسن، مثل ممارسته للرياضة والمشي، وعدم التدخين، وتنظيم الأكل، وإيمانه واطمئنانه النفسي، إلا أن المبدأ العام الذي يتحكم في مصير هذا الشيخ هو كيفية معاملته لنفسه ولجسده أثناء فترة الشباب. وقد قالوا في المثل: من جار على شبابه جارت عليه شيخوخته.
ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((اغتنم خمسًا قبل خمس)) (2)، ومنها:((شبابك قبل هرمك)) .
وعلى الإنسان أن يتذكر دومًا أن هذا الجسد أمانة، وأن له حقًا على صاحبه يجب أن يؤديه له، فيحافظ عليه ولا يستخدمه فيما حرم الله، ولا يجور عليه بأساليب الحياة المدمرة مثل الإدمان والتدخين، والزنا والخمر واللواط، ويتجنب أساليب الحياة الضالة التي يدفع الإنسان ثمنها في كبره قبل آخرته.
(1) شباب بلا شيخوخة، د. عبد الهادي مصباح.
(2)
رواه الحاكم، صحيح الجامع الصغير، ص 1077.
طب الشيخوخة
1-
النسيان. . هل يصيب كل المسنين؟
كثيرًا ما يشكو المسنون من نسيانهم للأحداث القريبة، فبعضهم ينسى ما حدث له من شهر واحد، وآخرون ينسون ما قالوا منذ دقائق معدودات، وفئة أخرى تنسى الأشخاص القريبين منهم تدريجيًا، فتبدأ بنسيان الأصدقاء ثم الأقرباء ثم الأولاد.
وثمة آخرون يشكون من تلعثم الكلام، وعدم القدرة على التركيز والتعبير عما يجيش في نفوسهم.
والحقيقة أن كل هذه الأعراض هي جزء من حالة مرضية لا تصيب كل المسنين، بل تحدث عند بعض الأشخاص الذين يفقدون قدرتهم على التركيز والتفكير، نتيجة لشيخوخة خلايا الدماغ، وتصلب الشرايين ونقص كمية الأوكسجين الواصلة للدماغ.
وتشير الدراسات إلى أن (10 %) من كبار السن فوق سن الخامسة والستين، و (20 %) ممن هم فوق الثمانين يعانون من مثل تلك الأعراض التي ذكرناها.
ولكن لا يعني هذا أن ذلك أمر حتمي يجب أن يصيب كل المسنين.
وبحلول عام (2010م) سيكون من بين كل ستة أشخاص في الولايات المتحدة شخص يتجاوز عمره الخامسة والستين، ومن المتوقع أن يصاب حوالي سبعة ملايين شخص بهذا الضعف في الذاكرة، وسوف يكلف علاجهم والعناية بهم حوالي (40) مليون دولار سنويًا.
ولهذا تجري الآن مئات الأبحاث لإيجاد حل لتلك المشاكل والأمراض التي تهدد المجتمعات. ويعزو الباحثون (50 – 60 %) من حالات فقد وضعف الذاكرة في سن الشيخوخة إلى مرض (ألزهيمر) . أما (20 %) منها فتحدث بسبب اضطراب الدورة الدموية في الدماغ، و (15 %) نتيجة مزج السببين السابقين. أما العشرون بالمائة الباقية فتحدث نتيجة أمراض أخرى، ربما يكون بعضها قابلًا للعلاج مثل الاكتئاب النفسي، واضطراب الغدة الدرقية، ونقص بعض الفيتامينات، وغيرها (1) .
(1) شباب بلا شيخوخة، الدكتور عبد الهادي مصباح، ص 34 – 36 بتصرف.
2-
خرف الشيخوخة:
خرف الشيخوخة عبارة عن ضعف مكتسب وشامل للذاكرة، والقدرة على حل مشاكل الحياة اليومية، وأداء الممارسات الحركية، وكل مظاهر اللغة والاتصال والتحكم.
ويقوم المصاب بالخرف بتصرفات غير معتادة في الصحو في وقت متأخر من الليل ولبس ملابس العمل، والعجز عن معرفة الأشخاص، وعدم ضبط السبيلين، والإهمال في نظافة الجسم، والتحرك بدون هدف، وعدم معرفة مكان وجوده والتاريخ واليوم الذي هو فيه. ٍ
وللخرف نوعان:
أولهما: تنكسي وعائي، حيث تبدأ الحالة بعدم معرفة اليوم والشهر، وتنتهي بعدم معرفة العام وعدم التعرف على الوجوه والأشياء.
وثانيهما: حالة تنجم عن معاناة الدماغ بسبب نقص أوكسجين الدماغ، أو بسبب استقلابي، ويحدث المرض عمومًا بشكل مفاجئ، حيث يتغير سلوك المريض بشكل كامل في خلال ساعات. ويعاني المريض من أشباح وتخيلات قد تكون مزعجة له (1) .
(1) Harrison Principles of Internal Medicine 1997.
3-
مرض ألزهيمر ِ Alzheimers disease:
يحدث هذا المرض نتيجة ضمور مستمر في خلايا الدماغ والخلايا العصبية بشكل عام في سائر أنحاء الجسم، مما يؤثر على الوظائف العقلية والعصبية للمريض.
وضعف الذاكرة ثم فقدها هو أول أعراض مرض (ألزهيمر) ، وهو عرض يظهر ويتطور بسرعة، ثم تتبعه حالة من الاكتئاب وتغير المزاج والشخصية، ثم يعقب ذلك تدهور في صحة المريض بشكل عام حتى يصبح غير قادر على رعاية نفسه أو قضاء حاجاته بنفسه.
وربما يبدأ مرض ألزهيمر في مرحلة مبكرة في الخمسينات أو الستينات من العمر، ثم يتدهور بعد ذلك بسرعة مع تقدم العمر.
ويتم تشخيص المرض سريريًا، ولا توجد حاليًا وسائل مخبرية لتشخيص المرض.
وكان كبار السن يموتون قبل أن تظهر أعراضه واضحة بعد العقد الثامن من العمر، إلا أنه مع ارتفاع معدل عمر الإنسان، فإن هذا المرض بدأ يظهر بصورة واضحة جدًا بين المسنين، وخاصة من تخطى منهم سن الثمانين.
وهناك عامل وراثي يساهم في إظهار هذا المرض. كما أن هناك عددًا آخر من العوامل التي ربما تساعد في ظهور هذا المرض.
4-
مرض باركنسون:
وفيه يشكو المريض من الرجفان وبطء الحركة، والمشي بخطى قصيرة مع صعوبة الاحتفاظ بالتوازن، ويكون الرجفان على أشده في نهاية الأطراف. ويظهر أثناء الراحة ويخف بالحركة الإرادية لحظة ثم يعاود شدته الأولى، وينحني الجسم ويخفت الصوت، كما تضعف الذاكرة، وفي الحالات المتقدمة لا يستطيع المريض الاعتماد على نفسه.
5-
السقوط والمشية غير المتزنة:
قد يؤدي سقوط المسن إلى العجز أو الوفاة، كما قد يؤدي إلى الانعزالية نتيجة الخوف وفقدان الثقة، فقد أشارت الدراسات العلمية إلى أن (040 %) من المسنين الذين يتعرضون للسقوط يخشون القيام بالنشاطات اليومية المعتادة، وأن ثلث المسنين يتعرضون إلى السقوط مرة أو مرتين في العام الواحد.
ويشكل السلم (الدرج) سببًا كبيرًا للسقوط، كما أن عددًا من الأدوية التي يستعملها المسن ربما تساهم في حدوث السقوط بسبب هبوط الضغط أو قلة درجة اليقظة عند استخدام هذه الأدوية. ويؤدي السقوط عند المسنين إلى حالات ربما تكون ذات نتائج خطيرة، ومنها كسر عنق عظم الفخذ، ويعتبر من أهم أسباب الإعاقة عند المسنين، كما يمكن أن يسبب الرقاد الطويل، وهو بقاء المسن ساقطًا أو راقدًا على الأرض أكثر من ساعة دون التمكن من النهوض، ومن مضاعفات هذه الحالة التهاب الرئة والجفاف وغيرها. والسقوط مشكلة كبيرة عند المسنين، وغالبًا ما يؤدي إلى فقدان الاستقلال الذاتي للمسن، ويعتبر الخوف من السقوط ثانية من أهم أسباب فقدان المريض ثقته بنفسه. وأهم العوامل التي تؤدي إلى سقوط المسنين هي:
1-
ضعف الرؤية.
2-
البيئة المحيطة الخطرة: كالأرض الزلقة والأسلاك الكهربائية والإنارة السيئة.
3-
الأسباب الدماغية: ويشمل:
- هبوط الضغط الانقباضي: وفيه يشعر المريض بدوخة عند النهوض من السرير، وقد يتعرض للسقوط، وهو أمر شائع عند المسنين، وخاصة عند الذين يتناولون الأدوية الخافضة لضغط الدم.
- إغماء التبول: وقد يحدث أثناء التبول في الليل عند خروج المسن من فراش دافئ إلى الحمام.
- نوب ستوكس آدامز: وفيها يحدث حصار قلب تام، ويغيب النبض أثناء النوبة، مما يؤدي إلى فقدان الوعي.
4-
الأدوية: وأهم الأدوية التي يمكن أن تعرض المسن للسقوط الأدوية الخافضة لضغط الدم، ومضادات الكآبة، ومضادات الذهان.
5-
شرب الخمور (1) .
(1) Cecil Textbook of Medicine. 1996
6-
الاكتئاب:
وهو أكثر الاضطرابات النفسية انتشارًا بين المسنين، ويرتبط حدوثه بالأمراض الجسدية وفقدان الأصدقاء والأقارب، ووجود صعوبات اجتماعية ومشاكل اقتصادية، وكثيرًا ما يحتاج المسن إلى علاج نفسي يسبر أغوار المشكلة، أكثر مما هو بحاجة إلى دواء يتجرعه صباح مساء.
7-
أمراض العظام والمفاصل:
يتخلخل النسيج الإسفنجي في العظام مع تقدم السن، كما تفقد العظام مرونتها بمرور الزمن، وأكثر أمراض المفاصل شيوعًا عند المسنين هي:
1-
ترقق العظام الشيخي (وهن العظم) :
وتعبير (وهن العظم) هنا أدق. قال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4] . ووهن العظم أكثر شيوعًا عند النساء بعد سن اليأس، إلا أنه يحدث في الجنسين. وتنقص فيه كتلة العظام دون حدوث أي تغير في التركيب الكيماوي للعظم.
وقد تقصر القامة بعد حدوث ترقق في الفقرات وانهيارها.
2-
التهاب المفاصل التنكسي:
وكلمة (تنكسي) مأخوذة من قوله تعالى: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} [يس: 68] . ويشاهد هذا المرض عادة بعد الخمسين من العمر، وتحدث فيه تغيرات تنكسية في العظام والغضاريف العضلية، وتؤهب البدانة للإصابة بهذا الداء وخاصة في مفاصل الركبتين.
والألم هو العرض الرئيس لهذا المرض، ومع تقدم المرض يحدث الألم أثناء الراحة.
8-
أمراض شرايين القلب التاجية:
وتعتبر القاتل الأول للإنسان، وهي مسؤولة عن وفاة (75 %) ممن تعدوا سن الخامسة والستين من العمر، وهي شائعة الحدوث عند المسنين بسبب التصلب الشرياني في الشرايين التاجية في القلب، وحدوث مرض شرايين القلب التاجية مرتبط بعوامل مهيئة كالتدخين وارتفاع ضغط الدم والكولسترول ومرض السكر وزيادة الوزن وقلة الحركة وغيرها، ويتظاهر هذا المرض بالذبحة الصدرية أو جلطة القلب.
9 – السرطان:
ويمثل المركز الثاني في درجة انتشاره بين المسنين، ويزداد حدوث السرطان مع تقدم العمر، والكشف المبكر هو أحد أهم الوسائل الفعالة في القضاء على السرطان.
10-
الشيخوخة والجهاز الهضمي:
تصاحب الشيخوخة تغيرات شائعة في الجهاز الهضمي، مثل نقص حاسة الشم والتذوق، ونقص إفراز اللعاب، وسقوط الأسنان، ونقص إفراز المعدة، وضعف حركة الأمعاء، أضف إلى ذلك أن تغيرات أجهزة الجسم الأخرى لها انعكاساتها على الجهاز الهضمي، فالجسم متداخل ومتكامل، فتصلب الشرايين مثلًا يقلل من تغذية الأمعاء وحيويتها، والتغيرات العصبية والنفسية - وخاصة الاكتئاب - التي تصاحب سن التقاعد أو سن اليأس في السيدات، لها تأثيرات عميقة واضطرابات وظيفية في الجهاز الهضمي.
ولابد من التنبيه على نقطة هامة وهي فرط حساسية المسنين للأدوية، فكثيرًا ما يحتاج المسن إلى جرعات أقل من الجرعات المعتادة في بعض الأدوية، وكثير من الأدوية محفوف بالمخاطر، فأدوية الروماتيزم ربما تسبب قروحًا في المعدة والاثني عشر، وأما المضادات الحيوية فقد يسبب بعضها الإسهال أو التهاب اللسان والفم.
أمراض الجهاز الهضمي في الشيخوخة:
1 -
المريء:
فتق الحجاب الحاجز والتهاب المريء شائع في هذا السن، وأعراضه المعروفة هي الحرقان وألم الصدر، أما عسر البلغ فهو شائع أيضًا وأسبابه كثيرة.
ومن المهم أن نتذكر دومًا عند حدوث أي مرض أو عرض عند أحد المسنين ضيق الشرايين والسرطان.
ويجدر بنا في سن الشيخوخة بالذات، ألا نبسط المشاكل ونصرفها على أنها مجرد اختلال وظيفي أو اضطراب نفسي، وألا نألو جهدًا في التعرف على سبب الأعراض، فالعلاج رهن بالاكتشاف المبكر للمرض.
2-
المعدة:
رغم نقص الحموضة في المعدة مع تقدم السن، إلا أن القرحة الهضمية لا تزال شائعة عند المسنين، كما أن القرحة الهضمية تزداد في السيدات بعد سن اليأس، ولا بد من التنويه إلى أن نزف القرحة عند المسنين غزير وعلاجه صعب، وهو محفوف بالمخاطر.
وضمور الغشاء المخاطي يزداد مع تقدم السن، وهو مصدر لضعف الشهية وعسر الهضم، وسبب لنوع من فقر الدم.
3-
الأمعاء:
معظم أمراض الأمعاء المعروفة يمكن أن تصيب المسنين، إلا أن للشيخوخة أوضاعها الخاصة، فتصلب الشرايين وضيقها مثلًا يمكن أن يصيب الأمعاء دقيقها وغليظها.
وقصور الشريان المساريقي الذي يغذي الأمعاء مرض مزمن يسبب ألمًا في وسط البطن عقب الطعام، ويستمر لساعات، ونسميه أحيانًا (الذبحة البطنية) على غرار (الذبحة الصدرية) .
هؤلاء المرضى يعزفون عن الطعام مخافة الألم، وأحيانًا الغثيان أو القيء أو الإسهال، وينقص وزنهم، وهناك أمراض شائعة في الأمعاء عند المسنين، وتشمل الإمساك المزمن، وإدمان تعاطي الملينات، والبواسير، وسلس البول، ورتوج (جيوب) القولون، والفتق الإربي، وأورام القولون والمستقيم، والتواء الأمعاء وانسدادها.
الإمساك عند المسنين:
الإمساك مشكلة شائعة جدًا عند المسنين، فالمسن الذي لا يتحرك يطول عنده وقت مرور الغذاء في الأمعاء، فيصبح الغائط صلبًا وصعب المرور، كما أن قلة الألياف في الطعام سبب هام جدًا من أسباب الإمساك.
وهناك أسباب أخرى للإمساك عند المسنين مثل الاكتئاب، وتأثير بعض الأدوية كالحديد مثلًا، وورم في القولون وغيرها.
وعلاج الإمساك يكمن أساسًا في تناول غذاء غني بالألياف والقيام بتمارين منظمة.
وقد لا يكون من السهل أبدًا الطلب من المسن المقعد القيام بتمارين رياضية، وربما احتاج الأمر إلى استخدام المسهلات والحقن الشرجية (1) .
(1) الجهاز الهضمي أمراضه والوقاية منها، د. أبو شادي الروبي، ص 137 – 140.
11-
أمراض الجهاز البولي:
كثيرًا ما يعاني المسن من مشاكل في التبول، ومن أهم هذه المشاكل:
سلسل البول: وهو على خمسة أنواع:
1-
سلسل البول الكاذب (الوظيفي) :
وهو سبب شائع لحدوث السلس عند مرضى المشافي، حيث يتأخر المسن في الوصول إلى الحمام. ويزيد استعمال بعض الأدوية مثل المنومات والمهدئات والمدرات البولية من حدة هذه المشكلة.
2-
بيلة الإفاضة:
وتحدث عند المسنين نتيجة تضخم البروستاتا وحدوث انسداد جزئي في مجرى البول.
3-
المثانة التشنجية:
اعتلال المثانة العصبي من أكثر أسباب السلس المزمن شيوعًا عند المصابين بالخرف الشيخي، حيث يصبح حجم المثانة صغيرًا.
4-
بيلة الشدة:
وهي مشكلة شائعة في سن الضهي (اليأس) عند النساء، وقد يكون سببها نقص الأستروجين أو ضمور المهبل أو الإحليل.
5-
انحشار البراز:
وهو سبب شائع للسلسل البولي عند المسنين المقعدين، حيث يصبح البراز كتلة قاسية يصعب خروجها مما يؤثر على وظيفة المثانة. وتتحسن الحالة بتنظيم التبرز والتخلص من الإمساك.
12 -
مشاكل العين:
ضعف البصر أمر لا مفر منه إذا عاش الشخص مدة طويلة، ومن أهم أمراض العين التي يعاني منها المسنون هي:
مد البصر الشيخي، والساد الشيخي (الماء البيضاء في العين) والزرق (الماء الزرقاء) .
وفقد البصر عند المسنين أشد تأثيرًا وإيلامًا من فقد البصر في سن مبكرة، حيث يتكيف المصاب مع مرور الزمن، وكثيرًا ما يؤدي فقد البصر الذي يحدث بشكل غير متوقع عند شخص كان مبصرًا إلى فقدان الثقة بالنفس والاعتماد الكلي على الآخرين.
رعاية المسنين
ينبغي علينا أن نرشد الكبار منا إلى مواطن القوة في حياتهم ومواطن الضعف، وهناك مجموعة من الاعتبارات التي ينبغي أن يدركها كل مسن:
1-
ليست الشيخوخة كلها ضعفًا ولا هي كلها قوة، وقد تكون أيام الشيخوخة من أكثر أيام الحياة إنتاجًا وإبداعًا.
2-
الشيخوخة حالة نفسية قبل أن تكون فيزيولوجية أو عضوية، فينبغي عدم الاعتماد على المعيار الزمني للشيخوخة.
3-
ربما تضعف الملذات الجسدية والمادية في الشيخوخة، إلا أن الملذات الفكرية والروحية والدينية تقوى عند المسلمين.
4-
على المسن أن يتقبل حياته كما هي، وأن يعتقد أنه قادر على ابتكار أشياء جديدة.
أوجه رعاية المسنين:
1-
حث الأبناء على رد الجميل تجاه والديهم الشيوخ في هذه المرحلة من حياتهم.
2-
تقديم الرعاية الطبية والصحية للمسنين.
3-
الاهتمام بالصحة النفسية للشيخ المسن وإشعاره بالحب، وأن أهله بحاجة إليه.
4-
تنمية العلاقات الاجتماعية وتوسيع دائرة صداقات المسن مع المتكافئين معه سنًا وثقافة ومستوى، والحرص على ملء وقت فراغهم.
5-
تشجيع المسن على البحث والقراءة حتى تبقى ذاكرته حية.
الرعاية الصحية للمسنين:
أ- خصائص الأوضاع الصحية عند المسنين:
1-
الحجم: إن حجم المسنين يتزايد بشكل مطرد، سواء كان تزايدًا عدديًا أو نسبيًا، ففي عام (2000م) ستصل نسبة المسنين (فوق الستين) إلى (9.6 %) من مجموع سكان العالم، وفي العام (2020م) ستصل إلى (12.5 %) .
2-
العجز: إن (29 %) من المسنين مصابون بعجز في القيام بأحد الفعاليات اليومية مقابل (7 %) عند غير المسنين. وهذه من أصعب المشاكل التي يواجهها المسنون، وتستدعي التخطيط المسبق لزيادة حجم مرحلة الاعتماد على النفس.
3-
التكلفة: إن المسنين هم أكثر الفئات أستخدامًا للخدمات الصحية، وهم الأكثر استهلاكًا لكل الإمكانات الطبية، سواء في مجال إشغال الأسرة في المستشفيات، أو بكمية الأدوية المستهلكة، وقد بلغت النفقات الحكومية على المسنين في بعض المجتمعات ثلاثة أضعاف نفقاتها على الأطفال. وإن (30 %) من نفقات العناية الحية تصرف على المسنين، رغم أن نسبتهم تبلغ حوالي (11 %) من مجموع السكان.
4-
تعدد أمراض المسنين:
كثيرًا ما يصاب المسن بأكثر من مرض، وتشير الدراسات إلى أن المسن قد يصاب بـ (4 – 10) أمراض في آن واحد.
إن هذه الخصائص الأربع تُظهر بوضوح أن المشاكل الصحية عند المسنين تشكل التحدي الأكبر لكل الأنظمة الصحية، ولكل الأنظمة ذات العلاقة. وهذا يستوجب التخطيط العلمي السليم منذ الآن، والتصدي المبكر حالًا، حتى لا تكون الخسائر جسيمة والثمن باهظًا. وإن الرعاية الصحية للمسنين يمكن أن تُقدَّم من خلال مستويين:
1-
الرعاية الصحية الأولية، والمتمثلة في حصول المسنين على نصيب عادل من الخدمات الصحية بما يتناسب مع احتياجاتهم.
2-
خدمات طب الشيخوخة: وهذه الخدمات تضم طاقمًا متعدد الاختصاصات، ومنهم الطبيب والممرضة والاختصاصي والاجتماعي والنفسي وغيرهم. ولابد من وجود أقسام أو مستشفيات وقفًا على أمراض الشيخوخة. ولابد من التأكيد أن العناية الصحية بالمسنين ليست محصورة في مستشفى أو عيادة، بل هي نظام يمتد إلى المنزل والمؤسسات والمجتمع (1) .
(1) الشيخوخة: أسباب – تطور – جوانب، د. محمد بشير شريم، ص 244 – 246.
ب- مجالات الرعاية الصحية للمسنين:
تتوقف هذه الرعاية على الحالة العامة للمسن، وقد لا يحتاج بعض المسنين إلى رعاية خاصة، ويستطيعون العناية بأنفسهم، ويملكون زمام أنفسهم واستقلالهم.
أما من تستدعي حالتهم تقديم هذه العناية، فيجب أن تكون في جميع مجالاتها بدنيًا واجتماعيًا ونفسيًا.
أ- في مجال السكن:
1-
توفير الأمان بمكان الإقامة من حيث الكهرباء والأسلاك الكهربائية، وتأمين الغاز، ومعاجلة أرضية الحمام، والبانيو بما يمنع انزلاقهم وسقوطهم.
2-
نصحهم ولفت انتباههم إلى عدم التدخين في الفراش، حيث قد يستسلم البعض للنوم ومعه سيجارة مشتعلة قد تتسبب في حدوث حريق لا تحمد عقباه.
ب- في مجال النشاط الاجتماعي:
1-
من الأهمية بمكان العمل على استمرار المسن متحركًا بقدر الإمكان مزاولًا أي نشاط مناسب مشاركًا في الحياة والعطاء، مثبتًا ذاته وأنه مرغوب فيه وفي خبرته وعطائه، وإظهار الوفاء والاحترام له، وتشجيعه على ممارسة نشاطاته وخبراته، وأن يشعر أنه مازال قادرًا على العطاء.
2-
ينبغي أن نعمل على تشجيعه على مقابلة الأفراد والزملاء، والقيام بالرحلات غير المرهقة إذا تيسر وسمحت الظروف، وحضور الندوات والمشاركة فيها، وخاصة في موضوعات الساعة، والندوات الثقافية والعلمية والدينية.
3-
إقامة جمعيات يشمل نشاطها الاهتمامات التي تلائم كل متقدم في السن.
4-
قيام الأخصائيين الاجتماعيين وطلبة الطب وهيئة التمريض بزيارات دورية لمن لا يستطيع منهم مغادرة المنزل.
تخصيص عيادات خاصة برعاية الشيخوخة لمن يستطيع منهم الحضور، تقوم بالكشف الطبي الدوري، وكذلك علاج الحالات المرضية، وتقديم الخدمات التأهيلية، مثل النظارات الطبية، أو أجهزة السمع، أو أجهزة المساعدة على المشي وغيرها، والتثقيف الصحي للمترددين على تلك العيادات.
وينبغي أن يكون هناك تخصص في طب الشيخوخة مثلما هي الحال في الغرب.
جـ – دار المسنين:
قد تضطر بعضهم الظروف إلى الالتجاء إلى دار المسنين، وقد تكون الإقامة بصفة دائمة أو تكون نهارية، ولكن ينبغي أن تعد تلك الأماكن بطريقة علمية مدروسة، تعلم خفايا وأسرار تلك المرحلة من العمر، وكيفية التعامل معها، وألا تتعامل بمفهوم أنها منزل للسكن والطعام والنوم، وإنما هو مجتمع مثمر من نشاطات وعطاءات، كل حسب قدرته (1) .
(1) عمرك الأول وعمرك الثاني، د. حسني الرودي، ص 102 – 104.
التقاعد:
التقاعد هو أصلًا ظاهرة جديدة نجمت عن التحول إلى المجتمع العصري الصناعي، كان يتوخى أن تكون وسيلة لرفع الظلم والقسوة عن الموظفين والعمال، الذين كانوا يعملون طوال حياتهم، دون أي ضمانات أو حقوق.
فالتقاعد أصلًا عملية إيجابية فيها احترام وتقدير (لشيبة الإنسان) تحفظ له كرامته وإنسانيته، وتؤمن له حياة كريمة عزيزة ليعيش سنوات حياته الأخيرة بأمان واطمئنان، إلا أنه نتيجة للتغيرات في شتى مجالات الحياة، فقد برزت جوانب سلبية متعددة:
فالتقاعد يشكل ضغطًا كبيرًا وحادًّا، في حياة كل إنسان تغيرات تتناول الوقت والعمل والالتزامات والمسؤوليات، ويؤدي التقاعد إلى انخفاض الدخل والمقدرة المالية، كما أن الفراغ بالنسبة للمسنين المتقاعدين حاد وقاتل؛ لأنه يأتي فجأة، وبعد سنوات طويلة من العمل المتواصل، وليس هذا فحسب بل إن التقاعد يحدث في فترة كثيرًا ما يتدهور الوضع الصحي فيها بشكل ملحوظ (1) .
والتقاعد في الوظائف الرسمية في الدولة لحظة هامة في عمر الإنسان، وهي في سن الستين، وأحيانًا في حالات خاصة في سن الخامسة والستين، وهي لحظة هامة مثل لحظة الالتحاق بأول عمل، وغيرها من الوظائف الهامة.
والتقاعد له جوانبه وآثاره على الشخص والمجتمع، قد يصبو الإنسان قبيل تقاعده إلى أن يحقق ما حرم منه خلال فترات حياته السابقة إلى أن يستريح من عناء العمل، والارتباطات، والالتزامات. . ولكن سرعان ما تنتهي حفلة التكريم والتوديع فيجد نفسه فجأة وقد فقد السلطة والكيان والهيبة والتأثير في الآخرين.
وإذا لم يكن هناك تخطيط مسبق وإعداد لمرحلة التقاعد، فإن المتقاعد يجد نفسه في خواء ودون هدف، وربما يحاول أن يعوض ذلك بالتدخل فيما لا يعنيه، وقد تكثر طلباته في البيت، وقد يضيق به أحيانًا باقي أفراد العائلة، يودون لو يخرج من المنزل لقضاء بعض أمره، أو الترويح عن نفسه.
(1) الشيخوخة، د. محمد بشير شريم، ص 186 – 195 بتصرف.
وبالمقابل فإن الإنسان الذي تسلّح بالعقيدة، ورسخ إيمانه منذ صغره وخلال فترة شبابه وما بعدها، يشعر في وقت التقاعد أن أمامه رسالة لم تتم، ويتذكر دائمًا أنه مراقب من الله عز وجل، ويتذكر القول:((اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا)) ، يشعر أن هناك إحساسًا بالحياة وحافزًا لها، ويجعل الآخرين ينظرون إليه على أنه مرغوب، ويتسامى بدينه وقيمه وأخلاقه ومعاملاته وعطائه، يعطي كل شيء حقه، يعتني بنفسه وغذائه ورياضته وأمثلها المشي في الهواء الطلق.
وإذا قدر الله وفقد أحد الزوجين الزوج الآخر، فقد ينتاب الشخص في تلك الفترة شعور بفقد الأنيس والأليف، وشعور بالوحدة والخوف والحزن. وقد تتدهور حالته الصحية، ويجافيه النوم، ويرفض الطعام. وقد يلحق بصاحبه بعد فترة وجيزة من فراق صاحبه. وكثير من هؤلاء يفضل عدم الزواج حتى لو عاش في وحدة قاسية.
وهناك أمور تساعد على نجاح خوض مرحلة التقاعد بنجاح، وتتفاوت تلك الأمور من إنسان إلى آخر تبعًا لـ:
1-
قدرة الإنسان على الاعتماد على نفسه في الحركة.
2-
قدرته على المشاركة في الأمور بحكمة، والتآلف مع أقاربه وأصدقائه.
3-
إحساسه بأن الآخرين مازالت لديهم نفس الثقة فيه، وبأنه ما زال مرغوبًا فيه، وفي خبرته السابقة.
4-
الانطلاق في الحركة والنشاطات والسفر كما اقتضى الأمر.
5-
الشعور بأن العائلة أصبحت تميل إلى حمايته أكثر من ذي قبل.
6-
درجة ونوعية تعليمه وثقافته.
7-
مستوى دخله ودخل الأسرة.
8-
درجة تفهمه لمرضه إن كان مريضًا، وتقبله لخطة العلاج (1) .
(1) عمرك الأول وعمرك الثاني، د. حسني الرودي، ص 75 – 78 بتصرف.
وفي السنوات الأخيرة كانت هناك ثورة على القوانين التي تحدد سنًا للتقاعد، خرجت جماعات كثيرة تقول: كيف نحدد سن العمل وسن التقاعد ببلوغ عمر بذاته، وليس بفقدان القدرة؟ كيف نعتبر حاجز الستين سدًّا منيعًا يحول دون تدفق الراغبين في العمل والقادرين عليه؟ كيف يكون هناك قانون إلزامي يحد من حرية البشر في العمل؟
وفي هذا الاتجاه تشكلت في الولايات المتحدة منظمة للمدافعين عن حقوق المسنين في مواصلة العمل، وأصدرت هذه المنظمة بيانًا في (سبتمبر 1997م) ، أكدت فيه رفضها لقوانين التقاعد، مطالبة بأن يكون التقاعد اختياريًا، ووصفت الإلزام في هذا المجال بأنه عمل غير أخلاقي، وأنه حرمان للشخص من حق كسب العيش.
وفي الوقت نفسه ألغت كندا الإحالة للتقاعد على أساس السن، وتركت المشتغل ليعمل ما دام قادرًا على العطاء، وكانت نتائج ذلك إيجابية، فقد قلت الأعباء التأمينية، وزاد المساهمون في الاقتصاد القومي.
وفي اليابان، تم رفع التقاعد إلى الخامسة والستين، وتجري معاقبة الشركات التي لا تتعاون في هذا المجال.
إذن هناك ثورة على القوانين التي تجعل السن سيفًا مسلطًا، وأداة تحكمية تفصل بين حالة العمل واللاعمل (1) .
وتبقى كبرى الخرافات أن المسنين عاجزون عن تقديم شيء للمجتمع، رغم أن الإنتاج في المجتمع بات ذهنيًا ومعتمدًا على الآلة، أكثر مما يعتمد على عضلات الإنسان.
إن نظام التقاعد يجب أن يكون متطورًا متجددًا يلبي الاحتياجات والمطالب، ويتلاءم مع المتغيرات الحضارية والاجتماعية والاقتصادية، كما لابد أن يكون النظام قادرًا على تحقيق العدالة والمساواة.
وأسوأ أنواع القرارات هي النوع الإجباري الذي يفرض على الإنسان دون الأخذ برأيه. إن قرار التقاعد يجب أن يقوم على أسس علمية مدروسة وليس فقط على أسس رقمية مجردة، فبلوغ الإنسان سنوات عمر معينة لا يكفي أن يكون مبررًا للتقاعد.
(1) وهم الشيخوخة، محمد المراغي، العربي، سبتمبر 1999 م.
الرعاية الاجتماعية للمسنين:
لقد بينت الدراسات أن الشيخوخة هي بالدرجة الأولى مشكلة اجتماعية قبل أن تكون مشكلة صحية أو بيولوجية، فالصعوبات والتعقيدات التي يواجهها كبار السن ناجمة أساسًا عن الوضع الاجتماعي الذي يعكس أفكار ومواقف الناس والمجتمع حيال الشيخوخة والمسنين.
وقد يتعرض المسن لعدد من الظروف الاجتماعية التي تسبب له الكثير من المتاعب، ومنها:
1-
عدم كفاية الراتب الذي يتقاضاه، أو عدم وجود راتب.
2-
العيش في ظروف مادية قاسية.
3-
الاتجاهات الاجتماعية السلبية نحو كبار السن، والتي تسبب لهم الكثير من الأذى والألم.
4-
عدم توفر التوجيه والإرشاد النفسي.
مشاكل المسن الاجتماعية:
1-
الوحدة والعزلة الاجتماعية:
تتميز الحياة الاجتماعية للمسنين بفراغ يتخلل حياتهم، وذلك نتيجة تفرق أولادهم في شؤون الحياة، وتقاعدهم عن أعمالهم، والضعف الجسمي الذي يحد من حركتهم ونشاطهم، وتناقص أفراد جيلهم.
وتزداد الوحدة الاجتماعية شدة ومرارة مع موت أحد الزوجين ليترك الآخر مترملًا مهيض الجناح الأليف.
كلما تقدم الإنسان بالعمر ازدادت عاداته وسلوكه رسوخًا وثباتًا، حتى تغدو جزءًا لا يتجزأ من مقومات شخصيته، وهناك ميل لدى المسن إلى الاستمرار في توعية السلوك ونمطه، فاستعمال الجديد يحتاج إلى معرفة طريقته وتعلمه والاقتناع بفائدته، أما القديم فهو أيسر وأسهل، ومع تقدم العمر يطبع الإنسان بطابع الحرص على القديم والتمسك الشديد بعادات وقيم نشأ عليها.
لذلك فإن آراء المسنين واتجاهاتهم تمثل الأفكار والعادات التي كانت سائدة في زمن شبابهم، أما آراء الجيل الناشئ واتجاهاته فتمثل انعكاسًا وامتصاصًا لما يجري من تطورات حديثة متغيرة، ومن هنا ينشأ الصراع الدائم بين الجيل القديم والجيل الجديد، ويزداد نقد المسنين الحاد للجيل التالي في تصرفاته وآرائه، ويسخر مما وصلت إليه حال الأجيال التالية، وتزداد نظريته تشاؤمًا للقادمات من الأيام.
وقد ثبت أيضًا أن المسنين الذين يواصلون العمل الفكري النشيط، ويبقون على اتصال مع أنواع الثقافات هم أقدر على تعلم الجديد، وأكثر مرونة في تقبل التغيرات الاجتماعية.
2-
مكانة المسن في المجتمع:
بالرغم مما يقوم به المجتمع الصناعي من تأمين الخدمات وغيرها للمسنين، إلا أن مركز الشيخ في المجتمعات الشرقية والقديمة يبقى أكثر احترامًا وتقديرًا، وهو يمثل مركزًا اجتماعيًا كبيرًا، فبالإضافة إلى الاحترام والتقدير، فإليه يعود الفضل في كثير من الأمور الهامة، كحل المشاكل والخلافات وإسداء النصح والخبرة في أمور الحياة.
وفي مجتمعاتنا الشرقية ما زال للشيوخ حتى الآن مكانتهم اللائقة، فهذه المجتمعات لا زالت تحافظ على أواصر القربى والروابط العائلية، وتعطي للمسنين حق قدرهم وتبقي على التقاليد التي تدعو لاحترامهم وتقديرهم، إضافة إلى التعاليم الدينية التي دعت لاحترام المسنين، فقد نادى الإسلام ببر الوالدين والإحسان إليهما في كبرهم، قال تعالى:{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23] . ويقول عليه الصلاة والسلام: ((ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا)) (1) .
كل هذا أدى إلى الإبقاء على منزلة كبيرة للمسنين، وإحاطتهم برعاية تخفف عنهم وطأة الشيخوخة، بعكس ما يحدث في المجتمعات الغربية المعاصرة، حيث ضعفت مكانة المسنين فيها؛ لأنهم صاروا يشكلون عبئًا بعددهم الكبير، إضافة إلى أن هذه المجتمعات تؤمن بالقوة والسرعة والعمل والإنتاج، وتسودها النزعة الاستقلالية ومظاهر تفكك الروابط الأسرية والعاطفية بين أفراد العائلة، فتقسو الحياة على المسنين ويهجرهم أبناؤهم ويتذمر المجتمع منهم، فيشعرون أنهم عالة على المجتمع، وأنهم دون نفع في الحياة، وتزداد الأمراض النفسية بينهم، والانهيارات العصبية وحوادث الانتحار، ولا يلقون الرعاية الكافية من عائلاتهم، فيعيش أغلبهم في دور العَجَزة ومدن الشيوخ (2) .
(1) رواه أحمد
(2)
الشيخوخة، د. مي يوسف، ود. خطار عيزوقي، ص 94 – 99 بتصرف.
الأرمل:
إن وفاة أحد الزوجين يعتبر بالنسبة للمسن بالذات كارثة مؤلمة وحدثًا حزينًا ومشكلة عويصة، والزوجة هي عادة التي تقوم بدور الأرمل؛ لأن الزوج هو الذي يموت عادة أولًا، وهذا ما يجعل للترمل صفة الأنثوية غالبًا، ويؤدي الترمل إلى حدوث حالة من فقدان المودة والانعزالية، وحصول اضطراب وخلل في قضايا النوم. وحدوث الترمل في مرحلة الشيخوخة مأساة قاسية، فهو يحدث في الوقت الذي يكون فيه الإنسان في أمس الحاجة إلى الرفيق والأليف والمعين.
وبشكل عام فإن الرجال أكثر تأثرًا وحزنًا، ولهذا فهم يلحقون بزوجاتهم المتوفيات بشكل أسرع بكثير من النساء. والرجل المسن يواجه مشاكل أخرى تختلف عما تواجهه المرأة، إذ يجد صعوبة فيما لم يعتد عليه مثل إدارة الشؤون المنزلية وغيرها، وهذا ما يدفع بالزوج إلى الزواج مرة أخرى.
رعاية الإسلام للمسنين:
الإسلام دين إنساني يحترم الإنسان ويصون كرامته كبيرًا وصغيرًا. وإذا كان الإسلام قد حرص على صون كرامة الإنسان في كل مراحل عمره، فقد عني عناية خاصة بتوقير الكبار واحترامهم والعطف عليهم والإحسان إليهم وخاصة الوالدين، مصداقًا لقوله تعالى:
ودعا الإسلام أبناءه إلى صلة الأرحام وتوثيق الروابط الأسرية والإحسان إلى الأهل مصداقًا لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] .
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [الرعد: 21] .
ويوصي الإسلام الإنسان بوالديه ومن في حكمهم من كبار السن بالإحسان: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8] .
ويعمل الإسلام على توقير الكبار في السن واحترامهم، وللكبير حق الكلام قبل الصغير. وإجلال الشيخ الكبير واجب لقوله صلى الله عليه وسلم:
((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)) (1) .
وللنظر في قول الرسول البليغ في الدعوة للرحمة الصغيرة وتقدير شرف الكبير: ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا)) (2) .
وفي تكريم كبار السن روى البخاري عن أبي سعيد سمرة بن جندب رضي الله عنه قال:
كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامًا فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أن ههنا رجالًا هم أسن مني.
والمسلم مطالب بأن يلتزم بالآداب الإسلامية والإنسانية مع أقاربه مثلما يلتزم بها مع والديه. وعليه أن يوقر الكبير ويرحم الصغير، ويعود المريض، ويواسي المنكوب، ويعزي المصاب. والرسول عليه الصلاة والسلام يحث على التراحم والتعاطف بين الناس كما في قوله:
((يقول الله تعالى: أنا الرحمن، وقد شققت للرحم اسمًا من اسمي)) .
واهتم الدين الإسلامي الحنفي بكبار السن فأمر برعايتهم واحترامهم وتقديرهم. يقول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] .
(1) رواه أبو داود.
(2)
رواه الترمذي وأحمد.
ولهذا كان كبار السن في المجتمع الإسلامي يحاطون بألوان شتى من الرعاية والعناية. وعلى أفراد الأسرة الآخرين تقديم كل عون للمسن، حتى لا يحتاج للعمل في سن متقدمة من العمر. ومن ثم يكون للمسن الكبير في الأسرة ما يلي:
1-
الاحترام والاعتبار الكبيرين بين أفراد الأسرة الآخرين.
2-
الضمان والأمان الاقتصادي بحيث لا يواجه حجة مادية، فالكل في المجتمع الإسلامي ملزمون بالعمل والعطاء من أجل كبار السن والنساء والأطفال.
3-
على الأبناء والأحفاد من الذكور وزوجاتهم وبناتهم تقديم سبل الرعاية والخدمة الشخصية التي يحتاج إليها المسن إذا حرم من كفالة أو رعاية شريك حياته أو حرم من أقرب المقربين إليه.
4-
أعطى نظام التكافل الاجتماعي الذي أتى به الإسلام لكل فرد من أفراد الأسرة وبخاصة غير القادرين على العمل ومنهم المسنين، أعطى لهم الحق على القادر ذي المورد المادي والاقتصادي، في الحصول على النفقة تبعًا لدرجة القرابة وتسلسلها (1)
مسؤولية الدولة تجاه المسنين:
على الدولة أن تكفل رعاية المسنين الذين قدموا للوطن الكثير في شبابهم، وتتمثل أوجه رعاية الدولة في:
1-
تقديم العناية الصحية المستمرة عبر الفحوص الدورية ووضع البرامج الوقائية، وإنشاء المراكز الطبية المتخصصة.
2-
تأمين الجو الثقافي الضروري للمسنين، بإنشاء النوادي الدينية والثقافية، وإلقاء المحاضرات وإقامة الندوات.
3-
التغلب على أزمة التقاعد بإيجاد القوانين والحلول المناسبة.
4-
إنشاء مؤسسات رعاية الشيوخ، وإقامة دور العَجَزة، وتقديم الرعاية لهم على كافة المستويات.
(1) رعاية المسنين اجتماعيًا، د. سيد محمد فهمي، ص 62.