الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الجزائي
دراسة معمقة حول الشرط الجزائي فقها وقانونا
إعداد
القاضي محمود شمام
رئيس محكمة التعقيب الشرفي
رادس – تونس
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله وآله وصحبه
الشرط الجزائي
جاء بالعنوان الشرط الجزائي ويمكن أن نعنون البحث بالشرط التثقيلي أو الشرط التغريمي أو شرط ضمان التنفيذ وهذه العناوين كلها كما سنرى تصب في مصب واحد سنكتشف أمره بعد حين.
وشأن الأفراد أن يكونوا أحرارا في التصرف المدني وفي المعاملات والعقود وامتلاك الأشياء، والتشريع يحمي هذه الحرية ويرد عنها الأيدي المعتدية.
وقد يجد أحيانا من تلك الحرية التي يتمتع بها الفرد مراعيا في ذلك المصلحة العامة للنظام والمجتمع وحتى مصلحة الأفراد أنفسهم.
فالحرية الفردية موجودة وشرعية لكنها محددة بقاعدة أو قواعد وشروط تهم النظام وتهم المجتمع وعلاقات أفراد هذا المجتمع بعضه ببعض كالوصية التي حددها الشرع ومنع أصحاب المال من التصرف المطلق في أموالهم بعد الممات لأن الحق منح الفرد ولصالح الجماعة لكن تحت حدود وقيود الشرع وفي نطاقه.
فحرية التعاقد والتعامل واشتراط الشروط مباحة غير مقيدة ومحترمة واجبة النفاذ ما احترمت مبادئ الشرع والأخلاق وحقوق الآخرين.
وقد اختلف الفقهاء هل أن آثار العقود من عمل الشارع يجب التقيد بها وتنفيذ شروطها والوفاء بها لكن لا على الإطلاق أو أن الناس أحرار في أن يعقدوا ما شاءوا من العقود ويشترطوا ما شاءوا من الشروط ويتحتم الوفاء بذلك إلا إذا قام دليل على المنع فحينئذ لا نفاذ ولا وفاء.
وأبرز مثال يطرح هنا هو ما يشترطه أحد الأطراف لتوثيق نفاذ العقد وتحقيق وقوعه وهو الشرط التثقيلي أو الجزائي الذي يقيد حرية القاضي وتدخله عند حدوث الخلاف حتى ولو كان الشرط مبالغا فيه به إجحاف بين واضح أو مخالف للعدل والإنصاف بصرف النظر عن المبادئ العامة التي تسمح بحرية العقد والاشتراط والاتفاق.
فما هي حقيقة الشرط الجزائي التثقيلي؟ :
يجب أن نضع بين أيدي الجواب عن ذلك الملاحظة التالية:
هل يصنف الشرط الجزائي في باب اشتراط الشروط وتنطبق عليه الأحكام المسجلة هناك؟ أم أنه صنف قائم بذاته له أحكامه الخاصة؟
يجدر بنا أن نشير بادئ ذي بدء إلى أن الشرط الجزائي هو بند يوضع في نفس العقد أو بعقد مستقل عنه حتى تطمئن النفس لضمان تنفيذ العقد بكامل أوصافه ومقتضياته، وحتى يكون هذا النفاذ في الأجل المحدد من كل الأطراف حسب الاتفاق:
الشرط الجزائي:
الأصل فيه كما قال القاضي شريح: (من شرط على نفسه طائعًا غير مكره فهو عليه) .
أي أن الأصل الجواز لأن الناس عند شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا.
ويحقق ذلك ما جاء في باب التعهد بجبر الضرر عن عدم التنفيذ وعن الانتظار لحصول الوفاء أو دفع العربون لتلك الغاية أو الفوز به عند عدم الإنجاز.
وفي الأثر أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أقر هذا الشرط التغريمي أي شرط الجزاء لما اشترى له نافع بن الحارث دارًا وكان الشرط لفائدة البائع إن لم يرض عمر فللبائع مبلغ كذا من المال.
والفقهاء يجيزون هذا الشرط غير المنافي لمضمون ومقتضى العقد وغير المنهي عنه شرعًا وعرفًا وأخلاقًا، وذلك لما أخرجه الشيخان وأحمد أن جابرًا باع النبي عليه الصلاة والسلام بعيرًا واشترط الحمل عليه إلى أهله فأقره صلى الله عليه وسلم ونقده ثمنه.
والشرط الجزائي لا يناقض العقد ولا ينافيه ولا يفسده ولا يبطله ضرورة أنه يسعى لإتمام العقد ويصون نفاذه وتحقق الوفاء به ولأنه يجوز في البيع شرط ورهن وأجل.
والشرط الجزائي له من ناحية أخرى صبغة خاصة مميزة فهو شرط تعويض عن ضرر مادي أو معنوي كما له صبغة الجزاء، فالطرفان يتفقان على غرامة تعويضية يقدرانها مسبقًا عند حدوث عدم الوفاء وهي في نفس الوقت تجازي المتخلف عن الوفاء، وتعاقبه بغرم قد يتجاوز مقداره الضرر الفعلي الحاصل للطرف المتضرر.
ودليل هذا أن القاضي الذي يفزع له الطرفان ويحتكما إليه يكون مكتوف الأيدي عند حدوث موجب الشرط ولا يستطيع التدخل لفائدة أحد المتنازعين المتعاقدين الملزمين. مع أن القاضي يمكنه عند القضاء بغرامة غير متفق عليها عند عدم الوفاء وهو حر في تقديرها وفي تعديلها متى اتضح له أن المدين وفي بالتزامه أو بعضه وأنه لم يحدث ضرر يذكر.
وكل ما ذكرنا لا يبعدنا عن نطاق اشتراط الشروط في العقود وعند إبرامها لغايات ومقاصد يرمي إليها الأطراف وقواعد وأحكام ذلك تقربنا من موضوع بحثنا الذي نعالج.
أحكام الشرط شرعًا وفقهًا
اختلف فقهاء الإسلام في موضوع اشتراط الشروط اعتمادًا على: الأصل في العقود والشروط والإباحة، ولا عبرة لمن يرى أن الأصل المنع، والله سبحانه وتعالى يقول:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء 34] .
فالحنفية يجيزون الشروط التي لا تتنافى مع طبيعة العقد أو التي جاء نص بجواز موضوعها أو جرى العرف والعادة بها. وعندهم أن الشرط الصحيح هو ما كان موافقًا لمقتضى العقد أو مؤكد لمقتضاه أو جاء به الشرع أو جرى به العرف، فهناك شروط يقتضيها العقد وأخرى تؤكد موجبه، وثالثة جرى بها العمل واقتضاها العرف، والرابعة التي أجازها الشرع ولم يحرمها.
وهكذا تكون الشروط سالمة الصحة نافذة المفعول إذا لم تكن منافية لمقاصد الشريعة ومبادئ وأحكام التشريع الإسلامي.
((ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق)) حديث رواه البخاري.
أما الشافعية: فهم يجيزون بصفة عامة كل الشروط التي يقتضيها العقد وتؤكد وجوده، وكذلك ما جاءت به مصلحة كالخيار والأجل.
أما ما ليس فيه مصلحة لأحد الأطراف ولا يرمى إليه العقد ولا يقتضيه فهو باطل ولا التفات لمن يجيزه.
والمالكية: يقول ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد:
وأما مالك فالشروط عنده تنقسم إلى ثلاثة أقسام: شروط تبطل هي والعقد، وشروط تجوز هي والعقد، وشروط تبطل ويثبت العقد.
وقد يظن أن عنده قسمًا رابعًا وهو أن من الشروط ما أن تمسك المشترط بشرط بطل البيع وإن تركه جاز البيع وإعطاء فروق بينة في مذهبه بين هذه الأصناف الأربعة عسير وقد رام ذلك كثير من الفقهاء، وإنما هي راجعة إلى كثرة ما يتضمن من الشروط من صنفي الفساد الذي يخل بصحة البيع وهي الربا والغرر وإلى قلته وإلى التوسط بين ذلك أو إلى ما يفيد نقصًا في الملك، فما كان دخول هذه الأشياء فيه كثيرًا من قبل الشرط أبطله وأبطل الشرط وما كان قليلًا أجازه وأجاز الشرط فيها وما كان متوسطًا أبطل الشرط وأجاز البيع.
ويرى أصحاب مالك أن مذهبه هو أولى المذاهب إذ بمذهبه تجتمع الأحاديث كلها والجمع عندهم أحسن من الترجيح.
وسنرى أن الشرط الجزائي يأخذ أحكامه الفقهية على ضوء ما سبق.
والحنابلة: الأصل عندهم في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم منها ولا يبطل إلا ما يدل الشرع على تحريمه وإبطاله بالطرق الأصولية نصًا أو قياسًا عند من يراه ويقول به.
وقد بسط الفقه الكبير ابن تيمية الموضوع بسطًا شافيًّا في فتاواه.
ويقول ابن القيم: الأصل في العقود والشروط الصحة إلا ما كان أبطله الشارع أو نهى عنه، والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم الدليل على التحريم والبطلان.
بعد هذه البسطة الموجزة حول الشرط في الفقه، وبما أن الناس تحدث لهم أقضية يجب الكشف عن أحكامها وبيان حليتها من حرمتها، وللمقارنة والإيضاح وإيجاد أرضية سليمة للفتوى فيما يتعامل به الناس اليوم ويسجلونه في كتائبهم وعقودهم نشير إلى حقيقة الشرط الجزائي في القوانين الحديثة المتعامل بها والتي عالجت هذا الموضوع.
الشرط الجزائي:
هو بند خاص يضعه المتعاقدان داخل العقد حين إبرامه أو إخراجه بعد عقده وإبرامه، لا يمس أصلًا بجوهر الاتفاق وأركانه وغايته ولا يعلق الاتفاق ولا يوقفه. وهو يرمي إلى تنفيذ الاتفاق وإنجازه وإلى عدم المماطلة في الوفاء به لأنه في غالب الصور يضع عقابًا للمماطل المخل بالوفاء ويحكم مسبقًا بغرامة قد تناسب الضرر أو لا تناسبه يجب على المخالف دفعها عند عدم الوفاء.
ومن هنا يتضح الفرق فالشرط قد يترتب عليه عدم تواجد الالتزام وبطلانه وفساده، أما بند الشرط الجزائي فهو جزاء عن عدم الوفاء بالالتزام وشروطه وأركانه المتفق عليها ثم تقدير المضرة والخسارة التي قد تنتج ووضع تصور عنها قبل حدوثها وهو أمر تخميني قد لا يصور الضرر تصويرًا جليًّا وحقيقيًّا.
يقول الفقيه عبد الرزاق السنهوري الفقيه المصري المعروف: إن الدائن والمدين لا يتركان للقاضي حق تقدير الضرر والتعويض عنه (1) .
ويقول أحد شراح القانون الفرنسي:
إن الشرط الجزائي يجنبنا مشاكل تقدير الغرامة ويحول دون صعوبة في ذلك.
(1) الوسيط: 2 / 851.
والقانون المصري يعرف الشرط الجزائي ويحدد معالمه ويصور وجوده بقوله في الفصل (223) مدني: (يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدمًا قيمة التعويض بالنص عليها في العقد أو في عقد لاحق بعده) .
والقانون الفرنسي يعرف الشرط الجزائي التغريمي بقوله في الفصل (1226) مدني: (إن الشرط التغريمي هو ذلك البند الذي يتعهد بمقتضاه شخص ضمان التنفيذ الالتزام بشتى ما في صورة عدم الوفاء) .
وينص الفصل (1229) منه على:
(الشرط التغريمي هو تعويض الأضرار التي تلحق الدائن من جراء عدم تنفيذ الالتزام الأصلي) .
ويعرف الشرط الجزائي أحد رجال وشراح القانون الفرنسي العميد كاربوني: هو الشرط الذي بمقتضاه يحدد المتعاقدان التعويض جزافًا) (1) .
أما القانون اللبناني فإنه يوضح حقيقة الشرط الجزائي بفصله (266) إذ ينص: (للمتعاقدين إن يعينوا مقدمًا في العقد أو في صك لاحق بدل العطل والضرر في حالة تخلف المديون عن تنفيذ الموجب كله أو بعضه) .
(1) القانون المدني: 4 / 315.
ومن هنا نفهم أن استحقاق ما جاء به بند الشرط الجزائي يتوقف على وجود سبب أو خطأ ينسب للمتعاقد وهو لا يتوقف على اختيار أو تقدير أو نظر من القاضي سواء في وجود الضرر وتحديده أو تقديره.
وهذه النظرية هي التي يعتمدها غالبًا الفقهاء ورجال القانون حيث يحترمون إرادة الأطراف وحريتهم في اشتراط الشروط. ولا يسعون لتقييدهم والحد منها حتى ولو ظهر أن فيها تهورًا وإفراطًا.
والقانون الفرنسي ينص في مادته (1152) : (إذا ذكر في الاتفاق أن الطرف الذي يقصر في تنفيذ الاتفاق يدفع مبلغًا معينًا على سبيل التعويض فلا يجوز أن يقضي بمبلغ أن أكثر أو أقل) .
أي أنه إذا وجد التقصير وجد الغرم المتفق عليه سلفًا وهذا يمنع من حدوث المجادلة والمناقشة وهل حدث ضرر وكيف يقدر وما هو مقداره وهل هناك تقصير جسيم أو بسيط.
فالطرفان يحتكمان إلى بند وضعاه في العقد بالاتفاق والتراضي ومنعا بذلك تدخل القضاء في شأنهما وفي شأن اتفاقهما.
وهذا موجود يشبه التحكيم فالمتعاقدون يفوضون الأمر إلى المحكمين.
ويلتزمون سلفًا بالعمل بما يصدره هؤلاء والقضاء لا يتدخل إلا لتنفيذ ما قرره المحكمون والخصوم وقد يتفقون على مقرات لهم غير مقرهم الأصلي ويغيرون بذلك مرجع النظر واتفاقهم نافذ لا شأن للقانون ولا للقضاء فيه.
ولذا فإن القضاء أمام الشرط الجزائي ينظر في ثبوت المخالفة ثم يقضي بنفاذ الاتفاق، وسنرى الرأي المخالف لهذا فيما بعد.
أمثلة الشرط الجزائي:
إذا تصورنا حقيقة الشرط الجزائي فقهًا وقانونًا فلنضرب أمثلة له توضحه وتمدنا بتصور كامل يعيننا على الفتوى.
1-
حدثت قضية نشر ملفها أمام المحكمة صورتها:
تعاقد شخصان على بناء دار سكنى والتزم البناء بالعمل والمواد والتزم بتسليم المحل لصاحبه جاهزًا تمامًا صالحًا للسكن في ظرف عام من تاريخ الاتفاق كما التزم بدفع غرامة مالية عينًا إذا مضى الأجل ولم يسلم المحل جاهزًا لصاحبه مع دفع مصاريف الإنجاز.
وباشر العامل عمله وبنى المحل وقبل إتمامه بقليل توقف عن العمل ومضى شهران على الأجل فقام صاحب المحل بالقضية مطالبًا بأمرين: الحكم بإتمام البناء على نفقة العامل ثم إلزامه بأداء الغرامة المحددة بالعقد.
واتضح أن مصاريف البناية كلها تقل عن مبلغ الغرامة ومع ذلك حكم له بما طلب اعتمادًا على قاعدة أن ما يتفق عليه الطرفان هو الذي يجب تنفيذه إذا سلم من شوائب المنع الشرعي.
وهكذا يكون صاحب المحل قد أخذ البناية دون مقابل لمجرد فوات الأجل ببضعة أشهر.
2-
صدر حكم آخر يقول في أسانيده:
حين تبين بالاطلاع على صحة المغارسة أن الطرفين اتفقا على أنه إن مضت المدة المعينة بالعقد ولم تثمر الأشجار فعمل العامل يذهب سدى وتبقى الأرض ملكًا لصاحبها.
وهذا الشرط المتفق عليه يفيد أنه عند عدم وفاء العامل المغارس بواجبه فإنه يقع الفسخ ولا يمكن له الرجوع على صاحب الأرض بما أنشأه. يقول الحكم: وحيث اقتضى الفصل من المجلة المدنية (إن ما يتفق عليه الطرفان يقوم مقام القانون) .
وحيث ثبت أن العامل لم يوف بما التزم به فقد حكم ضده وذهب مجهوده وماله وما صرفه سدى.
وكان نظر محكمة النقض والتعقيب مؤيدا على صحة الشرط وأن العقد يقوم مقام القانون بين طرفيه.
واعتبر أن إرادة الأطراف هي المتحكمة في الموضوع ولا شأن لغيرها في أمرًا ارتضته وحينئذ يمكن تعديل ما أراده الطرفان (1) .
(1) المغارسة عند مالك أن يعطي الرجل أرضه لرجل على أن يغرس عددًا من الثمار فإذا استحق الثمر كان للغارس جزء من الأرض. والطرفان قد يتفقان على أجل فإذا لم يوف العامل الغارس بواجباته يحدث النزاع ويقضي بأن لا شيء للعامل إذا كان هناك شرط.
الحق والعدل والتحقيق
لقد منح الحق والعدل للفرد ولصالح الجماعة لكن تحت رعاية ورقابة التشريع وقواعده المبينة على العدل والإنصاف وحرية التعامل.
فالأشخاص والأفراد قد يتفقون ويسطرون اتفاقاتهم ويبرمجون خرائط أعمالهم طبق مصالحهم.
والقانون قد يحد من حرية القاضي ويسمح للأفراد بالحد من هذه الحرية وتقليصها تحت لواء المصلحة العامة والرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم يقول: ((لا ضرر ولا ضرار)) .
فإذا اجتمع ضرران اهتم التشريع بدفع ورد الضرر الأكبر وسمح بتحميل الأصغر كهدم دار خربة لتمكن الناس من المرور بسلامة وأمن.
والإسلام يقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة كتحريم الربا لما فيه من الإثراء على حساب الغير واستغلال حاجة وضعف هذا الغير، وكتحريم الخمر لما فيه من مضار تطغى على ما عداها.
والقانون قد يحد من حرية القاضي فيحرم عليه الأخذ بدليل معين أو يمنعه من الحكم بأمر إلا إذا توفر لديه دليل معين، وما لم يتوفر لا يمكن للقاضي أن يعتبر الواقعة المنظور فيها ثابتة حتى ولو حصل له الاقتناع بذلك، فلابد من الحجة والدليل والبحث عن وسائل الإثبات.
والدليل القانوني هو وسيلة إثبات وإظهار للحق وفي المادة المدنية وفي المعاملات بين الناس لا يجوز أن يكتفي القاضي باقتناعه وارتياحه اعتمادًا على شهادة أو قرينة بل لابد من إبراز صحة الوسيلة التي اعتمدت كطريقة إثبات وقد يحتم عليه القانون في بعض صوره عدم الاكتفاء بالقرينة والشهادة بل لابد من التوثيق بالكتابة على صورة معينة تزيل كل الشكوك
نعم هو حر في اقتناعه في المادة الجزائية الزجرية بالكتابة أو الشهود أو القرائن، لكنه يخضع لبنود القانون إذا حدد له طريقة خاصة للإثبات وهو مع كل ذلك مقيد في قضائه بشرح أسانيده وإظهار المعطيات التي اعتمدها والتي لها أصل ثابت موجود بين أوراق القضية المنشورة أمامه.
وليس له حق الاجتهاد والتأويل إزاء النصوص الواضحة الجلية عملًا بالقاعدة الأصولية: (ما ورد فيه نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة لا يجوز فيه الاجتهاد) .
والفقهاء يقولون: إن نص الواقف كنص الشارع يجب احترامه وعدم تجاوزه إذا احترم هو نصوص التشريع الإسلامي.
ويتضح من كل ذلك أن الطرفين إذا تعهدا بأمر واتفقا عليه فالواجب الوفاء به.
والشرط الجزائي لا يتصور له وجود في عقد من العقود إلا إذا رضي به المتعهد والتزم بنفاذه وهكذا يحرم القاضي من حرية التدخل في شأنه.
والمجلة المدنية التونسية التي بنت أحكامها على القواعد والمبادئ الفقهية الإسلامية مقتبسة نصوصها منها أغفلت التنصيص على الشرط الجزائي لكنها عالجت موضوعه في بنود لها منتشرة هنا وهناك.
فالفصل (840) في الإجارة يقول:
من التزم بإتمام عمل أو مباشرة خدمة استحق الأجر بتمامه ولو تعذرت عليه مباشرة الخدمة أو إتمام العمل إذا كان ذلك لسبب من المؤجر وكان الأجير حاضرًا للخدمة أو للعمل ولم يؤجر نفسه لشخص آخر.
لكن للمجلس أن يحط من الأجرة المتفق عليها بحسب ما يقتضيه الحال.
أي إن التقصير إذا كان من المؤجر فإن الأجير يأخذ أجره كاملًا.
وقد خول عجز الفصل (840) للحاكم حق التعديل لكن محكمة النقض والتعقيب فسرت هذا الحق بأنه لا يكون إلا عند عدم وجود شرط أما إذا وجد الشرط المانع فلا حق للقاضي في التداخل بالتعديل. (قرار تعقيبي 8 أكتوبر 1929 م) .
وقد سبق أن قلنا: إن القانون الفرنسي بفصله (1152) يمنع القاضي من تعديل الشرط الجزائي.
هذا ما جاءت به ظواهر النصوص ولوائح القوانين، فالقاضي شريح يرشدنا إلى طريق جلي واضح لا لبس فيه وهو الحكم والقضاء بما جاء به الشرط بصرف النظر عن كل المعطيات الأخرى؛ لأن الناس عند شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا.
لكن يلاحظ بعض رجال القانون أن الاتفاق وإن كان واجب النفاذ حسب نصه فإن ذلك قد يكون سبيلًا لمظلمة تلحق أحد المتعاقدين ، هذا يدعو للتثبت وعدم التسرع في الحكم حتى لا نقع في المحظور.
وحق أن العدل والإنصاف غاية كل أفراد البشر وحق أيضًا أن التشريع بني على جلب المصلحة ودرء المفسدة.
والإمام ابن تيمية يشير في رسالته (المظالم المشتركة) إلى أنه من العدل أن يتقاسم الناس المظالم وحرام أن يتنصل أحد منها فيحمل وزرها على سواه (الفتاوى: 28) .
ولما كان العدل أساس العمران فالواجب أن يسمح للقاضي بالتداخل لتحقيق هذا الهدف الأسمى.
ومعالجة الجواب عن هذا التوقف نوضح أن القاضي قد يسمح له بالتأويل والقياس والشرح لكن ليس إزاء النص فالقانون وضع لحماية الناس ورد ألاعيب المحتالين والتشريع الإسلامي حث على سلوك طرق الإثبات بالكتابة ومفاد ذلك أن النصوص لها حرمتها وليس من حق القاضي الإقدام على إلغائها أو تفسيرها تفسيرًا ينافي أهدافها ومراميها.
والناس عند اتفاقاتهم المشروعة التي لا تنافي المقاصد والمبادئ الشرعية والأخلاقية، يضعون لأنفسهم دستورًا يحمون به مصالحهم وحقوقهم وهو دستور يقف في وجه كل متحد له حتى ولو كان بيده ميزان العدالة.
اختلاف النظر بين القوانين:
قد شرحنا سابقًا أن الشرط الجزائي هو تقدير مسبق للضرر الذي يحدث عنه والتعويض عنه بمبلغ معين من حين الاتفاق وحينئذ فلا يسمح للقاضي بإعادة المراجعة والإثبات والتقدير.
وهذا ما ذهب إليه جمهور رجال القانون وشراحه.
والقانون الفرنسي ينص صراحة على ذلك بالفصل (1152) مدني:
(إذا ذكر في الاتفاق أن الطرف الذي يقصر في تنفيذه يدفع مبلغًا معينًا من المال على سبيل التعويض فلا نقصان أو زيادة) .
وهذا يدل صراحة على أن القاضي لا يتدخل لمعاينة الضرر وجودًا أو عدمًا وإن وجد فلا يطالب بإثباته وتقديره وليس من حقه أن يعدل ما حصل الاتفاق عليه.
يقول فقيه القانون عبد الرزاق السنهوري: وذلك حتى يكون الغرض من الشرط الجزائي منع أي جدل يدور حول وقوع الضرر ومقدار التعويض.
(التعليق آخر الصفحة 857: 2 الوسيط)
هذا وقد كان القانون المصري القديم يتمشى مع ذلك أذ ينص (إذا كان المقدار معينًا في العقد فلا يجوز الحكم بأقل أو أكثر منه) .
إلا أن التقنين الجديد سمح للقاضي بمعاينة الضرر وتقديره ومن ثم مكنه من التعديل فقد خصت (المادة 224) مدني (لا يكون التعويض الاتفاقي مستحيلًا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه ضرر ويجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغًا فيه أو أن الالتزام قد نفذ في جزء منه) .
ومع هذا النص فالقانون المصري يوضح حتى الآن بفصله (147) مدني (أن العقد شريعة الطرفين المتعاقدين فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين أو لأسباب يقررها القانون) .
وهذا ما كرسه الفقه القضائي التونسي وعمل به لأن الشرط الجزائي جزء من الاتفاق بمثل إرادة المتعاقدين.
ونجد القانون اللبناني (الموجبات والعقود) في مادته (26) يشرح أنه لا يجوز للدائن أن يطالب بالأصل والضرر إلا إذا كان البند الجزائي قد وضع لمجرد التأخير أو على سبيل إجبار المدين على الوفاء بما التزم به.
ويشير الفقيه اللبناني صبحي محمصاني إلى أن فقه القضاء بلبنان يسير طبق الاجتهاد الفرنسي فيعفى الدائن من إثبات الضرر ومقدار تعويضيه على اعتبار أن الغاية من تعيين التعويض مسبقًا هي تحديده بوجه يقطع الخصام والنزاع ويمنع من سماع دعوة الزيادة والنقصان.
(شرح قانون الواجبات للمحمصاني) .
وعلى كل فإذا لم ينص القانون على حق التداخل من القاضي لتقدير الضرر وتعديل المقدار المتفق عليه فإنه يقع الرجوع إلى الأصل وهو المنع.
والمحمصاني في كتابه يشرح فيقول: إن الرأي الذي تؤيده أصول مذهب مالك والإمام ابن حنبل ويتفق مع المبادئ الحديثة يرى أن كل عقد وكل شرط لم ينه عنه الشارع فهو جائز يجب الوفاء به، إذ الأصل في العقود والشروط الصحة حتى يقوم الدليل على البطلان.
فالعقد والشرط المسكوت عنهما في جانب الإباحة وعلى هذا إذا عقد عاقد عقدًا أو اشترط شرطًا فطعن طاعن بالبطلان أو الفساد فعلى الطاعن إقامة الدليل.
ويقول ابن تيمية في فتاويه: (إن حكمة الله وعدله قاضيان بصحة عقد كل عقد وكل شرط لم يرد نهي عنه من الشارع)(1) .
هذا ومتى اتضحت وتجلت تلكم الحقائق والمعاني فقد أمكن الإفتاء إذ تبلورت الأسانيد والمباني.
والله ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل وإليه المرجع والمصير.
محمود شمام
(1) شرح قانون الموجبات والعقود اللبناني: 1 / 315.
العرض – التعقيب والمناقشة
العرض
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،
موضوع هذه الجلسة الصباحية – بإذن الله – هو (الشرط الجزائي) . والعارض هو الشيخ علي السالوس والمقرر هو الشيخ حمداتي.
الشيخ علي السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد كله لله نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، ونسأله عز وجل أن يجنبنا الزلل في القول والعمل، وأن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه، ونصلي ونسلم على رسوله خير البشر وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها الأخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا الموضوع فيه ستة أبحاث، وهي:
1-
بحث فضيلة الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير.
2-
بحث فضيلة الشيخ محمد علي التسخيري.
3-
بحث فضيلة الشيخ الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين.
4-
بحث فضيلة الدكتور ناجي شفيق عجم.
5-
بحث معالي الرئيس محمود شمام.
6-
بحث العارض الدكتور علي السالوس.
وأبدأ بحسب الترتيب وهو بحث فضيلة الشيخ الدكتور الصديق الضرير حيث بدأ بتعريف الشرط الجزائي وقال بأنه غير معروف في كتب الفقه القديمة فأخذه من القانون المصري وهو التعويض الاتفاقي وذكر أمثلة له وشروطه كما جاء في (الوسيط للسنهوري) . ثم تحدث عنه في القانون المدني الأردني الملتزم بأحكام الفقه الإسلامي، ثم حاول البحث عن شبيه في الفقه يمكن أن يقاس عليه الشرط الجزائي فذكر العربون والشبه بينه وبين الشرط الجزائي حيث إن كلا منهما تقدير للتعويض، ثم ذكر فروقًا أربعة بينهما، ورفض ما جاء عن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية من أن الشرط الجزائي يشبه العربون. ثم قال أيضًا في موضوع آخر: أدخل ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم، فهيئة كبار العلماء والشيخ مصطفى الزرقاء – رحمه الله – اعتبروا هذا من أنواع الشرط الجزائي، واعتبره هو من باب الاستئناس فقط ورفض هذا. وهذه نقطة أساسية في الموضوع أقرؤها من بحثه. قال حفظه الله:" ويمكن أن يقال بأن الشرط الجزائي يشبه بيع العربون في أن كلا منهما شرط يوجب على من أخل بالشرط عقوبة مالية يجري تعيينها قبل حصول ذلك ".
هذا القول إذا صح بالنسبة للعربون فإنه لا يصح بالنسبة للشرط الجزائي، لأن الشرط الجزائي الذي نتحدث عنه ليس عقوبة، وإنما هو تقدير اتفاقي للتعويض فإذا اعتبرنا العربون عقوبة تنفي وجه الشبه الذي ذكرناه في أول الكلام، ثم إن بيع العربون ليس فيه إخلال بالشرط ،إنما هو إعمال للخيار.
ويرى الأستاذ مصطفى الزرقاء – رحمه الله: " أن طريقة العربون هي أساس لطريقة التعهد بتعويض ضرر الغير عن التعطل والانتظار " ثم قال: " أدخل ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم " وذكر ما رواه البخاري وقول شريح: (من شرط على نفسه طائعًا غير مكره فهو عليه) . وقال: " أوردت اللجنة التي أعدت البحث لهيئة كبار العلماء هذا النص وقالت: فهذه المسألة صريحة في أنها من أنواع الشروط الجزائية ". وقال الأستاذ مصطفى الزرقاء – رحمه الله – تعليقًا على قول شريح: " وهذا النوع من الاشتراط المروي عن القاضي شريح في ضمان التعويض عن التعطل والانتظار ما يسمى في الفقه الأجنبي الحديث: الشرط الجزائي ".
وقال في موضع آخر – أي الشيخ مصطفى الزرقاء -: " والشرط الجزائي هذا يتخرج على مذهب القاضي شريح، فقد روي عنه نظيره كما سلف ".
ثم عقب فضيلة الشيخ الضرير على هذا بقوله: " ولا أرى وجه شبه بين هذه المسألة والشرط الجزائي ".
إذن المسألة هنا هي الخلاف في اعتبار الشرط الجزائي هل هو عقوبة أو غير عقوبة؟ لأنه من المعروف أن كلمة (الجزاء) تعني المكافأة، والمكافأة قد تكون ثوابًا وقد تكون عقابًا، وهنا ليست ثوابًا، فهي إذن من باب العقاب، فكل شرط فيه مكافأة من باب العقاب عند الإخلال بالشرط يعتبر شرطًا جزائيًّا، فضيلة الشيخ الضرير خالف هذا. ومجموع الأبحاث لا تتعارض مع ما جاء عن هيئة كبار العلماء في السعودية، ثم انتقل فضيلته إلى عنوان آخر: هل يوجد دليل على تحريم الشرط الجزائي؟ فذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة بريرة: ((ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟)) وبين أن المراد به ما خالف كتاب الله وليس المراد أنه جاء منطوقا به في كتاب الله، ثم ذكر حديث النهي عن بيع وشرط، وذكر بعض ما جاء في كتب الفقه تضعيفًا له.
وبعد ذلك انتقل إلى عنوان الضرر الذي يعوض عنه في الشرط الجزائي وقال: " الاتفاق بين الفقه والقانون في التعويض عن الضرر المالي، والاختلاف في التعويض عن الضرر الأدبي حيث إن القانون يبيح هذا والفقه ليس فيه هذا ".
ثم انتقل إلى الحديث عن العقود التي يجوز فيها الشرط الجزائي والعقود التي لا يجوز فيها اشتراطه. وذكر قرارات المجمع في الاستصناع وفيها شرط الجزائي، وفي البيع بالتقسيط بحلول الأقساط وعدم جواز اشتراط الزيادة على الدين، وفي عقد السلم عدم جوازه عن التأخير في تسليم المسلم فيه.
وهذا لا خلاف فيه بين فضيلته وبين باقي الأبحاث.
ثم ذكر قرار مجلس هيئة كبار العلماء وبين ما تضمنه، وذكر أن كلمة (العقود) في نص القرار. لأن نص القرار هو:(إن الشرط الجزائي الذي يجب اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر) . فقال فضيلته بأنه لا يراد منها كل العقود، لأن هناك بالطبع عقودًا لا تقبل هذا.
ثم وضع ضابطًا للعقود التي يجوز اشتراط الشرط الجزائي فيها والتي لا يجوز، وقال: يجوز اشتراط الشرط الجزائي في جميع العقود ما عدا العقود التي يكون الالتزام فيها دينًا، وهي: القرض، والبيع بثمن مؤجل، وعقد السلم.
ورأى جواز الشرط الجزائي في عقد المقاولة وعقد التوريد في حالة التأخير في التنفيذ، ورد على القائلين بعدم جوازه في حالة التأخير، ثم جاء بعنوان غرامات التأخير غير الشرط الجزائي. وقال:" غرامات التأخير تفرضها الحكومة على المتعامل معها في المناقصات الحكومية وهي أقرب إلى العقوبة المالية ". وفضيلته لا يعتبر الشرط الجزائي نوعًا من العقوبة فقال: " أما الشرط الجزائي فهو تقدير اتفق عليه المتعاقدان لقيمة التعويض عن الضرر الذي ينشأ عن الإخلال بالعقد، ولهذا يطلق عليه بعضهم (التعويض الاتفاقي) ، - هذا في القانون في كتاب الدكتور السنهوري – وهذه التسمية أولى عندي من تسميته الشرط الجزائي ". ولذلك يوجد اختلاف كبير في هذه النقطة ولا بد أن يتفق عليها، هل الشرط الجزائي يؤخذ كما هو معروف في اللغة بأن الجزاء بمعنى المكافأة أي العقوبة هنا، فكل مكافأة من باب العقوبة عند الإخلال بالشرط هل هو شرط جزائي أم تعويض اتفاقي؟ بمعنى هل نأخذ بما جاء في اللغة وما جاء عن هيئة كبار العلماء في السعودية أم نأخذ بالقانون؟
ثم انتهى إلى الخاتمة والملخص. ثم اقترح مشروع قرار بشأن الشرط الجزائي، ثم أضاف عددًا من الملاحق المتصلة بالموضوع. هذا عرض موجز للبحث الأول.
ونلاحظ أن فضيلته في هذا البحث انتهى إلى أن الشروط: الأصل فيها الحل وليس المنع إلا إذا كان هناك ربا أو غرر أو غير ذلك. فهو أخذ بأن الأصل في المعاملة الإباحة والأصل في العقود الإباحة وكذلك في الشروط، وهذا ما سارت عليه كل الأبحاث تقريبًّا لأننا لا نجد بحثًا خالفه في هذا، وكل الأبحاث انتهت إلى هذا.
البحث الثاني لفضيلة الشيخ محمد علي التسخيري تحدث عن مفهوم الشرط وبيان حقيقته وتقسيماته، وذكر أن الشرط الجزائي من الشروط الوضعية التي يتفق عليها المتعاقدان ويلتزمان بها. كل الأبحاث ذكرت هذا وهو أن الشرط الجزائي من الشروط الوضعية إلا بحث فضيلة الدكتور حمداتي حيث اعتبر الشرط الشرعي يندرج تحت الشرط الجزائي. ثم تحدث عن الإطار العام لصحة الشروط وحكم الشرط الصحيح وهو وجوب الوفاء به وعند الامتناع يجبر ويثبت الخيار للشارط وجواز إسقاطه مجانًا أم بعوض؟ ثم تحدث عن حكم الشرط الفاسد وبين متى يكون مفسدًا للعقد، ومتى يصح العقد ويلغو الشرط. ثم جاء بتعريف للشرط الجزائي وقال:" هو التعويض الذي يحدده المتعاقدان مقدمًا في العقد " التعويض الاتفاقي أو وجه الالتزام. وهذا ما جاء في القانون ويتفق مع التعريف الذي جاء به فضيلة الشيخ الضرير. ثم ذكر بعض الأمثلة وذكرها بعد ذلك مفصلة في التطبيقات.
وتحدث بعد ذلك عن حكم الشرط الجزائي وقال: " الضابط العام في صحته ألا يكون مبتنيا على أمر باطل ولا مستتبعا لما هو باطل ". والمهم ما جاء في التطبيقات، فتحدث عن العربون أنه من الشرط الجزائي، وأكثر الأبحاث ذكرت العربون على أنه من الشرط الجزائي اتفاقًا مع ما جاء عن هيئة كبار العلماء في السعودية، وخلافًا لما جاء في بحث أستاذنا الشيخ الضرير. وذكر صورًا للعربون ثم تحدث بعد ذلك عن حق فسخ العقد بإزاء مبلغ معين وقال:" هذا شرط جزائي صحيح ". وتحدث كذلك عن الضمان الذي يشترطه المشتري على البائع عند بيعه مالًا غير منقول خارج دائرة الطابو- أي خارج دائرة التسجيل – وقال بأن هذا شرط صحيح. ثم تحدث عن التأخير في تسليم المبيع والثمن وفصله، حيث قال بأن تأخير المبيع يجوز، وذلك مثل عقار له أجرة فيمكن أن تؤخذ هذه الأجرة أو ما يعادل هذه الأجرة. فالجائز في المبيع إذا كان له منفعة كالدار، أما في الثمن فلا يجوز لأنه دين، ثم تحدث عن شرط آخر وهو إذا اشترطت الزوجة على زوجها في ضمن عقد النكاح أنه إن طلقها وتزوج عليها كان عليه كذا من التعويض، وصحح هذا الشرط. ثم ذكر إذا اشترط الدائن على المدين أنه لو لم يؤد الدين عند الأجل المحدد فعليه أن يدفع كل شهر أو كل يوم من المبلغ جزاء على التأخير فهذا من موارد الشروط الجزائية الباطلة والتي هي فوائد التأخير أو غرامات التأخير التي لم يعتبرها أستاذنا الدكتور الضرير من الشروط الجزائية، وفضيلة الشيخ التسخيري اعتبرها من الشروط الجزائية.
البحث الثالث لفضيلة الدكتور حمداتي: وقرأت البحث كله ثم نظرت فيه مرة أخرى ومع ذلك اعترف بأنني عجزت عن تلخيصه، ولهذا طلبت من فضيلته أن يكتب لنا تلخيصًا في حدود صفحة فكتب ثلاثة صفحات وقال: اختر منها. لذلك الآن أتحدث عن تلخيص التلخيص، فضيلته قسم بحثه إلى ثلاثة مباحث، وهي:
المبحث الأول: تعريف الشرط الجزائي ومختلف صوره.
المبحث الثاني: الأحكام التي تترتب على الشرط الجزائي.
المبحث الثالث: الشرط الجزائي بين الشريعة والقانون.
المبحث الأول وبعد التعريف اللغوي قسم الشروط إلى ثلاثة، هي:
1-
شرط عقلي.
2-
شرط عادي.
3-
شرط شرعي، أوقف عليه الشارع مشروطات كالطهارة للعبادة وسلامة العقد من الربا في المعاملات، واصطلاحًا عرفه الشاطبي بأنه: ما كان وصفًا مكملًا لمشروطه.
وفضيلته جعل الشرط الجزائي يندرج تحت هذا الشرط، كما أشرت من قبل.
وبعد سرد طويل مختلف تعاريف الشرط وأنواعه تعرض للأحكام التي يمكن أن تطبق على الشرط بصفة عامة، فاستعرض كثيرًا من أقوال مختلف علماء المذاهب، وعلق على كثير من الأقوال التي تعرض لها إما بالتفسير أو الملاحظة، ثم قال بصفة خاصة عن الشرط الجزائي في آخر هذا المبحث، ثم حدد الشاطبي دورًا أساسيًّا يمكن أن يترتب عليه الجزاء مثل أن ينص المتعاقدان على صفة مشروعة يجب أن ينفذ عليها العقد، فمن أخل منهما بالتزامه وجب عليه التعويض والذي هو الجزاء، ثم قال بأن الشرط واقعة شرعية تعتريها بعض الأحكام من جواز، ومنهم من حسب الطريقة التي تم بها الشرط. بمعنى أنه فصل في هذا.
وعندما تعرض في المبحث الثالث للشرط بين الشريعة والقانون قال بأن الشرط الجزائي يأتي نتيجة إرادة مشتركة بين طرفي الالتزام يهدفان من خلالها إلى جعل مراحل تنفيذ العقد لا تنتظر حكم القاضي، ثم أطلق عليه الشرط الجزائي لمصاحبته لتكوين العقد فتوضع شروطه ضمن التداول العام لتكوين العقد ثم تعرض لمختلف النصوص القانونية التي تعرضت للشرط الجزائي، وأظن أننا لسنا في حاجة لنصوص القانونية، ثم قال: إن القوانين، قوانين الدول الإسلامية التي قننت أحكام الشرط الجزائي تأثرت كثيرًا بأقوال علماء الأصول، وتتفق تمامًا مع الشريعة الإسلامية، وهذا بالطبع فيه ملحظ لأن قوانين الدول الإسلامية معظمها إن لم يكن كلها يجيز الشرط الجزائي الربوي فلا أدري كيف تتفق تمامًا مع الشريعة الإسلامية!!
وختم بأن ما اعتمده قرار مجلس هيئة كبار بالعلماء بالمملكة العربية السعودية الشقيقة قد تضمن كثيرًا من الآراء والفتاوى الشاملة لكثير من أحكام الشرط الجزائي وأثنى على هذا القرار.
بعد ذلك نأتي إلى بحث الدكتور ناجي شفيق عجم. تحدث فضيلته عن تعريف الشرط وأقسامه، ثم أقسام الشرط (الشرط الشرعي والحقيقي والشرط العقلي والعادي واللغوي والجعلي والوضعي، وأنواع الشروط الجعلية والشرط المعتبر، وشرط الإضافة) ، ومفهوم الشروط الوضعية وما ينشئوه الإنسان بتصرفه وإرادته، وأشار إلى اختلاف الفقهاء. والشرط الجزائي يدخل في الشروط العقدية.
أما تعريفه فهو شغل الذمة بحق أو بتعويض عن ضرر – هذا نقلًا عن الدكتور محمد فوزي فيض الله، ثم نقل التعريف من الوسيط للسنهوري. ثم تحدث عن الشروط المقترنة بالعقد، وصحة الشروط التي يقتضيها العقد، وبطلان ما ينافي مقتضى العقد. ثم وضع ضابط الشرط المشروع، وذكر الشروط عند المذاهب الأربعة، ثم نقل قرار هيئة كبار العلماء في الشرط الجزائي، ثم قال: وعليه فالشروط الباطلة هي التي فيها غرر أو جهالة أو التي تتضمن ربًا أو التي تنافي مقتضى العقد وتلغي حكمه، أو باطلة لمخالفة حكم الشرع، ثم ذكر الشرط الجزائي الذي فيه ربا عند الزيادة على النقود للتأخير. ثم بين صحة الشرط الجزائي عند المذاهب الأربعة وقال: الشرط الجزائي شبيه بالعربون الذي أجازه المجمع، ثم تحدث عن حكم الشرط الجزائي وذكر وجوب الوفاء به بضوابطه، وذكر شروط تطبيق الشرط الجزائي للزوم الضمان، ثم تحدث عن خصائص الشرط الجزائي، ثم انتقل بعد ذلك لأمثلة للعقود التي يجوز فيها الشرط الجزائي وهي: الاستصناع والبيع بالتقسيط، وإذا كان المبيع عينًا له منفعة كالعقارات، والاعتماد المستندي ومنه إذا ألغى العميل استيراد البضاعة، وعقد الشركة والإجارة، ولا أدري هل عقد الشركة يدخل أم الإجارة فقط؟ وعقد المناقصة، وعقود التعهدات والتوريد.
ثم ذكر أمثلة للعقود لا يجوز فيها الشرط الجزائي وهي: عقد القرض، وعقد البيع بالتقسيط ويقصد بالبيع بالتقسيط هنا إذا كان الشرط الجزائي في تأخير الثمن وكذلك في السلم، وتحدث عن سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي وذكر قرار مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة بشأن الظروف الطارئة، ثم بعد ذلك خلاصة البحث وهذا ما أراه أن يقرأ.
خلاصة البحث:
أولًا – الشروط الجعلية التي يشترطها أحد العاقدين أو كلاهما الأصل فيها الإباحة ومنها الشرط الجزائي بالضوابط التي سبق بيانها – وكل الأبحاث تتفق مع هذا – ما لم تخل بمقاصد العقود التي جاءت لحفظ النظام العام والعدل والتوازن ومنع التغابن.
ثانيًّا – الشرط الجزائي من المسؤولية العقدية وهو تعويض عن ضرر فعلي نشأ عن عدم تنفيذ المدين ما التزم به بناءً على العقد.
ثالثا – الشرط الجزائي المباح هو الخالي من الربا والغرر وأي محظور شرعي.
رابعًا – أساس التعويض مقابلة المال بالمال، فإذا قوبل المال بغير المال كان أكلًا للربا وهو حرام، أما إذا كان التعويض عن ضرر فعلي كحق الشارط فجائز.
خامسًا – لا يجوز الشرط الجزائي في العقود التي الالتزام الأصلي فيها دين.
سادسًا – لا يجوز الشرط الجزائي في الأضرار الأدبية والمعنوية.
سابعًا – لا يجوز اشتراط ما يسمى تعويض الربحية الذي تشترطه بعض البنوك الإسلامية أو غرامات التأخير في البنوك لأن الحقوق فيها كلها ديون وليست أعيانًا التي منافعها الزمنية معتبرة. فشرط الربحية ذريعة إلى الربا لأنه قد يطلب المدين من البنك التأجيل، وقد وضع الشرط الجزائي على التأجيل.
ثامنًا – لا اعتبار للشرط الجزائي في الضرر الذي سببه الآفات السماوية أو لم يلحق ضررًا بالدائن.
تاسعا- إذا رغب أحد الطرفين الاستعانة بالقضاء فيجوز للمحكمة تعديل مقدار التعويض.
هذه خلاصة بحث الدكتور ناجي شفيق عجم.
بعد ذلك بحث معالي الرئيس محمود شمام.
تحدث فضيلته عن الشرط الجزائي وقال يمكن أن نعنون بالشرط التغريمي أو ضمان التنفيذ أو الشرط الجزائي. وقال في الشرط الجزائي: الأصل الجواز لأن الناس عند شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا، وكما ذكرت آنفًا أن كل الأبحاث تتجه إلى هذا. وذكر أن الفقهاء يجيزونه لحديث جابر، وحديث جابر هذا فيه الآن توقف فمنهم من رفض الأخذ به. وهو شرط تعويضي عن ضرر مادي أو معنوي كما له صبغة الجزاء، ثم تحدث عن أحكام الشرط شرعًا وفقهًا، وذكر آراء المذاهب الأربعة، ثم ذكر القوانين الوضعية، وتحدث عن أمثلة للشرط الجزائي فذكر قضيتين حكم فيهما، القضية الأولى: بناء توقف فيه البناء قبل إتمامه بقليل فأخذ صاحب المحل الغرامة التي زادت عن مصاريف البناية كلها، والقضاء هنا لم يستطع أن يرد هذا الظلم. وقضية أخرى مغارسة وهي لغرس أشجار ويكون للعامل نصيبًا من الأشجار والثمار والأرض ولكن بشرط إن مضت مدة معينة ولم تثمر الأشجار – وليس ولم تزرع ولم تغرس – فلا شيء للعامل، وحيث إن ما يتفق عليه الطرفان يقوم مقام القانون فليس للعامل حق في الأرض ولا يرجع على صاحبها بشيء.
ثم تحدث عن الحق والعدل وتحدث فيها عن وجوب الحق والعدل ومنع الضرر، وبين متى يتدخل القاضي لتعديل الاتفاق الذي تم بين المتعاقدين، وإذا وجد الشرط المانع فلا حق للقاضي في التدخل بالتعديل كما أشرنا في القضيتين السابقتين، فالقاضي لا يستطيع أن يتدخل ما دام الشرط مانعًا، وختم البحث بالحديث عن اختلاف النظر بين القوانين.
بقى بحث العارض. وقسمت البحث إلى ثمانية مباحث، جعلت المبحث الأول للتعريف بالشروط وأقسامها، ثم المباحث الأربعة التي تليه لبيان الشرط عند المذاهب الأربعة، فكل مذهب خصصته بمبحث، أما جوهر البحث ولبه فهو في المباحث الثلاثة الأخيرة، ففي المبحث السادس نظرت في الأحاديث الشريفة التي استدل بها الأئمة الأعلام، وقمت بتخريجها، وبيان درجتها، وفقهها، وناقشت الأقوال المختلفة مع الترجيح. وفي المبحث السابع جعلته لما أظهرته الدراسة السابقة من ترجيح ما يتصل بالشروط الوضعية ومنها الشرط الجزائي والمبحث الأخير جعلته للحديث عن الشرط الجزائي في المعاملات المعاصرة.
ولعلنا نقف عند هذا الأخير لأنه التطبيق العملي. فالشرط الجزائي في المعاملات المعاصرة أولًا تحدثت عن تأخير الديون والحقوق، وكل الأبحاث ماعدا بحث فضيلة الشيخ الصديق الضرير لم يعتبر هذا شرطًا جزائيًّا. فقلت هنا يدخل في الشرط الجزائي فوائد البنوك الربوية وفوائد التأخير في عقود البيع بالتقسيط، والإجارة، وبطاقات الائتمان، وفي بعض العقود الحكومية، وكلها من الربا المحرم.
ثم تحدثت عن موقف المصارف الإسلامية من فوائد التأخير، وذكرت استبيانًا تبين منه أن اثني عشر بنكًا إسلاميًّا من سبعة وعشرين يقومون بتوقيع عقوبة الشرط الجزائي في غرامات الأخير، ولكنه يقصره على المماطل. والواقع العملي يبين أنه على المماطل وغير المماطل. وللأسف الشديد قرأت في الصحف أن أحد المتعاملين مع بنك إسلامي كان قد بقي عليه من الثمن ثلاثة وثلاثون ألفًا فاحترقت المنشأة وقام البنك بالتعيين والتأمين بالتعيين. ثم التأمين دفع المبلغ بعد مدة فالبنك الإسلامي أخذ سبعة وتسعين، فعندما سأله قال: هذا غرامة التأخير!! فعلى إخواننا الذين يبيحون غرامة التأخير أن ينتبهوا إلى هذا.
في البيع بالتقسيط فيه قرار المجمع بعدم جواز اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء وجواز حلول الأقساط قبل موعدها. ويجوز الشرط الجزائي في الحقوق إذا لم تكن ديونًا مثل المقاولات والاستصناع وتحدثت عن هذا بالتفصيل.
ثم تحدثت عن معاملات المصارف. ومن معاملات المصارف وعد المرابحة. ومعلوم أن المجمع له قرار في بيع العربون، وله قرار في أن هذا لا يدخل في وعد المرابحة، ولكن أنا أعراض هنا ما أعرضه كما ذكرت في البحث أنني لا أعرضه على سبيل الإفتاء إنما أعرضه ليبحث في المجمع. فالوعد في المرابحة في المصارف الإسلامية يكون معه عادة دفع مبلغ يسمى عربونًا، وإذا انطبق عليه العربون فبيع العربون في الفقه الإسلامي منعه الجمهور خلافًا للإمام أحمد، وحدث خلاف حول الإلزام بالوعد، فإذا لم يكن الواعد ملزمًا فلا يجوز الشرط الجزائي، وإذا كان ملزمًا جاز، ولكن ما الذي يترتب على هذا الشرط؟ لو أخذنا بجواز بيع العربون فإن العربون يصبح ملكً للمصرف عندما لا يلتزم الواعد بالشراء بوعده وإن لم يترتب على خلف الوعد أي ضرر، وهذا ما أخذ به القانون الوضعي، وإن قنا بعدم جواز بيع العربون مع القول بأن الوعد ملزم فما الذي يترتب على الشرط الجزائي؟
المجمع الموقر قال هنا بالنسبة للوعد: الوعد هو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد يكون ملزمًا للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقًا على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد، ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلًا لسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر، والقول هنا بالتعويض عن الضرر يفهم منه عدم جواز بيع العربون، فأنا قلت هذا استنباطًا من هذا القرار وليس مخالفة لقرار المجمع الآخر.
ثم تحدثت بعد ذلك عن الاعتماد المستندي. إذا ألغي الاعتماد المستندي بسبب العميل فمن الشروط الجزائية إلزامه بدفع أجر فتح الاعتماد وهذا صحيح، ولكن هناك حالة أخرى إذا لم يرسل المصدر السلعة وألغى الاعتماد فمن الذي يتحمل تبعة الضرر؟ معظم المصارف فيما أعلم لا تحمل العميل شيئًا، ولكن وجدت بعض المصارف الإسلامية تضع شرطًا جزائيًّا يحمل العميل تبعة الضرر لأنه هو الذي أرشد المصرف إلى المصدر وعرفه به، وأعتقد أن هذا الشرط غير صحيح.
ثم تحدثت عن عقد المناقصة، وقلت: تضمين عقد المناقصة شرطًا جزائيًّا ينص على غرامة مالية على التاجر إذا تأخر عن المواعيد المحددة للإنجاز، هذا الشرط مثل الشروط التي ذكرناها في المقاولات والاستصناع، واسترشادًا بقرار المجمع المذكور آنفًا، يرتبط الشرط بالضرر الواقع فعلًا، أما تضمين عقد المناقصة شرطًا جزائيًّا ينص على غرامة مالية على المشتري إذا تأخر عن سداد الثمن فإنه غير جائز، لأن هذا مثل غرامة التأخير، من الربا المحرم، ولكن يمكن أن تكون الغرامة المالية إذا لم يلتزم بالشراء وكذلك يمكن تضمين عقد المناقصة شرطًا جزائيًّا ينص على غرامة مالية على البائع إذا لم يلتزم بالبيع تبعًا لشروط المناقصة.
وبهذا ينتهي البحث، والملاحظ أنني سرت في هذا البحث على أساس أن الشرط الجزائي مأخوذ من كملة الجزاء أي المكافأة، والمكافأة ثواب أو عقاب، وهنا من باب العقاب.
والله عز وجل هو الأعلم والأعلى، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وشكر الله لكم، واعتذر عن التقصير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التعقيب والمناقشة
الدكتور إبراهيم الغويل:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
إذ آخذ مكبر الصوت لأول مرة فإنه لابد من توجيه التحية للمملكة العربية السعودية ولأمير هذه المنطقة (الرياض) على استضافة اجتماعنا هذا، وتوجيه الشكر الدائم الموصول لفضيلة الشيخ الجليل رئيس هذا المجمع وأمينه العام أيضًا.
الأمر الذي توقفت فيه بالأمس صباحًا ومساءً وهذا الصباح، هو أمر يتعلق بالمنهجية التي نسير بها في معالجة هذه المواضيع، مع تقديم جليل بالاحترام والتقدير لإخواننا الباحثين ممن تقدموا بأبحاثهم لهذا المجمع وما بذلوا من جهد مشكور ، ومقدر دائمًا. المنهجية التي تحدثت عنها سابقًا في هذا المجمع والذين ذكرت أننا في الجماهيرية العربية الليبية قد سرنا عليها لفترة ولكننا لم نكن نعتبرها أنها الطريقة التي تقدم البديل، نحن نأخذ أوضاعًا قننت من قبل غيرنا ونحاول أقصى ما نعمل أن نؤصلها تأصيلًا فقهيًّا يستند إلى تراثنا وفقهنا وشريعتنا، ونحاول تنقيتها مع ما يتعارض تعارضًا واضحًا وصريحًا مع النصوص الشرعية الصريحة، ولكن ليس هذا هو البديل الذي يمكن أن يبدل من أحوالنا ويجعلنا شهداء على الناس فنبدل من أحوالهم وفقًا لشرعة الإسلام، هم يعملون أوضاعًا ويقنون لها ونحن نبحث عن تأصيلها في مصادر تعود إلى فقهنا وإلى شرعنا ولكن الذي كنا نتوقعه والذي يجب أن يظل بديلًا منتظرًا يقدمه هذا المجمع للأمة الإسلامية وللعالم كله هو أن نقدم رؤية تنطلق من شرع الله، ومع أول مرجوع إليه هو القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع الاستئناس بفقهنا وأصولنا.
مثلًا في الشرط الجزائي، نحن ضمن المراجعات التي قمنا بها أول قيام الثورة في أول السبعينيات راجعنا القانون المدني والقانون التجاري وعلى أساس تنقيته مما يتعارض تعارضاً صريحاً مع الشريعة الإسلامية وأصولها، ولكننا لم نكن نعتبر أن هذا هو البديل، وفي ذلك الوقت كنا قد ألغينا الشرط الجزائي لشبهة الربا فيه، وتركنا الأمر يعالج في قضايا التعويض إن كان قد حدث ضرر. الذي أريد أن أقوله: بالأمس عالجنا عقد التوريد ولكننا لم نعالجه ضمن إطار القوانين الإدارية ونظرياته المختلفة. عقد التوريد وعقد الأشغال العامة وعقد إدارة المرافق العامة هو جزء من القانون الإداري الذي لم يقنن في كثير من البلاد، ولكن له نظريات مثل نظرية القوة القاهرة، ونظرية تغير الظروف، ونظرية فعل الأمير وما إليها، وهي أمور إذا أردنا أن نعالجها ضمن إطارها الكامل.
عالجنا بطاقة الائتمان وهي أيضًا ضمن قضية الائتمان أصلًا وما يتعلق بها، وهل الوظيفة الثالثة للنقود وظيفة اختزان أو اكتناز القيمة وظيفة معترف بها في شريعتنا؟ هذه المعالجة التي تنطلق من أصولنا ستكون مختلفة عما يجري. الذي يجري هنا الآن في هذا الشرط الجزائي ومن قبله في بطاقة الائتمان ومن قبله في عقد التوريد هو محاولة تأصيل فكر قد وضعه غيرنا، وشرع له غيرنا، وقنن له غيرنا، ولكننا نحاول أن نبحث له عن تأصيل في مصادر فقهية عندنا، ونحاول أن ننقيه مما يتعارض تعارضًا صريحًا مع الشريعة الإسلامية، ولكنه ليس هو البديل الذي تنتظره هذه الأمة من مجمعنا هذا ليغير من أحوالها ويغير من أحوال العالم كله. لذلك رأيت أن أكرر هذا الكلام الذي سبق أن سمعه إخواني مني، ورأيت أن أصحح لأخي الدكتور علي السالوس حينما أشار فيما يتعلق بالشرط الجزائي وما أورده الشيخ حمداتي أن الكثير من التشريعات فعلًا حاولت أن ترجع إلى أصول ومصادر شرعية لتنقي شرعياتها منه.
فنحن في الجماهيرية قد قمنا بذلك منذ أوائل السبعينيات في مراجعة القانون المدني وتأصيل ما يمكن تأصيله على أساس من مصادر الفقه الإسلامي واستبعاد ما يتعارض تعارضًا صريحًا مع أحكام الشريعة الإسلامية، ولكننا لم نكن نعتبر أن ذلك هو العمل الذي يمكن أن يجتمع له مثل هؤلاء الإجلاء العلماء الذين نتوقع أن تكون معالجتهم تقدم بديلًا إسلاميًّا للعالم الإسلامي وللإنسانية كلها. مع الشكر الواجب للسيد الرئيس والسيد الأمين العام ولمن هم أهل لكل هذا الشكر. وشكرًا لكم.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل أن أعطى الكلمة للشيخ وهبة أحب أن أشير إلى أن موضوع (الشرط الجزائي) سبق التعرض له ضمن قرارين من قرارات هذا المجمع، في القرار الأول في عام (1412هـ) في عقد الاستصناع، جاء فيه ما نصه:" يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطًا جزائيًّا بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة ".
الموضوع الثاني: في قرار السلم في عام (1415 هـ) جاء فيه ما نصه: " لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه – يعني في الديون – لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير ".
الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، فكلنا ألسنة، وبلسان القال والحال نقدم جزيل الشكر والامتنان لما يسمح به معالي رئيس المجمع.
هذه الأبحاث فيها كثير من الاستطرادات وفيها أحيانًا بعض الثغرات، وأحيانًا بعض السلبيات، أما هذا الموضوع فقد جلاه فضيلة الدكتور الصديق الضرير، وأعتقد أن بحثه كان متميزا بالدقة والعمق والشمول وأنه جلي ووضع الضابط الدقيق لما يجوز من الشروط الجزائية وما لا يجوز. فالجائز أن يكون الشرط الجزائي مثلًا في الاستصناع، وفي المقاولات، وفي عقود التوريد، وفي التقسيط أحيانًا بمعنى حلول الأقساط إذ لم يؤد بعضها، وهنا تحل بقية الأقساط، وأما لا يجوز: فكل ما كان الالتزام الأصلي فيه دينًا، وهذا يشمل عقود القرض والسلم وبيع التقسيط فيما إذا كان القصد منه التغريم على عدم قيام المدين بسداد بعض الأقساط، وكذلك أيضًا الفوائد الربوية، أو ما يسمى في بعض البنوك الإسلامية (الربحية) ، فهذا أيضًا لا يجوز ولا يحل. وكذلك الالتزامات التي يفرضها منظم المناقصة على المتقدمين لها فيما لا يخل بالتنفيذ، وإنما فيما يتعلق بسداد بعض الالتزامات.
هذه البحوث في الواقع تعطينا الحل المناسب لهذا الموضوع، أما ما يتعلق ببعض هذه الاستطرادات مثلًا، كالكلام عن فسخ الإجارة بعذر من الأعذار أو ما يتعلق بنظرية الظروف الطارئة أو ما يتعلق بالشروط بصفة عامة، في الحقيقة كل هذه إما تمهيدات أو استطرادات لا تمس صلب الحقيقة بشيء، لذلك كان المرجو أن يكون بحثنا متعلقًا في الموضوع ذاته، وحينئذ نجد أن بعض العبارات فيها شيء من العموم، وعموم أحيانًا غير مقصود، زياد على هذا قرار هيئة كبار العلماء في السعودية، هذا القرار أخذ صفة العموم، وحينما كنا نسأل عن صيغة هذا القرار قالوا إنهم يريدون في إجازة الشرط الجزائي الأمور المتعلقة بالتوريد أو المقاولات، وليس الهدف من إباحة هذا الشرط الجزائي فيما يتعلق بتأخر الديون.
فلذلك جاء بحث الدكتور الضرير مؤكدًا هذا الالتزام بضابط الشرط الجزائي ومحققًا الغاية منه بحيث يدفع الالتباس، ويرفع الحرج عن الناس، وأما فيما يتعلق بمهمتنا فنحن لا نملك إلا الإفتاء، وقراراتنا كلها له صفة الإفتاء، وليس في الإمكان أبدع مما كان، أما مهمة الدول فهي المطالبة بألا تكتفي بإزالة التعارض بين قوانينها وبين الشريعة الإسلامية وإنما يجب أن تبدأ من نقطة الصفر وأن تصدر قوانين مستقلة تعتمد على الأصول الشرعية. لا مانع من أن نستفيد نحن مما هو موجود في الساحة العالمية أو الاقتصادية فنبحث عن حلول لها في الشريعة الإسلامية لأن هذه من المستجدات، فلا عيب فينا حينما نتحدث عن هذه الأمور المستجدة أو القضايا الطارئة ونحاول أن نوجد البديل الإسلامي لها ونقرر ما يتفق مع مصادرنا وأصولنا وأدلة هذه الشريعة.
فهذا في الحقيقة هو أقصى ما نملكه، وأما تكليفنا بأكثر من هذا فهذه مهمة الدول، وتشكر الجماهيرية على التصرف الذي قامت به في بدء السبعينات لكن هل وضعت قوانين مستجدة في غير الحدود نابعة كلها من الشريعة الإسلامية؟ هذا ما لا أعلمه، وإنما الذي أعلمه أن تشريعات الحدود كانت مبادرة جيدة من الجماهيرية في بداية السبعينيات أما بقية القوانين فوقفوا عند هذا الحد وهو إزالة التعارض كما فعلت الكويت أيضًا في إزالة التعارض بين بعض قوانينها وبين الشريعة الإسلامية.
وشكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ علي محيي الدين القره داغي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه.
الشكر الجزيل موصول للأستاذة الباحثين الذين استفدنا من بحوثهم فجزاهم الله خيرًا، والشكر الجزيل لفضيلة الدكتور علي السالوس على عرضه الأمين الطيب القيم، فجزاه الله خيرًا.
عندي ملاحظات حول ما عرض:
بالنسبة للبحوث قرأتها فوجدت أنها أطالت النفس في أحكام الشروط العامة حتى إن بعض البحوث تحدثت عن هذه الأحكام العامة في خمس وأربعين صفحة، والحديث عن الشرط الجزائي تقريبًا عشر صفحات، وبعض البحوث فعلًا قرأتها أكثر من مرة ووجدت أن الأمر عام، وبعض البحوث في غاية من الأهمية والجدية والأصالة. وكنت أود أن تكون البحوث مركزة على ما نحن بصدده، وقد أشار فضيلة الشيخ الجليل رئيس المجلس الموقر الآن إلى قضية كنت أريد أن تكون هذه القضية محور النقاش ومحور البحوث، حيث أشار فضيلته إلى أن المجمع الموقر قد أصدر قرارين بل إن المجمع الموقر قد أصدر أربعة قرارات بخصوص هذا الموضوع: قرار بعدم الجواز في السلم، وقرار كذلك بعدم الجواز في البيع بالتقسيط أيضًا، وقراران أصدرهما بالجواز وهما: قرار في مسألة الاستصناع وقرار بحلول الأقساط في البيع بالتقسيط.
فهذه القرارات إضافة إلى قرارات المجمع الأخرى وهيئة كبار العلماء لها دور كبير جدًا بل إن تعليل المجمع الموقر في قضية السلم بأنه دين كان يمكن أن يكون منطلقًا جيدًا للبحوث، ولكن في الحقيقة بعض البحوث ركزت وبعض البحوث أفاضت في هذه المسائل.
وكذلك كنت أود أن تكون هذه البحوث ترتكز على بعض القضايا المهمة جدًا، فشيخنا الصديق أشار إلى مسألة تكييف الشرط الجزائي هل هو شرط تعويضي أم جزائي؟ نحن كلامنا في الشرط الجزائي في المسؤولية التعاقدية، فلو صدر القضاء بالتعويض هل يجوز للإنسان المسلم أن يأخذ هذا التعويض؟
هناك ثلاثة آراء في مسألة الشرط الجزائي، فمنهم من يجيز الشرط الجزائي مطلقًا بناء على ظاهر كلام شريح، والمستند الذي استند عليه قرار أو فتوى هيئة كبار العلماء باعتبار أن هذا تم بالاتفاق وهذا غير الربا، لأن الربا زيادة في مقابل، يعني الإنسان يأخذ مالًا بمال مع الزيادة، وهذا ليس فيه زيادة وإنما هو شرط فليس قصدي التوجه للإباحة، وإنما هناك حقيقة أن هؤلاء ذكروا أن منهم من يجيز مطلقًا ومنهم من يعتمد على ظاهر النصوص وبعض الآثار، ومنهم من يمنع مطلقًا حتى في الاستصناع وغيره، ومنهم من أجاز مع التخلص من غرامة التأخير لوجوه الخير. وقد صدر بذلك فتوى من إحدى الندوات أو حلقات البركة. هذه الآراء التي صدرت آراء أسندت إلى أصحابها وبعضها صدر به قرارات من الندوات العلمية الأصيلة. كان بودي في الحقيقة أن تناقش هذه الآراء على منهجنا الفقهي دون تعصب، ونذكر آراءهم ونناقش أدلتهم ثم نصل إلى الترجيح.
حقيقة هذه جملة من الملاحظات، واعتقد أن هذه الأشياء التي أشرت إليها من خلال المداخلات ومن خلال لجنة الصياغة يكون القرار شاملًا إن شاء الله، حتى نتخلص من هذه الفوضى التي تعاني منها البنوك الإسلامية والفتاوى المضطربة التي تصدر من هيئات الرقابة الشرعية فمنهم من يجيز، ومنهم من لا يجيز، ومنهم من يجيز بقيود.
فأملنا كبير أمام هذا الجمع الكبير وهذه الإدارة القيمة، فجزاكم الله خيرًا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس
فيما يتعلق ببيع التقسيط ليس فيه ذكر للشرط الجزائي وإنما هو شرط التعويض، وقرار المجمع التحريم على أنه ربا محرم، ولهذا ليس مستدركًا على قراري الاستصناع والسلم.
الشيخ محمد عبد الرحيم:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولًا: أشكر سماحة الرئيس على إتاحة الفرصة للمداخلة.
ثانيًّا: أشكر للباحثين جهودهم في إبراز المسألة ومحاولتهم إيجاد حل وحكم للقضية محل البحث.
ثالثا: هناك مداخلة تقتصر على بعض النقاط في بحثين وهما: بحث معالي القاضي محمود شمام وبحث الشيخ محمد علي التسخيري.
بالنسبة لبحث القاضي محمود حديث شراء النبي صلى الله عليه وسلم البعير من جابر لا أرى فيه شرطًا جزائيًّا بالمفهوم الذي يبحثه المجمع. وكذلك لا يمكن التسليم للباحث بأن الشرط الجزائي لا يناقض العقد ولا ينافيه ولا يفسده مطلقًا، بل في كثير من الأحيان يناقض العقد وخاصة في صورة ما إذا كان الشرط الجزائي أكثر من العقد.
النقطة الثالثة في هذا البحث: ذهب إلى جواز اشتراط الغرم بأكثر من الضرر الفعلي، أليس اشتراط الغرم بأكثر من الضرر الفعلي يؤدي إلى الإضرار الفاحش بالمتعهد ويكون من قبيل أكل أموال الناس بالباطل؟
كذلك ذكر في بحثه (أن الفقهاء ورجال القانون يحترمون إرادة الأطراف وحريتهم في اشتراط الشروط ولا يسعون لتقييدها والحد منها حتى ولو ظهر أن فيها إفراطًا أو تهورًّا) ، وهذا الكلام غير مسلم للباحث، فالفقهاء لا يقبلون بالإفراط، والأطراف ليس لهم الحرية في اشتراط ما يشاؤون بل هم مقيدون وممنوعون من أي شرط يحل حرامًا أو يحرم حلالًا.
ثم ذكر قضية طالب فيها صاحب العمل إتمام البناء على نفقة العامل مع دفع الشرط الجزائي، وترتب على ذلك ما يأتي:
1-
المبلغ المحدد للغرامة يزيد عن تكلفة البناء.
2-
جمع صاحب العمل بين عوضين: إتمام البناء والشرط الجزائي.
ترتب على ذلك أن صاحب العمل أخذ البناية دون مقابل ولم يعقب معاليه بأنه هل يؤيد هذا الحكم أم لا؟
ثم ذكر بعد ذلك في بحثه أن التشريع الإسلامي حث على سلوك طرق الإثبات بالكتابة، ومفاد ذلك أن النصوص لها حرمتها وليس من حق القاضي الإقدام على إلغائها أو تفسيرها تفسيرًا ينافي أهدافها ومراميها.
والسؤال: حتى وإن كان فيها إجحافًا وظلمًا بينًا؟
أما بخصوص بحث الشيخ محمد على التسخيري ذكر في بحثه – ولو أن موضوع الرق ليس أوانه الآن إلا أن تمثيله لهذا المثل – فقال: فإذا زوجه أمته بشرط أن يكون ولدها رقًا، فإن الشرط في جميع هذا الموارد باطل لأن مخالفة الكتاب والسنة لا يسوغهما شيء.
الذي أراه أن المثال غير صحيح لأن من المقرر عند الفقهاء أن الولد يتبع الأم حرية أو رقًا، فلا داعي لاشتراط ذلك، ومن ثم حرم الله الزواج بالإماء عند التمكن من الزواج بالحرائر تجنبًا لرق الأبناء. إذن هنا لا يوجد شرط خالف الكتاب والسنة. وقد يكون العكس صحيحًا لو اشترط حرية الأولاد.
كذلك يرى الباحث أن العقد إذا اشترط فيه إثبات حق الفسخ مقابل دفع مبلغ من المال فإنه عقد صحيح وشرط جزائي صحيح، لكن إذا اشترط دفع المبلغ بمجرد الانصراف عن إتمام العقد دون شرط حق الفسخ فإن الشرط باطل لعدم وجود شيء مالي يقابل الشرط.
فكأنه يجيز شرط المال مقابل حق الفسخ دون مجرد الانصراف، وهذا غير واضح. هذا أولًا.
ثانيًّا: لو اشترط لنفسه حق الفسخ عند بيع النقدين مقابل مبلغ من المال فهل يصح في رأيكم؟
كذلك ذهب الباحث إلى عدم اشتراط وقوع الضرر لثبوت الشرط الجزائي، وهذا توسع يفتح أبوابًا لأكل أموال الناس بالباطل.
كذلك ذهب الشيخ إلى وجوب أداء الشرط الجزائي وإن كان تأخيره ناشئًا عن سبب اضطراري خارج عن إرادته، بل وإن كان سببًا أو بلاء عامين ومثل لذلك بالحرب والثورة والإضراب الذي لا دخل له بأحدها.
وهذا القول غريب، لا سيما وقد ذهب المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الدورة الخامسة إلى أن المشقة المرهقة بالسبب الطارئ الاستثنائي توجب تدبيرًا استثنائيًّا يدفع الحد المرهق منها، وبنت على ذلك أن الخسارة المعتادة في تقلبات التجارة لا تأثير لها في العقود لأنها من طبيعة التجارة وتقلباتها التي لا تنفك عنها، ولكنها إذا جاوزت المعتاد المألوف كثيرًا بمثل تلك الأسباب الطارئة الآنفة الذكر توجب عندئذ تدبيرًا استثنائيًّا.
وشكرًا سماحة الشيخ.
الشيخ عبد اللطيف الفرفور:
بسم الله الرحمن الرحيم،
الشكر للسيد الرئيس، والشكر للباحثين الكرام باعتبار هذه الكلمة أول كلمة لي في مجمعنا الموقر.
الواقع أننا في هذه الأبحاث الكريمة التي كتبها الباحثون الكرام من الزملاء – جزاهم الله عنا كل خير – نحتاج إلى وضع الضوابط أكثر مما نحتاج إلى جمع المعلومات أو تنخلها. ففي قضية الشروط الجزائية هناك ثلاثة تيارات كما تفضل الزملاء، وقرأت أكثر هذه الأبحاث: تيار كان سابقًا قائمًا وهو الجواز مطلقًا، وتيار يحظر ويمنع، وتيار ثالث يفصل. وطبعًا التيار الذي يفصل هو التيار الذي ترتاح إليه النفوس، وفي الواقع نحتاج إليه، لكن لابد لنا من نصب الضوابط، وقد أعجبت كل الإعجاب ببحث أستاذنا الشيخ الصديق الضرير فقرأته أكثر من مرة وسررت لوضع ضابط عام له في هذا الموضوع ولكن ربما نحتاج إلى نصب أكثر من ضابط، فهذا الموضوع مفتوحًا للدراسة، فهنالك مثلا ضابط استبعاد شبهة الربا مطلقا في قضية الشروط الجزائية واستبعاد المداينات بصورة عامة عن الشرط الجزائي إلا أن الصور التي استثنيت في الأبحاث فلكل قاعدة استثناء، وبصورة عامة فإن وظيفة مجمعنا الموقر أن ننصب الضوابط وأن نقعد القواعد وأن نؤطر الأطر التي يتخرج منها القرار منضبطًا لا عائمًا، فلسنا في مجال المحاضرات والدراسات وإنما نحن في مجال التقعيد والضبط.
أسأل الله السداد والرشاد، وشكرًا لمجمعنا الكريم برئاستكم، وشكرًا كذلك معالي الأمين العام، وأشكر حسن إصغائكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عكرمة صبري:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه،
بادئ ذي بدء أشكر فضيلة الرئيس والأمين العام للمجمع، كما أشكر الإخوة الباحثين والأخ الدكتور السالوس الذي عرض الأبحاث. وأبدأ مداخلتي على شكل نقاط:
النقطة الأولى: إن القواعد العامة للشريعة الإسلامية تتوسع في موضوع الشروط، وهذا يؤكد على مرونة التشريع الإسلامي وقدرته على مواكبة الأحداث وحل القضايا المستجدة، وهذا ما يثري الفقه الإسلامي. فإن إقرار الشرط الجزائي ليس بأمر مستهجن لأن القواعد العامة للشريعة الإسلامية تتوسع في موضوع الشروط ما لم يحرم حلالًا أو يحلل حرامًا، وهذا هو الضابط العام لموضوع الشروط.
النقطة الثانية: هناك نصوص شرعية تحتاج إلى آلية تنفيذ. يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، وفي الحديث النبوي الشريف يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:((مطل الغني ظلم)) ، فما الآلة التي تحفظ حقوق الناس؟ وكيف نستطيع أن نطبق النصوص الشرعية؟ فأرى أن من ضمن الوسائل المشروعة هو إقرار الشرط الجزائي وبخاصة بأننا نعيش في ظرف كثرت فيه المماطلات وأكل أموال الناس بالباطل وكذلك كثرت فيه أساليب النصب والاحتيال، فلابد من المحافظة على حقوق الآخرين.
النقطة الثالثة: الضابط للشرط الجزائي: إذا طرأت ظروف قاهرة لا يجوز العمل في حينه بالشرط الجزائي، والذي يقرر الظروف القاهرة هم أهل الخبرة وأهل المعرفة والدين ليقولوا بأن الشخص المطلوب منه الالتزامات أو المتعاقد قد طرأت عليه ظروف قاهرة وبالتالي يحصل هناك التحكيم، لكن الأصل هو إقرار الشرط الجزائي.
أيضًا ضابط آخر وهو موضوع الربا. لا أرى داع لربط الشرط الجزائي بالربا. من السهل أن نجنب الشرط الجزائي الربا، ولا داعي لأن يكون هناك أي اتصال بين الشرط الجزائي والربا.
النقطة الأخيرة فيما يتعلق بتصرفات الدولة أو المؤسسات العامة بحق المواطنين الذين لا يوفون ما في ذممهم، وهذا أمر أصبح منتشرًا مع الأسف في عدم دفع المواطنين الفواتير المطلوبة منهم في الكهرباء، وفي الماء، وفي الهاتف، وغير ذلك، فإن الدولة أو المؤسسات العامة حتى تحفظ حقها لابد وأن تضع آلية لاستيفاء هذه الحقوق، والذين كانوا يعترضون على موضوع الشرط الجزائي هم الذين لا يدفعون ما في ذممهم، فإن اعتبروا أن الشرط الجزائي غير مشروع فليدفع ما في ذمته للآخرين ولكن الذي يحصل أن الذين يأكلون حقوق الآخرين يتمسكون بأن الشرط الجزائي غير مشروع، وعليه هو غير مقر بالشرط بالجزائي، في نفس الوقت غير مبرئ ذمته لدفع ما يطلب منه. فأرى أن الشرط الجزائي من حيث المبدأ هو مشروع وينطوي تحت القواعد العامة الشرعية، وأرى أيضًا أن ما تقوم به المؤسسات العامة والدولة لحفظ حقوقها من فرض الشرط الجزائي على المواطنين الذين يماطلون والذين لا يدفعون حقوقهم المترتبة عليهم.
وأخيرًا فإنني أقدم توصية في هذا المجال بأن نطالب المواطنين ونطالب جميع المسلمين أفرادًا ومؤسسات بأن يوفوا ما في ذممهم وأن يدفعوا الحقوق المترتبة عليهم حتى لا يتعرضوا للشرط الجزائي. وبارك الله فيكم وشكرًا لكم.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم
عندي ملاحظات:
الأولى: ما جاء في بحث الشيخ الصديق الضرير حيث قال: " لا نتوقع وجود نص في القرآن أو السنة أو قول لصاحبي أو فقيه من المتقدمين في حكم الشرط الجزائي الذي بينا حقيقته في القانون "، ثم عمد إلى تلمس أشباه هذا الموضوع فأتى بشبهه بالعربون وشبهه بالإدخال (إدخال الواعد الموعود في أمر لم يدخل فيه لولا الواعد) ، وأدخل ركابك فإن لم أرحل معك فلك كذا، وبالرهن والكفيل، وأشار إلى أنه معاملة مستحدثة. وكل هذه جهود فقهية مبرورة مأجورة مشكورة، ولكني أطلعت على المغنى لابن قدامة فعثرت على نص فقهي يصلح أساسًا للشرط الجزائي، وهي مسألة من مسائل الإجارة يقول:" إذا قال الشخص لمن يخيط ثوبًا: إن خطت هذا الثوب بيومين فلك كذا، وإن خطته في يوم واحد فلك كذا "، هذه مسألة مقررة في الإجارة وهي تنظر إلى أن المنفعة تتأثر بالزمن الذي تسلم فيه. فالمقاول إذا سلم المصنوع أو المشروع في زمن مثلًا ستة أشهر يختلف أجره ومقابله عمّا إذا سلمه في تسعة أشهر مثلًا، من هذا المنطلق كان من النصوص الفقهية القديمة التي يستأنس بها: أن تقدير العمل المطلوب وليس الدين الملتزم في الذمة يتأثر بالتأخر.
هذا ما أحببت أن أنوه به وأشير إليه، وهذا أيضًا يجيب على تساؤل طرحه بالأمس أحد أعضاء هيئة التدريس بكلية الهندسة بأن عقد التوريد يجب أن يكون له ثمنان، فربما يمكن أن يقال مثلًا في عقود تسليم الأعمال: إذا سلم العمل في تاريخ كذا فله ثمن كذا. وهذا يختلف عن البيع، فالبيع يجب أن يكون له ثمن واحد لأنه ليس فيه منفعة ولا عمل ولا صنع، وأما إذا كان كالإجارة أو الاستصناع فمن الممكن ترديد الثمن بما يغطي فترة التبكير أو التأخير.
الثانية: أيضًا جاءت في بحثه القيم وهو أنه أشار في الصياغة التي اقترحها وهي صياغة نفيسة بأنه يشترط لاستحقاق التعويض بالشرط الجزائي أن يلحق المشترط ضرر حيث يقول في البند الخامس: " لا يعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شرط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسبب خارج عن إرادته – وهذا طبعًا لوجود نظرية الظروف الطارئة التي أصلها الشرعي مبدأ الجوائح – أو أثبت أن من شرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد ". هذه المسألة تجعل الموضوع عائمًا ومثارًا للجدل وكأنها تبطل مفعول هذا الشرط ولا يتمكن الإنسان من الحصول عليه إلا بعد مراجعة القضاء أو مراجعة الخبراء، وهذا طريق طويل. إذا كان الشرط الجزائي مربوطًا بالتأخير فلا ينظر إلى حصول ضرر أو عدم الضرر، ولا سيما أن النص الفقهي الذي أشرت إليه ربط المسألة بالإنجاز في وقت محدد مبكرًا أو متأخرًا، وقد لا يحصل ضرر من تأخير يوم.
الثالثة: أن بعض الاتفاقيات التي تستخدم الشرط الجزائي تضع نصًا فيه نوع من الرأفة وهو أنه لا يجوز أن يبلغ التعويض حدًا معينًا، لأنه لو فتح الباب على مصراعيه وكان مبلغ المشروع مثلًا مائة ألف والشرط الجزائي خمسة آلاف أو عشرة آلاف مثلًا ومدة المشروع سنة فلو مضى العدد على عدد الأيام قد يزيد عن هذا المبلغ الذي يستحقه الصانع أو المقاول فيقدم هذا العمل مجانًا ويكون ما أخذه المشترط لهذا الشرط كأنه أخذ مالًا بالشرط وليس من خلال سلعة أو تحصيل منفعة مربوطة بزمن، وهذا ربما يكون من باب تطبيق العدل، أو المصلحة بأن يكون هناك حد للشرط الجزائي إما بعدد الأيام – أيام التأخير – أو بمقدار مبلغ التعويض. والله أعلم.
الرئيس
يا شيخ عبد الستار: النص الذي ذكرتموه عن ابن قدامة – رحمه الله تعالى – في المغنى فيما اعتقد أنه منتشر في كلام الفقهاء لكن يبقى ما هو وجه العلاقة بينه وبين الشرط الجزائي.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
وجه العلاقة واضح وهو أنه ربطه بالزمن. يقول: إذا أنجزت هذا المشروع في موعد كذا فلك كذا.
الرئيس:
في الديون المبتوتة، أما هذا فهو تخيير بين عقدين.
الشيخ علي محيي الدين القره داغي:
هذه في رواية عن أحمد، حتى هذا غير جائز لتردده بين أمرين، والحنفية قالوا بالجواز بنص العبارة، أما الحنابلة فلهم في هذه المسألة روايتان، ومثل ما تفضلتم هذا ترديد بين الثمنين أو بين الأجرتين وليس شيئًا بعد الثمن.
الشيخ عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرًا معالي الرئيس
حقيقة نحن أمام أبحاث عرضت لهذا الموضوع بشمولية وتفصيل، وفي طرح هذه القضايا كلمة في المنهج. لابد في الواقع من أن تبلور القضايا محل النزاع حتى ينصب النقاش والحوار على القضايا التي هي محل النزاع، وبالتالي نتداول في الجلسة حول هذه القضايا لتنتهي بعد ذلك إلى ما هو مناسب في معالجتها.
نعم، طرح البدائل بصفة عامة مطلوب والأصل أن يكون التوجه إليه، لكن إذا كانت هنالك صيغة من الصيغ موجودة في التعامل الإنساني وكانت هذه الصيغة في تفاصيلها وفي مدلولاتها لا حرج من الناحية الشرعية في تبنيها، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها، لكن في القضايا الحضارية الكبرى لابد في الواقع من أن يكون منهج طرح البدائل هو الأساس.
الذي أثار موضوع الشرط الجزائي على نطاق واسع هو تجربة البنوك الإسلامية. البنوك الإسلامية بعد أن توسعت في عمليات التمويل وفي قواعد المرابحة وغيرها، بات كثير من الناس لا يقومون بسداد الديون التي تترتب في ذممهم، وبما أن الأصل في موضوع الشرط الجزائي – كما أوضح أستاذنا الشيخ الضرير- أنه لا غرامة ولا شروط جزائية في موضوع الديون، الإشكال ما زال ينمو ويتسع ويأخذ أبعادًا كبيرة في التعامل، عندما تطرح تجربة تشريعية شاملة في قضية من القضايا لابد في الواقع أن تلحظ هذه التجربة في التطبيق لتعالج مشكلاتها. وواضح أن هذا الأمر يتطلب من العلماء والباحثين والدارسين العناية بهذه القضية وإذا كانت لجان الرقابة الشرعية في البنوك أو المستشارين الشرعيين قد تصدوا لهذه القضية فهم يتصدون حقيقة لمشكلة عملية باتت تعاني منها البنوك الإسلامية.
لم ألحظ في الدارسات التي أمامنا هذه القضية بشكل واضح. نص على استثناء موضوع الديون وقيل: إن هذا يتعلق بغرامة التأخير، وغرامات التأخير بت في أمرها، لكن لم تقوم التجربة التي قدمتها بعض الاجتماعات الشرعية في هذا المجال. من حيث النظر إلى الأمر ليس من زاوية الربا (ربا النسيئة) وأن التأخير يقود إلى زيادة على رأس المال إنما من زاوية العقوبة المالية، وبالتالي اشترطوا – الذين قالوا بالجواز وذلك ضمن ما اشترطوا – ألا تعود غرامات التأخير التي ينص عليها من خلال الشرط الجزائي في البنك إنما إلى جهات الخير الأخرى وفي ظني أن كثيرًا من العقود التي تقوم الآن في عدد من البنوك الإسلامية تعتمد هذا المبدأ وتقف طويلًا عند حديث:((مطل الغني ظلم)) وفي الرواية الأخرى: ((لي الواجد ظلم)) ، وفي بعض الروايات:((يحل عرضه وعقوبته)) واستندوا على أن الأمر من قبيل العقوبة المالية وليس الربا لأن الربا يعود إلى صاحب رأس المال. وكون البنوك الإسلامية لجأت إلى هذا الأمر تحت مظلة الشرط الجزائي على أساس أن المعالجات العامة في القوانين والأنظمة لم تتبن هذا النهج باعتبار أن البنوك الإسلامية لا يتبنى نهجها على نطاق واسع في الدول كتبن كامل، وبالتالي كنت آمل من هذه البحوث أن تتصدى للقضية التي هي في الأساس كانت سببًا في طرح هذا الموضوع على نطاق واسع، ويكثر الحديث عن موضوع الشرط الجزائي من أجل هذا الأمر لكن واضح أن علاقة الشرط الجزائي بكثير من الأمور غير هذا الأمر.
وأنا مع البحوث الكريمة التي بين أيدينا والتي تأخذ بالكثير من الحالات التي يجوز فيها الشرط الجزائي وما انتهى إليه التطبيق في كثير من القوانين في البلاد العربية وخاصة القوانين المستمدة من الفقه الإسلامي بالأخذ بمبدأ الشرط الجزائي في شموله، لكن هذا ليس هو الموضوع الملح الذي يحتاج إلى تصدي من هذا المجمع الكبير الجليل لقضية مقتولة بحثًا ومتبناة على نطاق فقهي بشكل لا بأس به في كثير من التشريعات القائمة، وقد بين لنا بحث الشيخ الصديق صورًا من ذلك وكيف أن هذا الأمر متبنى ومأخوذ به.
نحن في تصدينا لهذه القضايا يجب أن نعرض للقضايا التي هي أكثر إلحاحًا والتي فيها مجالًا للخلاف والتي تحتاج إلى استنباط حلول جديدة للمشكلات القائمة وللقضايا الحادثة، أما ما قتل بحثا وتم تبنيه في التشريعات القائمة فهذا حقيقة لا يتطلب منا هذا الجهد وهذا الاستعراض حيث رأينا في بعض البحوث أن معظمها قد تصدى لهذه العموميات ولهذا الأمر المبتوت به، لكن كنت آمل حقيقة أن نأخذ هذا الأمر بشكل تفصيلي خاصة وأنه يقودنا إلى غرامات التأخير بصفة عامة، وأنا قدرت في الواقع الملاحظة الأخيرة التي ختم بها الشيخ الصديق بحثه بقوله: إن بحثه في الشرط الجزائي وليس في غرامات التأخير لكن الشرط الجزائي بات هو المظلة لغرامات التأخير في عقودنا، فلا نكتفي فقط بأنه ليس مما يبحث تحت هذا العنوان، هو في الحقيقة بات يبحث تحت هذا العنوان وبالتالي لابد من التصدي له بشمولية ولابد من الإطلاع على ما كتب في هذا المجال. أذكر أن البحوث التي قدمت لندوة البركة السابعة، والثامنة والتاسعة قد عالجت هذا الموضوع في إطار العمل بالبنوك الإسلامية، وكنا نأمل أن نرى انعكاسات هذه البحوث على البحوث المقدمة والتي هي بين أيدينا. وأرجو على الأقل أن يستكمل هذا البحث تحت مفهوم العقوبة المالية في المستقبل استئناسًا بما ورد في الحديث النبوي.
وشكرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ حسن الجواهري:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه أجمعين.
أرى الخلط بين الشرط الجزائي وبين التعويض عن الضرر الواقع بسبب عدم الوفاء بالعقد.
طبعًا الشرط الجزائي الذي هو واقع في الخارج في العقود أعم من تعويض الضرر، والدليل عليه هو تحديده عند بدء العقد، بينما إذا كان تعويضًا عن الضرر فلابد ألا يذكر من أول العقد بل يحدده الأخصائيون بعد ثبوت الضرر، ويؤيد ما ذكر من أن الشرط الجزائي أعم من تعويض الضرر قرار المجمع في دورته السابعة قال:" إن الشرط الجزائي يكون بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان "، ومعنى ذلك أنه قد يكون أكثر من الضرر، وقد يكون أقل، أو بقدره، أو ليس في صورة وجود ضرر أصلًا.
إذن صحة الشرط الجزائي عن القول بعدم جواز بيع العربون كما صرح بذلك الدكتور السالوس من القول بأن الوعد ملزم، هذا ليس مما حسمه قرار المجمع بشأن الوفاء بالوعد والمرابحة للآمر بالشراء، لأن قرار المجمع أخص من الشرط الجزائي الذي يراد بحثه هنا. فقرار المجمع يقول: الوعد ملزم للواعد ديانة إلا لعذر، وهو - أي الوعد – ملزم قضاء إذا كان معلقًا على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد، وأثر الإلزام يتحدد بصورتين:
- إما الوفاء بالوعد وتنفيذه.
- وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلًا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر.
أقول: هذه صورة واحدة من الشرط الجزائي أقرت من المجمع، بينما كلامنا في الشرط الجزائي الذي يستحقه المشترط عند عدم التزام المشترط عليه سواء كان هناك ضرر أم لا، وسواء كان الضرر بقدر الشرط الجزائي أو أكثر، وهذا يختلف عن التعويض عن الضرر الذي يتوقف على نقطتين:
أولًا: إثبات أصل الضرر.
ثانيًّا: تقدير الضرر.
فالتعويض عن الضرر حتى لو ثبت الضرر، وقدر فهو أخص من الشرط الجزائي المبحوث عنه والذي يذكر في العقود، فلابد للمجمع أن يقول كلمته في الشرط الجزائي الذي هو أعم من التعويض عن الضرر أو على الأقل هو أعم من تحديد مقدار الضرر الذي يثبته الأخصائيون إذا قلنا: إن الشرط الجزائي مختص بصورة الضرر. حتى لو قلنا: إنه مختص بصورة الضر إلا أنه أعم من تحديد مقدار الضرر الذي يثبته الأخصائيون فيما بعد لأنه قدر من الأول وذكر من الأول وحدد من الأول.
بالنسبة لقرار المجمع في دورته السابعة جوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطًا جزائيًّا بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم يكن هناك ظروف قاهرة. أنا أحب أن أقول إن هذا الإطلاق لو قيد يكون أجمل وأحسن، لأن هذا الإطلاق يشمل عقد الاستصناع الذي يكون على أمر كلي كصناعة الطائرات أو القطارات مثلًا الموصوفة وتأخر البائع عن تسليمها في وقتها المحدد، فيدفع البائع عن كل يوم تأخر فيه – مثلًا – مقدرًا من المال كشرط جزائي، إلا أن هذا سوف يدخل في الربا الجاهلي لأن المشترى دين في ذمة البائع، فإن تأخر البائع عن التسليم وألزمناه بالشرط الجزائي فمعنى ذلك تأخر قضاء الدين في مقابل المال وهو الربا المحرم. ولذا أرى أن يقيد مثلًا صحة الشرط الجزائي في عقد الاستصناع بهذه الجملة:(إذا لم يف المستصنع بالعقد أصلًا) ، ولا تترك على إطلاقها لأنها تشمل ما إذا تأخر عن تسليم ما استصنع له. طبعًا وإن كان هذا المعنى الذي أقوله هنا في التقييد لهذه العبارة المطلقة هو مفهوم إذا ضممنا فقرة ثانية من قرارات المجمع في عدم صحة الشرط الجزائي في السلم. إذا ضممنا تلك الجملة مع هذه الجملة يكون المعنى واضحًا، ولكن إطلاق الجملة هنا لوحدها يشمل صورة ثانية.
الشيء الذي أذكره فقط في هذه النقطة هو أن الشرط الجزائي عند الإمامية في صورة جوازه في الإجارة أو في بيع الأعيان الخارجية وعدم تسليمها في موعدها المحدد وبالخلاصة في كل مورد جوزوا الشرط الجزائي إذا لم يكن ربا ، محرمًا آخر هو جائز ما لم يحط بجميع الأجرة أو جميع عوض المعاوضة، وفي ذلك نصوص يستدلون بها على أن الشرط الجزائي جائز ما لم يحط بجميع الكراء في الإجارة أو ما لم يحط بجميع ثمن المعاوضة في المعاوضات في صورة جوازه الذي لم يؤد إلى محرم آخر. وشكرًا.
الشيخ عوض عبد الله أبو بكر:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حمدًا يليق بجلاله وكماله وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أولًا: أود أن أنضم إلى قافلة المتقدمين بالشكر إلى حكومة خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – على استضافتها هذه الدورة من دورات المجمع، ثم الشكر الموصول لمعالي الشيخ رئيس المجمع بارك الله فيه وله، ومعالي الأمين العام متعه الله بالصحة والعافية.
أما مداخلتي في هذا الموضوع على قصرها ومنعًا للتكرار لما قيل فأول ما أود التحدث عنه عن منهجية البحث، وقد سبقني بعض المعقبين وهي أن الشرط الجزائي جائز إلا في المواضع التي يكون الشرط الجزائي يقضي بزيادة في الدين على المدين لأجل التأخير لما يفضي إليه من الربا المحرم، ولعل هذه قاعدة عامة ينبغي أن تكون في قرار المجمع وهو أن الشرط الجزائي جائز إلا إذا كان يقضي بزيادة في الدين وذلك من أجل التأخير في الدين.
ملاحظتي أيضًا على بحث الشيخ السالوس أنه قد ذكر أنه يرى حرمة الشرط الجزائي في عقود المناقصات إذا أدت إلى غرامة مالية إذ أن هذه الغرامة المالية تمثل زيادة في الدين نظير التأخير.
وفي نظري أن هذا الرأي مقبول إذا انتهت المناقصة إلى دين في ذمة المشتري، غير أن المناقصة قد تكون في شكل مقاولات، فإن التزام المقول هنا عمل ولا يكون الشرط الجزائي إذا قضى بغرامة مالية نظير العمل لا يكون ربا من الربا المحرم، وقد بين ذلك شيخنا الضرير في بحثه إذا فرق بين الالتزام بالعمل والالتزام الذي هو دين.
وشكرًا جزيلًا.
الشيخ الصديق الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
المقصود من النظر في المعاملات الجارية في البلاد العربية هو بيان هل هي مقبولة شرعًا أم غير مقبولة؟ وهذا هو السبب الداعي إلى النظر في حكم الشرط الجزائي. المتحدث عنه هو الشرط الجزائي المعمول به في البلاد العربية، هل هو جائز شرعًا ومقبول جملة وتفصيلًا؟ أم مرفوض جملة وتفصيلًا؟ أم مقبول في الجملة مرفوض في بعض جزئياته؟ هذا هو المنهج الذي سرت عليه في بحثي في هذا الموضوع.
النقطة الثانية: مسألة العقود التي تعرض إليها المجمع:
ذكرت في البحث هذه العقود واستأنست بها في استخلاص القرارات، والعقود أكثر من أربعة، هي خمسة عقود في الواقع، أذكرها لكم تفصيلًا.
أولًا: ذكرت تحت عنوان العقود التي يجوز فيه اشتراط الشرط الجزائي، وبدأت بما ورد فيه قرار من مجمع الفقه.
الأول: عقد الاستصناع، وهذا صدر فيه قرار هذا نصه (يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطًا جزائيًّا بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان، ما لم تكن هناك ظروف قاهرة) ، وأخضعت هذا القرار إلى ما توصلت إليه بالنسبة للشرط الجزائي.
عقد الاستصناع هذا الذي أصدر فيه المجمع قراره يقابل عقد المقاولة في القوانين الوضعية عندما تكون المادة والعمل من المقاول ويطابقه تمامًا على الرأي القائل: إن عقد الاستصناع عقد ملزم، وهو ما قرره مجمع الفقه. هذا القرار يجيز اشتراط الشرط الجزائي في عقد الاستصناع ويلزم المتعاقدين بتنفيذ ما اتفقا عليه ما لم تكن هناك ظروف قاهرة. ويلحظ على هذا أن القرار يضع شرطًا واحدًا لاستحقاق الشرط الجزائي المتفق عليه في العقد، هو ألا تكون هناك ظروف قاهرة تمنع تنفيذ العقد. هذا الشرط يقابل شرط وجود الخطأ من المدين الذي يشترطه القانون لاستحقاق الشرط الجزائي، ولكن القرار لم يشر إلى باقي الشروط التي يشترطها القانون والتي أوردتها في بياني لحقيقة الشرط الجزائي، لابد من الرجوع إليها والتحقق منها، فهل يفهم من هذا أن القرار لا يشترط حدوث ضرر لاستحقاق الشرط الجزائي؟
جميع القوانين في البلاد العربية التي لا تلتزم بالشريعة، والقوانين في البلاد التي تلتزم بالشريعة (القانون الأردني والقانون السوداني) تشترط حدوث هذا الضرر. وهذا خلاف ما أشار إليه الأخ الدكتور عبد الستار وأراد أن يحذف ما اقترحته من أنه إذا ثبت عدم الضرر لا يستحق التعويض، هذا محل اتفاق بين جميع القوانين، وهو العدل لأن الشرط الجزائي هو اتفاق على التعويض لكنه يفترض أن التعويض حدث وأن هذا الاتفاق مقابل هذا الضرر. ولذلك ألقى عبء إثبات عدم الضرر على الطرف الآخر، لكن المفترض أن هناك ضرر وأن التعويض أو المبلغ الذي اتفق عليه مساو لهذا الضرر ما لم يثبت خلافه.
ففي هذا القرار الجزئية هذه غير واضحة ولذلك أنا قلت: ينبغي ألا يفهم هذا من القرار لأن القرار لم يصدر بناء على دراسة للشرط الجزائي، وإنما جاء ذكر الشرط الجزائي عرضًا في بعض البحوث عن عقد الاستصناع، والقرار لم يقصد منه بيان أحكام الشرط الجزائي كلها وإنما قصد منه جواز اشتراطه في عقد الاستصناع بصفة عامة، فيجب أن يخضع لكل شروط ثبوت التعويض في الشرط الجزائي.
ويلاحظ أيضًا – وهذه نقطة أشار إليها بعض المتحدثين – أن القرار لم يفرق بين ما إذا كان الشرط الجزائي على الصانع إذا أخل بالتزامه أو على المستصنع إذا أخل بالتزامه في دفع الثمن في موعده. والواجب التفرقة بينهم لأن الشرط الجزائي يجوز اشتراطه على الصانع ولا يجوز اشتراطه على المستصنع، لأن اشتراطه على المستصنع إذا تأخر في الدفع ربا محرم من غير شك.
وقد جاء في بعض البحوث التي سبق وأن قدمت في ذلك إلى أن هذا الشرط الجزائي يسري في الحالتين، وهذا خطأ واضح.
الحالة الثانية هي عقد البيع بالتقسيط والذي ورد فيه أيضًا قرار من المجمع، وهو:(يجوز شرعًا أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط) . هذا شرط جزائي منصوص عليه في القوانين، القانون المدني المصري ينص على هذا الشرط، وإن كان هذا في الواقع لا يوجد فيه تعويض مالي لكنه تعويض من ناحية أخرى، لا مانع فيه، وقبلته القوانين وأقره المجمع فهو مقبول شرعًا.
هناك قرار آخر في هذا الموضوع وهذه نقطة مهمة بالنسبة للقرارات: (يجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر الأقساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الأقساط المستحقة عليه ما لم يكن معسرًا)، نص آخر:(إذا اعتبر الدين حالًا لموت المدين أو إفلاسه أو مماطلته، فيجوز في جميع هذه الحالات الحط منه للتعجيل بالتراضي) . هذا المثال من أمثلة الشرط الجزائي المنصوص عليها كما قلنا في القانون. لكن يلحظ أن المجمع أصدر في الشرط الجزائي في البيع بالتقسيط قرارين في الدورتين اللتين بحث فيهما عقد البيع بالتقسيط. القراران يتفقان في جواز الشرط الجزائي في عقد البيع بالتقسيط ولكنهما يختلفان في الآتي:
أولًا: القرار نص على أن الاشتراط يكون في حالة البيع بالأجل، أما القرار الثاني فعبر باتفاق المتداينين، وهذا التعبير يشمل دين البيع كما يشمل دين القرض، وهذا يعني أن المجمع أجاز هذا الشرط الجزائي في القرض إذا كان أداؤه مقسطًا.
ثانيًّا: القرار الأول عبر بتأخر المدين، والقرار الثاني عبر بامتناع المدين وفرق بين التعبيرين.
ثالثًا: استثنى القرار الثاني من تطبيق الشرط الجزائي حالة إعسار المدين ولم يتعرض لها القرار الأول، لا مانع هنا أن نحمل هذه على تلك.
رابعًا: زاد القرار الثاني فقرة بين فيها ما يدفعه المدين المماطل الذي حكم عليه بحلول الأقساط الباقية بناء على الشرط الجزائي، هل يدفعها كاملة، أم يحط عنه منها للتعجيل؟ فبين القرار أنه يجوز في هذه الحالة الحط من المبلغ للتعجيل بالتراضي، وعلقت على هذا بأن هذا الحكم غير كاف في نظري وكان الأولى أن يكون القرار باتًا في الحكم بالحط للتعجيل أو عدمه لا أن يترك الأمر لتراضي الطرفين، ثم بعد ذلك ذكرت عقودًا منع مجمع الفقه الإسلامي اشتراط الشرط الجزائي فيها، وهي عقد البيع بالتقسيط، ففي حالة أجازه وفي حالة منعه. لا مانع من هذا. القرار هو: إن تأخر المشتري (المدين) في دفع الأقساط، عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط، لأن ذلك ربًا محرم، وهذا هو ما قررته في اقتراحاتي، هذا القرار يمنع الشرط الجزائي في حالة تأخر المدين عن الأداء، سواء أكان الدين دين قرض أم دين بيع، لأن هذا ربا محرم، ويفهم من هذا القرار والقرار السابق أن العقد الواحد يجوز أن يشترط فيه الشرط الجزائي من جهة، ولا يجوز اشتراطه فيه من جهة أخرى.
القرار الثاني هو عقد السلم، فأصدر مجمع الفقه القرار التالي:(لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير) .
هذه هي القرارات التي صدرت والتي ضمنت مضمونها كلها فيما اقترحته من قرارات.
انتقل بعد هذا إلى كلام الدكتور عبد الستار واعتراضه على الاقتراح الخامس الذي ينص على: " لا يعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شرط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسبب خارج عن إرادة، أو أثبت – وهذا هو موضع الاعتراض الثاني – أن من شرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد ". يعترض الدكتور عبد الستار على العبارة الأخيرة ويريد أن يطبق الشرط الجزائي سواء حدث ضرر أم لم يحدث. هذا هدم للشرط الجزائي من أصله، لأن الشرط الجزائي هو:(تقدير اتفاقي عن التعويض) ، فتطبق عليه شروط التعويض كاملة، وجميع القوانين نصت على هذا، على أنه لابد من حدوث ضرر. لكن هذا الحدوث مفترض بحكم اتفاق الطرفين فالطرف الذي يدعي أنه لم يحدث ضرر عليه أن يثبته، إذا لم يثبته فالضرر حاصل، ولهذا اعتراض الدكتور عبد الستار لا محل له في نظري.
أيضًا الدكتور عبد الستار اعترض على عبارتي بأنه لا يوجد نص في القرآن ولا في السنة ولا من فقيه من المتقدمين، وجاء بمسألة عارضه فيها السيد الرئيس وهي عبارة المغني، لا علاقة لها بموضوعي، المدار ليس على الزمن، المدار على التعويض عن الضرر، هل حدث ضرر أو لم يحدث؟ هذا هو مدار التعويض، لا علاقة لهذا بالزمن، وهذا كما قلت لكم هو الذي مشت عليه جميع القوانين ولذلك تطبق كل الشروط التي تطبق في حالة التعويض.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
نجعل سقف للتعويض أو حد أعلى للتعويض.
الشيخ الصديق الضرير:
لا يوجد حد أعلى للتعويض.
تعليقي الأخير هو أن بعض الإخوة يعترض على التسمية. التسمية المتعارف عليها هي الشرط الجزائي، وهذه ترجمة. أصل هذا الموضوع جاءنا من الغرب، الأصل فيه القانون الفرنسي، أخذه عنه القانون المصري، وترجمة بالشرط. الجزائي، وهو موجود أيضًا في القانون الإنجليزي. القانون الإنجليزي يفرق بين اثنين وهما عبارة (penalty) وهذه تترجم بالشرط الجزائي، وعبارة أخرى (liquidated damages) والتي هي التعويض عن الضرر. القانون المصري عندما أخذ هذه العبارة استعمل كلمة الشرط الجزائي، الدكتور السنهوري عندما أراد أن يشرح هذا القانون وضع بين قوسين أو لعله وضع قوسان في الأول (التعويض عن الضرر) وبين قوسين (الشرط الجزائي) ليدلنا بذلك على أنه يتحدث عن التعويض عن الضرر، وجميع البلاد العربية أخذت هذا عنه فاستعملت التعويض عن الضرر، ولذلك أنا استبعدت عبارة (الغرامة الجزائية) لأن هذه غرامات تفرض من الدولة على المقاولين لا دخل لها بالشرط الجزائي الذي نتحدث عنه.
هنالك جزئية تعرض لها الدكتور رفيق المصري تتعلق بعقد التوريد، وفرق بين حالتين، وذلك في بحثه عن مناقصات العقود الإيجارية، وقال:" رأينا الشرط الجزائي – مسألة دقيقة يستحسن أن أعرضها عليكم – التمييز بين التخلف والتأخير " ويقول الدكتور رفيق: " وعلى هذا فإن الرأي في الشرط الجزائي إن كان لعدم التنفيذ فهو جائز ويأخذ حكم العربون وإن كان اشتراط الشرط الجزائي لأجل التأخير في التنفيذ فإنه غير جائز، لأنه يكون في حكم ربا النسيئة – والله أعلم – وبهذا نكون قد ميزنا في الشرط الجزائي بين التخلف الذي هو عدم التنفيذ وبين التأخير وبهذا تمتنع غرامات التأخير في عقد التوريد "، وأنا مشيت في بحثي على أنه لا فرق بين غرامات حالة التأخير أو حالة عدم التنفيذ، وهذا ما مشت عليه كل القوانين وأقره مجمع الفقه، لكن الدكتور رفيق يرفضه، ما حجته؟ يقول الدكتور رفيق:(إذا اعتبرنا أن المبيع المستحق التسليم في أجل محدد ضرب من الالتزام يساوي الدين فإن في غرامة التأخير شبهة ربا النسيئة (تقضي أو تربي) هذه هي عبارته. ووافق الدكتور رفيق كل من الشيخ حسن الجواهري والدكتور علي محيي الدين القره داغي، ثلاثتهم فرقوا بين عدم التنفيذ وبين التأخير. أجازوه في حالة عدم التنفيذ ومنعوه في حالة التأخير للعلة التي ذكرها الدكتور رفيق، ولست معهم في هذا الرأي لأن ما استدل به الدكتور رفيق غير مقبول عندي.
استدلال الدكتور رفيق هو أن المبيع المستحق التسليم في أجل محدد ضرب من الالتزام يساوي الدين هذه هي حجته أقول: كون المبيع المستحق التسليم في أجل محدد ضرب من الالتزام لا خلاف فيه، وأما كون هذا الالتزام مساويًّا للدين فغير مسلم لأن الالتزام أعم من الدين فكل دين التزام وليس كل التزام دينًا، والالتزام في عقد المقاولة ليس دينًا وإنما هو التزام بأداء عمل، والمقاول قد يكون دائنًا لا مدينًا في كثير من الحالات، فالبنوك العقارية تقوم ببناء المساكن مقاولة وتتقاضى المقابل على أقساط بعد تسليم المبنى، وكذلك يفعل كبار المقاولين. والفرق كبير جدًا بين التزام المقاول والمورد، والتزام المقترض والمشتري بثمن مؤجل والمسلم إليه، فالتزام هؤلاء الثلاثة – المقترض والمشتري بثمن مؤجل والمسلم إليه – دين حقيقي ثبت في ذمتهم وأخذوا مقابله فعلًا، أما التزام المقاول والمورد فهو التزام بأداء عمل لا يستحقون مقابله إلا بعد أدائه، فلا يدخله الربا من أي جهة كانت.
واكتفى بهذا وإن كان عندي بعض التعليقات أتركها لضيق الزمن.
شكرًا لكم، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
الشيخ محمد علي التسخيري
بسم الله الرحمن الرحيم
أؤكد أن الشروط الجزائية إنما تصح وفق الأصل الذي يؤكد الوفاء بالعقود، وأن المسلمين عند شروطهم، هذه الأصول تصحح لنا كل شرط دخل في العقد ورضي عليه المتعاقدان مهما كان الأعم من الشرط الجزائي وغيره، فهو طبق الأصل مقبول من الفقهاء، وبطبيعة الحال مقبول من الحاضرين والباحثين هذه نقطة أقولها لكي أرد على من يقول بأن الشرط الجزائي أمر مستحدث أو أمر لم يعرفه الفقه من قبل، وهو طبق القاعدة وطبق هذه النصوص الشريفة. ومن هنا أفرع على أني أعتقد أن الشرط الجزائي ليس دائمًا مجرد اتفاق على التعويض عن ضرر، وإنما هو تعويض يحدده المتعاقدان جزاء على إخلال أحدهما بما تعاقدا عليه ولو لم يصب الآخر ضرر. إنه جزاء على إخلال أحدهما بما تعاقدا عليه. فالمنطلق هنا ليس قاعدة (لا ضرر) أو غير هذه القاعدة وإنما المنطلق هي الأصول العامة التي قررت وجوب الوفاء بما تعاقد عليه الطرفان. وهذه نقطة مهمة.
الشيء الثاني: اعترض على بعض الأخوة ومنهم الشيخ محمد عبد الرحيم بأنني مثلت في بحثي بقولي ألا يكون الشرط مخالفًا للكتاب والسنة، فإذا زوجه أمته بشرط أن يكون ولدها رقاً. . . قلت: هذا الشرط غير صحيح. وأكد أن ابن الأمة هو عبد ولكني أقول بأن المتيقن به لدينا أن الولد يتبع أشرف الأبوين، وحينئذ فلن يكون ولدها بهذه الصورة حتى ولو كانت الأم أمة، لن يكون رقًا وأشار أيضا إلى أنني قلت: إنه إذا تعاقد اشترط في ضمن العقد أنه إذا انصرف أحدهما كان له الحق في الفسخ بشرط أن يدفع كذا من المبلغ، فإذا جعل المبلغ مقابل حق الفسخ قبلته، أما إذا لم يجعل المبلغ مقابل حق الفسخ وانصرف أحدهما بهذا الشكل فهو أكل للمال بالباطل، فرقت بين جعل حق الفسخ وعدمه وناقش الأخ، وأذكره بأني كتبت في ذيل هذا: وإن أمكنت المناقشة في المثل هذا. أنا أيضًا كانت لي مناقشة، لعله لا فرق بين الصورتين فإن الانصراف إنما يكون عند وجود حق الفسخ، واعترض علي لقولي في آخر المقال بأنه إذا كان الشرط الجزائي مطلقًا غير مقيد بترتيب خاص فالظاهر ثبوته في ذمة المتعهد بمجرد عدم قيامه، سواء كان باختيار أو غير اختيار. يقول: لا، في الفتوى التي صدرت تقول الأشياء القهرية ليس عليها جزاء، أنا لا استند إلى هذه الفتوى، استند إلى الأصل في لزوم تنفيذ الشروط، فما دام قد اتفقا مطلقًا، قال: إذا لم يتحقق هذا الشرط من قبلك أو من قبل أي أحد آخر مطلقًا اتفقا على لزوم الجزاء فإن هذا الجزاء يترتب ما دام اتفقا عليه، فإن التزامها هو إمضاء الشرع الشريف لهذا الالتزام يوجب وضعًا وهو تنفيذ الشرط الجزائي، واعتقد أن هذا منسجم مع القواعد بشكل كامل.
هناك نقطة أشار إليها أيضًا الدكتور عبد السلام وهو أن البحوث لم تشر إلى النقطة المهمة التي قصدتها الأمانة العامة وهي مسألة التأخير الذي يحصل في الأقساط وما يترتب عليها من شروط جزائية. أعتقد أن البحوث كلها أشارت إلى هذه النقطة، وطبعًا لو كانت الأمانة العامة تركز على هذه النقطة أو تركز على البدائل المطروحة لكان البحث يتركز على هذا الشيء بشكل كامل.
وعلى أي حال الشرط الجزائي للتأخير في الدفع لا يمكن القبول به، وقد رفضه المجمع كما أعتقد في قرار سابق، وحتى لو دفعت التأخيرات المالية إلى جهة ثالثة ففيها بلا ريب شبهة الربا الصريح الجاهلي الذي تشير إليه النصوص. فعلى أي حال لا أعتقد أن هذا أمر يمكن القبول به.
وشكرًا لكم، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
الشيخ نظام يعقوبي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأبحاث لم تركز على الشرط الجزائي في الديون ، وبعض الإخوة قال: إن هذا الأمر قد حسم بالنسبة لديون المرابحة والتقسيط.في الحقيقة هذا هو موضع الخلاف والإشكال. والمقاولات والاستصناعات لا إشكال كبير فيها وقد أفتت فيها هيئات كبيرة وهو معمول به. المشكلة المماطلة في الديون، ((ومطل الغني ظلم)) كما قال عليه الصلاة والسلام ((ولي الواجد يحل عرضه وعقوبته)) والعقوبة الأصل فيها أن تكون من ولي الأمر كما هو معروف قضاء. المشكلة القضاء في أكثر البلدان بطئ جدًا وفيه تأخير شديد وضياع لكثير من الحقوق لسنوات طويلة، والحق إذا تأخر أخذه لصاحبه فقد ظلم صاحب الحق. لو كان القضاء يسعفنا لما أصبحنا بحاجة إلى مثل هذا، ولكن للأسف بسبب التأخير والتأجيل وضياع الحقوق في معظم المحاكم بل وعدم القدرة على التنفيذ في أكثر الحالات لهذا السبب تتحاكم الدول الإسلامية في عقودها الدولية إلى محاكم لندن وفرنسا، بل حتى في بعض العقود المحلية مثل وزارة في دولة من الدول الإسلامية تعقد عقدًا مع وزارة أخرى في نفس الدولة فنجد أن بند التحاكم يشير إلى محاكم لندن وباريس، ومن قال غير ذلك فأرجو أن يراجع نفسه ويتحقق من هذه المسألة. فهناك مشكلة حقيقية يستغل بعض المتعاملين مع المصارف الإسلامية يستغلونها إذا لم يوجد في عقودها شرط مثل هذه الشروط الجزائية فيأخذون أموالها ثم يودعونه في البنوك الربوية بالربا، ثم يماطلون لسنوات طويلة، ثم بعد عشر سنوات أو عشرين سنة يقولون خذوا أموالكم ليس لكم إلا هذا، وسيدنا عمر – رضي الله عنه – يقول:(لست بالخب ولا الخب يخدعني) . هناك أمثلة واقعية كثيرة لهذه الأمور، فلابد من حل هذه المشكلة الواقعة ولهذه النازلة من النوازل.
الإخوة العلماء والسادة الأفاضل يدعون إلى البنوك الإسلامية وأن تحارب البنوك الربوية، ولكن لابد من إيجاد الحلول العملية ولا يكفي أن نقول كما قال بعض مشائخنا إن هذا واجب الدول ونحن نفتي وكفى، فهذا أظن أنه هروب من المسؤولية، فواجبنا أن نصحح معاملات الناس ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا. كثير من الدول لديها بيروقراطيات ومشاكل وروتين قاتل لا تستطيع أن تغير القوانين والأنظمة في يوم وليلة، وأمر المال والاستثمار أيها الأخوة الكرام يتعلق بالملايين ومئات الملايين والمليارات لا يستطيع أصحاب هذه الملايين أن ينتظروا السنوات الطويلة وأموال البنوك الإسلامية هي أموالنا، هي أموال المودعين والمساهمين، هي أموال المسلمين، ونحن مسؤولون عن هذه الأموال.
الاستثمار اليوم يتم باللحظة وبالدقيقة وبالثانية، والأسواق العالمية تفتح على مدار (24) ساعة، فما هو الحل لهذه المشكلة؟ الربا حرام قطعًا، أخذ الزيادة للدائن نفسه فيه مخالفة أيضًا وشبهة الربا، فأخذت بعض الاجتهادات الجماعية والفردية بقول وسط كما أشار شيخنا القره داغي وهو أن يوضع شرط في العقد بشرط صرف هذه الأموال الزائدة في جهات البر والخير ومصالح المسلمين، كما ذكره بعض الفقهاء من المالكية الحطاب وغيره على جواز اشتراط التصدق على المدين، هذه المسألة المهمة لم يتعرض إليها أحد من الباحثين إلا بحثًا واحدًا عرضًا. فإذا كانت هناك حلول أخرى غير هذا الحل فنرجو أن يأتي بها أصحابها، ولكن لابد أن يحسم قرار مجمعكم الموقر هذا الأمر فهو لا يحتمل التأجيل والتأخير، وبسبب ذلك يتسبب في ضياع أموال المسلمين وذهابها إلى جهات مختلفة كما تعلمون. والله أعلم.
الشيخ عبد الله بن منيع:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينًا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أشكر لسماحة الرئيس هذه الفرصة المباركة، وأسأل الله – سبحانه وتعالى – التوفيق للجميع.
أولًا: قبل البدء في مداخلتي أتقدم بالرجاء إلى سماحة الرئيس وسماحة أمينه بلفت نظر الأخوة إلى حصر المداخلات في الموضوع نفسه حتى تنجلي جوانبه وتتم الإفادة والاستفادة.
ثانيًّا: أؤكد ما أكده مجموعة من الأخوة بأن البحوث التي قدمت بذل أصحابها في سبيل إعدادها مجهودًا مشكورًا، فجزاهم الله خيرًا أو أثابهم ووفقهم.
ثالثًا: في الواقع أتساءل الآن هل الشرط الجزائي تعويض عن ضرر أو عقوبة مالية؟ الذي يظهر لي أن الشرط الجزائي عقوبة مالية في مقابلة الإخلال بالعمل سواء أكان ذلك يتعلق بالعمل نفسه أم يتعلق بزمان أدائه. وقرار هيئة كبار العلماء في الواقع مبادرة من مجلسها قبل خمسة وعشرين عامًا وهو قرار عام، إلا أنني بصفتي أحد أعضائه لم يكن في تصور المجلس إقرار شرط جزائي في العقود في حال التخلف في سداد الديون أحب أن يكون هذا تنبيهًا على قرار المجلس وإن كان ليس لي حق أن أفسر قرار المجلس وإن كنت أحد أفراده لكن التفسير لا يكون إلا من المجلس نفسه، ونحن نبحث هذا الموضوع لم يكن في خلدنا أن يكون الشرط الجزائي خاصًا أو شاملًا لسداد الديون المتأخرة.
والذي يظهر لي أن الشرط الجزائي بالنسبة لسداد الديون هو أخذ بالمنهج الجاهلي: (أتربي أم تقضي) ، بل قد يكون أشد من ذلك لأن المنهج الجاهلي يبدأ عند حلول أجل السداد، وهذا يقر عند التعاقد، فهو إقرار بالربا الجاهلي عند التعاقد. هيئة كبار العلماء اشترطوا في الأخذ بالشرط الجزائي ألا يكن مبالغًا فيه، وفي حالة المبالغة فيه يرجع في تقديره إلى القضاء.
رابعًا: مسألة وهي في الواقع جديرة بالتنبيه؛ ألا يخلط بين الشرط الجزائي وبين العقوبة المالية بالنسبة للمماطل في أداء الحق، فالعقوبة المالية ليست عقوبة على تخلف السداد في المستقبل وإنما هي عقوبة مالية لقاء التأخر في السداد دون النص عليه في العقد أو رضا المماطل.
المثال الذي ذكره الدكتور السالوس – حفظه الله – في تخلف المديونية من ثلاثين ألفًا إلى سبعة وتسعين ألفًا، هذا في الواقع تجاوز في التطبيق، والتجاوزات في التطبيق لا ينبغي أن تأتي على المبادئ أو على القرارات، فكل من تجاوز في تطبيق فتوى، أو في تطبيق قرار، أو في تطبيق أي إجراء لا يجوز أن ينسب إلى القرار نفسه أو للفتوى، وإنما هو منسوب إلى ذلك المتجاوز فضلًا أن هذا التجاوز ليس من الشروط الجزائية المعتبرة.
خامسًا: ورد في بعض البحوث خلط في العربون بين اعتباره شرطًا تعويضيًّا وبين اعتباره شرطًا جزائيًّا، وهو في الواقع تعويض، والواقع أن العربون ليس في مقابلة الإخلال بالوعد، فلا يجوز أن يؤخذ عربون في حال الوعد وإن كان الوعد ملزمًا، لكن ما يؤخذ يمكن أن يعبر عنه بأنه هامش جدية أو شيء من هذا، وهو في الواقع يعتبر أمانة بيد الموعود حتى إذا ترتب عليه ضرر في حال الإخلال بالوعد وعلى اعتبار الإلزام به يكون له حق أخذ الضرر من هذا والذي هو هامش جدية، ولكن ليس عربونًا، فإنما العربون لا يكون إلا بعد تمام البيع بإيجابه وقبوله وانتقال العين من مالكها إلى مشتريها، ويكون للمشتري خيار الرد أو الإمساك مدة معينة ويبذل في سبيل ذلك ما يسمى بالعربون، هذا العربون إن رضي أو اختار الرد صار هذا العربون حقًا للبائع نفسه لقاء حبسه لسلعته، وإن وفى وأمضى العقد صار جزءًا من الثمن.
سادسًا: الدكتور عبد السلام العبادي – حفظه الله – أكد وجود الإشكال في تخلف مديونيات البنوك الإسلامية وأن حصر الشرط الجزائي في العقود والمقاولات وليس في الديون، هذا في الواقع يعتبر إشكالًا، لكننا في الواقع نقول أولًا لا شك أن حصر الشرط الجزائي في العقود وفي التوريدات وفي المقاولات ونحو ذلك، لا شك أن هذا ما يقتضيه الشرط الجزائي، ولكن ما ذكره معالي الدكتور عبد السلام هو صحيح، والآن نفس المصارف الإسلامية تعاني معاناة بالغة ويعتبر أعظم مشكلة وعرقلة في سبيل تقدمها ونجاحها هو هذه الديون المتعثرة. لديها الآن ديون متعثرة عظيمة، وهي بحكم منهجها ممنوعة أو مانعة نفسها من أن ترتب فوائد ربوية.
إذن ماذا يكون؟ المصارف التقليدية تقول: اللهم زد من هذا التأجيل وفي ربح هذا التأجيل. لكن المصارف الإسلامية ماذا تقول؟ تقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. فيجب علينا أن ننظر إلى هذا الشيء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أوجد لنا الحل لكننا في الواقع لا نزال في تردد من قبول هذا الحل مع الأسف الشديد وهو نص نبوي في قوله صلى الله عليه وسلم:((مطل الغني ظلم)) ، وقوله الآخر ((لي الواجد يحل عقوبته وعرضه)) والعموم في قوله صلى الله عليه وسلم يتناول العقوبات المالية، ولهذا أضم صوتي إلى صوت الدكتور عبد السلام في أن البنوك الإسلامية تعاني مشكلة تعثر السداد فلابد من حل لذلك.
والله المستعان، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد الله بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
مسألة الشروط مسألة قديمة قدم الفقه الإسلامي، ولعلكم تعرفون ذلك الرجل الذي سأل في الحج أبا حنيفة وابن شبرمة وابن أبي ليلى فاختلفوا جميعً في موسم الحج ودار عليهم وكل منهم ذكر ما استدل به من أحاديث الشروط. فمسألة الشروط بصفة عامة هي مسألة قديمة.
أما بالنسبة للشرط الجزائي أنا أظن أن الشرط الجزائي بالنسبة للديون منصوص عليه بالتحريم لأنه من ربا الجاهلية. أهل الجاهلية كانوا يبحثون عن تعويض الضرر لتأخر الدين (إما أن تقضي أو تربي)، ولذلك فسر القرطبي – رحمه الله – آيات الدين في قوله تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 279 – 280]، قال: الله سبحانه وتعالى جعل المدينين بين اثنين: موسر يجب عليه رد ما عليه من الدين، ومعسر يجب انتظاره، فلا يوجد قسم ثالث ولا يوجد تفصيل آخر. الموسر ليس عليه إلا أن يجبر على رد الدين والمعسر يجب إنظاره بالدين، وهذا أمر مجمع عليه لا خلاف فيه بين المسلمين.
وقد ذكر البناني على الزرقاني وهو يعلل ذلك، قال: بأن من داينه لا يجب عليه إلا أداء الدين، لأن من داينه داخل على المطل وداخل على أن يفلس وداخل على أن يموت. إذا هذا الشرط هو ربا الجاهلية الذي لا يشك فيه كما يقول الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – أن هذا هو ربا الجاهلية الذي لا يشك فيه إما أن تقضي وإما ان تربي. ومن العجيب أن نرجع اليوم إلى هذا الربا الذي لا يشك فيه وأن نحاول أن نعطيه اسمًا جديدًا كما تستحل الخمر ويعطى لها اسم آخر غير اسم الخمر كما جاء في الحديث.
يبدو لي أن هذه المسألة يجب أن نبت فيها بقوة وأن نبين على المستوى الدولي أن الشرط الجزائي هو الذي أهلك الدول الإسلامية بالديون للبنك الدولي. هذا الشرط (إما أن تقضي وإما أن تربي) هو الذي جعل الديون تتراكم على كثير من دول العالم الإسلامي بحيث أصبحت رهينة بيد البنك الدولي فيجب أن نحاول أن نجعل الاقتصاد العالمي اقتصاد أخلاقيًّا يهتم الأخلاق، وأن يرفع هذا المجلس عقيرته بأن الشرط الجزائي مضر، وأن الربا مضر بالعالم كله لا بالمسلمين فقط.
يجب أن ننبه على ثلاثة أمور:
أولًا: ننبه المجلس على الإفساد الذي أدى إليه الشرط الجزائي على المستوى العالمي.
ثانيًّا: أن نطبق توثيق الديون واتخاذ تدابير صارمة لحجز أموال المدين، وهذا ممكن وذلك بأن نطلب من المحاكم في الدول الإسلامية أن تحدث بعض المصالح التي تهتم بمتابعة الديون، وأعتقد أن هذا ممكن جدًا بحيث تحجز هذه المصالح وهذه المحاكم على أموال المدين الذي لا يريد سداد الدين بدلًا من أن نراكم فوائد هي حرام بإجماع المسلمين، وقائم هذا الإجماع من نص القرآن في تحريم الربا ومن نصوص السنة بأن النبي صلى الله عليه وسلم وضع ربا الجاهلية، وربا الجاهلية نريد أن نكرره في هذا القرن الخامس عشر!!.
ثالثًا: أن نهيب بهذه البنوك الإسلامية التي خرجت على قرارات المجمع أن تعود إليها، وأن نطلب من مجالس الإفتاء في هذه البنوك الإسلامية أن ترجع إلى الصواب وألا تخرج على قرارات مجمع الفقه.
وهذا هو الحل الذي لا أب له ولا أم أن يجعل في صندوق آخر لا تتقاضاه البنوك ولكنه تجعله في صندوق آخر. هذا إلزام للمدين بأموال لا تلزمه شرعًا إما أن يكون موسرًا فيجب أن نلزمه بقضاء هذا الدين، وإما أن يكون معسرًا فلاشيء عيه. أما أن نحدث هذا الحدث وهذه البدعية التي ما أنزل الله بها من سلطان ونحتج بالحديث، هذه المصلحة ملغاة، والحديث قال (العقوبة) العقوبة هذه عقوبة السجن كما أجمع عليه علماء المسلمين في تفسير هذا الحديث. لماذا نخرج عن هذا الإجماع ونحاول أن نجد حلولًا ما أنزل الله بها من سلطان؟ نطلب من البنوك الإسلامية أن تتوثق من زبائنها وأن تكن منضبطة في تسيير أمورها وألا تتعامل إلا مع شخص معروف بالنزاهة والاستقامة، كل هذا ممكن حتى قال علماؤنا – رحمهم الله تعالى -:" وإن ساقيته أو أكريته فألفيته سارقًا لم ينفسخ، وليتحفظ منه كبيعه ولم يعلم لفلسه " وهذا نص خليل.
بمعنى أن النتائج التي يصل إليها الإنسان في عدم تحفظه ليست محسوبة على الشرع، وإذا باعه ولم يعلم بفلسه فهو أسوة الغرماء كغيره.
وشكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
الدكتور رفيق المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم
شيخنا الصديق قال: " الشرط الجزائي ليس عقوبة بل هو تعويض "، وقال أيضًا:" تسميته بالتعويض الاتفافي أولى عندي من تسميته بالشرط الجزائي ".
لفظ الجزاء في اللغة العربية يعني: الثواب والعقاب، وقد يعني الشرط الجزائي ثوابًا (تعويضًا) بالنسبة للقابض، وعقوبة بالنسبة للدافع.
كما أن الجزاء هنا قد يراد منه العقاب دون الثواب، وهو هنا ترجمة للفظ الفرنسي (penalit) ، أو الإنجليزي (penalty) بمعنى العقوبة، والشرط أو البند الجزائي مستمد في اللغتين الفرنسية والإنجليزية من هذا اللفظ penalty- close، pinal close بالإنجليزية، فإذا أدعى الأستاذ الضرير أن الشرط الجزائي ليس جزائيًّا فعليه أن يناقش المسألة لفظًا ومضمونًا، وإن يرد على العرب والأجانب وعلى الفرنسيين والإنجليز وعلى أهل الفقه والقانون.
ثم إن الفوائد التأخيرية ضرب من الشرط الجزائي، ويراعى فيها أن تكون أعلى من الفوائد التعويضية، لما في التأخيرية من معنى الجزاء (العقوبة)، فكيف يقول شيخنا: إن الشرط الجزائي ليس عقوبة أو أن الشرط الجزائي ليس جزائيًّا؟ قال أيضًا: " حاولوا أن يؤصلوا التعويض عن الضرر الأدبي في الفقه الإسلامي فلم يوفقوا في نظري ". وقال أيضًا لدي اقتراح مشروع القرار: " استثني الضرر الأدبي من التعويض ". إني أرى أن المسألة مختلف فيها بين الفقهاء المعاصرين كما ذكر، ولا يمكن أن يتخذ منها موقف بسطر أو بسطرين، بل تحتاج إلى بحوث مفردة، ولم يتعرض لها من الباحثين إلا شيخنا الصديق وبشكل عارض وموجز.
عندي تعليق أو سؤال لأستاذي الشيخ الضرير ولسائر الأساتذة الباحثين في الشرط الجزائي: لو اتفق المتداينان في بيع التقسيط على حلول باقي الأقساط بقيمتها الاسمية لا الحالية إذا تخلف أو تأخر المدين في دفع أحد الأقساط هل يجوز بناء على الشرط الجزائي تعويض فيه معنى الجزاء والعقوبة؟ رأيت ورأى معي باحثون آخرون أن الشرط الجزائي في حالة عدم التنفيذ جائز وفي حالة التأخر في التنفيذ غير جائز. ورأى أستاذنا أن كليهما جائز، لأننا هاهنا أمام التزام لا دين، لكني أسال أستاذنا الضرير: هل بمجرد العدول عن لفظ الالتزام تنجلي الشبهة لدينا، شبهة ربا النسيئة؟ أليس ثمة تقارب بين الالتزام والدين أليس الدين نوعًا من الالتزام؟ ثم لماذا رأى الشيخ الضرير جواز الشرط الجزائي عند التأخر في التوريد ولم ير جوازه عند التأخر في السلم فأي فرق هاهنا بين التوريد والسلم؟
أجاز شيخنا أيضًا الشرط الجزائي على الصانع ومنعه على المستصنع أما كان الأولى أن يمنعه عليهما معًا؟
إن المسألة بحاجة إلى مناقشة أكبر من مجرد تهريبها من الدين إلى الالتزام، ويبقى الشرط الجزائي في حالة التأخير موضع شبهة لم يناقشها الضرير المناقشة الكافية.
قال أيضًا: " والفرق كبير جدًا بين الالتزام والدين ".
أقول: هذه مبالغة كبيرة جدًا. أليس المسلم إليه كالمورد كلاهما يلتزم بتسليم كمية محددة من السلع؟ فأين هذا الفرق الكبير جدا؟! سؤال: لو أن المناقصة غير حكومية بل هي بين طرفين كلاهما من القطاع الخاص وكانت هناك غرامات تأخير أفليست هذه الغرامات من باب الشرط الجزائي؟ ربما يكون سبب ما ذهب إليه الدكتور الضرير هو أنه رأى أن الشرط الجزائي ليس عقوبة وقد سبق الاعتراض على هذا.
اعترض علي في اعتباري غرامات التأخير من الشرط الجزائي ونسبة ذلك للسنهوري.
أما الأول فقد سبق الرد عليه، وأما الثاني فقد قال السنهوري بالنص:" شروط المقاولة قد تتضمن شرطًا جزائيًّا يلزم المقاول بدفع مبلغ معين عن كل يوم أو أسبوع يتأخر فيه المقاول عن تسليم العمل "، وقد نقل الضرير نفسه هذا النص، أليست هذه غرامات تأخير أو شرطًا جزائيًّا عن التأخير؟
وقال أيضًا: إن المملكة العربية السعودية لا تأخذ بالتعويض الاتفاقي للضرر – أي لا تأخذ بالشرط الجزائي – وإنما تفرض غرامة على المقاول المتأخر أليست غرامة التأخير هنا في معنى الشرط الجزائي في حال التأخير؟
تعليقي على ورقة الدكتور حمداتي، لم يستعرض صور الشرط الجزائي، وأجاز الشرط الجزائي بجميع صوره دون استعراض لها، وحكم أن الشرط الجزائي ذو أصول إسلامية لكن ما أراده؟ ربما أضاف أهل القانون صورًا أخرى أو تعديلًا، ولم يبين حكم غرامات التأخير في المناقصات.
وأما باقي البحوث فقد وصلتني متأخرة لم أستطع الإطلاع عليها.
وشكرًا لكم.
الدكتور عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم
عندي تعليق على الموضوع الذي طرحته أنا، أنا لم أعط رأيًّا في الموضوع، بمعنى أنني لم أقل هذا والذي يجب أن يتبنى إنما طلبنا أن تتصدى البحوث وأن يتصدى المجمع لهذه المسألة، وحقيقة عندما قال الشيخ ابن بيه: هذا التنديد الواسع في هذا الأمر، والذي قال به بعض الباحثين، نعم هنالك موسر وهنالك معسر. الموسر عليه أن يدفع والمعسر ينظر حتى يوسر. لكن سؤالنا عن الموسر الذي لا يدفع لذلك كل الذين تصدوا لهذه القضية بالحل الذي ذكرته اشترطوا أن يكون الشخص غير معسر، أما إذا كان معسرًا فلا خلاف بأنه يجب أن ينظر حتى يوسر، ثم القول بأن العقوبة – عقوبة السجن – إجماع، واقتراح فضيلته بالحجر أو بالحجز على أموال المدين هي عقوبة مالية، المطلوب من هذا المجمع قبل أن يحسم في هذا الأمر ويتخذ قرارًا أن يكون لديه مجموعة من البحوث وأن يكون لديه تصدي لهذه القضية حتى إذا قلنا بالتحريم قلنا بناء على استقصاء وبحث واستدلال، وإذا قلنا أيضًا بالجواز ضمن ما اقترحه هؤلاء الأخوة قلنا أيضًا بناء على معرفة وإدراك للمعاني التي أقاموا عليها رأيهم وكلامهم.
نعم هذه القضية كبيرة كما أشار إليها بعض الأخوة ولذلك فالحسم في هذا الموضوع بهذه الطريقة واعتبارها إحياء لمفاهيم الجاهلية بهذا الأسلوب الذي تستعمل فيه العبارات الشديدة، حقيقة يجب ألا يكون إلا بعد بحث واستقصاء.
وأحب أن أقول لأخي الكريم إن المديونية والبنك الدولي ليس مشكلتها مشكلة الشرط الجزائي، مشكلتها مشكلة الاقتراض بربا، الأصل في القروض أنها قروض ربوية، أما موضوع أن الفوائد تزيد بتأخير السداد فهذا موضوع لاحق ولا علاقة له بالشرط الجزائي وشكرًا.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مع الأخذ في الاعتبار بما صدر في قرارات المجلس السابقة ترون مناسبًا أن تتألف لجنة إعداد مشروع القرار بالإضافة إلى العارض والمقرر: الشيخ الصديق، الشيخ وهبة الزحيلي، الشيخ عبد الله بن بيه، الشيخ محمد عبد الرحيم.
الأمين العام:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هناك ملاحظة قد تسمونها تنظيمية أو ترتيبيه أو غير ذلك لكن أنا أطرحها. أطرحها من أجل الحد من هذا الخلاف الذي لاحظناه في كتابة البحوث ومن حيث المنهجية، ومن حيث الشمول، ومن حيث الانتشار، فكل واحد منا عندما يكتب يسلك المنهج الذي أعتاده ويريده، ولكن كثرة الموضوعات تندرج في البحث الواحد تجعل الناس غير قادرين على الخروج بنتيجة، ويجري الكلام هنا في هذه القاعدة كما لاحظته من الجلسة الأولى تكرارًا واجترارًا، بمعنى كأن كل واحد كتب في هذا الموضوع وما عنده يعرضه ولا يمسك عنه إذا سمع أن البحث قد سبق إليه أحد. نحن نريد أن ننتهي من هذه الجلسات إلى أشياء عملية، إلى قرارات، ولذلك عندما تعرض القضية بشكل آخر أو الموضوع بشكل آخر أي أن يكون الموضوع مثلًا يشكل بأربعة عناصر أو أربعة محاور فإن الموضوع الواحد يعطي لكل الإخوان الذين يريدون الكتابة فيه لكن مع تحديد المحور، وبهذا الشكل نستطيع أن نناقش المحاور التي وردت في الموضوعات كلها ونخرج بنتيجة إن شاء الله.
وشكرًا لحضراتكم.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
قرار رقم: 109 (3 / 12)
بشأن موضوع
الشرط الجزائي
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشر بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421 هـ إلى غرة رجب 1421 هـ (23 – 28 سبتمبر 2000 م) .
بعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع (الشرط الجزائي) وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه وعدد من الفقهاء.
قرر ما يلي:
أولًا: الشرط الجزائي في القانون هو اتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه من شرط له عن الضرر الذي يلحقه إذا لم ينفذ الطرف الآخر ما التزم به، أو تأخر في تنفيذه.
ثانيًّا: يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في السلم رقم 85 (2 / 9)، ونصه:(لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه؛ لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الدين عند التأخير "، وقراره في الاستصناع رقم 65 (3/7) . ونصه: " يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطًا جزائيًّا بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة "، وقراره في البيع بالتقسيط رقم 51 (2 / 6) ونصه:" إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط بعد الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم ".
ثالثًا: يجوز أن يكون الشرط الجزائي مقترنًا بالعقد الأصلي، كما يجوز أن يكون في اتفاق لاحق قبل حدوث الضرر.
رابعًا: يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دينًا؛ فإن هذا من الربا الصريح.
وبناء على هذا، فيجوز هذا الشرط – مثلًا في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول، وعقد التوريد بالنسبة للمورد، وعقد الاسصتناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفذ ما التزم به أو تأخر في تنفيذه.
ولا يجوز – مثلًا – في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية سواء كان بسبب الإعسار، أو المماطلة، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصنع إذا تأخر في أداء ما عليه.
خامسًا: الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي، وما لحق المضرور من خسارة حقيقية، وما فاته من كسب مؤكد، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي.
سادسًا: لا يعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شرط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسبب خارج عن إرادته، أو أثبت أن من شرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد.
سابعًا: يجوز للمحكمة بناء على طلب أحد الطرفين أن تعدل في مقدار التعويض إذا وجدت مبررًا لذلك، أو كان مبالغًا فيه.
توصيات:
- يوصي المجمع بعقد ندوة متخصصة لبحث الشروط والتدابير التي تقترح للمصارف الإسلامية لضمان حصولها على الديوان المستحقة لها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.